عبدالله العذبة
14-06-2009, 12:22 PM
الاثنين الأسود.. والخطاب الترويعي
سيسجل التاريخ لجريدة العرب أنها الجريدة القطرية الوحيدة التي اتخذت موقفا مشرفا وواضحا من أزمة تصريحات مجلس الشورى الملوحة بالغرامات والعقوبات حينما عنونت خبرها «الشورى يعلن حربا «غير مبررة» على الإعلام» عكس الصحف الأخرى التي لزمت الحياد بإيراد الخبر كما هو في اليوم الأول، ثم التعامل معه أيضا بحيادية في الأيام التي تلت ذلك بينما أتبعت العرب موقفها الراسخ الذي أثبتته في اليوم الأول بموقف أبيض آخر هو مقالها «رصاصة الرحمة» الذي عبرت فيه عن رأي الصحيفة في هذه الحرب غير المتكافئة «وغير المبررة».
كما سيسجل التاريخ للكاتب محمد بن عبد الرحمن آل ثاني موقفه السباق في الإدلاء برأيه دونا عن كل الكتاب؛ حيث نزلت الأعمدة في اليومين التاليين متناولة شتى المواضيع إلا تهديدات مجلس الشورى؛ مما يدل على أن تهديدهم أتى بنتيجة؛ حيث إن كاتبا لم يستبق موعد عموده الأسبوعي ليسجل رأيه ويبدي اعتراضه، لقد توقعت أن تكون هناك هبة من الكتاب يدافعون فيها عن مكتسباتهم وحقوقهم، ويستنكرون فيها ما جاء على لسان أعضاء مجلس الشورى، ولكن كانت هناك «سهدة» من قبل الكتاب، وكان الاستنكار من قبل أعضاء منتدى شبكة الأسهم القطرية الذين هم بحق صوت الشارع القطري ونبضه الذين لم يتركوا شيئا ليقال في هذا الموضوع لغيرهم.
وأعتقد أن تصريح الدكتورة إلهام بدر هو الموقف الثالث المشرف الذي يجب أن نذكره حينما نتذكر توصيات هذه الجلسة النكسة ذات يوم، وحين نأتي على ذكر أحداث يوم الاثنين الأسود 8-6-2009 الذي اجتمع فيه 24 عضوا لإصدار قانون يؤدي إلى تقويض ما بنته الدولة في أعوام والذي أجادت صحيفة العرب في وصفه بما جاء في القرآن الكريم «كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا».
ولولا منتدى شبكة الأسهم القطرية بعد ذلك لربما بهتت القضية، وربما استبد الأقوى بالأضعف، وما استمدت قوة الأقوى إلا بتوكئه على قوانين بالية أكل الدهر عليها وشرب، وباتت تحتاج إلى تجديد وتطوير بما يتلاءم وروح العصر، فإذا كانت الأحكام الفقهية يجدد بعضها ويصاغ بما يتناسب ومتطلبات كل عصر فكيف بالأحكام الوضعية البشرية، فلا يعقل أن يعامل قانون على أنه جامع مانع يتناسب وجميع العصور.
كان الأحرى بأعضاء مجلس الشورى مناقشة قضايا عديدة أخرى تعني المواطن القطري المستهلك والمطالبة بحفظ حقوقه في التعبير عن رأيه لاتأليب السلطات العليا عليه ومحاولة حرمانه من صوته المعبر عن همومه.
ترى إذا ألجم الكتاب عن الكلام وعن التطرق لقضايا الوطن وهمومه ماذا سيكتبون؟؟ مذكراتهم الشخصية وحكايات طفولاتهم ؟!
إذا ألجم الكتاب عن الكلام وعن الحديث عن هموم الوطن والمواطن سيظل الشعور بالكبت والظلم حبيس صدور الناس، والكبت يولد الانفجار.
وإذا ألجم الكتاب عن الكلام وعن تناول هموم الناس من سيوصل صوت الشعب لأميره؟ وستظل الحقيقة مغيبة، وستظل الصورة الملونة الجميلة منظرا وهميا يخفي وراءه خربشات ومنظرا مبعثرا كريها.
وإذا ألجم الكتاب عن الكلام وعن تناول هموم الناس ما فائدة كتاباتهم ليهجروا الصحف إذا وليتركوها لتصريحات مجلس الشورى الموقر ولمن يرضى عليهم مجلس الشورى ويرى أنهم وطنيين وغير مأجورين.
وإذا ألجم الكتاب عن التطرق إلى هموم الناس سنتحول إلى إحدى الإمبراطوريات الدكتاتورية القمعية، وليست تلك رؤية سمو الأمير فهو أمير العدل والحكمة وأمير الحرية والإنسانية.
وتساؤل: هل إذا انتقد الكاتب وضعا مغلوطا أو تناول قضية تؤرق المجتمع يكون قد سعى إلى خلخلة المجتمع وبلبلته؟ هل الكتاب المادحون المطبلون هم الوطنيون والكتاب الناقدون هم الخونة؟!
فلنتناول قضية قانون الموارد البشرية مثالا، هل انتقاد هذا القانون ضرب من الخيانة؟ وهل امتداحه من ضروب الوطنية ؟!
الإنسان الصادق مع نفسه ومع ضميره الحامل أمانة قلمه والحامل على عاتقه قضية آلاف المتضررين من هذا القانون لن يكتب ممتدحا إياه فهو بذلك سيخون آمال المظلومين المتطلعين إلى من يتحدث بلسانهم ويطالب بحقوقهم؛ لأنه لا صوت لهم يوصلونه إلى الجهات المسؤولة إلا عن طريق هذه الأقلام الصادقة.
وسأحكي لكم حكاية تصب في هذا المعنى إذ ليس بالضرورة أن يكون المادحون هم الصادقون وغير المادحين هم الخونة، هي حكاية طفولية ذات مغزى قد يكون كثير منكم سمعها من ذويه في صغره (قد أحكي لكم الكثير من هذه القصص إذا أقروا تطبيق العقوبات على الكتاب – لا قدر الله - أو أعتزل الكتابة) يحكى أن هناك ملكا له بنات ثلاث اجتمع بهن ذات ليلة على العشاء وأراد أن يعرف من منهن تكن له المحبة الصادقة فسألهن أن يصفن له مبلغ مشاعرهن تجاهه فأجابت البنتان الكبيرتان إجابات رضي عنها الملك الوالد وكافأهن عليها أما البنت الصغرى فأجابت حين سألها عن مقدار حبها له
قائلة: أحبك يا والدي بقدر الملح، مما أغضب الملك، وأشعره بعدم محبتها له فحكم عليها بالطرد من قصره، فخرجت ثم بعد فترة من التنقل وصلت إلى بلد مجاور – نعستم أم نواصل؟ تدربوا للمرحلة القادمة من المقالات الوطنية - وأعجب بها أميره وتزوجها وعاشت معه في سعادة إلى أن قرر والدها الملك زيارة البلد المجاور له بلد زوجها فعلمت بالأمر، وأقاموا وليمة على شرفه فأمرت الطباخين بعدم إضافة الملح للطعام فما كان من والدها حين تذوق الأكل إلا أن غضب، حينها خرجت ابنته وقالت أعلمت أهمية الملح يا والدي وكيف لا نستطيع الاستغناء عنه.
قصة تنطوي على حكمة، وما قصة الجمال والقبح لجبران خليل جبران ببعيدة عن ذلك المعنى.
نعود لجلسة الشورى يقول أعضاء مجلس الشورى بأنه (لا تضارب بين حرية التعبير وحرية تعبير مسؤولة) وأنه يجب ألا يتعدى الكاتب حدود العقيدة والأمير والثوابت الوطنية، ترى أين توجد حرية تعبير غير مسؤولة في صحفنا ألا يعلم أعضاء مجلس الشورى بأن بعض رؤساء التحرير لا يجرؤون على نشر المقالات التي يشتمون فيها رائحة جرأة فكيف ينشر أي منهم ما يتعدى على الثوابت الثلاث؟
ومن هم الكتاب الذين سيتعدون على هذه الثوابت بخلاف المقالات التي سعت مؤخرا للتشكيك في وطنية وعقيدة بعض الكتاب وكان الأولى بأعضاء مجلس الشورى انتقاد هذه المقالات لا الانضمام إليها في تصنيف القطريين خونة ووطنيين وإضافة «مأجورين» إلى قائمة الاتهامات.
ألا يعلم أعضاء مجلس الشورى بأن بعض رؤساء التحرير يرمون مقالات كاملة في سلال المهملات، بينما كان يغنيهم عن فعل ذلك طلب حذف سطر أو أقل؛ مما يدل على عدم تمرسهم فأين هي المقالات التي تتعدى الحدود وتثير الريبة؟!
نحن في القرن الواحد والعشرين ولسنا في القرن الثامن عشر وفي دولة حرة لا إقطاعية ، أصبح العالم قرية صغيرة لا نستطيع أن نغلق قنواتنا الفضائية وموبايلاتنا وحواسيبنا ونعود لنعيش في بيوت من طين؛ لأن الأصالة لاتنافي التطور، ولأننا رضينا أم أبينا بلغنا عصر العولمة، ولأن دولتنا اختارت لنا الحرية وفتحت أبوابنا على العالم الواسع، استضافت الجامعات والمؤتمرات وافتتحت القنوات الفضائية والمراكز الإعلامية وأصبحت مقرا للجنة حقوق الانسان الإقليمية.
أصبح علينا أن نتعلم كيف نتقبل الرأي الآخر ونحترمه لا نجرمه ولا نخونه، وحين لا نتفق مع ما يطرحه الكتاب الآخرون يجب ألا نلجأ إلى أسلوب التأليب ضدهم وتخوينهم والمس بعقائدهم وهناك مقولة شهيرة تقول: «قد لا أتفق معك في الرأي، ولكني على استعداد أن أبذل حياتي لتتمكن من التعبير عن رأيك» فكيف بمجلس شوري يدل اسمه على أن وظيفته مناقشة الآراء المختلفة والاستماع إليها لا طمسها ومحاولة خنقها؟
يقال «اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية» ونحن لا نسعى لود من نختلف معهم في الرأي، ولكن إلى عدم تخوينهم وعدم إسكاتهم. دعوا صاحب الرأي يقول رأيه، وصاحب الرأي المعاكس يعبر عنه، وستكون الأمور على ما يرام، ولكن ضع يدك على فمه لإسكاته، وانظر كيف ستتطور الأمور إلى مناح غير حميد، لم يتوقعه الطرف الأول، ولم يخطط له الطرف الثاني.
إن مساعدة الناس على التعبير عن آرائهم والتنفيس عن همومهم دون ترهيب وتهديد يخلق مناخا صحيا ويدل على قوة شخصية صاحبه ويؤدي إلى فش خلق الناس دون ترك آثار جانبية، أما محاولة تكميم أفواههم وإسكات أصواتهم ورسم الرضا على وجوههم بالقوة وإن كانت معترضة فإنها تؤدي إلى تضخم وتراكم الغضب داخل الصدور وتناميه وانفجاره.
فما الذي نختاره؟ أن يتحدث الناس ويفضفضوا بصراحة وحسن نية ويرتاحوا؛ لأنهم أوصلوا همومهم لصاحب الأمر الذي سيعمل على حلها؟ أم أن يختزلوا آلامهم داخل صدورهم وأصواتهم داخل حناجرهم؛ لأنهم إن تحدثوا سيغرمون ويسجنون وتسحب جنسياتهم؟
أيها السادة ليتنا نعود بالزمن إلى الوراء ونرجع إلى يوم الاثنين 8-6-2009 ونمحوه من قاموس الحياة، ولكن للأسف ليس باستطاعتنا ذلك؛ لذا وبناء على ما تم طرحه من قبل مجلس الشورى يجب وضع قانون عصري للصحافة والإعلام والمطبوعات والنشر، ويجب الإسراع بإصدار قانون فوري التنفيذ بتشكيل نقابة للصحافيين تحميهم وترعى حقوقهم وتحاسبهم أيضا وإلا فعلى مهنة الصحافة السلام، وعلى أمن المواطن المظلوم الذي يريد استرجاع حقه أو المطالبة به السلام، ومرحبا بأجيال خانعة ذليلة متملقة مطبلة في سبيل البقاء ولقمة العيش.
بقلم سِهلة آل سعد
sehla.alsaad@yahoo.com
المصدر صحيفة العرب الغراء 14-6-2009 http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=85775&issueNo=538&secId=16
سيسجل التاريخ لجريدة العرب أنها الجريدة القطرية الوحيدة التي اتخذت موقفا مشرفا وواضحا من أزمة تصريحات مجلس الشورى الملوحة بالغرامات والعقوبات حينما عنونت خبرها «الشورى يعلن حربا «غير مبررة» على الإعلام» عكس الصحف الأخرى التي لزمت الحياد بإيراد الخبر كما هو في اليوم الأول، ثم التعامل معه أيضا بحيادية في الأيام التي تلت ذلك بينما أتبعت العرب موقفها الراسخ الذي أثبتته في اليوم الأول بموقف أبيض آخر هو مقالها «رصاصة الرحمة» الذي عبرت فيه عن رأي الصحيفة في هذه الحرب غير المتكافئة «وغير المبررة».
كما سيسجل التاريخ للكاتب محمد بن عبد الرحمن آل ثاني موقفه السباق في الإدلاء برأيه دونا عن كل الكتاب؛ حيث نزلت الأعمدة في اليومين التاليين متناولة شتى المواضيع إلا تهديدات مجلس الشورى؛ مما يدل على أن تهديدهم أتى بنتيجة؛ حيث إن كاتبا لم يستبق موعد عموده الأسبوعي ليسجل رأيه ويبدي اعتراضه، لقد توقعت أن تكون هناك هبة من الكتاب يدافعون فيها عن مكتسباتهم وحقوقهم، ويستنكرون فيها ما جاء على لسان أعضاء مجلس الشورى، ولكن كانت هناك «سهدة» من قبل الكتاب، وكان الاستنكار من قبل أعضاء منتدى شبكة الأسهم القطرية الذين هم بحق صوت الشارع القطري ونبضه الذين لم يتركوا شيئا ليقال في هذا الموضوع لغيرهم.
وأعتقد أن تصريح الدكتورة إلهام بدر هو الموقف الثالث المشرف الذي يجب أن نذكره حينما نتذكر توصيات هذه الجلسة النكسة ذات يوم، وحين نأتي على ذكر أحداث يوم الاثنين الأسود 8-6-2009 الذي اجتمع فيه 24 عضوا لإصدار قانون يؤدي إلى تقويض ما بنته الدولة في أعوام والذي أجادت صحيفة العرب في وصفه بما جاء في القرآن الكريم «كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا».
ولولا منتدى شبكة الأسهم القطرية بعد ذلك لربما بهتت القضية، وربما استبد الأقوى بالأضعف، وما استمدت قوة الأقوى إلا بتوكئه على قوانين بالية أكل الدهر عليها وشرب، وباتت تحتاج إلى تجديد وتطوير بما يتلاءم وروح العصر، فإذا كانت الأحكام الفقهية يجدد بعضها ويصاغ بما يتناسب ومتطلبات كل عصر فكيف بالأحكام الوضعية البشرية، فلا يعقل أن يعامل قانون على أنه جامع مانع يتناسب وجميع العصور.
كان الأحرى بأعضاء مجلس الشورى مناقشة قضايا عديدة أخرى تعني المواطن القطري المستهلك والمطالبة بحفظ حقوقه في التعبير عن رأيه لاتأليب السلطات العليا عليه ومحاولة حرمانه من صوته المعبر عن همومه.
ترى إذا ألجم الكتاب عن الكلام وعن التطرق لقضايا الوطن وهمومه ماذا سيكتبون؟؟ مذكراتهم الشخصية وحكايات طفولاتهم ؟!
إذا ألجم الكتاب عن الكلام وعن الحديث عن هموم الوطن والمواطن سيظل الشعور بالكبت والظلم حبيس صدور الناس، والكبت يولد الانفجار.
وإذا ألجم الكتاب عن الكلام وعن تناول هموم الناس من سيوصل صوت الشعب لأميره؟ وستظل الحقيقة مغيبة، وستظل الصورة الملونة الجميلة منظرا وهميا يخفي وراءه خربشات ومنظرا مبعثرا كريها.
وإذا ألجم الكتاب عن الكلام وعن تناول هموم الناس ما فائدة كتاباتهم ليهجروا الصحف إذا وليتركوها لتصريحات مجلس الشورى الموقر ولمن يرضى عليهم مجلس الشورى ويرى أنهم وطنيين وغير مأجورين.
وإذا ألجم الكتاب عن التطرق إلى هموم الناس سنتحول إلى إحدى الإمبراطوريات الدكتاتورية القمعية، وليست تلك رؤية سمو الأمير فهو أمير العدل والحكمة وأمير الحرية والإنسانية.
وتساؤل: هل إذا انتقد الكاتب وضعا مغلوطا أو تناول قضية تؤرق المجتمع يكون قد سعى إلى خلخلة المجتمع وبلبلته؟ هل الكتاب المادحون المطبلون هم الوطنيون والكتاب الناقدون هم الخونة؟!
فلنتناول قضية قانون الموارد البشرية مثالا، هل انتقاد هذا القانون ضرب من الخيانة؟ وهل امتداحه من ضروب الوطنية ؟!
الإنسان الصادق مع نفسه ومع ضميره الحامل أمانة قلمه والحامل على عاتقه قضية آلاف المتضررين من هذا القانون لن يكتب ممتدحا إياه فهو بذلك سيخون آمال المظلومين المتطلعين إلى من يتحدث بلسانهم ويطالب بحقوقهم؛ لأنه لا صوت لهم يوصلونه إلى الجهات المسؤولة إلا عن طريق هذه الأقلام الصادقة.
وسأحكي لكم حكاية تصب في هذا المعنى إذ ليس بالضرورة أن يكون المادحون هم الصادقون وغير المادحين هم الخونة، هي حكاية طفولية ذات مغزى قد يكون كثير منكم سمعها من ذويه في صغره (قد أحكي لكم الكثير من هذه القصص إذا أقروا تطبيق العقوبات على الكتاب – لا قدر الله - أو أعتزل الكتابة) يحكى أن هناك ملكا له بنات ثلاث اجتمع بهن ذات ليلة على العشاء وأراد أن يعرف من منهن تكن له المحبة الصادقة فسألهن أن يصفن له مبلغ مشاعرهن تجاهه فأجابت البنتان الكبيرتان إجابات رضي عنها الملك الوالد وكافأهن عليها أما البنت الصغرى فأجابت حين سألها عن مقدار حبها له
قائلة: أحبك يا والدي بقدر الملح، مما أغضب الملك، وأشعره بعدم محبتها له فحكم عليها بالطرد من قصره، فخرجت ثم بعد فترة من التنقل وصلت إلى بلد مجاور – نعستم أم نواصل؟ تدربوا للمرحلة القادمة من المقالات الوطنية - وأعجب بها أميره وتزوجها وعاشت معه في سعادة إلى أن قرر والدها الملك زيارة البلد المجاور له بلد زوجها فعلمت بالأمر، وأقاموا وليمة على شرفه فأمرت الطباخين بعدم إضافة الملح للطعام فما كان من والدها حين تذوق الأكل إلا أن غضب، حينها خرجت ابنته وقالت أعلمت أهمية الملح يا والدي وكيف لا نستطيع الاستغناء عنه.
قصة تنطوي على حكمة، وما قصة الجمال والقبح لجبران خليل جبران ببعيدة عن ذلك المعنى.
نعود لجلسة الشورى يقول أعضاء مجلس الشورى بأنه (لا تضارب بين حرية التعبير وحرية تعبير مسؤولة) وأنه يجب ألا يتعدى الكاتب حدود العقيدة والأمير والثوابت الوطنية، ترى أين توجد حرية تعبير غير مسؤولة في صحفنا ألا يعلم أعضاء مجلس الشورى بأن بعض رؤساء التحرير لا يجرؤون على نشر المقالات التي يشتمون فيها رائحة جرأة فكيف ينشر أي منهم ما يتعدى على الثوابت الثلاث؟
ومن هم الكتاب الذين سيتعدون على هذه الثوابت بخلاف المقالات التي سعت مؤخرا للتشكيك في وطنية وعقيدة بعض الكتاب وكان الأولى بأعضاء مجلس الشورى انتقاد هذه المقالات لا الانضمام إليها في تصنيف القطريين خونة ووطنيين وإضافة «مأجورين» إلى قائمة الاتهامات.
ألا يعلم أعضاء مجلس الشورى بأن بعض رؤساء التحرير يرمون مقالات كاملة في سلال المهملات، بينما كان يغنيهم عن فعل ذلك طلب حذف سطر أو أقل؛ مما يدل على عدم تمرسهم فأين هي المقالات التي تتعدى الحدود وتثير الريبة؟!
نحن في القرن الواحد والعشرين ولسنا في القرن الثامن عشر وفي دولة حرة لا إقطاعية ، أصبح العالم قرية صغيرة لا نستطيع أن نغلق قنواتنا الفضائية وموبايلاتنا وحواسيبنا ونعود لنعيش في بيوت من طين؛ لأن الأصالة لاتنافي التطور، ولأننا رضينا أم أبينا بلغنا عصر العولمة، ولأن دولتنا اختارت لنا الحرية وفتحت أبوابنا على العالم الواسع، استضافت الجامعات والمؤتمرات وافتتحت القنوات الفضائية والمراكز الإعلامية وأصبحت مقرا للجنة حقوق الانسان الإقليمية.
أصبح علينا أن نتعلم كيف نتقبل الرأي الآخر ونحترمه لا نجرمه ولا نخونه، وحين لا نتفق مع ما يطرحه الكتاب الآخرون يجب ألا نلجأ إلى أسلوب التأليب ضدهم وتخوينهم والمس بعقائدهم وهناك مقولة شهيرة تقول: «قد لا أتفق معك في الرأي، ولكني على استعداد أن أبذل حياتي لتتمكن من التعبير عن رأيك» فكيف بمجلس شوري يدل اسمه على أن وظيفته مناقشة الآراء المختلفة والاستماع إليها لا طمسها ومحاولة خنقها؟
يقال «اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية» ونحن لا نسعى لود من نختلف معهم في الرأي، ولكن إلى عدم تخوينهم وعدم إسكاتهم. دعوا صاحب الرأي يقول رأيه، وصاحب الرأي المعاكس يعبر عنه، وستكون الأمور على ما يرام، ولكن ضع يدك على فمه لإسكاته، وانظر كيف ستتطور الأمور إلى مناح غير حميد، لم يتوقعه الطرف الأول، ولم يخطط له الطرف الثاني.
إن مساعدة الناس على التعبير عن آرائهم والتنفيس عن همومهم دون ترهيب وتهديد يخلق مناخا صحيا ويدل على قوة شخصية صاحبه ويؤدي إلى فش خلق الناس دون ترك آثار جانبية، أما محاولة تكميم أفواههم وإسكات أصواتهم ورسم الرضا على وجوههم بالقوة وإن كانت معترضة فإنها تؤدي إلى تضخم وتراكم الغضب داخل الصدور وتناميه وانفجاره.
فما الذي نختاره؟ أن يتحدث الناس ويفضفضوا بصراحة وحسن نية ويرتاحوا؛ لأنهم أوصلوا همومهم لصاحب الأمر الذي سيعمل على حلها؟ أم أن يختزلوا آلامهم داخل صدورهم وأصواتهم داخل حناجرهم؛ لأنهم إن تحدثوا سيغرمون ويسجنون وتسحب جنسياتهم؟
أيها السادة ليتنا نعود بالزمن إلى الوراء ونرجع إلى يوم الاثنين 8-6-2009 ونمحوه من قاموس الحياة، ولكن للأسف ليس باستطاعتنا ذلك؛ لذا وبناء على ما تم طرحه من قبل مجلس الشورى يجب وضع قانون عصري للصحافة والإعلام والمطبوعات والنشر، ويجب الإسراع بإصدار قانون فوري التنفيذ بتشكيل نقابة للصحافيين تحميهم وترعى حقوقهم وتحاسبهم أيضا وإلا فعلى مهنة الصحافة السلام، وعلى أمن المواطن المظلوم الذي يريد استرجاع حقه أو المطالبة به السلام، ومرحبا بأجيال خانعة ذليلة متملقة مطبلة في سبيل البقاء ولقمة العيش.
بقلم سِهلة آل سعد
sehla.alsaad@yahoo.com
المصدر صحيفة العرب الغراء 14-6-2009 http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=85775&issueNo=538&secId=16