عبدالله العذبة
07-06-2009, 01:24 PM
موت المُـقدِّم!
ثمة فوارق كبيرة بين التحقيق الجنائي والحوار تلفزيوني، البعض لا يدرك الحدود الفاصلة بين الأمرين، ورغم أن الفصل بين الأمرين واحد من المسلمات المعروفة في العمل التلفزيوني، فإن ذلك يختلط على البعض من أهل المهنة، وينسحب عدم الفهم هذا على جمهور المشاهدين في كثير من الأحيان، فتتداخل الأمور وتضيع السلطات وتُشوّه الصورة الحوارية التلفزيونية وتتراجع رسالة الإعلام من أجل خدمة الذات التقديمية!
سؤال مهم يجب الإجابة عليه قبل الخوض في قضيتنا الرئيسية، وهو لماذا يشاهد الناس التلفزيون؟
يمكن القول بشكل عام إنهم يبحثون عن مادة معينة، تقدم بطريقة ما تحوز على إعجابهم ورضاهم، ويقوم على هذه الطريقة أشخاص ينالون غالباً رضا المشاهد كونهم جزءاً من هذه العملية المتداخلة مع بعضها البعض، إلا أن كثيراً من معشر (الوسطاء التلفزيونيين) يتوهمون أو يوهمون أنفسهم بعكس هذه القاعدة، فيتخيلون أنه لا المادة التي يبحث عنها المتلقي ولا الوسيلة التي عبرها تمر هذه المادة ولا الكيفية التي تقدم بها، وحدها ذاتُ المقدم وابتسامته الساذجة ووهمُه الكبير سيد المشهد!
هذه الحالة إلى ماذا أدت؟
أخذتنا إلى التعقيدات والتجاوزات الحاصلة اليوم، بدأ العاملون في البرامج التلفزيونية يرسمون حدودهم الخاصة كيفما اتفق، ويحددون سلطاتهم كما يريدون ويشتهون، وأصبحنا أمام فوضى الحوار والإعلام في وقت نحن أحوج فيه إلى تأسيس القواعد لمهنة ابتليت بالطارئين والطامحين والواهمين فضلاً عن الجهلة والموتورين، وبدأنا بعقد المحاكمات ذات الطابع الجنائي واستبحنا كرامة السياسيين باتهامات ما أنزل الله بها من سلطان، وليس هنا محل الإشكال الرئيسي بل في الحق الذي نمنحه لأنفسنا والدور الذي نتوهمه، بإمكان المرء أن يقول ما يشاء وأن يوجه لضيفه ما يشاء ناقلاً له ما يدور حوله، وذلك يتم عبر استيعاب الضيف كاملاً والحدث الذي يدور حوله النقاش وصياغته من جديد بما يلائم شكل ومضمون الحوار التلفزيوني، لكن ليس لنا أن نتوهم لأنفسنا سلطة مطلقة تبيح لنا قول ما نشاء وكيف نشاء، ثمة فرق بين ما يدور في المجالس وبين ما يقال وينقل عبر شاشات التلفزيون، يمكن نقل كافة مضامين الحوار والجدل المجتمعي لكن بصورة تخضع لاعتبارات الوسيلة الإعلامية والجمهور الذي يتلقى رسالتها.
أكبر مصيبة أن يحمل حوار تلفزيوني عنوانا رئيسياً واحداً، تسخيف الضيف لمقدمه وتجهيله، ينظر الضيف بازدراء واحتقار كبيرين للمقدم، ونحن كمشاهدين نفعل ذلك بشكل مضاعف، ورغم هذا، ذات المقدم «الإله وابتسامته الساذجة تتضخم باستمرار، للدرجة التي تجعلك تهرب بعيداً عن الشاشة خوفاً من انفجار بركان السخافة وطغيان حممه على منزلك والمنازل المجاورة، ومع ذلك، ومع تكرار الضيف المثير حديثه عن المستوى (مستوى الحلقة الواطي!!)
لا تتوقف المقاطعات، والاتهامات الجنائية، والادعاءات، والابتسامات الساذجة، والضحكات الأكثر سذاجة، وهنا ثمة تحدٍ بين الأقطاب الثلاثة، الضيف والمقدم والمشاهد، من يتقيأ على الآخر أولاً، ومن يتقيأ أكثر!!، ويبقى المقدم دائماً في المقدمة!
في الغرب، الذي نشتم إعلامه ليل نهار، تقوم المقابلات التلفزيونية على تقديم كافة الأسئلة، والأسئلة الأكثر صعوبة واحترافاً، ويتم ذلك دون أن تشعر بالمقدم، ودون ابتسامات ساذجة هذه المرة، ودون مقاطعات لا تنتهي، وفي أقصر وقت ممكن، ودون بكاء أو ضحك!!
هذا المقدم المختفي، يحصل على ملايين الدولارات، ولا يقول لك إن برامجه تدرس في الجامعات (رغم أن ذلك يحدث فعلاً)، بعكس برامجنا التي تدرّس لتلافي عيوبها، ودون أن يقدّم المقدم برنامجاً عن نفسه!!، ودون أن يتقيأ على المشاهد.
لذا، علينا أن نتعلم الكثير، وأن نصحح في مساراتنا قبل أن يفوت الوقت المناسب لذلك!.
بقلم الإعلامي علي الظفيري
المصدر العرب 31-5-2009
http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=84174&issueNo=524&secId=15
ثمة فوارق كبيرة بين التحقيق الجنائي والحوار تلفزيوني، البعض لا يدرك الحدود الفاصلة بين الأمرين، ورغم أن الفصل بين الأمرين واحد من المسلمات المعروفة في العمل التلفزيوني، فإن ذلك يختلط على البعض من أهل المهنة، وينسحب عدم الفهم هذا على جمهور المشاهدين في كثير من الأحيان، فتتداخل الأمور وتضيع السلطات وتُشوّه الصورة الحوارية التلفزيونية وتتراجع رسالة الإعلام من أجل خدمة الذات التقديمية!
سؤال مهم يجب الإجابة عليه قبل الخوض في قضيتنا الرئيسية، وهو لماذا يشاهد الناس التلفزيون؟
يمكن القول بشكل عام إنهم يبحثون عن مادة معينة، تقدم بطريقة ما تحوز على إعجابهم ورضاهم، ويقوم على هذه الطريقة أشخاص ينالون غالباً رضا المشاهد كونهم جزءاً من هذه العملية المتداخلة مع بعضها البعض، إلا أن كثيراً من معشر (الوسطاء التلفزيونيين) يتوهمون أو يوهمون أنفسهم بعكس هذه القاعدة، فيتخيلون أنه لا المادة التي يبحث عنها المتلقي ولا الوسيلة التي عبرها تمر هذه المادة ولا الكيفية التي تقدم بها، وحدها ذاتُ المقدم وابتسامته الساذجة ووهمُه الكبير سيد المشهد!
هذه الحالة إلى ماذا أدت؟
أخذتنا إلى التعقيدات والتجاوزات الحاصلة اليوم، بدأ العاملون في البرامج التلفزيونية يرسمون حدودهم الخاصة كيفما اتفق، ويحددون سلطاتهم كما يريدون ويشتهون، وأصبحنا أمام فوضى الحوار والإعلام في وقت نحن أحوج فيه إلى تأسيس القواعد لمهنة ابتليت بالطارئين والطامحين والواهمين فضلاً عن الجهلة والموتورين، وبدأنا بعقد المحاكمات ذات الطابع الجنائي واستبحنا كرامة السياسيين باتهامات ما أنزل الله بها من سلطان، وليس هنا محل الإشكال الرئيسي بل في الحق الذي نمنحه لأنفسنا والدور الذي نتوهمه، بإمكان المرء أن يقول ما يشاء وأن يوجه لضيفه ما يشاء ناقلاً له ما يدور حوله، وذلك يتم عبر استيعاب الضيف كاملاً والحدث الذي يدور حوله النقاش وصياغته من جديد بما يلائم شكل ومضمون الحوار التلفزيوني، لكن ليس لنا أن نتوهم لأنفسنا سلطة مطلقة تبيح لنا قول ما نشاء وكيف نشاء، ثمة فرق بين ما يدور في المجالس وبين ما يقال وينقل عبر شاشات التلفزيون، يمكن نقل كافة مضامين الحوار والجدل المجتمعي لكن بصورة تخضع لاعتبارات الوسيلة الإعلامية والجمهور الذي يتلقى رسالتها.
أكبر مصيبة أن يحمل حوار تلفزيوني عنوانا رئيسياً واحداً، تسخيف الضيف لمقدمه وتجهيله، ينظر الضيف بازدراء واحتقار كبيرين للمقدم، ونحن كمشاهدين نفعل ذلك بشكل مضاعف، ورغم هذا، ذات المقدم «الإله وابتسامته الساذجة تتضخم باستمرار، للدرجة التي تجعلك تهرب بعيداً عن الشاشة خوفاً من انفجار بركان السخافة وطغيان حممه على منزلك والمنازل المجاورة، ومع ذلك، ومع تكرار الضيف المثير حديثه عن المستوى (مستوى الحلقة الواطي!!)
لا تتوقف المقاطعات، والاتهامات الجنائية، والادعاءات، والابتسامات الساذجة، والضحكات الأكثر سذاجة، وهنا ثمة تحدٍ بين الأقطاب الثلاثة، الضيف والمقدم والمشاهد، من يتقيأ على الآخر أولاً، ومن يتقيأ أكثر!!، ويبقى المقدم دائماً في المقدمة!
في الغرب، الذي نشتم إعلامه ليل نهار، تقوم المقابلات التلفزيونية على تقديم كافة الأسئلة، والأسئلة الأكثر صعوبة واحترافاً، ويتم ذلك دون أن تشعر بالمقدم، ودون ابتسامات ساذجة هذه المرة، ودون مقاطعات لا تنتهي، وفي أقصر وقت ممكن، ودون بكاء أو ضحك!!
هذا المقدم المختفي، يحصل على ملايين الدولارات، ولا يقول لك إن برامجه تدرس في الجامعات (رغم أن ذلك يحدث فعلاً)، بعكس برامجنا التي تدرّس لتلافي عيوبها، ودون أن يقدّم المقدم برنامجاً عن نفسه!!، ودون أن يتقيأ على المشاهد.
لذا، علينا أن نتعلم الكثير، وأن نصحح في مساراتنا قبل أن يفوت الوقت المناسب لذلك!.
بقلم الإعلامي علي الظفيري
المصدر العرب 31-5-2009
http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=84174&issueNo=524&secId=15