altawash
16-01-2006, 02:12 AM
د. القرضاوي: لايجوز للبنوك الإسلامية تمويل الاكتتاب في مصرف الريان
نفى فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي أن يكون أجاز للبنوك الإسلامية تمويل الاكتتاب في مصرف الريان الجديد، ونصح فضيلته كل من أراد الاكتتاب بألا يورط نفسه في الحرام، فمن كانت لديه الأموال فليكتتب ومن لم تكن معه أموال فليرض ويقنع بما قسمه الله له، ووصف ما يلجأ له البعض من تحايل على أحكام الشريعة بتحايل اليهود على تحريم الصيد يوم السبت، جاء ذلك في فتوى أصدرها فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي إثر تعافيه من آثار عملية جراحية تكللت بالنجاح، ولله الحمد والمنة على ذلك، نسأل الله دوام العفو والعافية.
وقد سئل الشيخ: سمعنا انك أجزت للبنوك الإسلامية ان تمول الاكتتاب في «مصرف الريان» الإسلامي الجديد، فمن لم يكن لديه مال يذهب الى البنك الاسلامي يطلب منه المال الذي يريده، ويرده عليه بعد مدة بزيادة، فهل ما سمعناه صحيح؟
وكان جواب الشيخ كالتالي: لم أفت بذلك قط، وما يكون لي أن أفتي به، لأنه ضد منهجي الإسلامي في فهم الشريعة: انها ليست مجرد ألفاظ وأشكال، بل كل أحكام الشريعة - ما عدا التعبدي المحض منها- معللة، ولها مقاصد وأهداف فيما تحلل وفيما تحرم، وفيما توجب وفيما تستحب، وقد كتب المحققون من فقهاء الأمة ضد الحيل، وانها تنافي مقاصد الشريعة.
وقد أصبح علم «مقاصد الشريعة» موضع اهتمام كل العلماء والباحثين، وتقام له المراكز وترصد له الجوائز، وأنا من أول المعنيين بهذا الأمر، فكيف أعود عليه بالإبطال، وأجيز التحايل على الشريعة بصورة أو بأخرى؟ وأجيز ما صنع اليهود من قبل حين وضعوا الشباك يوم الجمعة، ليسقط السمك فيها يوم السبت، ثم يصطادوه يوم الأحد، وهم ظاهرا لم يفعلوا شيئا في يوم السبت الذي حرم عليهم فيه الصيد!
ومع هذا لعنهم الله على فعلتهم، وجعلهم قردة خاسئين وكرر قصتهم في القرآن وخصوصا سورة الأعراف ليكونوا عبرة للمتحايلين على الله تعالى وعلى محارمه: «واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون» (الأعراف: 163) وقد جاء في بعض الأحاديث: «لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل».
ورأيي ان ما تحاول ان تفعله بعض البنوك الإسلامية أصرح في استحلال الحرام مما فعله اليهود، وقد قال بعض السلف عن اصحاب الحيل: انهم يخادعون الله كما يخادعون الصبيان.
ولطالما حملنا على السطحيين والحرفيين الذين يقفون عند أشكال الشرع ولا ينفذون الى جوهره، ويتمسكون بظواهره، ويغفلون مقاصده، وسميناهم «الظاهرية الجدد»!
وها نحن نرى ظاهرية من نوع جديد، ظاهرية تتفلت من أحكام الشرع بالحيل، والذين سميناهم «الظاهرية الجدد» كانوا يميلون الى التشدد في الشرع فلهم عذرهم وأجرهم، وان اخطأوا الطريق.
والذي أنصح اخواني المسلمين به: أن من كان معه مال فليكتتب به كله أو بعضه، ومن ليس عنده مال فيلقنع بما أتاه الله، ولا يورط نفسه في حرام، ولا شبهة حرام، وليدع ما يريبه إلا ما لا يريبه، «ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب» (الطلاق: 2-3)، وخصوصا ان هذا الأمر ليس من الضروريات ولا من الحاجيات، بل من التوسعات، والله تعالى يبارك في القليل من الحلال ما لا يبارك في الكثير من الحرام.
كما أنصح المصارف الإسلامية ومفتيها: بأن يقفوا عند حدود الله ويتقوا الشبهات «فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه» ويبتعدوا كل الابتعاد عن كل إقراض بالفائدة وما يشبهه.
وأنصح رجال الإدارة والاستثمار في المصارف الإسلامية: بأن يتقوا الله في أنفسهم وفيما ائتمنوا عليه، وألا يورطوا علماء الشرع بالضغط والاحراج، ليوجدوا لهم حيلا تبيح كل محظور، وأن يتخلوا عن اعتقادهم ان الشرعيين قادرون على استخراج هذه الحيل إذا اشتد الضغط عليهم، فالحلال بيّن والحرام بيّن، وفي الحلال ما يغني عن الحرام.
وعلى الشرعيين ألا يستجيبوا لهذه الضغوط، وان يعتصموا بالمحكمات ولا يركضوا وراء المتشابهات، فليس هذا من شأن الراسخين في العلم، انني أخشى على البنوك الإسلامية ان تفقد مصداقيتها إذا أرادت ان تنافس البنوك التقليدية في كل ما تصنعه، فلماذا كانت هذه إسلامية، وتلك غير إسلامية؟
بل انني أرى ان الذي يذهب الى البنك التقليدي، ليأخذ منه قرضا بفائدة معلومة: أقرب الى السلامة من المستقرضين من البنوك الإسلامية، لأن الأول صريح مع نفسه، يعلم انه ارتكب حراما، وأما الثاني فهو يخدع ربه، ويتلاعب بدينه، أو هكذا يزين له سوء عمله بعض المفتين، فيراه حسنا.
ولكن من المتفق عليه: أن الأمور بمقاصدها، وحسبنا الحديث النبوي الشريف: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى».
---------------------------------------------------------------------------------------
المصدر جريدة الشرق ، تاريخ النشر: الإثنين 16 يناير ,2006 تمام الساعة 01:18 صباحاً بالتوقيت المحلي لمدينة الدوحة
نفى فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي أن يكون أجاز للبنوك الإسلامية تمويل الاكتتاب في مصرف الريان الجديد، ونصح فضيلته كل من أراد الاكتتاب بألا يورط نفسه في الحرام، فمن كانت لديه الأموال فليكتتب ومن لم تكن معه أموال فليرض ويقنع بما قسمه الله له، ووصف ما يلجأ له البعض من تحايل على أحكام الشريعة بتحايل اليهود على تحريم الصيد يوم السبت، جاء ذلك في فتوى أصدرها فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي إثر تعافيه من آثار عملية جراحية تكللت بالنجاح، ولله الحمد والمنة على ذلك، نسأل الله دوام العفو والعافية.
وقد سئل الشيخ: سمعنا انك أجزت للبنوك الإسلامية ان تمول الاكتتاب في «مصرف الريان» الإسلامي الجديد، فمن لم يكن لديه مال يذهب الى البنك الاسلامي يطلب منه المال الذي يريده، ويرده عليه بعد مدة بزيادة، فهل ما سمعناه صحيح؟
وكان جواب الشيخ كالتالي: لم أفت بذلك قط، وما يكون لي أن أفتي به، لأنه ضد منهجي الإسلامي في فهم الشريعة: انها ليست مجرد ألفاظ وأشكال، بل كل أحكام الشريعة - ما عدا التعبدي المحض منها- معللة، ولها مقاصد وأهداف فيما تحلل وفيما تحرم، وفيما توجب وفيما تستحب، وقد كتب المحققون من فقهاء الأمة ضد الحيل، وانها تنافي مقاصد الشريعة.
وقد أصبح علم «مقاصد الشريعة» موضع اهتمام كل العلماء والباحثين، وتقام له المراكز وترصد له الجوائز، وأنا من أول المعنيين بهذا الأمر، فكيف أعود عليه بالإبطال، وأجيز التحايل على الشريعة بصورة أو بأخرى؟ وأجيز ما صنع اليهود من قبل حين وضعوا الشباك يوم الجمعة، ليسقط السمك فيها يوم السبت، ثم يصطادوه يوم الأحد، وهم ظاهرا لم يفعلوا شيئا في يوم السبت الذي حرم عليهم فيه الصيد!
ومع هذا لعنهم الله على فعلتهم، وجعلهم قردة خاسئين وكرر قصتهم في القرآن وخصوصا سورة الأعراف ليكونوا عبرة للمتحايلين على الله تعالى وعلى محارمه: «واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون» (الأعراف: 163) وقد جاء في بعض الأحاديث: «لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل».
ورأيي ان ما تحاول ان تفعله بعض البنوك الإسلامية أصرح في استحلال الحرام مما فعله اليهود، وقد قال بعض السلف عن اصحاب الحيل: انهم يخادعون الله كما يخادعون الصبيان.
ولطالما حملنا على السطحيين والحرفيين الذين يقفون عند أشكال الشرع ولا ينفذون الى جوهره، ويتمسكون بظواهره، ويغفلون مقاصده، وسميناهم «الظاهرية الجدد»!
وها نحن نرى ظاهرية من نوع جديد، ظاهرية تتفلت من أحكام الشرع بالحيل، والذين سميناهم «الظاهرية الجدد» كانوا يميلون الى التشدد في الشرع فلهم عذرهم وأجرهم، وان اخطأوا الطريق.
والذي أنصح اخواني المسلمين به: أن من كان معه مال فليكتتب به كله أو بعضه، ومن ليس عنده مال فيلقنع بما أتاه الله، ولا يورط نفسه في حرام، ولا شبهة حرام، وليدع ما يريبه إلا ما لا يريبه، «ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب» (الطلاق: 2-3)، وخصوصا ان هذا الأمر ليس من الضروريات ولا من الحاجيات، بل من التوسعات، والله تعالى يبارك في القليل من الحلال ما لا يبارك في الكثير من الحرام.
كما أنصح المصارف الإسلامية ومفتيها: بأن يقفوا عند حدود الله ويتقوا الشبهات «فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه» ويبتعدوا كل الابتعاد عن كل إقراض بالفائدة وما يشبهه.
وأنصح رجال الإدارة والاستثمار في المصارف الإسلامية: بأن يتقوا الله في أنفسهم وفيما ائتمنوا عليه، وألا يورطوا علماء الشرع بالضغط والاحراج، ليوجدوا لهم حيلا تبيح كل محظور، وأن يتخلوا عن اعتقادهم ان الشرعيين قادرون على استخراج هذه الحيل إذا اشتد الضغط عليهم، فالحلال بيّن والحرام بيّن، وفي الحلال ما يغني عن الحرام.
وعلى الشرعيين ألا يستجيبوا لهذه الضغوط، وان يعتصموا بالمحكمات ولا يركضوا وراء المتشابهات، فليس هذا من شأن الراسخين في العلم، انني أخشى على البنوك الإسلامية ان تفقد مصداقيتها إذا أرادت ان تنافس البنوك التقليدية في كل ما تصنعه، فلماذا كانت هذه إسلامية، وتلك غير إسلامية؟
بل انني أرى ان الذي يذهب الى البنك التقليدي، ليأخذ منه قرضا بفائدة معلومة: أقرب الى السلامة من المستقرضين من البنوك الإسلامية، لأن الأول صريح مع نفسه، يعلم انه ارتكب حراما، وأما الثاني فهو يخدع ربه، ويتلاعب بدينه، أو هكذا يزين له سوء عمله بعض المفتين، فيراه حسنا.
ولكن من المتفق عليه: أن الأمور بمقاصدها، وحسبنا الحديث النبوي الشريف: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى».
---------------------------------------------------------------------------------------
المصدر جريدة الشرق ، تاريخ النشر: الإثنين 16 يناير ,2006 تمام الساعة 01:18 صباحاً بالتوقيت المحلي لمدينة الدوحة