بوخالد2
15-01-2006, 12:05 PM
انظر الى عظمة الله
--------------------------------------------------------------------------------
هذا النص القرآني المعجز جاء في الربع الأخير من سورة غافر وهي سورة مكية, عدد آياتها85, وقد سميت بهذا الاسم الجليل غافر الذي هو صفة من صفات الله العلا لوروده في مطلع السورة, وفي ثناياها بصيغة الغفار وهو من أسماء الله الحسني.
ويدور محور سورة غافر حول قضيتي الإيمان والكفر, وصراع أهليهما عبر التاريخ, ومحاولات أهل الباطل للعلو, في الأرض, والتجبر علي الخلق بغير الحق ــ تماما كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية وذنبها الأعوج المسمي إسرائيل, وحلفاؤهما اليوم ــ وترد آيات السورة الكريمة باستعراض لبأس الله الذي يأخذ المتجبرين في الأرض أخذ عزيز مقتدر, وتشير إلي عدد من مصارع الغابرين الذين طغوا وبغوا في الأرض بغير الحق, فكان جزاؤهم من الله الإفناء الكامل, وما ذلك علي الله بعزيز...!!
وتبدأ سورة غافر بالحرفين المقطعين حم وبهما تبدأ سبع سور من سور القرآن الكريم وتسمي بالحواميم أو بــ آل حم والحروف المقطعة التي تفتتح بها تسع وعشرون سورة من سور القرآن الكريم, والتي تضم أسماء نصف حروف الهجاء العربية الثمانية والعشرين تعتبر من أسرار القرآن التي لم يتم اكتشافها بعد, وإن بذلت محاولات عديدة من أجل ذلك.
ويلي هذا الاستفتاح بيان من الله( تعالى) بأن القرآن الكريم هو تنزيل من الله العزيز العليم الذي وصف ذاته العلية بقوله: غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير* والغفر هو الستر والمحو والتكفير, و(الطول) هو الفضل والإنعام عن غني وسعة واقتدار.
وتخاطب الآيات خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله( صلي الله عليه وسلم) بالحقيقة الواقعة: أنه لا يجادل في آيات الله بغير علم إلا الذين كفروا, وأنه لا يجوز أن يحزنه تقلب الكافرين في البلاد بشيء من السلطان والبطش( كما ينقلب الأمريكان والإسرائيليون وأعوانهم اليوم) فإن ذلك استدراج لهم, حتى إذا ما بالغوا في جرائمهم أخذهم الله بذنوبهم أخذ من سبقوهم من الأمم الكافرة والمشركة من أمثال قوم نوح والأحزاب الذين أفسدوا في الأرض إفسادا كبيرا, فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر, وتؤكد السورة أن مصيرهم إلي جهنم وبئس المصير...!!
وتحدثت السورة عن حملة العرش وعمن حولهم من الملائكة الذين يسبحون بحمد الله ويؤمنون به, ويستغفرون للمؤمنين من أهل الأرض, ويدعون للذين تابوا منهم بالنجاة من عذاب الجحيم, ويسألون الله( تعالى) لهم, ولمن صلح من آبائهم, وأزواجهم, وذرياتهم جنات عدن, وأن يقيهم السيئات, كما تعرض لشئ من أحوال الكافرين والمشركين يتذللون بين يدي الله يوم القيامة في انكسار واضح وهم يقولون: (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) (غافر:11)
وتستشهد السورة بالعديد من آيات الله في الكون, وتوصي المؤمنين بالثبات علي التوحيد الخالص لله ولو كره الكافرون, وتصفه( سبحانه وتعالى) بأنه: رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره علي من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق* وهو يوم التقاء الخلق في المحشر, وهو يوم عصيب, يبرز فيه الخلق أمام الله( تعالى) لا يخفي علي الله منهم شيء, وينادي فيهم المنادي: لمن الملك اليوم؟ ويأتي الجواب حاسما, جازما قاطعا: لله الواحد القهار و(الروح) هنا هي الوحي والنبوة لأن القلوب تحيا بهما كما تحيا الأجساد بأرواحها...!!
ويأتي القرار الإلهي: اليوم تجزي كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب.
وتحذر الآيات من أهوال يوم القيامة: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ) (غافر:18).
وتؤكد أن الله( تعالى) يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور(وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (غافر:20).
وتعتب الآيات علي الذين لم يعتبروا بمصارع الأمم البائدة والذين( كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ)(غافر: من الآية21) وتعرض السورة لقصة سيدنا موسي( عليه السلام) مع كل من فرعون وهامان وقارون, ومحاولة فرعون القضاء علي الحق وجنده وأتباعه, قمعا للإيمان, ونشرا للشرك والكفر والطغيان( تماما كما يفعل الأمريكان وحلفاؤهم اليوم) وتشير إلي مؤمن آل فرعون الذي كان يخفي إيمانه, وحديثه إلي قومه, وتحذيره إياهم من مصائر الغابرين من أقوام نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ومن أهوال يوم التناد, ومن إهمالهم دعوة يوسف( عليه السلام) من قبل, ومن اغترارهم بالدنيا ومتاعها الزائل بينما الآخرة هي دار القرار, وذلك كله بشئ من اللطف والحذر.
وتتحدث الآيات عن كيف زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل فحاق بآل فرعون سوء العذاب في الدنيا( بغرقه في اليم هو وجنده وأعوانه ونجاة رسول الله موسي ومن آمن معه), وفي قبورهم, كما تؤكد الآيات, ويوم تقوم الساعة حيث يلقون أشد العذاب.
وتعرض الآيات للحوار بين الذين اتبعوا والذين اتبعوا وهم في النار, ورجاؤهم في مذلة بادية إلي خزنة جهنم كي يدعوا الله تعالى أن يخفف عنهم يوما من العذاب....!!
وتؤكد الآيات أن الله تعالى ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد, وتعرض لشيء من أخبار سيدنا موسي( عليه السلام) مع بني إسرائيل, وتأمر المصطفي(صلي الله عليه وسلم) بالصبر والاستغفار والتسبيح بحمد الله بالعشي والإبكار, والاستعاذة بالله من الكبر الكاذب الذي يتخفى وراءه الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم.
وكما لا يستوي الأعمى والبصير لا يستوي المسيئون والصالحون, وتجزم الآيات بأن الساعة آتية لا ريب فيها, وتطالب المؤمنين بالتوجه إلي الله تعالى بالدعاء, فيستجيب لهم, لأن الدعاء هو قمة الخضوع لله بالطاعة, وأن الذين يستكبرون عن الدعاء سوف يدخلون جهنم داخرين...
وتصف الآيات شيئاً من أحوال المكذبين بكتب الله ورسله من الكفار والمشركين, وتوصي رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بالثبات علي التوحيد الخالص لله, والصبر علي ما يلقي من عناد الكافرين, وتؤكد أن وعد الله حق, وأن الله( تعالى) قد أرسل رسلا من قبل, قص شيئا من أخبار بعضهم عليه, ولم يقصص عن البعض الآخر, وأنه ما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله, فإذا جاءت الآية... وجحد بها المكذبون..! استحقوا حينئذ عقاب رب العالمين فخسروا خسرانا مبينا...!!
وتختتم السورة بعتاب للمرة الثانية علي الذين لم يعتبروا بمصارع الأمم البائدة من قبلهم والذين كانوا أكثر منهم عددا, وأشد منهم قوة وأثارا في الأرض, فما أغني عنهم ما كانوا يكسبون, لأنهم كذبوا رسل الله إليهم, واستعلوا عليهم بما كان عندهم من العلم فحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون, فلما رأوا عقاب الله محيطا بهم قالوا: آمنا بالله وحده, وكفرنا بما كنا به مشركين, ولكن ما كان ينفعهم هذا الإيمان الاضطراري بعد أن رأوا العذاب واقعا بهم, وهي سنة الله التي قد خلت في عباده, وخسر هنالك الكافرون...!!
ومن الآيات الكونية التي استشهدت بها السورة علي توحيد الألوهية, والربوبية, وتنزيه الأسماء والصفات لهذا الخالق العظيم, والاستدلال علي طلاقة قدرته في إبداعه لخلقه ما يلي:
(1) إنزال الرزق من السماء.
(2) تضاؤل خلق الناس ــ علي عظمته ــ بجوار خلق السماوات والأرض.
(3) حتمية الآخرة.
(4) تخصيص الليل لراحة وسكون العباد وجعل النهار مبصرا.
(5) حقيقة الخلق ووحدانية الخالق.
(6) أن الله( تعالى) قد جعل الأرض قرارا, والسماء بناء.
(7) وأنه( تعالى) قد صور بني الإنسان فأحسن صورهم, ورزقهم من الطيبات.
(8) أن الله( تعالى) خلق الناس من تراب, ثم من نطفة, ثم من علقة, ثم يخرجهم طفلا, تم يبلغوا أشدهم, ثم ليكونوا شيوخا, حتى يبلغوا أجلا مسمي, فيتوفاهم الله ومنهم من يتوفى من قبل.
(9) أن الله( تعالى) هو الذي يحيي ويميت, فإذا قضي أمرا فإنما يقول له كن فيكون.
(10) خلق الله( تعالى) الأنعام ليركب الناس منها, ومنها يأكلون.
(11) مكن الله( تعالى) بقدرته مياه البحار أن تحمل الفلك بقوانين الطفو حتى تكون وسيلة لنقل الناس وحمل أمتعتهم.
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي أكثر من مقال لاستيعابها, ولذلك فسوف أقصر الحديث هنا علي جعل الأرض قرارا وأبدأ بدلالة تلك اللفظة في اللغة العربية.
مدلول اللفظة( قرارا) في اللغة العربية
يقال في العربية( قر) في مكانه( يقر)( قرارا) إذا ثبت ثبوتا جامدا, وأصله من( القر) وهو البرد لأنه يقتضي السكون, والحر يقتضي الحركة, و(القرار) المستقر من الأرض, و(القرار) في المكان( الاستقرار) فيه تقول:( قررت) بالمكان بالكسر( أقر)( قرارا), و(قررت) أيضا بالفتح( قرارا) و(قرورا), و(استقر) فلان إذا تحري( القرار), و(الإقرار): إثبات الشيء.
قال( تعالى): الله الذي جعل لكم الأرض قرارا... أي مستقرا تعيشون فيها, ويسأل( سبحانه وتعالى) سؤال التبكيت للكافرين بقوله: أمن جعل الأرض قرارا...( النمل:61) أي مستقرا, وقال( تعالى) في صفة الآخرة: (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) (غافر:39) .
وقال في أصحاب الجنة:
(أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) (الفرقان:24).
وقال سبحانه وتعالى: (خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً) (الفرقان:76).
وقال في وصف النار (إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً) (الفرقان:66) .
وقال( عز من قائل): (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ) (إبراهيم:29) .
وقال( سبحانه وتعالى):... (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)(لأعراف: من الآية24).
وقال( جل شأنه): (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) (الأنعام:98)
أقوال المفسرين:
في تفسير قوله( تعالى): (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (غافر:64)
ذكر أبن كثير( يرحمه الله) ما نصه:.... أي جعلها لكم مستقرا, تعيشون عليها وتتصرفون فيها, وتمشون في مناكبها...
وذكر صاحبا تفسير الجلالين( رحمهما الله رحمة واسعة) ما نصه: أي مكانا لاستقراركم وحياتكم.
وجاء في الظلال:( رحم الله كاتبها رحمة واسعة) ما نصه:.... والأرض قرار صالح لحياة الإنسان بتلك الموافقات الكثيرة التي أشرنا إلي بعضها إجمالا....
وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن على كاتبه من الله الرضوان ما نصه:( الأرض قرارا) مستقرا تعيشون فيها..
وجاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم ما نصه: الله ــ وحده ــ الذي جعل لكم الأرض مستقرة صالحة لحياتكم عليها.....
--------------------------------------------------------------------------------
هذا النص القرآني المعجز جاء في الربع الأخير من سورة غافر وهي سورة مكية, عدد آياتها85, وقد سميت بهذا الاسم الجليل غافر الذي هو صفة من صفات الله العلا لوروده في مطلع السورة, وفي ثناياها بصيغة الغفار وهو من أسماء الله الحسني.
ويدور محور سورة غافر حول قضيتي الإيمان والكفر, وصراع أهليهما عبر التاريخ, ومحاولات أهل الباطل للعلو, في الأرض, والتجبر علي الخلق بغير الحق ــ تماما كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية وذنبها الأعوج المسمي إسرائيل, وحلفاؤهما اليوم ــ وترد آيات السورة الكريمة باستعراض لبأس الله الذي يأخذ المتجبرين في الأرض أخذ عزيز مقتدر, وتشير إلي عدد من مصارع الغابرين الذين طغوا وبغوا في الأرض بغير الحق, فكان جزاؤهم من الله الإفناء الكامل, وما ذلك علي الله بعزيز...!!
وتبدأ سورة غافر بالحرفين المقطعين حم وبهما تبدأ سبع سور من سور القرآن الكريم وتسمي بالحواميم أو بــ آل حم والحروف المقطعة التي تفتتح بها تسع وعشرون سورة من سور القرآن الكريم, والتي تضم أسماء نصف حروف الهجاء العربية الثمانية والعشرين تعتبر من أسرار القرآن التي لم يتم اكتشافها بعد, وإن بذلت محاولات عديدة من أجل ذلك.
ويلي هذا الاستفتاح بيان من الله( تعالى) بأن القرآن الكريم هو تنزيل من الله العزيز العليم الذي وصف ذاته العلية بقوله: غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير* والغفر هو الستر والمحو والتكفير, و(الطول) هو الفضل والإنعام عن غني وسعة واقتدار.
وتخاطب الآيات خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله( صلي الله عليه وسلم) بالحقيقة الواقعة: أنه لا يجادل في آيات الله بغير علم إلا الذين كفروا, وأنه لا يجوز أن يحزنه تقلب الكافرين في البلاد بشيء من السلطان والبطش( كما ينقلب الأمريكان والإسرائيليون وأعوانهم اليوم) فإن ذلك استدراج لهم, حتى إذا ما بالغوا في جرائمهم أخذهم الله بذنوبهم أخذ من سبقوهم من الأمم الكافرة والمشركة من أمثال قوم نوح والأحزاب الذين أفسدوا في الأرض إفسادا كبيرا, فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر, وتؤكد السورة أن مصيرهم إلي جهنم وبئس المصير...!!
وتحدثت السورة عن حملة العرش وعمن حولهم من الملائكة الذين يسبحون بحمد الله ويؤمنون به, ويستغفرون للمؤمنين من أهل الأرض, ويدعون للذين تابوا منهم بالنجاة من عذاب الجحيم, ويسألون الله( تعالى) لهم, ولمن صلح من آبائهم, وأزواجهم, وذرياتهم جنات عدن, وأن يقيهم السيئات, كما تعرض لشئ من أحوال الكافرين والمشركين يتذللون بين يدي الله يوم القيامة في انكسار واضح وهم يقولون: (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) (غافر:11)
وتستشهد السورة بالعديد من آيات الله في الكون, وتوصي المؤمنين بالثبات علي التوحيد الخالص لله ولو كره الكافرون, وتصفه( سبحانه وتعالى) بأنه: رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره علي من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق* وهو يوم التقاء الخلق في المحشر, وهو يوم عصيب, يبرز فيه الخلق أمام الله( تعالى) لا يخفي علي الله منهم شيء, وينادي فيهم المنادي: لمن الملك اليوم؟ ويأتي الجواب حاسما, جازما قاطعا: لله الواحد القهار و(الروح) هنا هي الوحي والنبوة لأن القلوب تحيا بهما كما تحيا الأجساد بأرواحها...!!
ويأتي القرار الإلهي: اليوم تجزي كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب.
وتحذر الآيات من أهوال يوم القيامة: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ) (غافر:18).
وتؤكد أن الله( تعالى) يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور(وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (غافر:20).
وتعتب الآيات علي الذين لم يعتبروا بمصارع الأمم البائدة والذين( كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ)(غافر: من الآية21) وتعرض السورة لقصة سيدنا موسي( عليه السلام) مع كل من فرعون وهامان وقارون, ومحاولة فرعون القضاء علي الحق وجنده وأتباعه, قمعا للإيمان, ونشرا للشرك والكفر والطغيان( تماما كما يفعل الأمريكان وحلفاؤهم اليوم) وتشير إلي مؤمن آل فرعون الذي كان يخفي إيمانه, وحديثه إلي قومه, وتحذيره إياهم من مصائر الغابرين من أقوام نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ومن أهوال يوم التناد, ومن إهمالهم دعوة يوسف( عليه السلام) من قبل, ومن اغترارهم بالدنيا ومتاعها الزائل بينما الآخرة هي دار القرار, وذلك كله بشئ من اللطف والحذر.
وتتحدث الآيات عن كيف زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل فحاق بآل فرعون سوء العذاب في الدنيا( بغرقه في اليم هو وجنده وأعوانه ونجاة رسول الله موسي ومن آمن معه), وفي قبورهم, كما تؤكد الآيات, ويوم تقوم الساعة حيث يلقون أشد العذاب.
وتعرض الآيات للحوار بين الذين اتبعوا والذين اتبعوا وهم في النار, ورجاؤهم في مذلة بادية إلي خزنة جهنم كي يدعوا الله تعالى أن يخفف عنهم يوما من العذاب....!!
وتؤكد الآيات أن الله تعالى ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد, وتعرض لشيء من أخبار سيدنا موسي( عليه السلام) مع بني إسرائيل, وتأمر المصطفي(صلي الله عليه وسلم) بالصبر والاستغفار والتسبيح بحمد الله بالعشي والإبكار, والاستعاذة بالله من الكبر الكاذب الذي يتخفى وراءه الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم.
وكما لا يستوي الأعمى والبصير لا يستوي المسيئون والصالحون, وتجزم الآيات بأن الساعة آتية لا ريب فيها, وتطالب المؤمنين بالتوجه إلي الله تعالى بالدعاء, فيستجيب لهم, لأن الدعاء هو قمة الخضوع لله بالطاعة, وأن الذين يستكبرون عن الدعاء سوف يدخلون جهنم داخرين...
وتصف الآيات شيئاً من أحوال المكذبين بكتب الله ورسله من الكفار والمشركين, وتوصي رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بالثبات علي التوحيد الخالص لله, والصبر علي ما يلقي من عناد الكافرين, وتؤكد أن وعد الله حق, وأن الله( تعالى) قد أرسل رسلا من قبل, قص شيئا من أخبار بعضهم عليه, ولم يقصص عن البعض الآخر, وأنه ما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله, فإذا جاءت الآية... وجحد بها المكذبون..! استحقوا حينئذ عقاب رب العالمين فخسروا خسرانا مبينا...!!
وتختتم السورة بعتاب للمرة الثانية علي الذين لم يعتبروا بمصارع الأمم البائدة من قبلهم والذين كانوا أكثر منهم عددا, وأشد منهم قوة وأثارا في الأرض, فما أغني عنهم ما كانوا يكسبون, لأنهم كذبوا رسل الله إليهم, واستعلوا عليهم بما كان عندهم من العلم فحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون, فلما رأوا عقاب الله محيطا بهم قالوا: آمنا بالله وحده, وكفرنا بما كنا به مشركين, ولكن ما كان ينفعهم هذا الإيمان الاضطراري بعد أن رأوا العذاب واقعا بهم, وهي سنة الله التي قد خلت في عباده, وخسر هنالك الكافرون...!!
ومن الآيات الكونية التي استشهدت بها السورة علي توحيد الألوهية, والربوبية, وتنزيه الأسماء والصفات لهذا الخالق العظيم, والاستدلال علي طلاقة قدرته في إبداعه لخلقه ما يلي:
(1) إنزال الرزق من السماء.
(2) تضاؤل خلق الناس ــ علي عظمته ــ بجوار خلق السماوات والأرض.
(3) حتمية الآخرة.
(4) تخصيص الليل لراحة وسكون العباد وجعل النهار مبصرا.
(5) حقيقة الخلق ووحدانية الخالق.
(6) أن الله( تعالى) قد جعل الأرض قرارا, والسماء بناء.
(7) وأنه( تعالى) قد صور بني الإنسان فأحسن صورهم, ورزقهم من الطيبات.
(8) أن الله( تعالى) خلق الناس من تراب, ثم من نطفة, ثم من علقة, ثم يخرجهم طفلا, تم يبلغوا أشدهم, ثم ليكونوا شيوخا, حتى يبلغوا أجلا مسمي, فيتوفاهم الله ومنهم من يتوفى من قبل.
(9) أن الله( تعالى) هو الذي يحيي ويميت, فإذا قضي أمرا فإنما يقول له كن فيكون.
(10) خلق الله( تعالى) الأنعام ليركب الناس منها, ومنها يأكلون.
(11) مكن الله( تعالى) بقدرته مياه البحار أن تحمل الفلك بقوانين الطفو حتى تكون وسيلة لنقل الناس وحمل أمتعتهم.
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي أكثر من مقال لاستيعابها, ولذلك فسوف أقصر الحديث هنا علي جعل الأرض قرارا وأبدأ بدلالة تلك اللفظة في اللغة العربية.
مدلول اللفظة( قرارا) في اللغة العربية
يقال في العربية( قر) في مكانه( يقر)( قرارا) إذا ثبت ثبوتا جامدا, وأصله من( القر) وهو البرد لأنه يقتضي السكون, والحر يقتضي الحركة, و(القرار) المستقر من الأرض, و(القرار) في المكان( الاستقرار) فيه تقول:( قررت) بالمكان بالكسر( أقر)( قرارا), و(قررت) أيضا بالفتح( قرارا) و(قرورا), و(استقر) فلان إذا تحري( القرار), و(الإقرار): إثبات الشيء.
قال( تعالى): الله الذي جعل لكم الأرض قرارا... أي مستقرا تعيشون فيها, ويسأل( سبحانه وتعالى) سؤال التبكيت للكافرين بقوله: أمن جعل الأرض قرارا...( النمل:61) أي مستقرا, وقال( تعالى) في صفة الآخرة: (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) (غافر:39) .
وقال في أصحاب الجنة:
(أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) (الفرقان:24).
وقال سبحانه وتعالى: (خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً) (الفرقان:76).
وقال في وصف النار (إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً) (الفرقان:66) .
وقال( عز من قائل): (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ) (إبراهيم:29) .
وقال( سبحانه وتعالى):... (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)(لأعراف: من الآية24).
وقال( جل شأنه): (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) (الأنعام:98)
أقوال المفسرين:
في تفسير قوله( تعالى): (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (غافر:64)
ذكر أبن كثير( يرحمه الله) ما نصه:.... أي جعلها لكم مستقرا, تعيشون عليها وتتصرفون فيها, وتمشون في مناكبها...
وذكر صاحبا تفسير الجلالين( رحمهما الله رحمة واسعة) ما نصه: أي مكانا لاستقراركم وحياتكم.
وجاء في الظلال:( رحم الله كاتبها رحمة واسعة) ما نصه:.... والأرض قرار صالح لحياة الإنسان بتلك الموافقات الكثيرة التي أشرنا إلي بعضها إجمالا....
وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن على كاتبه من الله الرضوان ما نصه:( الأرض قرارا) مستقرا تعيشون فيها..
وجاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم ما نصه: الله ــ وحده ــ الذي جعل لكم الأرض مستقرة صالحة لحياتكم عليها.....