عبدالله العذبة
19-08-2009, 12:26 AM
استثمرونا
قيل «بدلاً من أن تلعن الظلام أوقد شمعة» ولكن ما الحال مع من لا يملك شمعة ولا نارا؟
لابد أن الحظوظ كانت مشغولة بآخر، عندما لم تسعفه لإكمال تعليمه، وها هو ذا يلعن الظلام.
لقد سمع مرة بأن الاستثمار في الإنسان القطري كفيل بأن يذلل العقبات ويقرب المسافات ويجعل الأحلام واقعا، فتخلى عن خططه (التقشفية) القديمة بتوفير بعض المال وتوفير بعض الوقت - في الإجازات - للدراسة.
كان قد التحق بإحدى الوظائف لإعانة والديه اللذين كانا بطبيعة الحال (مع المحيط العام) ينتميان إلى ثقافة لم تكن قادرة على منحه الفهم بمدى أهمية التعليم عندما كان على مقاعد الدراسة. وها هو يجني وزر ثقافة المجتمع الذي بات بدوره يحصد ما زرعه، ومازال يلعن الظلام.
إنه اليوم يبحث عن بدائل للتعليم، فقد أهلكته الديون، وجعل ينهشه هذا ولا يخطئه ذاك.
إنه مُصر على تخطي العقبات، وقد تقدم بطلب إلى إدارته للسماح له بإكمال تعليمه، فوضعت له الشروط ثم تلكأت ولم تزل.
عندما تكون عملية الاستثمار في الإنسان هي عبارة عن تشكيل لذلك الإنسان - الخامة - بالطريقة المناسبة ليكون مفيدا، فإن الإنسان الآخر - الموظف - لا يعدو كونه خامة أخرى تم تشكيلها -هكذا- كيفما اتفق، وما طموحه إلا إعادة تشكيله أو حتى إعادة (تدويره) ضمن عملية الاستثمار تلك بأي نوع من أنواع الدعم وبقانون واضح يكفل له الحق في التعليم ولا يضع ذلك الحق في يد غيره.
وعندما سألت أحدهم حول هذا الموضوع اكتسى وجهه جدية، وأخذ يلقنني درساً في المنطقية حتى ظننت أنني أغبى خلق الله، إذ «كيف يتسنى للموظف أن يطور من قدراته في العمل، وهو يدرس تخصصاً آخر لا علاقة له بالعمل؟» و»كيف للعمل أن يستمر وعدد من الموظفين لا يقومون بأعمالهم ؟» ..إلخ.
إنني لا آتي أمراً نُكرا، ولا أجحد معروفاً حينما أطرح مثل هذا الأمر، فلم تعد الأمور منطقية بالمنظور القديم، فكل ما كان مستحيلاً أصبح في إطار الممكن، خصوصاً في ظل الإمكانيات والقدرات الهائلة والعقول النيرة التي حتماً تقودنا نحو الأفضل.
ألست أضع تصوراً لمجتمع أفضل وأكثر ثقافة وعلما عندما أطالب بأن يجد الجميع فرصة أخرى في تطوير الذات؟
وهل بالمستطاع تطوير المجتمع إلا بتفجير طاقات أفراده؟
نظل نمقت الجهل والتطرف والتعصب والغوغاء صباح مساء، وما ذلك إلا صنيعة أيدينا، وبأيدينا الحل إذا امتلكنا البصيرة والإرادة، فلماذا لا توضع القوانين وتسن اللوائح ويرفع حق التعليم إلى أعلى مراتبه؟
أعلم تماماً أنها فكرة قديمة، ولهذا اشتمل عليها قانون البعثات منذ السبعينات من القرن الماضي، ولكن تحتاج الأفكار والقوانين (طويلة الأجل) إلى تحديث وتطوير.
فالحاجة إلى التعلم والترقي وسد الخانات الشاغرة أصبح أكثر إلحاحا، وأصبح الناس أكثر إدراكا وفهما لمعنى التعليم، وما السبيل إلى تحقيق ذلك إلا بتوفير الفرصة الحقيقة لمن أراد، خصوصا أنه يملك كامل الحق في مواصلة تعليمه، ويبقى تطبيق القانون بعدالة ومرونة لتنظيم ذلك الحق بالشكل المناسب والداعم له.
أعتقد جازما بأن أغلب موظفي الدولة لم يحظوا إلا بالقدر الأدنى من التعليم، ومنهم الكثير ممن يرغبون – بإخلاص – في زيادة حظهم منه استناداً إلى دعم قانون.
فلا يملك الجميع سحر (الواسطة) التي قد توفر -وبكل بساطة- أبعد الأحلام منالاً كالتفرغ على سبيل المثال.
كما أني لا أفشي سراً عندما أقول: إن الكثير من الموظفين ليسوا (مغرمين) بوظائفهم، ولا يجدون الراحة فيها، وقد لا توافق قدراتهم أو إمكاناتهم، ويعلمون جيدا أن الاستقالة هي أبغض الحلال بل هي انتحار!
ولن يقدم عليها إلا مغامر يائس أو (مريش)، فهل يعد احتمال إكمال التعليم - في هذه الحالة - خياراً متاحاً أم حلماً معلقاً بانتظار وقوع معجزة ما في بلد يفتح أبوابه بآلاف الفرص يومياً في التوظيف والتعلم والاستثمار ..للآخرين؟.
بقلم : علي بن حمد المري
المصدر العرب 19-8-09 http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=94133&issueNo=604&secId=16
قيل «بدلاً من أن تلعن الظلام أوقد شمعة» ولكن ما الحال مع من لا يملك شمعة ولا نارا؟
لابد أن الحظوظ كانت مشغولة بآخر، عندما لم تسعفه لإكمال تعليمه، وها هو ذا يلعن الظلام.
لقد سمع مرة بأن الاستثمار في الإنسان القطري كفيل بأن يذلل العقبات ويقرب المسافات ويجعل الأحلام واقعا، فتخلى عن خططه (التقشفية) القديمة بتوفير بعض المال وتوفير بعض الوقت - في الإجازات - للدراسة.
كان قد التحق بإحدى الوظائف لإعانة والديه اللذين كانا بطبيعة الحال (مع المحيط العام) ينتميان إلى ثقافة لم تكن قادرة على منحه الفهم بمدى أهمية التعليم عندما كان على مقاعد الدراسة. وها هو يجني وزر ثقافة المجتمع الذي بات بدوره يحصد ما زرعه، ومازال يلعن الظلام.
إنه اليوم يبحث عن بدائل للتعليم، فقد أهلكته الديون، وجعل ينهشه هذا ولا يخطئه ذاك.
إنه مُصر على تخطي العقبات، وقد تقدم بطلب إلى إدارته للسماح له بإكمال تعليمه، فوضعت له الشروط ثم تلكأت ولم تزل.
عندما تكون عملية الاستثمار في الإنسان هي عبارة عن تشكيل لذلك الإنسان - الخامة - بالطريقة المناسبة ليكون مفيدا، فإن الإنسان الآخر - الموظف - لا يعدو كونه خامة أخرى تم تشكيلها -هكذا- كيفما اتفق، وما طموحه إلا إعادة تشكيله أو حتى إعادة (تدويره) ضمن عملية الاستثمار تلك بأي نوع من أنواع الدعم وبقانون واضح يكفل له الحق في التعليم ولا يضع ذلك الحق في يد غيره.
وعندما سألت أحدهم حول هذا الموضوع اكتسى وجهه جدية، وأخذ يلقنني درساً في المنطقية حتى ظننت أنني أغبى خلق الله، إذ «كيف يتسنى للموظف أن يطور من قدراته في العمل، وهو يدرس تخصصاً آخر لا علاقة له بالعمل؟» و»كيف للعمل أن يستمر وعدد من الموظفين لا يقومون بأعمالهم ؟» ..إلخ.
إنني لا آتي أمراً نُكرا، ولا أجحد معروفاً حينما أطرح مثل هذا الأمر، فلم تعد الأمور منطقية بالمنظور القديم، فكل ما كان مستحيلاً أصبح في إطار الممكن، خصوصاً في ظل الإمكانيات والقدرات الهائلة والعقول النيرة التي حتماً تقودنا نحو الأفضل.
ألست أضع تصوراً لمجتمع أفضل وأكثر ثقافة وعلما عندما أطالب بأن يجد الجميع فرصة أخرى في تطوير الذات؟
وهل بالمستطاع تطوير المجتمع إلا بتفجير طاقات أفراده؟
نظل نمقت الجهل والتطرف والتعصب والغوغاء صباح مساء، وما ذلك إلا صنيعة أيدينا، وبأيدينا الحل إذا امتلكنا البصيرة والإرادة، فلماذا لا توضع القوانين وتسن اللوائح ويرفع حق التعليم إلى أعلى مراتبه؟
أعلم تماماً أنها فكرة قديمة، ولهذا اشتمل عليها قانون البعثات منذ السبعينات من القرن الماضي، ولكن تحتاج الأفكار والقوانين (طويلة الأجل) إلى تحديث وتطوير.
فالحاجة إلى التعلم والترقي وسد الخانات الشاغرة أصبح أكثر إلحاحا، وأصبح الناس أكثر إدراكا وفهما لمعنى التعليم، وما السبيل إلى تحقيق ذلك إلا بتوفير الفرصة الحقيقة لمن أراد، خصوصا أنه يملك كامل الحق في مواصلة تعليمه، ويبقى تطبيق القانون بعدالة ومرونة لتنظيم ذلك الحق بالشكل المناسب والداعم له.
أعتقد جازما بأن أغلب موظفي الدولة لم يحظوا إلا بالقدر الأدنى من التعليم، ومنهم الكثير ممن يرغبون – بإخلاص – في زيادة حظهم منه استناداً إلى دعم قانون.
فلا يملك الجميع سحر (الواسطة) التي قد توفر -وبكل بساطة- أبعد الأحلام منالاً كالتفرغ على سبيل المثال.
كما أني لا أفشي سراً عندما أقول: إن الكثير من الموظفين ليسوا (مغرمين) بوظائفهم، ولا يجدون الراحة فيها، وقد لا توافق قدراتهم أو إمكاناتهم، ويعلمون جيدا أن الاستقالة هي أبغض الحلال بل هي انتحار!
ولن يقدم عليها إلا مغامر يائس أو (مريش)، فهل يعد احتمال إكمال التعليم - في هذه الحالة - خياراً متاحاً أم حلماً معلقاً بانتظار وقوع معجزة ما في بلد يفتح أبوابه بآلاف الفرص يومياً في التوظيف والتعلم والاستثمار ..للآخرين؟.
بقلم : علي بن حمد المري
المصدر العرب 19-8-09 http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=94133&issueNo=604&secId=16