بنت الحرمي
26-10-2009, 02:42 PM
ما زالت قضية التكفير تشكل هاجساً بالنسبة لي، إذ ما زالت شرائح من المجتمعات الإسلامية مشغولة بالغرق في مستنقعات التكفير وإخراج الناس من الملة واستباحة دمائهم بناء على ذلك، لذلك لابد من تسليط الكثير من الأضواء الكاشفة على هذه الشهوة "التكفير" حتى يتبين للغارق فيها الدوافع التي لا يراها أو يتعامى عنها، ليست الأمور بالبساطة التي يتصورها التكفيري، بل هناك تعقيدات بالغة تحتاج للنقض والتعرية، هناك أسباب سيكولوجية أكثر وقعا وتأثيراً من الأسباب الظاهرة والمزعومة، وهذه الأسباب الخفية قد تصدم أول من تصدم التكفيري نفسه، لأنها ستسحب البساط من تحت قدميه وستبين له أن القضية تعتمد بشكل كبير على شهوة التكفير والتنفيس عن الأحقاد من خلاله وليست قضية دين وغيرة على الدين كما يحب التكفيري أن يصور لنفسه.
تقرير ما إذا كان (س) من الناس مسلم أو غير مسلم أو هل قال أو فعل أو كتب أو اعتنق فكراً أخرجه من دائرة الإسلام أم لا، هي مسألة علمية محضة في دائرة العلم الديني، لكن عندما تدقق النظر في ما دار ويدور من تخبط مضحك في هذه المسألة تجد أن القضية قد خرجت برمتها عن الإطار العلمي والفلك المعرفي لكي تتخطفها النوازع النفسية البشرية وتعبث بها سيكولوجية من أعطى لنفسه هذا الحق في التقرير في قضية تعتبر من الخطورة بمكان. عندما كان الإمام أحمد بن حنبل يجلد بالسياط بين يدي الخليفة العباسي المعتصم كان شيخ المعتزلة أحمد بن أبي داوود حاضراً ويشهد هذا التعذيب الجسدي المهين فلم تتحرك في نفسه نوازع الرحمة والشفقة الإنسانية لتصرخ على لسانه طالبةً إيقاف ذلك التعذيب وإنما تحركت نوازع تختلف عن ذلك تماماً، نوازع جعلته يصرخ" "اقتله يا أمير المؤمنين فإنه كافر اقتله وإثمه علي".
تكفير وتبرع بتحمل إثم القتل، برغم أن الخلاف كان خلافاً على قضية علمية وما كان يجب أن يصل الأمر إلى الجلد والحبس والتكفير والتهديد بالقتل.
أبو إسحاق الإسفرائيني أحد كبار علماء الكلام الأشعريين المشهور بمناظراته العلمية مع المعتزلة مثل القاضي عبد الجبار الهمداني وغيره، كان يقول: "أكفر من كفرني، لأنه قد كفر مسلماً ومن كفر مسلماً فقد كفر".
والحقيقة أن هذا يدخل أيضاً في نوازع النفس البشرية وردود الأفعال والانتصار للنفس لأنه إن اعتقد شخص مجتهداً أنني كافر فإنه لا يلزم من ذلك أن يكون هو كافراً، قد يكون مجتهداً مخطئا، إن كفرني بخطئه لم يحق لي أن أكفره بغضبي. مع أننا يجب ألا نزيد دائرة العذر للتكفيري بحيث يزداد غياً على غيه.
إنها ثقافة الغضب والكراهية التي وجدت أرضا خصبة وأدوات فعالة تسمح لها بتحقيق المأرب بسهولة، كل من تكرهه كفره، ابحث له عن تهمة فيما بعد لكن كفره أولاً، التهمة أمرها سهل ويمكن إنشاؤها بسهولة لمن امتهن القراءة التاريخية لنصوص الصراع ومثل هذه الذهنيات لا تحتاج لكي يرتاح ضميرها إلا أن تجد أن العمل قد جرى على ذلك وأن هناك واقعية تاريخية مشابهة تم اتخاذ موقف مماثل فيها. هذا هو الحال عندما يستكين الناس لحالة الصراع، وعندما تتملكهم روح التقاتل، ينسون العلم والدين ويغرقون في لعنة التكفير والإقصاء والعداوة.
التكفير طاعون وإذا استشرى في مجتمع فقل على ذلك المجتمع السلام، لكن عندما نتحدث عن أعمار الأمم، فليس هناك ما يمكن تسميته بالوقت المتأخر عندما نعرف هذا الطاعون جيداً ونحسن وصفه ثم بالتالي نسعى لإيجاد الحلول التي تبعد مجتمعنا من الوقوع في براثنه.
نقلا عن صحيفة الوطن السعودية
http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=3314&id=15367&Rname=53
تقرير ما إذا كان (س) من الناس مسلم أو غير مسلم أو هل قال أو فعل أو كتب أو اعتنق فكراً أخرجه من دائرة الإسلام أم لا، هي مسألة علمية محضة في دائرة العلم الديني، لكن عندما تدقق النظر في ما دار ويدور من تخبط مضحك في هذه المسألة تجد أن القضية قد خرجت برمتها عن الإطار العلمي والفلك المعرفي لكي تتخطفها النوازع النفسية البشرية وتعبث بها سيكولوجية من أعطى لنفسه هذا الحق في التقرير في قضية تعتبر من الخطورة بمكان. عندما كان الإمام أحمد بن حنبل يجلد بالسياط بين يدي الخليفة العباسي المعتصم كان شيخ المعتزلة أحمد بن أبي داوود حاضراً ويشهد هذا التعذيب الجسدي المهين فلم تتحرك في نفسه نوازع الرحمة والشفقة الإنسانية لتصرخ على لسانه طالبةً إيقاف ذلك التعذيب وإنما تحركت نوازع تختلف عن ذلك تماماً، نوازع جعلته يصرخ" "اقتله يا أمير المؤمنين فإنه كافر اقتله وإثمه علي".
تكفير وتبرع بتحمل إثم القتل، برغم أن الخلاف كان خلافاً على قضية علمية وما كان يجب أن يصل الأمر إلى الجلد والحبس والتكفير والتهديد بالقتل.
أبو إسحاق الإسفرائيني أحد كبار علماء الكلام الأشعريين المشهور بمناظراته العلمية مع المعتزلة مثل القاضي عبد الجبار الهمداني وغيره، كان يقول: "أكفر من كفرني، لأنه قد كفر مسلماً ومن كفر مسلماً فقد كفر".
والحقيقة أن هذا يدخل أيضاً في نوازع النفس البشرية وردود الأفعال والانتصار للنفس لأنه إن اعتقد شخص مجتهداً أنني كافر فإنه لا يلزم من ذلك أن يكون هو كافراً، قد يكون مجتهداً مخطئا، إن كفرني بخطئه لم يحق لي أن أكفره بغضبي. مع أننا يجب ألا نزيد دائرة العذر للتكفيري بحيث يزداد غياً على غيه.
إنها ثقافة الغضب والكراهية التي وجدت أرضا خصبة وأدوات فعالة تسمح لها بتحقيق المأرب بسهولة، كل من تكرهه كفره، ابحث له عن تهمة فيما بعد لكن كفره أولاً، التهمة أمرها سهل ويمكن إنشاؤها بسهولة لمن امتهن القراءة التاريخية لنصوص الصراع ومثل هذه الذهنيات لا تحتاج لكي يرتاح ضميرها إلا أن تجد أن العمل قد جرى على ذلك وأن هناك واقعية تاريخية مشابهة تم اتخاذ موقف مماثل فيها. هذا هو الحال عندما يستكين الناس لحالة الصراع، وعندما تتملكهم روح التقاتل، ينسون العلم والدين ويغرقون في لعنة التكفير والإقصاء والعداوة.
التكفير طاعون وإذا استشرى في مجتمع فقل على ذلك المجتمع السلام، لكن عندما نتحدث عن أعمار الأمم، فليس هناك ما يمكن تسميته بالوقت المتأخر عندما نعرف هذا الطاعون جيداً ونحسن وصفه ثم بالتالي نسعى لإيجاد الحلول التي تبعد مجتمعنا من الوقوع في براثنه.
نقلا عن صحيفة الوطن السعودية
http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=3314&id=15367&Rname=53