المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تونس بين مواجهة الأزمة المالية وأزمة البطالة واستقطاب الاستثمارات



ROSE
26-12-2009, 01:57 PM
تونس بين مواجهة الأزمة المالية وأزمة البطالة واستقطاب الاستثمارات
رفعت احتياطها من النقد وحجم الاستثمارات الأجنبية


تونس - يو.بي.أي :

تمكنت تونس خلال العام 2009 من الحد من انعكاسات الأزمة المالية العالمية بسبب اتباعها "سياسية اقتصادية حذرة"، لكن ثمة مخاوف بشأن قدرتها على التخلص تماماً من تداعياتها في العام المقبل، بعدما أثرت على حجم الاستثمارات الخارجية، التي سجلت سقفاً أدنى من المتوقع في ظل استمرار عجز الميزان التجاري وهاجس البطالة المستمرة. وينظر المراقبون في تونس إلى تأثيرات تلك التحديات على مسيرة التنمية بحذر يرتقي في أحيان كثيرة إلى تخوّف مشروع، لاسيما أن انعكاساتها مسّت عن قرب عددا من القطاعات الإستراتيجية. ورغم أن عددا من المؤسسات الإقليمية والدولية تقر بأن تونس نجحت خلال العام 2009 في الحد من تأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية من خلال الإجراءات والتدابير التي اتخذتها، فإن ذلك لم يحجب التساؤل بشأن إمكانية أن تفلح تلك الإجراءات والتدابير خلال العام المقبل من تمكينها من الخروج نهائيا من دائرة تداعيات الأزمة.
وقال الخبير الاقتصادي التونسي محمود بن رمضان ليونايتد برس إنترناشونال، إن تداعيات الأزمة المالية العالمية لم تكن كارثية بالنسبة إلى تونس، وإن التحديات التي تواجه الاقتصاد تختلف بشكل هيكلي عن التحديات التي تواجهها بعض الدول نتيجة هذه الأزمة. وأوضح رمضان أن سبب الاختلاف يعود في الأساس إلى انفصال القطاع المالي التونسي بشكل نسبي عن القطاع المالي العالمي، وإلى السياسة المالية المحافظة والحذرة التي تعتمدها تونس، الأمر الذي مكنَّها، بشكل أو بآخر، من امتصاص صدمة تداعيات الأزمة، والحفاظ على توازنات الدولة المالية بدون مخاطر جدية. مع ذلك، يصف البرلماني التونسي عادل الشاوش التحديات التي ستواجهها تونس خلال العام 2010 بأنها "كبيرة وجسيمة، وتتطلب جهودا إضافية ومضنية" من الدولة للحد من انعكاساتها على مسار التنمية.
وقال الشاوش ليونايتد برس إنترناشونال إن أبرز هذه التحديات يبقى رهان توفير المزيد من فرص العمل، ما يتطلب رفع مستوى النمو إلى أكثر من 6%، والحفاظ على تدفق الاستثمارات الأجنبية لمعاضدة مشاريع التنمية في البلاد. لكنه حذر من أن ضبابية الوضع الاقتصادي العالمي تجعل من هذه المهمة شبه مستحيلة على اعتبار أن تونس حققت خلال العام 2009 نسبة نمو في حدود 3% فقط، وبالتالي فإن مضاعفة هذه النسبة خلال العام 2010 يبدو أمرا صعبا. وكان المدير العام المساعد لصندوق النقد الدولي موريلو برتغال، أشار مؤخراً إلى أن تونس تمكنت خلال العام الحالي من تقليص ديونها العامة والمصنفة ونجحت في رفع احتياطها من النقد الأجنبي ومن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. واعتبر برتغال أن ذلك لا يعني أن تونس في منآى تماما عن تأثيرات الأزمة، التي كان لها انعكاس على مستوى الصادرات والسياحة، لافتا إلى أن تونس ما تزال تواجه رهاناً على مستوى التوفيق بين التوازنات المالية للدولة وخفض نسبة الديون المصنفة، وتوفير فرص عمل لحملة الشهادات العليا. وتعترف الحكومة التونسية بأن تداعيات الأزمة المالية العالمية مست عددا من قطاعاتها، لكنها تؤكد أنها تعمل جاهدة على الحد من تأثيراتها، من خلال إجراءات وقائية وإصلاحية بهدف تطوير القدرة التنافسية لاقتصادها، وبالتالي الحفاظ على وتيرة النمو. وتشير الحكومة إلى جملة من الإجراءات الوقائية التي اتخذتها لتطوير تنافسية الاقتصاد من خلال توسيع الشراكة بين القطاع العام والخاص وزيادة الانفتاح في قطاع الخدمات على الخارج، وتطوير السوق المحلي، وتوفير أمن الطاقة، والحد من تأثيرات التغيرات المناخية وتقوية الدعم الاجتماعي. ويصنف التقرير العالمي السنوي 2009- 2010 لمنتدى دافوس الاقتصادي العالمي بشأن مؤشر التنافسية الاقتصادية، تونس في المرتبة الأولى أفريقيا والمرتبة السادسة عربيا،ً والمرتبة 40 عالمياً من ضمن 133 دولة. وقال البرلماني هشام الحاجي ليونايتد برس إنترناشونال، إن التحدي الاقتصادي الأبرز في تونس يرتبط أساسا بانعكاسات التحولات المناخية في ظل الحاجة إلى إعادة ترتيب الأولويات، إذ يتعين على القطاع السياحي أن يتعهد بالإصلاح بعد تأكد محدودية قدرته على المنافسة. وقال الحاجي إن تونس تواجه أيضا تحديا آخر لا يقل أهمية، يتعلق بضرورة تنقيح قانون التشجيع على الاستثمار الذي يجب أن يعيد النظر في العلاقة مع رجال الأعمال والمبادرة الخاصة بالمجموعة الوطنية، وأن يتفاعل أكثر مع القطاعات الجديدة الواعدة. وينسجم هذا الرأي مع توجهات الحكومة التونسية التي تقول إن الإجراءات الوقائية التي اتخذتها تستهدف تطوير تنافسية الاقتصاد من خلال دفع الشراكة أكثر بين القطاع العام والخاص وانفتاح قطاع الخدمات على الخارج وتطوير السوق الداخلية، إلى جانب تأمين الأمن في مجال الطاقة، والحد من تأثيرات التغيرات المناخية وتقوية المساندة والدعم الاجتماعي. ويقول رئيس الوزراء التونسي محمد الغنوشي، إن الإصلاحات والإجراءات التي اتخذتها حكومته ساهمت في دعم قدرة البلاد على مجابهة التقلبات في الاقتصاد العالمي، الأمر الذي يعكسه تعاطي الاقتصاد التونسي مع تداعيات الأزمة المالية العالمية التي، بدأت في منتصف سبتمبر الماضي واستفحلت في بداية العام 2009.
واعتبر الغنوشي، في كلمة ألقاها مؤخراً أمام أعضاء مجلس المستشارين ، أن تداعيات الأزمة لم تحل دون تمكن بلاده من الحفاظ على سلامة توازناتها المالية من خلال حصر عجز الموازنة العامة في حدود 6.3 % من إجمالي الناتج المحلي، وتقليص نسبة الديون الخارجية إلى 3.41 %، مقابل 6.42 % العام 2008، وخفض معدل ارتفاع الأسعار إلى 5.3 % مقابل 5 % في العام 2008. ويرى مراقبون أن توجهات موازنة الدولة التونسية للعام 2010 تصب في هذا الاتجاه، وتطمح إلى تمكين تونس من المحافظة على نسبة نمو مستقر، لاسيما أنها تمكنت من تسجيل نسبة نمو في حدود 3 %، رغم وطأة الأزمة المالية. وكان البرلمان التونسي أقر موازنة الدولة التونسية للعام 2010 التي تقدر بـ 18.335 مليار دينار (14.213 مليار دولار)، أي بارتفاع بنسبة 5.4% عن موازنة العام الجاري.وتتضمن تخصيص 6.825 مليار دينار (5.290 مليار دولار) لرواتب موظفي الدولة، بزيادة تقارب نسبة 8% عن العام الماضي. وخصص في الموازنة 4.600 مليار دينار(3.59 مليار دولار) لنفقات التنمية التي ارتفعت بنسبة 18 % مقارنة مع العام الحالي 2009 .
وقال محمود بن رمضان ليونايتد برس إنترناشونال إن المشاكل الجوهرية التي يواجهها الاقتصاد والمجتمع التونسي تتمثل أساسا بوجود أزمة في استقطاب الاستثمارات، مع تزايد العجز في توفير المزيد من فرص العمل، وبالتالي ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل، الأمر الذي يدفع إلى الخشية من تراجع الخدمات الاجتماعية المقدمة إلى الفئات ذات الدخل المحدود. وتعتزم الحكومة التونسية التركيز خلال العام 2010 على دفع مستوى الاستثمار إلى 26.5 % من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 25.9 % عام 2009، وذلك من خلال الاعتمادات المرصودة للتنمية ضمن موازنة الدولة، أي ما يناهز 30 % من إجمالي الاستثمار.
وتشير الوكالة التونسية للنهوض بالاستثمار الخارجي (حكومية) إلى أن حجم الاستثمارات الأجنبية التي استقطبتها تونس خلال الأشهر العشرة الماضية من العام الجاري بلغ 1.766 مليار دينار (1.368 مليار دولار). وكانت تونس أعلنت في بداية العام الجاري أنها تسعى لاستقطاب استثمارات أجنبية بحجم 2.4 مليار دينار (1.86 مليار دولار)، ولكنها خفضت هذا السقف إلى 2.1 مليار دينار (1.62 مليار دولار) بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية. وتعوّل السّلطات التونسية على الاستثمارات الأجنبية لإقامة مشاريع جديدة من شأنها المساعدة على امتصاص ارتفاع نسبة البطالة التي تحولت إلى هاجس حقيقي بات يؤرق الحكومة ومختلف مكونات المجتمع المدني، التي لا تخفي خشيتها من تداعيات هذه المعضلة على التوازن الاجتماعي في البلاد. وتقدر نسبة العاطلين عن العمل في تونس بنحو 13 % رسميا، وهي تشمل على وجه الخصوص خريجي الجامعات، حيث يدخل نحو 85 ألف شخص سنويا إلى سوق العمل، الذي تقدر طاقة استيعابه بنحو 65 ألف فرصة عمل سنويا فقط. ويرى البنك الدولي أن معالجة هذه المعضلة يستوجب تحقيق نسبة نمو في حدود 10 % لاستيعاب طالبي العمل الجدد، في حين وصلت هذه النسبة في السنوات الأخيرة بمعدل 5 %، وانخفضت إلى 3 % في عام 2009 تحت أثر الأزمة المالية العالمية. وتقول الحكومة التونسية إنها ستعمل على تقليص نسبة البطالة بنقطة ونصف في العام 2014، وزيادة فرص العمل الجديدة من 57 ألفا في العام 2009 إلى 70 ألف فرصة عمل خلال العام 2010. وتشير إلى أنها ستبذل خلال العام 2010 جهودا استثنائية من خلال برمجة انتداب أكثر من 16 ألفا من الكوادر في الوظيفة العامة، يستأثر خريجو التعليم العالي بنسبة 70 % منهم على الأقل، ورفع إجمالي الاعتمادات المخصصة حصرياً للتشغيل من 258 مليون دينار (200 مليون دولار) في العام 2009 إلى 304 ملايين دينار (235.65 مليون دولار) في العام 2010، أي بزيادة بنسبة 18 %. كما تتطلع الحكومة إلى دفع العجلة الاقتصادية في العام المقبل من خلال تقليص عجز الميزان التجاري عبر رفع حجم الصادرات بنحو 4.4 %، مقابل انخفاض متوقع بنسبة 6.5 % خلال العام الجاري. ورغم هذه النتائج التي توصف بأنها إيجابية، فإن خبراء الاقتصاد يعتبرون أن تونس لم تخرج بعد من دائرة تأثيرات الأزمة المالية العالمية، بغض النظر عن مناعة اقتصادها الذي يستمد قوته من تنوع قاعدته الإنتاجية، التي تتوزَّع بين الزراعة والصناعة والخدمات. ويرى محمود بن رمضان أن الضيق، الذي يعاني منه النموذج الاقتصادي التونسي حاليا ليس مرتبطا بقلة الموارد، وإنما يعود أساسا إلى انعدام كفاءة الإدارة، ما يستدعي التركيز على أهمية الحكم الرشيد سواء لجهة احترام سيادة القانون، أو لجهة مكافحة الفساد والرشوة . وتونس مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بتوفير مناخ للأعمال يساعدها على تعزيز قدرتها التنافسية يقوم على مبادئ الشفافية والفاعلية وإشراك القطاع الخاص ومكونات المجتمع المدني والخبرات الوطنية في رسم الخيارات وبلورة المقاربات وتقديم المقترحات. هل سيصار إلى تطبيق هذه السياسة، أو أي سياسة بديلة، لضمان عدم تضرر مسيرة التنمية في البلد في العام 2010، وبما يساعد أكثر في إبعاد، أو الحد، من أي تداعيات إضافية محتملة على الاقتصاد التونسي، نتيجة لاستمرار الجمود في الاقتصاد العالمي.