hich
14-06-2009, 02:23 AM
يتهافت الأطفال لرؤية والدي -حفظه الله - يقبلون عليه بأياديهم قبل قلوبهم و عيونهم قد تعلقت بيمينه كأنهم شواهين مقبلة على فريستها، ثم يناولهم الحلوى التي قصدوه لأجلها، و هو مشهد أسبوعي أعجب لقناعة والدي له من ناحية و لصراحة الأطفال من ناحية أخرى.
أليس يتكرر هذا المشهد بعينه مع اختلاف الهبات؟ فارق بسيط هو أن الكبار أشد بطأً بالمضي بما حازوا عليه بنفاقهم و الأغنياء و الحكام أشد فجعاً بانصراف الناس عنهم ما أن تزول أسباب قربهم!
ذّكرت والدي قائلاً : و كأن هذه العائلة قد توارثت هذه الشعيرة كباراً و صغارا، و كأنه حتم على الكبار منا و رزق قد كفل في اللوح المحفوظ لصغارنا. بل أنت إياك كنت تضحك من عمك – غفر الله له- و تقول أنه أنفق في الحلوى أكثر مما جمع، و لم يترك لعياله شيئاً سوى أطفالاً يترحمون عليه!
ابتسم و قد علق عيناه بي ثم قال : و كذا تفعل أنت من بعدي..
فرددت بما يرد به الولد متمنياً له طول الصحة و العافية. ثم قلبت تلكم القناعة لدى والدي ، و السبب أنه فهم الحياة من خوضها و فهمتها (أو أظن أني فعلت) من قراءة أخبارها و شتان بين التجربتين. الأولى نقش على حجر و الثانية رسم على شاطئ.
فلاح لي عندها شيء غريب هو شدة ربط الناس بطباع لي و نسبها إلى والداي، فحب الكتابة منه و حب القراءة منها و الجرأة منه و الذوق منها و تقديم الغير بالخير- للأسف - منهما معاً. في حين أن شبهي بهما في الصغر لم يكن يعدو الومضات في بعض من اللحظات كحاجبي إن غضبت أو أمور هي في مثل تلكم الدقة.
ثم زاد ذاكم الشبه حتى جاوز اللحظات فصارت فترات، و انتقل من تشابه الخلق إلى تشابه في الخُلُق و الطبائع كرفضي الشديد أن يصحبني أحدهم إلى المستشفى حتى إن اضطررت إلى إمضاء ساعات في قسم الطواريء.
كثيراً ما وعدت نفسي، بأن اختار بعض من الصفات و أتجنب تلك التي أظن أنها لا تعجبني أو لا أميل إليها، بل وضعت نفسي مكان والدي في بعض ما مر به و عاهدت نفسي أن أتصرف بطريقة مغايرة. لكن بت أعذر قسوته و أقول “صرامة” و عللت شفقته الزائدة فأقول “هي رحمة” ثم وجدتني أتصرف على هذا النحو حتى صار نهجي يقترب من نهجه بل يكاد يطابقه.
كنت أحسب أن الآباء يورثون قسمات الوجه و ألوان العيون، كنت أحسب أنهم يورثون الثروات فقط لكنها الطبائع أيضاً التي يلحظها فينا من عاصرهم و شاهدهم و لا زلت أذكر حين أنشدت أبي بيتين اثنين فضحك أحد الطاعنين في السن قائلاً : هذا يحب الشعر كجده.
عندها تذكرت ما قرأت لغابريل غارسيا بأن المرء يعلم متى يشيخ حين يبدأ بمشابهة أبيه.
من عزيز الى غاليين
أليس يتكرر هذا المشهد بعينه مع اختلاف الهبات؟ فارق بسيط هو أن الكبار أشد بطأً بالمضي بما حازوا عليه بنفاقهم و الأغنياء و الحكام أشد فجعاً بانصراف الناس عنهم ما أن تزول أسباب قربهم!
ذّكرت والدي قائلاً : و كأن هذه العائلة قد توارثت هذه الشعيرة كباراً و صغارا، و كأنه حتم على الكبار منا و رزق قد كفل في اللوح المحفوظ لصغارنا. بل أنت إياك كنت تضحك من عمك – غفر الله له- و تقول أنه أنفق في الحلوى أكثر مما جمع، و لم يترك لعياله شيئاً سوى أطفالاً يترحمون عليه!
ابتسم و قد علق عيناه بي ثم قال : و كذا تفعل أنت من بعدي..
فرددت بما يرد به الولد متمنياً له طول الصحة و العافية. ثم قلبت تلكم القناعة لدى والدي ، و السبب أنه فهم الحياة من خوضها و فهمتها (أو أظن أني فعلت) من قراءة أخبارها و شتان بين التجربتين. الأولى نقش على حجر و الثانية رسم على شاطئ.
فلاح لي عندها شيء غريب هو شدة ربط الناس بطباع لي و نسبها إلى والداي، فحب الكتابة منه و حب القراءة منها و الجرأة منه و الذوق منها و تقديم الغير بالخير- للأسف - منهما معاً. في حين أن شبهي بهما في الصغر لم يكن يعدو الومضات في بعض من اللحظات كحاجبي إن غضبت أو أمور هي في مثل تلكم الدقة.
ثم زاد ذاكم الشبه حتى جاوز اللحظات فصارت فترات، و انتقل من تشابه الخلق إلى تشابه في الخُلُق و الطبائع كرفضي الشديد أن يصحبني أحدهم إلى المستشفى حتى إن اضطررت إلى إمضاء ساعات في قسم الطواريء.
كثيراً ما وعدت نفسي، بأن اختار بعض من الصفات و أتجنب تلك التي أظن أنها لا تعجبني أو لا أميل إليها، بل وضعت نفسي مكان والدي في بعض ما مر به و عاهدت نفسي أن أتصرف بطريقة مغايرة. لكن بت أعذر قسوته و أقول “صرامة” و عللت شفقته الزائدة فأقول “هي رحمة” ثم وجدتني أتصرف على هذا النحو حتى صار نهجي يقترب من نهجه بل يكاد يطابقه.
كنت أحسب أن الآباء يورثون قسمات الوجه و ألوان العيون، كنت أحسب أنهم يورثون الثروات فقط لكنها الطبائع أيضاً التي يلحظها فينا من عاصرهم و شاهدهم و لا زلت أذكر حين أنشدت أبي بيتين اثنين فضحك أحد الطاعنين في السن قائلاً : هذا يحب الشعر كجده.
عندها تذكرت ما قرأت لغابريل غارسيا بأن المرء يعلم متى يشيخ حين يبدأ بمشابهة أبيه.
من عزيز الى غاليين