المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تحديات البورصات الخليجية



مغروور قطر
09-02-2006, 05:31 AM
تحديات البورصات الخليجية
بقلم :حسن العالي



في ظل النشاط المحموم الذي تشهده هذه البورصات، سواء من حيث النشاط أو التحركات السعرية، يثور أكثر من سؤال حول كيفية تطوير هذه الأسواق وتوفير العمق الأكبر لها وتمكينها من أداء دور اكبر في تنمية الاقتصاديات الخليجية لكي تستوعب حجم السيولة الكبيرة دون التعرض لهزات عميقة، وبنفس الوقت تشجع إدراج المزيد من الشركات الجديدة.


ولا شك أن جوانب تعميق الأسواق وتطويرها هي كثيرة ومتنوعة، ولعل أحد أهم جوانب ذلك والذي تطرح بين الفينة والأخرى هو موضوع تنويع الأدوات المتداولة ومن بينها سندات الدين الخاصة والحكومية. ان أهمية هذا الموضوع لا تنحصر في كونه يسهم في توفير أدوات مالية متنوعة للمستثمرين بل وأيضاً يعنى إيجاد مصادر تمويل بديلة للشركات المساهمة، وضمان تدفق اكبر للمدخرات الوطنية للاستثمار في المشاريع التي تقوم بها تلك الشركات.


والواقع الذي يبرز أمامنا هنا قلة الحالات التي لجأت أو تلجأ إليها الشركات المساهمة أو حتى الشركات الخاصة الكبيرة بدول مجلس التعاون الخليجي لإصدار سندات دين خاص بها في أسواقها المحلية. وقد ترتبت على هذه الظاهرة ان أسواق السندات اقتصرت على ما تصدره الحكومات من سندات خزانة ودين والتي يتم الاكتتاب فيها بصورة رئيسية من البنوك والمؤسسات حيث تبقى القاعدة العريضة من المستثمرين بعيدة عن هذا النوع من الاستثمار.


ومن الناحية النظرية، تختار الشركات هيكل التمويل الأمثل لها والذي يحقق اقل تكلفة ممكنة. فتتم المفاضلة بين النسب المختلفة التي يمثلها التمويل الذاتي (حقوق المساهمين سواء كانوا شركاء أو مساهمين عامين) وتلك التي يمثلها التمويل الخارجي (القروض من المصادر الخارجية) مقارنة بإجمالي التمويل.


فالتمويل الذاتي، أي احتجاز الأرباح المحققة أو زيادة رأس المال له تكلفته التي تتمثل في الالتزام لاحقا بتوزيع أرباح نقدية اكبر تحقق عائداً مجزياً للمساهمين، كما أن للتمويل الخارجي تكلفته أيضاً التي تتمثل في أسعار الفائدة التي سوف تدفعها الشركة على قروضها.


أيضاً تقوم الشركات باختيار التوزيع الأفضل لاستحقاقات قروضها، فتقوم بتوزيع تلك القروض بين قروض قصيرة الأجل توجه عادة لتمويل رأسمال التشغيل، في حين تختار القروض الطويلة الأجل لتمويل الإنفاق الرأسمالي.


كما أن البنوك نفسها تضطر عادة للحصول على قروض طويلة الأجل لتمويل أنشطتها التمويلية الطويلة الأجل. من هنا نمت وتطورت أسواق السندات الخاصة لتواجه احتياجات التمويل المتوسطة والطويلة الأجل للشركات سواء شركات إنتاجية أو خدمية أو مالية.


وعلى أية حال، وعلى الرغم من جميع التطورات التي جعلت من السندات مصدراً تمويلياً واستثمارياً أكثر إغراء للمقترضين والمقرضين، فإننا نلاحظ ضعف تطورها في أسواق المنطقة، حيث يرجع ذلك إلى عدة أسباب.


والملاحظة الأولى التي تبرز هنا أن الغالبية العظمى من الشركات المساهمة والخاصة في دول الخليج تعمل في مجال التجارة والمقاولات والخدمات والمال التي عادة من تكون دورة أعمالها قصيرة الأجل نسبياً ولا تتطلب تمويلاً طويل الأجل.


واستناداً إلى الملاحظة الأولى فإن التمويل القصير الأجل الذي تحصل عليه الشركات المساهمة الخليجية من البنوك يصبح أكثر ملاءمة لاحتياجاتها، خصوصاً ان هذه البنوك كثيرا ما تقوم بتدوير التسهيلات الائتمانية الممنوحة لتلك الشركات لتصبح من الناحية الفعلية تسهيلات طويلة الأجل.


وساعد على تفضيل هذه التسهيلات ان الشركات المساهمة الخليجية خصوصاً، والشركات بصورة عامة تمكنت خلال السبعينات وفترات من الثمانينات من تحقيق عوائد مجزية جنبها النظرة الجدية للكلف النسبية المحتسبة على البدائل المختلفة للتمويل.


ولا ننسى أن غياب المؤسسات المتخصصة في الترويج لإصدارات السندات الخاصة وتنظيمها وتغطيتها بصورة أولية قد ساهم في ضعف الإقبال على إصدارات السندات الخاصة.ولعل العوامل التي تسهم في ظاهرة ضعف إصدارات السندات الخاصة بمختلف أنواعها بدول المنطقة تمتد إلى ابعد من ذلك،


ففي دراسة أجريناها للتعرف على خصائص الهيكل التمويلي للشركات المساهمة في بلدان خليجية ثلاثة هي البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية اتضح ان الكثير من تلك الشركات ليست معتمدة على مصادر التمويل الذاتية فحسب، بل وانها تملك فوائض من الأموال التي تغنيها عن زيادة حجم تمويلها الخارجي.


وعلى الرغم من جميع العوامل المسببة لقلة إصدارات السندات الخاصة في دول المنطقة والتي تطرقنا لها والتي سوف تبقى تلعب دورا مؤثرا في اللجوء إلى أسواق السندات المحلية، فإننا نعود للقول إن التطويرات الهائلة التي أدخلت على هذه الأسواق جعلت من هذا الشكل من التمويل أكثر إغراءً وجذباً للشركات بما فيها تلك التي يملك خصائص الشركات المساهمة الخليجية.


ونحن هنا نشير إلى بعض السمات والعوامل التي تجعل لدى الشركات الخليجية رغبة اكبر في اللجوء إلى إصدار السندات، أي السمات والعوامل التي تشجع جانب العرض، وباعتبار ان جانب الطلب، أي رغبة المستثمرين الخليجيين في الاستثمار في هذه السندات، قابل للتطور والاستجابة السريعة للإصدارات الجيدة.


فأولاً، للتوسع في الاعتماد على إصدار الأسهم العادية تكلفته أيضاً ويضع الشركات المساهمة أمام التزام طويل الأجل بتوزيع أرباح نقدية متصاعدة. وهذا الجانب كما نلاحظ له حساسيته الخاصة بالنسبة للمستثمر الخليجي الذي ينظر بالدرجة الأولى إلى العوائد النقدية المباشرة كأساس لتقييمه لاستثماراته.


وبالتالي تتعرض الشركات لاستنزاف مستمر يقلل من إمكاناتها على النمو. ولا يفسح لها المجال للتصرف بمرونة في الفترات الاقتصادية التي تتراجع فيها حجم أعمالها ومبيعاتها. لذلك فإن اللجوء لإصدار السندات بأشكالها المرنة الحديثة سوف يعطي الشركات المساهمة هامشاً أكبر للتحرك بصورة اكبر وأكثر فاعلية في مواجهة التطورات الاقتصادية والمالية المتغيرة.


ومن جانب آخر نجد أن الاقتصادات الخليجية مقبلة على مرحلة جديدة تتسم بتنويع الأنشطة الإنتاجية والاعتماد بصورة اكبر على القطاع الخاص، ويتزامن مع ذلك تضاؤل العوائد الحكومية.


وهذه المعطيات تفرض على الشركات البحث بصورة جدية في تنويع مصادر تمويلها وفق دراسة علمية يصل بها إلى تبني هيكل التمويل الأمثل. ان إصدار سندات الدين وإدراجه ضمن الهيكل التمويلي للشركة سوف يسهم في تحقيق هذا الهدف خصوصاً عندما يبنى على أساس دراسة وافية لاحتياجات الشركة.


ونضيف إلى ذلك ان السندات الخاصة خصوصا ذات الفوائد العائمة والآجال الزمنية المتغيرة توفر للشركات مرونة اكبر في الاستجابة للتطورات الاقتصادية ذات الصلة بأنشطتها بصورة اكبر مما توفرها الأسهم العادية أو حتى القروض المصرفية.


ولقد تم أيضاً إدخال مفهوم السندات القائمة على مقاسمة الأرباح بدلاً من الفوائد وذلك لكي تتمشى مع احتياجات الشركات التي تتبنى المفاهيم الإسلامية في أنشطتها، ولا شك ان دور هذه الشركات اخد في الاتساع بصورة سريعة مما يجعل من ذلك النوع من السندات أقل تكلفة ومخاطرة بالنسبة لها.


وبصورة عامة يمكن القول إن العديد من التطورات الاقتصادية والمالية المستجدة والتي تشهدها البورصات الخليجية في الوقت الراهن تحتم على الشركات المساهمة الخليجية تحسين كفاءة هيكل مواردها المالية وذلك من خلال تنويع المصادر والوصول إلى التكلفة المثلى بغية تحسين وضعها التنافسي.


كما ان وجود مدخرات مالية كبيرة لدى القطاع الخاص تغري هذه الشركات بتوفير أدوات مالية استثمارية تستقطب جزءاً من هذه المدخرات وتشغيلها في تنمية اقتصاداتها.