ROSE
05-11-2009, 07:27 AM
على يد سمو الأمير جزيرة الغاز القطري رقم 119 تنضم لأرخبيل فينيسيا
كنت شاهداً في ليلة العرس القطري على مسرح لافينيس العريق
- سمو الأمير : البعد البيئي هو البعد الآخر لالتزامنا و مسؤوليتنا في توفير إمدادات الغاز إلى الأسواق العالمية
- بيرلسكوني : فينيسيا ستستغل هذا الإنجاز في محاربة ظاهرة ارتفاع مياه البحر وانقاذ المدينة من الغرق
- فينيسيا تتحول بفضل الغاز القطري من مدينة للحرير والتوابل والفن في أوروبا إلى مركز عملاق للطاقة
- صحيفة " لاريبوبليكا " : أخيرا ومن هذه الليلة سينعم الإيطاليون بنوم هادئ
- ماركو بولو عاد يحمل نارا ويالها من نار نظيفة من عاصمة الطاقة النظيفة
- حجم محطة الأدرياتيك يزيد مرتين عن مساحة استاد سان سيرو في ميلانو
- قطر تعيد للعرب علاقتهم التاريخية وصيتهم التجاري في فينيسيا عبر بوابة الغاز
- تعلموا من العرب صناعة الزجاج ، والجلود ، والنسيج وعلى يد قطر يتعلمون صناعة الطاقة النظيفة
فينيسيا – د . طارق الشيخ : عدنا إلى الدوحة لكن قصة يومين حافلين رائعين ظلت تسيطر على البال وتلح علي بلوح الكتابة . قلت ماله ماركو بولو عاد يرحل ويتنقل بين موانئ الدنيا .. من المؤكد أنه لايبحث عن قارة لم تكتشف او موانيء لم تطأها أقدام البشر بعد . يرحل ماركو بولو من جديد تجاه الشرق بحثا عن مغامرة جديدة عله يجد مبتغاه ليبشر به أهل مدينته الجميلة فينيسيا . ماركو بولو تاجر البندقية الذي خلد اسمه في التاريخ مكتشفا عظيما عاد الى البندقية من جديد . وهذه المرة عاد الى اهله بما هو اعظم و بما لايقارن عاد يحمل نارا .
في تلك الليلة المجيدة في التاسع عشر من اكتوبر 2009 وسط قاعة مسرح " لافينيس " الملوكية البهية الرائعة جلس حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى والى جواره جلست سمو الشيخة موزة بنت ناصر المسند وسعادة السيد سلفيو بيرلسكوني رئيس وزراء ايطاليا . امتلأت القاعة التي يحكي كل ركن فيها قصة لوحدها من تاريخ دوقات فينيسيا . هنا فينيسيا مهد الجمهوريات الحديثة في أوروبا . وهنا فينيسيا الأرض الوحيدة في كل اوروبا التي عمدت تاريخا ناصعا للعلاقات التجارية والثقافية بين العرب واوروبا . فينيسيا التي عمدت قبل قرون مضت حوار الحضارات بين الغرب والشرق يوم أن كان معظم اوروبا يغط في نوم تاريخي عظيم عرفه التاريخ الإجتماعي لأوروبا بفترة القرون الوسطى . مسرح فينيسيا تحكي لوحاته روعة الفن وعبق تاريخ كان للعرب والمسلمين فيه قسطا وافرا.. حملة ثقافة وناقلي حضارة سامية وأهل تجارة وحملة لواء العولمة الحضارية آنذاك . إذ لم يعرف تاريخ فينيسيا حكم الخلافة العثمانية ولم يتول الحكم فيها أبدا أيا من الحكام المسلمين من سلاطين الدولة العثمانية برغم انهم قد بسطوا نفوذهم في كل المنطقة من حول جمهورية فينيسيا . بل ان فينيسيا وعلى خلاف المناطق الأخرى في أوروبا من صقلية الى اسبانيا ظلت على علاقة تاريخية بالمسلمين وبدرجة أثرت كثيرا في بنية الدولة التجارية والصناعية والثقافية . وتشهد على ذلك اللغة المحلية الذاخرة بالكلمات العربية وما اشتهرت به فينيسيا من فنون صناعة الزجاج والكريستال والسجاد تعلموا فنونها أول مرة من الحضارة العربية والإسلامية ثم غذوها ببصمة فينيسية حتى اصبحت رمزا من رموز ثقافتهم التجارية .
مسرح فينيسيا العريق يحكي قصصا رائعة من منجزات موسيقية واوبرالية خلدها التاريخ . هنا كان فيفالدي وهنا قدمت اعظم الأعمال الأوبرالية الخالدة .. وهنا بالذات وفي تلك الليلة من اليوم التاسع عشر من أكتوبر اعتلى ساحة المسرح ذلك الشاب القطري يطلب يد عروسه البهية من جميلات فينيسيا . وبلغة سهلة كانت ليلة العرس .. وليلة استعاد القطريون فيها للعرب لحظات مجيدة من تاريخ التلاقح الحضاري بين العالم العربي الاسلامي وفينيسيا .
ماركو بولو يعود من جديد بعد رحلة جاب فيها عباب بحر الخليج يحمل نارا ويبني واحدة من عجائب الجزر الصناعية . تحفة معمارية تماما كما هي الجسور الاربعمائة التي جعلت واحدا من اشهر اسماء فينيسيا " مدينة الجسور " .
في صباح ذات اليوم مررنا من تحت " جسر التنهدات " او كما يطلق عليه بالايطالية " بونتي دي سوسبيري " . لم يكن هناك مساجين يقتادون الى ساحة القصر لإصدار الأحكام عليهم ، بل كانت هناك تنهدات ارتياح انداحت دوائرها لتصل كل بقاع ايطاليا وعبر عنها ذلك الصحفي الايطالي جورجو لوناري من صحيفة الجمهورية " لاريبوبليكا " حينما خاطبهم في صبيحة اليوم التالي مبشرا " أخيراُ ومن هذه الليلة سينعم الإيطاليون بنوم هاديء. فعلى الأقل لا توجد مخاوف من انعدام تدفئة المنازل خلال هذا الشتاء. إذ سيتم اعتبارا من هذا الصباح، ومن عرض مياه البحر الأدرياتيكي المفتوحة، وأمام انظار الصحافة العالمية تقديم أول محطة للتغويز بعيدة عن الشاطيء و هي الأولى من نوعها في العالم " . بشرهم بأن ماركو بولو عاد يحمل نارا ويالها من نار نظيفة من عاصمة الطاقة النظيفة .
عن محطة الأدرياتيك للغاز الطبيعي وجه سمو الأمير كلمة تاريخية لها ذات المفعول الساحر الذي جعل من فينيسيا في القرن الخامس عشر وبعد فترة وجيزة من اختراع جوتنبيرج المذهل لآلة الطباعة عاصمة للطباعة بل يذكر التاريخ لها مولد اول صحيفة مطبوعة ، واول مجموعات احترفت بيع الأخبار " ولأول مرة اصبحت الأخبار تباع في فينيسيا . قائمة طويلة باسماء البضائع والسلع مقابل غازيتا واحدة ( وهي العملة القديمة لفينيسيا ) . ولذا ومنذ ذلك التاريخ أصبحت القوائم بالأسعار والصحف تضع على رأسها كلمة غازيتا . ثم اصبحت كلمة غازيتا مرادفة للصحيفة التي تظهر بشكل منتظم ولايزال اسم غازيتا مرادفا لكلمة صحيفة في كثير من اللغات في العالم " .
فينيسيا تنهض من جديد . . فقد حمل سمو الأمير حفظه الله لأهل فينيسيا ومن بعدهم كل ايطاليا البشرى السارة ويسمع رئيس الوزراء بيرلسكوني كلمات لاشك ادخلت الطمأنينة في نفسه وايضا للملايين من أهل ايطاليا أن أصبح لديهم قوة الطاقة من راس غاز الى ايطاليا " إنه لمن دواعي السرور أن نجتمع اليوم في مدينة فينيسيا الجميلة لافتتاح وتدشين الميناء الأدرياتيكي لاستقبال الغاز الطبيعي المسال ، والذي يعتبر بحق من المشاريع المتميزة والرائدة في مجال الطاقة "0 ويضيف " إن هذا المشروع يمثل رمزاً للتعبير عن الصداقة بين دولتينا وشعبينا ، ونموذجاً للتعاون الفني والاقتصادي في مجال الطاقة بين المؤسسات والشركات ".
للطاقة سحر ولقوة قطرة الطاقة النظيفة سحر آخر . المشروع جزيرة جديدة تضيفها الريادة القطرية في صناعة الغاز الى أرخبيل فينيسيا لتصبح محطة الأدرياتيك الجزيرة رقم 119 . وأية مصادفة هذه الجزيرة التاسعة عشر بعد المئة تعلن انضمامها لأرخبيل فينيسيا في التاسع عشر من أكتوبر وعلى يد سمو الأمير . إنها واحدة من إضافات صناعة الغاز القطرية الساحرة وقد وصلت لتوها الى بر الأدرياتيك . فبعد المصانع العملاقة واسطول نقل الغاز العملاق هاهي جزيرة عملاقة تنشؤها قطر في واحدة من شراكاتها المميزة على بحر الأدرياتيك في عمل صناعي فريد من نوعه أوصفه وبدقة خطاب سمو الأمير " يعتبر هذا المشروع الأول من نوعه في العالم ، كما يعتبر طفرة نوعية في تصنيع موانئ استقبال الغاز الطبيعي المسال من حيث الالتزام الصارم بمتطلبات السلامة التشغيلية والمحافظة على البيئة 0 والمشروع عبارة عن منصة ضخمة في عرض البحر تبعد أكثر من 40 كيلو متر عن مدينة فينيسيا العريقة ، تم تصنيعها في أسبانيا وسحبها بحراً مسافة 3000 كيلو متر تقريباً ليتم إرساؤها في موقعها الحالي على عمق حوالي 30 متراً في مياه البحر الأدرياتيكي "0
كذلك فإن الأسلوب الذي تم به بناء المحطة فريد من نوعه حقا . فقد استخدمت تقنيات جديدة في بناء خزانين كبيرين للغاز المسال بنيت في اسبانيا وكوريا وتم تجميعها في اسبانيا وسحبت الى الموقع في ايطاليا .
ويشير سموه الى الهدف من المشروع قائلا " يهدف هذا المشروع إلى استقبال 6 ملايين طن في السنة من الغاز الطبيعي المسال وتخزينه وإعادته إلى حالته الغازية وضخه عبر أنبوب غاز بحري إلى شبكة الغاز الإيطالية 0 وهو يساهم بتأمين حوالي 10% من احتياجات إيطاليا من الغاز الطبيعي كما يمثل هذا الغاز الطبيعي المسال مصدراً جديداً من مصادر تأمين إمدادات الغاز النظيفة إلى إيطاليا ويساهم في تعزيز موارد الطاقة وضمان استقرارها ".
ولما كان الايطاليون دوما مغرمون بكرة القدم وفي تلك الليلة وفي حضرة بيرلسكوني رئيس نادي ميلانو العريق كان نادي ميلانو حاضرا استوحى منه الصحفي جورجو لوناري كلماته في تقريره في اليوم التالي ليمنح محطة الغاز المسال الوصف الأقرب لمخيلة الإيطاليين " تصل ضخامة حجم المشروع بمقدار مرتين من مساحة استاد سان سيرو الكروي بمدينة ميلانو: ارتفاع 47 مترا، وبعرض 88 مترا، وطول يبلغ 180 مترا، و هي بنية من الأسمنت المسلح يصل وزنها حوالي 290.000 طن " .
الغاز القطري يمضي يشق طريقه الى داخل اوروبا وفي مصادفة تاريخية محضة قريبا من ذات المداخل التجارية التي كانت تمهد الطريق الى داخل اوروبا من فينيسيا الى امستردام . بالأمس كانت محطة زيبروج في بلجيكا القريبة من امستردام واليوم فينيسيا وسبقتها ساوث هوك . إنها مداخل استراتيجية تشكل سلسلة عملاقة تطوق السوق الأوروبية العملاقة للطاقة . بعلاقة فينيسيا التجارية التاريخية العرب خاصة ازدهرت واصبحت قبلة التجار في أوروبا وبطاقة الغاز القطري سيعود لتجار البندقية صيتهم العريق .
لتقريب معنى هذه العلاقة التاريخية أحب ان أعود الى الماضي عبر
كتاب فينيسيا والعالم الاسلامي ( 828 – 1797 ) والصادر عن متحف الميتروبوليتان للفنون في نيويورك يبدأ مدير المتحف فيليبي دو مونتيبللو في تقديمه للكتاب تسجيل قس ميلانو بيترو كازولا لوصف رائع لمدينة فينيسيا عام 1494 وحال التجار فيها من رفاه وثراء ويقول " من يستطيع تعداد المتاجر الكثيرة جيدة التأثيث والمخازن الكبرى المليئة بالملابس مختلفة الأنواع والتصميمات المطرزة والمزركشة ، أنواع السجاد المختلفة ، والحرير بأنواعه المختلفة ، ومخازن اخرى ملأت بأنواع البهارات والخضروات والفاكهة والأدوية والشمع الأبيض الرائع " .
ويمضي في المقدمة ويقول إن الكثير من المنتجات التي أسرت عيون القس كازولا بما في ذلك السجاد ، والأقمشة المطرزة ، والحرير والبهارات تأتي من منطقة شرق المتوسط وماوراءها . جلبها الى البحيرة تجار فينيسيا الناشطين في مناطق مثل القاهرة ، والاسكندرية ، اسطنبول وبورصة ودمشق وتبريز واصفهان .
واليوم يضاف اسم دولة قطر وتجارة الغاز الطبيعي المسال القطرية الى هذه القائمة التاريخية والسجل التجاري الرائع لفينيسيا .
ويورد الكتاب جانبا من أسرار العلاقة التاريخية التي ربطت بين فينيسيا والعرب والمسلمين وحضارتهم " لا احد نجح في كل الغرب في إقامة علاقات تجارية ودبلوماسية مع العالم الاسلامي كما فعل أهل فينيسيا . وعندما أخذت الإمبراطورية البيزنطية تتراجع تدريجيا مفسحة المجال أمام السلاطين المسلمين في المنطقة ازدادت علاقات أهل فينيسيا تدريجيا بالمسلمين وافكارهم ، وثقافتهم وأسلوب حياتهم . ولعل نجاح فينيسيا على مدى التاريخ ارتبط بشكل تام تقريبا بدورها كبوابة اوروبا المنفتحة على الحضارات الغنية في الشرق " .
قطر تعيد للعرب اواصر علاقتهم التاريخية وصيتهم التجاري في فينيسيا عبر بوابة الغاز أوقل عبر خطوط نقل الغاز العائمة وهو التعبير الذي أطلقه سعادة عبدالله بن حمد العطية نائب رئيس الوزراء وزير الطاقة والصناعة مجددا ذلك الصباح من على متن السفينة العملاقة " لا سيوبريما " وفي حضرة كل وسائل الاعلام الايطالية والعالمية . ويتم نقل الغاز من المحطة وتوزيعه عن طريق خط انابيب جديد يمر تحت مياه البحر متصل مباشرة بالمحطة. و قد نفذت شركة ادرياتيكا للغاز (Adriatica GNL ) الجزء الأول من خط الأنابيب، بمسافة 15 كيلومتر تحت سطح البحر، 10 كيلومترات عبر دلتا نهر البو و 5 كيلومترات تحت سطح الأرض. أما المرحلة الثانية من خطوط الأنابيب، والذي نفّذتها شركة أديسون و يبلغ طولها 84 كيلومتر لنقل الغاز من كافارازيري ( Cavarzere ) الى محطة توزيع الغاز المحلية بالقرب من مدينة بولونيا.
فينيسيا نقطة التقاء الحضارات الشرقية وتلاقحها مع الحضارات الغربية بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي . هذا الموقع الاستراتيجي هو ماجعل أعين المفاوض القطري تتثبت في هذا المكان كمدخل استراتيجي لشمال ايطاليا الصناعي الغني ومنه الى أنحاء ايطاليا وقلب أوروبا .
كنت شاهداً في ليلة العرس القطري على مسرح لافينيس العريق
- سمو الأمير : البعد البيئي هو البعد الآخر لالتزامنا و مسؤوليتنا في توفير إمدادات الغاز إلى الأسواق العالمية
- بيرلسكوني : فينيسيا ستستغل هذا الإنجاز في محاربة ظاهرة ارتفاع مياه البحر وانقاذ المدينة من الغرق
- فينيسيا تتحول بفضل الغاز القطري من مدينة للحرير والتوابل والفن في أوروبا إلى مركز عملاق للطاقة
- صحيفة " لاريبوبليكا " : أخيرا ومن هذه الليلة سينعم الإيطاليون بنوم هادئ
- ماركو بولو عاد يحمل نارا ويالها من نار نظيفة من عاصمة الطاقة النظيفة
- حجم محطة الأدرياتيك يزيد مرتين عن مساحة استاد سان سيرو في ميلانو
- قطر تعيد للعرب علاقتهم التاريخية وصيتهم التجاري في فينيسيا عبر بوابة الغاز
- تعلموا من العرب صناعة الزجاج ، والجلود ، والنسيج وعلى يد قطر يتعلمون صناعة الطاقة النظيفة
فينيسيا – د . طارق الشيخ : عدنا إلى الدوحة لكن قصة يومين حافلين رائعين ظلت تسيطر على البال وتلح علي بلوح الكتابة . قلت ماله ماركو بولو عاد يرحل ويتنقل بين موانئ الدنيا .. من المؤكد أنه لايبحث عن قارة لم تكتشف او موانيء لم تطأها أقدام البشر بعد . يرحل ماركو بولو من جديد تجاه الشرق بحثا عن مغامرة جديدة عله يجد مبتغاه ليبشر به أهل مدينته الجميلة فينيسيا . ماركو بولو تاجر البندقية الذي خلد اسمه في التاريخ مكتشفا عظيما عاد الى البندقية من جديد . وهذه المرة عاد الى اهله بما هو اعظم و بما لايقارن عاد يحمل نارا .
في تلك الليلة المجيدة في التاسع عشر من اكتوبر 2009 وسط قاعة مسرح " لافينيس " الملوكية البهية الرائعة جلس حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى والى جواره جلست سمو الشيخة موزة بنت ناصر المسند وسعادة السيد سلفيو بيرلسكوني رئيس وزراء ايطاليا . امتلأت القاعة التي يحكي كل ركن فيها قصة لوحدها من تاريخ دوقات فينيسيا . هنا فينيسيا مهد الجمهوريات الحديثة في أوروبا . وهنا فينيسيا الأرض الوحيدة في كل اوروبا التي عمدت تاريخا ناصعا للعلاقات التجارية والثقافية بين العرب واوروبا . فينيسيا التي عمدت قبل قرون مضت حوار الحضارات بين الغرب والشرق يوم أن كان معظم اوروبا يغط في نوم تاريخي عظيم عرفه التاريخ الإجتماعي لأوروبا بفترة القرون الوسطى . مسرح فينيسيا تحكي لوحاته روعة الفن وعبق تاريخ كان للعرب والمسلمين فيه قسطا وافرا.. حملة ثقافة وناقلي حضارة سامية وأهل تجارة وحملة لواء العولمة الحضارية آنذاك . إذ لم يعرف تاريخ فينيسيا حكم الخلافة العثمانية ولم يتول الحكم فيها أبدا أيا من الحكام المسلمين من سلاطين الدولة العثمانية برغم انهم قد بسطوا نفوذهم في كل المنطقة من حول جمهورية فينيسيا . بل ان فينيسيا وعلى خلاف المناطق الأخرى في أوروبا من صقلية الى اسبانيا ظلت على علاقة تاريخية بالمسلمين وبدرجة أثرت كثيرا في بنية الدولة التجارية والصناعية والثقافية . وتشهد على ذلك اللغة المحلية الذاخرة بالكلمات العربية وما اشتهرت به فينيسيا من فنون صناعة الزجاج والكريستال والسجاد تعلموا فنونها أول مرة من الحضارة العربية والإسلامية ثم غذوها ببصمة فينيسية حتى اصبحت رمزا من رموز ثقافتهم التجارية .
مسرح فينيسيا العريق يحكي قصصا رائعة من منجزات موسيقية واوبرالية خلدها التاريخ . هنا كان فيفالدي وهنا قدمت اعظم الأعمال الأوبرالية الخالدة .. وهنا بالذات وفي تلك الليلة من اليوم التاسع عشر من أكتوبر اعتلى ساحة المسرح ذلك الشاب القطري يطلب يد عروسه البهية من جميلات فينيسيا . وبلغة سهلة كانت ليلة العرس .. وليلة استعاد القطريون فيها للعرب لحظات مجيدة من تاريخ التلاقح الحضاري بين العالم العربي الاسلامي وفينيسيا .
ماركو بولو يعود من جديد بعد رحلة جاب فيها عباب بحر الخليج يحمل نارا ويبني واحدة من عجائب الجزر الصناعية . تحفة معمارية تماما كما هي الجسور الاربعمائة التي جعلت واحدا من اشهر اسماء فينيسيا " مدينة الجسور " .
في صباح ذات اليوم مررنا من تحت " جسر التنهدات " او كما يطلق عليه بالايطالية " بونتي دي سوسبيري " . لم يكن هناك مساجين يقتادون الى ساحة القصر لإصدار الأحكام عليهم ، بل كانت هناك تنهدات ارتياح انداحت دوائرها لتصل كل بقاع ايطاليا وعبر عنها ذلك الصحفي الايطالي جورجو لوناري من صحيفة الجمهورية " لاريبوبليكا " حينما خاطبهم في صبيحة اليوم التالي مبشرا " أخيراُ ومن هذه الليلة سينعم الإيطاليون بنوم هاديء. فعلى الأقل لا توجد مخاوف من انعدام تدفئة المنازل خلال هذا الشتاء. إذ سيتم اعتبارا من هذا الصباح، ومن عرض مياه البحر الأدرياتيكي المفتوحة، وأمام انظار الصحافة العالمية تقديم أول محطة للتغويز بعيدة عن الشاطيء و هي الأولى من نوعها في العالم " . بشرهم بأن ماركو بولو عاد يحمل نارا ويالها من نار نظيفة من عاصمة الطاقة النظيفة .
عن محطة الأدرياتيك للغاز الطبيعي وجه سمو الأمير كلمة تاريخية لها ذات المفعول الساحر الذي جعل من فينيسيا في القرن الخامس عشر وبعد فترة وجيزة من اختراع جوتنبيرج المذهل لآلة الطباعة عاصمة للطباعة بل يذكر التاريخ لها مولد اول صحيفة مطبوعة ، واول مجموعات احترفت بيع الأخبار " ولأول مرة اصبحت الأخبار تباع في فينيسيا . قائمة طويلة باسماء البضائع والسلع مقابل غازيتا واحدة ( وهي العملة القديمة لفينيسيا ) . ولذا ومنذ ذلك التاريخ أصبحت القوائم بالأسعار والصحف تضع على رأسها كلمة غازيتا . ثم اصبحت كلمة غازيتا مرادفة للصحيفة التي تظهر بشكل منتظم ولايزال اسم غازيتا مرادفا لكلمة صحيفة في كثير من اللغات في العالم " .
فينيسيا تنهض من جديد . . فقد حمل سمو الأمير حفظه الله لأهل فينيسيا ومن بعدهم كل ايطاليا البشرى السارة ويسمع رئيس الوزراء بيرلسكوني كلمات لاشك ادخلت الطمأنينة في نفسه وايضا للملايين من أهل ايطاليا أن أصبح لديهم قوة الطاقة من راس غاز الى ايطاليا " إنه لمن دواعي السرور أن نجتمع اليوم في مدينة فينيسيا الجميلة لافتتاح وتدشين الميناء الأدرياتيكي لاستقبال الغاز الطبيعي المسال ، والذي يعتبر بحق من المشاريع المتميزة والرائدة في مجال الطاقة "0 ويضيف " إن هذا المشروع يمثل رمزاً للتعبير عن الصداقة بين دولتينا وشعبينا ، ونموذجاً للتعاون الفني والاقتصادي في مجال الطاقة بين المؤسسات والشركات ".
للطاقة سحر ولقوة قطرة الطاقة النظيفة سحر آخر . المشروع جزيرة جديدة تضيفها الريادة القطرية في صناعة الغاز الى أرخبيل فينيسيا لتصبح محطة الأدرياتيك الجزيرة رقم 119 . وأية مصادفة هذه الجزيرة التاسعة عشر بعد المئة تعلن انضمامها لأرخبيل فينيسيا في التاسع عشر من أكتوبر وعلى يد سمو الأمير . إنها واحدة من إضافات صناعة الغاز القطرية الساحرة وقد وصلت لتوها الى بر الأدرياتيك . فبعد المصانع العملاقة واسطول نقل الغاز العملاق هاهي جزيرة عملاقة تنشؤها قطر في واحدة من شراكاتها المميزة على بحر الأدرياتيك في عمل صناعي فريد من نوعه أوصفه وبدقة خطاب سمو الأمير " يعتبر هذا المشروع الأول من نوعه في العالم ، كما يعتبر طفرة نوعية في تصنيع موانئ استقبال الغاز الطبيعي المسال من حيث الالتزام الصارم بمتطلبات السلامة التشغيلية والمحافظة على البيئة 0 والمشروع عبارة عن منصة ضخمة في عرض البحر تبعد أكثر من 40 كيلو متر عن مدينة فينيسيا العريقة ، تم تصنيعها في أسبانيا وسحبها بحراً مسافة 3000 كيلو متر تقريباً ليتم إرساؤها في موقعها الحالي على عمق حوالي 30 متراً في مياه البحر الأدرياتيكي "0
كذلك فإن الأسلوب الذي تم به بناء المحطة فريد من نوعه حقا . فقد استخدمت تقنيات جديدة في بناء خزانين كبيرين للغاز المسال بنيت في اسبانيا وكوريا وتم تجميعها في اسبانيا وسحبت الى الموقع في ايطاليا .
ويشير سموه الى الهدف من المشروع قائلا " يهدف هذا المشروع إلى استقبال 6 ملايين طن في السنة من الغاز الطبيعي المسال وتخزينه وإعادته إلى حالته الغازية وضخه عبر أنبوب غاز بحري إلى شبكة الغاز الإيطالية 0 وهو يساهم بتأمين حوالي 10% من احتياجات إيطاليا من الغاز الطبيعي كما يمثل هذا الغاز الطبيعي المسال مصدراً جديداً من مصادر تأمين إمدادات الغاز النظيفة إلى إيطاليا ويساهم في تعزيز موارد الطاقة وضمان استقرارها ".
ولما كان الايطاليون دوما مغرمون بكرة القدم وفي تلك الليلة وفي حضرة بيرلسكوني رئيس نادي ميلانو العريق كان نادي ميلانو حاضرا استوحى منه الصحفي جورجو لوناري كلماته في تقريره في اليوم التالي ليمنح محطة الغاز المسال الوصف الأقرب لمخيلة الإيطاليين " تصل ضخامة حجم المشروع بمقدار مرتين من مساحة استاد سان سيرو الكروي بمدينة ميلانو: ارتفاع 47 مترا، وبعرض 88 مترا، وطول يبلغ 180 مترا، و هي بنية من الأسمنت المسلح يصل وزنها حوالي 290.000 طن " .
الغاز القطري يمضي يشق طريقه الى داخل اوروبا وفي مصادفة تاريخية محضة قريبا من ذات المداخل التجارية التي كانت تمهد الطريق الى داخل اوروبا من فينيسيا الى امستردام . بالأمس كانت محطة زيبروج في بلجيكا القريبة من امستردام واليوم فينيسيا وسبقتها ساوث هوك . إنها مداخل استراتيجية تشكل سلسلة عملاقة تطوق السوق الأوروبية العملاقة للطاقة . بعلاقة فينيسيا التجارية التاريخية العرب خاصة ازدهرت واصبحت قبلة التجار في أوروبا وبطاقة الغاز القطري سيعود لتجار البندقية صيتهم العريق .
لتقريب معنى هذه العلاقة التاريخية أحب ان أعود الى الماضي عبر
كتاب فينيسيا والعالم الاسلامي ( 828 – 1797 ) والصادر عن متحف الميتروبوليتان للفنون في نيويورك يبدأ مدير المتحف فيليبي دو مونتيبللو في تقديمه للكتاب تسجيل قس ميلانو بيترو كازولا لوصف رائع لمدينة فينيسيا عام 1494 وحال التجار فيها من رفاه وثراء ويقول " من يستطيع تعداد المتاجر الكثيرة جيدة التأثيث والمخازن الكبرى المليئة بالملابس مختلفة الأنواع والتصميمات المطرزة والمزركشة ، أنواع السجاد المختلفة ، والحرير بأنواعه المختلفة ، ومخازن اخرى ملأت بأنواع البهارات والخضروات والفاكهة والأدوية والشمع الأبيض الرائع " .
ويمضي في المقدمة ويقول إن الكثير من المنتجات التي أسرت عيون القس كازولا بما في ذلك السجاد ، والأقمشة المطرزة ، والحرير والبهارات تأتي من منطقة شرق المتوسط وماوراءها . جلبها الى البحيرة تجار فينيسيا الناشطين في مناطق مثل القاهرة ، والاسكندرية ، اسطنبول وبورصة ودمشق وتبريز واصفهان .
واليوم يضاف اسم دولة قطر وتجارة الغاز الطبيعي المسال القطرية الى هذه القائمة التاريخية والسجل التجاري الرائع لفينيسيا .
ويورد الكتاب جانبا من أسرار العلاقة التاريخية التي ربطت بين فينيسيا والعرب والمسلمين وحضارتهم " لا احد نجح في كل الغرب في إقامة علاقات تجارية ودبلوماسية مع العالم الاسلامي كما فعل أهل فينيسيا . وعندما أخذت الإمبراطورية البيزنطية تتراجع تدريجيا مفسحة المجال أمام السلاطين المسلمين في المنطقة ازدادت علاقات أهل فينيسيا تدريجيا بالمسلمين وافكارهم ، وثقافتهم وأسلوب حياتهم . ولعل نجاح فينيسيا على مدى التاريخ ارتبط بشكل تام تقريبا بدورها كبوابة اوروبا المنفتحة على الحضارات الغنية في الشرق " .
قطر تعيد للعرب اواصر علاقتهم التاريخية وصيتهم التجاري في فينيسيا عبر بوابة الغاز أوقل عبر خطوط نقل الغاز العائمة وهو التعبير الذي أطلقه سعادة عبدالله بن حمد العطية نائب رئيس الوزراء وزير الطاقة والصناعة مجددا ذلك الصباح من على متن السفينة العملاقة " لا سيوبريما " وفي حضرة كل وسائل الاعلام الايطالية والعالمية . ويتم نقل الغاز من المحطة وتوزيعه عن طريق خط انابيب جديد يمر تحت مياه البحر متصل مباشرة بالمحطة. و قد نفذت شركة ادرياتيكا للغاز (Adriatica GNL ) الجزء الأول من خط الأنابيب، بمسافة 15 كيلومتر تحت سطح البحر، 10 كيلومترات عبر دلتا نهر البو و 5 كيلومترات تحت سطح الأرض. أما المرحلة الثانية من خطوط الأنابيب، والذي نفّذتها شركة أديسون و يبلغ طولها 84 كيلومتر لنقل الغاز من كافارازيري ( Cavarzere ) الى محطة توزيع الغاز المحلية بالقرب من مدينة بولونيا.
فينيسيا نقطة التقاء الحضارات الشرقية وتلاقحها مع الحضارات الغربية بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي . هذا الموقع الاستراتيجي هو ماجعل أعين المفاوض القطري تتثبت في هذا المكان كمدخل استراتيجي لشمال ايطاليا الصناعي الغني ومنه الى أنحاء ايطاليا وقلب أوروبا .