شمعة الحب
06-02-2006, 10:48 AM
http://www.alshareefart.com/pic/albums/userpics/10001/normal_e11.jpg
الدنمارك .. شعب وليس جريدة
صالح الشهوان - 29/12/1426هـ
غضب المسلمون واستنكروا، وحق لهم أن يفعلوا، من إقدام جريدة "جيلاتدز بوستن" الدنماركية على نشر رسوم كاريكاتورية عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم تمثله إرهابيا، وجارتها صحيفة "مجازينات" النرويجية في النشر نقلا عنها. وقد جابه رئيس تحرير الجريدة الدنماركية الانتقادات الموجهة إليه باعتبار ذلك مساسا بحرية التعبير.
وبعيدا عن الثورة والانفعال وثقافة ردة الفعل أتساءل: ماذا لو أن صحيفة دنماركية منافسة للصحيفة المذكورة نشرت رسوما كاريكاتورية تظهر فيها رئيس تحرير تلك الجريدة مدججا بالأحزمة الناسفة والقنابل ويتهيأ لنسف مبنى عام مثلا؟ هل سيبتسم رئيس التحرير ويعتبر ذلك من باب الدعابة وحرية التعبير؟! أم سيغلي الدم في عروقه الباردة ويرغي ويزبد ويهيج ويطلب إلى محاميه إقامة دعوى قضائية فورا ضد تلك الصحيفة ويطالب برد الاعتبار والتعويض؟ أجزم أن هذا ما سيحدث على أقل تقدير.
هذا المثال ليس المقصود به غير "نسف" الحجة التي يتكئ عليها سعادة رئيس تحرير صحيفة "جيلاتدز بوستن" الدنماركية، واتخاذه حرية التعبير مطية لتمرير أراجيفه وشماعة لتعليق أعذاره الواهنة. أبعد من هذا، ماذا لو أن صحيفة عربية أو إسلامية قامت بتلطيخ سمعة أحد رموز الدنمارك التاريخيين وأبطال استقلالهم أو تلك الشخصيات الوطنية المبجلة في التراث الدنماركي؟
لسوف تشتعل سعيرا من الاحتجاج والتهم كل صفحات جرائد الدنمارك والنرويج وكل الدول الاسكندنافية ومعها أوروبا معاضدة وواقفة إلى جانبها في الشجب والطلب إلى المنظمات والهيئات الدولية التدخل لتأديب هذه الصحيفة وتغريمها! وحتما لا شك أن لهم الحق في اتخاذ هذا الموقف وطلب إنزال العقاب المادي والأدبي لو أن مثل هذا قد حدث!!
ليست حرية التعبير مصيدة وشراكا ولا فخا لإيقاع الأذية والمساس بمشاعر الآخرين, فمواثيق الشرف وحقوق الإنسان ساوت بين الأمم والبشر والأجناس رجالا ونساء وأطفالا وكفلت للكل حقوقه ومراعاة مشاعره التي لا ينبغي إهدارها, وتمت إحاطة تلك الحقوق بالالتزامات من قبل الموقعين عليها للمساءلة والإدانة والعقاب، وفي قلب هذه الحقوق تتموضع حرية التعبير على أساس احترام كل الثقافات والتعامل معها بالحوار والنقاش والإبداع والتعبير في إطار احترام المعتقدات والديانات وعادات الشعوب وأعرافها.
فأين حرية التعبير من تصوير نبي اختارته السماء لهداية البشرية على أنه إرهابي؟ سواء كان هذا النبي هو محمد، صلى الله عليه وسلم، أو عيسى بن مريم أو إبراهيم الخليل عليهما السلام؟ هذا العمل الحقير لا يمثل في الواقع غير شذوذ في الذهنية وطعن في لب الفضيلة والتسامح وتعد سافر على حقوق الإنسان بما فيها حق التعبير التي هي في كثير مما جاءت به استلهام من الديانات ودعوات الإصلاح؟
لست من الراغبين في الشتم واللطم، كعادة البعض حين نجابه بمثل هذا الموقف ولست من المؤمنين بنظرية المؤامرة ليذهب بي الظن على أن القصد من نشر تلك الرسوم هو إفساد العلاقة بين الدنمارك والدول العربية والإسلامية، خصوصا والدنمارك قد خصصت العام 2006 للتعريف بالعالم العربي والتفاهم معه, ورصدت لذلك ميزانية ضخمة وبرامج وفعاليات بينها مهرجانات وندوات جامعية وتبادل زيارات، ولست من الداعين للانحناء للعاصفة حتى تمر وإنما لا بد من تبليغ الاستياء للسلطات للسعي للحصول على الاعتذار بالوسائل الدبلوماسية والقانونية، لكني لست أيضا من المتحمسين إطلاقا إلى التنادي لمعاقبة الدنمارك وأهلها لأن جريدة "ما" اقترفت هذا العمل المشين وأن علينا أن نفزع إلى النخوات الفجائية لمقاطعة بضائع الدنمارك والنرويج كما لو كنا نصر على كسب المزيد من العداوات وفتح المزيد من الجراح.
إن الحكمة تقتضي أن ندفع بالتي هي أحسن وأن نجادلهم بالحسنى، ولتكن هذه السقطة وهذا التعدي المشين مناسبة لفتح حوار مع الدنمارك لكي نفسد ما أفسدته هذه الصحيفة في سعيها إلى بذر الكراهية وتعكيرها المزاج العام لدى العرب والمسلمين بل ولدى الشعب الدنماركي نفسه الذي يهمه أن يكون صديقا للعالم ويهمنا أن نكون أصدقاء له.
ولعل الخطوة تبدأ من وزارات الثقافة والإعلام لتبادر إلى تواصل إعلامي عبر الكتابة والنشر في وسائل إعلام الدنمارك باللغة الهادئة المنطقية للرد على مثل ذلك الإسفاف والتهافت في الطرح والتناول المشين، وحبذا لو كان في الصحيفة نفسها إضافة إلى التلفزيونات الدنماركية والجامعات والمنتديات لكيلا يصبح عام 2006 الذي شاءته الدنمارك عاما للتفاهم معنا والتعارف عاما للكراهية وللقطيعة البغيضة!!
الدنمارك .. شعب وليس جريدة
صالح الشهوان - 29/12/1426هـ
غضب المسلمون واستنكروا، وحق لهم أن يفعلوا، من إقدام جريدة "جيلاتدز بوستن" الدنماركية على نشر رسوم كاريكاتورية عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم تمثله إرهابيا، وجارتها صحيفة "مجازينات" النرويجية في النشر نقلا عنها. وقد جابه رئيس تحرير الجريدة الدنماركية الانتقادات الموجهة إليه باعتبار ذلك مساسا بحرية التعبير.
وبعيدا عن الثورة والانفعال وثقافة ردة الفعل أتساءل: ماذا لو أن صحيفة دنماركية منافسة للصحيفة المذكورة نشرت رسوما كاريكاتورية تظهر فيها رئيس تحرير تلك الجريدة مدججا بالأحزمة الناسفة والقنابل ويتهيأ لنسف مبنى عام مثلا؟ هل سيبتسم رئيس التحرير ويعتبر ذلك من باب الدعابة وحرية التعبير؟! أم سيغلي الدم في عروقه الباردة ويرغي ويزبد ويهيج ويطلب إلى محاميه إقامة دعوى قضائية فورا ضد تلك الصحيفة ويطالب برد الاعتبار والتعويض؟ أجزم أن هذا ما سيحدث على أقل تقدير.
هذا المثال ليس المقصود به غير "نسف" الحجة التي يتكئ عليها سعادة رئيس تحرير صحيفة "جيلاتدز بوستن" الدنماركية، واتخاذه حرية التعبير مطية لتمرير أراجيفه وشماعة لتعليق أعذاره الواهنة. أبعد من هذا، ماذا لو أن صحيفة عربية أو إسلامية قامت بتلطيخ سمعة أحد رموز الدنمارك التاريخيين وأبطال استقلالهم أو تلك الشخصيات الوطنية المبجلة في التراث الدنماركي؟
لسوف تشتعل سعيرا من الاحتجاج والتهم كل صفحات جرائد الدنمارك والنرويج وكل الدول الاسكندنافية ومعها أوروبا معاضدة وواقفة إلى جانبها في الشجب والطلب إلى المنظمات والهيئات الدولية التدخل لتأديب هذه الصحيفة وتغريمها! وحتما لا شك أن لهم الحق في اتخاذ هذا الموقف وطلب إنزال العقاب المادي والأدبي لو أن مثل هذا قد حدث!!
ليست حرية التعبير مصيدة وشراكا ولا فخا لإيقاع الأذية والمساس بمشاعر الآخرين, فمواثيق الشرف وحقوق الإنسان ساوت بين الأمم والبشر والأجناس رجالا ونساء وأطفالا وكفلت للكل حقوقه ومراعاة مشاعره التي لا ينبغي إهدارها, وتمت إحاطة تلك الحقوق بالالتزامات من قبل الموقعين عليها للمساءلة والإدانة والعقاب، وفي قلب هذه الحقوق تتموضع حرية التعبير على أساس احترام كل الثقافات والتعامل معها بالحوار والنقاش والإبداع والتعبير في إطار احترام المعتقدات والديانات وعادات الشعوب وأعرافها.
فأين حرية التعبير من تصوير نبي اختارته السماء لهداية البشرية على أنه إرهابي؟ سواء كان هذا النبي هو محمد، صلى الله عليه وسلم، أو عيسى بن مريم أو إبراهيم الخليل عليهما السلام؟ هذا العمل الحقير لا يمثل في الواقع غير شذوذ في الذهنية وطعن في لب الفضيلة والتسامح وتعد سافر على حقوق الإنسان بما فيها حق التعبير التي هي في كثير مما جاءت به استلهام من الديانات ودعوات الإصلاح؟
لست من الراغبين في الشتم واللطم، كعادة البعض حين نجابه بمثل هذا الموقف ولست من المؤمنين بنظرية المؤامرة ليذهب بي الظن على أن القصد من نشر تلك الرسوم هو إفساد العلاقة بين الدنمارك والدول العربية والإسلامية، خصوصا والدنمارك قد خصصت العام 2006 للتعريف بالعالم العربي والتفاهم معه, ورصدت لذلك ميزانية ضخمة وبرامج وفعاليات بينها مهرجانات وندوات جامعية وتبادل زيارات، ولست من الداعين للانحناء للعاصفة حتى تمر وإنما لا بد من تبليغ الاستياء للسلطات للسعي للحصول على الاعتذار بالوسائل الدبلوماسية والقانونية، لكني لست أيضا من المتحمسين إطلاقا إلى التنادي لمعاقبة الدنمارك وأهلها لأن جريدة "ما" اقترفت هذا العمل المشين وأن علينا أن نفزع إلى النخوات الفجائية لمقاطعة بضائع الدنمارك والنرويج كما لو كنا نصر على كسب المزيد من العداوات وفتح المزيد من الجراح.
إن الحكمة تقتضي أن ندفع بالتي هي أحسن وأن نجادلهم بالحسنى، ولتكن هذه السقطة وهذا التعدي المشين مناسبة لفتح حوار مع الدنمارك لكي نفسد ما أفسدته هذه الصحيفة في سعيها إلى بذر الكراهية وتعكيرها المزاج العام لدى العرب والمسلمين بل ولدى الشعب الدنماركي نفسه الذي يهمه أن يكون صديقا للعالم ويهمنا أن نكون أصدقاء له.
ولعل الخطوة تبدأ من وزارات الثقافة والإعلام لتبادر إلى تواصل إعلامي عبر الكتابة والنشر في وسائل إعلام الدنمارك باللغة الهادئة المنطقية للرد على مثل ذلك الإسفاف والتهافت في الطرح والتناول المشين، وحبذا لو كان في الصحيفة نفسها إضافة إلى التلفزيونات الدنماركية والجامعات والمنتديات لكيلا يصبح عام 2006 الذي شاءته الدنمارك عاما للتفاهم معنا والتعارف عاما للكراهية وللقطيعة البغيضة!!