المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (حدود حرية الرأي) لعلامة قطر فضيلة الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله تعالى



عبد الرحيم11
09-07-2009, 05:24 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :

فقد وقفت على مقالة بعنوان حدود حرية الرأي لفضيلة الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه

الله تعالى نقلها الأخ عمر تهاني حفظه الله تعالى في كتابه تحفة الودود في ترجمة علامة قطر عبدالله بن

زيد آل محمود من ص70 إلى ص 76 فجزاه الله خيرا .

وقد بين الشيخ عبدالله بن زيد رحمه الله تعالى في هذه المقالة الهامة الفرق بين الحرية الشخصية

والفوضى ، وأن الحرية مقيدة في الإسلام بقيود وليست حرية متفلتة لا زمام لها ولاخطام ، فليست

الحرية حرية الإلحاد والزندقة والتطاول على الأديان والرسل عليهم الصلاة والسلام ، ولا الإباحية

البهيمية المنحطة التي نزه الله بني آدم عنها ، و لا العدوان والتعدي على حقوق الآخرين ، وسلبهم

حقوقهم بدعوى الحرية كما هو شأن الدول الكافرة .

ولما كان موضوع الحرية مما يدندن حوله كثير من المغرضين حتى صارت الحرية المطلقة لدى كثير

من العامة أصلا من أصول الدين ترد به النصوص أو تلوى أعناقها لتوافق هذا الأصل الذي بثه

الإعلام الفاسد ، لما كان الأمر كذلك نقلت هذه المقالة المحكمة لتكون سببا لتميز الحق من الباطل ،

و التوفيق بيد الله سبحانه ، يهدي من يشاء الله صراط مستقيم .


قال الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رحمه الله تعالى :


حدود حرية الرأي

شاع على ألسنة الكثير من الناس القول : بحرية الرأي ، حتى غدت هذه العبارة تتردد بين حين

وآخر دون وعي لأبعادها ، أو إدراك لمفهومها .

وحرية الرأي شيء غير الفوضوية أو الإباحية ...

لقد اختلط الأمر على بعض من الكُتّاب لدرجة أضحوا معها لا يميزون الغث من السمين ،

وأصبحت الحرية في عرفهم استباحة الجهر بكل ما يعن بالفكر من آراء الكفر ، لأنهم قد تحللوا

بحدود الدين وحقوقه ، وبنوا لهم من حرية الرأي ما يحاولون به حقن دمائهم ، وحرمة أموالهم ، حتى

ولو كفروا بالكتاب ، وبما أرسل الله به الرسل ، فهم يجهرون بالكفر بالله ، وإنكار وجود الخالق ،

وإنكار الوحي ، وبعثة الرسل ، ويطعنون في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وفي القرآن النازل

عليه ، وينكرون البعث للجزاء والحساب ، ويكذبون بالجنة والنار ، ثم يعتذرون عن كل ما

يقولون بدعوى حرية الرأي ، كأنها تبرر لهم سوء مقاصدهم ومع هذا الكفر المتظاهر ترى أحدهم

يدعي الإسلام بمعنى الانتساب إليه لا بمعنى التزام أحكامه الشرعية .

وقد أخبر الله سبحانه وتعالى بأنه لم يخلق الإنسان سدى أي مهملا يتصرف كيف شاء ، قال الله

تعالى: ( أيحسب الإنسان أن يترك سدى ) [ القيامة: 36] أي مهملا لا يؤمر ولا ينهى ، بل خلقه

مقيدا بحدود ، وحقوق ، وأمر ، ونهي ..

وبما أن الإسلام اعتقاد وقول وعمل فكذلك الكفر هو قول واعتقاد وعمل ، فهؤلاء عند العلماء

يعتبرون مرتدين عن دين الإسلام ، لعدم تقيدهم بالأحكام وأمور الحلال والحرام .

إن جهل الناس بكنه حرية الرأي ، وحقيقة مضارها للأخلاق ، والأعمال ، والعقائد ، لمما يقود

العامة إلى الخروج عن الأخلاق الفاضلة ، وعن حدود الدين وآدآبه ، وعلى قدر سوء فهم هذه

الفكرة يتضخم الجهل ، ويستفحل الكفر ، وتسود الفوضى في المجتمعات والأفراد ، حتى تكون من

أقوى عوامل الانحطاط والفساد .

لهذا كان من الواجب على علماء المسلمين وعلى القائمين بشؤون الإعلام أن يبينوا للناس مدى

سوء فهم هذه الفكرة ، وما ينجم عنه من المضار في الأخلاق والأعمال ، وأنهم يقودون الأمة إلى

مهاوي الجهالة ، وبيثون بين الناس عوامل الفساد والسفاهة ، مما يزيغهم عن معتقدهم الصحيح

ويقودهم إلى الإلحاد والتعطيل أو إلى الفوضى اللادينية والأخلاق البهيمية ، لكون أحدهم يفضل

الإباحة المطلقة على كل ما يقيد الشهوة من عقل وأدب ودين ، والعامة بما طبعوا عليه من الجهالة

والسذاجة ، وعدم الرسوخ في العلم والمعرفة قد يعتقدون صحة ما يقول هؤلاء ، خصوصا عند

سكوت العلماء عن مساوئها ، فتتغير بذلك عقولهم وعقائدهم ، وينقادون إلى داعي التضليل

والتمويه .

ومما يسبب انتشار هذه الدعوة الضالة إطلاق السراح للكتاب و رجال الصحافة و الإعلام

بترويج الباطل ، فتراه يطعن في الأديان ، ويكذب بالرسول ، والقرآن كله بحجة حرية الرأي ، ولو

تصدى لأحدهم من يتحامل عليه بالطعن فيه ، وفي أخلاقه بذكر معايبه و مثالبه ، والطعن في عرض

أهله بحجة حرية الرأي أيضا ، ولو كان صادقا في طعنه لأثارها عليه غضبا وحربا ، وهذا حقيقة ما

عناه الشاعر :

يقاد للسجن من سب الزعيم ومن سب الإله فإن الناس أحرار

لأن حرية الرأي المطلقة بلا حدود يصغي إليها وينقاد لها من يظنها حقا ، وهي في الحقيقة باطل ،

لكونها عرضة للتلاعب ، و للتحليل و التحريف و التحريم بمجرد الهوى ( ولو اتبع الحق أهوائهم

لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن ) [ المؤمنون : 71] .

ثم إن هؤلاء الذين يتبجحون بهذه الفكرة وقد جعلوها لهم عقيدة وطريقة هم الذين سلطوا على

استعباد الناس بالنار والحديد ، وسخروهم في مصالحهم كالعبيد ، فهم يسلبون الناس حريتهم باسم

الحرية .

ولهذا يجب مقاطعة كل الوسائل الإعلامية التي تقوم بنشر آرائهم ، لاعتبارها جرثومة فساد ، ومن

أسباب خراب البلاد ، وضلال العباد ، إذ الجناية على الدين أشد من الجناية على الأنفس ، والفتنة

في الدين أشد من القتل ، وإن الحرية التي يلهج الإباحيون بتحبيرها هي منصرفة إلى التحلل عن

الفرائض ، والفضائل ، وإباحة ارتكاب منكرات الأخلاق والرذائل جهارا ، ويعتقدون أن هذه من

الكمالات الأوربية في التقدم والرقي .

إن هؤلاء قد رضوا لأنفسهم أن يعيشوا عيشة البهائم ، ليس عليهم أمر ولا نهي ولا صلاة ولا

صيام ولاحلال ولاحرام .... ( والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى

لهم) [محمد:12] .

ولهذه الأسباب أصبح سوء الأوضاع ساريا في أخلاقهم ، فدخل عليهم بسببه من النقص والجهل

والكفر ، وفساد الأخلاق والعقائد والأعمال ، حتى صاروا لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا ،

ولا يمتنعون من قبيح ولا يهتدون إلى حق .

وكم جرّ هذا الاعتقاد إلى سقوط الفرائض والفضائل بمنكرات الأخلاق والرذائل ، لأن الشرائع

الدينية هي التي تهذب الأخلاق وتطيب الأعراق وتزيل الكفر والشقاق والنفاق ، وكل من هرب

عن التقيد بعبودية الرحمن فإنه لا بد أن يسترقه الشيطان ، على حد ما قيل:

هربوا من الرق الذي خلقوا له فبلوا برق النفس والشيطان

إن من شروط صحة حرية الرأي ألا يتجاوزوا بها حدود الحق والعدل سواء كان فيما يتعامل به

الإنسان في نفسه مع أهله وماله وعياله ، أو فيما يتعامل به مع سائر الناس ، وإلا كان معتديا ظالما

، لأن الحرية الفكرية عند بعضهم هي أن تجهر بشتم عقيدة الأمة ، والاستخفاف بدينها أو كتابها

المقدس ، فإن لم تفعل كنت جامدا لا تفهم الحرية ، ولا تؤمن بها ، والحرية الشخصية عند بعضهم

هي أن تفعل ما تشاء وترتكب من المنكرات ما تشتهي غير مبال بالناس .

إن العلماء والعقلاء يعرفون الفرق بين الحرية الصحيحة وبين الحرية التي هي الفوضوية في الأخلاق

والآدآب والرذائل ، فإن أحدا لا يستطيع أن يكون حرا في كل شيء ، وأنه يسوغ له أن يتصرف

كيف شاء ، ويفعل ماشاء ، ويخرج إلى الطريق عريانا كما يريد بحجة الحرية الشخصية ، وبذلك

تسقط حرمة الحدود والتشريع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويصبح الناس كالحيوانات في

سبيل أهوائهم وشهواتهم .

يجب أن نعرف الفرق بين الحرية الصحيحة وبين الفوضى ، وأن الحرية الصحيحة هي تصرفك في

حدود حقك المباح ، بحيث لا تطغى على حق الآخرين ، ولا تخرج عن سنة العدل والعرف ، حتى

فيما يخص الإنسان في نفسه وأهله وماله .

والفوضى هي طغيانك على حق الآخرين ، أو التصرف بما يعد خارجا عن سنن نظام العدل

والآدآب ، كأن يحرق ماله ، أو يقسمه بين الناس ، ولو بطريق الصدقة والتبذير .

وقد أراد بعض الصحابة أن يتصدق بماله كله فمنعه النبي عليه الصلاة والسلام من ذلك ، وأرد

بعضهم أن يبيع عقاره وأن يشتري بثمنه خيلا وسلاحا يجاهد بها في سبيل الله ، فنهاهم النبي صلى

الله عليه وسلم عن ذلك وقال: ( امسكوا عليكم أموالكم لا تفسدوها)

وشرع الإسلام بالضرب على يد السفيه الذي لا يحسن حفظ ماله ، ولا تثميره ، ويحجره عليه في

هذا التصرف لحظ نفسه ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في

نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار

جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ) . ( رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ) .

لا يقال إن هذا التصرف منه في نفسه ، والإنسان حر في تصرفه ، فإن الشرع يعتبر نفس هذا

كنفوس الناس التي يجب حمايتها بالتحفظ على حياتها ، ويخشى أن يتأسى به غيره في فساد تصرفه ،

ولهذا شرع عدم الصلاة على جنازة من قتل نفسه ردعا للناس عن سوء فعله .

فالحرية لا تكون صحيحة إلا في حدود الحق والعدل ، فما خرج عن ذلك فهو جور و فوضى ، و

حرية باغية مرفوضة .

ولضمان الحرية الصحيحة وعقد نظامها واحترامها نزلت الشرائع والديانات وسنت القوانين

والأنظمة ، وشرعت الحدود والتعزيرات لتقليل جرائم العدوان .

( تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ) [ البقرة:229]

( ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ) [ الطلاق:1 ]

وحدود الله محرماته ، ومن يهن الله فما له من مكرم ، ومن لا يكرم نفسه لا يكرم ، وقد ضرب

رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلا يبين فيه الحد الفاصل بين الحرية الصحيحة والفوضى الهمجية

فقال: ( مثل القائم على حدود الله – أي الذي يأمر بالخير وينهى عن الشر - والواقع فيها كمثل

قوم استهموا في سفينة فكان بعضهم في أعلاها – أي في السطح - وبعضهم في أسفلها – أي في

الخن – وكان الذين في أسفلها إذا أرادوا أخذ الماء مروا على من فوقهم ، فقالوا لو أنا خرقنا خرقا

نأخذ منه الماء ، قال: فإن أخذوا على أيديهم ومنعوهم نجوا ، ونجوا جميعا ، وإن تركوهم وما أرادوا

هلكوا وهلكوا جميعا)

فهؤلاء لما أرادوا أن يستعملوا حريتهم في سبيل ما يضرهم ويضر غيرهم شرع منعهم بالقوة إبقاء

لهم وللسفينة ومن فيها ، ولكون المحسن شريكا للمسيء في المأثم والمغرم .

إن الشريعة الإسلامية المبنية على جلب المصالح ودفع المضار تمنع القمار في الأندية ، وتعاقب

المقامرين إذا اجتمعوا سرا ، كما تمنع شرب الخمر وبيعها ، وكما تمنع بيوت البغاء السري ، ولو

كانت الفاحشة بحيث لا يراها الناس ، كما يجب منع العدوان على أحد من الناس في نفسه وماله ،

فكل من يجاهر في مخالفة أمر الله و ارتكاب محارم الله فإن الشريعة تعاقبه في الدنيا بما يسمى الحد أو

التعزير قبل عقاب الآخرة ، فالشريعة مبنية على حماية الدين والأنفس والأموال والعقول والأعراض

، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما ، فقال يا رسول الله: انصره

مظلوما فكيف أنصره ظالما ؟ قال: تحجزه عن الظلم ، فذلك نصرك إياه ) .

فالاعتداء على عقيدة المسلمين و آدآب دينهم باسم الحرية بأن يتعرض لذم الدين ، والطعن فيه بما

يستدعي صد الناس عنه و الفتنة فيه ، فهذا لا شك أنه أشد من الاعتداء على الأنفس والأموال ،

إذ الفتنة في الدين أشد من القتل ، فليس معنى الحرية أن يترك أصحاب المذاهب الضالة ينخرون في

عظام الأمة ليقضوا عليها ، إن لكل أحد أن يعتقد ما شاء ، وله أن يناظر ويجادل أهل النظر فيما

يراه صوابا ، ولكن ليس له أن يغرر بالعامة والبسطاء من الناس ، وأن يخدعهم بأن يلبس عليهم الحق

بالباطل ، خاصة إذا كان لهذا الباطل بريق خاطف ، يتوفر له أقوام يزينونه و يزخرفونه .

لهذا أوجب الله على المؤمنين القائمين على الناس بالقسط أن يردوا كل من شذ في أخلاقه وتصرفاته

بدعوى الحرية ، أن يردوه إلى حظيرة الحق ، و يلزموه بالوقف على حدود الشرع والعدل ،

والأنظمة والقوانين ، إذ القيام بذلك أمانة في أعناق العلماء والأمراء والناصحين والمصلحين ...

يقول الله تعالى: ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) [ العنكبوت:69]

.اهـ

المصدر: منتديات المحجة العلمية السلفية
http://www.mahaja.com/forum/showthread.php?t=7259

المتضرعه لله
09-07-2009, 02:45 PM
بارك الله فيك

وجزاك خيرا وجعله في ميزان اعمالك

عبد الرحيم11
11-07-2009, 07:59 PM
وجزاكم.

سوبرقطري
18-07-2009, 02:31 PM
http://abeermahmoud07.jeeran.com/620-Jzaka-AbeerMahmoud.gif