war reporter
20-06-2009, 01:35 PM
عميد الأساتذة ومدراء المدارس القطرية ثامر الأحمري:
أصعب القـرارات.. الاستــقالة من التعليم بعد 30 سنة من العطاء
الدوحة - العرب القطرية ـ سليمان حاج إبراهيم
إذا كان التقاعد والتوقف عن العمل بعد عطاء طويل يعتبر للكثيرين قرارا مهما ينتظرون أجله بفارغ الصبر للركون إلى الراحة، فإن مثل هذا القرار كان جد صعب بالنسبة للأستاذ ثامر الأحمري الذي ذرفت عيناه دموعا حارقة قبيل اتخاذه وقرب أجل تركه مهنة التعليم والتدريس التي أمضى فيها أكثر من 30 سنة.
الحديث إلى عميد المدرسين في قطر كان ذا شجون ونقلنا إلى دروب موغلة في القدم وعاد بنا إلى بدايات عهد الدولة التي كانت في طور البناء والتشييد، حيث رافق جميع الخطوات التي مرت بها الدوحة وساير خلالها مختلف مراحل التعليم في البلد. استقبلنا المدير بمكتبه في مدرسة حمد بن عبدالله بن جاسم الثانوية بمنطقة الريان الجديد، حيث يَعُدُّ بحسرة وأسى أيامه الأخيرة قبيل الرحيل، وقضينا معه أوقاتا مطولة وعشنا معه ساعات من دوامه اليومي، ورافقناه في جولاته بالمدرسة وشهدنا بعض اللقاءات مع الأساتذة والمسؤولين والمشرفين، وحضرنا جزءا من المقابلات التي أجراها مع أولياء أمور الطلبة القادمين لتسجيل أبنائهم للموسم المقبل. وأسرّ لنا الأحمري -مثلما سنقف عليه- بأن مهنة التعليم، والحقل التعليمي بصورة عامة، ليسا بالأمر السهل ولا بالميسر، وليس بوسع أي كان أن يصبر لسنوات طويلة في هذا المجال الذي ينفر منه الكثيرون، خصوصا في المجتمعات التي يجد أبناؤها العديد من الفرص، حيث تزيد نسب التضحية وتحكم القيم مصير الشاب حين يختار هذا الدرب.
بداية الأحمري مع مهنة المتاعب -مثلما وصفها سالباً منا نحن الصحافيين هذا الوصف لصبغه على التعليم- تعود إلى موسم 1979/1980، حيث كان لتوه متخرجا يافعا في معهد دار المعلمين. ويمنح هذا المعهد الخريجين الشباب مؤهلا علميا يسمح لهم بالتدريس في المدارس بمختلف مستوياتها. ومنذ الصغر كان الشاب اليافع، الذي ترعرع في الكشافة القطرية، مولعا بالتعليم الذي وهبه حياته -أو على الأقل النصيب الأكبر منها- ولهذا فالله عز وجل يسَّرها له وأعانه على ضروبها ومحنها ومصاعبها لأنه يؤمن بأنه يؤدي رسالة سامية.
الكشاف المعلم
اعتبر الأستاذ ثامر الأحمري أن التحاقه بالكشافة القطرية في سنة 1982 كان له أثر إيجابي في غرس حب المهنة في نفسه لتلازم الأمرين (الحركة الكشفية والتعليم)، واستمر في العطاء والنضال في الكشافة لأكثر من 15 سنة، أنهى خلال هذه الفترة جميع المراحل الكشفية حتى بلغ القيادة، وحصل على الشارة الأهلية وقيادة الوحدات ولم يتبقَ له سوى الشارة الدولية التي كان يتطلع للحصول عليها لولا انغماسه في مهام التعليم حينما تبوأ مناصب إدارية. واعتبر أن الحركة الكشفية لها علاقة واتصال وثيق بالمناهج التربوية، وكان هناك في تلك الفترة إقبال واسع عليها من قبل الطلاب الذين كانوا يجدون فيها متنفسا كبيرا، خصوصا أنه في ذلك الزمن لم تكن توجد فضاءات عديدة تشتت أوقات الأطفال مثل العصر الحالي، وبالتالي كانوا يتهافتون على الحركات والأنشطة التربوية والثقافية. وكُلِّفَ الأحمري برئاسة لجنة الوفد الكشفي المرافق للجنة الحج لأكثر من خمس مرات بالإضافة لمشاركته في دورات داخلية وخارجية عديدة كان لها الأثر الكبير في صقل مواهبه الإدارية لاحقا.
بداية صعبة.. لكن بخطى واثقة
وكانت الأيام الأولى صعبة ومرهقة لأنه مجبر على وضع موطئ قدمه في الحقل التعليمي الذي يستنزف من المعلم الذي لا يملك خبرة في بدايات عمره وقتا طويلا وجهدا مضاعفا ويضطر لبذل المزيد من أجل التحضير الجيد للدروس والتواصل الحسن مع الأولاد القادمين من بيئات مختلفة ومن مستويات اجتماعية متنوعة ويضطر لتحقيق التوازن في الصفوف وضمان النظام. وتدرَّج ثامر الأحمري في السلك التدريسي مدرسا للغة العربية والعلوم الشرعية، وبالإضافة إلى هاتين المادتين كان المعلم في السابق يدرس تقريبا جميع المواد حيث لم يكن نظام تقسيم المواد بشكله الحالي معروفا في ثمانينيات القرن الماضي. وبعد سبع سنوات من العطاء المستمر والمتواصل تم ترشيحه لمنصب وكيل مدرسة الريان الابتدائية الجديدة. ومن الصدف السعيدة أن المدرسة التي نال فيها استحقاق الترقية كان قد درس فيها وتتلمذ فيها ونهل فيها من العلم قبل أن يمسك زمام المبادرة ويقود إدارييها ويعطي لمن جاء من بعده زبدة خبرته -على تواضعها- لصقل مواهب النشء القادم.
مرحلة جديدة في حياة المعلم ثامر الأحمري
قضى الأحمري أربع سنوات يعمل بجد وإخلاص في المنصب الجديد الذي أوكل له، ورغم المهام العديدة التي كان يضطلع بها فإنه كان يسعى دوما لتقديم الأفضل ومنح أقصى ما يمكن حيث وبعد مرور أربع سنوات من العطاء رُقِّيَ لمنصب وكيل مدرسة إعدادية. وكعادته بدأ الأحمري في التأقلم مع منصبه الجديد ومنح نفسه فرصة تقديم الأفضل وبذل المزيد من الجهد ليصل بعد أربع سنوات -أي في الموسم الدراسي 97/1998- لمنصب مدير ابتدائية خالد بن أحمد الإعدادية وظل فيها لسنتين متتاليتين. وفي سنة 2000 تم تعيين الأحمري مديرا لمدرسة قطر الثانوية، وهذا بمثابة ترقية كبيرة في القطاع من خلال الاضطلاع بإحدى المهام الصعبة في المجال التعليمي وهي إدارة مدرسة ثانوية، حيث تزداد الأعباء وتتعقد المهام. وخلال وجوده في هذه المدرسة ارتقى الأحمري بمستواها العام حيث أصبحت في ظرف وجيز رائدة في قطر وتتنافس على المراتب الأولى في الاختبارات، ويتذكر جيدا رهانا عقده يوما مع أحد المسؤولين بتأكيده على إمكانية حصول طلبة ثانوية قطر على المراتب الخمس الأولى على مستوى الدولة في امتحانات الثانوية العامة، وتمكن فعلا من كسب الرهان حيث حقق طلبته النجاح وكانوا الأوائل في قطر، وهو أمر كان من الصعوبة بمكان تحقيقه على مستوى مدرسة واحدة في ظل وجود منافسة شرسة بين طلبة مختلف المدارس، بيد أنه بتسخيره لكل إمكانيات المدرسة لصالح الطلبة النجباء ودعمهم بما هو متاح والسهر معهم تحقق الحلم. وبعد هذا النجاح الواسع والسمعة الطيبة التي حققها الأحمري اتصل به وزير التعليم في ذلك الوقت ليعرض عليه قبول مهمة إدارة ثانوية الريان الجديدة للبنين واعتراه بعض التخوف في البداية وتردد قليلا لكونه من أهل الريان وتربطه بأولياء الأمور صداقات عديدة قد تؤثر على سير العمل بحكم أنه يريد أن يتعامل بجدية مع مثل هذه الأمور. وقبل المدير المنصب وأصبح مديرا للثانوية وعمل جاهدا على أن تصبح من أفضل المدارس في قطر، وعمل جاهدا منذ البداية على ضبط السلوك فيها والتركيز على الجانب التربوي والعلمي.. وتدريجيا أصبح الجميع مندمجا في مقاربته بجعل الجميع يشعرون أنهم شركاء في النجاح حيث تم إقامة معرض مدرسي ضخم وضم أعمال كثيرة أسهم بها الطلبة.
المدارس المستقلة.. تجربة جديدة
في الموسم المدرسي 2004/2005 شرعت قطر في اعتماد تجربة جديدة في المدارس التي سميت «مستقلة»؛ للتفريق بينها وبين الحكومية، وصاحب الأمر تخوف الأولياء من هذه التجربة الفريدة وفتحت مدارس (الفوج الأول) لكن بعد مرور سنة واحدة وانتهاء موسم دراسي واحد بدأت الأمور تتضح وتم خلال الموسم التالي ترشيح الأحمري ليكون صاحب ترخيص ومدير مدرسة حمد بن عبدالله بن جاسم. وحينما سألته عن سر اختيار هذا الاسم، أشار إلى أن هذا الاسم يحمل دلالة كبيرة عند القطريين وهو فخور لكونه أحد المؤسسين لعملية تطوير التعليم في قطر، خصوصا أنه ظل قريبا من أهله وفي الريان التي يعرفها جيدا ويلم بجميع تفاصيلها. ويؤكد المدير أن الكثيرين راهنوا في البداية على فشل التجربة منذ بدايتها غير أنه بفضل تضافر الجهود والعمل بروح الفريق بدأت التجربة تتضح ملامحها للناس الذين سايروها واستطاعت المدرسة التي يشرف عليها أن تسجل اسمها ضمن المربع الذهبي للمدارس المتميزة في قطر.
ومنذ 2005 حتى نهاية الموسم الحالي شرع منحى المدرسة في التطور تصاعديا، سواء من الناحية الأكاديمية أو السلوكية، وحصدت العديد من الألقاب والجوائز في ميادين مختلفة. وعن السر في ذلك طرحت على الأحمري سؤالا ليجيب عليه مباشرة: «إن عملية الإدارة ليست بالأمر السهل»، لأن الإدارة الناجحة –برأيه- هي التي تدير أمورها بشكل حسن وبشيء من الحكمة والعقل وتتميز بالقدرة على تقدير المواقف وتيسير الأمور والعمل بروح الفرق ليكون النجاح وليد هذه الظروف. وأضاف أن المدير المحنك هو من يتحكم في هذه الأمور ومفتاحه في ذلك الصبر والتريث وعدم التسرع في اتخاذ القرارات. واعتبر الأحمري أن ما جعل مسؤوليته تكون أصعب هو أن إدارة المدارس المستقلة تتطلب بذل جهود أكبر وهناك مهام عديدة موكلة إليه لكونه صاحب ترخيص حيث اضطر لوضع المناهج واختيار الموظفين والمعلمين، يضاف إلى ذلك إشرافه على شؤون الطلاب والتواصل مع أولياء الأمور ومختلف مؤسسات المجتمع حيث يتطلب ذلك كله حنكة منه ودراية بفنون الإدارة. ويضيف أن ما يسر له كل ذلك هو حبه للعمل وتفانيه فيه حيث سارت معه الأمور بوجه حسن وتمكن -ولو بصعوبة- في بعض الأحيان من مواجهة صعاب جمة خصوصا أن المدارس المستقلة تعاني من مشكلة أساسية وهي اختراق تطوير المراحل التعليمية الإعدادية والثانوية بعكس النظام السابق الذي يكون فيه التدرج بين مختلف المستويات سلسا. ومن بين الصعوبات التي واجهت الأحمري في مشواره التعليمي، كمعلم أو كمسؤول أو كمدير، تراجع الدافعية للعلم عند الطلبة لأن الأمر تتداخل فيه عوامل عديدة اجتماعية وثقافية واقتصادية وغيرها، ويضاف إلى ذلك أنه واجه متاعب مع المعارضين والمحاربين لتجربة المدارس المستقلة لعدم اقتناعهم بها وبجدواها. ومن الصعوبات التي واجهها ثامر الأحمري في مشواره -خصوصا منذ بداية المدارس المستقلة- عدم تقبل الكثيرين خصوصا مع أولياء أمور الطلبة بشأن تدريس المواد العلمية باللغة الإنجليزية خصوصا أنه ليس بوسع الكثيرين متابعة أبنائهم في دراستهم لعدم تمكنهم من اللغة الإنجليزية. ويؤكد الأحمري أنه للوصول إلى تحقيق أحسن النتائج لا بد من مرور الوقت حيث وجد في رحلة عمل إلى نيوزيلاندا أن النجاح الذي حققه البلد في المجال التعليمي تم قطف ثماره بعد 30 عاما من الجهود المضنية؛ ولهذا يدعو مهاجمي المدارس المستقلة إلى عدم التسرع في الحكم على التجربة وهي في المهد.
وقد نالت مدرسة حمد بن عبدالله بن جاسم الثانوية خلال إدارته لها العديد من الاستحقاقات والجوائز واحتلت المراتب الأولى في مسابقات محلية أو دولية، بالإضافة إلى توأمة عقدها مع مدرسة بريطانية بالتنسيق، مع المجلس البريطاني، ومدرسة أخرى في كندا، حيث قضى وفد من المدرسة فترة في كندا تعرف فيها على مناهج البلد.
القرار الصعب: الاستقالة من التعليم
يقول مدير ثانوية حمد بن عبدالله بن جاسم إنه بعد عطاء طويل وفي وقت أصبح يقطف فيه ثمار جهود السنوات الماضية، التي زادته خبرة، قرر أن يتراجع للوراء ويسلم المشعل للجيل الحالي حتى يمنحه فرصة العطاء ويواصل رسالته التربوية. وأشار إلى أنه رغم صعوبة اتخاذ القرار فإنه اضطر لذلك في نهاية المطاف (وسال دمعه من عينه في تلك اللحظة التي كانت الأصعب في حياته). ويؤكد أنه رغم اجتيازه للحظات حرجة طيلة مشواره الممتد لثلاثة عقود فإنه لم يواجه موقفا صعبا مثل الذي عانى منه حينما قرر الاستقالة، خصوصا حينما شاهد خيبة الأمل ترتسم في قلوب كل من عرفه أو عمل معه من إداريين ومعلمين وطلبة وأولياء أمورهم الذين لم يتقبلوا هذا القرار واعترضوا عليه وطالبوه بمواصلة المشوار معهم.. كانت هذه العواطف النبيلة التي عبر عنها الذين عاشروا الأحمري أشد وطأة من قرار الاستقالة نفسه؛ لأنه ليس من السهل على أي كان أن يحصل على حب ومحبة الناس، خصوصا أنه ظل لسنوات طويلة يناضل من أجل تجسيد شعار «الحب والوفاء»، الذي تمكن من تجسيده على أرض الواقع بعد سنوات طويلة من التفاني في العمل.
وبخصوص تسليم المشعل إلى خليفته بعد الاستقالة أشار الأحمري إلى أنه شرع منذ فترة يُحضِّر في سالم فالح الهاجري لتبوؤ المنصب وإكمال المسيرة والحصول على الترخيص وإدارة المدرسة بعد أن ينهي الموسم الدراسي الحالي. وأضاف أنه بوجود طاقم إداري جيد ومجلس أمناء، وعلى رأسهم الأستاذ محمد سلطان الهاجري وباقي الأعضاء، ستكون مهمته أيسر وسيكون هؤلاء داعمين له لإنجاز التحدي خصوصا أنهم قاموا بدور بارز خلال إدارة الأحمري للمدرسة، وكان مجلس المؤسسة أحد أبرز مجالس الأمناء في مؤسسات قطر التعليمية.
مشاريع وطموحات بعد الإحالة إلى المعاش
حين ألححنا على معرفة مشاريع وطموحات الأحمري التي يريد إنجازها في المرحلة المقبلة، خصوصا أن شخصا مثله متعودا على العمل والحركة ليس من السهل عليه أن يركن للراحة والاستجمام بسهولة، أشار إلى أنه يريد في البداية أن يمنح الوقت الكافي لعائلته وينذر لها نفسه بعد أن وهب كل وقته في السابق للتعليم وأداء الرسالة التي يعتبرها سامية، وبعد ذلك يفكر ربما في تأليف بعض الكتب والمراجع التي يدون فيها خلاصة تجاربه وعصارة خبرته ويضعها تحت تصرف أصحاب المهنة النبيلة.
رابط المقال:
http://www.alarab.com.qa/admin/pdf/files/1588308083_P19N.pdf
أصعب القـرارات.. الاستــقالة من التعليم بعد 30 سنة من العطاء
الدوحة - العرب القطرية ـ سليمان حاج إبراهيم
إذا كان التقاعد والتوقف عن العمل بعد عطاء طويل يعتبر للكثيرين قرارا مهما ينتظرون أجله بفارغ الصبر للركون إلى الراحة، فإن مثل هذا القرار كان جد صعب بالنسبة للأستاذ ثامر الأحمري الذي ذرفت عيناه دموعا حارقة قبيل اتخاذه وقرب أجل تركه مهنة التعليم والتدريس التي أمضى فيها أكثر من 30 سنة.
الحديث إلى عميد المدرسين في قطر كان ذا شجون ونقلنا إلى دروب موغلة في القدم وعاد بنا إلى بدايات عهد الدولة التي كانت في طور البناء والتشييد، حيث رافق جميع الخطوات التي مرت بها الدوحة وساير خلالها مختلف مراحل التعليم في البلد. استقبلنا المدير بمكتبه في مدرسة حمد بن عبدالله بن جاسم الثانوية بمنطقة الريان الجديد، حيث يَعُدُّ بحسرة وأسى أيامه الأخيرة قبيل الرحيل، وقضينا معه أوقاتا مطولة وعشنا معه ساعات من دوامه اليومي، ورافقناه في جولاته بالمدرسة وشهدنا بعض اللقاءات مع الأساتذة والمسؤولين والمشرفين، وحضرنا جزءا من المقابلات التي أجراها مع أولياء أمور الطلبة القادمين لتسجيل أبنائهم للموسم المقبل. وأسرّ لنا الأحمري -مثلما سنقف عليه- بأن مهنة التعليم، والحقل التعليمي بصورة عامة، ليسا بالأمر السهل ولا بالميسر، وليس بوسع أي كان أن يصبر لسنوات طويلة في هذا المجال الذي ينفر منه الكثيرون، خصوصا في المجتمعات التي يجد أبناؤها العديد من الفرص، حيث تزيد نسب التضحية وتحكم القيم مصير الشاب حين يختار هذا الدرب.
بداية الأحمري مع مهنة المتاعب -مثلما وصفها سالباً منا نحن الصحافيين هذا الوصف لصبغه على التعليم- تعود إلى موسم 1979/1980، حيث كان لتوه متخرجا يافعا في معهد دار المعلمين. ويمنح هذا المعهد الخريجين الشباب مؤهلا علميا يسمح لهم بالتدريس في المدارس بمختلف مستوياتها. ومنذ الصغر كان الشاب اليافع، الذي ترعرع في الكشافة القطرية، مولعا بالتعليم الذي وهبه حياته -أو على الأقل النصيب الأكبر منها- ولهذا فالله عز وجل يسَّرها له وأعانه على ضروبها ومحنها ومصاعبها لأنه يؤمن بأنه يؤدي رسالة سامية.
الكشاف المعلم
اعتبر الأستاذ ثامر الأحمري أن التحاقه بالكشافة القطرية في سنة 1982 كان له أثر إيجابي في غرس حب المهنة في نفسه لتلازم الأمرين (الحركة الكشفية والتعليم)، واستمر في العطاء والنضال في الكشافة لأكثر من 15 سنة، أنهى خلال هذه الفترة جميع المراحل الكشفية حتى بلغ القيادة، وحصل على الشارة الأهلية وقيادة الوحدات ولم يتبقَ له سوى الشارة الدولية التي كان يتطلع للحصول عليها لولا انغماسه في مهام التعليم حينما تبوأ مناصب إدارية. واعتبر أن الحركة الكشفية لها علاقة واتصال وثيق بالمناهج التربوية، وكان هناك في تلك الفترة إقبال واسع عليها من قبل الطلاب الذين كانوا يجدون فيها متنفسا كبيرا، خصوصا أنه في ذلك الزمن لم تكن توجد فضاءات عديدة تشتت أوقات الأطفال مثل العصر الحالي، وبالتالي كانوا يتهافتون على الحركات والأنشطة التربوية والثقافية. وكُلِّفَ الأحمري برئاسة لجنة الوفد الكشفي المرافق للجنة الحج لأكثر من خمس مرات بالإضافة لمشاركته في دورات داخلية وخارجية عديدة كان لها الأثر الكبير في صقل مواهبه الإدارية لاحقا.
بداية صعبة.. لكن بخطى واثقة
وكانت الأيام الأولى صعبة ومرهقة لأنه مجبر على وضع موطئ قدمه في الحقل التعليمي الذي يستنزف من المعلم الذي لا يملك خبرة في بدايات عمره وقتا طويلا وجهدا مضاعفا ويضطر لبذل المزيد من أجل التحضير الجيد للدروس والتواصل الحسن مع الأولاد القادمين من بيئات مختلفة ومن مستويات اجتماعية متنوعة ويضطر لتحقيق التوازن في الصفوف وضمان النظام. وتدرَّج ثامر الأحمري في السلك التدريسي مدرسا للغة العربية والعلوم الشرعية، وبالإضافة إلى هاتين المادتين كان المعلم في السابق يدرس تقريبا جميع المواد حيث لم يكن نظام تقسيم المواد بشكله الحالي معروفا في ثمانينيات القرن الماضي. وبعد سبع سنوات من العطاء المستمر والمتواصل تم ترشيحه لمنصب وكيل مدرسة الريان الابتدائية الجديدة. ومن الصدف السعيدة أن المدرسة التي نال فيها استحقاق الترقية كان قد درس فيها وتتلمذ فيها ونهل فيها من العلم قبل أن يمسك زمام المبادرة ويقود إدارييها ويعطي لمن جاء من بعده زبدة خبرته -على تواضعها- لصقل مواهب النشء القادم.
مرحلة جديدة في حياة المعلم ثامر الأحمري
قضى الأحمري أربع سنوات يعمل بجد وإخلاص في المنصب الجديد الذي أوكل له، ورغم المهام العديدة التي كان يضطلع بها فإنه كان يسعى دوما لتقديم الأفضل ومنح أقصى ما يمكن حيث وبعد مرور أربع سنوات من العطاء رُقِّيَ لمنصب وكيل مدرسة إعدادية. وكعادته بدأ الأحمري في التأقلم مع منصبه الجديد ومنح نفسه فرصة تقديم الأفضل وبذل المزيد من الجهد ليصل بعد أربع سنوات -أي في الموسم الدراسي 97/1998- لمنصب مدير ابتدائية خالد بن أحمد الإعدادية وظل فيها لسنتين متتاليتين. وفي سنة 2000 تم تعيين الأحمري مديرا لمدرسة قطر الثانوية، وهذا بمثابة ترقية كبيرة في القطاع من خلال الاضطلاع بإحدى المهام الصعبة في المجال التعليمي وهي إدارة مدرسة ثانوية، حيث تزداد الأعباء وتتعقد المهام. وخلال وجوده في هذه المدرسة ارتقى الأحمري بمستواها العام حيث أصبحت في ظرف وجيز رائدة في قطر وتتنافس على المراتب الأولى في الاختبارات، ويتذكر جيدا رهانا عقده يوما مع أحد المسؤولين بتأكيده على إمكانية حصول طلبة ثانوية قطر على المراتب الخمس الأولى على مستوى الدولة في امتحانات الثانوية العامة، وتمكن فعلا من كسب الرهان حيث حقق طلبته النجاح وكانوا الأوائل في قطر، وهو أمر كان من الصعوبة بمكان تحقيقه على مستوى مدرسة واحدة في ظل وجود منافسة شرسة بين طلبة مختلف المدارس، بيد أنه بتسخيره لكل إمكانيات المدرسة لصالح الطلبة النجباء ودعمهم بما هو متاح والسهر معهم تحقق الحلم. وبعد هذا النجاح الواسع والسمعة الطيبة التي حققها الأحمري اتصل به وزير التعليم في ذلك الوقت ليعرض عليه قبول مهمة إدارة ثانوية الريان الجديدة للبنين واعتراه بعض التخوف في البداية وتردد قليلا لكونه من أهل الريان وتربطه بأولياء الأمور صداقات عديدة قد تؤثر على سير العمل بحكم أنه يريد أن يتعامل بجدية مع مثل هذه الأمور. وقبل المدير المنصب وأصبح مديرا للثانوية وعمل جاهدا على أن تصبح من أفضل المدارس في قطر، وعمل جاهدا منذ البداية على ضبط السلوك فيها والتركيز على الجانب التربوي والعلمي.. وتدريجيا أصبح الجميع مندمجا في مقاربته بجعل الجميع يشعرون أنهم شركاء في النجاح حيث تم إقامة معرض مدرسي ضخم وضم أعمال كثيرة أسهم بها الطلبة.
المدارس المستقلة.. تجربة جديدة
في الموسم المدرسي 2004/2005 شرعت قطر في اعتماد تجربة جديدة في المدارس التي سميت «مستقلة»؛ للتفريق بينها وبين الحكومية، وصاحب الأمر تخوف الأولياء من هذه التجربة الفريدة وفتحت مدارس (الفوج الأول) لكن بعد مرور سنة واحدة وانتهاء موسم دراسي واحد بدأت الأمور تتضح وتم خلال الموسم التالي ترشيح الأحمري ليكون صاحب ترخيص ومدير مدرسة حمد بن عبدالله بن جاسم. وحينما سألته عن سر اختيار هذا الاسم، أشار إلى أن هذا الاسم يحمل دلالة كبيرة عند القطريين وهو فخور لكونه أحد المؤسسين لعملية تطوير التعليم في قطر، خصوصا أنه ظل قريبا من أهله وفي الريان التي يعرفها جيدا ويلم بجميع تفاصيلها. ويؤكد المدير أن الكثيرين راهنوا في البداية على فشل التجربة منذ بدايتها غير أنه بفضل تضافر الجهود والعمل بروح الفريق بدأت التجربة تتضح ملامحها للناس الذين سايروها واستطاعت المدرسة التي يشرف عليها أن تسجل اسمها ضمن المربع الذهبي للمدارس المتميزة في قطر.
ومنذ 2005 حتى نهاية الموسم الحالي شرع منحى المدرسة في التطور تصاعديا، سواء من الناحية الأكاديمية أو السلوكية، وحصدت العديد من الألقاب والجوائز في ميادين مختلفة. وعن السر في ذلك طرحت على الأحمري سؤالا ليجيب عليه مباشرة: «إن عملية الإدارة ليست بالأمر السهل»، لأن الإدارة الناجحة –برأيه- هي التي تدير أمورها بشكل حسن وبشيء من الحكمة والعقل وتتميز بالقدرة على تقدير المواقف وتيسير الأمور والعمل بروح الفرق ليكون النجاح وليد هذه الظروف. وأضاف أن المدير المحنك هو من يتحكم في هذه الأمور ومفتاحه في ذلك الصبر والتريث وعدم التسرع في اتخاذ القرارات. واعتبر الأحمري أن ما جعل مسؤوليته تكون أصعب هو أن إدارة المدارس المستقلة تتطلب بذل جهود أكبر وهناك مهام عديدة موكلة إليه لكونه صاحب ترخيص حيث اضطر لوضع المناهج واختيار الموظفين والمعلمين، يضاف إلى ذلك إشرافه على شؤون الطلاب والتواصل مع أولياء الأمور ومختلف مؤسسات المجتمع حيث يتطلب ذلك كله حنكة منه ودراية بفنون الإدارة. ويضيف أن ما يسر له كل ذلك هو حبه للعمل وتفانيه فيه حيث سارت معه الأمور بوجه حسن وتمكن -ولو بصعوبة- في بعض الأحيان من مواجهة صعاب جمة خصوصا أن المدارس المستقلة تعاني من مشكلة أساسية وهي اختراق تطوير المراحل التعليمية الإعدادية والثانوية بعكس النظام السابق الذي يكون فيه التدرج بين مختلف المستويات سلسا. ومن بين الصعوبات التي واجهت الأحمري في مشواره التعليمي، كمعلم أو كمسؤول أو كمدير، تراجع الدافعية للعلم عند الطلبة لأن الأمر تتداخل فيه عوامل عديدة اجتماعية وثقافية واقتصادية وغيرها، ويضاف إلى ذلك أنه واجه متاعب مع المعارضين والمحاربين لتجربة المدارس المستقلة لعدم اقتناعهم بها وبجدواها. ومن الصعوبات التي واجهها ثامر الأحمري في مشواره -خصوصا منذ بداية المدارس المستقلة- عدم تقبل الكثيرين خصوصا مع أولياء أمور الطلبة بشأن تدريس المواد العلمية باللغة الإنجليزية خصوصا أنه ليس بوسع الكثيرين متابعة أبنائهم في دراستهم لعدم تمكنهم من اللغة الإنجليزية. ويؤكد الأحمري أنه للوصول إلى تحقيق أحسن النتائج لا بد من مرور الوقت حيث وجد في رحلة عمل إلى نيوزيلاندا أن النجاح الذي حققه البلد في المجال التعليمي تم قطف ثماره بعد 30 عاما من الجهود المضنية؛ ولهذا يدعو مهاجمي المدارس المستقلة إلى عدم التسرع في الحكم على التجربة وهي في المهد.
وقد نالت مدرسة حمد بن عبدالله بن جاسم الثانوية خلال إدارته لها العديد من الاستحقاقات والجوائز واحتلت المراتب الأولى في مسابقات محلية أو دولية، بالإضافة إلى توأمة عقدها مع مدرسة بريطانية بالتنسيق، مع المجلس البريطاني، ومدرسة أخرى في كندا، حيث قضى وفد من المدرسة فترة في كندا تعرف فيها على مناهج البلد.
القرار الصعب: الاستقالة من التعليم
يقول مدير ثانوية حمد بن عبدالله بن جاسم إنه بعد عطاء طويل وفي وقت أصبح يقطف فيه ثمار جهود السنوات الماضية، التي زادته خبرة، قرر أن يتراجع للوراء ويسلم المشعل للجيل الحالي حتى يمنحه فرصة العطاء ويواصل رسالته التربوية. وأشار إلى أنه رغم صعوبة اتخاذ القرار فإنه اضطر لذلك في نهاية المطاف (وسال دمعه من عينه في تلك اللحظة التي كانت الأصعب في حياته). ويؤكد أنه رغم اجتيازه للحظات حرجة طيلة مشواره الممتد لثلاثة عقود فإنه لم يواجه موقفا صعبا مثل الذي عانى منه حينما قرر الاستقالة، خصوصا حينما شاهد خيبة الأمل ترتسم في قلوب كل من عرفه أو عمل معه من إداريين ومعلمين وطلبة وأولياء أمورهم الذين لم يتقبلوا هذا القرار واعترضوا عليه وطالبوه بمواصلة المشوار معهم.. كانت هذه العواطف النبيلة التي عبر عنها الذين عاشروا الأحمري أشد وطأة من قرار الاستقالة نفسه؛ لأنه ليس من السهل على أي كان أن يحصل على حب ومحبة الناس، خصوصا أنه ظل لسنوات طويلة يناضل من أجل تجسيد شعار «الحب والوفاء»، الذي تمكن من تجسيده على أرض الواقع بعد سنوات طويلة من التفاني في العمل.
وبخصوص تسليم المشعل إلى خليفته بعد الاستقالة أشار الأحمري إلى أنه شرع منذ فترة يُحضِّر في سالم فالح الهاجري لتبوؤ المنصب وإكمال المسيرة والحصول على الترخيص وإدارة المدرسة بعد أن ينهي الموسم الدراسي الحالي. وأضاف أنه بوجود طاقم إداري جيد ومجلس أمناء، وعلى رأسهم الأستاذ محمد سلطان الهاجري وباقي الأعضاء، ستكون مهمته أيسر وسيكون هؤلاء داعمين له لإنجاز التحدي خصوصا أنهم قاموا بدور بارز خلال إدارة الأحمري للمدرسة، وكان مجلس المؤسسة أحد أبرز مجالس الأمناء في مؤسسات قطر التعليمية.
مشاريع وطموحات بعد الإحالة إلى المعاش
حين ألححنا على معرفة مشاريع وطموحات الأحمري التي يريد إنجازها في المرحلة المقبلة، خصوصا أن شخصا مثله متعودا على العمل والحركة ليس من السهل عليه أن يركن للراحة والاستجمام بسهولة، أشار إلى أنه يريد في البداية أن يمنح الوقت الكافي لعائلته وينذر لها نفسه بعد أن وهب كل وقته في السابق للتعليم وأداء الرسالة التي يعتبرها سامية، وبعد ذلك يفكر ربما في تأليف بعض الكتب والمراجع التي يدون فيها خلاصة تجاربه وعصارة خبرته ويضعها تحت تصرف أصحاب المهنة النبيلة.
رابط المقال:
http://www.alarab.com.qa/admin/pdf/files/1588308083_P19N.pdf