المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال : دنياهم: حرية وعمل ودنيانا (غنوة) وقمع!



ماهر حسن
14-11-2009, 09:47 AM
دنياهم: حرية وعمل ودنيانا (غنوة) وقمع!


بقلم أ. د. : عمر بن قينه


قد لا يستفزّني شيء كما تستفزني هذه الإعلانات الرخيصة في (صحفنا) العربية، والقنوات التلفازية والإذاعية في أرض (العرب): عن حفلات الترنّح والسهر والتهتّك والطرب!

حفّزني علي تسجيل امتعاضي هنا اليوم إعلان تواتر بين الفضائيات والصحف، فتجاوز المعلنون فيه فضائيتهم (العربية) الممونة من أموال أمة منكوبة إلي الصحف بالألوان الزاهية حتي في تقديم المطربة المتهتّكة في وقفة ... من وقفات بنات الشوارع، تحت عنوان (الدنيا غنوة)!

هنا تبدأ الحياة وتنتهي، هنا (كل الحياة) في منطق العابثين والعابثات في (دنيا العرب) من مسؤولي (قنوات) فاسدين ظالمين بأموال الأمة عابثين، يتناسلون كالوباء، فيسخّرون أموالنا المحصّلة من جيوبنا بصيغ مختلفة، من ضرائب ومسميات أخري جمّة للعبث واللهو، وبذلها علي نحور المتفسخات.

هل اكتفوا بالدعوة للاعتكاف أمام (مطربتهم) للغرق في الخدر والترنح والخروج من الحياة باسمها، هل اكتفوا بهذا؟ كلاّ! لقد أمعنوا في الاستهتار بعقول الناس وأذواقهم فجعلوا هذه الحفلة هي (الزمن الجميل)!

ثم أمعنوا أنّ ذلك (أصالة)! أي (أصالة عربية)! بهذا جعل الأوباش أمتنا العربية تغرق في الأوحال، من دون بصيص نور، أو أشعة تؤذن ببزوغ شمس تطهّر حرارتها أرضنا من هذه الأوبئة التي تنشرها مختلف الحشرات التي تتكاثر وتتنوّع وتزداد انتشارا، مع مرور الشهور والسنين! وقد عظم أذاها ومقاليد معظم أمور إدارة وإعلام بأيديها.

هكذا أراد الأوباش (دنيانا) وحياتنا محصورة في (غنوة) بإرادة أراذل سخّرهم أعداؤنا ليكونوا الجدار الأسود دون تقدمنا خطوة واحدة، إن لم ينجحوا (تماما) في العودة بنا القهقري، وإن نجحوا في هذه العودة بنا بأشكال أخري مختلفة.

هكذا (يبشّرون) بحياة (الخمول) والوهن و(الكسل) الخمول والكسل بالذات (صناعة عربية) بفعل هذه النماذج في الإعلام ومَن وراءهم في السياسة، لماذا الجد والعمل في سياساتنا العربية مادام (الجزاء) بالراتب والهبات و(الترقيات) من دون (عمل) للكسالي والمهملين والخاملين، و(التقتير) علي العاملين الجادين المخلصين، و(التقطير) في الحقوق عليهم، نكاية بهم، لأنّهم يتوقون لجوهر الحياة، يعيشون من رَحِيقها! لا عجب إذن من سياسة (الهوس الرياضي) إلي جانب (الهوس الطربي) لتصرف بذلك الأمة عن بناء مجدها واحتلال مكانتها المستحقة بين الأمم! إنّها المؤامرة المحبوكة بين خارج متآمر، وعميل من الداخل (فاعل) وليسخر الساخرون اللاّهون الكسالي العاطلون من (نظرية المؤامرة) ليوهموا السذج أن ذلك توهم ومحض خيال!

هكذا أرادوا حياتنا! تبدأ وتنتهي في(أغنية) نعيش مخدّرين خاملين كسالي أمام لاهية متفسّخة ترزح تحت المساحيق والأضواء، لا رصيد لها تعيش منه إلا حركات جسد يتلوّي، وكلمات مبتذلة وماجنة يُديرها لسانها الأفعواني، ينفث سما زعافا من مغارة كلها فحيح في الجوهر، وأنغام في الظاهر!

مثلما اعترضتني في صحيفة عربية الدعوة الرخيصة لحياة (الدنيا غنوة) في الفضائية العربية، وقفت أمام الحديث عن (ألمانيا) بعد ستين سنة من تدميرها ودمارها الكامل، فضلا عن تمزيقها إلي ألمانيتين شرقية وغربية، لتصير بفضل (العلم) والعمل أخيرا: المعجزة الاقتصادية الحقيقية، هذه المعجزة التي جعلت (المارك) عملة جبارة هي التي استطاعت أن تمتصّ كلّ التأثيرات الناجمة عن وحدتها من جديد (أكتوبر 1989م) وقد فتحت (ألمانيا الغربية) ذراعيها لإخوانها في (ألمانيا الشرقية) الذين هدّوا الجدار العازل بين الألمانيتين هدا (نوفمبر 1989) للخلاص من جحيم حكم شيوعي إرهابي ظالم، قعد بذلك الشطر الشرقي في أغلال سياسة القمع دون ركب الحياة!

هي ذي الحياة: الطموح الوحدوي العملي الفاعل، وجدية رجل السياسة، وضوابط العدل، بمعايير الجزاء حسب الجد، حيث لا غبار علي الفرق بين عامل جاد مخلص، وآخر مهمل كسول، ازدهر الاقتصاد والإنسان في (ألمانيا الغربية) فجعلها ذلك من (القوة) بتحمّل التبعات الخيالية الناجمة عن التوحيد بعد واحد وأربعين عاما من الفصل والتمزيق، لتقسيم البلد إلي جزأين عند هزيمة (النازية) بنهاية الحرب العالمية الثانية!

(ألمانيا) نموذج حيّ، يقاس عليه حيث عالم (الجد) والحرية والعدل والإخلاص، للتقدم في الحياة، هي دنياهم: عدل، وحيوية، وحرية واجتهاد ونشاط. دنيانا نحن (غنوة) ومع (الغنوة) قمع مقيم جعل (أنظمة) تسمي دولا قابعة في الحضيض، يعاني فيها الإنسان الأمرّين بعضها مضي علي تأسيسه (كإدارة) أكثر من قرنين، وهو لا يكاد يريم، فلا عجب أن تكون إذن دنياهم حرية وعملا، ودنيانا قمعا وطربا وترنّحا وكسلا ونوما.

تبني الأمم أوطانها وترتقي بالحياة فيها، ونبقي نحن علي رصيف الحياة نحدّق في الضياع والتيه، كما حدق (أبو ريشه) في أغلاله أولا:

لم أزل أسحب قيدي متعبـا
وجراحي لم تزل تشْتُم قيدي

ثم في ضياعه ثانيا في عالمه التائه، في منزلة بين (الحياة) و(الموت) كحال واقعنا:

جنبا إلي جنب .. نجرّ الخطي
وفي مآقينا احتضـار العـزاء
كأنّنا طيفـان قـد أقلتا
من عالم الموتي ودنيا الفنـاء
لا لمسة منّا .. ولا همسـة
أشقي المني ما ضاق عنه الشقاء

المصدر جريدة الراية
http://www.raya.com/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=484022&version=1&template_id=24&parent_id=23