الوعب
03-01-2010, 07:20 AM
الراية 03/01/2010
كان مدخلنا لهذا الحوار بمكتب السيد أندي استيفنز الرئيس التنفيذي لمجموعة البنك التجاري تذكر تلك السنوات التي مرت سراعاً على هذا الرجل الذي خبر كل مفاصل البنك التجاري وواكب مساره طوال عقدين من الزمان وعايش المراحل الأدق والأكثر حسما في مسيرة البنك التجاري.. واكب الإنطلاقة القوية للبنك بل كان في قلبها بحكم موقعه كمدير عام ثم رئيسا تنفيذ يا للمجموعة.
تحدث عن أيامه الأولى وما كان عليه البنك التجاري آنذاك وما صار عليه اليوم بعد تحولات كبرى في المفاهيم والمقاصد والطموحات التي سمت عاليا لتتعدى الدور الوطني المحلي والذي جعل من البنك التجاري واحدا من حملة لواء التغيير والنهضة في دولة قطر، ومستمدا الهامه من قطر متجاوزاً حدود الدولة ليمضي في اعتلاء القمم إلى ريادة إقليمية تتوسع وفق استراتيجية مدروسة وتنطلق في تروي.
تطرق الحديث مع آندي ستيفنز قبل الدخول في صلب موضوع الحوار ليتناول مقر البنك التجاري والجوانب الهندسية البديعة والجديدة التي تعد الأولى وربما الوحيدة من نوعها في قطر. ولما كان العالم كله قد دخل نفق الأزمة المالية العالمية فقد أخذت الأزمة وتأثيراتها وكيف تعامل معها البنك التجاري شأن البنوك القطرية مجتمعة نصيب الأسد من الحوار وقد سلط آندي بخبرته ومعرفته الضوء على معالم مهمة جعلت من قطر بمنأى عن تأثيرات الأزمة المالية المدمرة في كثير من مناطق العالم.
* سألته كيف تعاملت مجموعة البنك التجاري مع الأزمة وكيف أمضت هذا العام وسط اجواء عالمية مشحونة بنظام مصرفي عالمي متعولم مترابط؟
لقد كان أداء البنك جيدا شأن البنوك القطرية جميعا واذا مانظرت إلى النتائج التي حققتها البنوك القطرية فقد كانت جميعها صحية وطيبة. وإذا مانظرت إلى البنوك وكيف نظروا اليها في الغرب.
لقد حملوها المسؤولية فيما جرى هناك ومسؤولية التراجع في الأداء الاقتصادي. وقد تكون البنوك مسؤولة جزئياً عما جرى هناك وليس كل المسؤولية. واتمنى ألا أفهم على أنني أتحدث كبنكي أن البنوك في أنحاء كثيرة من العالم قد حملوها المسؤولية أكثر كثيراً عن المسئولية الفعلية. السياسيين قد أفلحوا وبذكاء في تحويل تركز الأضواء في المسؤولية عن التردي الاقتصادي لتسلط على البنوك ورجال البنوك . وحولوا الانتقادات التي وجهت اليهم لتعلق على رجال البنوك .
ودعنا لاننسى في الغرب في اوروبا والولايات المتحدة الأمريكية أن الأقتصادات هناك قد دخلت في مرحلة الركود العميق. و بريطانيا مثلا لا تزال تعيش حالة الركود العميق، فيما بعض الدول الأوروبية أخذت في الخروج من الركود، على أنها لم تعد الى الوضع الإيجابي بشكل كامل وإنما أخذت في النمو من جديد. وللخروج من الركود يحتاج الأمر البدء في معاودة النمو، وتحتاج الى قطع طريق طويل في سبيل العودة إلى الوضع الذي كانت عليه قبيل الركود. فليس من الحكمة والانصاف مقارنة الوضع الاقتصادي في هذا الجزء من العالم مع تلك الأوضاع في الغرب.
على انه من المفهوم أيضا وبحكم أننا نعيش في ظل اقتصاد عالمي فإذا ما تأثر الاقتصاد الأمريكي أو الأوروبي فهذا يؤثر بالضرورة على مجمل الاقتصاد العالمي.
فالاقتصاد في زمن العولمة أكثر تكاملية واكثر ارتباطا بعضه ببعض أكثر من أي وقت مضى. فإذا ما دخلت قوة تجارية رئيسية شأن الولايات المتحدة الأمريكية التي تملك أكبر اقتصادات العالم في حالة من الركود الاقتصادي فالبضرورة أنه سيؤثر على كل الاقتصادات الاخرى في العالم. وإذا ماتراجع الطلب هناك فهذا يعني أن تراجعا سيصيب صادراتها، وإذا ماتراجعت عملية البناء فإن تراجعاً آخر سيصيب المواد الخام. وإذا ما تباطأ اقتصادها فإن الطلب على الطاقة وكل موارد الطاقة سيتراجع. فهناك تأثير قوي من أوروبا وأمريكا جراء الأزمة على كل العالم وهو تأثير كبير طال العالم ، وكان على العالم أن يتواءم مع التباطؤ في الطلب من جانب الغرب. وكنتيجة لذلك رأينا تراجعا في أسعار السلع وتراجعا في الصادرات العالمية، وهذا من جانبه ترك أثره على الاقتصادات المحلية.
هذا هو حال الصورة في مجملها عالمياً. وبالنسبة للاقتصاد القطري فقد بدا خلال هذه الأزمة قويا جدا واستمر في النمو القوي والمتنوع. نعم لقد شهدنا بعض الأسعار وقد تراجعت لكن الجيد والجميل في الاقتصاد القطري أنه لم يعد يعتمد فقط على الصادرات من النفط وإنما هناك الغاز الطبيعي والذي أصبحت له أهمية متزايدة عالميا كمصدر نظيف للطاقة. وعلى ذلك فقد مكن اقتصاد الدولة من إضافة مصدر مهم يضيف إلى عائد صادرات الدولة. هذا جعل قطر قادرة على مواجهة صدمة الأزمة أكثر من أي دولة أخرى في العالم. ولأن قطر كان لها نظرة تقدمية وطموحة وخطط معدة سلفا لتطوير البنيات الأساسية تغطي جوانب التحديث في والنهوض في الصحة والتعليم والرياضة والبنيات الأساسية. هذه الخطط مكنت الاقتصاد القطري من الاستمرار في تحقيق نمو إيجابي ولذا شهدنا في الدولة نمواً قوياً في إجمالي الناتج المحلي، وسمعنا كل التقديرات للنمو خلال العام 2010 وعلى ذلك نتوقع زيادة مضاعفة في الناتج القومي وهذا بكل المعايير يعد انجازاً رائعاً وعظيماً. وإن تنتج وبهذه الأرقام وفي هذا الجو العالمي المحيط لأمر رائع.
* هذه القوة الاقتصادية انعكست بشكل ايجابي على أداء البنوك اليس كذلك؟
دعني أقول لك أن النظام البنكي هنا في قطر لايمكن مقارنته مع النظام البنكي هناك في الغرب بأمريكا وأوروبا، فقد جرت عملية واسعة لانقاذ البنوك هناك، وهي عملية غير مسبوقة في التاريخ.
لقد جرت عملية إعادة رسملة لتلك البنوك وفي بعض الأحيان تمت عملية رسملة كاملة لبعضها. لقد أرغمت تلك البنوك على الدخول في زواج مفروض من قبل الدولة أو أن تختار الخروج من السوق نهائياً. لقد تلقت تلك البنوك تمويلًا غير مسبوق على الإطلاق من الدولة التي ضخت مئات البلايين من الدولارات والجنيهات والسيولة في جسم هذه البنوك. لقد دخلت هذه البنوك في حالة العناية المركزة وهذا وضع لم نعرفه هنا في قطر. واعتقد أن الصحافة هنا لم تنصف الخطوة الحكومية ولم تمنحها ذلك القدر المستحق من الاهتمام والتوضيح للرأي العام بصورة تعكس حقيقتها وأهميتها.
ففي نهاية الربع الأخير من عام 2008 اتخذت الحكومة القطرية مجموعة من المبادرات هدفت إلى الضمان والتأكيد بأن الاقتصاد لن يتأثر بأية هزات محتملة يمكن أن تصيب المنظومة المالية. ومن هنا بدأت بضخ الأموال الاضافية للبنوك لتطلق بذلك رسالة واضحة للسوق مفادها أن الدولة تقف وراء البنوك وتدعمها، وهذه الأموال كانت صغيرة نسبيا في حجمها. لقد كانت عملية رمزية قصد بها جعل البنوك في مستويات صحية من حيث كفاءة رأس المال وأيضا لتوضح للعالم وللمؤسسات المعنية بالتقييم وللأسواق أن هذه المؤسسات الوطنية هامة للاقتصاد القطري وتجد الدعم الكامل من الدولة.
وهذه كانت رسالة هامة وكان لها مفعولها الحقيقي الذي حفظ الثقة بالمؤسسات المصرفية في السوق. أيضا وخلال العام بكامله فقد قام مصرف قطر المركزي والوزارة باتخاذ عدداً من الإجراءات الهامة التي هدفت وطوال الوقت إلى التقليل من حجم الضغط على السيولة. وشهدنا تحقق عائدات مرتفعة كنتيجة لهذه الإجراءات، وبالطبع بسبب الأداء الاقتصادي الجيد للبلد ككل.
وأعتقد أنك إذا ما نظرت إلى أداء البنوك خلال العام الأخير فقد كان جيداً. وتحقق ذلك لأنها عملت وسط جو موات ومدعومة باقتصاد قوي مستمر في النمو وأيضاً لأنها محظوظة بأنها كانت تجد النصح والاستشارة من جهات منظمة ومسؤولة، وتحظى بالرعاية من حكومة تعمل لخير البلاد وتحرص على حماية مجمل المنظومة المالية والبنكية وضمان استمرار أدائها في تكامل مع الاقتصاد. ولأنها تدرك أن هذه المنظومة المالية والبنوك في نهاية الأمر تلعب دوراً هاماً في عملية النهضة التي تنتظم الدولة.
وأعود إلى القول أن الصحافة ترجمت خطوات الدولة هنا بصورة غير دقيقة. فما جرى لم يكن انقاذ للبنوك وهذا غير صحيح وما جرى هو أن البنوك تلقت أموالاً كانت بمثابة دعم من الدولة مرحب به وجاء في توقيت مناسب للغاية. وكل دولة في العالم تحرص على مثل هذا الدعم لمؤسساتها المالية خاصة واننا نخوض في غمار أزمة غير مسبوقة في التاريخ. لقد عملت البنوك بشكل جيد وكذلك الاقتصاد القطري الذي كان أداؤه أكثر من جيد واستفدنا جميعا من ذلك ونحن ممتنون وشاكرون للغاية لهذا الدور من جانب الدولة.
* من المؤكد أن للبنك شركاء في أوروبا وامريكا ممن طالتهم الأزمة المالية كيف تعامل البنك مع مثل هذه الأوضاع ومامدى تأثره بظروف الشركاء الصعبة؟
كما قلت سابقاً فنحن نعيش في ظل اقتصاد العولمة. وأفضل مثال على التكامل في قطاع الخدمات المالية مانسميه الترابط البنكي والذي يلعب دوراً حاسماً في عملية إدارة المنظومة المالية. فما الذي يفعله حقيقة هذا النظام؟ إنه يسمح للبنوك في العالم أخذ أرصدتها ونقلها في وقت ما وإلى عملات أخرى مختلفة وإلى أسواق أخرى. فالدولار الأمريكي اليوم على سبيل المثال هو العملة العالمية الرئيسية للاحتياطي من العملات الصعبة والمنتشرة في كل العالم اليوم عبر الأنشطة المترابطة للبنوك. فالبنوك من الولايات المتحدة تقوم بتسليف أرصدة بالدولار لبنوك أخرى في استراليا أو بريطانيا واليابان والصين، وبالمقابل البنوك الصينية التي تقوم بتشغيل أرصدتها في الاقتصاد القومي هناك تقوم من ناحيتها بتسليف أرصدتها لبنوك في الشرق الأوسط وجنوب افريقيا وأمريكا الجنوبية او اوروبا.. إذن هذه العملية المترابطة وهذه الصلة الهامة التي تعمل ليس فقط على تحويل الملكية بل والاستحقاقات المالية. لذا فإن الترابط البنكي العالمي حيوي للغاية لنجاح إدارة النظام المالي العالمي. وكنتيجة للمشكلات التي صادفتها البنوك في الربعين الثالث والرابع من عام 2008 فقد أثر ذلك على البنوك واصبح معوقا لها.
وعنى ذلك أنه وبسبب الإحساس بضغوط السيولة في بعض الاقتصادات وبعض البنوك الكبرى فإن البنوك الأخرى لم تكن مستعدة للمخاطرة ووضع أموالها في تلك البنوك، كما إنها لم تكن مستعدة لإقراض تلك البنوك باستثناء لفترة قصيرة المدى. وكنتيجة فإن التعامل البنكي الداخلي بين البنوك العالمية قد تجمد وتعطل. وإذا كان في السابق من الممكن ان آخذ من أرصدتي واقرض البنوك في كل مكان في العالم لمدة سنة على سبيل المثال أما اليوم فيمكنني إقراضهم لفترة قليلة لا تتعدى بضعة أيام أو أسابيع وربما لمدة ثلاثة أسابيع كحد أقصى. وربما شهدنا بعض الحالات التي قدم فيها نوع من التسهيلات لكنها لم تكن لتقارب المستويات التي كانت عليها قبل عام مضى مثلًا. لقد تعرض النظام المالي لعملية تمزق كبيرة.
وربما كان نظام المراسلات المتبادلة في النظام البنكي أكثر ماتعرض للتمزق. أما فيما يتعلق بعلاقاتنا المحلية هنا فهي لم تتأثر واستمرت تتمتع بحالة صحية طيبة. وظلت العلاقة الداخلية بين البنوك القطرية طبيعية لكن الوضع خارج قطر فهذا حاله مختلف.
ويمكن القول أن تلك الشراكة أو علاقاتنا والعلاقات الثنائية أو المتعددة التي تربطنا مع المؤسسات المالية الأخرى في العالم فإنها لم تعد الى حالتها الطبيعية. وبالطبع فإن هذا يصعب من مهام عمل النظام البنكي. لأننا لم نبلغ بعد لمرحلة تدوير الأرصدة الضخمة في العالم وبالصورة المطلوبة. فقد بقيت مبالغ ضخمة من الأموال محليا داخل حدود الدول من قبل البنوك في دول لاتزال لديها مخاوفها بشأن توفر السيولة في موازناتها. ولم تتحرك هذه الأموال على النحو الطبيعي المفترض.
* متى شعرتم هنا في مجموعة البنك التجاري بأن الوضع صعب وباعث على القلق ؟ هل جاء وقت أحسستم فيه بأن ثمة مايبعث على الخوف؟ متى؟
أعتقد أن مايمكنني قوله لك أن أي فرد أو مؤسسة في لحظة معينة من عام 2008 شعرت بأن عليها مواجهة مايجري والتحوط من مضاعفاته. وأعتقد أن من الطبيعي أن تفكر في عمل شيئين أولهما أن تعمل على التعامل مع الأمر وبشكل سريع وحاسم، وأن تعمل سريعاً على مراجعة وتغيير أساليب العمل. ولا أعتقد أن الأمر يتعلق بما إذا كنا قد تجاوزنا المراحل السيئة والصعبة، ولا أستطيع أن أتنبأ ما إذا كانت هنالك أوقات صعبة لا تزال تنتظرنا. لكن يمكنني القول بأننا هنا في قطر لا أستطيع توقع ما يمكن إعاقة مسار النمو للاقتصاد القطري. خارج قطر الأمر مختلف ولايثير في ذلك مشاعر الدهشة.
* سيد آندي دعنا نتحدث بشكل آخر ما هي الدروس المستفادة التي يمكن الخروج بها من ظروف الأزمة؟
التجربة التي عشنا غمارها طوال العام الماضي خرجنا منها بعدد من الدروس. لقد علمتنا أن نعمل في ظروف مختلفة وبطريقة مختلفة. علمتنا إدارة المخاطر بطريقة مختلفة. علمتنا كيف نتمتع بقدر كبير من التكيف وقدر كبير من المرونة في التعامل. لذا اعتقد ان التجربة في حد ذاتها قد حصنت البنك وسلحته كما سلحت مجمل المنظومة المالية وان تكون اكثر قدرة على مقاومة الهزات والصدمات من النوع الذي شهدناه على مدار عام كامل.
وهذا يرجع لعدة أسباب ومنها أن جميع العاملين في النظام المالي قد تعلموا وثابروا على إحداث تغييرات محددة. كما حرصت البنوك من جانبها على التعلم والمثابرة على إحداث تغييرات محددة. ولذلك ومهما كانت الصدمات التي قد تأتينا من الاقتصاد العالمي هي فإن البنوك قد تعلمت دروسا قيمة خلال أشهر السنة الماضية، والتي أعتقد أنها جعلتها تقف على أرضية جيدة تمكنها من المضي قدماً.
إنني متفائل وهذا مايجعلني أعتقد اننا نخرج من الأسوأ. لكنني لا أجد مايجعلني اعتقد للحظة أننا لن نرى مرة أخرى صدمات من دول أو مجموعة دول أو على أساس اقليمي. أعتقد أن هناك صدمات ستأتي ولكنها لن تكون بذات القوة والتأثير كما حدث قبل عام. إذ أن ماجرى في سبتمبر واكتوبر من عام 2008 هو ان بنوك كبرى قد اختفت في غضون ساعات ولذا لا أعتقد أننا حجم الهزة وانعدام الاستقرار الذي نجم عنها سوف يتكرر مرة اخرى. لأنني أرى أن النظام المالي العالمي قد استوعب الدرس وسريعاً، كما أعتقد أن الدول تستطيع مواجهة أية تداعيات قد تنشأ عن صدمة كتلك.
* أثناء الأزمة بل من لحظتها الأولى ماذا كانت عليه طبيعة توجهاتكم تجاه عملاء البنك.. وكيف تقبلتم ملاحظاتهم بل كيف تعاملتم مع هواجسهم والمخاوف التي انطلقت في وقت مبكر غداة الأزمة؟
أعتقد أن كل شخص أصابه شيء من القلق وتأثر بصورة من الصور هذا أمر لا جدال عليه. وأعتقد أن عملاؤنا هنا في قطر ولمجرد أنهم هنا فهذا منحهم قدراً كبيراً من الثقة وذلك بسبب أولا ان الاقتصاد القطري يواصل نموه، وثانيا الطريقة التي تحركت بها الحكومة ومن وقت مبكر لمساعدة وحماية القطاع المالي، وثالثا الطريقة التي استجابت بها البنوك للأزمة وعملها وفق نصائح واستشارات الحكومة لحماية الأداء البنكي وتسييره بصورة طبيعية.
وأعتقد أيضا وإذا ما نظرت إلى الخدمات التي نقدمها اليوم والتسهيلات التي نمنحها اليوم تجد أن البنوك لم تتوقف عن الاستثمار أو التوسع في فروعها ولم توقف التسهيلات التي تقدمها.
هناك مزيد من الحذر والحيطة فيما يتعلق بالقروض الكبيرة. الحيطة والحذر الكبيرين هما من أجل تجنب وقوع البنوك في ذات الفخاخ التي وقعت فيها بنوك في دول أخرى. ورسالتي لكل عملاء قطاع البنوك في قطر هي لايمكنكم تمنى مكانا أفضل مما هي عليه قطر.
فهنا لدينا اقتصاد قوي مبني على أسس متينة تمكن من العمل والعيش، وحكومة تقدمية وكفؤة وتطبق برامج للتنمية وتطوير البنيات التحتية. ولديكم مؤسسات مالية عامة قوية، كما أن احتياطيات الدولة المالية القوية والمتنامية تمنحك قدراً من الراحة والاطمئنان. كذلك هناك النظم الرقابية الفعالة والجيدة.
وعلى ذلك يمكنني القول بأن البنوك القطرية قد تعاطت بشكل ايجابي وجيد للغاية مع الأزمة المالية، كما ان المسؤولين في هذه البنوك كانوا على قدر من الشعور بالمسئولية. كما أن البنوك نفسها قد أظهرت قدرتها على مواصلة الأداء الجيد تحت ظروف قاهرة وصعبة ومختلفة. وقد لاتكون البنوك في أدائها هذا العام قد حققت مستويات قياسية لكنها مازالت تحقق ارباحا كبيرة. وإذا ما أخذنا كل هذا بعين الاعتبار أستطيع القول للناس كونوا وأعين ويقظين ومدركين لأنكم في مكان جيد وأن البنوك القطرية لا تزال مشرعة أبوابها للعمل معكم وترغب في العمل معكم وتشجعكم للعمل معها.
.
كان مدخلنا لهذا الحوار بمكتب السيد أندي استيفنز الرئيس التنفيذي لمجموعة البنك التجاري تذكر تلك السنوات التي مرت سراعاً على هذا الرجل الذي خبر كل مفاصل البنك التجاري وواكب مساره طوال عقدين من الزمان وعايش المراحل الأدق والأكثر حسما في مسيرة البنك التجاري.. واكب الإنطلاقة القوية للبنك بل كان في قلبها بحكم موقعه كمدير عام ثم رئيسا تنفيذ يا للمجموعة.
تحدث عن أيامه الأولى وما كان عليه البنك التجاري آنذاك وما صار عليه اليوم بعد تحولات كبرى في المفاهيم والمقاصد والطموحات التي سمت عاليا لتتعدى الدور الوطني المحلي والذي جعل من البنك التجاري واحدا من حملة لواء التغيير والنهضة في دولة قطر، ومستمدا الهامه من قطر متجاوزاً حدود الدولة ليمضي في اعتلاء القمم إلى ريادة إقليمية تتوسع وفق استراتيجية مدروسة وتنطلق في تروي.
تطرق الحديث مع آندي ستيفنز قبل الدخول في صلب موضوع الحوار ليتناول مقر البنك التجاري والجوانب الهندسية البديعة والجديدة التي تعد الأولى وربما الوحيدة من نوعها في قطر. ولما كان العالم كله قد دخل نفق الأزمة المالية العالمية فقد أخذت الأزمة وتأثيراتها وكيف تعامل معها البنك التجاري شأن البنوك القطرية مجتمعة نصيب الأسد من الحوار وقد سلط آندي بخبرته ومعرفته الضوء على معالم مهمة جعلت من قطر بمنأى عن تأثيرات الأزمة المالية المدمرة في كثير من مناطق العالم.
* سألته كيف تعاملت مجموعة البنك التجاري مع الأزمة وكيف أمضت هذا العام وسط اجواء عالمية مشحونة بنظام مصرفي عالمي متعولم مترابط؟
لقد كان أداء البنك جيدا شأن البنوك القطرية جميعا واذا مانظرت إلى النتائج التي حققتها البنوك القطرية فقد كانت جميعها صحية وطيبة. وإذا مانظرت إلى البنوك وكيف نظروا اليها في الغرب.
لقد حملوها المسؤولية فيما جرى هناك ومسؤولية التراجع في الأداء الاقتصادي. وقد تكون البنوك مسؤولة جزئياً عما جرى هناك وليس كل المسؤولية. واتمنى ألا أفهم على أنني أتحدث كبنكي أن البنوك في أنحاء كثيرة من العالم قد حملوها المسؤولية أكثر كثيراً عن المسئولية الفعلية. السياسيين قد أفلحوا وبذكاء في تحويل تركز الأضواء في المسؤولية عن التردي الاقتصادي لتسلط على البنوك ورجال البنوك . وحولوا الانتقادات التي وجهت اليهم لتعلق على رجال البنوك .
ودعنا لاننسى في الغرب في اوروبا والولايات المتحدة الأمريكية أن الأقتصادات هناك قد دخلت في مرحلة الركود العميق. و بريطانيا مثلا لا تزال تعيش حالة الركود العميق، فيما بعض الدول الأوروبية أخذت في الخروج من الركود، على أنها لم تعد الى الوضع الإيجابي بشكل كامل وإنما أخذت في النمو من جديد. وللخروج من الركود يحتاج الأمر البدء في معاودة النمو، وتحتاج الى قطع طريق طويل في سبيل العودة إلى الوضع الذي كانت عليه قبيل الركود. فليس من الحكمة والانصاف مقارنة الوضع الاقتصادي في هذا الجزء من العالم مع تلك الأوضاع في الغرب.
على انه من المفهوم أيضا وبحكم أننا نعيش في ظل اقتصاد عالمي فإذا ما تأثر الاقتصاد الأمريكي أو الأوروبي فهذا يؤثر بالضرورة على مجمل الاقتصاد العالمي.
فالاقتصاد في زمن العولمة أكثر تكاملية واكثر ارتباطا بعضه ببعض أكثر من أي وقت مضى. فإذا ما دخلت قوة تجارية رئيسية شأن الولايات المتحدة الأمريكية التي تملك أكبر اقتصادات العالم في حالة من الركود الاقتصادي فالبضرورة أنه سيؤثر على كل الاقتصادات الاخرى في العالم. وإذا ماتراجع الطلب هناك فهذا يعني أن تراجعا سيصيب صادراتها، وإذا ماتراجعت عملية البناء فإن تراجعاً آخر سيصيب المواد الخام. وإذا ما تباطأ اقتصادها فإن الطلب على الطاقة وكل موارد الطاقة سيتراجع. فهناك تأثير قوي من أوروبا وأمريكا جراء الأزمة على كل العالم وهو تأثير كبير طال العالم ، وكان على العالم أن يتواءم مع التباطؤ في الطلب من جانب الغرب. وكنتيجة لذلك رأينا تراجعا في أسعار السلع وتراجعا في الصادرات العالمية، وهذا من جانبه ترك أثره على الاقتصادات المحلية.
هذا هو حال الصورة في مجملها عالمياً. وبالنسبة للاقتصاد القطري فقد بدا خلال هذه الأزمة قويا جدا واستمر في النمو القوي والمتنوع. نعم لقد شهدنا بعض الأسعار وقد تراجعت لكن الجيد والجميل في الاقتصاد القطري أنه لم يعد يعتمد فقط على الصادرات من النفط وإنما هناك الغاز الطبيعي والذي أصبحت له أهمية متزايدة عالميا كمصدر نظيف للطاقة. وعلى ذلك فقد مكن اقتصاد الدولة من إضافة مصدر مهم يضيف إلى عائد صادرات الدولة. هذا جعل قطر قادرة على مواجهة صدمة الأزمة أكثر من أي دولة أخرى في العالم. ولأن قطر كان لها نظرة تقدمية وطموحة وخطط معدة سلفا لتطوير البنيات الأساسية تغطي جوانب التحديث في والنهوض في الصحة والتعليم والرياضة والبنيات الأساسية. هذه الخطط مكنت الاقتصاد القطري من الاستمرار في تحقيق نمو إيجابي ولذا شهدنا في الدولة نمواً قوياً في إجمالي الناتج المحلي، وسمعنا كل التقديرات للنمو خلال العام 2010 وعلى ذلك نتوقع زيادة مضاعفة في الناتج القومي وهذا بكل المعايير يعد انجازاً رائعاً وعظيماً. وإن تنتج وبهذه الأرقام وفي هذا الجو العالمي المحيط لأمر رائع.
* هذه القوة الاقتصادية انعكست بشكل ايجابي على أداء البنوك اليس كذلك؟
دعني أقول لك أن النظام البنكي هنا في قطر لايمكن مقارنته مع النظام البنكي هناك في الغرب بأمريكا وأوروبا، فقد جرت عملية واسعة لانقاذ البنوك هناك، وهي عملية غير مسبوقة في التاريخ.
لقد جرت عملية إعادة رسملة لتلك البنوك وفي بعض الأحيان تمت عملية رسملة كاملة لبعضها. لقد أرغمت تلك البنوك على الدخول في زواج مفروض من قبل الدولة أو أن تختار الخروج من السوق نهائياً. لقد تلقت تلك البنوك تمويلًا غير مسبوق على الإطلاق من الدولة التي ضخت مئات البلايين من الدولارات والجنيهات والسيولة في جسم هذه البنوك. لقد دخلت هذه البنوك في حالة العناية المركزة وهذا وضع لم نعرفه هنا في قطر. واعتقد أن الصحافة هنا لم تنصف الخطوة الحكومية ولم تمنحها ذلك القدر المستحق من الاهتمام والتوضيح للرأي العام بصورة تعكس حقيقتها وأهميتها.
ففي نهاية الربع الأخير من عام 2008 اتخذت الحكومة القطرية مجموعة من المبادرات هدفت إلى الضمان والتأكيد بأن الاقتصاد لن يتأثر بأية هزات محتملة يمكن أن تصيب المنظومة المالية. ومن هنا بدأت بضخ الأموال الاضافية للبنوك لتطلق بذلك رسالة واضحة للسوق مفادها أن الدولة تقف وراء البنوك وتدعمها، وهذه الأموال كانت صغيرة نسبيا في حجمها. لقد كانت عملية رمزية قصد بها جعل البنوك في مستويات صحية من حيث كفاءة رأس المال وأيضا لتوضح للعالم وللمؤسسات المعنية بالتقييم وللأسواق أن هذه المؤسسات الوطنية هامة للاقتصاد القطري وتجد الدعم الكامل من الدولة.
وهذه كانت رسالة هامة وكان لها مفعولها الحقيقي الذي حفظ الثقة بالمؤسسات المصرفية في السوق. أيضا وخلال العام بكامله فقد قام مصرف قطر المركزي والوزارة باتخاذ عدداً من الإجراءات الهامة التي هدفت وطوال الوقت إلى التقليل من حجم الضغط على السيولة. وشهدنا تحقق عائدات مرتفعة كنتيجة لهذه الإجراءات، وبالطبع بسبب الأداء الاقتصادي الجيد للبلد ككل.
وأعتقد أنك إذا ما نظرت إلى أداء البنوك خلال العام الأخير فقد كان جيداً. وتحقق ذلك لأنها عملت وسط جو موات ومدعومة باقتصاد قوي مستمر في النمو وأيضاً لأنها محظوظة بأنها كانت تجد النصح والاستشارة من جهات منظمة ومسؤولة، وتحظى بالرعاية من حكومة تعمل لخير البلاد وتحرص على حماية مجمل المنظومة المالية والبنكية وضمان استمرار أدائها في تكامل مع الاقتصاد. ولأنها تدرك أن هذه المنظومة المالية والبنوك في نهاية الأمر تلعب دوراً هاماً في عملية النهضة التي تنتظم الدولة.
وأعود إلى القول أن الصحافة ترجمت خطوات الدولة هنا بصورة غير دقيقة. فما جرى لم يكن انقاذ للبنوك وهذا غير صحيح وما جرى هو أن البنوك تلقت أموالاً كانت بمثابة دعم من الدولة مرحب به وجاء في توقيت مناسب للغاية. وكل دولة في العالم تحرص على مثل هذا الدعم لمؤسساتها المالية خاصة واننا نخوض في غمار أزمة غير مسبوقة في التاريخ. لقد عملت البنوك بشكل جيد وكذلك الاقتصاد القطري الذي كان أداؤه أكثر من جيد واستفدنا جميعا من ذلك ونحن ممتنون وشاكرون للغاية لهذا الدور من جانب الدولة.
* من المؤكد أن للبنك شركاء في أوروبا وامريكا ممن طالتهم الأزمة المالية كيف تعامل البنك مع مثل هذه الأوضاع ومامدى تأثره بظروف الشركاء الصعبة؟
كما قلت سابقاً فنحن نعيش في ظل اقتصاد العولمة. وأفضل مثال على التكامل في قطاع الخدمات المالية مانسميه الترابط البنكي والذي يلعب دوراً حاسماً في عملية إدارة المنظومة المالية. فما الذي يفعله حقيقة هذا النظام؟ إنه يسمح للبنوك في العالم أخذ أرصدتها ونقلها في وقت ما وإلى عملات أخرى مختلفة وإلى أسواق أخرى. فالدولار الأمريكي اليوم على سبيل المثال هو العملة العالمية الرئيسية للاحتياطي من العملات الصعبة والمنتشرة في كل العالم اليوم عبر الأنشطة المترابطة للبنوك. فالبنوك من الولايات المتحدة تقوم بتسليف أرصدة بالدولار لبنوك أخرى في استراليا أو بريطانيا واليابان والصين، وبالمقابل البنوك الصينية التي تقوم بتشغيل أرصدتها في الاقتصاد القومي هناك تقوم من ناحيتها بتسليف أرصدتها لبنوك في الشرق الأوسط وجنوب افريقيا وأمريكا الجنوبية او اوروبا.. إذن هذه العملية المترابطة وهذه الصلة الهامة التي تعمل ليس فقط على تحويل الملكية بل والاستحقاقات المالية. لذا فإن الترابط البنكي العالمي حيوي للغاية لنجاح إدارة النظام المالي العالمي. وكنتيجة للمشكلات التي صادفتها البنوك في الربعين الثالث والرابع من عام 2008 فقد أثر ذلك على البنوك واصبح معوقا لها.
وعنى ذلك أنه وبسبب الإحساس بضغوط السيولة في بعض الاقتصادات وبعض البنوك الكبرى فإن البنوك الأخرى لم تكن مستعدة للمخاطرة ووضع أموالها في تلك البنوك، كما إنها لم تكن مستعدة لإقراض تلك البنوك باستثناء لفترة قصيرة المدى. وكنتيجة فإن التعامل البنكي الداخلي بين البنوك العالمية قد تجمد وتعطل. وإذا كان في السابق من الممكن ان آخذ من أرصدتي واقرض البنوك في كل مكان في العالم لمدة سنة على سبيل المثال أما اليوم فيمكنني إقراضهم لفترة قليلة لا تتعدى بضعة أيام أو أسابيع وربما لمدة ثلاثة أسابيع كحد أقصى. وربما شهدنا بعض الحالات التي قدم فيها نوع من التسهيلات لكنها لم تكن لتقارب المستويات التي كانت عليها قبل عام مضى مثلًا. لقد تعرض النظام المالي لعملية تمزق كبيرة.
وربما كان نظام المراسلات المتبادلة في النظام البنكي أكثر ماتعرض للتمزق. أما فيما يتعلق بعلاقاتنا المحلية هنا فهي لم تتأثر واستمرت تتمتع بحالة صحية طيبة. وظلت العلاقة الداخلية بين البنوك القطرية طبيعية لكن الوضع خارج قطر فهذا حاله مختلف.
ويمكن القول أن تلك الشراكة أو علاقاتنا والعلاقات الثنائية أو المتعددة التي تربطنا مع المؤسسات المالية الأخرى في العالم فإنها لم تعد الى حالتها الطبيعية. وبالطبع فإن هذا يصعب من مهام عمل النظام البنكي. لأننا لم نبلغ بعد لمرحلة تدوير الأرصدة الضخمة في العالم وبالصورة المطلوبة. فقد بقيت مبالغ ضخمة من الأموال محليا داخل حدود الدول من قبل البنوك في دول لاتزال لديها مخاوفها بشأن توفر السيولة في موازناتها. ولم تتحرك هذه الأموال على النحو الطبيعي المفترض.
* متى شعرتم هنا في مجموعة البنك التجاري بأن الوضع صعب وباعث على القلق ؟ هل جاء وقت أحسستم فيه بأن ثمة مايبعث على الخوف؟ متى؟
أعتقد أن مايمكنني قوله لك أن أي فرد أو مؤسسة في لحظة معينة من عام 2008 شعرت بأن عليها مواجهة مايجري والتحوط من مضاعفاته. وأعتقد أن من الطبيعي أن تفكر في عمل شيئين أولهما أن تعمل على التعامل مع الأمر وبشكل سريع وحاسم، وأن تعمل سريعاً على مراجعة وتغيير أساليب العمل. ولا أعتقد أن الأمر يتعلق بما إذا كنا قد تجاوزنا المراحل السيئة والصعبة، ولا أستطيع أن أتنبأ ما إذا كانت هنالك أوقات صعبة لا تزال تنتظرنا. لكن يمكنني القول بأننا هنا في قطر لا أستطيع توقع ما يمكن إعاقة مسار النمو للاقتصاد القطري. خارج قطر الأمر مختلف ولايثير في ذلك مشاعر الدهشة.
* سيد آندي دعنا نتحدث بشكل آخر ما هي الدروس المستفادة التي يمكن الخروج بها من ظروف الأزمة؟
التجربة التي عشنا غمارها طوال العام الماضي خرجنا منها بعدد من الدروس. لقد علمتنا أن نعمل في ظروف مختلفة وبطريقة مختلفة. علمتنا إدارة المخاطر بطريقة مختلفة. علمتنا كيف نتمتع بقدر كبير من التكيف وقدر كبير من المرونة في التعامل. لذا اعتقد ان التجربة في حد ذاتها قد حصنت البنك وسلحته كما سلحت مجمل المنظومة المالية وان تكون اكثر قدرة على مقاومة الهزات والصدمات من النوع الذي شهدناه على مدار عام كامل.
وهذا يرجع لعدة أسباب ومنها أن جميع العاملين في النظام المالي قد تعلموا وثابروا على إحداث تغييرات محددة. كما حرصت البنوك من جانبها على التعلم والمثابرة على إحداث تغييرات محددة. ولذلك ومهما كانت الصدمات التي قد تأتينا من الاقتصاد العالمي هي فإن البنوك قد تعلمت دروسا قيمة خلال أشهر السنة الماضية، والتي أعتقد أنها جعلتها تقف على أرضية جيدة تمكنها من المضي قدماً.
إنني متفائل وهذا مايجعلني أعتقد اننا نخرج من الأسوأ. لكنني لا أجد مايجعلني اعتقد للحظة أننا لن نرى مرة أخرى صدمات من دول أو مجموعة دول أو على أساس اقليمي. أعتقد أن هناك صدمات ستأتي ولكنها لن تكون بذات القوة والتأثير كما حدث قبل عام. إذ أن ماجرى في سبتمبر واكتوبر من عام 2008 هو ان بنوك كبرى قد اختفت في غضون ساعات ولذا لا أعتقد أننا حجم الهزة وانعدام الاستقرار الذي نجم عنها سوف يتكرر مرة اخرى. لأنني أرى أن النظام المالي العالمي قد استوعب الدرس وسريعاً، كما أعتقد أن الدول تستطيع مواجهة أية تداعيات قد تنشأ عن صدمة كتلك.
* أثناء الأزمة بل من لحظتها الأولى ماذا كانت عليه طبيعة توجهاتكم تجاه عملاء البنك.. وكيف تقبلتم ملاحظاتهم بل كيف تعاملتم مع هواجسهم والمخاوف التي انطلقت في وقت مبكر غداة الأزمة؟
أعتقد أن كل شخص أصابه شيء من القلق وتأثر بصورة من الصور هذا أمر لا جدال عليه. وأعتقد أن عملاؤنا هنا في قطر ولمجرد أنهم هنا فهذا منحهم قدراً كبيراً من الثقة وذلك بسبب أولا ان الاقتصاد القطري يواصل نموه، وثانيا الطريقة التي تحركت بها الحكومة ومن وقت مبكر لمساعدة وحماية القطاع المالي، وثالثا الطريقة التي استجابت بها البنوك للأزمة وعملها وفق نصائح واستشارات الحكومة لحماية الأداء البنكي وتسييره بصورة طبيعية.
وأعتقد أيضا وإذا ما نظرت إلى الخدمات التي نقدمها اليوم والتسهيلات التي نمنحها اليوم تجد أن البنوك لم تتوقف عن الاستثمار أو التوسع في فروعها ولم توقف التسهيلات التي تقدمها.
هناك مزيد من الحذر والحيطة فيما يتعلق بالقروض الكبيرة. الحيطة والحذر الكبيرين هما من أجل تجنب وقوع البنوك في ذات الفخاخ التي وقعت فيها بنوك في دول أخرى. ورسالتي لكل عملاء قطاع البنوك في قطر هي لايمكنكم تمنى مكانا أفضل مما هي عليه قطر.
فهنا لدينا اقتصاد قوي مبني على أسس متينة تمكن من العمل والعيش، وحكومة تقدمية وكفؤة وتطبق برامج للتنمية وتطوير البنيات التحتية. ولديكم مؤسسات مالية عامة قوية، كما أن احتياطيات الدولة المالية القوية والمتنامية تمنحك قدراً من الراحة والاطمئنان. كذلك هناك النظم الرقابية الفعالة والجيدة.
وعلى ذلك يمكنني القول بأن البنوك القطرية قد تعاطت بشكل ايجابي وجيد للغاية مع الأزمة المالية، كما ان المسؤولين في هذه البنوك كانوا على قدر من الشعور بالمسئولية. كما أن البنوك نفسها قد أظهرت قدرتها على مواصلة الأداء الجيد تحت ظروف قاهرة وصعبة ومختلفة. وقد لاتكون البنوك في أدائها هذا العام قد حققت مستويات قياسية لكنها مازالت تحقق ارباحا كبيرة. وإذا ما أخذنا كل هذا بعين الاعتبار أستطيع القول للناس كونوا وأعين ويقظين ومدركين لأنكم في مكان جيد وأن البنوك القطرية لا تزال مشرعة أبوابها للعمل معكم وترغب في العمل معكم وتشجعكم للعمل معها.
.