إنتعاش
21-07-2009, 12:21 PM
بقلم :مريم سالم
من المشكلات التي بدأت تأخذ حيزاً من تفكير قادة الدول الخليجية مؤخرا، مشكلة الأمن الغذائي، فقد أصبحت هما لا يمكن التغاضي عنه، نظرا لعواقبها الوخيمة على مستقبل الأجيال القادمة التي قد تواجه مجاعة غذائية نتيجة لشح الموارد والإنتاج الغذائي.
وكان من الضروري البدء بخطوات استباقية، قبل أن تستفحل هذه المشكلة وتصبح سلاحا استراتيجيا في يد المساومين والمغرضين، وبخاصة مع تغير السياسات التنموية في ظل الأزمة المالية العالمية، التي أدت إلى اتساع الفجوة الغذائية في الخليج، نظرا لارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية.
وحين تطرح مشكلة الغذاء في الخليج، فإن الواقع يحمل كثيرا من الحقائق التي قد تفاجئ البعض، بأن دول الخليج مجتمعة لم تحقق الأمل المنشود في إرساء دعائم التنمية المستدامة في قطاع الزراعة، ولا تزال الأرقام دون مستوى الطموح، خاصة إذا عرفنا أن مساحة الأرض المزروعة في دول الخليج مجتمعة لا تتجاوز 7, 4 ملايين هكتار، من مساحة إجمالية تبلغ 3، 257 مليون هكتار تستحوذ المملكة العربية السعودية على نحو 73% منها، في حين تنفرد الإمارات ب6, 21، وتتقاسم الدول الأخرى باقي نسبة ال6. وهذه الحقيقة قد تصدم البعض في واقع عالمي يتجه إلى تحقيق مبدأ الاكتفاء الذاتي، والعمل على زيادة الرقعة المزروعة، من خلال مضاعفة الطاقة الإنتاجية للصناعات الغذائية ووضع استراتيجيات وبرامج تتصدى للزيادات السكانية وتأمين الغذاء لها.
ففي ظل حقيقة نمو سكاني خليجي يبلغ سنويا حوالي 4, 4%، تقابله قلة في التمويل الموجه للنشاط الزراعي، وعلى مستوى منظومة مجلس التعاون الخليجي، نجد أيضا محدودية التنسيق الخليجي، وقلة إقامة مشروعات مشتركة في المجال الزراعي! ومع اتساع الفجوة بين العرض والطلب على السلع الغذائية، استشعرت هذه الدول أهمية العمل لمواجهة هذه الحقيقة، سواء منفردة أو مجتمعة، وكان الموقف الرسمي الخليجي وفي أكثر من مناسبة، يؤكد أهمية وضع الاستراتيجيات لإيجاد مخرج لمواجهة الأزمة الغذائية المرتقبة.
وقد خرجت هذه الدول في وقت سابق من العام الماضي، بتوجه يهدف إلى تطبيق سياسة الشراء الموحد ل8 سلع غذائية أساسية، كما أعلنت أنها بصدد إعداد خطة متكاملة لأي طارئ يتعلق بالأمن الغذائي. ومن جملة الأهداف التي تعهدت هذه الدول بالعمل على تحققها، هدف بناء مخزون استراتيجي في أكثر من موقع، وتحديد آليات معينة لطريقة إدارته وكيفية التصرف فيه.
ويبقى التساؤل عن جدوى هذه السياسات في ظل عدم وجود الاستراتيجيات طويلة المدى، إضافة إلى أن وضع الدول الخليجية في القطاع الزراعي يواجه تحديات كبيرة وضخمة، لعل أهمها «الأمن المائي»، فشح الموارد المائية في هذه الدول يهددها بمشكلة أمنية مائية في المستقبل في ظل ظروف مناخية قاسية، الأمر الذي يمكن أن يطيح برغبة استصلاح الأراضي وزراعتها محليا. لذلك كان من الطبيعي أن تبحث هذه الدول عن بدائل لتحقيق الأمن الغذائي، ولو من خلال القيام بالاستثمار الزراعي خارج حدودها السياسية، وقد وقعت بعض الدول الخليجية عدة عقود واتفاقيات مع العديد من الدول، كباكستان وتايلند والسودان، تقوم هذه الدول بموجبها بزراعة المحاصيل لصالحهم. ويمكن القول إن هذه الخطوة، وإن تأخرت، إلا أن تفعيلها خير من عدمه.
وقد طورت دولة الإمارات وحدها ما يقارب 290 مليون متر مربع من الأراضي الزراعية السودانية، خاصة وأن السودان الذي يعتبر سلة الخبز العربي، يمتلك مصادر مياه ضخمة يمكنها تلبية حاجة المشروعات الزراعية الكبيرة، ودخلت كذلك كل من السعودية والكويت في العديد من هذه الاتفاقيات.
ومن المفيد أن نعرف أن دولة مثل الصين تعاني من انفجار سكاني هائل وفي ظل ندرة الأراضي وتلوث المياه، كانت الأسبق في استغلال القارة الأفريقية لتحقيق أمنها الغذائي، وساهمت الصين في تنفيذ برامج تنموية في القارة السوداء، نظير الاستثمارات الزراعية والمصائد في أكثر من 10 دول افريقية، ووصل حجم التجارة الصينية الأفريقية في المنتجات الزراعية إلى 20 مليار دولار أميركي. ومن خلال قراءة هذا الحجم المتنامي في التبادل التجاري الصيني الإفريقي، نلمس نشاط السياسة الخارجية الصينية لمواجهة أزماتها الداخلية، بوضع الحلول والاستراتيجيات التي لا تكلفهم الكثير في نهاية المطاف.
فالصين على مدى السنوات الخمس القادمة، تتطلع إلى زيادة عدد مراكز عرض التكنولوجيا الزراعية التي تقام بمساعدات صينية في الدول النامية الإفريقية إلى 30 مركزا، وسترسل ألف خبير وفني زراعي آخر إلى الخارج، وستقدم ثلاثة آلاف فرصة تدريب للدول النامية، بينما دولنا الخليجية التي تعاني من غياب استخدام التقنيات والأساليب الحديثة في الزراعة، وندرة العمالة الوطنية المدربة في هذا المجال، ستركز على المقومات الزراعية في هذه البلدان، ولا تزال التجربة جديدة على هذه الدول، بحيث لم تلمس حتى هذه اللحظة نتائجها الايجابية.
كما أن عقود الاستثمار، ولا سيما الزراعي منها، دائما ما تحاط بمدى تحقق الاستقرار السياسي في هذه الدول، إضافة إلى معطيات البيئة الزراعية الناجحة التي تتوازى مع الأساليب المتقدمة في هذا المجال، في ظل عدم إشراف كامل من قبل الدول المستثمرة.
وفي الواقع، فإن التجارب العربية في مجال الاستثمارات الزراعية، كانت غير مشجعة وكان الفشل حليفها دائما، فلربما تغيرت الظروف الآن مع اتجاه دول العالم لتغيير منهجيتها وتطوير أساليب إدارتها للاستثمارات الأجنبية، التي بلا شك لها مردود إيجابي على العمل العربي المشترك. وكما يقال، فإن الأمن الغذائي العربي هو الخطوة الأولى على طريق الأمن السياسي وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
*عن صحيفة "البيان" الإماراتية
من المشكلات التي بدأت تأخذ حيزاً من تفكير قادة الدول الخليجية مؤخرا، مشكلة الأمن الغذائي، فقد أصبحت هما لا يمكن التغاضي عنه، نظرا لعواقبها الوخيمة على مستقبل الأجيال القادمة التي قد تواجه مجاعة غذائية نتيجة لشح الموارد والإنتاج الغذائي.
وكان من الضروري البدء بخطوات استباقية، قبل أن تستفحل هذه المشكلة وتصبح سلاحا استراتيجيا في يد المساومين والمغرضين، وبخاصة مع تغير السياسات التنموية في ظل الأزمة المالية العالمية، التي أدت إلى اتساع الفجوة الغذائية في الخليج، نظرا لارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية.
وحين تطرح مشكلة الغذاء في الخليج، فإن الواقع يحمل كثيرا من الحقائق التي قد تفاجئ البعض، بأن دول الخليج مجتمعة لم تحقق الأمل المنشود في إرساء دعائم التنمية المستدامة في قطاع الزراعة، ولا تزال الأرقام دون مستوى الطموح، خاصة إذا عرفنا أن مساحة الأرض المزروعة في دول الخليج مجتمعة لا تتجاوز 7, 4 ملايين هكتار، من مساحة إجمالية تبلغ 3، 257 مليون هكتار تستحوذ المملكة العربية السعودية على نحو 73% منها، في حين تنفرد الإمارات ب6, 21، وتتقاسم الدول الأخرى باقي نسبة ال6. وهذه الحقيقة قد تصدم البعض في واقع عالمي يتجه إلى تحقيق مبدأ الاكتفاء الذاتي، والعمل على زيادة الرقعة المزروعة، من خلال مضاعفة الطاقة الإنتاجية للصناعات الغذائية ووضع استراتيجيات وبرامج تتصدى للزيادات السكانية وتأمين الغذاء لها.
ففي ظل حقيقة نمو سكاني خليجي يبلغ سنويا حوالي 4, 4%، تقابله قلة في التمويل الموجه للنشاط الزراعي، وعلى مستوى منظومة مجلس التعاون الخليجي، نجد أيضا محدودية التنسيق الخليجي، وقلة إقامة مشروعات مشتركة في المجال الزراعي! ومع اتساع الفجوة بين العرض والطلب على السلع الغذائية، استشعرت هذه الدول أهمية العمل لمواجهة هذه الحقيقة، سواء منفردة أو مجتمعة، وكان الموقف الرسمي الخليجي وفي أكثر من مناسبة، يؤكد أهمية وضع الاستراتيجيات لإيجاد مخرج لمواجهة الأزمة الغذائية المرتقبة.
وقد خرجت هذه الدول في وقت سابق من العام الماضي، بتوجه يهدف إلى تطبيق سياسة الشراء الموحد ل8 سلع غذائية أساسية، كما أعلنت أنها بصدد إعداد خطة متكاملة لأي طارئ يتعلق بالأمن الغذائي. ومن جملة الأهداف التي تعهدت هذه الدول بالعمل على تحققها، هدف بناء مخزون استراتيجي في أكثر من موقع، وتحديد آليات معينة لطريقة إدارته وكيفية التصرف فيه.
ويبقى التساؤل عن جدوى هذه السياسات في ظل عدم وجود الاستراتيجيات طويلة المدى، إضافة إلى أن وضع الدول الخليجية في القطاع الزراعي يواجه تحديات كبيرة وضخمة، لعل أهمها «الأمن المائي»، فشح الموارد المائية في هذه الدول يهددها بمشكلة أمنية مائية في المستقبل في ظل ظروف مناخية قاسية، الأمر الذي يمكن أن يطيح برغبة استصلاح الأراضي وزراعتها محليا. لذلك كان من الطبيعي أن تبحث هذه الدول عن بدائل لتحقيق الأمن الغذائي، ولو من خلال القيام بالاستثمار الزراعي خارج حدودها السياسية، وقد وقعت بعض الدول الخليجية عدة عقود واتفاقيات مع العديد من الدول، كباكستان وتايلند والسودان، تقوم هذه الدول بموجبها بزراعة المحاصيل لصالحهم. ويمكن القول إن هذه الخطوة، وإن تأخرت، إلا أن تفعيلها خير من عدمه.
وقد طورت دولة الإمارات وحدها ما يقارب 290 مليون متر مربع من الأراضي الزراعية السودانية، خاصة وأن السودان الذي يعتبر سلة الخبز العربي، يمتلك مصادر مياه ضخمة يمكنها تلبية حاجة المشروعات الزراعية الكبيرة، ودخلت كذلك كل من السعودية والكويت في العديد من هذه الاتفاقيات.
ومن المفيد أن نعرف أن دولة مثل الصين تعاني من انفجار سكاني هائل وفي ظل ندرة الأراضي وتلوث المياه، كانت الأسبق في استغلال القارة الأفريقية لتحقيق أمنها الغذائي، وساهمت الصين في تنفيذ برامج تنموية في القارة السوداء، نظير الاستثمارات الزراعية والمصائد في أكثر من 10 دول افريقية، ووصل حجم التجارة الصينية الأفريقية في المنتجات الزراعية إلى 20 مليار دولار أميركي. ومن خلال قراءة هذا الحجم المتنامي في التبادل التجاري الصيني الإفريقي، نلمس نشاط السياسة الخارجية الصينية لمواجهة أزماتها الداخلية، بوضع الحلول والاستراتيجيات التي لا تكلفهم الكثير في نهاية المطاف.
فالصين على مدى السنوات الخمس القادمة، تتطلع إلى زيادة عدد مراكز عرض التكنولوجيا الزراعية التي تقام بمساعدات صينية في الدول النامية الإفريقية إلى 30 مركزا، وسترسل ألف خبير وفني زراعي آخر إلى الخارج، وستقدم ثلاثة آلاف فرصة تدريب للدول النامية، بينما دولنا الخليجية التي تعاني من غياب استخدام التقنيات والأساليب الحديثة في الزراعة، وندرة العمالة الوطنية المدربة في هذا المجال، ستركز على المقومات الزراعية في هذه البلدان، ولا تزال التجربة جديدة على هذه الدول، بحيث لم تلمس حتى هذه اللحظة نتائجها الايجابية.
كما أن عقود الاستثمار، ولا سيما الزراعي منها، دائما ما تحاط بمدى تحقق الاستقرار السياسي في هذه الدول، إضافة إلى معطيات البيئة الزراعية الناجحة التي تتوازى مع الأساليب المتقدمة في هذا المجال، في ظل عدم إشراف كامل من قبل الدول المستثمرة.
وفي الواقع، فإن التجارب العربية في مجال الاستثمارات الزراعية، كانت غير مشجعة وكان الفشل حليفها دائما، فلربما تغيرت الظروف الآن مع اتجاه دول العالم لتغيير منهجيتها وتطوير أساليب إدارتها للاستثمارات الأجنبية، التي بلا شك لها مردود إيجابي على العمل العربي المشترك. وكما يقال، فإن الأمن الغذائي العربي هو الخطوة الأولى على طريق الأمن السياسي وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
*عن صحيفة "البيان" الإماراتية