المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أسعار الأسهم والانتعاش المضلل



المقاول 1
06-07-2009, 03:19 PM
أسعار الأسهم والانتعاش المضلل
الاقتصادية ـ نورييل روبيني 04/05/2009
يبدو أن العلامات الطفيفة التي تشير إلى تباطؤ معدل الانكماش الاقتصادي في الولايات المتحدة والصين ومناطق أخرى من العالم قادت عديدا من خبراء الاقتصاد إلى التكهن بعودة النمو الإيجابي إلى الولايات المتحدة في النصف الثاني من هذا العام، وحدوث انتعاش مشابه في دول أخرى متقدمة. والإجماع الناشئ بين خبراء الاقتصاد الآن يؤكد أن النمو في العام المقبل سيكون قريباً من 2.5 في المائة.

والآن بدأ المستثمرون يتحدثون عن "البراعم الخضراء" للانتعاش وعن "المجموعة الثانية الإيجابية من النواتج الثانوية للنشاط الاقتصادي" (كان الانكماش الاقتصادي المتواصل هو الناتج السلبي الأول، ولكن تباطؤ معدل الانكماش يشير إلى أن القاع بات قريباً). ونتيجة لهذا فقد بدأت أسواق البورصة في الانتعاش في الولايات المتحدة ومختلف أنحاء العالم. ويبدو أن الأسواق باتت تعتقد أن الضوء يلوح في نهاية النفق المظلم، سواء بالنسبة للاقتصاد أو أرباح المؤسسات والشركات المالية.

في اعتقادي أن هذا الإجماع المتفائل لا تدعمه الحقائق. بل ورغم توقعاتي أن يتباطأ معدل الانكماش في الولايات المتحدة عن نسبة -6 في المائة التي سجلها أثناء الربعين السابقين، فإن النمو في الولايات المتحدة سيظل سلبياً (نحو -1.5 إلى -2 في المائة) أثناء النصف الثاني من هذا العام (مقارنة بالإجماع المتفاءل على النمو الإيجابي بنسبة +2 في المائة). فضلاً عن ذلك فإن النمو في العام المقبل سيكون ضعيفاً للغاية (0.5 إلى 1 في المائة، بما يتعارض مع الإجماع على 2 في المائة أو أكثر)، كما ستكون البطالة مرتفعة (أعلى من 10 في المائة) إلى الحد الذي سيجعلنا نشعر وكأن الركود لا يزال مستمراً.

ومن المنتظر في منطقة اليورو واليابان أن تكون التوقعات أشد سوءاً، حيث ستكون مستويات النمو أقرب إلى الصفر حتى في العام المقبل. وستحقق الصين انتعاشاً أسرع في وقت لاحق من هذا العام، ولكن النمو لن يتجاوز 5 في المائة في هذا العام، و7 في المائة في عام 2010، وهي مستويات أقل كثيراً من متوسط الـ 10 في المائة الذي سجلته الصين على مدى العقد الماضي.

نظراً لهذه التوقعات الضعيفة بالنسبة للقوى الاقتصادية الرئيسة فمن الطبيعي أن تستمر خسائر البنوك وغيرها من المؤسسات المالية في النمو. وأحدث تقديراتي للخسائر هي 3.6 تريليون دولار من القروض والأوراق المالية التي تصدرها المؤسسات في الولايات المتحدة، وتريليون دولار لبقية العالم.

يقال إن صندوق النقد الدولي، الذي رفع في وقت سابق من هذا العام تقديراته لخسائر البنوك، من تريليون واحد إلى 2.2 تريليون دولار، سيعلن تقديراً جديداً يبلغ 3.1 تريليون دولار بالنسبة لأصول الولايات المتحدة و0.9 تريليون دولار للأصول الأجنبية، وهي أرقام قريبة للغاية من تقديراتي. وبهذا المعيار فإن عديدا من بنوك الولايات المتحدة والبنوك الأجنبية تُـعَد في واقع الأمر مفلسة ولابد وأن تستحوذ الحكومات عليها. فضلاً عن هذا فإن أزمة الائتمان ستستمر لفترة أطول كثيراً إذا ما واصلنا محاولاتنا لإحياء البنوك التي فارقت الحياة، رغم خسائرها الهائلة والمستمرة.

في ظل هذه التوقعات للاقتصاد الحقيقي والمؤسسات المالية، فلابد وأن نفسر الانتعاش الأخير في أسواق الأوراق المالية في الولايات المتحدة وعلى مستوى العالم باعتباره انتعاشاً للسوق الهابطة. كثيراً ما يمزح خبراء الاقتصاد قائلين إن سوق البورصة توقعت 12 ركوداً من أصل تسعة، حيث تتراجع الأسواق بشدة في كثير من الأحيان دون أن يستتبع ذلك حدوث ركود. ولكن في غضون العامين الماضيين تنبأت سوق البورصة بست من أصل صفر من حالات الانتعاش الاقتصادي ـ إذ إن جميع هذه الحالات كانت عبارة عن ارتفاعات للسوق الهابطة انتهت إلى لا شيء، وبل وأدت إلى مستويات جديدة من الهبوط.

ربما يستمر آخر "انتعاش زائف" سجلته سوق البورصة لمدة أطول بعض الشيء، إلا أن ثلاثة عوامل ستؤدي في الوقت المناسب إلى اتجاهها نحو الهبوط من جديد. الأول أن مؤشرات الاقتصاد الكلي ستكون أسوأ من المتوقع، حيث يفشل النمو في استعادة قوته بالسرعة نفسها التي توقعها الإجماع.

والثاني أن أرباح ومكاسب الشركات والمؤسسات المالية لن تنتعش بالسرعة نفسها التي توقعها الإجماع، حيث إن النمو الاقتصادي الضعيف، والضغوط الانكماشية، وارتفاع مستويات العجز عن السداد على سندات المؤسسات، كلها عناصر من شأنها أن تقيد من قدرة الشركات على تحديد الأسعار، وبالتالي فلابد وأن تنخفض هوامش الربح.

والثالث أن الصدمات المالية ستكون أسوأ من المتوقع. وعند نقطة ما سيدرك المستثمرون أن خسائر البنوك هائلة، وأن بعض البنوك أفلست بالفعل. والتخلص من الروافع المالية لدى الشركات التي أسرفت في الاعتماد على الروافع المالية (الإنفاق بالاستدانة) ـ مثل صناديق الوقاء ـ من شأنه أن يرغمها على بيع الأصول السائلة في أسواق السيولة. فضلاً عن ذلك فإن بعض الأسواق الناشئة ـ رغم الدعم الكبير الذي تتلقاه من صندوق النقد الدولي ـ ستعاني أزمات مالية طاحنة تمتد تأثيراتها إلى بلدان أخرى.

لذا، ورغم أن الانتعاش الأخير في السوق الهابطة قد يستمر لفترة أطول بعض الشيء، فلا مفر من تجدد الضغوط المؤدية إلى هبوط أسعار الأسهم وغيرها من الأصول الخطرة.

لا شك أن مزيدا من السياسات القوية (التسهيلات النقدية غير التقليدية الهائلة، وحِزَم التحفيز المالي الضخمة، وعمليات إنقاذ المؤسسات المالية، وتخفيف أعباء الديون عن قروض الرهن العقاري الفردية، وزيادة الدعم المالي للأسواق الناشئة المتعثرة) التي تبناها عديد من البلدان أثناء الأشهر القليلة الماضية كانت سبباً في تخفيف خطر الانزلاق إلى الكساد. والحقيقة أن هذا الاحتمال كان مرجحاً إلى درجة كبيرة منذ ستة أشهر، حين شارفت أسواق المال العالمية على الانهيار.

رغم كل ذلك فسوف يستمر الركود العالمي لمدة أطول مما يقترح إجماع خبراء الاقتصاد. وقد يلوح الضوء في نهاية النفق المظلم ـ فيبتعد شبح الكساد والانهيار المالي. إلا أن الانتعاش الاقتصادي في كل مكان سيستغرق وقتاً أطول من المتوقع. ويصدق نفس القول أيضاً على الانتعاش المستدام للأسواق المالية.

منقووول من ارقام