عبدالله العذبة
02-09-2009, 02:05 AM
لوبي الخرفـان!
من فوائد الصوم أنه يثير في الإنسان التفكير بعمق في أدق التفاصيل الصغيرة، التي لا يلقي لها بالاً في سائر الأيام...
وما أدهشني أنني بت أزن كل الأفعال والأقوال، وكل ما يصادفني بميزان الوطنية، ولعلها إنفلونزا هذا الزمن!. :omg:
وقبل أيام ذهبت إلى سوق الغنم، وكم أذهلني السعر المبالغ فيه! :eek5:
ولأنني مخلوق عاطفي شديد التأثر فقد لاحظ البائع ذلك على قسمات وجهي :rolleyes2: ، فأخذ يشرح لي علاقة الزيادة في الأسعار بقلّة الحلال، ويحاول جهده أن يهون الأمر علي...
ولكنني لم أعر ذلك الجواب بالاً، بل لم أكن أسمع ما يقول فقد استحوذت علي للتو فكرة أخرى!
«كيف يكتظ هذا السوق بالخراف متعددة الجنسيات بينما لا وجود للخراف الوطنية؟ :swoon:
وهل لو وجد الخروف الوطني سيصبح في مصاف المستوردة من حيث السعر؟ :unsure:
أم أن الوطني هو الأرخص دوماً؟ :protest:
أم أنهم كما عهدناهم دائما سيقنعوننا بأن المستورد هو الأجود؟!» :ok2:
لا أدري ما الذي حدث أثناء هذا التجلي؟! :nop:
فقد أفقت على قرع نعال الباعة وصراخهم، وأنا مُمسك بأحد الخراف محاولا خنقه! :anger1:
وقد فقأت عين الآخر ويبدو أنني عثت في السوق فساداً دون أن أشعر بما أفعل!. :weeping:
وأخذوني إلى مجموعة من الأشخاص الذين بدا عليهم جميعاً الانزعاج، لم ينظر أحدهم إلي برأفة، أو باستفسار، أو بغيرها من النظرات! :mad:
لقد كانوا يرمقونني فقط بتلك النظرة المرعبة وكانت أعينهم تصرخ «هذا هو!!»
أحدهم حرك رقبته يمنة ويسرة، ليعدل «الغترة» في إشارة إلى أهمية ما سيقول! :app:
تحدث الرجل حديثا طويلاً عن الوطنية إلى أن أقنعني بأنني لست وطنياً بما فيه الكفاية، لأن من يحب وطنه لا ينفعل بهذه الطريقة..
والحق يقال يستطيع مثل هؤلاء الأشخاص إقناعك بسهولة فائقة.. :ok2:
لقد أقنعني أحدهم ذات مرة بأنني مجرد نبتة تأكل منها الزواحف حتى أحسست بأن شيئا ما يقضم أذني بالفعل! :cry2:
ثم أخذ -طال عمره- يسألني ولا ينتظر جواباً، وكلما بدأت في الجواب يفاجئني بسؤال آخر :rolleyes2: ، وهكذا هم دائما..إن لديهم القدرة على الاستماع إليك دون أن تتحدث.. :secret:
سكت المتحدث أخيراً، فقلت وقد أجهدت نفسي لأكون واثقاً:
يا -طويل العمر- :polling:
فقال الذي يليني: «إش!» :eek5:
يا لها من كلمة بليغة جداً وذات دلالة عميقة، وهل لي في هذا الموقف الجلل إلا الصمت؟!
نظر إلي كبيرهم، ودعاني بلهجة حازمة: تعال! :anger1:
اقتربت منه فأعطاني ورقة بطولي وقد كُتب في أسفلها «هذا ما جنت يداي ولساني وأبدي عليه أسفي وندمي، وأقبل ما في هذه الورقة من حقائق لا تقبل التفنيد.. وعليه أوقع». :omen2:
وذكر في هذه الورقة تفاصيل ما قمت به من إثارة للأغنام، بل وإرسال «الجاهيات» إلى البائع لاسترداد القليل من قيمة الخروف، وما أثار ضحكي باستغراب هو جملة تصف وقوفي شاهراً ورقة صغيرة، وقد طبع بأسفلها «DECLINED» ، وكأنه حكم من المحكمة بإشهار الإفلاس! :telephone:
ولكن لماذا الاستغراب أصلاً؟! :nop:
فحتى بنوكنا الوطنية أثبتت «دكلانيتها» حتى أتتهم «الفزعة»! :discuss:
وازدادوا (فائدة) وكل ذلك كان من أجل دعم الاقتصاد -الوطني- يا له من أمر مثير للحماسة.. أن تضحي من أجل الوطن واقتصاد الوطن. :nice:
نعم! لقد تأثرت حتى كدت أبكي :weeping: ، بل وهممت بفتح حساب صدقة للبنك المسكين، لولا أنني تذكرت بأن البنك يستوفي ذلك فعلاً من حسابي الجاري ذي اللياقة العالية في الدفع :victory: ، ثم إن البنك سيبقى يفعل ذلك إلى آخر سلالتي إلى أن يشاء الله! :secret:
إنها الوطنية بأسمى معانيها تلك التي تجعل الوطنيين مثلنا لا يأكلون الخراف الوطنية، لأنه لا وجود لها، ولا نستطيع أكل السمك الوطني لأنه لا يكفي! :eek5:
وإن أراد أن يكون أحدنا نباتياً فعليه أن يأكل كامل التراب الوطني، ليعلم أنه ليس خصبا بما فيه الكفاية لإنتاج الخضروات أو حتى صالحاً لزراعة «شمعة» في البر :omg: ، بل وسنكتشف أن التراب الوطني ممنوح للشركات الوطنية :nice: ، ولو أردت قطعة صغيرة من هذا التراب لتسد بها رمقك، فادفع لترضي نهمهم، ولو استطاعوا لباعوا لنا ذلك التراب في «قواطي» بأغلى الأثمان كإثبات للجميع بأن تراب الوطن «مهوب رخيص». :discuss:
وفي هذه الحالة ليس لك إلا أن تشرب من البحر، فهو ليس بأقل وطنية من التراب. :victory:
أو اختصر ذلك كله... وارضخ لرغبة المستورد وكل مما «استوردنا حلالاً طيبا!».. :taunt:
بسعر المناسبة، دينية كانت، أو وطنية، أو بسعر الطقس إن شئت، فالحرارة، والبرودة و»العج» والمطر والضباب، لكلٍ سعره الذي هو بالضرورة يزيد ولا ينقص إلا بالدعم الكبير محدود الصلاحية وقصير الأجل، وعندما يحين الدعم فإن العنوان «حماية المستهلك»، دونما ذكر للتاجر! :victory:
لم يكن أمامي إلا أن أوقع على تلك الورقة مقراً ونادماً، وذهبت أقود خروفي إلى المسلخ فذبحوه وما كادوا يفعلون! :secret:
1000 ريال! كان سعر ذاك الخروف الوافد، وقس على ذلك كل حاجيات البيت، واحتياجات رمضان، وملابس العيد، ومتطلبات المدارس، وأضف عليها 400 % أقساطاً للبنك.
وبعد هذا كله يخبرونك بأن الابتسامة في وجه أخيك صدقة! :omg:
أنصح كل أخ لي في الإسلام ألا يبتسم لي في هذا الوقت، درءاً للعواقب! :anger1:
وما ناصري وعزائي إلا مسلسلات رمضان، فلتبقهم واجمين! :secret:
بقلم : علي بن حمد المري
qatar2006@gmail.com
المصدر العرب الأربعاء الموافق 2-9-2009
http://alarab.com.qa/details.php?docId=95956&issueNo=620&secId=16
من فوائد الصوم أنه يثير في الإنسان التفكير بعمق في أدق التفاصيل الصغيرة، التي لا يلقي لها بالاً في سائر الأيام...
وما أدهشني أنني بت أزن كل الأفعال والأقوال، وكل ما يصادفني بميزان الوطنية، ولعلها إنفلونزا هذا الزمن!. :omg:
وقبل أيام ذهبت إلى سوق الغنم، وكم أذهلني السعر المبالغ فيه! :eek5:
ولأنني مخلوق عاطفي شديد التأثر فقد لاحظ البائع ذلك على قسمات وجهي :rolleyes2: ، فأخذ يشرح لي علاقة الزيادة في الأسعار بقلّة الحلال، ويحاول جهده أن يهون الأمر علي...
ولكنني لم أعر ذلك الجواب بالاً، بل لم أكن أسمع ما يقول فقد استحوذت علي للتو فكرة أخرى!
«كيف يكتظ هذا السوق بالخراف متعددة الجنسيات بينما لا وجود للخراف الوطنية؟ :swoon:
وهل لو وجد الخروف الوطني سيصبح في مصاف المستوردة من حيث السعر؟ :unsure:
أم أن الوطني هو الأرخص دوماً؟ :protest:
أم أنهم كما عهدناهم دائما سيقنعوننا بأن المستورد هو الأجود؟!» :ok2:
لا أدري ما الذي حدث أثناء هذا التجلي؟! :nop:
فقد أفقت على قرع نعال الباعة وصراخهم، وأنا مُمسك بأحد الخراف محاولا خنقه! :anger1:
وقد فقأت عين الآخر ويبدو أنني عثت في السوق فساداً دون أن أشعر بما أفعل!. :weeping:
وأخذوني إلى مجموعة من الأشخاص الذين بدا عليهم جميعاً الانزعاج، لم ينظر أحدهم إلي برأفة، أو باستفسار، أو بغيرها من النظرات! :mad:
لقد كانوا يرمقونني فقط بتلك النظرة المرعبة وكانت أعينهم تصرخ «هذا هو!!»
أحدهم حرك رقبته يمنة ويسرة، ليعدل «الغترة» في إشارة إلى أهمية ما سيقول! :app:
تحدث الرجل حديثا طويلاً عن الوطنية إلى أن أقنعني بأنني لست وطنياً بما فيه الكفاية، لأن من يحب وطنه لا ينفعل بهذه الطريقة..
والحق يقال يستطيع مثل هؤلاء الأشخاص إقناعك بسهولة فائقة.. :ok2:
لقد أقنعني أحدهم ذات مرة بأنني مجرد نبتة تأكل منها الزواحف حتى أحسست بأن شيئا ما يقضم أذني بالفعل! :cry2:
ثم أخذ -طال عمره- يسألني ولا ينتظر جواباً، وكلما بدأت في الجواب يفاجئني بسؤال آخر :rolleyes2: ، وهكذا هم دائما..إن لديهم القدرة على الاستماع إليك دون أن تتحدث.. :secret:
سكت المتحدث أخيراً، فقلت وقد أجهدت نفسي لأكون واثقاً:
يا -طويل العمر- :polling:
فقال الذي يليني: «إش!» :eek5:
يا لها من كلمة بليغة جداً وذات دلالة عميقة، وهل لي في هذا الموقف الجلل إلا الصمت؟!
نظر إلي كبيرهم، ودعاني بلهجة حازمة: تعال! :anger1:
اقتربت منه فأعطاني ورقة بطولي وقد كُتب في أسفلها «هذا ما جنت يداي ولساني وأبدي عليه أسفي وندمي، وأقبل ما في هذه الورقة من حقائق لا تقبل التفنيد.. وعليه أوقع». :omen2:
وذكر في هذه الورقة تفاصيل ما قمت به من إثارة للأغنام، بل وإرسال «الجاهيات» إلى البائع لاسترداد القليل من قيمة الخروف، وما أثار ضحكي باستغراب هو جملة تصف وقوفي شاهراً ورقة صغيرة، وقد طبع بأسفلها «DECLINED» ، وكأنه حكم من المحكمة بإشهار الإفلاس! :telephone:
ولكن لماذا الاستغراب أصلاً؟! :nop:
فحتى بنوكنا الوطنية أثبتت «دكلانيتها» حتى أتتهم «الفزعة»! :discuss:
وازدادوا (فائدة) وكل ذلك كان من أجل دعم الاقتصاد -الوطني- يا له من أمر مثير للحماسة.. أن تضحي من أجل الوطن واقتصاد الوطن. :nice:
نعم! لقد تأثرت حتى كدت أبكي :weeping: ، بل وهممت بفتح حساب صدقة للبنك المسكين، لولا أنني تذكرت بأن البنك يستوفي ذلك فعلاً من حسابي الجاري ذي اللياقة العالية في الدفع :victory: ، ثم إن البنك سيبقى يفعل ذلك إلى آخر سلالتي إلى أن يشاء الله! :secret:
إنها الوطنية بأسمى معانيها تلك التي تجعل الوطنيين مثلنا لا يأكلون الخراف الوطنية، لأنه لا وجود لها، ولا نستطيع أكل السمك الوطني لأنه لا يكفي! :eek5:
وإن أراد أن يكون أحدنا نباتياً فعليه أن يأكل كامل التراب الوطني، ليعلم أنه ليس خصبا بما فيه الكفاية لإنتاج الخضروات أو حتى صالحاً لزراعة «شمعة» في البر :omg: ، بل وسنكتشف أن التراب الوطني ممنوح للشركات الوطنية :nice: ، ولو أردت قطعة صغيرة من هذا التراب لتسد بها رمقك، فادفع لترضي نهمهم، ولو استطاعوا لباعوا لنا ذلك التراب في «قواطي» بأغلى الأثمان كإثبات للجميع بأن تراب الوطن «مهوب رخيص». :discuss:
وفي هذه الحالة ليس لك إلا أن تشرب من البحر، فهو ليس بأقل وطنية من التراب. :victory:
أو اختصر ذلك كله... وارضخ لرغبة المستورد وكل مما «استوردنا حلالاً طيبا!».. :taunt:
بسعر المناسبة، دينية كانت، أو وطنية، أو بسعر الطقس إن شئت، فالحرارة، والبرودة و»العج» والمطر والضباب، لكلٍ سعره الذي هو بالضرورة يزيد ولا ينقص إلا بالدعم الكبير محدود الصلاحية وقصير الأجل، وعندما يحين الدعم فإن العنوان «حماية المستهلك»، دونما ذكر للتاجر! :victory:
لم يكن أمامي إلا أن أوقع على تلك الورقة مقراً ونادماً، وذهبت أقود خروفي إلى المسلخ فذبحوه وما كادوا يفعلون! :secret:
1000 ريال! كان سعر ذاك الخروف الوافد، وقس على ذلك كل حاجيات البيت، واحتياجات رمضان، وملابس العيد، ومتطلبات المدارس، وأضف عليها 400 % أقساطاً للبنك.
وبعد هذا كله يخبرونك بأن الابتسامة في وجه أخيك صدقة! :omg:
أنصح كل أخ لي في الإسلام ألا يبتسم لي في هذا الوقت، درءاً للعواقب! :anger1:
وما ناصري وعزائي إلا مسلسلات رمضان، فلتبقهم واجمين! :secret:
بقلم : علي بن حمد المري
qatar2006@gmail.com
المصدر العرب الأربعاء الموافق 2-9-2009
http://alarab.com.qa/details.php?docId=95956&issueNo=620&secId=16