مساهم شاطر
19-07-2009, 04:35 PM
كتب هذا المقال في أوائل أبريل 2009 وكان يفترض نشره يوم الاثنين
6-4-2009 ولكنه أوقف عن النشر في حينه، أنشره اليوم لكم قرائي الأعزاء متأخرا بعض الوقت في الصحيفة التي يستحق أن ينشر فيها، إليكم المقال:
يا للغرابة لقد كتبت منذ فترة من الزمن عن الزيادة التي ستطال موظفي البلد وكنت أحسب أن فئة البند المركزي والمتقاعدين من ضمنهم لأن العدالة تحتم ذلك، خاصة وأن المحالين للبند والتقاعد لم يختاروا تقاعدهم بأيديهم وإنما فرض عليهم فرضا إذ لم يستشرهم أحد: هل ترغبون بالعمل أم التوجه إلى المنازل؟
لذا ظنوا أن حقوقهم محفوظة بما أن البيعة لم تأت منهم وإنما أحيلوا دون رغبة منهم أو استشارة لهم لرفوف التجميد في براد البند المركزي وأوهموا بحفظ حقوقهم وبإرسالهم لوظائف أخرى تناسب قدراتهم!! فأين هي الوظائف؟ وأين حفظ الحقوق؟!
فبدلا من أن يعوضوهم - كما عوضوا زملاءهم بالبدلات عما أصابهم بعد الإقعاد من اكتئاب وهموم وأمراض، صرفوا البدلات لأصحابهم - وهنيئا لهم بها فهم يستحقونها- ونسوا أن يصرفوا لتلك الفئة المقعدة رغما عنها بدل انكسار وبدل إهمال وبدل تحطيم وبدل تجاهل، ناهيك عن بدل غلاء معيشة وبدل احتياجات إنسانية!! وكأنهم لا يعيشون على نفس الكوكب ولا يستهلكون نفس البضائع!!
حين ترددت طوال الأشهر المنصرمة عبارة المقاربة بين الرواتب تأمل القطريون خيرا وظنوا أن الدولة تنظر بعين الاعتبار لرواتب الجميع، تنظر بعين الأب العادل لجميع الأبناء بسواسية، أليسوا جميعهم أبناء ذلك الوالد، الكبير منهم والصغير الغني والفقير المعبر والكتوم البليغ واللجوم.
هل من العدالة أن يفضل الأب أحد أبنائه أو بعضهم على البعض الآخر فيوغر صدور الإخوة بالكره والحسد تجاه بعضهم؟ أليس من الحكمة مساواة الجميع بما أنهم أبناء بطن واحد؟ ولكن ليس معنى المساواة سلب المتنعمين مكتسباتهم وإنما رفع المحرومين إلى مستواهم.
وهل من العدالة والحكمة إطعام الغرباء وترك أبناء البيت جائعين ينظرون لتلك الأطباق بل «الجدور» الدسمة تغادر منزلهم إلى المنازل المجاورة ولا يستطيعون الحصول منها سوى على رائحتها التي تزيد من قرقرة أمعائهم وشهيتهم لتذوقها وهم أحق بها.
أليس من البيوت القطرية من لا يصمد حتى آخر الشهر ومن الموظفين الأجانب من يتحصل شهريا على ما يعادل رواتب 20 موظفا قطريا مهضومي الحقوق!! ومنهم من يعادل راتبه رواتب عشرة موظفين قطريين جامعيين «سنيريي» الرتبة!! وجميعهم يحصلون على مالا يحلم به القطريون من البدلات. وآخر المطاف يحرم موظفو البند والمحالون للتقاعد من أبسط حقوقهم وأقلها وهو ذلك الحق الذي انتظروه طويلا وحلموا به الليالي والأيام والأشهر الطوال، ذلك الحق البسيط الذي لو عرض على أحد أولئك الموظفين الأجانب لهزؤ منه واستهان به ورفض الاعتراف به لقلته وهزاله!!
أفلا نكسر الخاطر ونحزن القلب، نحن القطريين ما نطالب به نحن أبناء البلد لا يتنزل الأجنبي للنظر إليه وليتنا نحصل عليه!! ألا نكسر الخاطر، تكرر على مسامعنا عبارات المساواة وزيادات الرواتب وننتظر بصبر ولهفة وحين تصل نكتشف أنها ليست لنا جميعا وإنما لبعضنا فقط وكنا نظن أن الجميع سواء! ألا نكسر الخاطر نعيش في نفس المجتمع ونتحمل نفس الزيادات في المعيشة والأسعار ولكننا لا نحصل على نفس الزيادات في الرواتب.
ألا نكسر الخاطر معظمنا أرباب ومعيلو أسر بل إن من لم يزد أحوج للزيادة ممن زيد لتدني راتبه ولكنه لا يحصل على الزيادة كغيره ويظل يصارع هو وأسرته غوائل الزمن حزينا مهموما.
ألا نكسر الخاطر تتبرع دولتنا للدول الأخرى وتشتري أسهم ومحافظ البنوك وتدفع للموظفين الأجانب المبالغ الطائلة وبالعملات الصعبة، وتعجز عن زيادة بضعة آلاف من الموظفين المتقاعدين أبسط حقوقهم المدنية والوظيفية!!
أتعلمون نحن نحب بلدنا ويسكن شغاف قلوبنا ولكن يبدو أن بلدنا لا يبادلنا الشعور فنحن نرى الآن بشكل جلي لا يقبل الشك بعد صدور قانون «الإجحافات» البشرية أننا لا نسكن قلب بلدنا ولا يأبه لحالنا.
وذات يوم سيحدث أبناؤنا أبناءهم عن تلك الليلة الحزينة التي شهدوا فيها آباءهم مكلومين وسيخبرونهم بأنه كان هناك ذات يوم بعيد ما يسمى البند المركزي هو منفى لأبناء الوطن داخل وطنهم، وأنهم شهدوا ذلك العصر المؤلم الذي فرق بين أبناء البيت الواحد وباعد بينهم وإن كان قد حمل شعار المقاربة بين رواتبهم، وسيحكون لهم كما حكى لنا أجدادنا من قبل عن «عام القحط» و «سنة الطبعة» عن تلك الليلة الحزينة التي بات فيها آلاف من أبناء وبنات هذه الأرض مغبونين ومقهورين ومذهولين فقد توقعوا عكس ما حصلوا عليه وحصلوا على عكس ما توقعوه.
سيخبرون أبناءهم كيف انطفأت الفرحة في وجوه وأعين آبائهم وهم الذين انتظروا حلول شهر أبريل بفارغ الصبر، وكيف ماتت الكلمات على شفاههم لقوة الصفعة من الكف التي توقعوا منها الورود، وكيف ذهبوا إلى مخادعهم في تلك الليلة تعساء لتعاسة ذويهم وكيف كرهوا في ذلك الوقت «البند المركزي» رغم أنهم لا يفقهون معناه.
إنها الليلة التي علم فيها الجميع أنه ليس بالضرورة أن يكون جزاء الإحسان إحسانا ولا مقابل المعروف شكرا وعرفانا.
المصدر : جريدة العرب - الأحد 19-7-2009
http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=89609&issueNo=573&secId=16
6-4-2009 ولكنه أوقف عن النشر في حينه، أنشره اليوم لكم قرائي الأعزاء متأخرا بعض الوقت في الصحيفة التي يستحق أن ينشر فيها، إليكم المقال:
يا للغرابة لقد كتبت منذ فترة من الزمن عن الزيادة التي ستطال موظفي البلد وكنت أحسب أن فئة البند المركزي والمتقاعدين من ضمنهم لأن العدالة تحتم ذلك، خاصة وأن المحالين للبند والتقاعد لم يختاروا تقاعدهم بأيديهم وإنما فرض عليهم فرضا إذ لم يستشرهم أحد: هل ترغبون بالعمل أم التوجه إلى المنازل؟
لذا ظنوا أن حقوقهم محفوظة بما أن البيعة لم تأت منهم وإنما أحيلوا دون رغبة منهم أو استشارة لهم لرفوف التجميد في براد البند المركزي وأوهموا بحفظ حقوقهم وبإرسالهم لوظائف أخرى تناسب قدراتهم!! فأين هي الوظائف؟ وأين حفظ الحقوق؟!
فبدلا من أن يعوضوهم - كما عوضوا زملاءهم بالبدلات عما أصابهم بعد الإقعاد من اكتئاب وهموم وأمراض، صرفوا البدلات لأصحابهم - وهنيئا لهم بها فهم يستحقونها- ونسوا أن يصرفوا لتلك الفئة المقعدة رغما عنها بدل انكسار وبدل إهمال وبدل تحطيم وبدل تجاهل، ناهيك عن بدل غلاء معيشة وبدل احتياجات إنسانية!! وكأنهم لا يعيشون على نفس الكوكب ولا يستهلكون نفس البضائع!!
حين ترددت طوال الأشهر المنصرمة عبارة المقاربة بين الرواتب تأمل القطريون خيرا وظنوا أن الدولة تنظر بعين الاعتبار لرواتب الجميع، تنظر بعين الأب العادل لجميع الأبناء بسواسية، أليسوا جميعهم أبناء ذلك الوالد، الكبير منهم والصغير الغني والفقير المعبر والكتوم البليغ واللجوم.
هل من العدالة أن يفضل الأب أحد أبنائه أو بعضهم على البعض الآخر فيوغر صدور الإخوة بالكره والحسد تجاه بعضهم؟ أليس من الحكمة مساواة الجميع بما أنهم أبناء بطن واحد؟ ولكن ليس معنى المساواة سلب المتنعمين مكتسباتهم وإنما رفع المحرومين إلى مستواهم.
وهل من العدالة والحكمة إطعام الغرباء وترك أبناء البيت جائعين ينظرون لتلك الأطباق بل «الجدور» الدسمة تغادر منزلهم إلى المنازل المجاورة ولا يستطيعون الحصول منها سوى على رائحتها التي تزيد من قرقرة أمعائهم وشهيتهم لتذوقها وهم أحق بها.
أليس من البيوت القطرية من لا يصمد حتى آخر الشهر ومن الموظفين الأجانب من يتحصل شهريا على ما يعادل رواتب 20 موظفا قطريا مهضومي الحقوق!! ومنهم من يعادل راتبه رواتب عشرة موظفين قطريين جامعيين «سنيريي» الرتبة!! وجميعهم يحصلون على مالا يحلم به القطريون من البدلات. وآخر المطاف يحرم موظفو البند والمحالون للتقاعد من أبسط حقوقهم وأقلها وهو ذلك الحق الذي انتظروه طويلا وحلموا به الليالي والأيام والأشهر الطوال، ذلك الحق البسيط الذي لو عرض على أحد أولئك الموظفين الأجانب لهزؤ منه واستهان به ورفض الاعتراف به لقلته وهزاله!!
أفلا نكسر الخاطر ونحزن القلب، نحن القطريين ما نطالب به نحن أبناء البلد لا يتنزل الأجنبي للنظر إليه وليتنا نحصل عليه!! ألا نكسر الخاطر، تكرر على مسامعنا عبارات المساواة وزيادات الرواتب وننتظر بصبر ولهفة وحين تصل نكتشف أنها ليست لنا جميعا وإنما لبعضنا فقط وكنا نظن أن الجميع سواء! ألا نكسر الخاطر نعيش في نفس المجتمع ونتحمل نفس الزيادات في المعيشة والأسعار ولكننا لا نحصل على نفس الزيادات في الرواتب.
ألا نكسر الخاطر معظمنا أرباب ومعيلو أسر بل إن من لم يزد أحوج للزيادة ممن زيد لتدني راتبه ولكنه لا يحصل على الزيادة كغيره ويظل يصارع هو وأسرته غوائل الزمن حزينا مهموما.
ألا نكسر الخاطر تتبرع دولتنا للدول الأخرى وتشتري أسهم ومحافظ البنوك وتدفع للموظفين الأجانب المبالغ الطائلة وبالعملات الصعبة، وتعجز عن زيادة بضعة آلاف من الموظفين المتقاعدين أبسط حقوقهم المدنية والوظيفية!!
أتعلمون نحن نحب بلدنا ويسكن شغاف قلوبنا ولكن يبدو أن بلدنا لا يبادلنا الشعور فنحن نرى الآن بشكل جلي لا يقبل الشك بعد صدور قانون «الإجحافات» البشرية أننا لا نسكن قلب بلدنا ولا يأبه لحالنا.
وذات يوم سيحدث أبناؤنا أبناءهم عن تلك الليلة الحزينة التي شهدوا فيها آباءهم مكلومين وسيخبرونهم بأنه كان هناك ذات يوم بعيد ما يسمى البند المركزي هو منفى لأبناء الوطن داخل وطنهم، وأنهم شهدوا ذلك العصر المؤلم الذي فرق بين أبناء البيت الواحد وباعد بينهم وإن كان قد حمل شعار المقاربة بين رواتبهم، وسيحكون لهم كما حكى لنا أجدادنا من قبل عن «عام القحط» و «سنة الطبعة» عن تلك الليلة الحزينة التي بات فيها آلاف من أبناء وبنات هذه الأرض مغبونين ومقهورين ومذهولين فقد توقعوا عكس ما حصلوا عليه وحصلوا على عكس ما توقعوه.
سيخبرون أبناءهم كيف انطفأت الفرحة في وجوه وأعين آبائهم وهم الذين انتظروا حلول شهر أبريل بفارغ الصبر، وكيف ماتت الكلمات على شفاههم لقوة الصفعة من الكف التي توقعوا منها الورود، وكيف ذهبوا إلى مخادعهم في تلك الليلة تعساء لتعاسة ذويهم وكيف كرهوا في ذلك الوقت «البند المركزي» رغم أنهم لا يفقهون معناه.
إنها الليلة التي علم فيها الجميع أنه ليس بالضرورة أن يكون جزاء الإحسان إحسانا ولا مقابل المعروف شكرا وعرفانا.
المصدر : جريدة العرب - الأحد 19-7-2009
http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=89609&issueNo=573&secId=16