إنتعاش
04-10-2009, 01:30 PM
لا يمكن الحكم على عافية أي مجتمع من خلال مؤشرات الدخل القومي وحدها، حتى حين يضاف إليها ما يطلق عليها مقاييس السعادة. ويستحق الأمر القضاء على مظالم محددة على أساس تدريجي، حتى لو كان من المستحيل بناء مجتمع عادل بشكل مثالي، أو حتى الاتفاق على ما يمكن أن يبدو عليه مثل ذلك المجتمع. وربما يبدو هذان الأمران واضحان بشكل يعمي البصر، لكنهما يناقضان جانباً كبيراً من الفلسفة السياسية الحديثة وكذلك الاقتصاد الأكاديمي.
تبدو هذه بالنسبة لي الرسالة المحورية لكتاب ''فكرة العدالة'' The Idea of Justice الذي ألفه عالم الاقتصاد والفيلسوف حائز جائزة نوبل، أمارتيا سين. واعتاد تقليد الفلسفة السياسية الإنجليزية أن يكون منفعياً بشكل راسخ. وبصراحة، كان يحكم على حالة الشؤون العامة بحسب معيار السعادة. وحين تحدث جون ستيوارت ميل، فيلسوف مذهب النفعية، عن المسرات الأعلى والأدنى درجة، لم يكن متسقاً مع مذهبه الخاص هذا. وحسبما يقول بيت الشعر الساخر القديم:
جون ستيوارت ميل
بواسطة إرادته القوية
تغلب على وداعته الطبيعية
وكتب ''مبادئ الاقتصاد السياسي''
جاء أول ابتعاد عن مبادئ المدرسة التحليلية الإنجليزية من جانب الفيلسوف جي إي مور وتلميذه جون ماينارد إم كينز، الذي كان يعتقد أن هدف النشاط العام تعظيم مقدار الخير في العالم. وتم تحديد الخير بدوره بحسب ملذات التفاعل البشري والاستمتاع بالأشياء الجميلة. وربما يبدو هذا بعيدا للغاية عن مبدأ تحسين ''الهيكل المالي الدولي''، الذي أمضى كينز جانباً كبيراً من الوقت في البحث فيه، لكنه كان يعتقد أن التقدم الاقتصادي المعتدل والثابت يمكن أن يؤدي إلى مساهمة غير مباشرة.
يرفض العديد من الفلاسفة السياسيين المعاصرين مبدأ المنفعة و''الخير'' ويفضلون الحديث عن ''العدالة''. وهذا استخدام لا يروقني كثيراً. فالعدالة في المقام الأول هي صفة مرغوبة في أي نظام قانوني. ويمكن تمديدها لتشمل بشكل تناظري حالات أخرى حين يتعين إصدار حكم قضائي. والمثال المشهور على ذلك هو امرأة تقوم بتقسيم كعكة بحيث يفترض أن تكون الحصص متساوية، لكن يتم تعديلها بحسب حجم ودرجة الجوع لكل طفل محدد. ومضى الاستخدام الآن إلى أبعد بكثير من ذلك، إذ يتم استخدام مصطلح العدالة من قبل بعض الفلاسفة السياسيين من أجل التقييم الأخلاقي للحالة الكلية للمجتمع. وما يعنيه في حقيقة الأمر هو أمر يشبه التقسيم المتساوي للأشياء الجيدة في الحياة. لكنني شخصياً أفضل تفادي المجادلة حول معنى الكلمات. والنظرية المعاصرة المشهورة على نحو أكثر، المتعلقة بالعدالة السياسية، هي نظرية جون راولز، فيلسوف هارفارد الراحل.
اخترع راولز فكرة ''قناع الجهل''، وفيه يسأل الأشخاص أنفسهم ما هو هيكل المجتمع الذي يوافقون عليه إذا لم تكن لديهم فكرة عن مركزهم فيه. وبعدئذ قدم المبادئ التي تخيل أنها ستظهر من مثل ذلك التفكير. وأكثر تلك المبادئ شهرة، رغم أنه ليس الأهم، هو مبدأ ''القاسم المشترك الأعلى'' – أي أن عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية يجب أن يكون لمنفعة ''الأفراد الأقل حظاً في المجتمع''. وهناك في واقع الأمر حجة كبيرة بشأن ما إذا كانت هذه المقترحات ستظهر فعلياً من خلف الستار.
لا فائدة من قيام السياسيين الواقعيين الذين يتفاخرون بأنهم لم يسمعوا على الإطلاق بهذه المناقشة، لأن العديد من مستشاريهم سبق وأن سمع بها. فهم يفعلون ذلك على نحو خاطئ، لأنه ليس المقصود من هذه المبادئ هو تطبيقها على السياسة بشكل مباشر، وإنما إدارة المؤسسات المركزية في المجتمع، مثل الدستور السياسي، والقوانين الأساسية، وما إلى ذلك. وهي تنتمي إلى ما يطلق عليه سين مركز ''ما وراء نطاق المعرفة البشرية'' المنبعث من إيمانويل كانط، الفيلسوف الألماني في القرن الثامن عشر، المعني فقط بشكل المجتمع المثالي.
يدعم سين من ناحية أخرى الإزالة التدريجية لمظالم معينة في غياب أي مجتمع مثالي. لذا، على الرغم من أنه لم يقل ذلك تماماً، إلا أنهمخأ يدعم أولئك الاقتصاديين التطبيقيين والقانونيين ممن يحاولون تطبيق مبادئ راولز على أساس تدريجي. ويشترك الكاتبان في التأكيد على أن حريات الاختيار والفرصة، الأساسيتان، في غاية الأهمية وليس فقط الدخل أو ''السعادة''.
وأنا شخصياً أوصي بسعادة بقراءة الكتاب الجديد لسين، الذي تتم قراءته بشكل انتقائي من جانب أولئك المعنيين بشكل رئيسي بالسياسة والاقتصاد ويتحركون سريعاً من المقدمة إلى الفصول النهائية. أما أولئك الذين يريدون معرفة الفلسفة السياسية المعاصرة فعليهم أن يعودوا أدراجهم.
لسوء الحظ لا يمكنني مهما حاولت، أن أفهم معيار سين لتمديد ''القدرات''. وأعرف أن العديد من اقتصاديي التنمية وجدوا ذلك مفيداً. لكن يبدو لي أنه يدمج القدرات الشخصية مع الوسائل المادية. وليست لدي القدرة البدنية على اجتياز القنال الإنجليزي سباحة، لكن حتى لو كنت أستطيع، فربما لن يكون باستطاعتي تحمل تكاليف التدريب والبنية التحتية من القوارب التي تدعمني. ولا يمكنني أن أرى ميزة وضع الفكرتين معاً. لكن الأمر ليس مهماً. فكتاب سين برمته عبارة عن عدد وافر من النصائح البشرية المنطقية الممزوجة بالرؤية التحليلية، وأكثر حكمة بكثير من أولئك المفكرين ممن يحاولون اشتقاق جميع توصياتهم من قيمة متجاوزة مشكوك فيها في العادة.
الاقتصادية ـ صمويل بريتان
تبدو هذه بالنسبة لي الرسالة المحورية لكتاب ''فكرة العدالة'' The Idea of Justice الذي ألفه عالم الاقتصاد والفيلسوف حائز جائزة نوبل، أمارتيا سين. واعتاد تقليد الفلسفة السياسية الإنجليزية أن يكون منفعياً بشكل راسخ. وبصراحة، كان يحكم على حالة الشؤون العامة بحسب معيار السعادة. وحين تحدث جون ستيوارت ميل، فيلسوف مذهب النفعية، عن المسرات الأعلى والأدنى درجة، لم يكن متسقاً مع مذهبه الخاص هذا. وحسبما يقول بيت الشعر الساخر القديم:
جون ستيوارت ميل
بواسطة إرادته القوية
تغلب على وداعته الطبيعية
وكتب ''مبادئ الاقتصاد السياسي''
جاء أول ابتعاد عن مبادئ المدرسة التحليلية الإنجليزية من جانب الفيلسوف جي إي مور وتلميذه جون ماينارد إم كينز، الذي كان يعتقد أن هدف النشاط العام تعظيم مقدار الخير في العالم. وتم تحديد الخير بدوره بحسب ملذات التفاعل البشري والاستمتاع بالأشياء الجميلة. وربما يبدو هذا بعيدا للغاية عن مبدأ تحسين ''الهيكل المالي الدولي''، الذي أمضى كينز جانباً كبيراً من الوقت في البحث فيه، لكنه كان يعتقد أن التقدم الاقتصادي المعتدل والثابت يمكن أن يؤدي إلى مساهمة غير مباشرة.
يرفض العديد من الفلاسفة السياسيين المعاصرين مبدأ المنفعة و''الخير'' ويفضلون الحديث عن ''العدالة''. وهذا استخدام لا يروقني كثيراً. فالعدالة في المقام الأول هي صفة مرغوبة في أي نظام قانوني. ويمكن تمديدها لتشمل بشكل تناظري حالات أخرى حين يتعين إصدار حكم قضائي. والمثال المشهور على ذلك هو امرأة تقوم بتقسيم كعكة بحيث يفترض أن تكون الحصص متساوية، لكن يتم تعديلها بحسب حجم ودرجة الجوع لكل طفل محدد. ومضى الاستخدام الآن إلى أبعد بكثير من ذلك، إذ يتم استخدام مصطلح العدالة من قبل بعض الفلاسفة السياسيين من أجل التقييم الأخلاقي للحالة الكلية للمجتمع. وما يعنيه في حقيقة الأمر هو أمر يشبه التقسيم المتساوي للأشياء الجيدة في الحياة. لكنني شخصياً أفضل تفادي المجادلة حول معنى الكلمات. والنظرية المعاصرة المشهورة على نحو أكثر، المتعلقة بالعدالة السياسية، هي نظرية جون راولز، فيلسوف هارفارد الراحل.
اخترع راولز فكرة ''قناع الجهل''، وفيه يسأل الأشخاص أنفسهم ما هو هيكل المجتمع الذي يوافقون عليه إذا لم تكن لديهم فكرة عن مركزهم فيه. وبعدئذ قدم المبادئ التي تخيل أنها ستظهر من مثل ذلك التفكير. وأكثر تلك المبادئ شهرة، رغم أنه ليس الأهم، هو مبدأ ''القاسم المشترك الأعلى'' – أي أن عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية يجب أن يكون لمنفعة ''الأفراد الأقل حظاً في المجتمع''. وهناك في واقع الأمر حجة كبيرة بشأن ما إذا كانت هذه المقترحات ستظهر فعلياً من خلف الستار.
لا فائدة من قيام السياسيين الواقعيين الذين يتفاخرون بأنهم لم يسمعوا على الإطلاق بهذه المناقشة، لأن العديد من مستشاريهم سبق وأن سمع بها. فهم يفعلون ذلك على نحو خاطئ، لأنه ليس المقصود من هذه المبادئ هو تطبيقها على السياسة بشكل مباشر، وإنما إدارة المؤسسات المركزية في المجتمع، مثل الدستور السياسي، والقوانين الأساسية، وما إلى ذلك. وهي تنتمي إلى ما يطلق عليه سين مركز ''ما وراء نطاق المعرفة البشرية'' المنبعث من إيمانويل كانط، الفيلسوف الألماني في القرن الثامن عشر، المعني فقط بشكل المجتمع المثالي.
يدعم سين من ناحية أخرى الإزالة التدريجية لمظالم معينة في غياب أي مجتمع مثالي. لذا، على الرغم من أنه لم يقل ذلك تماماً، إلا أنهمخأ يدعم أولئك الاقتصاديين التطبيقيين والقانونيين ممن يحاولون تطبيق مبادئ راولز على أساس تدريجي. ويشترك الكاتبان في التأكيد على أن حريات الاختيار والفرصة، الأساسيتان، في غاية الأهمية وليس فقط الدخل أو ''السعادة''.
وأنا شخصياً أوصي بسعادة بقراءة الكتاب الجديد لسين، الذي تتم قراءته بشكل انتقائي من جانب أولئك المعنيين بشكل رئيسي بالسياسة والاقتصاد ويتحركون سريعاً من المقدمة إلى الفصول النهائية. أما أولئك الذين يريدون معرفة الفلسفة السياسية المعاصرة فعليهم أن يعودوا أدراجهم.
لسوء الحظ لا يمكنني مهما حاولت، أن أفهم معيار سين لتمديد ''القدرات''. وأعرف أن العديد من اقتصاديي التنمية وجدوا ذلك مفيداً. لكن يبدو لي أنه يدمج القدرات الشخصية مع الوسائل المادية. وليست لدي القدرة البدنية على اجتياز القنال الإنجليزي سباحة، لكن حتى لو كنت أستطيع، فربما لن يكون باستطاعتي تحمل تكاليف التدريب والبنية التحتية من القوارب التي تدعمني. ولا يمكنني أن أرى ميزة وضع الفكرتين معاً. لكن الأمر ليس مهماً. فكتاب سين برمته عبارة عن عدد وافر من النصائح البشرية المنطقية الممزوجة بالرؤية التحليلية، وأكثر حكمة بكثير من أولئك المفكرين ممن يحاولون اشتقاق جميع توصياتهم من قيمة متجاوزة مشكوك فيها في العادة.
الاقتصادية ـ صمويل بريتان