ابن قطر
14-06-2009, 02:31 AM
]الحوار الموضوعي وبشفافية يقودنا لمشروع ناجح ..المدارس المستقلة .. رؤية رائدة وتطبيق شابه القصور 2009-06-14
المشروع ليس " قص ولزق " كما يدعيه البعض لمشاريع اجنبية
كيف يمكن ان تتم المحاسبة في ظل غياب الاستقلالية ؟
مدير المدرسة اصبح اليوم مجرد موظف وليس قائدا تربويا
العلاقة بين هيئة التعليم وهيئة التقييم علاقة صحية ام تنافرية ؟
لا نريد حراس مدارس انما قادة مدارس
ما مدى الاستفادة من المئات من الخبرات الاجنبية التي تم التعاقد معها بملايين الريالات ؟
هل تم اعداد الكادر البشري لقيادة المشروع ان تعلم اثناء المشروع وعلى حساب الاجيال ؟
ما يخصص للتعليم في قطر من موارد مالية كبيرة لا يقارن مع اي دولة اخرى
عزوف القطريين والقطريات المؤهلين دفع لدخول كل من " هب ودب " ليركب سفينة المشروع
عقبة اللغة .. وعقبة المحتوى .. ابرز ما يواجه طلابنا اليوم
قطر تسعى لبناء مجتمع معرفي ..فهل مخرجات التعليم تصب في هذا الاتجاه؟
وجدنا تخبطا بين المدارس في كيفية تطبيق نظام المعايير
طريق التعليم طويل .. ولا نريد لعن الظلام انما ايقاد الشموع
الجدل الدائر اليوم حول التعليم والتحول الى المدارس المستقلة ، ومدى اهلية احلال هذه المدارس مكان المدارس الحكومية بنظامها المتعارف عليها طوال العقود الماضية ، والنقاشات المستمرة حول هذه القضية ، لهو امر جيد ، ويخلق مناخا ايجابيا ، ويفتح آفاقا رحبة من الحوار الذي اتوقع انه سيقودنا الى مشروع ناجح ، اذا ما كان الحوار صحيا وموضوعيا و بشفافية ، بعيدا عن المهاترات ، وبعيدا عن الطعن في القائمين على المشروع الجديد للتعليم ، او ما يعرف بالتعليم لمرحلة جديدة .
بداية طوال الفترة الماضية راقبت الحوار الدائر ، والسجال بين مؤيدي ومعارضي هذا المشروع في وسائل الاعلام المختلفة ، ولم اشأ ان اتحدث عن ذلك الا بعد قراءة كل الافكار المطروحة ، وحجية كل طرف ، واللجوء في الوقت نفسه الى عدد من الزملاء والاخوة المختصين في المجال التربوي ، الذين من المؤكد ان لديهم الخبرة ، وهذا امر مهم ، لأن هناك البعض من الكتاب ـ للاسف الشديد ـ يخوص في قضايا دون ان يكلف نفسه عناء السؤال عن القضية التي يتحدث عنها ، بل البعض يعتبر ان الاستفادة من خبرات المختصين او سؤالهم فيه انتقاص من مكانته ، وهذا خطأ كبير .
دون التقليل من الجهود التي يبذلها الاخوة في المجلس الاعلى للتعليم ، او القائمين على المدارس المستقلة ، فان المشكلة باعتقادي ليس في الرؤية التي تحمل مشروع التعليم لمرحلة جديدة ، بقدر ما هي ترجمته على ارض الواقع ، فهناك العديد من الافكار والمشاريع العملاقة والخلاقة ، لكن عندما يتم تطبيقها على الواقع تجد بونا شاسعا ، فهل هذا المشروع العملاق المتمثل بالتعليم لمرحلة جديدة طبق بالصورة التي كانت في مخيلة القائمين عليه ؟ .
ومن خلال متابعتي لعدد من المقالات التي نشرت مؤخرا ، و ما استمعت اليه في البرنامج الاذاعي " وطني الحبيب صباح الخير " وجدت ان هناك عدد من التساؤلات عادة تطرح ، لذلك سأحاول طرح بعضها ومحاولة الاجابة عليها قدر الامكان ، من خلال ما عرفته عن قرب عن هذا المشروع :
اكثر من مرة اثيرت قضية ان تجربة المدارس المستقلة هي نسخة مكررة من تجارب " فاشلة " في دول عربية واجنبية .. فهل هذا الامر صحيح ؟
هل مشروع تعليم لمرحلة جديدة مر بمراحل طبيعية من النمو ؟أم سار بنظام حرق المراحل؟
هل حافظ المشروع على اركانه التي بدأ بها .. الاستقلالية والمحاسبية و التنوع والاختيار ، ام ان الامر تغير في السنوات التي تليت بعد العام الاول ؟
هل تم اعداد الكادر البشري لقيادة المشروع؟ أم أن الكادر تعلم أثناء المشروع وعلى حساب الأجيال؟
هل عزوف الكوادر القطرية عن المشروع خلل في الكوادر ؟ أم خلل في المشروع؟
هل أصحاب التراخيص جميعهم مؤهلون لقيادة مدارس مسوؤلة عن تعليم لمرحلة جديدة؟أم أن بعضهم لا يمكن له قيادة فصل دراسي ناهيك عن مدرسة؟
هل العلاقة بين هيئة التعليم وهيئة التقييم علاقة صحية ؟ أم أنها علاقة تنافرية؟
هل تمت الاستفادة من نتائج الدراسات والتقييمات المحلية والدولية لتعزيز مشروع تعليم لمرحلة جديدة ؟ أم أننا وضعنا رأسنا في التراب؟
هل ما يطرحه اولياء الامور حقيقة؟ ام فيه تجني على المشروع ؟
هل تم الاستفادة الفعلية من المئات من الخبرات الاجنبية التي تم التعاقد معها بملايين الريالات؟ ام ان الامر تحول الى هدر مالي وسياحة للاجانب ؟
هل شهد المشروع وقفة تقييمية جادة؟ ام ان الامر مضى دون وقفات فعلية تحدد المسار وتقيم المشروع ؟
هل ركزت المدارس المستقلة على عمليات التعليم والتعلم ؟ام انها تركز على جانب " العلاقات العامة " والتسويق ؟
هل كان يمكن تبني هذا المشروع الرائد من خلال وزارة التربية والتعليم؟ ام انه كان لابد من الخروج منها لتبنيه ؟
رؤية حضارية
دعونا نبدأ من الرؤية الحضارية لهذا المشروع ، الذي بلا شك يعد نوعيا ، ورغبة حقيقية من القيادة بتطوير التعليم ، والارتقاء به ، ايمانا منها ان اي نهضة واي تقدم في اي مجتمع مرهونة بالتعليم ومدى مواكبته للمرحلة التي يعيشها المجتمع ، وتعيشها الدولة ، فقطر تسعى لبناء اقتصاد المعرفة وصيانة الثروات الطبيعية التي حباها الله بها وتطويرها, كما تسعى لأن تكون عاصمة التعليم في المنطقة ومركزا للتعليم العالي النوعي ورائدة البحث العلمي التخصصي. لذلك وجدنا هذا الحرص مترجم على ارض الواقع من قبل حضرة صاحب السمو امير البلاد المفدى وصاحبة السمو الشيخة موزة وسمو وولي العهد حفظهم الله ، إلى درجة أن هذا الدعم السياسي أصبح مثالا يحتذى به وأمر يغبطنا عليه كثير من الناس ، وهو امر يجب استثمار بصورة جيدة من قبل الجهاز التنفيذي في هذا القطاع .
في عرف المشاريع الوطنية هناك خمسة معايير حاسمة لنجاح وفشل المشروعات وهي:
الارادة السياسية الحقيقية والرؤية الثاقبة والاستراتيجية الواضحة والادارة الحازمة والدعم المجتمعي واذا ما أردنا قياس مشروع تعليم لمرحلة جديدة بهذه المعايير فسنجد أن الرؤية لها كانت واضحة منذ البداية ، وعززتها رؤية قطر 2030 ، فالانسان ـ كما كان هذا حاضرا في فكر سمو الامير دائما ـ هو هدف التنمية وصانعها و محورها ، وهو الثروة الحقيقية ، ... ، اذن عنصري الارادة السياسية الحقيقية والرؤية متوافران ، وهو ما يمثل 40% من معادلة النجاح في هذا المشروع او هذه المبادرة التعليمية النوعية .
ولكن ماذا عن بقية العناصر؟ماذا عن الاستراتيجية؟ .. هل كانت ناجحة ومتوافقة مع الرؤية ؟ هل القيادات التنفيذية التي استلمت المشروع والرؤية والهم الوطني المتمثل بهذه المبادرة نجحت في ترجمتها على ارض الواقع ؟
لا اريد التقليل من الجهود التي بذلتها هذه القيادات ، او الانتقاص من دورها ، خاصة وان هناك عناصر فاعلة تبذل الوقت والجهد الى هذه اللحظة من اجل انجاح هذه المبادرة ، تحمل هما وطنيا تعمل جاهدة من اجل ترجمته على ارض الواقع ، الا انه في الوقت نفسه هناك عناصر لم تكن على قدر المسؤولية ، فقد جيء بقيادات صغيرة لم يكن لديها رصيد كبير من الخبرة ، وسلمت مشروع" تعليم دولة" ، هذه الكوادر من وجهة نظري لم تستطع أن ترقى بقدراتها للفهم الكلي للمشروع ولمتطلبات ترجمته على أرض الواقع ولا لآلية الوقوف والمراجعة وتصحيح الأخطاء وهو الأمر الذي أدى لإحداث ارباك في قطاع التعليم و في هذه المبادرة على وجه الخصوص ، لم تستطع فيما بعد تداركه ، ولم تستطع الخروج من دوامته ، وترتب عليه في الوقت نفسه كذلك امور سلبية والتي شملت الرسائل الاعلامية المتناقضة والمعالم التعليمية غير الواضحة والتغييرات الادارية المستمرة والمناهج التعليمية الغامضة وغيرها من الأمور التي أدت لتكوين صورة غير ايجابية عن المشروع لدى افراد في المجتمع . وهو الأمر الذي لاتهام العديد من أفراد المجتمع من خلال المقالات والمقابلات الصحفية لكون هذه المبادرة مستنسخة من تجارب في دول اخرى منيت بالفشل ؟ هذا الاتهام استدعاني للقيام ببعض البحث والتقصي للوقوف على الحقيقة. فهل يعقل أن تقوم القيادة بفعل ذلك في أهم مجال حيوي حاسم في استمرارية التنمية؟ وهل يمكن لأي كان أن يسوق علينا تجاربه الفاشلة فنكون مكبا للتجارب الفاشلة؟اعتقد ـ مع كل الاحترام للآراء التي طرحت ـ لم تكن تجربة المدارس المستقلة نسخة مكررة من اي تجربة او تجارب اخرى ، نعم هناك تجارب مشابهة تشترك في مجموعة من القواسم المشتركة مثل ما هو قائم في امريكا ونيوزلندا واستراليا. وهذا الأمر لا يعيب التجربة لأن الحكمة ضالة المؤمن أنا وجدها فهو أحق باتباعها. إن تجربة الشارتر سكول في أمريكا والمدارس شبة المستقلة في استراليا وغيرها من التجارب لديها معطيات وتطبيقات وسياقات مختلفة تماما عن ما هو موجود في تجربة المدارس المستقلة من الناحية البنيوية والادارية والمالية والقانونية. وهو ما يجعل تجربتنا لها خصوصية. وبالتالي لا يمكن قياس مشروع المدارس المستقلة في قطر بما هو موجود في بعض الدول ، فالمعطيات والظروف تختلف تماما ، او على اقل تقدير في كثير من جوانبه ، وبالتالي فان هذا المشروع ليس " قص ولزج " ـ كما يحلو للبعض ان يدعيه ـ لمشاريع اجنبية ، وهذا ليس دفاعا عن مشروع المدارس المستقلة ، او مبادرة تعليم لمرحلة جديدة ، ولكن هذا ما اراه فعليا .
ركائز رئيسية لانجاح المشاريع
والمطلع على مبادرات تطوير التعليم في كثير من الدول المتقدمة يجد أن الشعارات الاربعة التي رفعتها مبادرة تعليم لمرحلة جديدة وهي الاستقلالية والمحاسبية والتنوع والاختيار ، تكاد تكون قواسم مشتركة في معظم النماذج التعليمية الناجحة ، لكن السؤال : هل طبقت الاستقلالية والمحاسبية كما ينبغي ؟ وهل التنوع الذي يفتح المجال للابداعات قائم في هذه المدارس ؟ وهل حق الاختيار للطالب وولي الأمر والمعلم ممارس على أرض الواقع؟
من خلال ملاحظتي وتواصلي مع عدد من المختصين ومن لهم علاقة بالمجال التعليمي والتربوي خلصت الى ان هناك اشكالية في الاستقلالية والمحاسبية ، و" قولبة " في التنوع ، اما الاختيار فلا اعتقد انه في ظل ازمة التسجيل التي شهدت المدارس المستقلة بقي امام الطالب وولي أمر مساحة حقيقية لممارسة حق الاختيار .
الشعارات التي رفعتها المبادرة وترددها الأجهزة الاعلامية شبه يوميا رائعة جدا ، ولكن على أرض الواقع كانت بحاجة حقا لنظام قوي وصلب يدعمها ، خاصة في السنوات التي تلت السنة الاولى ، التي شهدت استقلالية ، ثم ما لبث ان بدء بسحب هذه الاستقلالية شيئا فشيئا نحو المركزية التي كنا نستهجنها ، الى ان اصبح مدير المدرسة اليوم مجرد موظفا وليس قائدا تربويا صاحب رؤية ورسالة ، وفي تقديري ليس هذا هو المطلوب, لا نريد حراس مدارس وانما نريد قادة مدارس .
لقد خسرنا الكثير في السنوات الماضية ولتعويض هذه الخسارة وتحويلها ربما الى مكاسب نحن بحاجة للكثير على رأس هذه الاحتياجات الكادر البشري المدرب وصاحب الرسالة ثم منهجية العمل الواضحة والتطبيق الصارم على الأرض .
وركن المحاسبية في المدارس المستقلة اليوم فيه اشكالية منهجية وهي أن المحاسبية مرتبطة بالاستقلالية ، فلا يمكن ان تحاسب الا اذا كانت هناك استقلالية لدى القائمين على المدارس ، فاذا غابت الاستقلالية تسقط المحاسبية ؟
اما التنوع الذي أريد له أن يكون بابا للتنافس بين المدارس ومصدرا للالهام والابداع فلا نرى منه اليوم سوى شبه قوالب مدرسية لا فروق نوعية بينها. وعندما نتكلم عن التنوع نحن لا نعني الأنشطة المدرسية فحسب والتي ملأت الصحف وأصبحت تميل للاستعراض الاعلامي أكثر منه خدمة الطالب والتعليم وانما التنوع في البرامج التعليمية والبرامج النوعية والخدمات الطلابية والشراكات الاستراتيجية.
ومع الابقاء النسبي لحق الاختيار وقعت المدارس المستقلة في اشكالية حقيقية وهي أن المدارس في أصل بناءها حسب الخريطة المدرسية كان تخطيطا جغرافيا أي أن كل مدرسة تخدم منطقة جغرافية محددة والتي كانت بالكاد تكفي وكثافة الفصول كانت تتجاوز 35 طالبا خصوصا بعد هدم العديد من المدارس وعدم تعويضها بالسرعة المفروضة. وأتى قرار المجلس بتخفيض كثافة الفصول الى 25 طالبا ليزيد من حجم المشكلة.
الممارسة النسبية لحق الاختيار مع عدم وجود معطياته تسبب في ازمات اخرى في المجتمع ، منها على سبيل المثال ازمات مرورية ، نظرا لانتقال ولي الامر من منطقته الى مناطق اخرى لتوصيل ابنائه ، اضافة الى ضغط على البنية التحتية ومشاكل اجتماعية وارباك اداري ... ، كل ذلك بسبب الخلل في بناء المدارس ، والاصرار على ان عدد الطلبة في الصفوف يجب الا يتجاوز عن 25 طالبا ، وهو امر جيد اذا ما كان هناك فائض في اعداد المدارس ، لكن في الوضعية والظرف الذي نحن فيه اعتقد كان بالامكان تجاوز هذه القضية لحين اكتمال مشروع بناء المدارس ، خاصة وانه لا توجد دراسات حقيقية تؤكد ان الكثافة الطلابية في الصف هي 25 طالبا ، وخير شاهد على ذلك دول ما تعرف بـ " النمور الآسيوية " ، فالصفوف الطلابية في هذه الدول يتجاوز هذا العدد ونوعية تعليمهم من أفضل النوعيات عالميا .
المدارس المستقلة ومراحل النمو
التساؤل الآخر الذي طرحته في مقدمة هذا المقال : هل مشروع المدارس المستقلة مر بمراحل النمو الطبيعي لأي مشروع ؟ .
المتعارف عليه انه في مثل هذه المشاريع الوطنية تحديدا يكون هناك : تخطيط ـ تنفيذ على نطاق ضيق ـ تقييم ـ تعديل ـ توسع في المشروع ، هذا اعتقد انه السبيل الافضل لايجاد اي مشروع ناجح في مختلف المجالات ، والتعليم على وجه الخصوص .
ما حدث عندنا انه تم التخطيط السريع للتعليم ثم التنفيذ على نطاق ضيق ثم التوسع السريع الذي يفوق القدرات والامكانات المتاحة ، وهنا لا اتحدث عن الامكانات المالية ، لأنه وبكل امانة لم تقصر الدولة في هذا الجانب ابدا ، بل سخرت امكانات مادية ، وخصصت موازنات كبرى للتعليم لم تتوفر في كثير من الدول ، لكن ما اعنيه في جانب الكادر البشري والامكانات المدرسية والتعليمية الاخرى .. ، فالتجربة تم التوسع بها بشكل سريع ، لم تستطع الجهات المعنية استيعابه فيما بعد ، وهو ما خلق العديد من المشاكل فيما بعد ، اثر على المخرجات وعلى الطلاب ،وادى الى سخط في المجتمع تجاه مشروع المدارس المستقلة . لم تكن هناك وقفات تقييمية لمراجعة النموذج وتعديل المسار وانما كان هناك فوجا بعد فوج دون هوادة وكأن الرسالة تقول نحن ماضون بغض النظر.
وترتب على هذا التوسع السريع الذي فاق الامكانات تخبط اداري وتعليمي في بعض الجوانب ، ونتائج دون المستوى ، وعدم رضا مجتمعي .. ، بينما لو مر هذا المشروع الرائد بمراحله الطبيعية من تخطيط وتنفيذ وفحص وتدقيق وتقييم ، ثم توسع وفق النتائج التي تم التوصل اليها ، وبما يتوافق مع الامكانات المتاحة سواء فيما يتعلق بالكادر البشري او المباني المدرسية او التجهيزات التعليمية لكانت النتائج بلا شك أفضل بكثير .. .
لدينا مدارس تعد من حيث البنية التحتية من افضل المدارس عالميا ، وتتمتع بوجود تقنيات وتجهيزات عالية ... ، وقبل ذلك ـ كما ذكرت ـ فيما يتعلق وجود الدعم السياسي ، وتخصيص موارد مالية كبيرة ، فما يصرف على التعليم في قطر ضخم جدا ولا يقارن مع دول اخرى ـ نسبة وتناسب ـ ولكن السؤال هل الكادر البشري الذي سيقوم بادارة هذه المدارس ـ والتعليم بمجمله ـ كان مستعدا تدريبا وتأهيلا واعدادا ووعيا لهذا المشروع ، ام ان الاستثمارات وجهت للحجر قبل البشر ؟ .
هذا امر مهم ، وركيزة اساسية في نجاح اي مشروع ، فوجود رؤية واضحة ، واستراتيجية جيدة ، لا يعني بالضرورة نجاح المشروع اذا غابت العناصر الكفؤة التي تحمل هذا المشروع ، فاذا كانت لدينا رؤية ثاقبة ولكن الكادر الذي يدير ويترجم هذه الرؤية ضعيف فان ذلك يضعف المشروع ، والعكس صحيح كذلك ، بمعنى اذا كان لدينا رؤية متواضعة ولكن الكادر الذي يحملها قوي ومتمكن فانه سيتمكن من الارتقاء بهذه الرؤية .
هناك قضية اخرى ظلت محل تساؤل الكثيرين الا وهي عزوف اعداد من القطريين والقطريات عن مشروع المدارس المستقلة الذي يعد مشروعا وطنيا ، والسؤال لماذا هذا العزوف هل هو خوف من تحمل المسؤولية ؟ هل هو عدم كفاءة او مهنية ؟ .
الرسالة التي يرسلها القطري او القطرية من عزوفهم عن هذا المشروع له عدة احتمالات من بينها ان عدم ثقة هؤلاء بنضج المشروع من الناحية التعليمية والادارية والقانونية, اضافة لعدم ثقتهم بعدد كبير من أصحاب التراخيص من ناحية الكفاءة الادارية والقيادية وليست الأمانة. وأخيرا التخبط والفوضى الادارية والتعليمية التي لاتخفى على أحد.
وحقيقة لابد من الاشارة هنا الى ان واحدا من ابرز اسباب العزوف باعتقادي يعود الى انه لم يكن هناك تبشير حقيقي وجاد بمعالم هذا المشروع الجديد ، الذي جاء ليحل محل نظام هو قائم من عقود ، وهو ما يعني ان عملية التغيير لابد ان يسبقها تهيئة من اجل تغيير الثقافة التي يحملها افراد المجتمع ، ولكن للاسف هذا لم يحدث بالصورة المطلوبة, بل وأن التبشير كان سلبيا في لغته خصوصا في السنوات الأولى وتحول لصراع بين القديم والجديد ورفض كامل لكل ما كانت تقوم به الوزارة من ممارسات ورفض لكثير من كوادرها . ولم يكن التبشير بلغة الانتقال من مرحلة لأخرى وأنه نظرا لتغير المرحلة في دولة قطر وتغير الرؤية فان التعليم والاقتصاد والاعلام وكل شيئ يجب أن يتغير أيضا, وأن التعليم المدرسي السابق أدى دورا يتناسب مع المرحلة السابقة وأن المشروع الجديد هو امتداد طبيعي لجميع الجهود السابقة وسيكون أرضية خصبة للجهود الللاحقة.
الجميع يعرف ان نسبة المدرسات القطريات في المدارس الحكومية مثلا كان يتجاوز في كثير من الاحيان 95% ، اذن لماذا هذا التراجع في نسبة القطريين في المدارس المستقلة ؟ هذا السؤال بحاجة للتوقف والمراجعة الحقيقية .
هذا العزوف بالطبع فتح الباب لكل من " هب ودب " ليركب سفينة المشروع ، فاختلط " الحابل بالنابل " ، واختلط " الغث بالسمين " ، فقد دخل الى ميدان التدريس مدرسات ومدرسين غير مؤهلين للتدريس ، وضمت العديد من المدارس خبرات ضعيفة ولمراحل مهمة ، سواء في التأسيسي او الثانوي ، نظرا لوجود شواغر والبحث عن الارخص ، وما الاعلانات في الصحف طوال العام الا خير شاهد على ذلك .
المشروع ليس " قص ولزق " كما يدعيه البعض لمشاريع اجنبية
كيف يمكن ان تتم المحاسبة في ظل غياب الاستقلالية ؟
مدير المدرسة اصبح اليوم مجرد موظف وليس قائدا تربويا
العلاقة بين هيئة التعليم وهيئة التقييم علاقة صحية ام تنافرية ؟
لا نريد حراس مدارس انما قادة مدارس
ما مدى الاستفادة من المئات من الخبرات الاجنبية التي تم التعاقد معها بملايين الريالات ؟
هل تم اعداد الكادر البشري لقيادة المشروع ان تعلم اثناء المشروع وعلى حساب الاجيال ؟
ما يخصص للتعليم في قطر من موارد مالية كبيرة لا يقارن مع اي دولة اخرى
عزوف القطريين والقطريات المؤهلين دفع لدخول كل من " هب ودب " ليركب سفينة المشروع
عقبة اللغة .. وعقبة المحتوى .. ابرز ما يواجه طلابنا اليوم
قطر تسعى لبناء مجتمع معرفي ..فهل مخرجات التعليم تصب في هذا الاتجاه؟
وجدنا تخبطا بين المدارس في كيفية تطبيق نظام المعايير
طريق التعليم طويل .. ولا نريد لعن الظلام انما ايقاد الشموع
الجدل الدائر اليوم حول التعليم والتحول الى المدارس المستقلة ، ومدى اهلية احلال هذه المدارس مكان المدارس الحكومية بنظامها المتعارف عليها طوال العقود الماضية ، والنقاشات المستمرة حول هذه القضية ، لهو امر جيد ، ويخلق مناخا ايجابيا ، ويفتح آفاقا رحبة من الحوار الذي اتوقع انه سيقودنا الى مشروع ناجح ، اذا ما كان الحوار صحيا وموضوعيا و بشفافية ، بعيدا عن المهاترات ، وبعيدا عن الطعن في القائمين على المشروع الجديد للتعليم ، او ما يعرف بالتعليم لمرحلة جديدة .
بداية طوال الفترة الماضية راقبت الحوار الدائر ، والسجال بين مؤيدي ومعارضي هذا المشروع في وسائل الاعلام المختلفة ، ولم اشأ ان اتحدث عن ذلك الا بعد قراءة كل الافكار المطروحة ، وحجية كل طرف ، واللجوء في الوقت نفسه الى عدد من الزملاء والاخوة المختصين في المجال التربوي ، الذين من المؤكد ان لديهم الخبرة ، وهذا امر مهم ، لأن هناك البعض من الكتاب ـ للاسف الشديد ـ يخوص في قضايا دون ان يكلف نفسه عناء السؤال عن القضية التي يتحدث عنها ، بل البعض يعتبر ان الاستفادة من خبرات المختصين او سؤالهم فيه انتقاص من مكانته ، وهذا خطأ كبير .
دون التقليل من الجهود التي يبذلها الاخوة في المجلس الاعلى للتعليم ، او القائمين على المدارس المستقلة ، فان المشكلة باعتقادي ليس في الرؤية التي تحمل مشروع التعليم لمرحلة جديدة ، بقدر ما هي ترجمته على ارض الواقع ، فهناك العديد من الافكار والمشاريع العملاقة والخلاقة ، لكن عندما يتم تطبيقها على الواقع تجد بونا شاسعا ، فهل هذا المشروع العملاق المتمثل بالتعليم لمرحلة جديدة طبق بالصورة التي كانت في مخيلة القائمين عليه ؟ .
ومن خلال متابعتي لعدد من المقالات التي نشرت مؤخرا ، و ما استمعت اليه في البرنامج الاذاعي " وطني الحبيب صباح الخير " وجدت ان هناك عدد من التساؤلات عادة تطرح ، لذلك سأحاول طرح بعضها ومحاولة الاجابة عليها قدر الامكان ، من خلال ما عرفته عن قرب عن هذا المشروع :
اكثر من مرة اثيرت قضية ان تجربة المدارس المستقلة هي نسخة مكررة من تجارب " فاشلة " في دول عربية واجنبية .. فهل هذا الامر صحيح ؟
هل مشروع تعليم لمرحلة جديدة مر بمراحل طبيعية من النمو ؟أم سار بنظام حرق المراحل؟
هل حافظ المشروع على اركانه التي بدأ بها .. الاستقلالية والمحاسبية و التنوع والاختيار ، ام ان الامر تغير في السنوات التي تليت بعد العام الاول ؟
هل تم اعداد الكادر البشري لقيادة المشروع؟ أم أن الكادر تعلم أثناء المشروع وعلى حساب الأجيال؟
هل عزوف الكوادر القطرية عن المشروع خلل في الكوادر ؟ أم خلل في المشروع؟
هل أصحاب التراخيص جميعهم مؤهلون لقيادة مدارس مسوؤلة عن تعليم لمرحلة جديدة؟أم أن بعضهم لا يمكن له قيادة فصل دراسي ناهيك عن مدرسة؟
هل العلاقة بين هيئة التعليم وهيئة التقييم علاقة صحية ؟ أم أنها علاقة تنافرية؟
هل تمت الاستفادة من نتائج الدراسات والتقييمات المحلية والدولية لتعزيز مشروع تعليم لمرحلة جديدة ؟ أم أننا وضعنا رأسنا في التراب؟
هل ما يطرحه اولياء الامور حقيقة؟ ام فيه تجني على المشروع ؟
هل تم الاستفادة الفعلية من المئات من الخبرات الاجنبية التي تم التعاقد معها بملايين الريالات؟ ام ان الامر تحول الى هدر مالي وسياحة للاجانب ؟
هل شهد المشروع وقفة تقييمية جادة؟ ام ان الامر مضى دون وقفات فعلية تحدد المسار وتقيم المشروع ؟
هل ركزت المدارس المستقلة على عمليات التعليم والتعلم ؟ام انها تركز على جانب " العلاقات العامة " والتسويق ؟
هل كان يمكن تبني هذا المشروع الرائد من خلال وزارة التربية والتعليم؟ ام انه كان لابد من الخروج منها لتبنيه ؟
رؤية حضارية
دعونا نبدأ من الرؤية الحضارية لهذا المشروع ، الذي بلا شك يعد نوعيا ، ورغبة حقيقية من القيادة بتطوير التعليم ، والارتقاء به ، ايمانا منها ان اي نهضة واي تقدم في اي مجتمع مرهونة بالتعليم ومدى مواكبته للمرحلة التي يعيشها المجتمع ، وتعيشها الدولة ، فقطر تسعى لبناء اقتصاد المعرفة وصيانة الثروات الطبيعية التي حباها الله بها وتطويرها, كما تسعى لأن تكون عاصمة التعليم في المنطقة ومركزا للتعليم العالي النوعي ورائدة البحث العلمي التخصصي. لذلك وجدنا هذا الحرص مترجم على ارض الواقع من قبل حضرة صاحب السمو امير البلاد المفدى وصاحبة السمو الشيخة موزة وسمو وولي العهد حفظهم الله ، إلى درجة أن هذا الدعم السياسي أصبح مثالا يحتذى به وأمر يغبطنا عليه كثير من الناس ، وهو امر يجب استثمار بصورة جيدة من قبل الجهاز التنفيذي في هذا القطاع .
في عرف المشاريع الوطنية هناك خمسة معايير حاسمة لنجاح وفشل المشروعات وهي:
الارادة السياسية الحقيقية والرؤية الثاقبة والاستراتيجية الواضحة والادارة الحازمة والدعم المجتمعي واذا ما أردنا قياس مشروع تعليم لمرحلة جديدة بهذه المعايير فسنجد أن الرؤية لها كانت واضحة منذ البداية ، وعززتها رؤية قطر 2030 ، فالانسان ـ كما كان هذا حاضرا في فكر سمو الامير دائما ـ هو هدف التنمية وصانعها و محورها ، وهو الثروة الحقيقية ، ... ، اذن عنصري الارادة السياسية الحقيقية والرؤية متوافران ، وهو ما يمثل 40% من معادلة النجاح في هذا المشروع او هذه المبادرة التعليمية النوعية .
ولكن ماذا عن بقية العناصر؟ماذا عن الاستراتيجية؟ .. هل كانت ناجحة ومتوافقة مع الرؤية ؟ هل القيادات التنفيذية التي استلمت المشروع والرؤية والهم الوطني المتمثل بهذه المبادرة نجحت في ترجمتها على ارض الواقع ؟
لا اريد التقليل من الجهود التي بذلتها هذه القيادات ، او الانتقاص من دورها ، خاصة وان هناك عناصر فاعلة تبذل الوقت والجهد الى هذه اللحظة من اجل انجاح هذه المبادرة ، تحمل هما وطنيا تعمل جاهدة من اجل ترجمته على ارض الواقع ، الا انه في الوقت نفسه هناك عناصر لم تكن على قدر المسؤولية ، فقد جيء بقيادات صغيرة لم يكن لديها رصيد كبير من الخبرة ، وسلمت مشروع" تعليم دولة" ، هذه الكوادر من وجهة نظري لم تستطع أن ترقى بقدراتها للفهم الكلي للمشروع ولمتطلبات ترجمته على أرض الواقع ولا لآلية الوقوف والمراجعة وتصحيح الأخطاء وهو الأمر الذي أدى لإحداث ارباك في قطاع التعليم و في هذه المبادرة على وجه الخصوص ، لم تستطع فيما بعد تداركه ، ولم تستطع الخروج من دوامته ، وترتب عليه في الوقت نفسه كذلك امور سلبية والتي شملت الرسائل الاعلامية المتناقضة والمعالم التعليمية غير الواضحة والتغييرات الادارية المستمرة والمناهج التعليمية الغامضة وغيرها من الأمور التي أدت لتكوين صورة غير ايجابية عن المشروع لدى افراد في المجتمع . وهو الأمر الذي لاتهام العديد من أفراد المجتمع من خلال المقالات والمقابلات الصحفية لكون هذه المبادرة مستنسخة من تجارب في دول اخرى منيت بالفشل ؟ هذا الاتهام استدعاني للقيام ببعض البحث والتقصي للوقوف على الحقيقة. فهل يعقل أن تقوم القيادة بفعل ذلك في أهم مجال حيوي حاسم في استمرارية التنمية؟ وهل يمكن لأي كان أن يسوق علينا تجاربه الفاشلة فنكون مكبا للتجارب الفاشلة؟اعتقد ـ مع كل الاحترام للآراء التي طرحت ـ لم تكن تجربة المدارس المستقلة نسخة مكررة من اي تجربة او تجارب اخرى ، نعم هناك تجارب مشابهة تشترك في مجموعة من القواسم المشتركة مثل ما هو قائم في امريكا ونيوزلندا واستراليا. وهذا الأمر لا يعيب التجربة لأن الحكمة ضالة المؤمن أنا وجدها فهو أحق باتباعها. إن تجربة الشارتر سكول في أمريكا والمدارس شبة المستقلة في استراليا وغيرها من التجارب لديها معطيات وتطبيقات وسياقات مختلفة تماما عن ما هو موجود في تجربة المدارس المستقلة من الناحية البنيوية والادارية والمالية والقانونية. وهو ما يجعل تجربتنا لها خصوصية. وبالتالي لا يمكن قياس مشروع المدارس المستقلة في قطر بما هو موجود في بعض الدول ، فالمعطيات والظروف تختلف تماما ، او على اقل تقدير في كثير من جوانبه ، وبالتالي فان هذا المشروع ليس " قص ولزج " ـ كما يحلو للبعض ان يدعيه ـ لمشاريع اجنبية ، وهذا ليس دفاعا عن مشروع المدارس المستقلة ، او مبادرة تعليم لمرحلة جديدة ، ولكن هذا ما اراه فعليا .
ركائز رئيسية لانجاح المشاريع
والمطلع على مبادرات تطوير التعليم في كثير من الدول المتقدمة يجد أن الشعارات الاربعة التي رفعتها مبادرة تعليم لمرحلة جديدة وهي الاستقلالية والمحاسبية والتنوع والاختيار ، تكاد تكون قواسم مشتركة في معظم النماذج التعليمية الناجحة ، لكن السؤال : هل طبقت الاستقلالية والمحاسبية كما ينبغي ؟ وهل التنوع الذي يفتح المجال للابداعات قائم في هذه المدارس ؟ وهل حق الاختيار للطالب وولي الأمر والمعلم ممارس على أرض الواقع؟
من خلال ملاحظتي وتواصلي مع عدد من المختصين ومن لهم علاقة بالمجال التعليمي والتربوي خلصت الى ان هناك اشكالية في الاستقلالية والمحاسبية ، و" قولبة " في التنوع ، اما الاختيار فلا اعتقد انه في ظل ازمة التسجيل التي شهدت المدارس المستقلة بقي امام الطالب وولي أمر مساحة حقيقية لممارسة حق الاختيار .
الشعارات التي رفعتها المبادرة وترددها الأجهزة الاعلامية شبه يوميا رائعة جدا ، ولكن على أرض الواقع كانت بحاجة حقا لنظام قوي وصلب يدعمها ، خاصة في السنوات التي تلت السنة الاولى ، التي شهدت استقلالية ، ثم ما لبث ان بدء بسحب هذه الاستقلالية شيئا فشيئا نحو المركزية التي كنا نستهجنها ، الى ان اصبح مدير المدرسة اليوم مجرد موظفا وليس قائدا تربويا صاحب رؤية ورسالة ، وفي تقديري ليس هذا هو المطلوب, لا نريد حراس مدارس وانما نريد قادة مدارس .
لقد خسرنا الكثير في السنوات الماضية ولتعويض هذه الخسارة وتحويلها ربما الى مكاسب نحن بحاجة للكثير على رأس هذه الاحتياجات الكادر البشري المدرب وصاحب الرسالة ثم منهجية العمل الواضحة والتطبيق الصارم على الأرض .
وركن المحاسبية في المدارس المستقلة اليوم فيه اشكالية منهجية وهي أن المحاسبية مرتبطة بالاستقلالية ، فلا يمكن ان تحاسب الا اذا كانت هناك استقلالية لدى القائمين على المدارس ، فاذا غابت الاستقلالية تسقط المحاسبية ؟
اما التنوع الذي أريد له أن يكون بابا للتنافس بين المدارس ومصدرا للالهام والابداع فلا نرى منه اليوم سوى شبه قوالب مدرسية لا فروق نوعية بينها. وعندما نتكلم عن التنوع نحن لا نعني الأنشطة المدرسية فحسب والتي ملأت الصحف وأصبحت تميل للاستعراض الاعلامي أكثر منه خدمة الطالب والتعليم وانما التنوع في البرامج التعليمية والبرامج النوعية والخدمات الطلابية والشراكات الاستراتيجية.
ومع الابقاء النسبي لحق الاختيار وقعت المدارس المستقلة في اشكالية حقيقية وهي أن المدارس في أصل بناءها حسب الخريطة المدرسية كان تخطيطا جغرافيا أي أن كل مدرسة تخدم منطقة جغرافية محددة والتي كانت بالكاد تكفي وكثافة الفصول كانت تتجاوز 35 طالبا خصوصا بعد هدم العديد من المدارس وعدم تعويضها بالسرعة المفروضة. وأتى قرار المجلس بتخفيض كثافة الفصول الى 25 طالبا ليزيد من حجم المشكلة.
الممارسة النسبية لحق الاختيار مع عدم وجود معطياته تسبب في ازمات اخرى في المجتمع ، منها على سبيل المثال ازمات مرورية ، نظرا لانتقال ولي الامر من منطقته الى مناطق اخرى لتوصيل ابنائه ، اضافة الى ضغط على البنية التحتية ومشاكل اجتماعية وارباك اداري ... ، كل ذلك بسبب الخلل في بناء المدارس ، والاصرار على ان عدد الطلبة في الصفوف يجب الا يتجاوز عن 25 طالبا ، وهو امر جيد اذا ما كان هناك فائض في اعداد المدارس ، لكن في الوضعية والظرف الذي نحن فيه اعتقد كان بالامكان تجاوز هذه القضية لحين اكتمال مشروع بناء المدارس ، خاصة وانه لا توجد دراسات حقيقية تؤكد ان الكثافة الطلابية في الصف هي 25 طالبا ، وخير شاهد على ذلك دول ما تعرف بـ " النمور الآسيوية " ، فالصفوف الطلابية في هذه الدول يتجاوز هذا العدد ونوعية تعليمهم من أفضل النوعيات عالميا .
المدارس المستقلة ومراحل النمو
التساؤل الآخر الذي طرحته في مقدمة هذا المقال : هل مشروع المدارس المستقلة مر بمراحل النمو الطبيعي لأي مشروع ؟ .
المتعارف عليه انه في مثل هذه المشاريع الوطنية تحديدا يكون هناك : تخطيط ـ تنفيذ على نطاق ضيق ـ تقييم ـ تعديل ـ توسع في المشروع ، هذا اعتقد انه السبيل الافضل لايجاد اي مشروع ناجح في مختلف المجالات ، والتعليم على وجه الخصوص .
ما حدث عندنا انه تم التخطيط السريع للتعليم ثم التنفيذ على نطاق ضيق ثم التوسع السريع الذي يفوق القدرات والامكانات المتاحة ، وهنا لا اتحدث عن الامكانات المالية ، لأنه وبكل امانة لم تقصر الدولة في هذا الجانب ابدا ، بل سخرت امكانات مادية ، وخصصت موازنات كبرى للتعليم لم تتوفر في كثير من الدول ، لكن ما اعنيه في جانب الكادر البشري والامكانات المدرسية والتعليمية الاخرى .. ، فالتجربة تم التوسع بها بشكل سريع ، لم تستطع الجهات المعنية استيعابه فيما بعد ، وهو ما خلق العديد من المشاكل فيما بعد ، اثر على المخرجات وعلى الطلاب ،وادى الى سخط في المجتمع تجاه مشروع المدارس المستقلة . لم تكن هناك وقفات تقييمية لمراجعة النموذج وتعديل المسار وانما كان هناك فوجا بعد فوج دون هوادة وكأن الرسالة تقول نحن ماضون بغض النظر.
وترتب على هذا التوسع السريع الذي فاق الامكانات تخبط اداري وتعليمي في بعض الجوانب ، ونتائج دون المستوى ، وعدم رضا مجتمعي .. ، بينما لو مر هذا المشروع الرائد بمراحله الطبيعية من تخطيط وتنفيذ وفحص وتدقيق وتقييم ، ثم توسع وفق النتائج التي تم التوصل اليها ، وبما يتوافق مع الامكانات المتاحة سواء فيما يتعلق بالكادر البشري او المباني المدرسية او التجهيزات التعليمية لكانت النتائج بلا شك أفضل بكثير .. .
لدينا مدارس تعد من حيث البنية التحتية من افضل المدارس عالميا ، وتتمتع بوجود تقنيات وتجهيزات عالية ... ، وقبل ذلك ـ كما ذكرت ـ فيما يتعلق وجود الدعم السياسي ، وتخصيص موارد مالية كبيرة ، فما يصرف على التعليم في قطر ضخم جدا ولا يقارن مع دول اخرى ـ نسبة وتناسب ـ ولكن السؤال هل الكادر البشري الذي سيقوم بادارة هذه المدارس ـ والتعليم بمجمله ـ كان مستعدا تدريبا وتأهيلا واعدادا ووعيا لهذا المشروع ، ام ان الاستثمارات وجهت للحجر قبل البشر ؟ .
هذا امر مهم ، وركيزة اساسية في نجاح اي مشروع ، فوجود رؤية واضحة ، واستراتيجية جيدة ، لا يعني بالضرورة نجاح المشروع اذا غابت العناصر الكفؤة التي تحمل هذا المشروع ، فاذا كانت لدينا رؤية ثاقبة ولكن الكادر الذي يدير ويترجم هذه الرؤية ضعيف فان ذلك يضعف المشروع ، والعكس صحيح كذلك ، بمعنى اذا كان لدينا رؤية متواضعة ولكن الكادر الذي يحملها قوي ومتمكن فانه سيتمكن من الارتقاء بهذه الرؤية .
هناك قضية اخرى ظلت محل تساؤل الكثيرين الا وهي عزوف اعداد من القطريين والقطريات عن مشروع المدارس المستقلة الذي يعد مشروعا وطنيا ، والسؤال لماذا هذا العزوف هل هو خوف من تحمل المسؤولية ؟ هل هو عدم كفاءة او مهنية ؟ .
الرسالة التي يرسلها القطري او القطرية من عزوفهم عن هذا المشروع له عدة احتمالات من بينها ان عدم ثقة هؤلاء بنضج المشروع من الناحية التعليمية والادارية والقانونية, اضافة لعدم ثقتهم بعدد كبير من أصحاب التراخيص من ناحية الكفاءة الادارية والقيادية وليست الأمانة. وأخيرا التخبط والفوضى الادارية والتعليمية التي لاتخفى على أحد.
وحقيقة لابد من الاشارة هنا الى ان واحدا من ابرز اسباب العزوف باعتقادي يعود الى انه لم يكن هناك تبشير حقيقي وجاد بمعالم هذا المشروع الجديد ، الذي جاء ليحل محل نظام هو قائم من عقود ، وهو ما يعني ان عملية التغيير لابد ان يسبقها تهيئة من اجل تغيير الثقافة التي يحملها افراد المجتمع ، ولكن للاسف هذا لم يحدث بالصورة المطلوبة, بل وأن التبشير كان سلبيا في لغته خصوصا في السنوات الأولى وتحول لصراع بين القديم والجديد ورفض كامل لكل ما كانت تقوم به الوزارة من ممارسات ورفض لكثير من كوادرها . ولم يكن التبشير بلغة الانتقال من مرحلة لأخرى وأنه نظرا لتغير المرحلة في دولة قطر وتغير الرؤية فان التعليم والاقتصاد والاعلام وكل شيئ يجب أن يتغير أيضا, وأن التعليم المدرسي السابق أدى دورا يتناسب مع المرحلة السابقة وأن المشروع الجديد هو امتداد طبيعي لجميع الجهود السابقة وسيكون أرضية خصبة للجهود الللاحقة.
الجميع يعرف ان نسبة المدرسات القطريات في المدارس الحكومية مثلا كان يتجاوز في كثير من الاحيان 95% ، اذن لماذا هذا التراجع في نسبة القطريين في المدارس المستقلة ؟ هذا السؤال بحاجة للتوقف والمراجعة الحقيقية .
هذا العزوف بالطبع فتح الباب لكل من " هب ودب " ليركب سفينة المشروع ، فاختلط " الحابل بالنابل " ، واختلط " الغث بالسمين " ، فقد دخل الى ميدان التدريس مدرسات ومدرسين غير مؤهلين للتدريس ، وضمت العديد من المدارس خبرات ضعيفة ولمراحل مهمة ، سواء في التأسيسي او الثانوي ، نظرا لوجود شواغر والبحث عن الارخص ، وما الاعلانات في الصحف طوال العام الا خير شاهد على ذلك .