المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رجلُ من غضب !



محمد السالم
20-10-2009, 10:56 AM
رواية على حلقات مسلسلة من "كتاباتي"
تحتاج منكم الدعم والتوجيه والنقد البناء
ملحوظة: لا تلتفتوا للأخطاء النحوية او الأملائية فلها وقتها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ




*************
يحاول الغلام "ناصر بن مانع"
أن يستعيد شيئا من ذاكرته الصغيرة ؛ بعد أن بلغ عامه التاسع .
يغزو أذنتيه وهو يلاعب أرنباته الصغيرات صدى كلمات والدته "نجلاء بنت حمد"
وهي توصي ذلك الشاب الذي رأه فجأة في خدرهم المنسوج من صوف الإبل .
بعد أن استفاق من النوم .
مازال يتذكّر والدته وهي توصي الشاب أن يبلّغ سلامها الحار إلى والدته وأبيه .
يحرث ناصر ذاكرته مرّة أخرى هل نطقتْ والدته في تلك اللحظة
اسم ذلك الشاب أو اسم أحدا من والديه ؟ لا تسعفه الذاكرة بشيء
إلا أن والدته قبّلتْ الشاب وتلطفت به أن يشرب ما تبقى من فضلة اللبن.
يحاول أن يتذكّر هل رأه قبل تلك اللحظة ؛ ولكن لا شيء تكتنزه الذاكرة .
إلا إن الشاب قال وهو يهم بالخروج من الخدر- بلّغوا: مانعا سلامي- وهو يلوّح بيده.
ووالدته يتحشرج صوتها بالعَبرات ودمعاتها تبلل برقعها وهي تحتضن أخيه الأصغر "هادي" وتقول للشاب : صحبتك السلامة يا حبيبي .
هذا كل ما جادت به ذاكرة "ناصر" وهو يلاعب أرنباته الصغار أسفل شجرة "عبل"ذات ظل ممدود .
حمل ناصر أسئلته وتوجه إلى والدته التي كانت منهمكة في دباغة جلد "ظبيا" اصطاده والده من ثلاثة أيام بعد مطاردة مضنية بالكلاب . ما إن وصل ناصر إلى والدته حتى كانت عمّته "وضحى" قد سبقته بالماء الذي تحمله على رأسها بعد أن جلبته من البئر لحاجة الدباغة له .
وبتصرفا طفوليا شرع ناصر في حكاية ماعلق بذاكرته بكل التفاصيل التي اختزنتها ذاكرته الصغيرة وقبل أن ينهي ما بدأه :صرخت عمته بصوت شقّ السماء ورمت بنفسها على الأرض وبدأتْ له كأنها أرنب ذُبح للتو؛ تجمع أطرافها كقنفذ حاصرته الطيور ثما ترمي بكل طرف منها بطول قدرته كلمح البرق وتحثي الرمل على رأسها . فيما والدته تحاول جاهدة منعها من إذاء نفسها .
وهي تملأ كفيها من الرمل الأبيض وتصبه في عينيها صبا ووالدته تصرخ
-لا تفعلي أتقي الله في نفسك وفينا يا وضحى.- ودموع والدته تنزّ من عينيها مثل حبات الندى التي تتزحلق على أعواد شجرة العبل حينما ينفك قرص الشمس
عن أديم الأرض في كل شروق . وأخوه ذو السبع سنوات يتلوى تحت قدمي والدته ويصرخ فزعا مما يراه من حال والدته وعمته .
فيما المرأة الكفيف "رحمة" زوجة عمّهُ "فرج"الذي لا يذكر ملامحه ؛ ممسكة بإبنها "مسعود" وتصرخ من داخل الخدر – ماذا حل بكم؟-
....
******************************




غُزِلت خيوط هذا الحدث في الجنوب الغربي من شبه جزيرة "قطر" في موضع
يقال له"بئر سوداء نثيل " في الرُبع الأول من القرن الثامن عشر للميلاد .
في ثنايا فصل صيف منذرا بقدوم سموم الشمال التي لا تبقي من الشجيرات التي نمت في فصل الربيع ولا تذر. تلك السموم التي تحيل الإبل في منتصف النهار إلى دناكل من خشب . وتخرج الزواحف من جحورها لتفترش الأشجار. وتحيل بشرة النساء التي نعمت على رغد الربيع إلى سحالي جبلية . وتتشابه بفعلها ملامح الناس . فيتقلص الفارق السنّي بينهم .حتى يستحيل على الرائي حينما ينظر إلى الأخوةِ . معرفة الاسنَّ فيهم . انه صيف شبه جزيرة العرب . الذي يحيل كل الأشياء إلى ملكيته. تهب رياحه الموسميّة فتصطبغ كل الأشياء بصبغته .
يحيل الناس ورعاياهم إلى كانتونات من الاسر الطوعي على منابع المياة والأبار الجوفية . حتى أن القبائل والأسر التي بينها جفاء ومماحكات ؛ تتخلى عن كل ذلك في هذه الفترة التي تقنع الناس بأنهم في قارب واحد ولا بد لهم من التعايش ونبذ النعرات والجنوح إلى السلم .
فتعقد ندوات التأخي وتذبح شاة الصُلح . ويلتزم كل ذي حدا حده من قول وفعل . ويبدأ كل تقبّل الآخر . حينما يعلموا بأنه لا مناص من تحكيم العقل . كل يتدبر شؤونه بمحاذاة الآخر دون أن يثرّب عليه أو يناكفه .
ويسافرون من ضربوا لهم مواعيد مع فرسان البحر في رحلة يطلقون عليها
"ركوب البحر" للبحث عن مكامن اللؤلؤ .
رحلة مضنية تمتد من إبريل إلى نهايات سبتمبر. قد يعودون منها ظافرين وقد لا يعودون اصلا . فلا يوجد بيت أو عائلة إلا وقد طافت بها الأحزان والمآسي من تبعات تلك الرحالات البحريّة التي لا مناص لهم من الغوص في أغوارها .
ولكنه قدرهم .
في مطاليع احدى تلك الرحلات الموسمية .
أعدّ "فرج بن مرزوق" مع أحد أبناء عمومته "سعيد بن ناجي" أعدوا نفسيهما وأستعدوا للسفر إلى سرابة ذلك الأزرق المخيف طمعا بما في أحشائه من مكنون.فهذه هي الرحلة الثانية لفرج سبق له ركوب البحر قبل عامين . وهاهو يعيد الكرّة بمعية "سعيد بن ناجي " الشاب الذي يحاول طرق باب الحظ في أحشاء ذلك الأزرق الملتهب قيظا القارص شتاء.
قام فرج بحلب احدى نياقه التي فرغت من الحوض على بئر "سوداء نثيل" ووضع الإناء على كفّه الأيمن وسار إلى الخدر كأنه يحسب خطوات أقدامه . تعصف به لواعج الوساوس والهموم التي حلّت على صدره كصخرة صلداء مما يخفيه عنه القدر في هذه الرحلة المجهولة . فهو يعلم أن الداخل لذلك الأزرق مفقود والخارج منه مولود وقد لمس ذلك في رحلته الأولى عيانا . ما إن رأته زوجته "رحمة" حتى خرجت مسرعة نحوه تحمل أبنهم الرضيع "مسعود" ذا العام الواحد.
وأستقبلته ببشاشة وهي تعالج العبرات لعلمها بمايجول في نفسه .
ومافي نفسها أشدّ وأعظم .
تحاول أن تسري عنه بقولٍ لم تهدتي له على مضمون . ناولته الغلام وأخذت إناء اللبن من يده . ضم الغلام مسعود على صدره وألصق شفتاه تحت أذن مسعود اليسرى وهويكرر اسم الغلام فيما الغلام يضحك من دغدغة شفتي أبيه لرقبته .
حتى خرجت "شقيقة فرج وضحى" من الخدر . وخطفت الطفل مسعود
من يد أبيه وهربت به فيما قام فرج بملاحقتها .
و"مانع "ينظر إليهم من داخل الخدر ويضحك وهو بجوار زوجته
"نجلاء "وأبنيه " ناصر" وهادي". ومافي صدره ليس ببعيد عن مافي صدر فرج .
خرج مانع من الخدر بحدود خطوات وأذن لصلاة العصر . أقاما الصلاة معًا
وناصر بن مانع يشاغب أبيه وعمّه في كل سجدة برفع أحد الجراء وويضعها على ظهر أحدهما والنسوة يضحكن من فعل الطفل مع أبويه . ما إن فرغا من الصلاة
حتى تقدم مانع من أخيه فرج وعانقه وودعه بصوت أجش وأبتعد كي لا يروه في لحظة ضعف الوداع . يعرف فرج أن أخاه مانع لا يحب أن يراه أحد في موقف ضعف . فأدار وجهه إلى النسوة وهن في الخدر أدار وجهه بضحكة هي للبكاء أقرب.
لم تتمالك وضحى نفسها وهي ترى أخويها يتعانقان في لحظة أحتطبت مشاعر الجميع .
فنشجت بصوت عال فنشجنا المرأتان . فتقدم منها فرج مواسيا بصوت أقرب لصوت الذبيح منه لصوت رجل راشد . ضمّها إلى صدره وقبّلها بين عينيها وقال: محاولا كسر عبراتهن ؛ واشعارهن بأن الأمر لا يستحق كل هذا الوجل
- من منكن تريد خاتمين ومن منكن تريد أقراط لأذنيها ومن منكن تريد قلادة ؟
فنحبت زوجته وقالت – لا أريد إلا عودتك سالما –
فتقدم من أبنة عمه وأم ولده وزوجته التي حجرها لنفسه عندما تقدم لخطبتها من عامين رجل من أطرف العائلة يقال له "حمدان بن حمدان" ومن ذلك الحجر وبينه وحمدان جفاء شديد .
ما ان التقت الأعين وتعانقت الأنامل حتى دب الصمت لثوان
ثم قال : لا تهوّلي من الأمر يا حبيبتي . أن الناس حينما تنظر إلى كل شيء
يحدث لهم على أنه رزيئة فأنه يتحول بفعل نظرتهم له إلى رزيئة .
وحينما ينظروا على أنه قدرهم الذي لا مفر منه فأن القدر رحيم بهم .
صمتت رحمة ولم تردف بشيء إلا ببعض الأدعية ان يرده الله سالما معافا
مسح دمعاتها وقال : لعل هذه الدمعات تغسل عينيكِ مما علق بها من شوائب الرمد
الذي أستوطنها من مطالع الشتاء .
ثم جلسَ وضم أبنه وأبنيّ شقيقه إلى صدره وتمتم لهم بدعاء .ثم نهض وقال :
استودعكم الذي لاتضيع ودائعه .
وأمسك بخطام ناقته وقادها حتى توارى خلف كثيب من الرمل .
متجها إلى هضبتيّ "القلايل"حيث أخوته غير الأشقاء "محمد"ومبخوت"وأخته "مزنة" وقد كان أصغرهم يكبره بعشرين سنة .
وكذلك صاحبه في الرحلة " سعيد بن ناجي " ينتظره هناك كي يلحقوا بالركب الذي سيغادر بعد غدا إلى أحدى الموانئ القطرية .
فيما "مانع" ينظر إلى أخيه من بعيد وكل ما اشرف "فرج" على التواري خلف كثيب من الرمل
كان مانع يعتلي الكثيب الآخر ويتبعه النظر . حتى لم يعد للنظر حيلة في اللحاق به وأبتلعته الكثبان مثل ما ابتلعت قرص شمس ذلك اليوم الذي احتضر قبل قليل وراح في موتة صغرى .
وفرجً جبلً من الصمت وهو على ظهر ناقته ولا يعطي لعينيه فسحة الألتفات
فهو ابن الصحراء التي علمته من الصغر أن لا يلتفت عند فراق الأحبة وإلا فأن الصحراء ستطليه بحزنها وتغرسه بوحدتها وأشواقها الملتعجة لكل من قد مرّ بها ولم يعُد .
إن الصحراء تكمن بها مناجم الصبر والجلادة وكذلك مناجل الفقد والحزن والوله فمن أصغى لأي من هذه منحته اياه بكل سخاء . لأحساس الصحراء بالوحدة الأزلية .
وتعوّدها على ضرب مناجل الحزن في أديمها كل ماضنّت السّحب بدموع العبرات التي تشاطرها وحدتها الأزليّة .
وكذلك ليقينها أن الجلادة هي أكسير الحياة في جنباتها . و"فرج" جزء من الصحراء وليس له إلا أحد الخيارين أما أن يحتمل ضرب المناجل التي قد سبقته إلى الصحراء من قبل أن يكن شيئا مذكورا
أو إن يستسلم للضعف الذي تمقته الصحراء ولا ترتضيه لأبنائها . فمن لمست فيه شيء من الضعف التهمته في أحشائها . لعدم استحقاقه للعيش على ظهرها .
أنها طقوس الصحراء الصامتة التي يجب على من أمتطى ظهرها أن يحترمها ويقدّرها دون مناكفة أو تذمر .
النسوة تفرقن كل واحدة أتخذت لها مكانا قصيا والأطفال يلعبون مع الجراء
ومانع ابتلعه الليل ولم يعود للخدر بعد .
و رحمة مازالت متكوّمة خلف الخدر وكأنها كومة من القش أصابته السماء .
لا صوت ولا حراك . وأبنها الصغير "مسعود" نائم في حجرها . ولم تجرؤ
نجلاء على الحديث معها أو أن تسئلها أين خبّت المروتين التي تقدح بها النار.
فنجلاء تعلم شدة صدمة الفراق الأولى عند المحب حينما يلفي نفسه
قد فارق حبيبه فعليا ولم يعد هناك خوفا من قدوم الفراق بل قد وقع بالفعل
ولم يعد للأمل بسماع صوته مع الأصوات القادمة اليه مندوحة .
بل قد ساد اليأس عرين المكان . فأن أوّل ما يفتقد القدره عليه الكلام
فرحمة ؛ تزوجت بفرج عندما عاد من الرحلة الأولى ولم تعاصر لواعج الشوق له
قبل ذلك التاريخ ولا بعده لشدة التصاق واحدهما بالآخر.
وهاهي قد الفت نفسها جزء من ذكرى حبيب ابتلعه كثيب الرمل قبل الغروب
في رحلة لا تعلم لها قرار . رحلة ؛ اوّل ما يتبادر إلى الذهن عند ذكرها لمن عاصروها التشاؤم والتعوذ من مأسيها . ماهي إلا لحظات حتى نما إلى سمع نجلاء صوت رحمة وهي تستفرغ . فأنفطر قلبها .

ووضحى كانت هي أبعد من أتخذ له مكان عن الخدر .
جاء إليها ناصر يحمل جروه فنهرته وضربت الجرو. فهرب وأنطلق ناصر في أثر جروه الذي هرب إلى داخل الخدر وهي في أحضان صمت يطول حتى تنزعه همهمة لا تكتمل حروفها . تلتعج بها الأحزان والوساوس لفراق فرج ذلك الأخ النبيل . الذي يحمل من الصفاة ما يعجز عنه الأخرين . فهو رجل في حالة ما يتطلب الوضع . وطفل مع الأطفال أذا دنى منهم . ومع زوجته وحماته ومعها جزءا من كل فهو لايرمي بينهن بشعور انهن النسوة الضعاف وهو الرجل القوي بل يغمرهم بمشاعر السعادة والتكامل معهن . فهو لا يرى أحداهن تقوم بجمع الحطب إلا وساعدها في حمله على عاتقه ولا يرى الأخرى تطحن الدقيق على الرحى إلا وتناول يد الرحى من يدها وقام بطحن الحب ولا تحمل أحداهن الماء على رأسها من البئر إلا وخلص القدر من بين يديها وحمله ولا يمرض أحد من العائلة إلا وكان ممرضه يحمل كل مشاعر الإنسانية والرأفة . أن الخلة بعد فرج واسعة جدا جدا
والكون في عينيها يضيق ويضيق وكل شيء من حولها ترى أنه أصطبع بأحساسها لفراق فرج .
أربعة أشهر قادمة لن ترى فيها فرج . تلك الشخصية التي تمثل لها الكثير والكثير
فهو أقرب كل أفراد العائلة إلى نفسها قبل قلبها . أربعة شهور خلف تلك الزرقة التي قد سبق لها رؤية فعلها به من عامين خلت حينما عاد وهو أشبه بسحالي السباخ منه إلى إنسان .
حينما عاد بلا ملامح ولا شيء منه كان . حينما كان صوته كأنه يخرج من
قعر بئر بعيدة المدى . متكلس الأظافر إذا شربَ اللبن اندلق من أحد شدقيه!.
لا يقوم بحراك إلا ويتبعه بأنّة خافتة يأتي صوتها من واد سحيق .
وعوضا عن كل ذلك هل سيعود ؟ كل شيء يصغر عند ما يقفز هذا التساؤل
إلى ذهنها . فهي مازالت تتذكر ذلك الرجل الذي ذهبا ابنيه في العام الماضي
إلى ركوب البحر وعندما عادت الركبان تعرض لها يسأل عنهما فلا يجيب أحد
سؤاله حتى التهمه الليل وهو على حالته تلك يسأل فلا أحد يجيب . وكأنها تسمع
صوته الأن وهو يدعو في ظلمة الليل باسميهما حتى ضج قاطنين الماء
بالبكاء لصوته .
وكأنها تراه الأن حينما أصبح الناس وهو في مكانه كأنه نسر هزيل لم تعد أجنحته تسعفه على الطيران .
وكذلك هل سيعود "سعيد بن ناجي" ذلك الشاب الذي لم يعرف قلبها في جنّة الحب
إلا هو .
أنه سعيد ؛ سعيد ريحانة الطفولة وحب الصباء . سعيد الذي لا يخلو مجلس لنساء العائلة إلا ويتعرضن للعلاقة التي ربطته بوضحى من الطفولة حتى مرحلة الشباب
تلك العلاقة التي بدأت ببراءة ألطفولة ثم تحولت إلى حب صامت بعد الصباء
تنفخ الأيام في دفء تؤججها. بين القلبين بالرغم من الصمت الذي يبوح بأبلغ
كلمات الحب . فلا تلتقي الأعين إلا وتسرد اعظم رواية عشق تلحّف
الكون بحرير الحب وهيام كل بالآخر. بالرغم من شُح الكلام !.
مما حدى بأحداهن على مسمع من جمع في عيد الأضحى الماضي
أن تقسم بأن سعيد
لن يقبل بامرأة غير وضحى حتى لو حجرها عليه منهو أقرب منه نسبا.
إن قسم تلك المرأة مذ سمعت به وضحى لا يمر يومُ إلا ويتردد صداه في سمعها .
أخافتها ظلمة الليل فدنت من الخدر الذي انقطع به الحساس لنوم الأطفال .
فيما مانع يسئل زوجته بهمس خافت عن القدح يريد من ذلك حلب لبن للأطفال الذين ناموا ضامرين البطون .
حنّت البكرة "محبوبة" عندما جالت حول الخدر فلم تسمع صوت فرج.
فهو من عوّدها على ذلك منذ الصغر لا يمسيها الليل إلا وقد أتت إليه ووضعت خدها على أحد عاتقيه .
كعادة البدوي وإبله . فأن البدوي مع إبله يشكّلون مجتمعا لا يفهم أسراره عداهم .
إن الجمل هو الأقرب للإنسان من جميع الكائنات الأخرى في المشاعر
وفي سرعة البديهة وفطنتها .
فيبادل الإنسان ما يبادله أن كان خير فخير وإن كان شر فشر.
لا ينسى الجمل ما يفعل معه الإنسان أبدا مهما فرقتهم الظروف .
لا يتقابلان إلا ويجد أن الجمل يحتفظ له بما كان بينهما .
يحنّ الجمل لفقد صاحبه من البشر وقد يُضرب عن الكلا والشراب لعدة أيام.
ولا يتوطن لأي أحد حتى يتملكه اليأس من ذلك الصاحب .
يحسّ بشعور صاحبه عندما يدنو إليه هل يضمر له الغضب أو المودّة .
أن الجمل من أعجب الكائنات بالفعل. وفي عجائبه روي الكثير.
عندما يتوه الإنسان عن موارد الماء وهو في صحراء لا ماء فيها
فانه يعلم أن الجمل لا يتوه عن أي مشرب سبق له أن شرب منه .
ليس على صاحب الجمل إلا أن يمتطي ظهر جمله ولا يوجهه إلى أي جهة محددة . عند ذاك يقوم الجمل بأمر عجيب . ينظر إلى الجهات الأربع لبضع ثوان
ثم يتوجه مباشرة إلى أقرب جهة سبق له أن شرب فيها الماء .
حتى لو تعاقبت السنين دون ذلك التاريخ . فالجمل لا يتوه عن مكان
سبقت له زيارته .
فلذك : حنّت البكرة "محبوبة" بعد أن طافت بالخدرولم تسمع بصوت
فرج في هذه الليلة
فتعالى النحيب من جنبات الخدر . وسمعت نجلاء بصوت مانع وهو يستفرغ على مقربة منها.