عابر سبيل
06-10-2009, 11:42 AM
لقد اصبح للاعلام دور هام و بارز و مؤثر في حياتنا...
الاعلام بشتى انواعه وصوره...المرئي و المسموع..
او حتى الدعايات الاعلانية كما ينبهنا صاحب هذه الخطبة المكية!
و من هذا المنحى..وجدنا ان الاهتمام به و بقضاياه
تاخذ بفكر كل عاقل..
و من هو لصلاح و خير
نفسه و مجتمعه متأمل و ناظر..
و قد وصل ذلك حتى الى منبر الحرم المكي الشريف..
وكنت قد طرحت من قبل خطبة جمعه للشيخ سعود الشريم
متكلما فيها - الشيخ- عن حب الظهور و آثاره
بالذات على اهل الاعلام..
و هي على هذا الرابط لمن احب الاطلاع عليها..
http://www.qatarshares.com/vb/showthread.php?t=302864
و اليوم هنا..خطبة اخرى...لا استطيع اقتطاع اجزاء منها او اختصارها
لكن الفوائد و التنبيهات فيها عظيمة و جليلة..
اسأل الله ان ينتفع منها..الاعلاميين او غيرهم...
فللكل..في لُبّها فائدة باذن الله..
الخطبة للشيخ الجهبذ/صالح بن عبدالله بن حميد...
عالم ابن عالم...هو و اباه غنيان عن التعريف:
و قد القاها في 7 رمضان من هذاالعام 1430 هـ..
و اليكم منعا للاطالة نص الخطبة:
"
الخطبة الأولى :
الحمد لله .. الحمد لله جعل الصوم حصنًا لأهل الإيمان وجُنة .. أحمده - سبحانه - وأشكره .. امتن على عباده بمواسم الخيرات فأعظم المنة ورد عنهم كيد الشيطان وخيب ظنه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تقود إلى رضوانه والجنة .. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله المبعوث للثقلين - الإنس والجن - صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهج الكتاب والسنة ، وسلم تسليمًا كثيراً .
أما بعد ، فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله - عز وجل - فاتقوا الله - رحمكم الله - : وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (البقرة:281( .. فالعجب كل العجب من مؤملٍ في الدنيا والموت يطلبه وغافلٍ يركن إلى طول الأمل مع يقينه بحلول الأجل .. يحتمي من الطعام مخافة الداء ولا يحتمي من الذنب مخافة البلاء ، والمؤمن أشد الناس وجلاً وأحسنهم عملا .. فكلما ازداد صلاحًا وبرًّا ازداد لله خشيةً وخوفًا : إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ *وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ *وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ *وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ *أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (57 -61 سورة المؤمنون).
أيها المسلمون : شهر رمضان المبارك المعظم ينتظره المسلم يأمل فيه الرحمة والمغفرة والعتق من النار .. تقبل الله منا ومنكم ورد علينا كل غائب وفك كل أسير وشفى كل مريض ، وكتب الرحمة والغفران لمن عاجله أجله فلم يبلغ هذا الشهر وغفر لجميع موتى المسلمين .. هنيئًا لمن عقد العزم في هذا الشهر الكريم ليحاسب نفسه ويري الله من نفسه خيرا .
أيها المسلمون : يتجلى في هذا الشهر الكريم استعداد المسلم للتغيير وقبول التغيير والتفاعل مع التغيير وإدراك فقه التغيير ، كما يتجلى من حكم هذا الشهر وأسرار الصيام أن التغيير لا يأتي من خارج النفس بل من داخلها وصميم إرادتها : إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ... (11 سورة الرعد)
نعم ياعباد الله .. تغير ما بالنفس ليس بالأماني وبالوعود ولكنه فعلٌ وحركةٌ في الأقوال والأفعال والأحوال والعلاقات مع النفس والأهل والجيران والإخوان والقريب والغريب .. وإن مما يستدعي التوقف - معاشر المسلمين - والتأمل في هذا الشهر الكريم والحديث عن التغيير وضبط الإرادة ما تميز به هذا العصر من سرعة التغير وسهول التواصل وسرعة الاتصال ، ويأتي في مقدمة ذلك ما يتداوله الناس من مصطلحات الانفتاح وحرية الفكر والحرية الشخصية ، وهي مصطلحاتٌ لها دلالتها المقبول منها وغير المقبول .. فالحياة والمسلمون في شهر الصوم ليست مجرد متعٍ وغرائز وشهواتٍ منفلتة ، والحرية الشخصية لا تعني استباحة المحرمات والإقدام على ممارسة النزوات والمحرم من الشهوات .. حرية الفكر والإعلام والانفتاح لا تعني عدم المحاسبة أو التهاون في حراسة الفضيلة وحماية الأخلاق ، ولا تعني الجرأة على المعاصي والوقوع في حمأة الرذائل والانحلال ، يتولى كبر ذلك قنواتٌ وبرامج ووسائل مكتوبةٌ ومسموعةٌ ومشاهدة تتعمد اصطناع موضوعات وبرامج مثيرة تحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا وتقصِر الناس على قبول المجون وتنخر في صميم العقائد والأصول والثوابت .. تركيز على الجوانب السيئة والصور المظلمة لتلتقط شواذه وتخرج على الأصول والقيم .. حملٌ للناس على أن يألفوا المنكرات وإفساد لمعنى الحرية والانفتاح والحرية الشخصية وعبثٌ بدلالتها .
وإن من أبرز ما اقترفته هذه الوسائل نشر أخبار المجون وأنباء الخلاعة وتحويل الأحداث الفردية والمسالك الشخصية وكأنها ظواهر اجتماعية .. إنها في حقيقتها .. إن هذا السلوك في هذه البرامج إنه في حقيقته ومآلاته مجاهرةٌ بالمعاصي وإعلانٌ بالفحشاء ، وقد علمتم وعلموا أن المجاهرة تمزيقٌ لأستار الستر ومبارزةٌ لله بالمعاصي .. المجاهرة شذوذٌ في السلوك مع قلة ورع وضعف وازع من الدين والخلق .. المجاهرة لا يقف ضررها عند حدود مرتكبها .. فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : " كل أمتي معافى إلا المجاهرون ، ومن المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا ثم يصبح وقد ستره الله عليه .. فيقول : يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عليه " متفق عليه . قال أهل العلم : دل الحديث على أن من استتر بستر الله - تعالى - عافاه الله من الفضيحة بستره وهو معافى في رجاء التوبة والمغفرة من الرب الرحيم ، أما من كشف نفسه وفضح ستره فهو غير معافى ؛ فقد اجتمع عليه ذنبان : ارتكاب المعصية وذنب المجاهرة بها .. وفي الحديث الآخر : " اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها ؛ فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله فكل الأمة معافى إلا أهل الإجهار " .
في المجاهرة يا عباد الله في المجاهرة مبارزة ومعاندة وكأن حال صاحبها وحال ناشرها وحال الساكت عليها وحال الراضي بنشرها كأن لسان حال هؤلاء جميعا يقول : ربنا نعلم أنك تعلم حالنا وترى مكاننا وتسمع كلامنا ومطلع على أفعالنا وأنت الشاهد على صنيعنا .. ولكننا نعصيك ونعلن مخالفتك أمام خلقك ونجاهر بعصيانك ؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله .
معاشر المسلمين معاشر الصائمين والقائمين في المجاهرة دعوة إلى الوقوع في المعاصي وانغماس الغافلين في أوحالها ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً.
في المجاهرة يستمرئ الناس الأفعال القبيحة والمسالك الرديئة مما قد يقود أو يجرئ على استباحتها واستحلالها ، ولو لاحظ الملاحظ بعض القنوات والكتابات والتأويلات لأدرك عظم الأمر وشناعته مما يقود إلى تهديد العقائد والأخلاق وهدم المروءات ، بل يُخشى الخروج من الدين إذا كان خوضا أو تهوينا لما علم تحريمه من الدين بالضرورة من الخمر والزنا واللواط وأكل الربا ونحوها من أمهات المحرمات والكبائر .. أجارنا الله وإياكم من سخطه وأليم عقابه .
بالمجاهرة يتعاظم سر الفساد فيجرف البر والفاجر ويتجرأ أهل الفساد على اقتراف المنكرات ويعلنون بها وتألفها الناشئة وتتربى عليها الأجيال - عياذا بالله - فيصلون إلى أن لا يعرفوا معروفا ولا ينكروا منكرا فينسلخ من القلوب استقباح المعاصي ، وتتحول المجاهرة إلى تلذذ ومفاخرة ؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله .
عباد الله : من أجل ذلك كله فيجب أخذ المبادرة لحماية المجتمع والشبيبة من هجمات شرسة تقودها بعضٌ من وسائل إعلام آثمة وقنواتٍ مأجورة .. ومع شديد الأسف فإن الإعلام والإعلان يقومان بوظائف مكروهة في المجاهرة والترويج للمحرمات والتهوين من شأن الموبقات .. لا بد من وضع خطة إعلامية تربوية للتوعية والتوجيه وتعزيز دور الأسرة والمؤسسات التربوية ووضع معايير وضوابط للنشر والبث وتسويق المواد الإعلامية وإنتاجها واستيرادها ، كما يجب إعزاز دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاحتساب .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25 سورة الأنفال)
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله .. الحمد لله جعل العمل الصالح سببًا موصلا لدار النعيم .. أحمده - سبحانه - على سوابق إنعامه وفضله العميم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو البر الرحيم ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله ذا الشرف الأسنى والخلق الكريم ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أزكى صلاةً وأشرف تسليم ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على النهج الكريم .
أما بعد ، فيا عباد الله : إن الجميع مسئولون المنفذ والمخطط والمدبر والمستفيد والراضي والفاعل ، وليس عسيرا على مسئولي الأمة وأصحاب القرار فيها أن يضعوا شروطا ومواثيق ومعايير وضوابط لمن يريد أن يستخدم فضاء الأمة وسماءها وأثيرها وصحفها ومطبوعاتها .. معايير قوامها الانضباط الأخلاقي والالتزام الديني حتى لا يكون الحمى مستباحًا لإثارة الغرائز وبث المجون وإفساد العقائد وبث الفرقة والإخلال بالأمن - صوتًا وكلمةً وصورةً - فعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - يقول : " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : "إن الناس إذا رأوا المنكر لا يغيرنه أوشك أن يعمهم الله بعقاب " .. ألا فاتقوا الله - رحمكم الله - فما أعلن قوم التجرؤ على معاصي الله إلا عاجلهم الله بعقوبة .
******************
خاتمة الخطبة و المصدر هو :
http://gate.gph.gov.sa/index.cfm?do=cms.AudioDetails&audioid=37686&audiotype=khutbah&browseby=khateebaudio
]
الاعلام بشتى انواعه وصوره...المرئي و المسموع..
او حتى الدعايات الاعلانية كما ينبهنا صاحب هذه الخطبة المكية!
و من هذا المنحى..وجدنا ان الاهتمام به و بقضاياه
تاخذ بفكر كل عاقل..
و من هو لصلاح و خير
نفسه و مجتمعه متأمل و ناظر..
و قد وصل ذلك حتى الى منبر الحرم المكي الشريف..
وكنت قد طرحت من قبل خطبة جمعه للشيخ سعود الشريم
متكلما فيها - الشيخ- عن حب الظهور و آثاره
بالذات على اهل الاعلام..
و هي على هذا الرابط لمن احب الاطلاع عليها..
http://www.qatarshares.com/vb/showthread.php?t=302864
و اليوم هنا..خطبة اخرى...لا استطيع اقتطاع اجزاء منها او اختصارها
لكن الفوائد و التنبيهات فيها عظيمة و جليلة..
اسأل الله ان ينتفع منها..الاعلاميين او غيرهم...
فللكل..في لُبّها فائدة باذن الله..
الخطبة للشيخ الجهبذ/صالح بن عبدالله بن حميد...
عالم ابن عالم...هو و اباه غنيان عن التعريف:
و قد القاها في 7 رمضان من هذاالعام 1430 هـ..
و اليكم منعا للاطالة نص الخطبة:
"
الخطبة الأولى :
الحمد لله .. الحمد لله جعل الصوم حصنًا لأهل الإيمان وجُنة .. أحمده - سبحانه - وأشكره .. امتن على عباده بمواسم الخيرات فأعظم المنة ورد عنهم كيد الشيطان وخيب ظنه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تقود إلى رضوانه والجنة .. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله المبعوث للثقلين - الإنس والجن - صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهج الكتاب والسنة ، وسلم تسليمًا كثيراً .
أما بعد ، فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله - عز وجل - فاتقوا الله - رحمكم الله - : وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (البقرة:281( .. فالعجب كل العجب من مؤملٍ في الدنيا والموت يطلبه وغافلٍ يركن إلى طول الأمل مع يقينه بحلول الأجل .. يحتمي من الطعام مخافة الداء ولا يحتمي من الذنب مخافة البلاء ، والمؤمن أشد الناس وجلاً وأحسنهم عملا .. فكلما ازداد صلاحًا وبرًّا ازداد لله خشيةً وخوفًا : إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ *وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ *وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ *وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ *أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (57 -61 سورة المؤمنون).
أيها المسلمون : شهر رمضان المبارك المعظم ينتظره المسلم يأمل فيه الرحمة والمغفرة والعتق من النار .. تقبل الله منا ومنكم ورد علينا كل غائب وفك كل أسير وشفى كل مريض ، وكتب الرحمة والغفران لمن عاجله أجله فلم يبلغ هذا الشهر وغفر لجميع موتى المسلمين .. هنيئًا لمن عقد العزم في هذا الشهر الكريم ليحاسب نفسه ويري الله من نفسه خيرا .
أيها المسلمون : يتجلى في هذا الشهر الكريم استعداد المسلم للتغيير وقبول التغيير والتفاعل مع التغيير وإدراك فقه التغيير ، كما يتجلى من حكم هذا الشهر وأسرار الصيام أن التغيير لا يأتي من خارج النفس بل من داخلها وصميم إرادتها : إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ... (11 سورة الرعد)
نعم ياعباد الله .. تغير ما بالنفس ليس بالأماني وبالوعود ولكنه فعلٌ وحركةٌ في الأقوال والأفعال والأحوال والعلاقات مع النفس والأهل والجيران والإخوان والقريب والغريب .. وإن مما يستدعي التوقف - معاشر المسلمين - والتأمل في هذا الشهر الكريم والحديث عن التغيير وضبط الإرادة ما تميز به هذا العصر من سرعة التغير وسهول التواصل وسرعة الاتصال ، ويأتي في مقدمة ذلك ما يتداوله الناس من مصطلحات الانفتاح وحرية الفكر والحرية الشخصية ، وهي مصطلحاتٌ لها دلالتها المقبول منها وغير المقبول .. فالحياة والمسلمون في شهر الصوم ليست مجرد متعٍ وغرائز وشهواتٍ منفلتة ، والحرية الشخصية لا تعني استباحة المحرمات والإقدام على ممارسة النزوات والمحرم من الشهوات .. حرية الفكر والإعلام والانفتاح لا تعني عدم المحاسبة أو التهاون في حراسة الفضيلة وحماية الأخلاق ، ولا تعني الجرأة على المعاصي والوقوع في حمأة الرذائل والانحلال ، يتولى كبر ذلك قنواتٌ وبرامج ووسائل مكتوبةٌ ومسموعةٌ ومشاهدة تتعمد اصطناع موضوعات وبرامج مثيرة تحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا وتقصِر الناس على قبول المجون وتنخر في صميم العقائد والأصول والثوابت .. تركيز على الجوانب السيئة والصور المظلمة لتلتقط شواذه وتخرج على الأصول والقيم .. حملٌ للناس على أن يألفوا المنكرات وإفساد لمعنى الحرية والانفتاح والحرية الشخصية وعبثٌ بدلالتها .
وإن من أبرز ما اقترفته هذه الوسائل نشر أخبار المجون وأنباء الخلاعة وتحويل الأحداث الفردية والمسالك الشخصية وكأنها ظواهر اجتماعية .. إنها في حقيقتها .. إن هذا السلوك في هذه البرامج إنه في حقيقته ومآلاته مجاهرةٌ بالمعاصي وإعلانٌ بالفحشاء ، وقد علمتم وعلموا أن المجاهرة تمزيقٌ لأستار الستر ومبارزةٌ لله بالمعاصي .. المجاهرة شذوذٌ في السلوك مع قلة ورع وضعف وازع من الدين والخلق .. المجاهرة لا يقف ضررها عند حدود مرتكبها .. فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : " كل أمتي معافى إلا المجاهرون ، ومن المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا ثم يصبح وقد ستره الله عليه .. فيقول : يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عليه " متفق عليه . قال أهل العلم : دل الحديث على أن من استتر بستر الله - تعالى - عافاه الله من الفضيحة بستره وهو معافى في رجاء التوبة والمغفرة من الرب الرحيم ، أما من كشف نفسه وفضح ستره فهو غير معافى ؛ فقد اجتمع عليه ذنبان : ارتكاب المعصية وذنب المجاهرة بها .. وفي الحديث الآخر : " اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها ؛ فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله فكل الأمة معافى إلا أهل الإجهار " .
في المجاهرة يا عباد الله في المجاهرة مبارزة ومعاندة وكأن حال صاحبها وحال ناشرها وحال الساكت عليها وحال الراضي بنشرها كأن لسان حال هؤلاء جميعا يقول : ربنا نعلم أنك تعلم حالنا وترى مكاننا وتسمع كلامنا ومطلع على أفعالنا وأنت الشاهد على صنيعنا .. ولكننا نعصيك ونعلن مخالفتك أمام خلقك ونجاهر بعصيانك ؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله .
معاشر المسلمين معاشر الصائمين والقائمين في المجاهرة دعوة إلى الوقوع في المعاصي وانغماس الغافلين في أوحالها ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً.
في المجاهرة يستمرئ الناس الأفعال القبيحة والمسالك الرديئة مما قد يقود أو يجرئ على استباحتها واستحلالها ، ولو لاحظ الملاحظ بعض القنوات والكتابات والتأويلات لأدرك عظم الأمر وشناعته مما يقود إلى تهديد العقائد والأخلاق وهدم المروءات ، بل يُخشى الخروج من الدين إذا كان خوضا أو تهوينا لما علم تحريمه من الدين بالضرورة من الخمر والزنا واللواط وأكل الربا ونحوها من أمهات المحرمات والكبائر .. أجارنا الله وإياكم من سخطه وأليم عقابه .
بالمجاهرة يتعاظم سر الفساد فيجرف البر والفاجر ويتجرأ أهل الفساد على اقتراف المنكرات ويعلنون بها وتألفها الناشئة وتتربى عليها الأجيال - عياذا بالله - فيصلون إلى أن لا يعرفوا معروفا ولا ينكروا منكرا فينسلخ من القلوب استقباح المعاصي ، وتتحول المجاهرة إلى تلذذ ومفاخرة ؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله .
عباد الله : من أجل ذلك كله فيجب أخذ المبادرة لحماية المجتمع والشبيبة من هجمات شرسة تقودها بعضٌ من وسائل إعلام آثمة وقنواتٍ مأجورة .. ومع شديد الأسف فإن الإعلام والإعلان يقومان بوظائف مكروهة في المجاهرة والترويج للمحرمات والتهوين من شأن الموبقات .. لا بد من وضع خطة إعلامية تربوية للتوعية والتوجيه وتعزيز دور الأسرة والمؤسسات التربوية ووضع معايير وضوابط للنشر والبث وتسويق المواد الإعلامية وإنتاجها واستيرادها ، كما يجب إعزاز دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاحتساب .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25 سورة الأنفال)
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله .. الحمد لله جعل العمل الصالح سببًا موصلا لدار النعيم .. أحمده - سبحانه - على سوابق إنعامه وفضله العميم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو البر الرحيم ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله ذا الشرف الأسنى والخلق الكريم ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أزكى صلاةً وأشرف تسليم ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على النهج الكريم .
أما بعد ، فيا عباد الله : إن الجميع مسئولون المنفذ والمخطط والمدبر والمستفيد والراضي والفاعل ، وليس عسيرا على مسئولي الأمة وأصحاب القرار فيها أن يضعوا شروطا ومواثيق ومعايير وضوابط لمن يريد أن يستخدم فضاء الأمة وسماءها وأثيرها وصحفها ومطبوعاتها .. معايير قوامها الانضباط الأخلاقي والالتزام الديني حتى لا يكون الحمى مستباحًا لإثارة الغرائز وبث المجون وإفساد العقائد وبث الفرقة والإخلال بالأمن - صوتًا وكلمةً وصورةً - فعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - يقول : " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : "إن الناس إذا رأوا المنكر لا يغيرنه أوشك أن يعمهم الله بعقاب " .. ألا فاتقوا الله - رحمكم الله - فما أعلن قوم التجرؤ على معاصي الله إلا عاجلهم الله بعقوبة .
******************
خاتمة الخطبة و المصدر هو :
http://gate.gph.gov.sa/index.cfm?do=cms.AudioDetails&audioid=37686&audiotype=khutbah&browseby=khateebaudio
]