PoBox
27-06-2009, 07:06 PM
*
*
*
*
http://www.wired.com/images_blogs/autopia/images/2007/10/23/porsche_logo_6.jpg
*
*
صفقة بورشة ، والخلافات فيها *
التفاصيل
الخبراء يعتبرون الصفقة هي الحل .. تفاؤل باكتمال المفاوضات بين "قطر للاستثمار" و"بورش"
برلين – غسان أبو حمد:
لا تزال قضية التوقيع على اتفاقية التعاون بين جهاز قطر للاستثمار وإدارة شركة "بورش" للسيارات الألمانية، تتجاذب بين التفاؤل والتشاؤم. وعلى الرغم من تفاؤل الأطراف المعنية، بأن التوقيع النهائي سيتم في غضون أيام قريبة، فإن الجانب الألماني يعطي إشارات مبهمة ومشوبة بالغموض والصمت، حول بعض العقد "التي تستدعي معالجة للنوايا، داخل إدارة الشركة" ويعيدها البعض الآخر – خاصة في المجال الإعلامي والصحافي- إلى عقدة "العنجهية والكبرياء" لدى طرف من الأطراف المتحكّمة في شؤون مصير أهمّ شركة ألمانية لصناعة السيارات "الفخمة والأغلى"، والأولى عالميا، في تراتبية السيارات السريعة والمريحة..
لا شكّ، أن مصنع سيارات "بورش"، الذي بات رمزا صناعيا ألمانيا للعنجهية والكبرياء، يقع كسواه من المصانع الكبرى تحت وطأة الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية التي تجتاح الاتحاد الأوروبي، والتي كانت السبب الرئيسي في تراجع المبيعات وانكماش الصناعة الأوروبية وصولا إلى حدود إقفال الأبواب وصرف العمّال وإعلان الإفلاس.
ماذا في كواليس التفاوض بين جهاز قطر للاستثمار وأصحاب مصنع "بورش" الألماني؟
وإذا كان المؤتمر يطالب بدخول الشركات الألمانية إلى العالم العربي، فما هي أسباب الخوف من دخول الرساميل العربية إلى المصانع الألمانية وتحديدا مصانع المركبات والسيارات؟
ما هي صحة الخلافات الداخلية بين مالكي مصنع "بورش" وما هو مدى تأثير هذه الخلافات على جهاز قطر للاستثمار؟
ما هي أبعاد الأزمة المالية وتداعياتها على صعيد أرضية صناعة السيارات في أوروبا والعالم ومن هو الطرف الخاسر والطرف المستفيد منها؟
... هكذا تكلّلت "زيجات سريعة بين مفلسين مصابين بالعقم المالي، وهذ ما أدى بالتالي إلى حوادث طلاق أسرع" وبالتالي أيضا، إلى خسائر مالية ضخمة تتطلب مد يد العون إلى جهاز قطر للاستثمار من دون أي مضيعة للوقت.
يرفض مسؤول في وزارة الصناعة الألمانية الدخول في تفاصيل البنود الأولية للاتفاقية التي هي على مشارف التوقيع بين مصنع "بورش"، وهو يلتزم بالصمت قاعدة جرى الاتفاق عليها بين المتحاورين، وذلك بهدف إبعاد الصحافة المتعطشة هذه الأيام إلى عناوين شيّقة قد تضر بمصلحة الطرفين وتؤدي إلى الفشل. لكن هذا المسؤول الألماني، وحرصا منه على سير المباحثات ونجاحها، أكد لنا حتمية التوقيع على الاتفاقية في غضون أيام قليلة، وهو بحكم عمله سفيرا ألمانيا معتمدا لفترة طويلة في العديد من الدول العربية، وإتقانه للغة العرب وطبيعتهم، يذهب بنا نحو السياسة بالقول بلغة عربية "الصديق عند الضيق". ويضيف، إن هذا القول السائد في اللغة العربية، هو قول غير موجود في لغتنا الألمانية... ويضيف: لن أدخل في عالم الحساب والأرباح والخسارة، بل أكتفي بما أكده الجانب القطري بأن عملية التوقيع لن تستغرق أكثر من ثلاثة أسابيع.
آخر المعلومات في لغة الحساب وبعيدا عن لغة السياسة اللبقة، تشير إلى ما يشبه الحرب السرية بين الأطراف الألمانية المعنية بالتفاوض مع الجانب القطري ممثلا بجهاز قطر للاستثمار.
عرقلة المانية
ينظر الجانب الألماني المفاوض، وهو يطال هنا أبرز مصانع السيارات ألألمانية بدءا من "مرسيدس" إلى "فولكسفاجن" وإلى "أودي" وصولا إلى "بورش"، إلى كون الاتفاقية مع الجانب القطري ليست مرحلية بل هي تعني مستقبل صناعة السيارات في ألمانيا وبالتالي قدرة ألمانيا مستقبلا في الحفاظ على سيطرتها المتفوق في هذا المجال، ولا يتورع بعض المفاوضين الألمان، وتحديدا أحد مالكي مصنع سيارات "بورش"، فيندلين فيديكينغ، المعروف بكبريائه وصعوبة الحديث إليه، عن تكرار قاعدة ألمانية تستخدم كثيرا في الرهانات وألعاب القمار، مفادها "من يوزّع الأوراق يقرّر قواعد وشروط اللعبة"، في محاولة منه لزرع الخوف لدى حلفائه وتحذيرهم من الوقوع تحت قبضة رأس المال القطري وبالتالي، السيطرة العربية على مستقبل صناعة المركبات والسيارات في ألمانيا.
ولأول مرة في تاريخ مصنع "بورش" يجد المالكون أنفسهم أمام عرض من طرف قطري، وكلما حاولوا الشموخ والتردد في قبول العرض، ازدادت نسبة خسائر المصنع يوميا.
وفي مراجعة لسير العرض الذي رفعه جهاز قطر للاستثمار عبر مستشارها في مصرف "كريدي-سويس" بتاريخ السابع من شهر حزيرانيونيو، تبين أن العدّ العكسي قد بدأ. وهنا بات على مالكي المصنع اتخاذ قرارهم في أسرع وقت وفي مهلة لا تتخطى الأول من شهر يوليوتموز وفي حال التوقيع تصل الكمية المالية المطلوبة الأولى ومقدارها يتراوح من 4 إلى 5 مليارات يورو.
ويؤكد العارفون بما يدور في كواليس أصحاب المصنع، أن الكبرياء والعجرفة لن تنفع هذه المرة.. ففي تاريخ مصنع "بورش" لم يسبق لأي طرف أجنبي أن طرق أبوابه.
في الأزمة المالية التي أصابت ألمانيا في العام 1992 وقع المعمل المذكور تحت طائلة الإفلاس. وعلى الرغم من صعوبة وضعه، رفض مالكوه عرضا تقدمت به شركة "تويوتا" اليابانية لشرائه، فأصر أصحاب "بورش" على الرفض والعجرفة على الرغم من الإغراء المادي الذي تتضمنه عرض الشراء ووصلت قيمته في حينه إلى 1,5 مليار مارك.
ويأتي هذا الرفض المستمر للاستثمار الخارجي تلبية لمصلحة "وطنية" غير مبرّرة وقد عبّر عنها وزير الاقتصاد الألماني كارل تيودو تسو غوتنبرغ بقوله في برلين لمجلة "شبيجل": "آن الأوان للتحرر من عقد الخوف والكبرياء عبر رفضنا جميع العروض التي تحمل إلينا مستثمرين من خارج ألمانيا".
هكذا وبهذا الأسلوب لا زال صاحب مصنع "بورش" مصرا على البحث عن جانب ألماني لتغطية إفلاسه وتعويم مصنعه عبر البحث عن مستثمر "وطني" لا يتخطى حدود أوروبا والنمسا، ويطلب إلى شركائه عدم الإسراع والتسرّع في البحث عن مصادر تمويل أخرى، طالما أن المصادر الأوروبية لم تستنفد بكاملها بعد، خاصة من المصرف المركزي الألماني، وفي أسوأ الأحوال، فهو لا يمانع من وضع علامة "بورش" تحت علامة "فولكسفاكن"، أي منح مصنع بورش" بكامله إلى شريكه مصنع "فولكسفاكن"، في حال كانت هذه الشراكة بين مفلسين تؤدي إلى تقوية رأس المال الألماني لقطاع المركبات والسيارات. كذلك أيضا فإن صاحب "بورش" مستعد لإدخال مصنع "مرسيدس" (المفلس تدريجيا بدوره)، في عملية الشراكة، في حال كانت عملية الدمج بين ثلاثة مصانع كبرى تؤدي إلى تقوية الصناعة الألمانية وبالتالي، الاستغناء عن الشريك القطري!.. هكذا تدور المباحثات بين مصانع السيارات الألمانية الثلاثة وصولا إلى موقف موحد، قد لا يستغرق أكثر من أسبوع واحد.
وتتساءل مصادر صحافية ألمانية (شتيرن) عما إذا كان بإمكان المباحثات الجارية بسرية تامة بين مالكي مصانع السيارات تمكنهم من التعاون فعلا فيما بينهم في ظل الأزمة المالية الخانقة.
صاحب مصنع "دايملر مرسيدس"ديتر زيتشه كشف أن تعاون الخبراء في شركته مع التقنية المستخدمة في مصانع "فولغسبورغ" المنتجة لسيارات "فولكسفاكن" تتيح لمصنعه الإفادة من التقدم التقني المستخدم في إنتاج السيارات الصغيرة الحجم. وإلى ذلك، يؤكد صاحب "مرسيدس" أن هذا التعاون يحظى حاليا بغطاء سياسي من قبل رئيس حكومة ولاية بادن-فيرتنبرغ، الذي يأمل بإتاحة الفرصة واسعة للحدّ من نسبة البطالة عن العمل في هذه الظروف.
الخبراء.. قطر هي الحل!
إلا أن ما يكشفه صاحب مصنع "دايملر مرسيدس" من فوائد لتعاون المصانع الألمانية فيما بينها، لا يكفي للاستغناء عن الدعم المالي القطري. هذا ما يؤكده الخبراء في عالم صناعة السيارات، وبينهم الخبير الشهير فيللي دياتز والخبير فرانك شفوبي لصحيفة "نوردلاين فيستفالن". فمن وجهة نظرهما، لا حلّ واقعيا للخلاص من الأزمة المالية المتراكمة يوما بعد الآخر إلا بدخول رأس المال القطري إلى شركة "بورش"، مشيرا إلى أن فقدان أصحاب مصنع "بورش" لبعض السلطة حاليا هو أفضل بكثير من خسارتهم للمصنع بكامله لاحقا.. وهذا الأمر يتأكد حاليا من تراكم حجم الخسائر الناتجة عن كل يوم تأخير، وهذا ما يمكن ملاحظته حسابيا، بأن من رفض القبول بمساهمة جهاز قطر للاستثمار بربع الحصة بات يقبل بمشاركة قطر بثلث الحصة عوضا عن ربعها في خلال أسبوع واحد من التأخير في التوقيع على الاتفاقية..
هذا بالنسبة لمصنع "دايملر مرسيدس" أما بالنسبة لمصنع "بورش" فيبدو الوضع شبيها أيضا، على الرغم من الحديث عن فوائد الضمّ والجمع للاستغناء عن الشراكة أو الحاجة للتعاون مع جهاز قطر للاستثمار.
مشاكل "بورش" عائلية!؟
يعاني مصنع "بورش" من مشاكل مالية كبيرة جراء إقدامه في مطلع هذا العام على شراء ما يزيد على 42 في المائة من أسهم مصنع "فولكسفاجن" مع رغبة واضحة من "بورش" لرفع قيمة أسهمه في "فولكسفاجن" إلى 75 في المائة، على أن تتم عملية الدمج الكامل لاحقا بين المصنعين على اعتبار أن عملية الدمج الكامل بإمكانها توفير سيولة مالية كبيرة من خلال زيادة رأسمال الشركة الجديدة. لكن هذه الرغبة لم تحصل وسارت رياح الأرباح بعكس التوقعات، وهذا الأمر يعود إلى خلافات عائلية داخلية تكثر الأقاويل حولها!.
وفي هذا المجال، تشدد مصادر مصنع "بورش" على أن التعاون مع جهاز قطر للاستثمار ومنحها حصة في الشركة قضية ليست في خطر، بل إن عملية التأخير على توقيع الاتفاقية تعود إلى خلاف داخل الأسرة المالكة لمصنع "بورش". وتفيد المعلومات المستقاة من عدة مصادر داخل شركة "بورش" إلى أن أصحاب القرار في هذه الشركة يشتركون في كلمة وموقف واحد فيما يتعلق بالمفاوضات مع المستثمر المحتمل، وإلى أن المفاوضات مع قطر حول هذا الشأن تسير في جو جيد وبناء. وبهذا تنفي الشركة صحّة تقارير إخبارية ذكرت أن فيرديناند بييش، المساهم الكبير في بورش، قد عرقل خلال مقابلة مع مالكي الشركة شراء قطر لحصة في بورش سريعا.
وكانت بورش أكدت في الآونة الأخيرة أنها تتفاوض حصريا مع قطر التي يمكن أن تشتري أقلية أسهم معطلة في رأس مال المجموعة تشكل 25 بالمائة زائد سهم واحد. ويبدو أن البعض داخل أسرة بورش غير مرتاح لهذه المفاوضات، وبينهم تحديدا، الشريك الواسع النفوذ في المصنع فرديناند بيش، وهو وريث عائلة بورش من جهة ورئيس مجلس الإشراف على مصنع "فولكسفاغن" من جهة أخرى. ففي أول اجتماع لمالكي مصنع "بورش" وهما أسرتا بورش وبيش، عارض فرديناند شراء قطر أسهما في الشركة ودعمه في موقفه قريبه فولفغانغ بورش. وهذا الخبر الذي أوردته الصحف وأكده مصدر قريب من الملف، تم نفيه من قبل شركة بورش. وقالت المجموعة إنه لم يعقد أي اجتماع عائلي (خلافا لما أشيع ويشاع) وأن الأسرتين تجمعان على دعم دخول مستثمر جديد في رأس مال الشركة.
... ويبقى أن الخلافات هي في الجانب الألماني فقط، وأن حجم الخسائر يتراكم بالملايين.
انعكاس الأزمة المالية على ألمانيا
تعاني ألمانيا حاليا وفق البيانات الاقتصادية ركودا اقتصاديا هو الأكبر من نوعه خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ويعزو المحللون الاقتصاديون هذا التراجع في الاقتصاد الألماني إلى انخفاض حجم الصادرات وقلّة الاستثمارات، إضافة إلى قلّة الطلب العالمي على السلع والخدمات جراء الأزمة المالية العالمية.
وطبقا للإحصاءات الربع سنوية سجل الناتج المحلي الإجمالي تراجعا للمرة الرابعة على التوالي وبلغ 6.7 في المائة مقارنة ببيانات الربع الأول من العام الماضي.
وفي هذا السياق نقلت وكالات الأنباء (رويترز) عن الكسندر كوتش، الخبير لدى بنك أوني كريديت، قوله إن "البيانات السيئة الأخيرة بشأن الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الألماني تشير إلى بلوغ الكساد الحالي أقصى درجاته". يذكر أن الناتج المحلي الإجمالي يعد أهم المؤشرات الاقتصادية لقياس معدل النمو في بلد ما، ويتم حسابه بمجموع ما يُنتج داخل البلاد من سلع وخدمات.
يدّ العون من الخليج
وفي مواجهة هذه الأزمة الصعبة التفتت ألمانيا وسائر دول الإتحاد الأوروبي إلى دول الخليج وتحديدا إلى قطر وإلى الإمارات العربية. وفي هذا السياق دعا وزير الاقتصاد الألماني إلى توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي بأسرع وقت ممكن، مشددا في الوقت ذاته على أهمية العلاقات التجارية مع دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية وقطر.
وشدّد وزير الاقتصاد الألماني في حديث له في مطلع شهر أيارمايو الماضي وإبان جولته الخليجية إلى أن هناك تطورا إيجابيا يتمثل في قيام بعض المستثمرين العرب بالاستثمار في أوروبا خاصة في الشركات الألمانية رغم الأزمة المالية التي تعصف بالعالم. وأكد التزام بلاده بالإبقاء على سياستها الاستثمارية الليبرالية، متوقعا نمو الاستثمارات المتبادلة بين ألمانيا ودول الخليج العربي، داعيا إلى "توسيع قاعدة علاقات التعاون بينهما لتشمل مجالات أخرى من المصالح المشتركة مثل الطاقة والصحة والثقافة والتعليم بمختلف مستوياته والطاقة الشمسية والرعاية الصحية وتبادل البرامج الثقافية".
ويبقى أن الوقت وحده يضغط على أصحاب "بورش"، ويوما بعد يوم يتضخم حجم الخسائر، بينما يد العون ممدودة انطلاقا من قاعدة تقف عليها قطر بثبات ويدركها السياسيون وقادة الأحزاب الألمانية، مفادها أن "الصديق عند الضيق"!.
*
*
*
http://www.wired.com/images_blogs/autopia/images/2007/10/23/porsche_logo_6.jpg
*
*
صفقة بورشة ، والخلافات فيها *
التفاصيل
الخبراء يعتبرون الصفقة هي الحل .. تفاؤل باكتمال المفاوضات بين "قطر للاستثمار" و"بورش"
برلين – غسان أبو حمد:
لا تزال قضية التوقيع على اتفاقية التعاون بين جهاز قطر للاستثمار وإدارة شركة "بورش" للسيارات الألمانية، تتجاذب بين التفاؤل والتشاؤم. وعلى الرغم من تفاؤل الأطراف المعنية، بأن التوقيع النهائي سيتم في غضون أيام قريبة، فإن الجانب الألماني يعطي إشارات مبهمة ومشوبة بالغموض والصمت، حول بعض العقد "التي تستدعي معالجة للنوايا، داخل إدارة الشركة" ويعيدها البعض الآخر – خاصة في المجال الإعلامي والصحافي- إلى عقدة "العنجهية والكبرياء" لدى طرف من الأطراف المتحكّمة في شؤون مصير أهمّ شركة ألمانية لصناعة السيارات "الفخمة والأغلى"، والأولى عالميا، في تراتبية السيارات السريعة والمريحة..
لا شكّ، أن مصنع سيارات "بورش"، الذي بات رمزا صناعيا ألمانيا للعنجهية والكبرياء، يقع كسواه من المصانع الكبرى تحت وطأة الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية التي تجتاح الاتحاد الأوروبي، والتي كانت السبب الرئيسي في تراجع المبيعات وانكماش الصناعة الأوروبية وصولا إلى حدود إقفال الأبواب وصرف العمّال وإعلان الإفلاس.
ماذا في كواليس التفاوض بين جهاز قطر للاستثمار وأصحاب مصنع "بورش" الألماني؟
وإذا كان المؤتمر يطالب بدخول الشركات الألمانية إلى العالم العربي، فما هي أسباب الخوف من دخول الرساميل العربية إلى المصانع الألمانية وتحديدا مصانع المركبات والسيارات؟
ما هي صحة الخلافات الداخلية بين مالكي مصنع "بورش" وما هو مدى تأثير هذه الخلافات على جهاز قطر للاستثمار؟
ما هي أبعاد الأزمة المالية وتداعياتها على صعيد أرضية صناعة السيارات في أوروبا والعالم ومن هو الطرف الخاسر والطرف المستفيد منها؟
... هكذا تكلّلت "زيجات سريعة بين مفلسين مصابين بالعقم المالي، وهذ ما أدى بالتالي إلى حوادث طلاق أسرع" وبالتالي أيضا، إلى خسائر مالية ضخمة تتطلب مد يد العون إلى جهاز قطر للاستثمار من دون أي مضيعة للوقت.
يرفض مسؤول في وزارة الصناعة الألمانية الدخول في تفاصيل البنود الأولية للاتفاقية التي هي على مشارف التوقيع بين مصنع "بورش"، وهو يلتزم بالصمت قاعدة جرى الاتفاق عليها بين المتحاورين، وذلك بهدف إبعاد الصحافة المتعطشة هذه الأيام إلى عناوين شيّقة قد تضر بمصلحة الطرفين وتؤدي إلى الفشل. لكن هذا المسؤول الألماني، وحرصا منه على سير المباحثات ونجاحها، أكد لنا حتمية التوقيع على الاتفاقية في غضون أيام قليلة، وهو بحكم عمله سفيرا ألمانيا معتمدا لفترة طويلة في العديد من الدول العربية، وإتقانه للغة العرب وطبيعتهم، يذهب بنا نحو السياسة بالقول بلغة عربية "الصديق عند الضيق". ويضيف، إن هذا القول السائد في اللغة العربية، هو قول غير موجود في لغتنا الألمانية... ويضيف: لن أدخل في عالم الحساب والأرباح والخسارة، بل أكتفي بما أكده الجانب القطري بأن عملية التوقيع لن تستغرق أكثر من ثلاثة أسابيع.
آخر المعلومات في لغة الحساب وبعيدا عن لغة السياسة اللبقة، تشير إلى ما يشبه الحرب السرية بين الأطراف الألمانية المعنية بالتفاوض مع الجانب القطري ممثلا بجهاز قطر للاستثمار.
عرقلة المانية
ينظر الجانب الألماني المفاوض، وهو يطال هنا أبرز مصانع السيارات ألألمانية بدءا من "مرسيدس" إلى "فولكسفاجن" وإلى "أودي" وصولا إلى "بورش"، إلى كون الاتفاقية مع الجانب القطري ليست مرحلية بل هي تعني مستقبل صناعة السيارات في ألمانيا وبالتالي قدرة ألمانيا مستقبلا في الحفاظ على سيطرتها المتفوق في هذا المجال، ولا يتورع بعض المفاوضين الألمان، وتحديدا أحد مالكي مصنع سيارات "بورش"، فيندلين فيديكينغ، المعروف بكبريائه وصعوبة الحديث إليه، عن تكرار قاعدة ألمانية تستخدم كثيرا في الرهانات وألعاب القمار، مفادها "من يوزّع الأوراق يقرّر قواعد وشروط اللعبة"، في محاولة منه لزرع الخوف لدى حلفائه وتحذيرهم من الوقوع تحت قبضة رأس المال القطري وبالتالي، السيطرة العربية على مستقبل صناعة المركبات والسيارات في ألمانيا.
ولأول مرة في تاريخ مصنع "بورش" يجد المالكون أنفسهم أمام عرض من طرف قطري، وكلما حاولوا الشموخ والتردد في قبول العرض، ازدادت نسبة خسائر المصنع يوميا.
وفي مراجعة لسير العرض الذي رفعه جهاز قطر للاستثمار عبر مستشارها في مصرف "كريدي-سويس" بتاريخ السابع من شهر حزيرانيونيو، تبين أن العدّ العكسي قد بدأ. وهنا بات على مالكي المصنع اتخاذ قرارهم في أسرع وقت وفي مهلة لا تتخطى الأول من شهر يوليوتموز وفي حال التوقيع تصل الكمية المالية المطلوبة الأولى ومقدارها يتراوح من 4 إلى 5 مليارات يورو.
ويؤكد العارفون بما يدور في كواليس أصحاب المصنع، أن الكبرياء والعجرفة لن تنفع هذه المرة.. ففي تاريخ مصنع "بورش" لم يسبق لأي طرف أجنبي أن طرق أبوابه.
في الأزمة المالية التي أصابت ألمانيا في العام 1992 وقع المعمل المذكور تحت طائلة الإفلاس. وعلى الرغم من صعوبة وضعه، رفض مالكوه عرضا تقدمت به شركة "تويوتا" اليابانية لشرائه، فأصر أصحاب "بورش" على الرفض والعجرفة على الرغم من الإغراء المادي الذي تتضمنه عرض الشراء ووصلت قيمته في حينه إلى 1,5 مليار مارك.
ويأتي هذا الرفض المستمر للاستثمار الخارجي تلبية لمصلحة "وطنية" غير مبرّرة وقد عبّر عنها وزير الاقتصاد الألماني كارل تيودو تسو غوتنبرغ بقوله في برلين لمجلة "شبيجل": "آن الأوان للتحرر من عقد الخوف والكبرياء عبر رفضنا جميع العروض التي تحمل إلينا مستثمرين من خارج ألمانيا".
هكذا وبهذا الأسلوب لا زال صاحب مصنع "بورش" مصرا على البحث عن جانب ألماني لتغطية إفلاسه وتعويم مصنعه عبر البحث عن مستثمر "وطني" لا يتخطى حدود أوروبا والنمسا، ويطلب إلى شركائه عدم الإسراع والتسرّع في البحث عن مصادر تمويل أخرى، طالما أن المصادر الأوروبية لم تستنفد بكاملها بعد، خاصة من المصرف المركزي الألماني، وفي أسوأ الأحوال، فهو لا يمانع من وضع علامة "بورش" تحت علامة "فولكسفاكن"، أي منح مصنع بورش" بكامله إلى شريكه مصنع "فولكسفاكن"، في حال كانت هذه الشراكة بين مفلسين تؤدي إلى تقوية رأس المال الألماني لقطاع المركبات والسيارات. كذلك أيضا فإن صاحب "بورش" مستعد لإدخال مصنع "مرسيدس" (المفلس تدريجيا بدوره)، في عملية الشراكة، في حال كانت عملية الدمج بين ثلاثة مصانع كبرى تؤدي إلى تقوية الصناعة الألمانية وبالتالي، الاستغناء عن الشريك القطري!.. هكذا تدور المباحثات بين مصانع السيارات الألمانية الثلاثة وصولا إلى موقف موحد، قد لا يستغرق أكثر من أسبوع واحد.
وتتساءل مصادر صحافية ألمانية (شتيرن) عما إذا كان بإمكان المباحثات الجارية بسرية تامة بين مالكي مصانع السيارات تمكنهم من التعاون فعلا فيما بينهم في ظل الأزمة المالية الخانقة.
صاحب مصنع "دايملر مرسيدس"ديتر زيتشه كشف أن تعاون الخبراء في شركته مع التقنية المستخدمة في مصانع "فولغسبورغ" المنتجة لسيارات "فولكسفاكن" تتيح لمصنعه الإفادة من التقدم التقني المستخدم في إنتاج السيارات الصغيرة الحجم. وإلى ذلك، يؤكد صاحب "مرسيدس" أن هذا التعاون يحظى حاليا بغطاء سياسي من قبل رئيس حكومة ولاية بادن-فيرتنبرغ، الذي يأمل بإتاحة الفرصة واسعة للحدّ من نسبة البطالة عن العمل في هذه الظروف.
الخبراء.. قطر هي الحل!
إلا أن ما يكشفه صاحب مصنع "دايملر مرسيدس" من فوائد لتعاون المصانع الألمانية فيما بينها، لا يكفي للاستغناء عن الدعم المالي القطري. هذا ما يؤكده الخبراء في عالم صناعة السيارات، وبينهم الخبير الشهير فيللي دياتز والخبير فرانك شفوبي لصحيفة "نوردلاين فيستفالن". فمن وجهة نظرهما، لا حلّ واقعيا للخلاص من الأزمة المالية المتراكمة يوما بعد الآخر إلا بدخول رأس المال القطري إلى شركة "بورش"، مشيرا إلى أن فقدان أصحاب مصنع "بورش" لبعض السلطة حاليا هو أفضل بكثير من خسارتهم للمصنع بكامله لاحقا.. وهذا الأمر يتأكد حاليا من تراكم حجم الخسائر الناتجة عن كل يوم تأخير، وهذا ما يمكن ملاحظته حسابيا، بأن من رفض القبول بمساهمة جهاز قطر للاستثمار بربع الحصة بات يقبل بمشاركة قطر بثلث الحصة عوضا عن ربعها في خلال أسبوع واحد من التأخير في التوقيع على الاتفاقية..
هذا بالنسبة لمصنع "دايملر مرسيدس" أما بالنسبة لمصنع "بورش" فيبدو الوضع شبيها أيضا، على الرغم من الحديث عن فوائد الضمّ والجمع للاستغناء عن الشراكة أو الحاجة للتعاون مع جهاز قطر للاستثمار.
مشاكل "بورش" عائلية!؟
يعاني مصنع "بورش" من مشاكل مالية كبيرة جراء إقدامه في مطلع هذا العام على شراء ما يزيد على 42 في المائة من أسهم مصنع "فولكسفاجن" مع رغبة واضحة من "بورش" لرفع قيمة أسهمه في "فولكسفاجن" إلى 75 في المائة، على أن تتم عملية الدمج الكامل لاحقا بين المصنعين على اعتبار أن عملية الدمج الكامل بإمكانها توفير سيولة مالية كبيرة من خلال زيادة رأسمال الشركة الجديدة. لكن هذه الرغبة لم تحصل وسارت رياح الأرباح بعكس التوقعات، وهذا الأمر يعود إلى خلافات عائلية داخلية تكثر الأقاويل حولها!.
وفي هذا المجال، تشدد مصادر مصنع "بورش" على أن التعاون مع جهاز قطر للاستثمار ومنحها حصة في الشركة قضية ليست في خطر، بل إن عملية التأخير على توقيع الاتفاقية تعود إلى خلاف داخل الأسرة المالكة لمصنع "بورش". وتفيد المعلومات المستقاة من عدة مصادر داخل شركة "بورش" إلى أن أصحاب القرار في هذه الشركة يشتركون في كلمة وموقف واحد فيما يتعلق بالمفاوضات مع المستثمر المحتمل، وإلى أن المفاوضات مع قطر حول هذا الشأن تسير في جو جيد وبناء. وبهذا تنفي الشركة صحّة تقارير إخبارية ذكرت أن فيرديناند بييش، المساهم الكبير في بورش، قد عرقل خلال مقابلة مع مالكي الشركة شراء قطر لحصة في بورش سريعا.
وكانت بورش أكدت في الآونة الأخيرة أنها تتفاوض حصريا مع قطر التي يمكن أن تشتري أقلية أسهم معطلة في رأس مال المجموعة تشكل 25 بالمائة زائد سهم واحد. ويبدو أن البعض داخل أسرة بورش غير مرتاح لهذه المفاوضات، وبينهم تحديدا، الشريك الواسع النفوذ في المصنع فرديناند بيش، وهو وريث عائلة بورش من جهة ورئيس مجلس الإشراف على مصنع "فولكسفاغن" من جهة أخرى. ففي أول اجتماع لمالكي مصنع "بورش" وهما أسرتا بورش وبيش، عارض فرديناند شراء قطر أسهما في الشركة ودعمه في موقفه قريبه فولفغانغ بورش. وهذا الخبر الذي أوردته الصحف وأكده مصدر قريب من الملف، تم نفيه من قبل شركة بورش. وقالت المجموعة إنه لم يعقد أي اجتماع عائلي (خلافا لما أشيع ويشاع) وأن الأسرتين تجمعان على دعم دخول مستثمر جديد في رأس مال الشركة.
... ويبقى أن الخلافات هي في الجانب الألماني فقط، وأن حجم الخسائر يتراكم بالملايين.
انعكاس الأزمة المالية على ألمانيا
تعاني ألمانيا حاليا وفق البيانات الاقتصادية ركودا اقتصاديا هو الأكبر من نوعه خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ويعزو المحللون الاقتصاديون هذا التراجع في الاقتصاد الألماني إلى انخفاض حجم الصادرات وقلّة الاستثمارات، إضافة إلى قلّة الطلب العالمي على السلع والخدمات جراء الأزمة المالية العالمية.
وطبقا للإحصاءات الربع سنوية سجل الناتج المحلي الإجمالي تراجعا للمرة الرابعة على التوالي وبلغ 6.7 في المائة مقارنة ببيانات الربع الأول من العام الماضي.
وفي هذا السياق نقلت وكالات الأنباء (رويترز) عن الكسندر كوتش، الخبير لدى بنك أوني كريديت، قوله إن "البيانات السيئة الأخيرة بشأن الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الألماني تشير إلى بلوغ الكساد الحالي أقصى درجاته". يذكر أن الناتج المحلي الإجمالي يعد أهم المؤشرات الاقتصادية لقياس معدل النمو في بلد ما، ويتم حسابه بمجموع ما يُنتج داخل البلاد من سلع وخدمات.
يدّ العون من الخليج
وفي مواجهة هذه الأزمة الصعبة التفتت ألمانيا وسائر دول الإتحاد الأوروبي إلى دول الخليج وتحديدا إلى قطر وإلى الإمارات العربية. وفي هذا السياق دعا وزير الاقتصاد الألماني إلى توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي بأسرع وقت ممكن، مشددا في الوقت ذاته على أهمية العلاقات التجارية مع دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية وقطر.
وشدّد وزير الاقتصاد الألماني في حديث له في مطلع شهر أيارمايو الماضي وإبان جولته الخليجية إلى أن هناك تطورا إيجابيا يتمثل في قيام بعض المستثمرين العرب بالاستثمار في أوروبا خاصة في الشركات الألمانية رغم الأزمة المالية التي تعصف بالعالم. وأكد التزام بلاده بالإبقاء على سياستها الاستثمارية الليبرالية، متوقعا نمو الاستثمارات المتبادلة بين ألمانيا ودول الخليج العربي، داعيا إلى "توسيع قاعدة علاقات التعاون بينهما لتشمل مجالات أخرى من المصالح المشتركة مثل الطاقة والصحة والثقافة والتعليم بمختلف مستوياته والطاقة الشمسية والرعاية الصحية وتبادل البرامج الثقافية".
ويبقى أن الوقت وحده يضغط على أصحاب "بورش"، ويوما بعد يوم يتضخم حجم الخسائر، بينما يد العون ممدودة انطلاقا من قاعدة تقف عليها قطر بثبات ويدركها السياسيون وقادة الأحزاب الألمانية، مفادها أن "الصديق عند الضيق"!.