المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فيروس الأسهم.. إنفلونزا الاقتصاد



شمعة الحب
01-02-2006, 03:55 PM
فيروس الأسهم.. إنفلونزا الاقتصاد
عبد الله العلمي - 02/01/1427هـ
حافظت سوق الأسهم السعودية على أدائها المتصاعد بداية هذا العام في الوقت الذي سيطرت فيه موجات من الشراء أسهمت في قفزة جديدة وقياسية للمؤشر. إلا أن فيروسات الأسهم ما زالت تهدد اقتصادنا الوطني بكل صفاتها ودرجاتها ومصادرها. فيروس الأسهم الأول كاد ينتشر لولا أن فتحت هيئة السوق المالية أخيرا تحقيقاً للكشف عن احتمال مخالفة نظام السوق بعد تضارب المعلومات عن ارتفاع سهم شركة زراعية بصورة كبيرة. أين هو تضارب المعلومات؟ يبدو أن هناك تعارضا بين تصريحين لرئيس مجلس إدارة الشركة المعنية وارتفاع سعر السهم بصورة كبيرة وأنباء متضاربة عن نية الشركة رفع رأسمالها ودمجها مع شركات أخرى ثم نفي تلك الأنباء مما دعا إلى فتح الملفات.
الفيروس الثاني ثلاثي الأبعاد فقد أصدرت لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية منذ فترة قصيرة قرارات جريئة ضد ثلاثة متداولين في السوق المالية وتغريمهم ما يفوق 169 مليون ريال ومنعتهم من العمل في الشركات المدرجة في السوق أو عضوية مجالس إداراتها لمدة ثلاث سنوات. أما تهمة الثلاثي المرح فهي ثبوت مخالفتهم المادة 49 من نظام السوق المالية. المادة المعنية تنص على أنه "يعد مخالفا لأحكام النظام أي شخص يقوم عمدا بعمل أو يشارك في أي إجراء يوجد انطباعا غير صحيح أو مضللا بشأن السوق أو الأسعار أو قيمة أي ورقة مالية بقصد إيجاد ذلك الانطباع أو لحث الآخرين على الشراء أو البيع أو الاكتتاب في تلك الورقة أو الإحجام عن ذلك...". ولكن يبدو أن المُدَعَى عليهم اختاروا اللجوء للتسوية لتجنب أعباء الترافع وما يستهلكه من وقت وجهد ومال و"سمعة"، وتفاوضوا للحصول على تسوية ترضي "جميع الأطراف". لم أكن أعلم أن من يَتَعَمد مخالفة أحكام نظام السوق المالية والمتهم في قضايا فساد من هذا الحجم بإمكانه "التفاوض" للتوصل إلى "تسوية". لكني لن أخوض هنا في أسباب التفاوض أو عما إذا كان التفاوض قد تم لتأمين غطاء خلفي رباعي الدفع لأسماك أكبر حجماً. إضافة إلى ذلك، لم يُعلن عن هؤلاء الأشاوس الثلاثة وما الجرم المُضَلِلْ المُتَعَمدْ الذي يبدو أنهم عوقبوا عليه؟
الفيروس الثالث مواطن برتبة محتال محترف استطاع أن يقنع ضحاياه بالمساهمة في مؤسسة وهمية لتوظيف أموالهم وأنه سيقوم باستثمارها في الأسهم المحلية لجني "الأرباح الكثيرة". تهافت المساكين، ولن أقول الأغبياء، وقدموا له مبالغ كبيرة بكرمٍ وعطاء على أن يودع الأرباح في حساباتهم. التزم بوعده معهم لمدة شهرين بتسليم أرباحهم ثم أصبح يماطل بدعوى أن بعض الشركات جمدت أمواله وادعى بأنه سيرد حقوق المساهمين قريباً، وفجأة خرج ولم يعد. الفيروس الرابع خلية مكونة من 30 شخصا في منطقة عسير صفتهم المهنية أصحاب شركات ومؤسسات تمارس ما يسمى بـ (توظيف الأموال). استدعت لجنة رسمية تضم الإمارة وفرع وزارة التجارة وشرطة منطقة عسير هذه الخلية للتحقيق معهم. فهل أتيحت لهؤلاء الأفراد أيضاً الفرصة "للتفاوض" والتوصل إلى "تسوية" ترضي "كل الأطراف"؟ الفيروس الخامس أيضاً من ربوع عسير السياحية وهو أحد كبار هوامير الجنوب ممن تحول رصيدهم بين ليلة وضحاها إلى الملايين وارتقى باستثماراته الوهمية من نقطة اللاشيء إلى مرحلة كل شيء. هل "فاوض" هذا الهامور أيضاً وتوصل إلى "تسوية" أم أنه لاذ بالفرار ومعه الجمل وما حمل؟
هل يكفي إصدار الأنظمة التشريعية وتعديلها وتطوير المبادئ القانونية للمحافظة على حقوق المواطن ومكتسباته؟ هل يكفي الإعلان عن الإصلاحات التنظيمية في مجال الاستثمار ومكافحة غسل الأموال وسن المخالفات المادية واستحداث الإجراءات لمكافحة الفساد؟ نريد تطبيق هذه القوانين والأنظمة للقضاء على ظاهرة فيروسات الأسهم والتلاعب بالسوق وما تنطوي عليه من احتيال وغش وتدليس، والعمل على تحقيق العدالة والشفافية في معاملات الأوراق المالية. ولكن ذلك لن يتأتى عبر "المفاوضات الجانبية"، بل عن طريق محاسبة كل من يتلاعب بالأنظمة وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بأمور المواطن المعيشية اليومية. يقول لي كوان يو في كتابه "من العالم الثالث إلى الأول" إن ما يميز الأزمة الاقتصادية في شرق آسيا هو الثقافة والقيم الاجتماعية, حيث عزا النقاد الغربيون هذه الأزمة إلى "القيم الآسيوية" التي تتمثل في محاباة الأقارب والأصدقاء والمحسوبية والفساد.