المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بلد حر... وشعب مقيد



شلبي
14-08-2009, 04:38 PM
بلد حر ...وشعب مقيد



بلد حر... وشعب مقيد

أ. محمد صقر الزعابي


الحرية قيمة ومعنى كبير قد لا يعرفها أو يحس بقيمتها كثير منا ولكن يعرفها السجين في سجنه والعصفور في قفصه بمعناها الواضح الصريح ، كما يعرفها الإنسان الذي حرم من التعبير عن نفسه ولو بكلمة يقولها أو يكتبها دفاعاً عن قضيته أو عن فكرته ويعرفها الشخص الذي يتحرق للمشاركة في بناء مجتمعه ولكن لا مانع لديه سوى القيد الذي يضعه الآخرون على مشاركته وتقييد طاقته ، فالحرية هي رئة الإنسان التي يتنفس بها بل هي الروح التي يعيش بها فإذا أخذت هذه الروح لم يعد للجسد معنى.

وأنا في معرض تعريف الحرية لا أجد معنى للحرية التي يوصف على أساسها بلد ما بأنه بلد حر ويتغني به كبلد للحرية والحريات وأنه لا يوجد به أي قيود على إرادة الإنسان ، فهل الحرية عندما نتحدث عنها هي حرية صماء وبكماء وعمياء ؟ حرية من طرف واحد ؟؟ حرية لها قياس يختلف عن قياس بني البشر الأخرين ؟؟ حرية يعرفها القوي بالتعريف الذي يرضاه للضعيف ؟؟ حرية تمنح وقت الرضى وتمنع وقت الغضب؟؟ حرية إذا مارسها القوي كانت تعبير عن العزة والكرامة وإذا مارسها الضعيف عبرت عن تجاوز الأعراف والتقاليد ؟؟ فإذا كانت كذلك فالحرية التي يتحدثون عنها في هذا المقام هي حرية الغاب وليس حرية الإنسان وإن كان للإنسان نصيب منها فهي الحرية المقيدة بكرم وتفضل الطرف الآخر المانح، الحرية المنزوعة الدسم ، الحرية العوراء التي تبصر جهة واحدة من الطريق ، الحرية التي لا تعرف سوى مسار واحد ، الحرية التي تحترم اللقب الذي احمله ولا تحترم شخصي كإنسان.
والسؤال البديهي الذي يحيرني ويزعجني هل حرية البلد حرية أصلية أم هي أمر مجازي لا يقصد به البلد لذاته وإنما يقصد به حرية أهل البلد؟؟ ، وهل حقاً التبس هذا الأمر على بعض المنظرين في بلدنا فلم يميزوا بين الدار وصاحبها (أم هو الهوى الذي يحرك الأمور مع المصالح الذاتية والرغبات الشخصية ضد الصالح العام)، أم أنهم لم يفرقوا بين الحجر الذي لا ينطق وبين البشر الذي يحس ويفكر وينطق؟؟ ، فما معنى بلد حر ، وهل الحرية ترتبط بمؤسسات لا تملك من الأمر شيء أم هي مرتبطه بالبشر الذين يملكون هذا البلد وتخدمهم تلك المؤسسات ، وهل تكون في سياق ذلك بلد حرة ومؤسساتها حرة وحكومتها حرة ومناطقها حرة وسوقها حرة وتجارتها حرة وحتى أجانبها أحرار لكن البشر أهل الأرض (وهم الأصل في هذه الأرض) غير أحرار في تقرير أبسط أمور حياتهم.

ما معنى أن يكون الإنسان حر في اختيار أمور ثانوية (أكل وشرب وتكاثر فقط) وتبقى الأمور الرئيسية في حياته (وهي أصل خلق الإنسان في عمارة الأرض) والتي تحدد مصيره ومصير أبنائه والأجيال التي تأتي من بعده فهي أمور صعبه عليه ولا يستطيع التفكير فيها أو القول بشأنها ويبقى القرار فيها لمجموعة قليلة من الأفراد أما البقية الباقية من الشعب الحر فهو ليس حر في اتخاذ أبسط قراراته الحرة.

بلد طيب وأهله كذلك وقد ساق الله إليه الخير من كل مكان ولكن البشر فيه مهمشون لدرجة أنهم لا يملكون حتى (على سبيل المثال) تقرير أو مناقشة مستقبل أبنائهم وما هو نوع التعليم اللذي يتلقونه ولا ما هو مفيد أو ضار لهم بحيث يتحكم شخص واحد ( أو مجموعة من الخبراء الأجانب الذين يتقاضون الملايين ويعانون من الأزمات الأخلاقية والثقافية في بلادهم ) ليقولوا أن مستقبل أبناء هذا البلد في التركيز على اللغة الأجنبية وترك لغتنا الأم لأن في لغتنا وهويتنا ضعف لن يتم إصلاحه إلا بضياع هويتنا ، وهكذا في كل أمور حياتنا يتحكم فيها مجموعة من البشر (خبراء أو أصحاب مصالح خاصة) كأن قراراتهم تنزيل على بقية أبناء الشعب الذي لا حول له ولا قوة (إلا بالله).

بلد حر نعم ولكن حريته ناقصة لأن البعض يعتقد بنقص عقول أبنائه الذين لا يستطيعون اختيار من يمثلهم في مناقشة ما يهمهم من أمور حياتهم في مجلس منتخب حر يدعى (برلمان) يفترض أن يمثل شعب ويختاره شعب ، لا أن يمثل حكومة وتختاره حكومة ، لأن الشعب الحر لا يستطيع الاختيار مثل الأطفال الصغار (مع أن العلم الحديث الذي تستورده هذه البلد الحرة يقول بأنه يجب أن يعطى للطفل بعض الحرية في حياته) فما بالكم والشعب ليس طفل بل هو شعب البلد الحر الذي يفد إليه العالم من كل حدب وصوب ومن ثم يبقى أبناء هذا البلد يفهمون في كل شيء ومطلوب منهم الإبداع والمنافسة في كل أمر فهم أحرار ولا يوجد عليهم أي قيد ولكن عندما ياتي الحديث عن السياسة وهي أصل حياة الإنسان (فكل شأن من شؤون حياته سياسة) يقال لا بد أن نتوقف هنا لأن البلد الحر أبناؤه قصر ويحتاجون إلى قرن من الزمان حتى يصلوا لفهم معنى الاختيار الصحيح، فلا أدري هل هذا حق أم باطل؟؟؟ وأوجه سؤالي لكل حر في بلده الحر هل يقبل بأن يكون قاصر وأن يعامل معاملة القصر في بلده الذي يدلي الكل فيه بشأنه سواه ولكن لا يقبل منه وهو صاحب الشأن بأن يدلي برأيه في أبسط أمور بلده وحياته؟؟.

وأعجب من هذا العاقل الذي يعرف بأنه لا عقل له ولا احترام بدون حرية ، ثم يجادل ويقول لا تتكلموا عن الحرية

فكل أمورنا طيبة والحرية التي تأتينا بالمشاكل لا نريدها وانظروا إلى الشرق والغرب الذي يعاني من الحرية وما تجره عليهم من خلاف وويلات ، ونقول أن نختلف ونصل إلى الخير الذي يتفق عليه الجميع بالوسائل المتفق عليها عن طريق الدولة المؤسسية خير لنا من أن نمنح ما يريد المانحون منحنا إياه بمكرمات شخصية ثم بعد ذلك يسحب منا كل شيء وقتما يراد لأن المانح يرى خلاف ذلك ( ويحجر معه على كل العقول التي ترى خلاف ذلك) ، فنقول أهذا خير أم قرار يخرج عن طريق نظام مؤسسي ولو كان خلاف أهوائنا؟ .

وهل هناك خير في بلد حر( والخير هنا نسبي لأن البعض قد يعتبر الصدقة خير وهو يستطيع العمل ويجني أكثر مما يحصل عليه من الصدقة التي لا تجوز عليه كإنسان قادر) وشعبه لا يعرف معنى الحرية التي يتغنى بها الناس في اختيار ما يريدون في حياتهم ويناقشون ما يهمهم (دون خوف الرقيب والحسيب الذي يحول البلد إلى بلد مخابراتية) ويعرف كل شخص حدوده من خلال دولة المؤسسات التي تعلي شأن الفرد الحر في إطار القانون العادل وتوقف التجاوز والظلم بسيف المساواة بين الشعب والرقابة على عمل المؤسسات التنفيذية.

نعم قد تكون كلمة الحق مرة ولكن طعم الظلم والقيد في معصم ( الشعب) المظلوم ( المحروم من حريته الحقيقية في المشاركة والبناء ) أمر.






http://www.darussalam.ae/content.asp?contentid=1469