مغروور قطر
08-07-2009, 02:08 PM
الأمين العام لاتحاد الغرف الخليجية لـ "الأسواق.نت": عوامل مشجعة وراء ربط العملة بالدولار
الأزمة الاقتصادية تشكل حافزا نحو الوحدة النقدية الخليجية الموحدة
دبي - غالب درويش
أكد الأمين العام لاتحاد الغرف الخليجية عبد الرحيم نقي "استمرار دول التعاون في مشروع الوحدة النقدية، مشددا على أن اتفاقية المجلس النقدي دخلت حيز التنفيذ بعد مصادقة أربع دول خليجية عليها مطلع الشهر الماضي"، وقال في حديث لـ "الأسواق.نت" إن الأزمة الاقتصادية تشكل حافزا لتعزيز التكتل الخليجي في مواجهة التحديات، كما أنها ستعمق مسار السوق الخليجية المشتركة، وفيما يلي نص الحوار:
- برأيك هل الوقت مناسب لإطلاق العملة الخليجية الموحدة في ظل تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية؟ لا شك أن قيام الأزمة الحادة التي تشهدها أسواق المال العالمية والاقتصاد العالمي تشكل حافزا لاتخاذ المزيد من الخطوات نحو التكتل الاقتصادي الخليجي؛ حيث وافقت القمة الماضية على اتفاقية الوحدة النقدية والمجلس النقدي بين الدول الأعضاء وذلك ضمن مشروع العملة الخليجية الموحدة التي تسعى الدول لإطلاقه في موعده عام 2010.
وقد تضمنت الاتفاقية النقدية التشريعات القانونية ولوائح السياسات التي يتطلبها إطلاق الوحدة النقدية مما يعني أن دول المجلس ماضية بالفعل في إنجاز هذا المشروع، وقد دخلت اتفاقية المجلس النقدي حيز التنفيذ بعد مصادقة أربع دول خليجية عليها مطلع الشهر الماضي، كما تم اختيار الرياض مقرا للبنك المركزي الخليجي، ومع ذلك يبقى دخول الوحدة النقدية في موعدها المحدد يواجه العديد من التحديات، مع العلم بأنه من الواضح في ضوء ما سبق أنه لم يتبقَّ سوى أقل من عام على هذا الموعد، في حين إن تأسيس البنك المركزي لوحده ومباشرته لأعماله قد يستغرق أكثر من عام، يضاف إلى ذلك تنفيذ ما ورد في اتفاقية الوحدة النقدية من تشريعات وسياسات يراد منها تقريب البيئة والسياسات الاقتصادية والنقدية التي تمهد بدورها لإطلاق مشروع الوحدة النقدية.
وكون الاتحاد النقدي مرتبط بدوره بالتطبيق شبه الكامل للتعرفة الجمركية الموحدة والسوق الخليجية المشتركة، وهما قضيتان لا تزالان قيد التفعيل الكامل، أكد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن بن حمد العطية، أنه عرض على القمة ورقة تشخيص لعدد من المعوقات ومقترحات لسبل معالجتها وحان الوقت لأن تتخذ القمة قرارات حاسمة، وهي المناط بها من قبل المجلس الأعلى تنفيذ الاتفاقية الاقتصادية ومناقشة مدى التزام الدول الأعضاء بالقرارات الاقتصادية الصادرة عن المجلس الأعلى ابتداء بالاتحاد الجمركي وحسم ما تبقى من متطلباته المعلقة منذ عام 2003، ومن ذلك إيجاد آلية دائمة لتوزيع الإيرادات الجمركية والاتفاق على موضوع الحماية الجمركية والوكالات التجارية، وصولا للوضع النهائي للاتحاد الجمركي وتحقيق الاستفادة القصوى من قيامه. كذلك تضمنت الورقة مقترحات لتفعيل السوق الخليجية المشتركة التي تم قيامها ابتداء من مطلع هذا العام وتوجيه المجلس الأعلى باستكمال ما تبقى من متطلباتها ووضع الآليات اللازمة لتحقيق الاستفادة القصوى للمواطنين مما توفره من فرص.
- هناك من يرى ضرورة تأجيل اطلاق العملة حتى إصلاح اختلاف معدلات التضخم والعجز المتكرر في الميزانيات وتأسيس احتياطيات قوية، كيف ترى ذلك؟
نحن نتفق أن لائحة المهام والتعقيدات التي تواجه الوحدة النقدية سوف تزيد إذا نظرنا إلى مؤشرات التقارب نظرة بعيدة المدى. وكانت معايير الوحدة النقدية الخليجية المتفق عليها تتمثل في الآتي: ألا تتجاوز نسبة العجز في الموازنة 3%، وألا تتجاوز نسبة الدين العام إلى اجمالي الناتج المحلي 60%، إلى جانب عدم تجاوز نسبة التضخم 2%، كذلك تبرز قضية التضخم تحديا آخر أمام تفعيل أداء السوق الخليجية المشتركة، ويرتبط التضخم في الخليج بمؤثرات محلية وخارجية، تتمثل الأخيرة في الربط بالدولار واضطرار مصارف المنطقة المركزية لخفض فوائدها تماشيا مع قرارات الاحتياطي المركزي الأمريكي.
فوفقا لدراسة أعدها بنك ستاندر شارترد، فإن دول مجلس التعاون الخليجي اتفقت على تبني نفس معايير الوحدة الأوروبية الخمس السابقة حسب اتفاقية ماسترخيت، وفي حين اعتبرت اتفاقية ماسترخيت هذه المعايير شرطا للانضمام للاتحاد الأوروبي، فإنه في حالة الدول الخليجية اعتبرت معايير لازمة للتوصل إلى الوحدة النقدية عام 2010.
وأوضحت الدراسة أن ارتفاع أسعار النفط خلال السنوات الماضية، مكن جميع الدول الخليجية الست من الالتزام بالمعايير الأربعة الأولى في نهاية عام 2005. بينما في عام 2004 كان المعيار الثالث بالنسبة البحرين أقل من النسبة المستهدفة بقليل (الاحتياطيات تعادل 3.8 مرة من الواردات)، والمعيار الثاني لدى السعودية يتجاوز قليلا النسبة المستهدفة بنسبة تبلغ 65% إلا أنه انخفض إلى 41% في عام 2005. وجميع هذه المعايير ظلت في تحسن عام 2008.
أما بالنسبة للمعيار الخامس الخاص بالتضخم فقد مثل بعض التحدي خاصة في البحرين وقطر والإمارات خلال عام 2008 وما قبله، حيث اتسم الاقتصادان القطري والإماراتي بارتفاع معدلات التضخم فيهما طوال العقد الماضي. ومع ذلك، لم يكن لهذا الارتفاع تأثير واضح على القدرة التنافسية للصادرات من خلال التأثير على أسعار الصرف كون معظم الصادرات تتمثل في النفط (60% من الناتج الإجمالي المحلي). إلا أن هذا المعيار زاد التحدي أمام الوحدة النقدية.
ويضيف خبراء أنه حتى في حالة إمكانية تحقيق معايير التوصل والدخول في وحدة نقدية خليجية عام 2010 في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، فإن إضفاء الاستقرار الطويل الأجل على هذه الوحدة يتطلب إعادة النظر في بعض معايير الوحدة النقدية المشتقة من التجربة الأوروبية نظرا لاختلاف الأوضاع والهياكل الاقتصادية للبلدان في كلا المجموعتين.
ونتيجة لهذه المعطيات، توضح الدراسة أن معايير الوحدة النقدية الأوروبية غير دقيقة في حالة الدول الخليجية الست، خاصة معيار نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي الذي يفترض أن لا يتجاوز نسبة 60%.
لذلك، تقترح الدراسة أن يتم تبني معايير مالية للوحدة النقدية تمثل بشكل أدق العوامل الأساسية المتحكمة في استقرار الأوضاع المالية في دول التعاون الست، وتساعدها في المحصلة النهائية على الاستعداد التدريجي لمرحلة نضوب النفط والإيرادات المتأتية منه. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تبني معيار العجز المالي غير النفطي، وهو يعني الرصيد المالي الكلي مطروحا منه الإيرادات النفطية. وبالتالي، فإن على السياسة المالية لدى هذه الدول أن تعمل على تحقيق نسبة من العجز المالي غير النفطي التي تسمح بتراكم الموجودات المالية، وبحيث يمول العائد المتأتي من هذه الموجودات العجز المالي غير النفطي المستهدف عندما يحين موعد نضوب الموارد المتأتية من النفط والغاز. وهذا يضمن بدوره توزيع مدة استهلاك الثروة النفطية على الأجيال بصورة عادلة، كما يضمن لدول المجلس أن كل دولة عضو قد ضمنت الاستقرار لمواردها المالية على المدى الطويل. إن تقدير حجم العجز المالي غير النفطي لكل دولة خليجية سوف يعتمد على حساب حجم الثروات النفطية لدى كل منها، وتقدير معدلات النمو السكاني المستقبلي.
- ربط العملة الخليجية بالدولار سيضعها في تحد جديد مع تقلبات العملة الامريكية كيف ترى ذلك ؟
ينقسم الخبراء والمحللون إلى فريقين ما بين مؤيد لفكرة فك الارتباط وبين معارض لهذه الفكرة، إذ يرى الفريق المعارض أن فك ارتباط العملات الخليجية بالدولار لن يخدم الأهداف الكلية للاقتصاديات الخليجية ومعالجة معدلات التضخم المرتفعة فيها على المدى القريب.
من ناحية أخرى فإن هناك عدة مزايا إضافية لربط العملة الخليجية الموحدة بالدولار وهي:
1- أن النفط الخام، سلعة التصدير الرئيسة لدول المجلس، يسعر عالميا بالدولار الأمريكي.
2- من المعلوم من الناحية النظرية انه يفضل للدول التي تقوم بإنتاج وتصدير سلع تعدينية او زراعية أن تقوم بربط عملتها بالعملة التي يتم استخدامها في تقييم أسعار تلك الصادرات.
3- أن الجانب الأكبر من واردات المنطقة يتم بالدولار الأمريكي، عملة الربط المقترحة للعملة الخليجية الموحدة.
4- أن الجانب الأكبر من الاستثمارات الخارجية للمنطقة والذي يتم في إطار صناديقها السيادية للاستثمار، يتم أيضا بالدولار الأمريكي.
5- أن الجانب الأكبر من احتياطيات تلك الدول بالنقد الأجنبي يتمثل في الدولار الأمريكي.
مثل هذه العوامل تعد مشجعة لتبني ربط العملة الخليجية بالدولار الأمريكي. إلا أن العيب الأساسي في الربط بالدولار الأمريكي، يتمثل في أنه في الأوقات التي يميل فيها الدولار الأمريكي نحو الهبوط فان ذلك سوف يعني هبوط قيمة العملة الخليجية الموحدة بالتبعية، ومن ثم تعاني تلك الدول من ارتفاع في الأسعار نتيجة ارتفاع أسعار الواردات من الخارج، وانخفاض القوة الشرائية لاحتياطياتها من النقد الأجنبي وكذلك انخفاض القيمة الحقيقية لاستثماراتها الخارجية.
ويرى الفريق المؤيد لفك الارتباط أن ذلك من شأنه أن يقوي العملات المحلية ويساعد على استيراد مزيد من الواردات ومعالجة معدلات التضخم المرتفعة حيث إن ارتباط العملات الخليجية بالدولار محفوف بالمخاطر بسبب عدم استقرار العملة الأمريكية كما أن ربط العملات الخليجية بسلة عملات يحقق الاستقرار والمرونة ويطور أسواق المال ويمهد لإيجاد علاقات متبادلة بين الدول الخليجية مستندة على أسس متينة.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن أفضل طريقة لتفادي أثر انخفاض الدولار على الاقتصاديات الخليجية، هو تنويع مصادر الدخل من جهة، وتنويع مصادر الواردات من جهة أخرى، وإحلال الواردات من الدول التي تتعامل بالدولار محل الواردات من الدول الأخرى، حيث إن هناك إجماعا حول تأثير الأزمة الحالية التي تشهد تقلبات سعر صرف الدولار أمام العملات العالمية. من ثم فإنه يمكن القول إن قرار فك ربط العملات الخليجية بالدولار ليس بالقرار السهل بل يحتاج إلى دراسة متعمقة كي لا تظهر تأثيرات سلبية في اقتصاد المنطقة، كم أنه يجب التأكيد على أن هذا القرار هو قرار إستراتيجي له ارتباطات سياسية متشعبة وغير مقتصرة على الجوانب الاقتصادية فقط.
إن اتخاذ القرار متروك للقيادات المسئولة، مع التركيز على جانب في غاية الأهمية وهو أن فكرة فك الارتباط بين دول الخليج والدولار الأمريكي لا يعني إطلاقا انتهاء الصداقة والعلاقات والتعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج، فهذه العلاقات مفيدة لكل الأطراف لتحقيق التنمية والتقدم الاقتصادي.
- برأيك ما هو اثر خروج الامارات وعمان من العملة الخليجية الموحدة ؟
اذا أردنا الحديث عن هذا الموضوع فبودنا ان نؤكد على حقيقتين الاولى وهي ان دولة الامارات العربية المتحدة هي احدى دول مجلس التعاون التي انطلقت منها مسيرة دول المجلس وبالتالي فإن وجودها مهم . أما بخصوص سلطنة عمان فإنها لم تكن أصلا طرفا في العملة الموحدة من البداية. والحقيقة الثانية أن بريطانيا على سبيل المثال ليست عضوة في الوحدة النقدية الأوروبية ولكن انطلقت عملة اليورو وتبعتها الكثير من الدول التي لم تنظم اليها من البداية. وتؤكد الكثير من التصريحات التي صدرت عن مسؤولين خليجيين على مستوى الوزراء الماليين والاقتصاديين على المضي قدما في تنفيذ العملة الخليجية الموحدة في موعدها،. ونحن في الاتحاد لدينا يقين ان دولة الأمارات ستمضي مع بقية الدول الخليجية " السعودية والكويت والبحرين وقطر " في تنفيذ هذه الغاية التي انتظرها عموم الخليجيين والقطاع الاقتصادي بشكل خاص . وربما تكون لدى دولة الإمارات العربية المتحدة عدة مبررات دفعتها لاتخاذ هذه الخطوة وقد أكدت ذلك أكثر من مرة في أكثر من محفل. وجميع قادة دول مجلس التعاون الخليجي يحترمون رغبتها رغم ذلك. ولازالت هنالك محاولات جادة تبذل الآن لإقناع الإمارات لمواصلة المسيرة الاقتصادية مع بقية الدول الأربعة باعتبار ان سلطنة عمان لم تكون أصلا طرفا في الاتفاقية منذ بدايتها .
-- برأيك كيف سيكون أثر العملة الخليجية على تنشيط التبادل التجاري والتكامل الاقتصادي في دول المجلس ؟
الاتحاد الاقتصادي والنقدي هو فرصة لبلدان لا يزيد عدد سكانها على 36 مليون نسمة، فيما يبلغ إجمالي ناتجها المحلي أكثر من 800 مليار دولار، وحصّة الفرد من الناتج المحلي فيها تزيد على 20 ألف دولار. وهي تنتج 23 في المئة من النفط العالمي، إضافة إلى 8 في المئة من انتاج الغاز، وتختزن 40 في المئة من مخزون النفط العالمي و23 في المئة من احتياط الغاز، وقد حققت مجتمعة فائضاً في حساباتها الجارية سنة 2008 ناهز 290 مليار دولار. مع ذلك، ما زال أمام دول الخليج الست مجال كبير لتحقيق أهداف بعيدة، عبر الوحدة النقدية والاقتصادية. إذ أنها ، على رغم ما تتمتع به من قوّة وثروات طبيعية، لا تمثل أكثر من 1.5 في المئة من الناتج المحلي العالمي، وحصّتها في التجارة العالمية لا تتناسب مع قدراتها وإمكاناتها.
إن منافع الاتحاد النقدي، وجدواه غير القابلة للنقاش، وكونه فرصة تاريخية، ترتب على السلطات المختصة في بلدان الخليج مسؤولية ملحة أمام التكهنات المتكرّرة والأسئلة المثارة هنا وهناك.
ومن شأن إطلاق عملة خليجية واحدة تشجيع المنافسة الإقليمية في مجال الخدمات المصرفية والمالية وجودة خدماتها مما ينعكس إيجابيا على عملائها في دول المجلس ويخفض من تكاليفها ويؤدي إلى تنويع خدماتها وقد يؤدي كذلك إلى تشجيع الاندماج بين هذه المؤسسات على الصعيد الإقليمي للاستفادة من اقتصاديات الحجم.
الأزمة الاقتصادية تشكل حافزا نحو الوحدة النقدية الخليجية الموحدة
دبي - غالب درويش
أكد الأمين العام لاتحاد الغرف الخليجية عبد الرحيم نقي "استمرار دول التعاون في مشروع الوحدة النقدية، مشددا على أن اتفاقية المجلس النقدي دخلت حيز التنفيذ بعد مصادقة أربع دول خليجية عليها مطلع الشهر الماضي"، وقال في حديث لـ "الأسواق.نت" إن الأزمة الاقتصادية تشكل حافزا لتعزيز التكتل الخليجي في مواجهة التحديات، كما أنها ستعمق مسار السوق الخليجية المشتركة، وفيما يلي نص الحوار:
- برأيك هل الوقت مناسب لإطلاق العملة الخليجية الموحدة في ظل تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية؟ لا شك أن قيام الأزمة الحادة التي تشهدها أسواق المال العالمية والاقتصاد العالمي تشكل حافزا لاتخاذ المزيد من الخطوات نحو التكتل الاقتصادي الخليجي؛ حيث وافقت القمة الماضية على اتفاقية الوحدة النقدية والمجلس النقدي بين الدول الأعضاء وذلك ضمن مشروع العملة الخليجية الموحدة التي تسعى الدول لإطلاقه في موعده عام 2010.
وقد تضمنت الاتفاقية النقدية التشريعات القانونية ولوائح السياسات التي يتطلبها إطلاق الوحدة النقدية مما يعني أن دول المجلس ماضية بالفعل في إنجاز هذا المشروع، وقد دخلت اتفاقية المجلس النقدي حيز التنفيذ بعد مصادقة أربع دول خليجية عليها مطلع الشهر الماضي، كما تم اختيار الرياض مقرا للبنك المركزي الخليجي، ومع ذلك يبقى دخول الوحدة النقدية في موعدها المحدد يواجه العديد من التحديات، مع العلم بأنه من الواضح في ضوء ما سبق أنه لم يتبقَّ سوى أقل من عام على هذا الموعد، في حين إن تأسيس البنك المركزي لوحده ومباشرته لأعماله قد يستغرق أكثر من عام، يضاف إلى ذلك تنفيذ ما ورد في اتفاقية الوحدة النقدية من تشريعات وسياسات يراد منها تقريب البيئة والسياسات الاقتصادية والنقدية التي تمهد بدورها لإطلاق مشروع الوحدة النقدية.
وكون الاتحاد النقدي مرتبط بدوره بالتطبيق شبه الكامل للتعرفة الجمركية الموحدة والسوق الخليجية المشتركة، وهما قضيتان لا تزالان قيد التفعيل الكامل، أكد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن بن حمد العطية، أنه عرض على القمة ورقة تشخيص لعدد من المعوقات ومقترحات لسبل معالجتها وحان الوقت لأن تتخذ القمة قرارات حاسمة، وهي المناط بها من قبل المجلس الأعلى تنفيذ الاتفاقية الاقتصادية ومناقشة مدى التزام الدول الأعضاء بالقرارات الاقتصادية الصادرة عن المجلس الأعلى ابتداء بالاتحاد الجمركي وحسم ما تبقى من متطلباته المعلقة منذ عام 2003، ومن ذلك إيجاد آلية دائمة لتوزيع الإيرادات الجمركية والاتفاق على موضوع الحماية الجمركية والوكالات التجارية، وصولا للوضع النهائي للاتحاد الجمركي وتحقيق الاستفادة القصوى من قيامه. كذلك تضمنت الورقة مقترحات لتفعيل السوق الخليجية المشتركة التي تم قيامها ابتداء من مطلع هذا العام وتوجيه المجلس الأعلى باستكمال ما تبقى من متطلباتها ووضع الآليات اللازمة لتحقيق الاستفادة القصوى للمواطنين مما توفره من فرص.
- هناك من يرى ضرورة تأجيل اطلاق العملة حتى إصلاح اختلاف معدلات التضخم والعجز المتكرر في الميزانيات وتأسيس احتياطيات قوية، كيف ترى ذلك؟
نحن نتفق أن لائحة المهام والتعقيدات التي تواجه الوحدة النقدية سوف تزيد إذا نظرنا إلى مؤشرات التقارب نظرة بعيدة المدى. وكانت معايير الوحدة النقدية الخليجية المتفق عليها تتمثل في الآتي: ألا تتجاوز نسبة العجز في الموازنة 3%، وألا تتجاوز نسبة الدين العام إلى اجمالي الناتج المحلي 60%، إلى جانب عدم تجاوز نسبة التضخم 2%، كذلك تبرز قضية التضخم تحديا آخر أمام تفعيل أداء السوق الخليجية المشتركة، ويرتبط التضخم في الخليج بمؤثرات محلية وخارجية، تتمثل الأخيرة في الربط بالدولار واضطرار مصارف المنطقة المركزية لخفض فوائدها تماشيا مع قرارات الاحتياطي المركزي الأمريكي.
فوفقا لدراسة أعدها بنك ستاندر شارترد، فإن دول مجلس التعاون الخليجي اتفقت على تبني نفس معايير الوحدة الأوروبية الخمس السابقة حسب اتفاقية ماسترخيت، وفي حين اعتبرت اتفاقية ماسترخيت هذه المعايير شرطا للانضمام للاتحاد الأوروبي، فإنه في حالة الدول الخليجية اعتبرت معايير لازمة للتوصل إلى الوحدة النقدية عام 2010.
وأوضحت الدراسة أن ارتفاع أسعار النفط خلال السنوات الماضية، مكن جميع الدول الخليجية الست من الالتزام بالمعايير الأربعة الأولى في نهاية عام 2005. بينما في عام 2004 كان المعيار الثالث بالنسبة البحرين أقل من النسبة المستهدفة بقليل (الاحتياطيات تعادل 3.8 مرة من الواردات)، والمعيار الثاني لدى السعودية يتجاوز قليلا النسبة المستهدفة بنسبة تبلغ 65% إلا أنه انخفض إلى 41% في عام 2005. وجميع هذه المعايير ظلت في تحسن عام 2008.
أما بالنسبة للمعيار الخامس الخاص بالتضخم فقد مثل بعض التحدي خاصة في البحرين وقطر والإمارات خلال عام 2008 وما قبله، حيث اتسم الاقتصادان القطري والإماراتي بارتفاع معدلات التضخم فيهما طوال العقد الماضي. ومع ذلك، لم يكن لهذا الارتفاع تأثير واضح على القدرة التنافسية للصادرات من خلال التأثير على أسعار الصرف كون معظم الصادرات تتمثل في النفط (60% من الناتج الإجمالي المحلي). إلا أن هذا المعيار زاد التحدي أمام الوحدة النقدية.
ويضيف خبراء أنه حتى في حالة إمكانية تحقيق معايير التوصل والدخول في وحدة نقدية خليجية عام 2010 في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، فإن إضفاء الاستقرار الطويل الأجل على هذه الوحدة يتطلب إعادة النظر في بعض معايير الوحدة النقدية المشتقة من التجربة الأوروبية نظرا لاختلاف الأوضاع والهياكل الاقتصادية للبلدان في كلا المجموعتين.
ونتيجة لهذه المعطيات، توضح الدراسة أن معايير الوحدة النقدية الأوروبية غير دقيقة في حالة الدول الخليجية الست، خاصة معيار نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي الذي يفترض أن لا يتجاوز نسبة 60%.
لذلك، تقترح الدراسة أن يتم تبني معايير مالية للوحدة النقدية تمثل بشكل أدق العوامل الأساسية المتحكمة في استقرار الأوضاع المالية في دول التعاون الست، وتساعدها في المحصلة النهائية على الاستعداد التدريجي لمرحلة نضوب النفط والإيرادات المتأتية منه. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تبني معيار العجز المالي غير النفطي، وهو يعني الرصيد المالي الكلي مطروحا منه الإيرادات النفطية. وبالتالي، فإن على السياسة المالية لدى هذه الدول أن تعمل على تحقيق نسبة من العجز المالي غير النفطي التي تسمح بتراكم الموجودات المالية، وبحيث يمول العائد المتأتي من هذه الموجودات العجز المالي غير النفطي المستهدف عندما يحين موعد نضوب الموارد المتأتية من النفط والغاز. وهذا يضمن بدوره توزيع مدة استهلاك الثروة النفطية على الأجيال بصورة عادلة، كما يضمن لدول المجلس أن كل دولة عضو قد ضمنت الاستقرار لمواردها المالية على المدى الطويل. إن تقدير حجم العجز المالي غير النفطي لكل دولة خليجية سوف يعتمد على حساب حجم الثروات النفطية لدى كل منها، وتقدير معدلات النمو السكاني المستقبلي.
- ربط العملة الخليجية بالدولار سيضعها في تحد جديد مع تقلبات العملة الامريكية كيف ترى ذلك ؟
ينقسم الخبراء والمحللون إلى فريقين ما بين مؤيد لفكرة فك الارتباط وبين معارض لهذه الفكرة، إذ يرى الفريق المعارض أن فك ارتباط العملات الخليجية بالدولار لن يخدم الأهداف الكلية للاقتصاديات الخليجية ومعالجة معدلات التضخم المرتفعة فيها على المدى القريب.
من ناحية أخرى فإن هناك عدة مزايا إضافية لربط العملة الخليجية الموحدة بالدولار وهي:
1- أن النفط الخام، سلعة التصدير الرئيسة لدول المجلس، يسعر عالميا بالدولار الأمريكي.
2- من المعلوم من الناحية النظرية انه يفضل للدول التي تقوم بإنتاج وتصدير سلع تعدينية او زراعية أن تقوم بربط عملتها بالعملة التي يتم استخدامها في تقييم أسعار تلك الصادرات.
3- أن الجانب الأكبر من واردات المنطقة يتم بالدولار الأمريكي، عملة الربط المقترحة للعملة الخليجية الموحدة.
4- أن الجانب الأكبر من الاستثمارات الخارجية للمنطقة والذي يتم في إطار صناديقها السيادية للاستثمار، يتم أيضا بالدولار الأمريكي.
5- أن الجانب الأكبر من احتياطيات تلك الدول بالنقد الأجنبي يتمثل في الدولار الأمريكي.
مثل هذه العوامل تعد مشجعة لتبني ربط العملة الخليجية بالدولار الأمريكي. إلا أن العيب الأساسي في الربط بالدولار الأمريكي، يتمثل في أنه في الأوقات التي يميل فيها الدولار الأمريكي نحو الهبوط فان ذلك سوف يعني هبوط قيمة العملة الخليجية الموحدة بالتبعية، ومن ثم تعاني تلك الدول من ارتفاع في الأسعار نتيجة ارتفاع أسعار الواردات من الخارج، وانخفاض القوة الشرائية لاحتياطياتها من النقد الأجنبي وكذلك انخفاض القيمة الحقيقية لاستثماراتها الخارجية.
ويرى الفريق المؤيد لفك الارتباط أن ذلك من شأنه أن يقوي العملات المحلية ويساعد على استيراد مزيد من الواردات ومعالجة معدلات التضخم المرتفعة حيث إن ارتباط العملات الخليجية بالدولار محفوف بالمخاطر بسبب عدم استقرار العملة الأمريكية كما أن ربط العملات الخليجية بسلة عملات يحقق الاستقرار والمرونة ويطور أسواق المال ويمهد لإيجاد علاقات متبادلة بين الدول الخليجية مستندة على أسس متينة.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن أفضل طريقة لتفادي أثر انخفاض الدولار على الاقتصاديات الخليجية، هو تنويع مصادر الدخل من جهة، وتنويع مصادر الواردات من جهة أخرى، وإحلال الواردات من الدول التي تتعامل بالدولار محل الواردات من الدول الأخرى، حيث إن هناك إجماعا حول تأثير الأزمة الحالية التي تشهد تقلبات سعر صرف الدولار أمام العملات العالمية. من ثم فإنه يمكن القول إن قرار فك ربط العملات الخليجية بالدولار ليس بالقرار السهل بل يحتاج إلى دراسة متعمقة كي لا تظهر تأثيرات سلبية في اقتصاد المنطقة، كم أنه يجب التأكيد على أن هذا القرار هو قرار إستراتيجي له ارتباطات سياسية متشعبة وغير مقتصرة على الجوانب الاقتصادية فقط.
إن اتخاذ القرار متروك للقيادات المسئولة، مع التركيز على جانب في غاية الأهمية وهو أن فكرة فك الارتباط بين دول الخليج والدولار الأمريكي لا يعني إطلاقا انتهاء الصداقة والعلاقات والتعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج، فهذه العلاقات مفيدة لكل الأطراف لتحقيق التنمية والتقدم الاقتصادي.
- برأيك ما هو اثر خروج الامارات وعمان من العملة الخليجية الموحدة ؟
اذا أردنا الحديث عن هذا الموضوع فبودنا ان نؤكد على حقيقتين الاولى وهي ان دولة الامارات العربية المتحدة هي احدى دول مجلس التعاون التي انطلقت منها مسيرة دول المجلس وبالتالي فإن وجودها مهم . أما بخصوص سلطنة عمان فإنها لم تكن أصلا طرفا في العملة الموحدة من البداية. والحقيقة الثانية أن بريطانيا على سبيل المثال ليست عضوة في الوحدة النقدية الأوروبية ولكن انطلقت عملة اليورو وتبعتها الكثير من الدول التي لم تنظم اليها من البداية. وتؤكد الكثير من التصريحات التي صدرت عن مسؤولين خليجيين على مستوى الوزراء الماليين والاقتصاديين على المضي قدما في تنفيذ العملة الخليجية الموحدة في موعدها،. ونحن في الاتحاد لدينا يقين ان دولة الأمارات ستمضي مع بقية الدول الخليجية " السعودية والكويت والبحرين وقطر " في تنفيذ هذه الغاية التي انتظرها عموم الخليجيين والقطاع الاقتصادي بشكل خاص . وربما تكون لدى دولة الإمارات العربية المتحدة عدة مبررات دفعتها لاتخاذ هذه الخطوة وقد أكدت ذلك أكثر من مرة في أكثر من محفل. وجميع قادة دول مجلس التعاون الخليجي يحترمون رغبتها رغم ذلك. ولازالت هنالك محاولات جادة تبذل الآن لإقناع الإمارات لمواصلة المسيرة الاقتصادية مع بقية الدول الأربعة باعتبار ان سلطنة عمان لم تكون أصلا طرفا في الاتفاقية منذ بدايتها .
-- برأيك كيف سيكون أثر العملة الخليجية على تنشيط التبادل التجاري والتكامل الاقتصادي في دول المجلس ؟
الاتحاد الاقتصادي والنقدي هو فرصة لبلدان لا يزيد عدد سكانها على 36 مليون نسمة، فيما يبلغ إجمالي ناتجها المحلي أكثر من 800 مليار دولار، وحصّة الفرد من الناتج المحلي فيها تزيد على 20 ألف دولار. وهي تنتج 23 في المئة من النفط العالمي، إضافة إلى 8 في المئة من انتاج الغاز، وتختزن 40 في المئة من مخزون النفط العالمي و23 في المئة من احتياط الغاز، وقد حققت مجتمعة فائضاً في حساباتها الجارية سنة 2008 ناهز 290 مليار دولار. مع ذلك، ما زال أمام دول الخليج الست مجال كبير لتحقيق أهداف بعيدة، عبر الوحدة النقدية والاقتصادية. إذ أنها ، على رغم ما تتمتع به من قوّة وثروات طبيعية، لا تمثل أكثر من 1.5 في المئة من الناتج المحلي العالمي، وحصّتها في التجارة العالمية لا تتناسب مع قدراتها وإمكاناتها.
إن منافع الاتحاد النقدي، وجدواه غير القابلة للنقاش، وكونه فرصة تاريخية، ترتب على السلطات المختصة في بلدان الخليج مسؤولية ملحة أمام التكهنات المتكرّرة والأسئلة المثارة هنا وهناك.
ومن شأن إطلاق عملة خليجية واحدة تشجيع المنافسة الإقليمية في مجال الخدمات المصرفية والمالية وجودة خدماتها مما ينعكس إيجابيا على عملائها في دول المجلس ويخفض من تكاليفها ويؤدي إلى تنويع خدماتها وقد يؤدي كذلك إلى تشجيع الاندماج بين هذه المؤسسات على الصعيد الإقليمي للاستفادة من اقتصاديات الحجم.