شيخة الجزيرة
16-08-2009, 09:18 AM
التغييرات الكونية في آخر الزمان
محمد صالح المنجد
5/6/1430
عناصر الموضوع:
1. الأحداث والتغيرات قبل قيام الساعة.
2. ذكر بعض الأحداث والأشراط.
3. تفسير الأحداث بين المؤمنين والمنافقين
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد ..
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الأحداث والتغيرات قبل قيام الساعة
عباد الله يقول ربنا تبارك وتعالى {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ} (مريم: من الآية40). ولا بد أن تقوم الساعة، {وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الحديد: من الآية10). والله -عز وجل- إذا أذن بخراب العالم والنفخ في الصور، فإنه يجري قبل ذلك أحداثاً عظيمة في الأرض وفي السماء، وتغيرات رهيبة، تصيب أهل الأرض، فما هي يا ترى في أشراط الساعة وإنذاراتها، وعلاماتها وأمارتها، ما الذي سيكون قبيل خراب العالم، وكلما اقترب الزمن من قيام الساعة حصل في الأرض أحداث مؤذنة بذلك، ولذلك أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أمور من الاضطراب والفوضى التي تصيب الناس من كثر الهرج والقتل، وكذلك ما يصيب العالم العلوي والسفلي، ما يصيب الأرض في جوها، ما يصيبها في قرارها، وما يصيبها في هوائها ومائها ومطرها وشمسها، ستحدث في آخر الزمان من الأقدار العظيمة التي يجريها الله تعالى زلازل وهزات، فتن وحروب وقتل وموتان عام، والله -عز وجل- يوقظ بهذه الأحداث الغافلين، وينبّه العاصين، ونحن نرى في الأرض اليوم تغيرات، تارة بغبارٍ عارم، وتارة بسيلٍ جارف، وتارة بزلازل، تغيرت الأجواء، هذا يلمسه الكبير والصغير، تغير الأجواء، وهذا التغير ونحن في آخر الزمن، ولا شك أنه نذير بقرب تغيرات أخرى أكبر وأشمل، أعظم وقعاً وأخطر.
ذكر بعض الأحداث والأشراط
فماذا أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- من العلامات والأمارات التي تكون قبل أشراط الساعة مما يتعلق بالأرض وجوها وبالسماء وشمسها، قال -صلى الله عليه وسلم- : ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى)) البخاري (7118) ومسلم.
وقد ظهرت هذه النار في منتصف القرن السابع في عام 654 هـ،وكانت نار عظيمة، وأفاض العلماء ممن عاصروا ظهورها ومن بعدهم في وصفها،
وَقَالَ النَّوَوِيّ: تَوَاتَرَ الْعِلْم بِخُرُوجِ هَذِهِ النَّار عِنْدَ جَمِيع أَهْل الشَّام. فتح الباري
وقال ابن حجر: " وهي النَّار الَّتِي ظَهَرَتْ بِنَوَاحِي الْمَدِينَة ". فتح الباري
ونقل ابن كثير أن غير واحد من الأعراب ممن كان بحاضرة بصرى شاهدوا أعناق الإبل في ضوء هذه النار التي ظهرت من أرض الحجاز.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي "التَّذْكِرَة": قَدْ خَرَجَتْ نَار بِالْحِجَازِ بِالْمَدِينَةِ, وَكَانَ بَدْؤُهَا زَلْزَلَة عَظِيمَة فِي لَيْلَة الْأَرْبِعَاء بَعْدَ الْعَتَمَة الثَّالِث مِنْ جُمَادَى الْآخِرَة سَنَة أَرْبَع وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَاسْتَمَرَّتْ إِلَى ضُحَى النَّهَار يَوْمَ الْجُمُعَة فَسَكَنَتْ....". فتح الباري.
قال ابن حجر رحمه الله : "وَقَالَ لِي بَعْض أَصْحَابنَا: رَأَيْتهَا صَاعِدَة فِي الْهَوَاء مِنْ نَحْو خَمْسَة أَيَّام, وَسَمِعْت أَنَّهَا رُؤِيَتْ مِنْ مَكَّة وَمِنْ جِبَال بُصْرَى". فتح الباري
وذكر ابن حجر عن حدثين : "إنَّ إِحْدَاهُمَا تَقَع قَبْلَ قِيَام السَّاعَة مَعَ جُمْلَة الْأُمُور الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا الصَّادِق صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ; وَالْأُخْرَى هِيَ الَّتِي يَعْقُبهَا قِيَام السَّاعَة بِغَيْرِ تَخَلُّل شَيْء آخَر". فتح الباري.
ومن الآيات التي أخبر -عليه الصلاة والسلام- عنها قبيل قيام الساعة ما جاء في قوله : ((بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ مَسْخٌ وَخَسْفٌ وَقَذْفٌ)) ابن ماجه (4059) وصححه الألباني.
وفي رواية : ((يَكُونُ فِي آخِرِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ، وَمَسْخٌ، وَقَذْفٌ))
قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟
قَالَ: ((نَعَمْ إِذَا ظَهَرَ الْخُبْثُ [أي: الْمَعَاصِي])) الترمذي (2185) وصححه الألباني.
فأما الخسف : فهو ذهاب الشيء في الأرض، وأما المسخ : فهو تغيير الخلقة إلى أخرى أقبح . وأما القذف : فهو الرمي بالحجارة .
فإذا كثرت المعاصي في الأرض، وعم الفساد يبدأ الهلاك العام بالحصول، ويبدأ الموت الكبير بالوقوع، ولو كان هنالك صالحون يعمهم العذاب لأنهم لم يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، فإذا صاروا مصلحين استثناهم الله من العذاب، وقد جاء هذا الوعيد أي الخسف والمسخ والقذف لأناسٍ من أهل المعازف والغناء وشُرّاب الخمور، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الراعي لديهم يعود إليهم وقد باتوا على لهوٍ ولعبٍ وقيانٍ يعني مغنيات، فيجدهم قد مسخوا، وبدل الله صورهم صور القردة والخنازير، وهذا الاسترسال في الحرام قد وقع منه الآن أشياء كثيرة جداً، فأما الزلازل فقد قال أهل العلم : أنها قد وقع منها الشيء كثير فيما تقدم، وهلك بسببها خلق كثير، وقال القرطبي: وقع بعضها بعراق العجم والمغرب. وهلك، بسببها خلق كثير. عون المعبود.
وفي شعبان سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة وقعت زلزلة بغرناطة وخسف بعدة أماكن.
وفي سنة ست وأربعين وثلاثمائة وقع بالري ونواحيها زلازل عظيمة، وخسف ببلد طالَقان ولم يفلت من أهلها إلا نحو ثلاثين نفساً.
" وخُسف بمائة وخمسين قرية من قرى الري، واتصل الأمر إلى حلوان فخسف بأكثرها، وقذفت الأرض عظام الموتى، وتفجرت فيها المياه وتقطع بالري جبل، وخسف بقرية أخرى، فانخرقت الأرض خروقا عظيمة، وخرج منها مياه منتنة ودخان عظيم. اهـ. البرزنجي في "الإشاعة في أشراط الساعة" (ص 78) .
وقد توعد الله تعالى من خالف أمره بالخسف، فقال -عز وجل- : { أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} (النحل:45) .
وقال -عز وجل- : { أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً } (الإسراء: من الآية68).{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} (الملك:16) .
وهذه الخسوف والزلازل تكثر في آخر الزمان، فأما من أشراط الساعة الكبرى فهنالك ثلاثة خسوف عظيمةٍ جداً، وهي أعظم ما يصيب الأرض من الخسف على الإطلاق، ولذلك صارت من أشراط الساعة الكبرى، فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك بقوله : ((إِنَّ السَّاعَةَ لَا تَكُونُ حَتَّى تَكُونَ عَشْرُ آيَاتٍ خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ وَخَسْفٌ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ..)) مسلم (5163).
والله -سبحانه وتعالى- يحدث ما يشاء.
قال الحافظ رحمه الله : وقد وُجِدَ الخسف في مواضع -يعني ذهاب الشيء في الأرض يكون على سطح الأرض، ثم يذهب فيها فتنشق الأرض وتبتلعه هذا قد حدث فيما مضى-، ولكن يحتمل أن يكون المراد بالخسوف الثلاثة قدراً زائداً على ما وجد كأن يكون أعظم منه مكاناً وقدراً. فتح الباري.
فهو يتميز عن ما حصله قبله بشدته واتساعه .
ومن تلك الآيات التي تجري في الأرض في آخر الزمان وتكثر، الزلازل كما قال -عليه الصلاة والسلام- : ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى.. تَكْثُرَ الزَّلَازِلُ...)) البخاري (1036).
وفي رواية: ((وَبَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ.. سَنَوَاتُ الزَّلَازِلِ)) أحمد (16516) وصحح سنده شعيب وأغرب متنه. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات". مجمع الزوائد.
وفي رواية لأبي داود في حديثٍ صحيحٍ : ((وتدنو الزَّلَازِلُ وَالْبَلَابِلُ وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ)). أبو داود (2535) وصححه الألباني.
قال العلماء هي: الهموم والأحزان .
وهي مقدمات لزلزلة الساعة التي هي شيء عظيم. مرقاة المفاتيح (15/443)
وقد استمرت الزلزلة في بلدة من بلاد الروم التي هي للمسلمين ثلاثة عشر شهراً. عمدة القاري.
قال المهلب: "ظهور الزلازل والآيات وعيد من الله تعالى لأهل الأرض قال تعالى {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} (الإسراء:59).
وماذا أيضاً من التغيرات التي تكون في الأرض في آخر الزمان، هنالك تغيرات تصيب الوقت، فقال -صلى الله عليه وسلم- : ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ فَتَكُونُ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ وَتَكُونُ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ وَيَكُونُ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ وَتَكُونُ السَّاعَةُ كَالضَّرَمَةِ بِالنَّارِ)) البخاري (1036) وأحمد (10560) والترمذي (2332) واللفظ له، وصححه الألباني.
والضَّرْمَةُ: غُصْنُ النَّخْلِ فَإِنَّهَا إِذْ اِشْتَعَلَتْ تُحْرَقُ سَرِيعًا اِنْتَهَى. تحفة الأحوذي والأزهار.
وهو –هذا التعبير- كناية عن قصر مدة الأزمنة عما جرت به العادة.
وقيل المراد : قصر الأعمار بقلة البركة فيها..". عمدة القاري شرح البخاري (10/482)
" ويُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى قِلَّةِ بَرَكَةِ الزَّمَانِ ونَزْعها مِنْ لَيْله وَنَهَاره، وَذَهَابِ فَائِدَتِهِ فِي كُلِّ مكان". تحفة الأحوذي.
قال ابن حجر رحمه الله :"وقَدْ وُجِدَ فِي زَمَاننَا هَذَا فَإِنَّا نَجِد مِنْ سُرْعَة مَرَّ الْأَيَّام مَا لَمْ نَكُنْ نَجِدهُ فِي الْعَصْر الَّذِي قَبْلَ عَصْرنَا هَذَا". الفتح.
فإذا قالها رحمه الله على القرن التاسع، فماذا نقول نحن اليوم في هذا القرن .
قَالَ النَّوَوِيّ: " فيَصِير الِانْتِفَاع بالْيَوْمِ مثلاً بِقَدْرِ الِانْتِفَاع بِالسَّاعَةِ الْوَاحِدَة. فتح الباري.
فما هو سبب قلة البركة في الزمان ؟
قال العلماء : بِسَبَبِ مَا وَقَعَ مِنْ ضَعْف الْإِيمَان لِظُهُورِ الْأُمُور الْمُخَالِفَة لِلشَّرْعِ مِنْ عِدَّة أَوْجُهُ, وَأَشَدّ ذَلِكَ الْأَقْوَات فَفِيهَا مِنْ الْحَرَام الْمَحْض وَمِنْ الشُّبَه مَا لَا يَخْفَى حَتَّى إِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاس لَا يَتَوَقَّف فِي شَيْء – إذا عرف أنه حرام أكل مباشرة دون تردد - وَمَهْمَا قَدَرَ عَلَى تَحْصِيل شَيْء هَجَمَ عَلَيْهِ وَلَا يُبَالِي, لأَنَّ الْبَرَكَة فِي الزَّمَان وَفِي الرِّزْق وَفِي النَّبْت إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ طَرِيق قُوَّة الْإِيمَان وَاتِّبَاع الْأَمْر وَاجْتِنَاب النَّهْي, وَالشَّاهِد لِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} (لأعراف: من الآية96)). فتح الباري.
وأيضاً من التغيرات التي تكون في الأرض تقارب الأسواق، وهذه يشمل سرعة العلم فيها، وسرعة السير من سوقٍ إلى سوقٍ ومقاربة بعضها بعضاً في المكان والأسعار، فبين كل سوقين سوق، وهذا مشاهد اليوم في عالم المولات فكثرتها ولا شك مما أخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- تقارب الأسواق وكثرة الأسواق، وقد صارت الأسواق في الشبكات يفتحون منها ما يشاءون، وليس هذا الشرط شرط مذموماً، لأن من أشراط الساعة ما هو مذموم ككثرة الزنا وكثرة الربا، ومنه ما ليس بمذموم كفشو القلم وانتشار الكتابة والطباعة، وكذلك تقارب الأسواق، فأنه في الأصل ليس مذموماً إذا لم ينه عن ذكر الله وعن الصلاة، ولكن كثير مما في الأسواق لا يرضي الله.
ومن الآيات العظيمة التي أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن وقوعها من التغيرات في آخر الزمان ونحن نرصد وإياكم هذه التغيرات ونتدبر فيها ونتفكر على ضوء ما نرى في واقعنا من حدوث شيء من هذه التغيرات الملموسة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((من اقتراب الساعة انتفاخ الأهلة)). الطبراني وصححه الألباني في الصحيحة (2292) .
ومعناه : أن يعظم الهلال وكبره، فيرى الهلال حين طلوعه أكبر مما هو معتاد في أول الشهر، فيرى وهو ابن ليلة كأنه ابن ليلتين.
هكذا فسر العلماء، قال السفاريني في لوامع الأنوار وهو من العلماء المتأخرين : وهي من العلامات التي بدأ ظهورها ولا تزال في ازدياد وتكامل. لوامع الأنوار (2/68) .
وقال بعض العلماء هي من العلامات التي لم تقع بعد .
ومن التغيرات التي تكون في الأرض أيضاً قبيل قيام الساعة أن تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً .
وهذه من الشروط غير المذمومة كما تقدم تقسيم الأشراط، إلى أشراط مذمومة وأشراط لا تدل على ذمٍ في ذاتها، فقال -عليه الصلاة والسلام- : ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْمَالُ وَيَفِيضَ حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِزَكَاةِ مَالِهِ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهَا مِنْهُ, وَحَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا)). مسلم (157).
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :" المقصود بأرض العرب الجزيرة العربية" فتاوى إسلامية (4/156).
" فترجع مُروجاً ورياضا كما كانت بنباتاتها وأشجارها وأثمارها, وتُخلى فيها الدواب لتسرح مختلطة كيف شاءت، وتعود مياهها كثيرة, وأنهارها جارية بسبب كثرة الأمطار". مرقاة المفاتيح (15/433).
وقوله ((حتى ترى ما هاهنا وهاهنا)) لمعاذ في غزوة تبوك مروجاً وأنهارا فيه بيان للمزيد من هذا يحدث في تلك الجهة في شمال الجزيرة حول تبوك .
ومن الأشراط والعلامات أيضاً التي ستحدث انحسار نهر الفرات، ونقص المياه ونزول المنسوب، فقال -عليه الصلاة والسلام- : ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ, فَإِذَا سَمِعَ بِهِ النَّاسُ, سَارُوا إِلَيْهِ, فيَقْتَتِلُ النَّاسُ عَلَيْهِ, فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ, وَيَقُولُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ: لَعَلِّي أَكُونُ أَنَا الَّذِي أَنْجُو)). مسلم (2894) (2895).
وفي رواية: (( فَمَنْ حَضَرَهُ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا )). البخاري (1179).
ومعنى قوله يحسر الفرات : أي يذهب ماءه فينكشف عن كنز عظيم مثل الجبل، وقد أخبر عنه أنه من الذهب، ((عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ)) كما جاء في رواية، ومعلوم أن الذهب أصفر، وأنه الجبل فوق الأرض، وأن حسر الماء إنما يكون سبب الظهور، فقام بعض الجهلة بتفسيره بالبترول، وهذا غباء ومخالفة لما ورد في النص واللغة العربية، وكثير من الذين يتكلمون في جوانب يظنونها من الإعجاز في القرآن والسنة من الجهلة باللغة العربية، وبتفسير العلماء، فيلجئون إلى عقولهم المجردة على شيء من الثقافة والدكترة لكي يصبوا جام جهلهم بجانب هذه النصوص .
والذهب أصفر معروف، والجبل ما ارتفع عن الأرض، وذاك أسود في باطنها، وإنما يستخرج استخراجا، وكذلك فإن الأخذ من هذا ممكن كما يدل عليه ظاهر الحديث، ولذلك نهي عن الأخذ، لماذا ؟
" لما ينشأ عن أخذه من الفتنة والاقتتال عليه " أ.هـ فتح الباري (13/81).
" ولأنه مستعقِبٌ للبليات, وهو آية من الآيات ". أ.هـ عمدة القاري (35/186).
وهذا فيه تنبيه من النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى ترك الطمع، فإن بعض الناس لا يزال يزداد طمعه وشرهه، فإذا رأى من هذا يمشون إليه، ويكون بين الناس مقتلة عظيمة حتى يهلك تسعة وتسعون بالمائة من الناس الذين اجتمعوا يريدون الثروة، وحذرنا -عليه الصلاة والسلام- من الأخذ وأن يلجم الإنسان نفسه .
ومن التغيرات أيضاً التي ستكون كثرة المطر وقلة النبات، وقد قال -عليه الصلاة والسلام- : ((لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُمْطَرَ النَّاسُ مَطَرًا عَامًّا, وَلَا تَنْبُتَ الْأَرْضُ شَيْئًا)). أحمد (12021).
وهذا من المصائب العظام والعقوبات العامة، فهي أمطار كثيرة مغرقة لكن الأرض لا تنبت بسببها، وقال -عليه الصلاة والسلام- : ((لَيْسَتْ السَّنَةُ [أي: الجدب والقحط] بِأَنْ لا تُمْطَرُوا, وَلَكِنْ السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا, وَتُمْطَرُوا, وَلَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ شَيْئًا)) مسلم (2904).
وهذا من أنواع القحط فليس القحط فقط أن لا ينزل المطر، لكن أن ينزل فلا تنبت الأرض، لماذا؟ لأن المعاصي التي عملت عليها منعت من ظهور نباتها .
ومن التغيرات أيضاً خروج كنوز الأرض وراء الدجال، وقد ورد أنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، وتتبعه كنوزها، قال -عليه الصلاة والسلام- : ((.. ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ –أي الدجال- فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ –أي يكفرون به - فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ -أي قد أصابهم القحط والجدب- لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا أَخْرِجِي كُنُوزَكِ فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ..)).. مسلم (5228).
( يَعَاسِيب النَّحْل) هِيَ ذُكُور النَّحْل، وقيل: ويقصد جَمَاعَة النَّحْل.
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى:
" ويأتي إلى الخربة.. أرض خربة ما بها بناء ولا أناس، فيقول: أيتها الأرض أخرجي كنوزك فتخرج كنوزها وما بها من معادن من ذهب وفضة وغير ذلك فتتبعه كيعاسيب النحل. شرح رياض الصالحين.
وهذه فتنة يمتحن بها عباده، فينظر أيتبعون الحق أم يتبعون الدجال .
محمد صالح المنجد
5/6/1430
عناصر الموضوع:
1. الأحداث والتغيرات قبل قيام الساعة.
2. ذكر بعض الأحداث والأشراط.
3. تفسير الأحداث بين المؤمنين والمنافقين
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد ..
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الأحداث والتغيرات قبل قيام الساعة
عباد الله يقول ربنا تبارك وتعالى {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ} (مريم: من الآية40). ولا بد أن تقوم الساعة، {وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الحديد: من الآية10). والله -عز وجل- إذا أذن بخراب العالم والنفخ في الصور، فإنه يجري قبل ذلك أحداثاً عظيمة في الأرض وفي السماء، وتغيرات رهيبة، تصيب أهل الأرض، فما هي يا ترى في أشراط الساعة وإنذاراتها، وعلاماتها وأمارتها، ما الذي سيكون قبيل خراب العالم، وكلما اقترب الزمن من قيام الساعة حصل في الأرض أحداث مؤذنة بذلك، ولذلك أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أمور من الاضطراب والفوضى التي تصيب الناس من كثر الهرج والقتل، وكذلك ما يصيب العالم العلوي والسفلي، ما يصيب الأرض في جوها، ما يصيبها في قرارها، وما يصيبها في هوائها ومائها ومطرها وشمسها، ستحدث في آخر الزمان من الأقدار العظيمة التي يجريها الله تعالى زلازل وهزات، فتن وحروب وقتل وموتان عام، والله -عز وجل- يوقظ بهذه الأحداث الغافلين، وينبّه العاصين، ونحن نرى في الأرض اليوم تغيرات، تارة بغبارٍ عارم، وتارة بسيلٍ جارف، وتارة بزلازل، تغيرت الأجواء، هذا يلمسه الكبير والصغير، تغير الأجواء، وهذا التغير ونحن في آخر الزمن، ولا شك أنه نذير بقرب تغيرات أخرى أكبر وأشمل، أعظم وقعاً وأخطر.
ذكر بعض الأحداث والأشراط
فماذا أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- من العلامات والأمارات التي تكون قبل أشراط الساعة مما يتعلق بالأرض وجوها وبالسماء وشمسها، قال -صلى الله عليه وسلم- : ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى)) البخاري (7118) ومسلم.
وقد ظهرت هذه النار في منتصف القرن السابع في عام 654 هـ،وكانت نار عظيمة، وأفاض العلماء ممن عاصروا ظهورها ومن بعدهم في وصفها،
وَقَالَ النَّوَوِيّ: تَوَاتَرَ الْعِلْم بِخُرُوجِ هَذِهِ النَّار عِنْدَ جَمِيع أَهْل الشَّام. فتح الباري
وقال ابن حجر: " وهي النَّار الَّتِي ظَهَرَتْ بِنَوَاحِي الْمَدِينَة ". فتح الباري
ونقل ابن كثير أن غير واحد من الأعراب ممن كان بحاضرة بصرى شاهدوا أعناق الإبل في ضوء هذه النار التي ظهرت من أرض الحجاز.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي "التَّذْكِرَة": قَدْ خَرَجَتْ نَار بِالْحِجَازِ بِالْمَدِينَةِ, وَكَانَ بَدْؤُهَا زَلْزَلَة عَظِيمَة فِي لَيْلَة الْأَرْبِعَاء بَعْدَ الْعَتَمَة الثَّالِث مِنْ جُمَادَى الْآخِرَة سَنَة أَرْبَع وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَاسْتَمَرَّتْ إِلَى ضُحَى النَّهَار يَوْمَ الْجُمُعَة فَسَكَنَتْ....". فتح الباري.
قال ابن حجر رحمه الله : "وَقَالَ لِي بَعْض أَصْحَابنَا: رَأَيْتهَا صَاعِدَة فِي الْهَوَاء مِنْ نَحْو خَمْسَة أَيَّام, وَسَمِعْت أَنَّهَا رُؤِيَتْ مِنْ مَكَّة وَمِنْ جِبَال بُصْرَى". فتح الباري
وذكر ابن حجر عن حدثين : "إنَّ إِحْدَاهُمَا تَقَع قَبْلَ قِيَام السَّاعَة مَعَ جُمْلَة الْأُمُور الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا الصَّادِق صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ; وَالْأُخْرَى هِيَ الَّتِي يَعْقُبهَا قِيَام السَّاعَة بِغَيْرِ تَخَلُّل شَيْء آخَر". فتح الباري.
ومن الآيات التي أخبر -عليه الصلاة والسلام- عنها قبيل قيام الساعة ما جاء في قوله : ((بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ مَسْخٌ وَخَسْفٌ وَقَذْفٌ)) ابن ماجه (4059) وصححه الألباني.
وفي رواية : ((يَكُونُ فِي آخِرِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ، وَمَسْخٌ، وَقَذْفٌ))
قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟
قَالَ: ((نَعَمْ إِذَا ظَهَرَ الْخُبْثُ [أي: الْمَعَاصِي])) الترمذي (2185) وصححه الألباني.
فأما الخسف : فهو ذهاب الشيء في الأرض، وأما المسخ : فهو تغيير الخلقة إلى أخرى أقبح . وأما القذف : فهو الرمي بالحجارة .
فإذا كثرت المعاصي في الأرض، وعم الفساد يبدأ الهلاك العام بالحصول، ويبدأ الموت الكبير بالوقوع، ولو كان هنالك صالحون يعمهم العذاب لأنهم لم يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، فإذا صاروا مصلحين استثناهم الله من العذاب، وقد جاء هذا الوعيد أي الخسف والمسخ والقذف لأناسٍ من أهل المعازف والغناء وشُرّاب الخمور، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الراعي لديهم يعود إليهم وقد باتوا على لهوٍ ولعبٍ وقيانٍ يعني مغنيات، فيجدهم قد مسخوا، وبدل الله صورهم صور القردة والخنازير، وهذا الاسترسال في الحرام قد وقع منه الآن أشياء كثيرة جداً، فأما الزلازل فقد قال أهل العلم : أنها قد وقع منها الشيء كثير فيما تقدم، وهلك بسببها خلق كثير، وقال القرطبي: وقع بعضها بعراق العجم والمغرب. وهلك، بسببها خلق كثير. عون المعبود.
وفي شعبان سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة وقعت زلزلة بغرناطة وخسف بعدة أماكن.
وفي سنة ست وأربعين وثلاثمائة وقع بالري ونواحيها زلازل عظيمة، وخسف ببلد طالَقان ولم يفلت من أهلها إلا نحو ثلاثين نفساً.
" وخُسف بمائة وخمسين قرية من قرى الري، واتصل الأمر إلى حلوان فخسف بأكثرها، وقذفت الأرض عظام الموتى، وتفجرت فيها المياه وتقطع بالري جبل، وخسف بقرية أخرى، فانخرقت الأرض خروقا عظيمة، وخرج منها مياه منتنة ودخان عظيم. اهـ. البرزنجي في "الإشاعة في أشراط الساعة" (ص 78) .
وقد توعد الله تعالى من خالف أمره بالخسف، فقال -عز وجل- : { أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} (النحل:45) .
وقال -عز وجل- : { أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً } (الإسراء: من الآية68).{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} (الملك:16) .
وهذه الخسوف والزلازل تكثر في آخر الزمان، فأما من أشراط الساعة الكبرى فهنالك ثلاثة خسوف عظيمةٍ جداً، وهي أعظم ما يصيب الأرض من الخسف على الإطلاق، ولذلك صارت من أشراط الساعة الكبرى، فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك بقوله : ((إِنَّ السَّاعَةَ لَا تَكُونُ حَتَّى تَكُونَ عَشْرُ آيَاتٍ خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ وَخَسْفٌ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ..)) مسلم (5163).
والله -سبحانه وتعالى- يحدث ما يشاء.
قال الحافظ رحمه الله : وقد وُجِدَ الخسف في مواضع -يعني ذهاب الشيء في الأرض يكون على سطح الأرض، ثم يذهب فيها فتنشق الأرض وتبتلعه هذا قد حدث فيما مضى-، ولكن يحتمل أن يكون المراد بالخسوف الثلاثة قدراً زائداً على ما وجد كأن يكون أعظم منه مكاناً وقدراً. فتح الباري.
فهو يتميز عن ما حصله قبله بشدته واتساعه .
ومن تلك الآيات التي تجري في الأرض في آخر الزمان وتكثر، الزلازل كما قال -عليه الصلاة والسلام- : ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى.. تَكْثُرَ الزَّلَازِلُ...)) البخاري (1036).
وفي رواية: ((وَبَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ.. سَنَوَاتُ الزَّلَازِلِ)) أحمد (16516) وصحح سنده شعيب وأغرب متنه. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات". مجمع الزوائد.
وفي رواية لأبي داود في حديثٍ صحيحٍ : ((وتدنو الزَّلَازِلُ وَالْبَلَابِلُ وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ)). أبو داود (2535) وصححه الألباني.
قال العلماء هي: الهموم والأحزان .
وهي مقدمات لزلزلة الساعة التي هي شيء عظيم. مرقاة المفاتيح (15/443)
وقد استمرت الزلزلة في بلدة من بلاد الروم التي هي للمسلمين ثلاثة عشر شهراً. عمدة القاري.
قال المهلب: "ظهور الزلازل والآيات وعيد من الله تعالى لأهل الأرض قال تعالى {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} (الإسراء:59).
وماذا أيضاً من التغيرات التي تكون في الأرض في آخر الزمان، هنالك تغيرات تصيب الوقت، فقال -صلى الله عليه وسلم- : ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ فَتَكُونُ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ وَتَكُونُ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ وَيَكُونُ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ وَتَكُونُ السَّاعَةُ كَالضَّرَمَةِ بِالنَّارِ)) البخاري (1036) وأحمد (10560) والترمذي (2332) واللفظ له، وصححه الألباني.
والضَّرْمَةُ: غُصْنُ النَّخْلِ فَإِنَّهَا إِذْ اِشْتَعَلَتْ تُحْرَقُ سَرِيعًا اِنْتَهَى. تحفة الأحوذي والأزهار.
وهو –هذا التعبير- كناية عن قصر مدة الأزمنة عما جرت به العادة.
وقيل المراد : قصر الأعمار بقلة البركة فيها..". عمدة القاري شرح البخاري (10/482)
" ويُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى قِلَّةِ بَرَكَةِ الزَّمَانِ ونَزْعها مِنْ لَيْله وَنَهَاره، وَذَهَابِ فَائِدَتِهِ فِي كُلِّ مكان". تحفة الأحوذي.
قال ابن حجر رحمه الله :"وقَدْ وُجِدَ فِي زَمَاننَا هَذَا فَإِنَّا نَجِد مِنْ سُرْعَة مَرَّ الْأَيَّام مَا لَمْ نَكُنْ نَجِدهُ فِي الْعَصْر الَّذِي قَبْلَ عَصْرنَا هَذَا". الفتح.
فإذا قالها رحمه الله على القرن التاسع، فماذا نقول نحن اليوم في هذا القرن .
قَالَ النَّوَوِيّ: " فيَصِير الِانْتِفَاع بالْيَوْمِ مثلاً بِقَدْرِ الِانْتِفَاع بِالسَّاعَةِ الْوَاحِدَة. فتح الباري.
فما هو سبب قلة البركة في الزمان ؟
قال العلماء : بِسَبَبِ مَا وَقَعَ مِنْ ضَعْف الْإِيمَان لِظُهُورِ الْأُمُور الْمُخَالِفَة لِلشَّرْعِ مِنْ عِدَّة أَوْجُهُ, وَأَشَدّ ذَلِكَ الْأَقْوَات فَفِيهَا مِنْ الْحَرَام الْمَحْض وَمِنْ الشُّبَه مَا لَا يَخْفَى حَتَّى إِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاس لَا يَتَوَقَّف فِي شَيْء – إذا عرف أنه حرام أكل مباشرة دون تردد - وَمَهْمَا قَدَرَ عَلَى تَحْصِيل شَيْء هَجَمَ عَلَيْهِ وَلَا يُبَالِي, لأَنَّ الْبَرَكَة فِي الزَّمَان وَفِي الرِّزْق وَفِي النَّبْت إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ طَرِيق قُوَّة الْإِيمَان وَاتِّبَاع الْأَمْر وَاجْتِنَاب النَّهْي, وَالشَّاهِد لِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} (لأعراف: من الآية96)). فتح الباري.
وأيضاً من التغيرات التي تكون في الأرض تقارب الأسواق، وهذه يشمل سرعة العلم فيها، وسرعة السير من سوقٍ إلى سوقٍ ومقاربة بعضها بعضاً في المكان والأسعار، فبين كل سوقين سوق، وهذا مشاهد اليوم في عالم المولات فكثرتها ولا شك مما أخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- تقارب الأسواق وكثرة الأسواق، وقد صارت الأسواق في الشبكات يفتحون منها ما يشاءون، وليس هذا الشرط شرط مذموماً، لأن من أشراط الساعة ما هو مذموم ككثرة الزنا وكثرة الربا، ومنه ما ليس بمذموم كفشو القلم وانتشار الكتابة والطباعة، وكذلك تقارب الأسواق، فأنه في الأصل ليس مذموماً إذا لم ينه عن ذكر الله وعن الصلاة، ولكن كثير مما في الأسواق لا يرضي الله.
ومن الآيات العظيمة التي أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن وقوعها من التغيرات في آخر الزمان ونحن نرصد وإياكم هذه التغيرات ونتدبر فيها ونتفكر على ضوء ما نرى في واقعنا من حدوث شيء من هذه التغيرات الملموسة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((من اقتراب الساعة انتفاخ الأهلة)). الطبراني وصححه الألباني في الصحيحة (2292) .
ومعناه : أن يعظم الهلال وكبره، فيرى الهلال حين طلوعه أكبر مما هو معتاد في أول الشهر، فيرى وهو ابن ليلة كأنه ابن ليلتين.
هكذا فسر العلماء، قال السفاريني في لوامع الأنوار وهو من العلماء المتأخرين : وهي من العلامات التي بدأ ظهورها ولا تزال في ازدياد وتكامل. لوامع الأنوار (2/68) .
وقال بعض العلماء هي من العلامات التي لم تقع بعد .
ومن التغيرات التي تكون في الأرض أيضاً قبيل قيام الساعة أن تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً .
وهذه من الشروط غير المذمومة كما تقدم تقسيم الأشراط، إلى أشراط مذمومة وأشراط لا تدل على ذمٍ في ذاتها، فقال -عليه الصلاة والسلام- : ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْمَالُ وَيَفِيضَ حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِزَكَاةِ مَالِهِ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهَا مِنْهُ, وَحَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا)). مسلم (157).
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :" المقصود بأرض العرب الجزيرة العربية" فتاوى إسلامية (4/156).
" فترجع مُروجاً ورياضا كما كانت بنباتاتها وأشجارها وأثمارها, وتُخلى فيها الدواب لتسرح مختلطة كيف شاءت، وتعود مياهها كثيرة, وأنهارها جارية بسبب كثرة الأمطار". مرقاة المفاتيح (15/433).
وقوله ((حتى ترى ما هاهنا وهاهنا)) لمعاذ في غزوة تبوك مروجاً وأنهارا فيه بيان للمزيد من هذا يحدث في تلك الجهة في شمال الجزيرة حول تبوك .
ومن الأشراط والعلامات أيضاً التي ستحدث انحسار نهر الفرات، ونقص المياه ونزول المنسوب، فقال -عليه الصلاة والسلام- : ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ, فَإِذَا سَمِعَ بِهِ النَّاسُ, سَارُوا إِلَيْهِ, فيَقْتَتِلُ النَّاسُ عَلَيْهِ, فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ, وَيَقُولُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ: لَعَلِّي أَكُونُ أَنَا الَّذِي أَنْجُو)). مسلم (2894) (2895).
وفي رواية: (( فَمَنْ حَضَرَهُ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا )). البخاري (1179).
ومعنى قوله يحسر الفرات : أي يذهب ماءه فينكشف عن كنز عظيم مثل الجبل، وقد أخبر عنه أنه من الذهب، ((عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ)) كما جاء في رواية، ومعلوم أن الذهب أصفر، وأنه الجبل فوق الأرض، وأن حسر الماء إنما يكون سبب الظهور، فقام بعض الجهلة بتفسيره بالبترول، وهذا غباء ومخالفة لما ورد في النص واللغة العربية، وكثير من الذين يتكلمون في جوانب يظنونها من الإعجاز في القرآن والسنة من الجهلة باللغة العربية، وبتفسير العلماء، فيلجئون إلى عقولهم المجردة على شيء من الثقافة والدكترة لكي يصبوا جام جهلهم بجانب هذه النصوص .
والذهب أصفر معروف، والجبل ما ارتفع عن الأرض، وذاك أسود في باطنها، وإنما يستخرج استخراجا، وكذلك فإن الأخذ من هذا ممكن كما يدل عليه ظاهر الحديث، ولذلك نهي عن الأخذ، لماذا ؟
" لما ينشأ عن أخذه من الفتنة والاقتتال عليه " أ.هـ فتح الباري (13/81).
" ولأنه مستعقِبٌ للبليات, وهو آية من الآيات ". أ.هـ عمدة القاري (35/186).
وهذا فيه تنبيه من النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى ترك الطمع، فإن بعض الناس لا يزال يزداد طمعه وشرهه، فإذا رأى من هذا يمشون إليه، ويكون بين الناس مقتلة عظيمة حتى يهلك تسعة وتسعون بالمائة من الناس الذين اجتمعوا يريدون الثروة، وحذرنا -عليه الصلاة والسلام- من الأخذ وأن يلجم الإنسان نفسه .
ومن التغيرات أيضاً التي ستكون كثرة المطر وقلة النبات، وقد قال -عليه الصلاة والسلام- : ((لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُمْطَرَ النَّاسُ مَطَرًا عَامًّا, وَلَا تَنْبُتَ الْأَرْضُ شَيْئًا)). أحمد (12021).
وهذا من المصائب العظام والعقوبات العامة، فهي أمطار كثيرة مغرقة لكن الأرض لا تنبت بسببها، وقال -عليه الصلاة والسلام- : ((لَيْسَتْ السَّنَةُ [أي: الجدب والقحط] بِأَنْ لا تُمْطَرُوا, وَلَكِنْ السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا, وَتُمْطَرُوا, وَلَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ شَيْئًا)) مسلم (2904).
وهذا من أنواع القحط فليس القحط فقط أن لا ينزل المطر، لكن أن ينزل فلا تنبت الأرض، لماذا؟ لأن المعاصي التي عملت عليها منعت من ظهور نباتها .
ومن التغيرات أيضاً خروج كنوز الأرض وراء الدجال، وقد ورد أنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، وتتبعه كنوزها، قال -عليه الصلاة والسلام- : ((.. ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ –أي الدجال- فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ –أي يكفرون به - فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ -أي قد أصابهم القحط والجدب- لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا أَخْرِجِي كُنُوزَكِ فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ..)).. مسلم (5228).
( يَعَاسِيب النَّحْل) هِيَ ذُكُور النَّحْل، وقيل: ويقصد جَمَاعَة النَّحْل.
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى:
" ويأتي إلى الخربة.. أرض خربة ما بها بناء ولا أناس، فيقول: أيتها الأرض أخرجي كنوزك فتخرج كنوزها وما بها من معادن من ذهب وفضة وغير ذلك فتتبعه كيعاسيب النحل. شرح رياض الصالحين.
وهذه فتنة يمتحن بها عباده، فينظر أيتبعون الحق أم يتبعون الدجال .