مشاهدة النسخة كاملة : من أحصاها دخل الجنه...
العصامي
07-01-2010, 06:10 PM
قال الله تعالى في سورة الأعراف :(( {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}{{180}} )) وفي سورة الإسراء: (( {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}{{110}} )) وفي سورة الحشر:(( {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}{{24}} ))
ويرى جمهور العلماء أن أسماء الله غير محصورة في تسعة وتسعين اسما، قال الإمام النووي تعليقاً على قول النبي " إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر" متفق عليه.
قال: " واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه والله، فليس معناه: أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء.
وفي هذا الموضوع سنستعرض باذن الله تعالى اسماء الله الحسنى
من كتاب :
اسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الشرح والتفسير
إعداد
د/ محمود عبد الرازق الرضواني
الأستاذ المساعد
بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة
كلية الشريعة وأصول الدين
جامعة الملك خالد
من موقع صيد الفوائد
(1) الرَّحْمَن :
الرحمن في اللغة صفة مشبهة وهي أبلغ من الرحيم ، والرحمة في حقنا رقة في القلب تقتضي الإحسان إلى المرحوم وتكون بالمسامحة واللطف أو المعاونة والعطف ، والرحمة تستدعي مرحوما فهي من صفات الأفعال.
والرحمن اسم يختص بالله ولا يجوز إطلاقه في حق غيره ، والرحمن سبحانه هو المتصف بالرحمة العامة الشاملة حيث خلق عباده ورزقهم ، وهداهم سبلهم ، وأمهلهم فيما خولهم ، واسترعاهم في أرضه ، واستأمنهم في ملكه ، واستخلفهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا ، ومن ثم فإن رحمت الله في الدنيا وسعتهم جميعا فشملت المؤمنين والكافرين ، والرحمة تفتح أبواب الرجاء والأمل ، وتثير مكنون الفطرة وتبعث على صالح العمل ، وتدفع أبواب الخوف واليأس ، وتشعر الشخص بالأمن والأمان.
والله عز وجل سبقت رحمته غضبه ، ولم يجعل في الدنيا إلا جزءا يسيرا من واسع رحمته يتراحم به الناس ويتعاطفون ، وبه ترفع الدابة حافرها عن ولدها رحمة وخشية أن تصيبه ، روى البخاري من حديث أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( جَعَلَ الله الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا ، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ ) ، وفي رواية أخرى عند البخاري قال صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً ، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً ، فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْأَسْ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ ).
وورد عند البخاري أيضا من حديث عُمَر بن الخطاب أَنَّهُ قَالَ : ( قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ بِسَبْيٍ ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَبْتَغِي ، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ ؟ قُلْنَا : لاَ وَاللَّهِ ، وَهِي تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِه ِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ).
فالرحمة التي دل عليها اسمه الرحمن رحمة عامة تُظهر مقتضى الحكمة في أهل الدنيا فمن رحمته أنه أنعم عليهم ليشكروا ولكن كثيرا منهم جاحدون قال تعالى : وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [القصص:73] ، وقال : وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً [الفرقان:48] .
ولما كانت الرحمة التي دل عليها اسمه الرحمن رحمة عامة بالناس أجمعين فإن الله خص هذا الاسم ليقرنه باستوائه على عرشه في جميع المواضع التي وردت في القرآن والسنة ، قال تعالى : الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] ، ومن حديث أبي هريرة أنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ) ، وذلك لأن الله فوق الخلائق أجمعين سواء كانوا مؤمنين أو كافرين ، فحياتهم قائمة بإذنه ، وأرزاقهم مكنونة في غيبه ، وبقائهم رهن مشيئته وأمره ومن ثم فإنه لا حول ولا قوة لهم إلا بقوته وحوله ، فهو الملك وهو الرحمن الذي استوى على عرشه ، ودبر أمر الخلائق في ملكه ، فلا يستغني عنه في الحقيقة مؤمن أو كافر ، قال تعالى : الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً [الفرقان:59].
ام نواف$
07-01-2010, 07:38 PM
بارك الله فيك اخوي
وجزاك الله خير
امـ حمد
07-01-2010, 07:57 PM
الله يعطيك العافيه اخوي
العنود55
07-01-2010, 10:42 PM
جزاك الله خير
Mozanee
08-01-2010, 11:40 AM
جزاك الله خير أخوي العصامي ان شاء الله متابعة ومعرفة اسماء الله الحسنى تقوي عقيدة المسلم وتزيد ايمانه
بالله ويقينه وتوكله ,,,
العصامي
08-01-2010, 11:40 PM
بارك الله فيك اخوي
وجزاك الله خير
وبارك فيك ان شاء الله
وجزاك الفردوس الاعلى.
العصامي
08-01-2010, 11:41 PM
الله يعطيك العافيه اخوي
ويعافيك ان شاء الله.
العصامي
08-01-2010, 11:43 PM
جزاك الله خير
وجزاك بمثله ان شاء الله وبارك فيك.
العصامي
08-01-2010, 11:47 PM
جزاك الله خير أخوي العصامي ان شاء الله متابعة ومعرفة اسماء الله الحسنى تقوي عقيدة المسلم وتزيد ايمانه
بالله ويقينه وتوكله ,,,
وجزاك الله بمثله ان شاء الله
وباذن الله نواصل معكم،،،،
ونسأل الله تعالى ان يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
العصامي
08-01-2010, 11:58 PM
(2) الرَّحْيم :
الرحيم في اللغة من صيغ المبالغة ، فعيل بمعنى فاعلٍ كسَمِيعٌ بمعنى سامِع وقديرٌ بمعنى قادر ، والرحيم دل على صفة الرحمة الخاصة التي ينالها المؤمنون ، فالرَّحْمَنُ الرحيم بنيت صفة الرحمة الأُولى على فعلان لأَن معناه الكثرة ، فرحمته وسِعَتْ كل شيء وهو أَرْحَمُ الراحمين ، وأَما الرَّحِيمُ فإِنما ذكر بعد الرَّحْمن لأن الرَّحْمن مقصور على الله عز وجل ، والرحيم قد يكون لغيره ، فجيء بالرحيم بعد استغراق الرَّحْمنِ معنى الرحْمَة لاختصاص المؤمنين بها كما في قوله : ( وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيما ً) [الأحزاب:43]، وقال عبد الله بن عباس : ( هما اسمان رقيقان أَحدهما أَرق من الآخر ).
والرحمة الخاصة التي دل عليها اسمه الرحيم شملت عباده المؤمنين في الدنيا والآخرة فقد هداهم إلى توحيده وعبوديته ، وهو الذي أكرمهم في الآخرة بجنته ، ومنَّ عليهم في النعيم برؤيته ، ورحمة الله لا تقتصر على المؤمنين فقط ؛ بل تمتد لتشمل ذريتهم من بعدهم تكريما لهم كما قال تعالى في نبأ الخضر والجدار :
( وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ) [الكهف:82] ، فالإيمان بالله والعمل في طاعته وتقواه من أهم أسباب الرحمة الخاصة ، قال تعالى : ( وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) [آل عمران:132] ، وقال : ( وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون ) [الأنعام:155].
العصامي
11-01-2010, 05:59 AM
(3)الملك :
أصل الملك في اللغة الربط والشد ، قال ابن فارس : ( أصل هذا التركيب يدل على قوة في الشيء وصحة ، ومنه قولهم : ملكت العجين أملكه ملكا إذا شددت عجنه وبالغت فيه )، والملك هو النافذ الأمر في ملكه ، إذ ليس كل مالك ينفذ أمره وتصرفه فيما يملكه ، فالملك أعم من المالك ، والملك الحقيقي هو الله وحده لا شريك له ، ولا يمنع ذلك وصف غيره بالملك كما قال : ( وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً ) [الكهف:79] ، فهذا ملك مخلوق وملكه مقيد محدود ، أما الملك الحق فهو الذي أنشأ الملك وأقامه بغير معونة من الخلق ، وصرف أموره بالحكمة والعدل والحق ، وله الغلبة وعلو القهر على من نازعه في شيء من الملك.
فالملك سبحانه هو الذي له الأمر والنهي في مملكته ، وهو الذي يتصرف في خلقه بأمره وفعله ، وليس لأحد عليه فضل في قيام ملكه أو رعايته ، قال تعالى : ( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ ) [سبأ:22/23].
وهذه الآية تضمنت نفي جميع الوجوه التي تعلل بها المشركون في التعلق بمعبوداتهم فنفت الآية عن آلهتهم كل أوجه التأثير في الكون ممثلة في نفي الملك التام ، وذلك لانعدام ربوبيتهم فلا يخلقون في الكون شيئا ، ولا يدبرون فيه أمرا ، وكذلك نفي المشاركة لله في الملك بأن يكون لهم نصيب وله نصيب ، فنفت عن آلهتهم أن تملك مثقال ذرة في السماوات والأرض ، ونفت أيضا وجود الظهير والمعين ، فقد يدعى بعض المشركين أن آلهتهم لا يملكون شيئا ولا يشاركون الله في الملك لكنها تعد ظهيرا له أو معينا ؛ أو مشيرا أو وزيرا يعاون الله في تدبير الخلق والقيام على شئونه ، ثم نفي الله عنهم آخر ما تعلقوا به وهي الشفاعة من غير إذن ، فقد جعلوا معبوداتهم وسطاء عند الله فقالوا : ( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) [الزمر:3] ، فأخبر سبحانه أنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ، فهو الذي يأذن للشافع والمشفوع فيه ، وهو الذي يحدد لهم نوعية الشفاعة ، فالأدلة مجتمعة على أنه لا خالق للكون إلا الله ، ولا مدبر له سواه ، وأنه الملك الحق الدائم القائم بسياسة خلقه إلى غايتهم.
aaa111
11-01-2010, 06:50 AM
جزاك الله خير
العصامي
12-01-2010, 06:15 AM
جزاك الله خير
وجزاك بمثله ان شاء الله وبارك فيك.
العصامي
12-01-2010, 06:35 AM
(4) القدوس :
التقديس في اللغة التطهير ، ومنه سميت الجنة حظيرة القدس كما ورد
عند البزار من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
عن رب العزة : ( من ترك الخمر وهو يقدر عليه لأسقينه منه
في حظيرة القدس ، ومن ترك الحرير وهو يقدر عليه لأكسونه إياه
في حظيرة القدس ) ، وكذلك سمى جبريل روح القدس قال تعالى :
( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ) [النحل:102].
والقداسة تعني الطهر والبركة ، وقدس الرجل ربه أي عظمه وكبره ، وطهر
نفسه بتوحيده وعبادته ، ومحبته وطاعته , ومن ذلك قول الملائكة :
(وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ) [البقرة:30] ، فالقدوس لغة يعني المطهر
المنزه عن كل نقص المتصف بكل أنواع الكمال.
والقدوس سبحانه هو المنفرد بأوصاف الكمال الذي لا تضرب له الأمثال ، فهو
المنزه المطهر الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه ، والتقديس الذي
هو خلاصة التوحيد الحق إفراد اللَّه سبحانه بذاته وأصافه وأفعاله عن
الأقيسة التمثيلية والقواعد الشمولية والقوانين التي تحكم ذوات المخلوقين
وأصافهم وأفعالهم ، فالله عز وجل نزه نفسه عن كل نقص فقال :
( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) [الشورى:11] ، فلا مثيل له نحكم على كيفية أوصافه
من خلاله ، ولا يستوي مع سائر الخلق فيسري عليه قانون أو قياس أو قواعد
تحكمه كما تحكمهم لأنه القدوس المطهر المتصف بالتوحيد المنفرد عن أحكام العبيد ، ثم
أثبت الله لنفسه أوصاف الكمال والجمال ؛ فقال سبحانه بعد نفي النقص مطلقا وجملة :
( وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) [الشورى:11] فلا يكون التقديس تقديسا ولا التنزيه تنزيها إلا بنفي وإثبات ، ومن ثم لا يجوز في حق الله قياس تمثلي أو شمولي وإنما يجوز
في حقه قياس الأولى لقوله تعالى : ( وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى ) [النحل:60].
امـ حمد
12-01-2010, 04:54 PM
بارك الله فيك اخوي
babyskin
12-01-2010, 10:49 PM
بارك الله فيك
(بوعوف)
13-01-2010, 12:05 AM
بارك الله فيك أخي الفاضل
العصامي
13-01-2010, 07:57 PM
بارك الله فيك اخوي
بارك الله فيك
بارك الله فيك أخي الفاضل
وبارك الله فيكم جميعا وغفر لكم ماتقدم من ذنوبكم وما تاخر
اللهم آمين...
العصامي
13-01-2010, 08:11 PM
(5) السلام :
السلام في اللغة مصدر استعمل اسما للموصوف بالسلامة ، فعله سلم يسلم سلاما وسلامة ، والسلامة الأمن والأمان والحصانة والاطمئنان ، والبراءة من كل آفة ظاهرة وباطنة ، والخلاص من كل مكروه وعيب ، ومادة السلام تدل على الخلاص والنجاة ، وقيل للجنة دار السلام لأنها دار السلامة من الهموم والآفات ، باقية بنعيمها وأهلها في أمان ما دامت السماوات والأرض ، قال تعالى : ( لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [الأنعام:127] ، ومن السلامة أيضا التحية الخالصة من سوء الطوية وخبث النية ، فسميت التحية في الإسلام سلاما ، روى البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أن النَّبِيِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( خَلَقَ الله آدَمَ وَطولهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ، ثمَّ قال اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ ، تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ ، فقال السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ، فَقَالُوا : السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ).
والله عز وجل هو السلام لسلامته من النقائص والعيوب ، فهو الذي سَلَم في ذاته بنوره وجلاله ، فمن جماله وسبحات وجهه احتجب عن خلقه رحمة بهم وابتلاء لهم روى مسلم من حديث أَبِي مُوسَى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ) ، وهو الذي سَلَم في صفاته بكمالها وعلو شأنها ، وسلم أيضا في أفعاله بإطلاق قدرته وإنفاذ مشيئته ، وكمال عدله وبالغ حكمته ، وهو سبحانه الذي يدعو عباده إلى السلامة وإفشاء السلام فأثنى على عباده في قوله : ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً ) [الفرقان:63] ، وهو الذي يدعو إلى سبل السلام باتباع منهج الإسلام كما قال : ( يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ ) [المائدة:16] ، وهو سبحانه الذي يدعو عباده إلى دار السلام ويبلغ من استجاب منهم إليها فقال : ( وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) [يونس:25] ، فكل سلامة منشأها منه وتمامها عليه ونسبتها إليه.
العصامي
16-01-2010, 06:07 AM
(6) المؤمن :
المؤمن في اللغة اسم فاعل للموصوف بالإيمان ، وأصله أمن يأمن أمنا ، والأمن ما يقابل الخوف ، والإيمان في حقنا هو تصديق الخبر تصديقا جازما ، وتنفيذ الأمر تنفيذا كاملا ، فمن الأول قول إخوة يوسف لأبيهم : ( وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ) [يوسف:17] ، ومن الثاني ما رواه البخاري من حديث ابن عباس في وفد عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوُا النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم قَالَ لهم : ( أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللهِ وَحْدَهُ ؟ قَالُوا : الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ ) ، أما اسم الله المؤمن ففيه عدة أقوال يدل عليها الاسم ويشملها لأنها جميعا من معاني الكمال الذي اتصف به رب العزة والجلال :
القول الأول : أنه الذي أمَّنَ الناس ألا يظلم أحدا من خلقه ، وأمَّن من آمن به من عذابه ، فكل سينال ما يستحق ، قال تعالى :(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيما ً) [النساء:40] ، وقال : ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) [الكهف:49].
القول الثاني : أن المؤمن هو المجير الذي يجير المظلوم من الظالم ، بمعنى يؤمنه من الظلم وينصره ، كما قال : ( قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُل شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ )[المؤمنون:88] ، وقال : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ الله وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) [الملك:28] ، أي لن يجدوا ملاذا ولا مأمنا ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث أَبِي هُرَيْرَة أَن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقول : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ وَالذلةِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ ) , وعند البخاري ومسلم من حديث أَبِي مُوسَى الأشعري أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفلِتْهُ ، قَالَ ثُمَّ قَرَأَ :(وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القرَى وَهي ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) ).
القول الثالث : أن المؤمن هو الذي يصدق المؤمنين إذا وحدوه ، لأنه الواحد الذي وحد نفسه فقال : ( شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِما بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ ) [آل عمران:18] ، وهذه الآية تحمل أعظم المعاني في كشف حقيقة التوحيد وكيف خلق العباد من أجله ؟
وبيان ذلك أننا لو فرضنا بقياس الأولى ولله المثل لأعلى طلابا وأساتذة ومقررا واختبارا ، وبعد الاختبار تنازع المجتهدون من الطلاب مع الكثرة الغالبة في صحة ما أجابوا به ، فزعم الخاسرون أنهم على الصواب وأن إجابتهم توافق المنهج المقرر في الكتاب وأن المجتهدين من الطلاب هم المخطئون في إجابتهم ، ثم بالغوا وطلبوا شهادة أستاذهم ، فشهد بخطئهم وصحة جواب المجتهدين ، فكذبوا أستاذهم وطلبوا شهادة الأعلى من المتخصصين ، فشهدوا لأستاذهم وللطلاب المجتهدين ، فكذبوهم وطلبوا شهادة من وضع الاختبار ، ومن يرجع إليه القرار ، وأقروا على أنفسهم أن شهادته ملزمة لهم وأنها فصل المقال ، فشهد من وضع الاختبار بصحة جواب المتخصصين والأساتذة والطلاب المجتهدين وكانت شهادته للجميع إخبارا وتصديقا وقولا فصلا وإعلاما وحٌكما عدلا لا مجال لرده ولا معقب لحكمه .
إذا علم ذلك فالله عز وجل وله المثل الأعلى جعل قضية الخلق هي شهادة ألا إله إلا الله وأنه لا معبود بحق سواه ، وجعل أحكام العبودية أو الأحكام الشرعية هي المنهج المقرر على طلاب السعادة في هذه الدنيا كما قال : ( قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) [البقرة:38] ، فإذا أهمل طلاب السعادة منهج الهداية ، وجعلوا سعادتهم في عبودية الشهوات والشبهات وتناسوا مرحلة الابتلاء والكفاح والرغبة في النجاح والفلاح ، وتسببوا في ضلالهم بمخالفتهم رسلهم ، ثم أعلنوا زورا وبهتانا أنهم كانوا على الصواب ، وأنهم الكثرة الغالبة عند الحساب ، وأنهم أجابوا بادعائهم وفق ما تقرر في الكتاب ، فكذبوا على أنفسهم كما ذكر الله في شأنهم : ( ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُون ) [الأنعام:23/24] ، وهنا شهد أولو العلم وشهدت الملائكة بضلال المشركين وصحة ما جاء عن رسلهم ، وشهد الله بصدق المرسلين وخسران المشركين تصديقا للموحدين وإنصافا لمذهبهم وتكذيبا لأعدائهم وتصديقا للملائكة وأولي العلم ، فهو سبحانه المؤمن الذي شهد أنه لا إله إلا هو ، وأن هذه الكلمة هي كلمة الحق وحقيقة التوحيد وأنها رد على جميع من ضل من العبيد ، فتضمنت كلمة التوحيد أجل شهادة وأعظمها وأعدلها وأصدقها من أجل شاهد بأجل مشهود به ، فشهادة الله سبحانه لنفسه بالوحدانية والقيام بالقسط تضمنت عند السلف أربع مراتب ، علمه سبحانه بذلك وتكلمه به وإعلامه وإخباره لخلقه وأمرهم وإلزامهم به ، وعبارات السلف في الشهادة تدور على الحكم والقضاء والإعلام والبيان والإخبار ، وهذه الأقوال كلها حق لا تنافي بينها فإن الشهادة تتضمن كلام الشاهد وخبره ، وتتضمن إعلامه وإخباره وبيانه .
القول الرابع : أن المؤمن هو الذي يصدق مع عباده المؤمنين في وعده ، ويصدق ظنون عباده الموحدين ولا يخيب آمالهم ، قال تعالى : ( قُلْ صَدَقَ الله فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) [آل عمران:95] ، وقال : ( ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ ) [الأنبياء:9] ، وعند البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعا : ( يَقُولُ الله تَعَالَى : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي .. الحديث ) ، وعند النسائي وصححه الألباني من حديث ابْن عُمَرَ أنه قال : ( قَامَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكة عَلَى دَرَجَةِ الْكعْبَةِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأثنَى عَلَيْهِ وَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ ) ، فالمؤمن في أسماء الله هو الذي يصدق في وعده وهو عند ظن عبده لا يخيب أمله ولا يخذل رجاءه ، وجميع المعاني السابقة حق يشملها تفسير الاسم.
العصامي
17-01-2010, 06:33 PM
(7) المهيمن :
المهيمن في اللغة اسم فاعل للموصوف بالهيمنة ، فعله هيمن يهيمن هيمنة ، والهيمنة على الشيء السيطرة عليه وحفظه والتمكن منه كما يهيمن الطائر على فراخه ويرفرف بجناحيه فوقهم لحمايتهم وتأمينهم ، ويقال : المهيمن أصله المؤمن من آمن يعني أمَّن غيره من الخوف.
والله عز وجل هو المهيمن على عباده فهو فوقهم بذاته له علو القهر والشأن ، ملك على عرشه لا يخفى عليه شيء في مملكته ، يعلم جميع أحوالهم ولا يعزب عنه شيء من أعمالهم هو القاهر فوقهم ، وإن تركهم أو ترك بعضهم مع ظلمهم وكفرهم فذلك لحكمته فيما هم فيه مبتلون ، ولما قضى وقدر ميسرون كما قال تعالى : ( وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ) [إبراهيم:42] ، فهو محيط بالعالمين مهيمن بقدرته على الخلائق أجمعين ، وهو سبحانه على كل شيء قدير وكل شيء إليه فقير وكل أمر عليه يسير ، لا يعجزه شيء ولا يفتقر إلى شيء : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) [الشورى:11].
فجماع معنى المهيمن أنه المحيط بغيره الذي لا يخرج عن قدرته مقدور ولا ينفك عن حكمه مفطور ، له الفضل على جميع الخلائق في سائر الأمور ، قال أبو الحسن الأشعري : ( خلق الأشياء بقدرته ، ودبرها بمشيئته ، وقهرها بجبروته وذللها بعزته فذل لعظمته المتكبرون ، واستكان لعز ربوبيته المتعظمون ، وانقطع دون الرسوخ في علمه العالمون ، وذلت له الرقاب وحارت في ملكوته فطن ذوي الألباب ، وقامت بكلمته السماوات السبع ، واستقرت الأرض المهاد ) ، وقال ابن حجر : ( وأصل الهيمنة الحفظ والارتقاب ، تقول : هيمن فلان على فلان إذا صار رقيبا عليه فهو مهيمن ) ، فالمهيمن الرقيب على الشيء والحافظ له والقائم عليه وهذا ملحق بالمعنى السابق ، ويلحق به أيضا تفسير المهيمن بالشهيد ومنه قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ َ) [المائدة:48] ، فالله شهيد على خلقه بما يكون منهم من قول أو فعل ، وفي صحيح مسلم من حديث أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِيمَا يروي عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ : ( يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ ) ، وقيل في معنى المهيمن أيضا أنه الذي لا ينقص الطائع من ثوابه شيئا ولو كثر ولا يزيد العاصي عقابا على ما يستحقه لأنه لا يجوز عليه الكذب ، وقد سمى الثواب والعقاب جزاء ، وله أن يتفضل بزيادة الثواب ويعفو عن كثير من العقاب .
amal000
17-01-2010, 09:44 PM
جزاك الله خير ،،
عيون Qatar
17-01-2010, 11:53 PM
جزاك الله خير
motor
18-01-2010, 09:34 PM
جزااك الله خير ما حطيت لنا اياها
العصامي
18-01-2010, 11:16 PM
جزاك الله خير ،،
وجزاك بمثله وبارك فيك...
العصامي
18-01-2010, 11:16 PM
جزاك الله خير
وجزاك بمثله وبارك فيك...
العصامي
18-01-2010, 11:18 PM
جزااك الله خير ما حطيت لنا اياها
وجزاك بمثله وبارك فيك...
وان شاء الله حاضر...
العصامي
18-01-2010, 11:26 PM
(8) العزيز :
العزيز في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعيل ، فعله عز يعز عزا وعزة ، أما المعنى اللغوي فيأتي على معان ، منها العزيز بمعنى الغالب ، والعزة بمعنى الغلبة ، ومنه ما ورد في قوله تعالى : (فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ َ) [صّ:23] ، أي غلبني في محاورة الكلام ، ومنها العزيز بمعنى الجليل الشريف الرفيع الشأن ومنه قوله تعالى عن المنافقين : ( يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ)[المنافقون:8] ، أي ليخرجن الجليل الشريف منها الذليل ، ومنها العزيز بمعنى القوي القاهر الشديد الصلب وعَزَّزْت القوم قَوَّيْتُهم وشَدَّدْتُهم ومنه ما ورد في قوله تعالى : ( إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ َ) [يس:14] ، أَي قَوَّينا وشَدَّدنا ، ومنها العزيز بمعنى المنقطع النظير أو الشيء القليل النادر الوجود ، ومنه ما ورد عند أبي داود من حديث عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : ( كُنَّا مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُقَالُ لَهُ مُجَاشِعٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ فَعَزَّتِ الْغَنَمُ ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ : إِنَّ الْجَذَعَ يُوَفِّي مِمَّا يُوَفِّي مِنْهُ الثَّنِيُ ).
وهذه المعاني جميعا يجوز وصف الله بها ، فالله عز وجل عزيز غالب على أمره كما قال : ( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ َ) [يوسف:21] ، وقال : ( كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ َ) [المجادلة:21] ، وهو العزيز الذي له علو الشأن والفوقية في ذاته وصفته كما قال تعالى : ( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً َ) [مريم:65] ، وفي صحيح مسلم من حديث َأَبِي هُرَيْرَةَ أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : ( الْعِزُّ إِزَارُهُ وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ )، والله عزيز متفرد لا مثيل له متوحد لا شبيه له كما قال : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) [الشورى:11] ، وقال تعالى : ( قلْ هُوَ اللَّه أَحَدٌ ) ، وقال مبينا معنى الانفراد والأحدية : ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) ، أي أن الأحد هو العزيز المنفرد بأوصاف الكمال الذي لا مثيل له فنحكم على كيفية أوصافه من خلاله ، ولا يستوي مع سائر الخلق في قانون أو قياس لأنه المتصف بالتوحيد العزيز المنفرد عن أحكام العبيد.
العصامي
20-01-2010, 08:59 PM
(9) الجبار :
الجبار في اللغة صيغة مبالغة من اسم الفاعل الجابر ، وهو الموصوف بالجبر ، فعله جبر يجبر جبرا ، وأصل الجبر إصلاح الشيء بضرب من القهر ، ومنه جبر العظم أي أصلح كسره ، وجبر الفقير أغناه وجبر الخاسر عوضه وجبر المريض عالجه ، ويستعمل الجبر بمعنى الإكراه على الفعل والإلزام بلا تخير.
والجبار سبحانه هو الذي يجبر الفقر بالغنى والمرض بالصحة ، والخيبة والفشل بالتوفيق والأمل ، والخوف والحزن بالأمن والاطمئنان ، فهو جبار متصف بكثرة جبره حوائج الخلائق ، وهو الجبار أيضا لعلوه على خلقه ، ونفاذ مشيئته في ملكه فلا غالب لأمره ولا معقب لحكمه ، فما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، قال أبو حامد الغزالي : ( الجبار هو الذي ينفذ مشيئته على سبيل الإجبار في كل واحد ، ولا تنفذ فيه مشيئة أحد ، الذي لا يخرج أحد من قبضته ، وتقصر الأيدي دون حمى حضرته فالجبار المطلق هو الله سبحانه وتعالى فإنه يجبر كل أحد ولا يجبره أحد ، ولا مثنوية في حقه في الطرفين ) ، وقال ابن القيم : ( وأما الجبار من أسماء الرب تعالى ، هو الجبروت وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة فالجبار اسم من أسماء التعظيم كالمتكبر والملك والعظيم والقهار ).
والجبار عند الجبرية هو الذي يكره العباد على الفعل فلا اختيار لهم ولا حرية وهو مردود لقوله تعالى : (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:256] ، وإنما يتحقق معنى الجبار في الإجبار عن إسقاط الاختيار ورفع التكليف والمسؤولية كالسنن الكونية التي لا تحويل فيها ولا تبديل ، وكالحركات اللاإرادية في الإنسان كحركة القلب وسريان الروح في الأبدان.
والجبار اسم دل على معنى من معاني العظمة والكبرياء ، وهو في حق الله وصف محمود من معان الكمال والجمال ، وفي حق العباد وصف مذموم من معاني النقص لقوله تعالى :(كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّار ٍ) [غافر:35].
(10) المتكبر :
المتكبر ذو الكبرياء وهو الملك اسم فاعل للموصوف بالكبْرياء ، والمتكبر هو العظيمُ المتعالي القاهِرُ لعُتَاةِ خَلقِهِ ، إذا نازعوه العظمة قصمهم ، والمتكبر أيضا هو الذي تكبر عن كل سوء وتكبر عن ظلم عباده ، وتكبر عن قبول الشرك في العبادة فلا يقبل منها إلا ما كان خالصا لوجهه ، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( قَالَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ) ، وأصل الكبر والكبرياء الامتناع ، والكبرياء في صفات الله مدح وفي صفات المخلوقين ذم ، فهو سبحانه المتفرد بالعظمة والكبرياء ، وكل من رأى العظمة والعجب والكبرياء لنفسه على الخصوص دون غيره كانت رؤيته خاطئة كاذبة باطلة ، لأن الكبرياء لا تكون إلا لله ، والأكرمية بين العباد مبنية على الأفضلية في تقوى الله ، والتاء في اسم الله المتكبر تاء التفرد والتخصص لأن التعاطي والتكلف والكبر لا يليق بأحد من الخلق وإنما سمة العبد الخضوع والتذلل قال تعالى :
(وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ) [الزمر:60] ، وقال موسى : (إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ) [غافر:27] ، وقال سبحانه أيضا : (الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) [غافر:35] ، وعند الترمذي وحسنه الألباني من حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ، فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةِ الْخَبَالِ ) ، وعند مسلم من حديث ابْنِ مَسْعُودٍ أَنِ النَّبِيِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ، قَالَ رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً ، قَالَ : إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ).
العصامي
22-01-2010, 01:24 PM
(11) الخالق :
الخالق في اللغة اسم فاعل فعله خلق يخلق خلقا ، والخلق مصدر من الفعل خلق ومنه قوله : ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِنْ طِينٍ ) [السجدة:7] ، ويأتي الخَلق أيضا بمعنى المخلوق ، ومنه قوله تعالى : (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ) [لقمان:11] ، والخلق أصله التقدير المستقيم ويستعمل في إبداع الشيء من غير أصل ولا احتذاء وفي إيجاد الشيء من الشيء.
والخلق قد يأتي أيضا بمعنى الكذب على اعتبار أن الذي يكذب يؤلف وينشئ كلاما لا يطابق الحقيقة ، ومن ذلك قوله : (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكا ) [العنكبوت:17] ، وقوله : (إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأَوَّلِينَ ) [الشعراء:137].
والخالق في أسماء الله هو الذي أوْجد جميعَ الأشياء بعد أن لم تكنْ مَوْجُودة وقدر أمورها في الأزل بعد أن كانت معدومة ، والخالق أيضا هو الذي ركب الأشياء تركيبا ورتبها بقدرته ترتيبا ، فمن الأدلة على معنى الإنشاء والإبداع وإيجاد الأشياء من العدم قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ) [فاطر:3] ومن الأدلة على معنى التركيب والترتيب الذي يدل عليه اسمه الخالق قوله تعالى : (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) [المؤمنون:14] ، وخلاصة ما ذكره العلماء في معنى الخالق أنه من التقدير وهو العلم السابق ، أو القدرة على الإيجاد والتصنيع والتكوين .
والحقيقة أن معنى الخالق قائم عليهما معا ، لأن حدوث المخلوقات مرتبط عند السلف بمراتب القدر ، فكل مخلوق مهما عظم شأنه أو دق حجمه لا بد أن يمر بأربع مراتب ، وهي علم الله السابق وتقدير كل شيء قبل تصنيعة وتكوينه ، وتنظيم أمور الخلق قبل إيجاده وإمداده ، وهو علم التقدير وحساب المقادير ، ثم بعد ذلك مرتبة الكتابة وهي كتابة المعلومات وتدوينها بالقلم في كلمات ، فالله كتب ما يخص كل مخلوق في اللوح المحفوظ ؛ كتب فيه تفصيل خلقه وإيجاده وما يلزم لنشأته وإعداده ثم هدايته وإمداده وجميع ما يرتبط بتكوينه وترتيب حياته ، ثم بعد ذلك المرتبة الثالثة من مراتب القدر وهي مرتبة المشيئة فليس في الكون مشيئة عليا إلا مشيئة الله ، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، والمسلمون من أولهم إلى آخرهم مجمعون على ذلك ، ثم تأتي المرتبة الرابعة من مراتب القدر وهي مرتبة خلق الأشياء وتكوينها وتصنيعها وتنفيذها وفق ما قدر لها بمشيئة الله في اللوح المحفوظ ، قال ابن القيم : ( مراتب القضاء والقدر التي من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقضاء والقدر أربع مراتب : المرتبة الأولى علم الرب سبحانه بالأشياء قبل كونها ، المرتبة الثانية كتابته لها قبل كونها ، المرتبة الثالثة مشيئته لها ، والرابعة خلقه لها ) ، فالله سبحانه خالق كل شيء تقديرا وقدرة ، ومراتب القدر هي المراحل التي يمر بها المخلوق من كونه معلومة في علم الله إلى أن يصبح واقعا مخلوقا مشهودا.
(12) البارئ :
البارئ في اللغة اسم فاعل فعله برأ يبرأ برءا ، وبَرُء بضم الراء أي خلا من العيب أو التهمة والمذمة ، وخلص منها وتنزه عن وصفه بالنقص ، وأبرأ فلانا من حق له عليه أي خلصه منه ، وبرئ المريض أي شفي من مرضه ، وفي صحيح مسلم من حديث جَابِرٍ أنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَل ) ، والبريء مرادف للبراء كما في قوله تعالى : (وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا ) [النساء:112] ، وقوله : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ ) [الزخرف:26] ، ويقال : بريت القلم أي جعلته صالحا للكتابة , وبريت السهم أي جعلته مناسبا وصالحا للإصابة ، وقال الشاعر :
يا باري القوس بريا ليس يحكمه : لا تفسد القوس أعط القوس باريها
قال أبو إسحاق : ( البرء خلق على صفة ، فكل مبروء مخلوق ، وليس كل مخلوق مبروءا ، وذلك لأن البرء من تبرئة الشيء من الشيء من قولهم : برأت من المرض وبرئت من الدَّيْن أبرأ منه ، فبعض الخلق إذا فصل من بعض سمي فاعلة بارئا ).
والبارئ إذا كان تقدير فعله برء يَبْرَأ كفعل لازم فإن معناه السالم الخالي من النقائص والعيوب ، والبارئ سبحانه له الكمال المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله ، تنزه عن كل نقص وتقدس عن كل عيب ، لا شبيه له ولا مثيل ، ولا ند له ولا نظير ، أما إذا كان البارئ تقدير فعله أبرأ كفعل متعد لمفعول ، فالبارئ سبحانه يعني واهب الحياة للأحياء ، الذي خلق الأشياء صالحة ومناسبة للغاية التي أرادها ، وهو سبحانه الذي يُتِم الصنعة على وجه التدبير ، ويظهر المقدور وفق سابق التقدير ، قال تعالى : (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) [الحديد:22] ( ) ، والبارئ أيضا هو الذي أبرأ الخلق ، وفصل كل جنس عن الآخر ، وصور كل مخلوق بما ينساب الغاية من خلقه ، قال أبو علي : ( هو المعنى الذي به انفصلت الصور بعضها من بعض ، فصورة زيد مفارقة لصورة عمرو وصورة حمار مفارقة لصورة فرس فتبارك الله خالقا وبارئا ).
(13) المصور:
المصور في اللغة اسم فاعل للموصوف بالتصوير ، فعله صور وأصله صار يَصُور صوْرا ، وصور الشيء أي جعل له شكلا معلوما ، وصور الشيء قطعه وفصله وميزه عن غيره ، وتصويره جعله على شكل متصور وعلى وصف معين ، والصورة هي الشكل والهيئة أو الذات المتميزة بالصفات ، قال الراغب : ( الصورة ما ينتقش به الأعيان ويتميز بها غيرها ، وذلك ضربان : أحدهما محسوس يدركه الخاصة والعامة بل يدركه الإنسان وكثير من الحيوان بالمعاينة كصورة الإنسان والفرس والحمار ، والثاني معقول يدركه الخاصة دون العامة كالصورة التي اختص الإنسان بها من العقل والروية والمعاني التي خُص بها شيء بشيء ). والمصور سبحانه هو الذي صور المخلوقات فيه بشتى أنواع الصور الجلية والخفية والحسية والعقلية ، فلا يتماثل جنسان أو يتساوى نوعان بل لا يتساوى فردان ، فلكل صورته وسيرته وما يخصه ويميزه عن غيره ، والصور متميزة بألوان وأشكال في ذاتها وصفاتها ، وإحصاؤها في نوع واحد ، أو حصرها في جنس واحد أمر يعجز العقل ويذهل الفكر ، فالمصور في أسماء الله الحسنى هو مبدع صور المخلوقات ومزينها بحكمته ، ومعطي كل مخلوق صورته على ما اقتضت مشيئته وحكمته ، وهو الذي صور الناس في الأرحام أطوارا ، ونوعهم أشكالا كما قال ربنا تبارك وتعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ منَ السَّاجِدِينَ)[الأعراف:11] ، والله عز وجل كما صور الأبدان فتعددت وتنوعت نوع في الأخلاق فتتعدد صور الأخلاق والطباع.
وأعظم تكريم للإنسان من الله المصور أنه خلقه على صورته في المعنى المجرد ليستخلفه في أرضه ويستأمنه في ملكه ، روى البخاري ومسلم من حديث أَبِي هريرة أنِ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خَلَقَ الله آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ ؛ فَقَالَ : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ : فَقَالُوا : السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَة اللهِ فَزَادُوهُ وَرَحْمَة اللهِ ، فَكل مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ ، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ ).
والحديث ظاهر المعنى في أن الله صور آدم وجعل له سمعا وبصرا وعلما وحكما وخلافة وملكا وغير ذلك من الأوصاف المشتركة عند التجرد والتي يصح عند إطلاقها استخدامها في حق الخالق والمخلوق ، فالله عز وجل له صورة وآدم له صورة ولفظ الصورة عند التجرد لا يعني أبد التماثل ولا يكون علة للتشبيه إلا عند من فسدت فطرته من المشبهة والمعطلة ، أما الصورة عند الإضافة والتقييد فصورة الحق لا يعلم كيفيتها إلا هو ، لأننا ما رأيناه وما رأينا له مثيلا ، أما صورة آدم فمعلومة المعنى والكيفية ، وقد خلق الله آدم على صورته سبحانه في القدر المشترك مع ثبوت الفارق عند أهل التوحيد ، وقد قال ابن تيمية : ( ما من شيئين إلا بينهما قدر مشترك وقدر فارق فمن نفى القدر المشترك فقد عطل ، ومن نفى القدر الفارق فقد مثل ) ، والحديث عن ذلك له موضعه ، والقصد أن المصور سبحانه خص الإنسان بهيئة متميزة من خلالها يدرك بالبصر والبصيرة ، وأسجد له بعد تصويره الملائكة ، وليس بعد ذلك شرف أو فضيلة.
(14) الأول :
الأول في اللغة على وزن أفعل ، تأسيس فعله من همزة وواو ولام ، آل يؤول أوْلا وقد قيل من واوين ولام ، والأول أفصح وهو في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالأولية وهو الذي يترتب عليه غيره ، والأولية أيضا الرجوع إلى أول الشيء ومبدؤه أو مصدره وأصله ، ويستعمل الأول للمتقدم بالزمان كقولك عبد الملك أولا ثم المنصور ، والمتقدم بالرياسة في الشيء وكون غيره محتذيا به نحو الأمير أولا ثم الوزير والمتقدم بالنظام الصناعي نحو أن يقال : الأساس أولا ثم البناء.
والأول سبحانه هو الذي لم يسبقه في الوجود شيء ، وهو الذي علا بذاته وشأنه فوق كل شيء ، وهو الذي لا يحتاج إلى غيره في شيء ، وهو المستغني بنفسه عن كل شيء ، فالأول اسم دل على وصف الأولية ، وأولية الله تقدمه على كل من سواه في الزمان ، فهي بمعنى القَبلية خلاف البعدية ، أو التقدم خلاف التأخر ، وهذه أولية زمانية ، ومن الأولية أيضا تقدمه سبحانه على غيره تقدما مطلقا في كل وصف كمال وهذا معنى الكمال في الذات والصفات في مقابل العجز والقصور لغيره من المخلوقات فلا يدانيه ولا يساويه أحد من خلقه لأنه سبحانه منفرد بذاته ووصفه وفعله ، فالأول هو المتصف بالأولية ، والأولية وصف لله وليست لأحد سواه ، وربما يستشكل البعض وصف الله بالأولية مع وصفه بدوام الخالقية والقدرة والفاعلية ، فإذا كان الله عز وجل هو الأول الذي ليس قبله شيء ، فهل يعني ذلك أنه كان معطلا عن الفعل ثم أصبح خالقا فاعلا قادرا بعد أن لم يكن ؟
والجواب عن ذلك أن يقال : إن الله عز وجل موصوف بأنه مريد فعال يفعل ما يشاء وقت ما يشاء كما قال : ( ذُو العَرْشِ المَجِيد ُفَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ) [البروج:16] ، وقد بين الله عز وجل أنه قبل وجود السماوات والأرض لم يكن سوى العرش والماء كما جاء في قوله تعالى : (وَهُوَ الذِي خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلى المَاء ) [هود:7] ، ومن حديث عِمْرَانَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَال : ( كَانَ اللهُ وَلمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلهُ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلى المَاءِ ، ثُمَّ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْض ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُل شَيْءٍ ) ، وربما يسأل سائل ويقول : وماذا قبل العرش والماء ؟
والجواب : أن الله قد شاء أن يوقف علمنا عن بداية المخلوقات عند العرش والماء فقال تعالى : (ولا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ ) [البقرة:255] ، فالله أعلم هل توجد مخلوقات قبل العرش والماء أم لا ؟ لكننا نعتقد أن وجودها أمر ممكن متعلق بمشيئة الله وقدرته ، فالله أخبرنا أنه يخلق ما يشاء ، ويفعل ما يشاء وهو على ما يشاء قدير ، وأنه متصف بصفات الأفعال ، ومن لوازم الكمال أنه فعال لما يريد على الدوام أزلا وأبدا سواء كان ذلك قبل العرش والماء أو بعد وجودهما ، لكن الله أوقف علمنا عند هذا الحد ، كما أن جهلنا بذلك لا يؤثر فيما يخصنا أو يتعلق بحياتنا من معلومات ضرورية لتحقيق الكمال في حياة الإنسان ، قال سليمان التيمي رحمه الله : ( لو سئلت : أين الله ؟ لقلت : في السماء ، فإن قال السائل : أين كان عرشه قبل السماء ؟ لقلت : على الماء ، فإن قال : فأين كان عرشه قبل الماء ؟ لقلت : لا أعلم ) ، ويعقب الإمام البخاري رحمه الله بقوله : ( وذلك لقول الله تعالى : ( ولا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ ) [البقرة:255] يعني إلا بما بين ).
وهذه المسألة تسمى في باب العقيدة بالتسلسل وهو ترتيب وجود المخلوقات في متوالية مستمرة غير متناهية من الأزل والأبد ومعتقد السلف الصالح أن التسلسل في الأزل جائز ممكن ولا يلزم من ذلك أن الخلق يشارك الله في الأزلية والأولية.
العصامي
23-01-2010, 07:31 AM
(15) الآخر :
الآخر في اللغة اسم فاعل لمن اتصف بالآخرية ، فعله أَخَر يَأْخر أخرا ، والآخِرُ ما يقابل الأَوَّل ، ويقال أيضا لما بقي في المدة الزمنية ، ويقال للثاني من الأرقام العددية أو ما يعقب الأول في البعدية والنوعية ، ويقال أيضا لما بقي في المواضع المكانية ، ونهاية الجمل الكلامية ، فمن الآخِرُ الذي يقابل الأَوَّل قوله تعالى : (رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا ) [المائدة:114] ، ومن الآخر الذي يقال لما بقي في المدة الزمنية ، قوله تعالى : ( وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) [آل عمران:72] ، وكذلك ما رواه البخاري من حديث عبد الله بن عُمَرَ أنه قَالَ : ( صَلَّى بِنَا النَّبِيُ صلى الله عليه وسلم الْعِشَاءَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ ) ، ومن الآخر الذي يقال للثاني من الأرقام العددية أو ما يعقب الأول في البعدية والنوعية قوله تعالى : ( ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ)[الشعراء:66] ، ومن الآخر الذي يقال لما بقي في المواضع المكانية ما رواه البخاري من حديث ابْنَ عَبَّاسٍ أنه قَالَ : ( صَعِدَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْمِنْبَرَ وَكَانَ آخِرَ مَجْلِسٍ جَلَسَهُ مُتَعَطِّفًا مِلحَفَةً عَلَى مَنْكِبَيْهِ ) ، ومن الآخر الذي يقال لنهاية الجمل الكلامية قوله تعالى : (وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [يونس:10] .
والآخر سبحانه هو المتصف بالبقاء والآخرية فهو الآخر الذي ليس بعده شيء الباقي بعد فناء الخلق ، وهنا سؤال يطرح نفسه عن كيفية الجمع بين وصف الله عز وجل بأنه الآخر الباقي الذي ليس بعده شيء وبقاء المخلوقات في الجنة ودوامها وأبديتِها ، كما قال تعالي عن أهل الجنة ونعيمها ودوام متعتها ولذتها للمؤمنين : (قَال اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالدِينَ فِيهَا أَبَدا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلكَ الفَوْزُ العَظِيمُ) [المائدة :119] ، وقال سبحانه عن أهل النار وعذابها ودوام الشقاء لأهلها : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولهُ فَإِنَّ لهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالدِينَ فِيهَا أَبَدا) [الجن :23] ؟ وما تفسير قوله : (كُلُّ مَنْ عَليْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلال والإكرام )[الرحمن:27] ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه : ( اللهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَليْسَ قَبْلكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَليْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ )؟
قد يبدو في الظاهر أن بقاء أهل الجنة والنار أبدا متعارضا مع إفراد الله عز وجل بالبقاء وأنه الآخر الذي ليس بعده شيء ، لكن هذا التعارض يزول إذا علمنا أنه لا بد أن نفرق في قضية البقاء والآخرية بين ما يبقى ببقاء الله وما يبقي بإبقاء الله ، أو نفرق بين بقاء الذات والصفات الإلهية وبقاء المخلوقات التي أوجدها الله كالجنة والنار وما فيهما ، فالجنة مثلا باقية بإبقاء الله وما يتجدد فيها من نعيم متوقف في وجوده على مشيئة الله ، أما ذاته وصفاته فباقية ببقائه ، وشتان بين ما يبقي ببقاء الله وما يبقي بإبقائه ، فالجنة مخلوقة خلقها الله عز وجل وكائنة بأمره ورهن مشيئة وحكمه فمشيئة الله حاكمة علي ما يبقى وما لا يبقى .
ومن ثم فإن السلف الصالح يعتبرون خلد الجنة وأهلها إلى ما لا نهاية إنما هو بإبقاء الله وإرادته ، فالبقاء عندهم ليس من طبيعة المخلوقات ولا من خصائصها الذاتية ، بل من طبيعتها جميعا الفناء ، فالخلود ليس لذات المخلوق أو طبيعته ، وإنما هو بمدد دائم من الله تعالى وإبقاء مستمر لا ينقطع ، أما صفات الله عز وجل ومنها وجهه وعزته وعلوه ورحمته ويده وقدرته وملكه وقوته فهي صفات باقية ببقائه ملازمة لذاته حيث البقاء صفة ذاتية لهر كما أن الأزلية صفة ذاتية له أيضا ، فلا بد إذا أن نفرق بين صفات الأفعال الإلهية وأبديتها ومفعولات الله الأبدية وطبيعتها ، وهذا ما جاء به القرآن حيث فرق بين نوعين من البقاء ، الأول وهو بقاء الذات بصفاتها كما في قوله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَليْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلال والإكرام )[الرحمن:27] ، والثاني في قوله تعالى : (وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [الأعلى:17] ، فالآية الأولى دلت على صفة من صفات الذات وهى صفة الوجه ودلت على بقاء الصفة ببقاء الذات فأثبتت بقاء الذات بصفاتها ، وأثبتت فناء ما دونها أو إمكانية فنائه ، إذ أن الله هو الأول والآخر وهو قبل كل شيء وبعد كل شيء .
ومن معاني اسم الله الآخر أنه الذي تنتهي إليه أمور الخلائق كلها كما ورد عند البخاري من حديث البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ ).
(16) الظاهر :
الظاهِرُ في اللغة اسم فاعل لمن اتصف بالظهور ، والظاهِرُ خلاف الباطن ، ظَهَرَ يَظْهَرُ ظُهُوراً فهو ظاهر وظهير ، والظهور يرد على عدة معان ، منها العلو والارتفاع يقال : ظَهَر على الحائط وعلى السَّطْح يعني صار فوقه ، قال تعال : (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً) [الكهف:97] ، أَي ما قَدَرُوا أَن يَعْلوا عليه لارتفاعه ، والظهور أيضا بمعنى الغلبة ، ظَهَرَ فلانٌ على فلان أَي قَوِيَ عليه ، ويقال : أَظهَر الله المسلمين على الكافرين أَي أَعلاهم عليهم ، قال تعالى : (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ) [الصف14] ، أَي غالبين عالين ، والظهر بمعنى السند والحماية وما يُركن إليه يقال : فلان له ظَهْرٌ أَي مال من إِبل وغنم ، وفلان ظَهَرَ بالشيء ظهْرا فَخَرَ به ، وعند البخاري من حديث أبي هُرَيْرَة أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ) ، ويأتي الظهور أيضا بمعنى البيان وبُدُوّ الشيء الخفيّ ، وكذلك الظهْرُ ما غاب عنك ، يقال : تكلمت بذلك عن ظَهْرِ غَيْب ، ويقال حَمَل فلان القرآن على ظهْرِ لسانه وعن ظَهْر قلبه ، وعند النسائي وصححه الألباني من حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ t مرفوعا : ( فَقَالَ : هَلْ تَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ ؟ ) ، والمظاهرة المعاونة وظَاهَرَ بعضهم بعضاً أَعانه ، قال تعالى : (وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ ) [الممتحنة:9] ، أَي عاوَنُوا.
والظاهر سبحانه هو المنفرد بعلو الذات والفوقية ، وعلو الغلبة والقاهرية ، وعلو الشأن وانتفاء الشبيه والمثلية ، فهو الظاهر في كل معاني الكمال ، وهو البين المبين الذي أبدى في خلقه حججه الباهرة وبراهينه الظاهرة ، أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا ، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ، قال ابن الأَثير : ( الظاهر في أسماء الله هو الذي ظهر فوق كل شيء وعلا عليه ، وقيل : الظاهر هو الذي عُرِفَ بطريق الاستدلال العقلي بما ظهر لهم من آثار أَفعاله وأَوصافه ).
والظاهر أيضا هو الذي بدا بنوره مع احتجابه بعالم الغيب ، وبدت آثار ظهوره لمخلوقاته في عالم الشهادة ، فالله عز وجل استخلف الإنسان في ملكه واستأمنه على أرضه فاقتضى الاستخلاف والابتلاء أن يكون الإنسان بين عالمين ، عالم الغيب وعالم الشهادة ، ليتحقق مقتضى توحيد الله في أسمائه ، وجلاء المعاني المتعلقة بأوصافه وأفعاله قال تعالى : (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً [الجن:26] ، وقال : ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [السجدة:6] ، وهو سبحانه أيضا الظاهر الذي أقام الخلائق وأعانهم ، ورزقهم ودبر أمرهم ، وهداهم سبلهم ، فهو المعين على المعنى العام وهو نصير الموحدين من عباده على المعنى الخاص.
(17) الباطن :
الباطن اسم فاعل لمن اتصف بالبطون ، والبطون خلاف الظهور ، فعله بَطنَ يَبْطنُ بطونا ، والبَطنُ من الإِنسان وسائِر الحيوان خلاف الظهْر ، والبَطنُ من كل شيء جَوْفُه قال تعالى : (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ) [النحل:78] ، وقال : (وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَة لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا ) [الأنعام:139] ، والبطون أيضا الخفاء والاحتجاب وعدم الظهور ، ومنه قول الله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) [الأنعام:151] ، وبطن الشيء أساسه المحتجب الذي تستقر به وعليه الأشياء ، وعند مسلم من حديث جَابِرٌ أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ شَهْرًا فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي نَزَلتُ فَاسْتَبْطَنْتُ بَطْنَ الوَادِي فَنُودِيتُ ، فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ أَحَدًا ) ، وقال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكةَ) [الفتح:24] ، قال ابن منظور : ( وذلك أن بني هاشم وبني أمية وسادة قريش نزول ببطن مكة ومن كان دونهم فهم نزول بظواهر جبالها ).
والباطن سبحانه هو المحتجب عن أبصار الخلق الذي لا يرى في الدنيا ولا يدرك في الآخرة ، وفرق بين الرؤية والإدراك ؛ فالله عز وجل لا يرى في الدنيا ويرى في الآخرة أما الإدراك فإنه لا يدرك في الدنيا ولا في الآخرة ، قال تعالى : (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلا) [الشعراء:61/62] ، فموسى نفى الإدراك ولم ينف الرؤية لأن الإدراك هو الإحاطة بالمدرك من كل وجه ، أما الرؤية فهي أخص من ذلك ، فكل إدراك يشمل الرؤية ، وليس كل رؤية تشمل الإدراك ، قال تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِك الأَبْصَارَ وَهُوَ اللطِيفُ الْخَبِيرُ) [الأنعام:103].
والله عز وجل باطن احتجب بذاته عن أبصار الناظرين لحكمة أرادها في الخلائق أجمعين ، فالله يُرى في الآخرة ولا يرى في الدنيا لأنه شاء أن تقوم الخلائق على معنى الابتلاء ، ولو رأيناه في الدنيا وانكشف الحجاب والغطاء لتعطلت حكمة الله في تدبيره الأشياء ، قال تعالى :(ألمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالحَقِّ)[إبراهيم:19] ، فالعلة في احتجابه وعدم رؤيته هي الامتحان والابتلاء ، قال تعالى : (الذي خَلقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ ليَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [الملك:2] ، ومن هنا كان البطون ووضع الغطاء على أهل الابتلاء أو كشف الحجاب عند الانتقال لدار الجزاء قال تعالى (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيد ) [ق:22] ، فكيف يتحقق الإيمان بالله ونحن نراه ؟ وكيف تستقيم الشرائع في مخالفة الإنسان هواه ؟.
وإذا كان الله تعالى لا يرى في الدنيا ابتلاءا فإنه سبحانه يرى في الآخرة إكراما وجزاءا ، إكراما لأهل طاعته وزيادة في النعيم لأهل محبته ، كما قال :(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)[القيامة:22/23] ، وقد تواترت الأحاديث في إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة ، فالعلة إذا في احتجابه وعدم إدراك كيفية أوصافه ليست عدم وجودها ولا استحالة رؤية الله تعالى ، ولكن العلة قصور الجهاز الإدراكي في الحياة الدنيا عن إدراك حقائق الغيب ، لأن الله عز وجل خلق الإنسان بمدارك محدودة لتحقيق معنى الابتلاء ، قال تعالى :(إِنَّا خَلقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَليهِ فَجَعَلنَاهُ سَمِيعا بَصِيرا)[الإنسان:2] ، فمن الصعب أن يرى الإنسان ما بطن من الغيبيات ، أو يرى كيفية الذات والصفات ، فالشيء لا يرى إلا لسببين : الأول خفاء المرئي وهو ممتنع في حق الله ، والثاني ضعف الجهاز الإدراكي للرائي وهذا شأن الإنسان.
فمن الخطأ البحث عن كيفية الحقائق الغيبية أو كيفية الذات والصفات الإلهية ، لأن الله باطن احتجب عن خلقه في عالم الشهادة بالنواميس الكونية ، أما في الآخرة عند لقائه فالأمر يختلف إذ أن مدركات الإنسان وقتها تتغير بالكيفية التي تناسب أمور الآخرة وأحداثها ، كما ثبت في السنة أن الإنسان سيكون عند دخول الجنة على صورة آدم طوله ستون زراعا ، والله عز وجل مع أنه الباطن الذي احتجب عن أبصار الناظرين لجلاله وحكمته وكمال عزته وعظمته إلا أن حقيقة وجوده وكمال أوصافه نور يضيء بصائر المؤمنين ، فهو القريب المجيب الذي يسمع الخلائق أجمعين .
(18) السميع :
السميع في اللغة على وزن فَعِيل من أبْنِيةِ المُبالغة ، فعله سَمِعَ يسَمْع سَمعا ، والسَّمْعُ في حقنا ما وَقر في الأُذن من شيء تسمعه ، والسمع صفة ذات وصفة فعل ، فصفة الذات يعبر به عن الأذن والقوة التي بها يدرك الأصوات كما في قوله :(خَتَمَ الله عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ)[البقرة:7] ، أما صفة الفعل فتارة يكون السمع بمعنى الاستماع والإنصات كقوله تعالى :(وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا) [الأحقاف:29] ، وتارة يعبر به عن الفهم كما قال تعالى : (قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ) [البقرة:93] ، أي فهمنا قولك ولم نأتمر بأمرك ، وتارة يعبر به عن الطاعة كقوله : (وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)[البقرة:285] ، أي فهمنا وأتمرنا.
والسميع سبحانه هو المتصف بالسمع كوصف ذات ووصف فعل ، فوصف الذات وصف حقيقي نؤمن به على ظاهر الخبر في حقه سبحانه ، وظاهر الخبر ليس كالظاهر في حق البشر كما يتوهم من تلوث عقله بالتشبيه والتعطيل ، لأننا ما رأينا الله ولا ندري كيفية سمعه ، وما رأينا مثيلا لذاته ووصفه ، وليس إثبات الصفات تشبيها أو تجسيما كما أشار بعضهم على الخليفة المأمون أن يكتب على ستر الكعبة : ( ليس كمثله شيء وهو العزيز الحكيم ) ، بدلا من قوله تعالى : (ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشورى:11] ، فاعتقد أن إثبات السمع في حق الله تشبيه ، وأنه لا بد أن يكون سمع الله بأذن كما هو شأن الإنسان ، ومن ثم حرف الكلام عن موضعه وهذا باطل لأن الله يسمع بالكيفية التي تناسب عظمته ، وهو الذي يعلم حقيقة سمعه وكيفيته ، قال الأَزهري : ( والعجب من قوم فسَّروا السميعَ بمعنى المسْمِع فِراراً من وصف الله بأَن له سَمْعا ، وقد ذكر الله الفعل في غير موضع من كتابه فهو سَمِيع ذو سَمْعٍ بلا تكييفٍ ولا تشبيه بالسمع من خلقه ، ولا سَمْعُه كسَمْعِ خلقه ، ونحن نصف اللَّه بما وصف به نفسه ، بلا تحديد ولا تكييف ، ولست أُنكر في كلام العرب أن يكون السميع سامِعاً ويكون مُسْمِعا ).
أما السمع كوصف فعل لله فهو السمع الذي يتعلق بمشيئته سبحانه ، أو على المعنى الخاص الذي فيه إجابة الدعاء أو إسماع من يشاء ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا : ( وَإِذَا قَالَ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ ) ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ ، وَدُعَاءٍ لاَ يُسْمَعُ ، وَمِنْ نَفسٍ لاَ تَشْبَعُ ، وَمِنْ عِلمٍ لاَ يَنْفَعُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَؤُلاَءِ الأَرْبَعِ ) ، وكقوله تعالى : (وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ الله يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) [فاطر:22] .
العصامي
24-01-2010, 05:00 PM
(19) البصير :
البَصِيرٌ في اللغة من أبنية المبالغة فعيل بمعنى فاعل فعله بَصُرَ يُبصِرُ بَصَرا وتَبَصَّرَهُ ، قال تعالى : (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ) [الأنعام:104] وتَبَاصَرَ القومُ أَبْصَرَ بعضهم بعضاً ، والبَصَرُ يقال للعَيْنُ إِلاَّ أَنه مذكر ، ويقال أيضا لحِسُّ العَيٌّن والنظر ، أو القوة التي تبصر بها العين أو حاسة الرؤْية ، والتَّبَصُّر التَّأَمُّل والتَّعَرُّف والتعريف والإِيضاح ، والبَصيرة الحجة والاستبصار ، وهي اسم لما يعقد في القلب من الدين وتحقيق الأَمر ، وقيل : البَصيرة الفطنة ، ورجل بَصِيرٌ بالعلم عالم به ، وبَصرُ القلب نَظرهُ وخاطره.
والبصير سبحانه هو المتصف بالبصر ، والبصر صفة من صفات ذاته تليق بجلاله يجب إثباتها لله دون تمثيل أو تكييف ، أو تعطيل أو تحريف ، فهو الذي يبصر جميع الموجودات في عالم الغيب والشهادة ويرى الأشياء كلها مهما خفيت أو ظهرت ومهما دقت أو عظمت ، وهو سبحانه وتعالى مطلع على خلقه يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ، لا يخفى عليه شيء من أعمال العباد ، بل هو بجميعها محيط ولها حافظ ذاكر ، فالسر عنده علانية والغيب عنده شهادة ، يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ، ويرى نياط عروقها ومجاري القوت في أعضائها ، قال ابن القيم :
وهو البصير يرى دبيب النملة السـوداء تحت الصخر والصوان
ويرى مجاري القوت في أعضائها : ويرى عروق بياضها بعيان
ويرى خيانات العيون بلحظها : ويرى كذاك تقلب الأجفان.
والله عز وجل هو البصير الذي ينظر للمؤمنين بكرمه ورحمته ، ويمن عليهم بنعمته وجنته ، ويزيدهم كرما بلقائه ورؤيته ، ولا ينظر إلي الكافرين تحقيقا لعقوبته ، فهم مخلدون في العذاب محجوبون عن رؤيته ، كما قال تعالى :(كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) [المطففين:15] ، وقال : (أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ الله وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [آل عمران:77] ، وعند البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أن النَّبِيِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلمُهُمُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهْوَ كَاذِبٌ ، وَرَجُل حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ ، وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ ).
(20) المولى :
المولى في اللغة مصدر على وزن مَفعَل ، فعله ولي يلي وليا وولاية ، والمولى اسم يطلق على الرَّب والمالِك والسَّيْد والمنْعم والمعْتق والنَّاصِر والمحِب والتابِع والجار وابن العَمّ والحلِيف والعَقِيد والصِّهْر والعَبْد والمنْعم عليه ، والفرق بين الولي والمولى أن الولي هو من تولى أمرك وقام بتدبير حالك وحال غيرك وهذه من ولاية العموم ، أما المولى فهو من تركن إليه وتعتمد عليه وتحتمي به عند الشدة والرخاء وفي السراء والضراء وهذه من ولاية الخصوص.
والمولى سبحانه هو من يركن إليه الموحدون ويعتمد عليه المؤمنون في الشدة والرخاء ، والسراء والضراء ، ولذلك خص الولاية هنا بالمؤمنين ، قال تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ) [محمد:11] ، وقال : (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الأنفال:40] ، وقال : (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ الله لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التوبة:51] .
والله عز وجل جعل ولايته للموحدين مشروطة بالاستجابة لأمره ، والعمل في طاعته وقربه ، والسعي إلى مرضاته وحبه ، فمن حديث أَبِي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ قَالَ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ).
(21) النصير :
والنصير في اللغة من صيغ المبالغة ، فعيل بمعنى فاعِل أَو مفعول لأَن كل واحد من المتَناصِرَيْن ناصِر ومَنْصُور ، وقد نصَره ينصُره نصْرا إِذا أَعانه على عدُوّه ، واسْتَنْصَرَهُ على عدوه سأله أن ينصره عليهم ، وتَنَاصَرَ القوم نصر بعضهم بعضا ، وانْتَصَرَ منه انتقم منه ، وعند البخاري من حديث أَنَسٍ أن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال : ( انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا ، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا ؟ قَالَ : تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ ).
والنصير سبحانه هو الذي ينصر رسله وأنبياءه وأولياءه على أعدائهم في الدنيا ويوم يقوم الأشهاد في الآخرة ، قال تعالى : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ) [غافر:51] ، وهو الذي ينصر المستضعفين ويرفع الظلم عن المظلومين ويجير المضطر إذا دعاه ، قال تعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير) [الحج:39] ، والنصير هو الذي يؤيد بنصره من يشاء ، ولا غالب لمن نصره ولا ناصر لمن خذله ، كما قال سبحانه : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ الله فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكمْ فَمَنْ ذَا الذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) [آل عمران:160] ، فهو سبحانه حسب من توكل عليه وكافي من لجأ إليه ، وهو الذي يؤمن خوف الخائف ويجبر المستجير وهو نعم المولى ونعم النصير ، فمن تولاه واستنصر به وتوكل عليه وانقطع بكليته إليه تولاه وحفظه وحرسه وصانه ، ومن خافه واتقاه آمنه مما يخاف ويحذر ، وجلب إليه كل ما يحتاج إليه من المنافع ، قال ابن القيم في معنى قوله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الحج:78] : (أي متى اعتصمتم به تولاكم ونصركم على أنفسكم وعلى الشيطان ، وهما العدوان اللذان لا يفارقان العبد ، وعداوتهما أضر من عداوة العدو الخارج ، فالنصر على هذا العدو أهم ، والعبد إليه أحوج وكمال النصرة على العدو بحسب كمال الاعتصام بالله ).
(22) العفو :
العَفوُّ في اللغة على وزن فعُول من العَفوِ ، وهو من صيغ المبالغةِ ، يقال : عَفا يَعْفو عَفوا فهو عاف وعَفوٌّ ، والعفو هو التجاوُزُ عن الذنب وتَرْك العِقاب عليه ، وأَصله المَحْوُ والطمْس ، مأْخوذ من قولهم عَفَت الرياحُ الآثارَ إِذا دَرَسَتْها ومَحَتْها ، وكل من اسْتَحقَّ عندك عُقوبة فتَرَكتَها فقد عَفَوْتَ عنه ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو قال : ( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ كَمْ نَعْفُو عَنِ الْخَادِمِ ؟ فَصَمَتَ ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ الْكَلاَمَ ، فَصَمَتَ ، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ قَالَ : اعْفُوا عَنْهُ فِي كُل يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّة ) ، فالعفو هو ترك الشيء وإزالته ، وقوله تعالى : ( عَفَا الله عَنْكَ َ) [التوبة:43] ، أي مَحا الله عنك هذا الأمر وغفر لك .
والعفو يأتي أيضا على معنى الكثرة والزيادة ، فعَفوُ المالِ هو ما يَفضُل عن النَّفقة كما في قوله تعالى : (وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) [البقرة:219] ، وعَفا القوم كثرُوا وعَفا النَّبتُ والشَّعَرُ وغيرُه يعني كثرَ وطال ، ومنه الأَمَرَ بإِعْفاءِ اللحَى.
والعفوُّ سبحانه هو الذي يحب العفو والستر ، ويصفح عن الذنوب مهما كان شأنها ، ويستر العيوب ولا يحب الجهر بها ، يعفو عن المسيء كَرَمًا وإحسانًا ، ويفتح واسع رحمته فضلا وإنعاما ، حتى يزول اليأس من القلوب ، وتتعلق في رجائها بمقلب القلوب ، قال القرطبي : ( العفو عفو الله جل وعز عن خلقه ، وقد يكون بعد العقوبة وقبلها بخلاف الغفران فإنه لا يكون معه عقوبة البتة ، وكل من استحق عقوبة فتركت له فقد عفي عنه ، فالعفو محو الذنب ).
والمقصود بمحو الذنب محو الوزر الموضوع على فعل الذنب فتكون أفعال العبد مخالفات أو كبائر ومحرمات ثم بالتوبة الصادقة يبدل الله سيئاته حسنات ، قال تعالى : (إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الفرقان:70] فتمحى السيئات عفوا وتستبدل بالحسنات ، أما الأفعال فهي في كتاب العبد حتى يلقي ربه فيدنيه منه ويعرفه بذنبه وسوء فعله ثم يسترها عليه ، كما ورد عند البخاري من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ يُدْنِى الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ : أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ أَيْ رَبِّ ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ : سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ : هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ ، أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ ) ، فالوزر أو عدد السيئات هو الذي يعفى ويمحى من الكتاب ، أما الفعل ذاته المحسوب بالحركات والسكنات أو مقياسه في مثقال الذرات فهذا على الدوام مسجل مكتوب ، ومرصود محسوب بالزمان والمكان ، ومقدار الإرادة والعلم والاستطاعة ، قال تعالى : (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) [الكهف:49].
(23) القدير :
القدير في اللغة من صيغ المبالغة ، فعيل من القادر ، فعله قدر يقدر تقديرا ، قال ابن منظور : ( القادر والقَدِيرُ من صفات الله عز وجل يكونان من القُدْرَة ويكونان من التقدير ، وقوله تعالى :( إِنَّ اللهَ عَلَى كُل شَيْء قَديرٌ) [البقرة:148] من القُدْرة ، فالله عز وجل على كل شيء قدير ، والله سبحانه مُقَدِّرُ كُلِّ شيء وقاضيه ) ، قال ابن الأثير : ( في أسماء الله تعالى القادِرُ والمُقْتَدِرُ والقَدِيرُ ، فالقادر اسم فاعل من قَدَرَ يَقْدِرُ والقَدِير فعيل منه ، وهو للمبالغة ، والمقتدر مُفتَعِل من اقتَدَرَ ، وهو أبلغ ) ، وقال الزجاج : ( القدير أبلغ في الوصف من القادر ، لأن القادر اسم الفاعل من قدر يقدر فهو قادر ، وقدير فعيل ، وفعيل من أبنية المبالغة ).
والقدير سبحانه وتعالى هو الذي يتولى تنفيذ المقادير ويخلقها على ما جاء في سابق التقدير ؛ فمراتب القدر أربع مراتب ، العلم والكتابة والمشيئة والخلق ، والمقصود بهذه المراتب المراحل التي يمر بها المخلوق من كونه معلومة في علم الله في الأزل إلى الواقع المشهود ، وهذه المراحل تسمى عند السلف الصالح مراتب القدر ، فلا بد لخلق الشيء وصناعته من العلم والكتابة والمشيئة ومباشرة التصنيع والفعل ، ولله المثل الأعلى إذا كان المُصَنِّعَ الذي يشيد البنيان لا بد أن يبدأ مشروعه أولا بفكرة في الأذهان ومعلومات مدروسة بدقة وإتقان ، درسها جيدا وقام بتقدير حساباته وضبط أموره وإمكانياته ، ثم يقوم بكتابة هذه المعلومات ويخط لها في بضع ورقات أنواعا من الرسومات التي يمكن أن يخاطب من خلالها مختلف الجهات ، ثم يتوقف الأمر بعد ذلك على مشيئته أو إرادته في التنفيذ وتوقيت الفعل إن توفرت لديه القدرة والإمكانيات ، ثم يبدأ في التنفيذ إلى أن ينتهي البنيان كما قدر له في الأذهان ، فإذا كانت هذه مراحل تصنيع الأشياء بين المخلوقات بحكم العقل والفطرة ، فالله سبحانه وله المثل الأعلى منفرد بمراتب القضاء والقدر من باب أولى ، وهي عند السلف المراحل التي يمر بها المخلوق من العلم الأزلي إلى أن يصبح واقعا مخلوقا مشهودا ، أو من التقدير إلى المقدور ، وهي عندهم أربع مراتب تشمل كل صغيرة وكبيرة في الوجود.
فالقادر سبحانه هو الذي يقدر المقادير في علمه ، وعلمه المرتبة الأولى من قضائه وقدره ، حيث قدر كل شيء قبل تصنيعه وتكوينه ، ونظم أمور الخلق قبل إيجاده وإمداده ، فالقادر يدل على التقدير في المرتبة الأولى ، أما القدير فيدل على القدرة وتنفيذ المقدر في المرتبة الرابعة ، فالقدير هو الذي يخلق وفق سابق التقدير ، والقدر من التقدير والقدرة معا ، فبدايته في التقدير ونهايته في القدرة وتحقيق المقدر ، ولذلك يقول تعالى : (وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرا مَقْدُورا) [الأحزاب:38] ، فالقدير هو المتصف بالقدرة .
ويذكر ابن القيم أن القضاء والقدر منشؤه عن علم الرب وقدرته ، ولهذا قال الإمام أحمد : ( القدر قدرة الله ) ، واستحسن ابن عقيل هذا الكلام من الإمام أحمد غاية الاستحسان ، ولهذا كان المنكرون للقدر فرقتين : فرقة كذبت بالعلم السابق ونفته وهم غلاتهم الذين كفرهم السلف والأئمة وتبرأ منهم الصحابة ، وفرقة جحدت كمال القدرة وأنكرت أن تكون أفعال العبادة مقدورة لله تعالى ، وصرحت بأن الله لا يقدر عليها ولا يخلقها ، فأنكر هؤلاء كمال قدرة الرب وتوحيده في اسمه القدير وأنكرت الأخرى كمال علمه وتوحيده في اسمه القادر.
موظف عقارات
25-01-2010, 05:03 PM
الله المستعان
العصامي
25-01-2010, 07:29 PM
الله المستعان
بارك الله فيك...
العصامي
25-01-2010, 08:00 PM
(24) اللطيف :
اللطيف في اللغة صفة مشبهة للموصوف باللطف فعله لطف يلطف لطفا ، ولطف الشيء رقته واستحسانه وخفته على النفس ، أو احتجابه وخفاؤه ، وعند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت حين قال لها أهل الإفك ما قالوا: ( وَيَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لاَ أَرَى مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اللُّطْفَ الذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَمْرَضُ ) ، فاللطف الرقة والحنان والرفق .
واللطيف سبحانه هو الذي اجْتَمع له العلمُ بدَقائق المصَالح وإيصَالها إلى مَن قدرها له مِن خَلقه مع الرفق في الفِعْل والتنفيذ ، يقال : لطف به وله ، فقوله :(اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ ) [الشورى:19] ، لطف بهم ، وقوله : (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ) [يوسف:100] لطف لهم ، والله لطيف بعباده رفيق بهم قريبٌ منهم ، يعامل المؤمنين بعطف ورأفة وإحسان ، ويدعو المخالفين إلى التوبة والغفران مهما بلغ بهم العصيان ، فهو لطيف بعباده يعلم دقائق أحوالهم ولا يخفى عليه شيء مما في صدورهم ، قال تعالى :(أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطِيفُ الْخَبِيرُ ) [الملك :14] ، وقال لقمان لابنه وهو يعظه : (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) [لقمان16] ، واللطيف أيضا هو الذي ييسر للعباد أمورهم ويستجيب دعائهم فهو المحسن إليهم في خفاء وستر من حيث لا يعلمون ، فنعمه عليهم سابغة ظاهرة لا يحصيها العادُّون ولا ينكرها إلا الجاحدون ، وهو الذي يرزقهم بفضله من حيث لا يحتسبون : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) [الحج63] ، وقال سبحانه : (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) [الشورى19] ، كما أنه يحاسب المؤمنين حسابا يسيرا بفضله ورحمته ، ويحاسب غيرهم من المخالفين وفق عدله وحكمته.
ومن المعاني اللغوية للطيف هو الذي لطف عن أن يدرك كما في قوله :(فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَي طَعَاما فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدا) [الكهف19] ، وهي أيضا من المعاني التي يشملها اسمه اللطيف فقد دل على لطف الحجاب لكمال الله وجلاله ، فإن الله لا يرى في الدنيا لطفا وحكمة ويرى في الآخرة إكراما ومحبة ، وإن لم يدرك بإحاطة من قبل خلقه ، ولو رآه الناس في الدنيا جهارا لبطلت الحكمة وتعطلت معاني العدل والرحمة ، ولذلك قال عن رؤية الناس له في الدنيا :(وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) ، وقال سبحانه : (لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللطِيفُ الْخَبِيرُ) وعند مسلم أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (تَعَلمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَل حَتَّى يَمُوتَ) ، لأن الدنيا خلقت للابتلاء ، أما الآخرة فهي دار الحساب الجزاء حيث يكشف فيها الغطاء ، ويرفع فيها الحجاب ويلطف الله بالموحدين عند الحساب ، قال تعالى :(فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ )[قّ:22] ، وقال عن لطفه وإكرامه وإحسانه وإنعامه :(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ).
(25) الخبير :
الخبير في اللغة من مباني المبالغة ، فعله خَبَرَ يَخْبُر خُبْرا ، وخَبُرْتُ بالأَمر أَي علمته وخبَرْتُ الأَمرَ أَخْبُرُهُ إِذا عرفته على حقيقته ، وعند مسلم من حديث أبي موسى أنه قال لعائشة : ( فَمَا يُوجِبُ الْغُسْلَ ؟ قَالَتْ : عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ )، تعني رضي الله عنها أته سأل من يعلم الجواب بتمامه فالخَبِيرُ الذي يَخبُرُ الشيء بعلمه ، والخبرة أبلغ من العلم لأنها علم وزيادة ، فالخبير بالشيء من عَلِمَه وقام بمعالجته وبيانه وتجربته وامتحانه فأحاط بتفاصيله الدقيقة وألم بكيفية وصفه على الحقيقة .
والخبير سبحانه هو العَالِم بما كَان ، وما هو كائن ، وما سيكون ، وما لو كان كيف يكون وليس ذلك إلا لله ، فهو الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، ولا يتحرك متحرك ولا يسكن إلا بعلمه ، ولا تستقيم حياته إلا بأمره وإذنه قال تعالى : (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [هود:6] ، والله عز وجل خبير له جنود السماوات والأرض يخبرونه بالوقائع لتحقيق الحكمة في الخلق وهو عليم بالأشياء قبل إخبار الملائكة عنها وبعد الإخبار عنها ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي ؟ فَيَقُولُونَ : تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ) ، فسؤاله سبحانه لهم ليس طلبا للعلم فهو السميع البصير العليم الخبير ، ولكن لإظهار شرف المؤمن عند ربه ، وبيان فضله بين ملائكته وحملة عرشه ، قال ابن حجر رحمه الله : ( قيل الحكمة فيه استدعاء شهادتهم لبني آدم بالخير واستنطاقهم بما يقتضي التعطف عليهم ، وذلك لإظهار الحكمة في خلق نوع الإنسان في مقابلة من قال من الملائكة : (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ ) [البقرة:30] ، أي وقد وجد فيهم من يسبح ويقدس مثلكم بنص شهادتكم).
(26) الوتر :
الوِتْرُ في اللغة هو الفرْدُ أَو ما لم يَتَشَفعْ من العَدَدِ ، و التواتر التتابع ، وقيل هو تتابع الأشياء وبينها فجوات وفترات ، وتواترت الإبل والقطا وكل شيء إذا جاء بعضه في إثر بعض غير مصطفة ، وقوله :(وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ) [الفجر:3] ، قيل الوتر آدم والشَّفع أنه شُفِعَ بزوجته ، وقيل الشفع يوم النحر والوتر يوم عرفة ، وقيل الأَعداد كلها شفع ووتر كثرت أَو قلت ، وقيل الوتر هو الله الواحد ، والشفع جميع الخلق خلقوا أَزواجاً ، وكان القوم وتِرا فشَفعْتهم وكانوا شَفعا فوَتَرْتهم ، وعند البخاري من حديث ابْنِ عُمَرَ أن رجلا سَأَل النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ عَلَى المِنْبَرِ : مَا تَرَى فِي صَلاَةِ الليْلِ ؟ قَالَ : ( مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى ) ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث سَلَمَة بْنِ قيْسٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذَا تَوَضَّأتَ فَانْتَثِرْ وَإِذَا اسْتَجْمَرْتَ فَأَوْتِرْ ) ، أي اجعل الحجارة التي تستنجي بها فرداً استنج بثلاثة أَحجار أَو خمسة أَو سبعة ولا تستنج بالشفع .
والله تعالى وتر انفرد عن خلقه فجعلهم شفعا ، وقد خلق الله المخلوقات بحيث لا تعتدل ولا تستقر إلا بالزوجية ولا تهنأ على الفردية والأحدية ، يقول تعالى :(وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكرُونَ )[الذاريات:49] ، فالرجل لا يهنأ إلا بزوجته ولا يشعر بالسعادة إلا مع أسرته والتوافق بين محبتهم ومحبته ، فيراعى في قراره ضروريات أولاده وزوجته ، ولا يمكن أن تستمر الحياة التي قدرها الله على خلقه بغير الزوجية حتى في تكوين أدق المواد الطبيعية ، فالمادة تتكون من مجموعة من العناصر والمركبات وكل عنصر مكون من مجموعة من الجزيئات ، وكل جزيء مكون من مجموعة من الذرات ، وكل ذرة لها نظام في تركيبها تتزاوج فيه مع أخواتها ، سواء كانت الذرةُ سالبةً أو موجبةً ، فالعناصر في حقيقتها عبارة عن أخوات من الذرات متزاوجات متفاهمات متكاتفات ومتماسكات ، ومن المعلوم أنه لا يتكون جزئُ الماء إلا إذا اتحدت ذرتان من الهيدروجين مع ذرة واحدة من الأكسجين ، فالذرات متزاوجة سالبها يرتبط بموجبها ولا تهدأ ولا تستقر إلا بالتزاوج بين بعضها البعض ، فهذه بناية الخلق بتقدير الحق بنيت على الزوجية والشفع ، أما ربنا عز وجل فذاته صمدية وصفاته فردية ، فهو المنفرد بالأحدية والوترية ، وقد ثبت عند مسلم من حديث أَبِى هُرَيْرَة مرفوعا : ( إِن اللهَ عَزَّ وَجَل وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ ).
وقد قيل أيضا في معنى الشفع والوتر أن الشفع تنوع أوصاف العباد بين عز وذل وعجز وقدرة ، وضعف وقوة ، وعلم وجهل ، وموت وحياة ، والوتر انفراد صفات الله عز وجل فهو العزيز بلا ذل ، والقدير بلا عجز ، والقوي بلا ضعف ، والعليم بلا جهل ، وهو الحي الذي لا يموت ، القيوم الذي لا ينام ، ومن أساسيات التوحيد والوترية إفراد الله عمن سواه في ذاته وصفاته وأفعاله وعبوديته.
(27) الجميل :
الجميل في اللغة من الجمال هو الحسن في الخلقة والخلق ، جمل يجمل فهو جميل ككرم فهو كريم ، وتجمل تزين ، وجمله تجميلا زينه ، وأجمل الصنيعة عند فلان يعني أحسن إليه ، والمجاملة هي المعاملة بالجميل ، والتجمل تكلف الجميل ، وقد جمل الرجل جمالا فهو جميل والمرأة جميلة ، وقال الأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ :
وَإِذَا جَمِيلُ الْوَجْهِ لَمْ يَأْتِ الْجَمِيلَ فَمَا جَمَالُهُ
مَا خَيْرُ أَخْلاَقِ الْفَتَى إِلاَّ تُقَاهُ وَاحْتِمَالُهُ
والصبر الجميل هو الذي لا شكوى معه ولا جزع فيه قال تعالى :( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً )[المعارج:5] ، وقوله :(فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)[الحجر: 85] ، أي أعرض عنهم إعراضا لا جزع فيه.
والله عز وجل هو الجميل ، جماله سبحانه على أربع مراتب جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال وجمال الأسماء فأسماؤه كلها حسنى ، وصفاته كلها صفات كمال ، وأفعاله كلها حكمة ومصلحة ، وعدل ورحمة ، وأما جمال الذات وكيفية ما هو عليه فأمر لا يدركه سواه ولا يعلمه إلا الله ، وليس عند المخلوقين منه إلا تعريفات تعرف بها إلى من أكرمه من عباده ، وعند البخاري ومسلم من حديث أَبِي مُوسَى أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال : ( حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ) ، قال عبد الله بن عباس: ( حجب الذات بالصفات وحجب الصفات بالأفعال ، فما ظنك بجمال حجب بأوصاف الكمال ، وستر بنعوت العظمة والجلال ) ، ومن هذا المعنى يفهم بعض معاني جمال ذاته ، فإن العبد يترقى من معرفة الأفعال إلى معرفة الصفات ومن معرفة الصفات إلى معرفة الذات ، فإذا شاهد شيئا من جمال الأفعال استدل به على جمال الصفات ثم استدل بجمال الصفات على جمال الذات ومن ههنا يتبين أنه سبحانه له الحمد كله وأن أحدا من خلقه لا يحصي ثناء عليه بل هو كما أثنى على نفسه.
(28) الحيي :
الحيي في اللغة هو المتصف بالحياء ، يقال : حَيِيَ منه حياء واستحيا منه واستحى منه ، وهو حَيِي ذو حياء كغني ذو غنى ، والحياء صفة خلقية رقيقة وسجية لطيفة دقيقة تمنع النفس من تجاوز أحكام العرف أو من تجاوز أحكام الشرع ؛ وأحكام العرف يقصد بها كل ما تعرفه النفوس وتستحسنه العقول من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ، وهي التي كانت ولم تزل مستحسنة في كل زمان ومكان ، وعند البخاري من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَح فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ ).
والمقصود أن الحياء لم يزل مستحسنا في شرائع الأنبياء وأنه لم ينسخ في جملة ما نسخ من شرائعهم ، وعند البخاري من حديث أبي سفيان قال : ( فَوَاللهِ لَوْلا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يؤثروا عَليَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ ) ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ موسى كَانَ رَجُلا حَيِيًّا سِتِّيرًا لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ ) ، والله عز وجل قال : (فجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا )[القصص:25] ، فالحياء صفة أخلاقية وسجية نفسية تراعي مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم وهي كلها خير ، أما حياء الشرع فهو الحياء الذي يحفظ به العبد حدود الله ومحارمه ، وربما يتطلب ذلك ورعا واتقاء للشبهة مما يحيف على الحيي بعض الشيء.
والله عز وجل هو الحيي الذي تكفل بعباده وبأرزاقهم لأنه ليس لهم أحد سواه فهو الذي يقبل توبتهم ويوفق محسنهم ويسمع دعاءهم ولا يخيب رجاءهم ، وحياء الرب تعالى لا تدركه الأفهام ولا تكيفه العقول فإنه حياء كرم وبر وجود وجلال.
وعند أبى داود وصححه الشيخ الألباني من حديث سَلمَان الفارسي أن رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِىٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِى مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا ) ، والحياء وصف كمال لله لا يعارض الحكمة ولا يعارض بيان الحق والحجة كما قال تعالى : (إِن الهَ، لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَة فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ الله بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيرا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِل بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ) [البقرة:26] .
العصامي
29-01-2010, 05:22 PM
(29) الستير :
الستير في اللغة على وزن فعِيل من صيغ المبالغة ، فعله ستر الشيء يَسْتُرُه سَترا أَخفاه والستير هو الذي من شأْنه حب الستر والصَّوْن والحياء ، والسُّتْرةُ ما يُستَر به كائنا ما كان ، وكذا السِّتَارة والجمع السَّتَائِرُ ، وسَتَر الشيء غطاه وتَسَتَّر أي تغطى ، وجارية مُستَّرة يعني مستورة في خدرها ، قال تعالى : (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً ) [الإسراء:45] ، أي حجابا على حجاب فالأول مستور بالثاني ، أراد بذلك كثافة الحجاب لأنه جعل على قلوبهم أكنة وفي آذانهم وقرا.
والستر يأتي أيضا بمعنى المنع والابتعاد عن الشيء روى البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( جَاءَتْنِي امْرَأَة مَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلنِي ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ ، فأعْطيْتُهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا ، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ ، فَدَخَلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَحَدَّثتُهُ فَقَال : مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ شَيْئا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ ) ، وعند البخاري من حديث أبي سعِيدٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذَا صَلى أَحَدُكمْ إِلَى شَيءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ ).
والستير سبحانه هو الذي يحب الستر ويبغض القبائح ، ويأمر بستر العورات ويبغض الفضائح ، يستر العيوب على عباده وإن كانوا بها مجاهرين ، ويغفر الذنوب مهما عظمت طالما أن العبد من الموحدين ، وإذا ستر عبده في الدنيا ستره يوم القيامة روى مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( لاَ يَسْتُرُ الله عَلَى عَبْدٍ في الدُّنْيَا إِلاَّ سَتَرَهُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ ).
وروى البخاري من حديث أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كُلُّ أُمَّتِي مُعَافى إِلا المجَاهِرِينَ ، وَإِن مِنَ المجَانَةِ أَن يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ الله ، فَيَقُولَ يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ ) ، وعند البخاري من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ ، وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى في نَفسِهِ أَنَّهُ هَلَك قال سَتَرْتُهَا عَلَيْك في الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغفِرُهَا لَك اليَوْمَ ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ ، وَأَمَّا الكافِرُ وَالمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاَءِ الذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ ، أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ).
(30) الكبير :
الكبير في اللغة من صيغ المبالغة فعله كَبُرَ كِبَراً وكُبْراً فهو كبير ، والكبر نقيض الصغر كبر بالضم يكبر أي عظم ، والكبير والصغير من الأسماء المتضايقة التي تقال عند اعتبار بعضها ببعض ، فالشيء قد يكون صغيرا في جنب شيء وكبيرا في جنب غيره ويستعملان في الكمية المتصلة كالكثير والقليل والمنفصلة كالعدد ، ويكون الكبر في اتساع الذات وعظمة الصافات نحو قوله تعالى : (فَجَعَلَهُمْ جُذَاذا إِلا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) [الأنبياء:58] ، وقوله :( فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ) [الفرقان:52] ، وأيضا في التعالي بالمنزلة والرفعة كقوله : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا )[الأنعام:123] .
والكبير سبحانه هو العظيم في كل شيء ، عظمته عظمة مطلقة ، وهو الذي كبر وعلا في ذاته قال تعالى : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) [البقرة:255] ، روي عن عبد الله بن عباس أنه قال : ( ما السماوات السبع والأرضون السبع في يد الله إلا كخردلة في يد أحدكم ) ، وهو الكبير في أوصافه فلا سمي له ولا مثيل ، ولا شبيه ولا نظير ، قال تعالى : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) [مريم:65] ، وهو الكبير في أفعاله فعظمة الخلق تشهد بكماله وجلاله ، قال تعالى : (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) [غافر:57] ، وهو سبحانه المتصف بالكبرياء ومن نازعه في ذلك قسمه وعذبه روى مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم قال : ( الْعِزُّ إِزَارُهُ وَالْكِبْرِيَاء رِدَاؤُهُ ، فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ ) ، فهو سبحانه الكبير الموصوف بالجلال وعظم الشأن ، وهو المنفرد بذاته وصفاته وأفعاله عن كل من سواه فله جميع أنواع العلو المعروفة بين السلف.
التجوري
30-01-2010, 12:49 PM
جزاك الله خير
العصامي
30-01-2010, 01:22 PM
(31) المتعال :
المتعالي اسم فاعل من تعالى ، والمتعالي فعله تعالى يتعالى فهو متعال ، وهو أبلغ من الفعل علا ، لأن الألفاظ لما كانت أدلة المعاني ثم زيد فيها شيء أوجبت زيادة المعنى فزيادة المبنى دليل على زيادة المعنى ، والتعالي هو الارتِفاع ، قال الأَزهري : ( تقول العرب في النداء للرجل تَعال بفتح اللام ، وللاثنين تَعالا ، وللرجال تَعالوْا ، وللمرأَة تَعالي ، وللنساء تَعَاليْنَ ، ولا يُبالونَ أَين يكون المدعو في مكان أَعْلى من مكان الداعي أَو مكان دونه ).
والمتعَالي سبحانه هو القاهرُ لخلقِهِ بقدرتِهِ التَّامَّةِ ، وأغلب المفسرين جعلوا الاسم دالا على علو القهر ، وهو أحد معاني العلو ، فالمتعالي هو المستعلي على كل شيء بقدرته ، قال ابن كثير : ( المتعال على كل شيء قد أحاط بكل شيء علما وقهر كل شيء فخضعت له الرقاب ودان له العباد طوعا وكرها ) ، وقال أيضا في موضع آخر : ( وهو الكبير المتعال فكل شيء تحت قهره وسلطانه وعظمته لا إله إلا هو ولا رب سواه لأنه العظيم الذي لا أعظم منه).
فالمتعالي سبحانه هو الذي ليس فوقه شيء في قهره وقوته فلا غالب له ولا منازع بل كل شيء تحت قهره وسلطانه ، قال تعالى :(وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ ) [الأنعام:18] ، وقد جمع الله في هذه الآية بين علو الذات وعلو القهر ، وكذلك قوله تعالى :(وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) [الأنعام:61] ، فاجتماع علو القهر مع علو الفوقية يعني أنه الملك من فوق عرشه الذي علا بذاته فوق كل شيء والذي قهر كل شيء وخضع لجلاله كل شيء وذل لعظمته وكبريائه كل شيء.
(32) الواحد :
الواحد في اللغة اسم فاعل للموصوف بالواحدية أو الوحدانية ، فعله وحد يوحد وحادة وتوحيدا ، ووحده توحيدا جعله واحدا ، والواحدُ أَول عدد الحساب وهو يدل على الإثبات ، فلو قيل في الدار واحد لكان فيه إثبات واحد منفرد مع إثبات ما فوق الواحد مجتمعين ومفترقين.
والواحد سبحانه هو القائم بنفسه المنفرد بوصفه الذي لا يفتقر إلى غيره أزَلا وأبَدا وهو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله ، فهو سبحانه كان ولا شيء معه ، ولا شيء قبله ، ومازال بأسمائه وصفاته واحد أولا قبل خلقه ، فوجود المخلوقات لم يزده كمالا كان مفقودا ، أو يزيل نقصا كان موجودا ، فالوحدانية قائمة على معنى الغنى بالنفس والانفراد بكمال الوصف ، قال ابن الأَثير : ( الواحد في أَسماء الله تعالى هو الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر).
روى البخاري من حديث عمران أنه قال : ( إني عندَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إذ جاءهُ قومٌ من بني تميم ، فقال : اقبَلوا البُشرى يا بنِي تميم ، قالوا : بشَّرْتنا فأعطِنا ، فدخلَ ناسٌ من أهل اليمن فقال : اقبلوا البُشرَى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم ، قالوا : قبلنا جئناك لنتفقه في الدِّين ، ولنسألك عن أولِ هذا الأمر ما كان ؟ قال : كان اللهَ ولم يكن شيء قبلهُ وكان عرشه على الماء ثم خلقَ السماواتِ والأرضَ وكتب في الذكر كل شيء ).
وقال تعالى :
(مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُداً) [الكهف:51] ، فهو سبحانه وحده الذي خلق الخلق بلا معين ولا ظهير ولا وزير ولا مشير ، ومن ثم فإنه وحده المنفرد بالملك ، وليس لأحد في ملكه شرك كما قال تعالى :(قُلِ ادْعُوا الذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ) [سبأ:22] .
ومن الأدلة العقلية في إثبات وحدانية الإله وتفرده بالربوبية دليل التمانع وملخصه أنا لو قدرنا إلهين اثنين وفرضنا عرضين ضدين ، وقدرنا إرادة أحدهما لأحد الضدين وإرادة الثاني للثاني فلا يخلو من أمور ثلاثة ، إما أن تنفذ إرادتهما ، أو لا تنفذ ، أو تنفذ إرادة أحدهما دون الآخر ، ولما استحال أن تنفذ إرادتهما لاستحالة اجتماع الضدين واستحال أيضا ألا تنفذ إرادتهما لتمانع الإلهين وخلو المحل عن كِلا الضدين ، فإن الضرورة تقتضي أن تنفذ إرادة أحدهما دون الآخر ، فالذي لا تنفذ إرادته هو المغلوب المقهور المستكره والذي نفذت إرادته هو الإله المنفرد الواحد القادر على تحصيل ما يشاء ، قال تعالى :(مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ) [المؤمنون:91] ، فلا يجوز أن يكون في السماوات والأرض آلهة متعددة بل لا يكون الإله إلا واحدا وهو الله سبحانه ، ولا صلاح لهما بغير الوحدانية ، فلو كان للعالم إلهان ربان معبودان لفسد نظامه واختلت أركانه ، قال تعالى :(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ )[الأنبياء:22] ، فأساس قيام الخلق وبقاء السماوات والأرض هي وحدانية الله وانفراده عمن سواه قال تعالى :(إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) [فاطر:41] وقال أيضا :(وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءوفٌ رَحِيمٌ )[الحج:65].
(32) القهار :
القهار صيغة مبالغة ، فعال من اسم الفاعل القاهر ، والفرق بين القاهر والقهار أن القاهر هو الذي له علو القهر الكلي المطلق باعتبار جميع المخلوقات وعلى اختلاف تنوعهم ، فهو قاهر فوق عباده ، له علو القهر مقترنا بعلو الشأن والفوقية ، فلا يقوى ملك من الملوك على أن ينازعه في علوه مهما تمادى في سلطانه وظلمه وإلا قهره القهار ، ومعلوم أن المقهور يحتمي من ملك بملك ، ويخرج بخوفه من سلطان أحدهما ليتقوى بالآخر ، لكن الملوك جميعا إذا كان فوقهم ملك قاهر قادر فإلى من يخرجون وإلى جوار من يلجئون ؟ ، قال تعالى :(قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [المؤمنون:88] ، وعند البخاري من حديث الْبَرَاءِ أن النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قال : ( اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ) ، فلا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه ، فالقاهر هو الذي له علو القهر الكلي المطلق.
أما القهار فهو الذي له علو القهر باعتبار الكثرة والتعيين في الجزء ، أو باعتبار نوعية المقهور ، فالله عز وجل أهلك قوم نوح وقهرهم ، وقهر قوم هود ، وقهر فرعون وهامان والنمرود ، قال تعالى :(وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى وَقَوْمَ نُوح مِّن قبْل إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أظلمَ وَأطغَى وَالمؤْتَفِكة أهْوَى فغَشَّاهَا مَا غشَّى فبِأيِّ آلاء رَبِّكَ تَتَمَارَى هَذا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذرِ الأولَى)[النجم:56:50] وقهر قوم صالح وقوم لوط ، وقهر أبا جهل والمشركين وقهر الفرس والصليبيين ، والله سبحانه قهار لكل متكبر جبار ، والدنيا فيها المتكبرون وما أكثرهم ، وفيها المجرمون وما أظلمهم ، والمستضعفون كثيرون وعاجزون يفتقرون إلى معين قهار ، وملك قادر جبار ، فالواحد القهار هو ملجأهم وهو بالمرصاد لكل متكبر جبار قال تعالى :(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَاد إِرَمَ ذَاتِ العِمَادِ التِي لَمْ يُخْلقْ مِثلهَا فِي البِلادِ وَثمودَ الذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذي الأوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ فَأَكثرُوا فِيهَا الفَسَادَ فَصَبَّ عَليْهِمْ رَبكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِن رَبَّكَ لَبِالمِرْصَادِ )[الفجر:6/13] ، فالقهار كثير القهر قهره عظيم أليم ، يقصم ظهر الجبابرة من أعدائه فيقهرهم بالإماتة والإذلال ، ويقهر من نازعه في ألوهيته وعبادته ، وربوبيته وحاكميته وأسمائه وصفاته.
(33) الحق :
الحق في اللغة اسم فاعل ، فعله حَقَّ يَحِق حقا ، يقال : حققت الشيء أحقه حقا إذا تيقنت كونه ووجوده ومطابقته للحقيقة ، والحق بمعنى المطابقة والموافقة والثبات وعدم الزوال ، وكذلك العدل خلاف الباطل والظلم ، والحق يقال للاعتقاد في الشيء المطابق لما عليه في الحقيقة ، كقولك : اعتقد أن البعث والثواب والعقاب والجنة والنار حق ، والحق له استعمالات كثيرة في القرآن ، منها الإسلام والعدل والحكمة والصدق والوحي والقرآن والحقيقة ، ومنها أيضا الحساب والجزاء كقوله : (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ المُبِينُ) [النور:25] .
والحق اسم لله سبحانه هو المتصف بالوجود الدائم والحياة والقيومية والبقاء فلا يلحقه زوال أو فناء ، وكل أوصاف الحق كاملة جامعة للكمال والجمال ، والعظمة والجلال قال تعالى :(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)[الحج:62] ، وكقوله : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الحج:6] ، والحق سبحانه هو الذي يحق الحق بكلماته ويقول الحق وإذا وعد فوعده الحق ، ودينه حق ، وكتابه حق ، وما أخبر عنه حق ، وما أمر به حق كما قال :(وَيُحِقُّ الله الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ) [يونس:82] ، وقال سبحانه :(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ )[الأنعام:73] ، وقال تعالى :(يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ المُبِينُ) [النور:25].
(35) المبين :
المبين اسم فاعل من الفعل بان أو أبان ، وأصل البَينُ التميز والظهور ، والبُعْد والانفصال ، يقال : بانَ الحقُّ يَبينُ بَيانا فهو بائنٌ ، أو أَبان يُبينُ إِبانة فهو مُبينٌ ، فمن الأول تَبَايَنَ الرجُلانِ أي بان كل واحد منهما عن صاحبه ، وكذلك في الشركة إِذا انفصلا ، وبانَت المرأَة عن زوجها يعني انفصلت عنه بتَطليقةٌ بائنة ، والبائن أيضا بمعنى الظاهر المبين الواضح كما في قوله :(فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ) [الأعراف:107] وقوله :(فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُبِينٍ )[الدخان:10] .
ومن الثاني أبان القول بيانا يعني أظهره بفصاحة ، والبَيان الفصاحة واللسَن والإِفصاح مع ذكاء ، والبَيِّن من الرجال السَّمْح اللسان الفصيح الظريف العالي الكلام القليل الرتَج ، وفلانٌ أَبْيَن من فلان أَي أَفصح منه وأَوضح كلاماً ، وعند البخاري من حديث ابن عمر أَنَّهُ قَدِمَ رَجُلانِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَخَطَبَا فَعَجِبَ النَّاسُ لِبَيَانِهِمَا ، فقال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا ، أَوْ إِنَّ بَعْضَ الْبَيَانِ لَسِحْرٌ ) ، فالبَيان إِظهار المقصود بأَبلغ لفظٍ وأَصلُه الكَشْفُ والظهورُ.
والمبين هو المنفرد بوصفه المباين لخلقة الظاهر فوق كل شيء ، له مطلق العلو والفوقية ، وليس كما قالت الجهمية أنه بذاته في كل مكان ، بل هو سبحانه بائن من خلقه ، ليس في خلقه شيء من ذاته ، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته ، وقد ذكر ابن تيمية أن الأئمة من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وسائر أئمة الدين اتفقوا على أن قوله تعالى :(وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) [الحديد:4] ، ليس معناه أنه مختلط بالمخلوقات وحال فيها ، ولا أنه بذاته في كل مكان ، بل هو سبحانه وتعالى على عرشه ومع كل شيء بعلمه وقدرته ، فالله سبحانه مع العبد أينما كان ، يسمع كلامه ويرى أفعاله ويعلم سره ونجواه ، رقيب على خلقه مهيمن عليهم ، وقال ابن منده : ( هو سبحانه وتعالى موصوف غير مجهول وموجود غير مدرك ، ومرئي غير محاط به ، لقربه كأنك تراه ، وهو يسمع ويرى وهو بالمنظر الأعلى ، وعلى العرش استوى ، فالقلوب تعرفه والعقول لا تكيفه وهو بكل شيء محيط) ، ومن معاني المبين أيضا الغني عن العالمين الذي لا يفتقر لأحد من خلقه.
والمبين سبحانه هو الذي أبان لكل مخلوق علة وجوده وغايته ، وأبان لهم طلاقة قدرته مع بالغ حكمته ، وأبان لهم الأدلة القاطعة على وحدانيته ، وأبان لهم دينهم بأحكام شريعته ، ولا يعذب أحدا من خلقه إلا بعد بيان حجته ، قال تعالى :(وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى) [ طه:134] ، وقد خاطب المبين عباده بكل أنواع البيان ، وأقام حجته بكل أنواع البرهان ، قال تعالى :(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ الله مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم) [إبراهيم:4] ، قال البيهقي : ( المبين له معان منها أنه بين لذوي العقول ، ومنها أن الفضل يقع به ، ومنها أن التحقيق والتمييز إليه ، ومنها أن الهداية به).
(36) القوي :
القوي في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالقوة ، وقد قوِيَ وتَقوَّى فهو قوي ، يقال قوَّى الله ضعفك أَي أَبدَلك مكان الضعف قوة ، فالقوة نقيض الضعف والوهن والعجز ، وهي الاستعداد الذاتي والقدرة على الفعل وعدم العجز عن القيام به ، قال تعالى لموسى عن الأَلواح :(فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ )[الأعراف:145] ، أَي خذها بقُوَّة في دينك وحُجَّتك ، وقال ليحي: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّة)[مريم:12] ، أَي بِجِد وعَوْن من الله تعالى.
والقوي سبحانه هو الموصوف بالقوة ، وصاحب القدرة المطلقة ، لا يغلبه غالب ولا يرد قضاءه راد ، ولا يمنعه مانع ، ولا يدفعه دافع ، وهو القوي في بطشه القادر على إتمام فعله ، له مطلق المشيئة والأمر في مملكته ، والقوي سبحانه قوي في ذاته لا يعتريه ضعف أو قصور ، قيوم لا يتأثر بوهن أو فتور ، ينصر من نصره ، ويخذل من خذله كما قال :(وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحج:40] ، والقوي سبحانه هو الذي كتب الغلبة لنفسه ورسله فقال :(كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِن الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ)[المجادلة:21] ، فالقوي هو الكامل القدرة على الشيء الذي لا يستولي عليه العجز في حال من الأحول الموصوف بالقوة المطلقة ، قال تعالى : (ومَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:74].
فتى الجود
30-01-2010, 02:36 PM
اللهم أجعنا ممن يحصيهم وينال ثوابهم
العصامى
مشكور وجزاك الله خير
ولى عوده
وموضوع مهم
عــروب
30-01-2010, 05:39 PM
موضوع قيم ..بارك الله فيك
العصامي
31-01-2010, 06:21 AM
اللهم أجعنا ممن يحصيهم وينال ثوابهم
العصامى
مشكور وجزاك الله خير
ولى عوده
وموضوع مهم
اللهم آمين ...
وجزاك بمثله وبارك فيك ....
العصامي
31-01-2010, 06:22 AM
موضوع قيم ..بارك الله فيك
وبارك فيك وجزاك الجنه ...
العصامي
01-02-2010, 03:54 PM
(37) المتين :
المتين في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالمتانة ، والمتين هو الشيء الثابت في قوته الشديد في عزمه وتماسكه ، والواسع في كماله وعظمته ، متن يمتن متانة أي قوي مع صلابة واشتداد ، ويلحق بمعنى المتون الثبات والامتداد ، فيكون المتين بمعنى الواسع قال ابن منظور : ( المتنُ من كل شيء ما صَلُبَ ظَهْرُه والجمع مُتُون).
والمتين سبحانه هو القوي في ذاته الشديد الواسع الكبير المحيط ، فلا تنقطع قوته ولا تتأثر قدرته ، فالمتين هو القوي الشديد المتناهي في القوة والقدرة ، الذي لا تتناقص قوته ولا تضعف قدرته والذي لا يلحقه في أَفعاله مشقة ولا كلفة ولا تعَبٌ ، قال تعالى :(إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) [الذاريات:58] ، فالله عز وجل من حيث إنه بالغ القدرة تامها قوي ، ومن حيث إنه شديد القوة متِينٌ..
وقال تعالى :(وَأُمْلِي لهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ )[القلم:45] ، الكيد على إطلاقه هو التدبير في الخفاء بقصد الإساءة أو الابتلاء أو المعاقبة والجزاء ، وقد يكون عيبا مذموما إذا كان بالسوء في الابتداء ، وقد يكون محمودا مرغوبا إذا كان مقابلا لكيد الكافرين والسفهاء ، فإذا كان الكيد عند الإطلاق كمالا في موضع ونقصا في آخر فلا يصح إطلاقه في حق الله دون تخصيص ، كقول القائل : الكيد صفة الله ، فهذا باطل لأن الإطلاق فيه احتمال اتصافه بالنقص أو الكمال ، لكن يصح قول القائل : كيد الله للابتلاء والمعاقبة والجزاء ، فهذا كيد مقيد لا يحتمل إلا الكمال فجاز أن يتصف به رب العزة والجلال كما أثبت ذلك لنفسه فقال :(إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً) [الطارق:16] ، وقال :(وَأُمْلِي لهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ )[الأعراف:183] ، فوصف الله كيده للكافرين بأنه كيد شديد قوي متين ، لا يمكن لأحد منهم رده أو صده ، والله غالب على أمره كتب الغلبة لنفسه ورسله.
(38) الحي :
الحي في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالحياة ، فعله حَيَّ يَحَيُّ حياة ، قال سبحانه وتعالى :(وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) [الأنفال:42] ، والحَيُّ من كل شيء نقيضُ الميت والجمع أَحْياء ، والحَي يطلق أيضا على كل متكلم ناطق ، والحيُّ من النبات ما كان أخضرا طريا يهتز ، والحَيُّ أيضا هو الواحد من أَحْياءِ العَربِ يقع على بَنِي أَبٍ كثروا أم قلوا وعلى شَعْبٍ يجمَعُ القبائل ، والحي أيضا البطن من بطون العرب.
والحي سبحانه هو الدائم في وجوده الباقي حيا بذاته على الدوام أزلا وأبدا ، لا تأخذه سنة ولا نوم ، وهذا الوصف ليس لسواه ، فأي طاغوت عبد من دون الله إن كان حيا فحياته تغالبها الغفلة والسنات ، وإن قاومها وأراد البقاء عددا من الساعات فإن النوم يراوده ويأتيه ، فضلا عن كون الموت يوافيه ، فلا ينفرد بكمال الحياة ودوامها باللزوم إلا الحي القيوم ، قال ابن جرير الطبري : ( وأما قوله الحي فإنه يعني الذي له الحياة الدائمة والبقاء ، الذي لا أول له يحد ولا آخر له يمد ، إذ كان كل ما سواه فإنه وإن كان حيا فلحياته أول محدود ، وآخر مأمود ، ينقطع بانقطاع أمدها وينقضي بانقضاء غايتها ).
والحي سبحانه هو المتصف بالحياة كوصف ذات لله لا يتعلق بمشيئته ، وإن تعلق بها فالإحياء وصف فعله ، ولما كان كل ما سوى الله حياته قائمة على إحياء الله ، وإحياء الله يدل بالضرورة على وصف الحياة ؛ على اعتبار أن الحياة الذاتية لله هي الحياة الحقيقية وكل من سواه يفنى أو قابل للفناء بمشيئة الله ، فإن اسم الله الحي دال على الوصفين معا ، الحياة كوصف ذات والإحياء كوصف فعل ، ومن هنا كانت دعوة الموحدين إلى الاعتماد على الله لأنه الحي الذي لا يموت كما قال سبحانه :( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ)[الفرقان:58] ، والله عز وجل من أسمائه المقيدة المحي فلم يرد في القرآن والسنة إلا مضافا كما في قوله :(إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الروم:50] ، فالمحي اسم مقيد يدل على صفة الحياة باللزوم والإحياء بالتضمن والله عز وجل هو الحي الذي يحي ويميت ، إن تعلق وصف الحياة بالمشيئة كان الإحياء وصف فعله ، وإن لم يتعلق بها كانت الحياة وصف ذاته.
(39) القيوم :
القيوم في اللغة من صيغ المبالغة ، فعله قام يَقوم قوْما وقِياما ، ويأتي الفعل على معنيين الأول القيام بالذات والبقاء على الوصف ، والثاني إقامة الغير والإبقاء عليه لأن غيره مفتقر إليه ، فالأول على اعتبار صفة الذات ، والثاني على اعتبار صفة الفعل وعلى هذين المعنيين دارت عبارات اللغويين ، فالقيوم هو القائم بنفسه مطلقاً لا بغيره الباقي أزلا وأبدا ، أو القائم بتدبير أُمور الخلق وتدبير العالم بجميع أَحواله ، فهو القائم بأَمور خلقه في إِنشائهم وتولي أرزاقهم وتحديد آجالهم وأَعمالهم ، وهو العليم بمُسْتَقرِّهم ومستودعهم ، وهو الذي يقوم به كل موجود حتى لا يتصور وجود شيء ولا دوام وجوده إِلا بقيوميته وإقامته له.
والقيوم عز وجل هو القائم بنفسه الذي بلغ مطلق الكمال في وصفه ، والباقي بكماله ووصفه على الدوام دون تغيير أو تأثير ، فقد يكون الحي سميعا لكن يتأثر سمعه مع مرور الوقت ، فيفتقر إلى وسيلة إضافية للسماع ، يضع سماعة أو آلة يستعين بها لإكمال سمعه ، فيلزم لاتصافه بكمال السمع أن يكون قيوما في سمعه له البقاء والكمال فيه على الدوام ، وقد يكون الحي بصيرا لكن بصره يتأثر مع مرور الوقت فيفتقر إلى وسيلة إضافية للإبصار ، فيضع زجاجة أو نظارة يستعين بها ، فيلزم لاتصافه بكمال البصر والإبصار أن يكون قيوما في بصره له البقاء والكمال فيه على الدوام ، والحي قد يكون متصفا بالصفات لكنه يتأثر بالغفلة والسنات ، فتتأثر صفاته وتضمحل وربما ينام أو يموت فتزول وتنعدم ، فلو كان قائما دائما لكملت حياته وبقيت صفاته ، ولذلك قال تعالى :(اللهُ لا إِلهَ إِلا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ)[البقرة:255] ، فأثبت الحياة والقيومية اللازمة لكمال أسمائه وصفاته وأفعاله ، وهذا المعنى كله في دلالة القيوم على صفة الذات ، أما دلالته على صفة الفعل فالقيومية هنا مردها إلى معنى الربوبية فالقيم في اللغة هو السيد الذي يسوس الأمور ويدبرها ، فقيم البلدة سيدها وأمينها ومدبرها ومنه قوله :(أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ)[الرعد:33] وعند البخاري مرفوعا : ( أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ).
(40) العلي :
العلي في اللغة فعِيل بمعنى فاعِل ، صفة مشبهة للموصوف بالعلو ، فعله علا يعلو علوا ، والعلو ارتفاع المكان أو ارتفاع المكانة ، فمن علو المكان ما ورد عند مسلم من حديث َزُهَيْرِ أنه قال : ( لَمَّا نَزَلَتْ : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقرَبِينَ) [الشعراء:214] انْطَلَقَ نَبِي اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى رَضْمَةٍ مِنْ جَبَلٍ فَعَلاَ أَعْلاَهَا حَجَرًا ثُمَّ نَادَى : يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافَاهْ إِنِّي نَذِيرٌ) ، وعند البخاري من حديث أنس مرفوعا : ( فَعَلاَ بِهِ إِلَى الْجَبَّارِ فَقَالَ وَهْوَ مَكَانَهُ : يَا رَبِّ خَفِّف عَنَّا فَإِن أمَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ هَذَا).
أما العلو بمعنى علو الرفعة والمجد أو الشرف والمكانة فكقوله تعالى :(فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ )[محمد:35] ، وعَلا في الأرض واسْتَعْلَى الرجل علا وتكبر ، والعَليَاء كل مكان مشرف ، والعَلاء والعُلا الرفعة والشرف.
والعلي في أسماء الله هو الذي على بذاته فوق جميع خلقه ، فاسم الله العلي دل على علو الذات والفوقية ، وكثير من الذين شرحوا الأسماء حاولوا بكل سبيل تفسير العلو الذي دل عليه اسمه العلي بعلو المكانة والمنزلة فقط ؛ إما هربا من إثبات علو الذات والفوقية أو تعطيلا صريحا له.
والذي عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأجلاء المتبعين أن الله عز وجل عال على عرشه بذاته ، وبكيفية حقيقية معلومة لله مجهولة لنا ، لا ينازع أحد منهم في ذلك ، ولا يمنع أن يسأل عن ربه أين هو ؟ وأدلة الكتاب والسنة تشهد بلا لبس أو غموض على ذلك ، ودائما ما يقترن اسم الله العلي باسمه العظيم وأيضا عندما يذكر العرش والكرسي ، ففي آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله بعد أن قال تعالى : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا ) ، قال :(وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيم )[البقرة:255] ، ولما ذكر علوه فقال :( فَتَعَالَى الله المَلِكُ الحَقُّ)، ذكر بعده العرش بكرمه وسعته فقال :(لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيم) [المؤمنون:116] ، ولما ذكر إعراض الخلق عن عبادته أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم في أعقاب ذلك أنه الملك الذي لا يزول عن عرشه بإعراض الرعية في مملكته كشأن الملوك من خلقه لأنه المستغني بذاته الملك في استوائه ، لا يفتقر إلى أحد في قيام ملكه أو استقراره ، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم :( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُل حَسْبِيَ الله لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ )[التوبة:129] ، وقال تعالى : (قُل لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلَى ذِي العَرْشِ سَبِيلا ) [الإسراء:42] فلو كانت هذه آلهة على الحقيقة لنازعوا الحق في عليائه حتى يتحقق مراد الأقوى منهم ويعلو كإله واحد ، وهذا معلوم بدليل التمانع ، أو لو أنه اتخذهم آلهة واصطفاهم لطلبوا قربه والعلو عنده لعلمهم أنه العلي على خلقه.
فهذه الآيات واضحة في إثبات علو الذات والفوقية وغيرها كثير ، لكن كثيرا من المفسرين لاسم الله العلي جعلوه دالا على معنيين فقط من معاني العلو ، وهما علو الشأن وعلو القهر ، واستبعدوا المعنى الثالث وهو علو الذات والفوقية .
والثابت الصحيح أن معاني العلو عند السلف الصالح ثلاثة معان دلت عليها أسماء الله المشتقة من صفة العلو ، فاسم الله العلي دل على علو الذات ، واسمه الأعلى دل على علو الشأن ، واسمه المتعال دل على علو القهر ؛ والمتكلمون أصحاب الطريقة العقلية والأقيسة المنطقية في وصف الذات الإلهية ينفون عن الله علو الذات والفوقية لأنه عندهم يدل على إثبات المكان لله ، وما كان في مكان فهو محصور فيه ولذلك لا يجوز عندهم بحال من الأحوال أن يسأل عن الله بأين ؟ وهذا مخالف لصريح السنة فقد ثبت في حديث الجارية الذي رواه مسلم من حديث معاوية بن الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : ( أَيْنَ الله ؟ قَالَتْ : فِي السَّمَاء ، قَالَ : مَنْ أَنَا ؟ قَالَتْ : أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ : أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ) ، وهذا الحديث مع وضوحه كالشمس في أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل عن الله بأين سؤالا لا لبس فيه ولا غموض إلا أن الكثيرين من المتكلمين تأبى أنفسهم إثباته ، لأن أين هنا يتصورون منها المكان الذي في عالم الشهادة ، والذي يخضع للأقيسة التمثيلية والشمولية ، أما المكان ذو الكيفية الغيبية الذي لا يعلم خصائصه إلا الله فهذا لا اعتبار له عندهم ، ولذلك فإن عقيدة السلف تفرق بين نوعين من المكان :
الأول : ما كان محصورا بالمحاور الفراغية المعروفة في محيط المخلوقات المشهودة والذي يخضع لأحكامنا العقلية ولأقيستنا المنطقية ، فمكان الشيء يحدد في المقاييس الحديثة باعتبار ثلاثة محاور رئيسية متعامدة ، اثنان يمثلان المستوى الأفقي الموازي لسطح الأرض والثالث يمثل الارتفاع عن ذلك المستوى ، وأجسام الدنيا يحدد مكانها بمدى الارتفاع في المحور الرأسي عن مستوى المحورين الأفقيين ، ولاشك أن هذه المقاييس المكانية لا تصلح بحال ما في قياس ما هو خارج عن محيط العالم ، فضلا عن قياس الأشياء الدقيقة كالإلكترون في دورانه حول نواة الذرة فقد ثبت أن محاوره أكثر من ثلاثة بكثير .
الثاني : يراد به المكان الغيبي الذي يخرج عن مداركنا ولا نعلم خصائصه لصعوبة ذلك علينا ، والمكان بهذا الاعتبار حق موجود ولا يخضع بحال من الأحوال لمقاييس المكان في حسابات المخلوقين ، فلا يمكن للمتكلمين أن يطبقوا هذه المقاييس على ملك الموت عندما يأتي لقبض الأرواح مع أنه مخلوق له ذات وكينونة منفصلة ، وهو مع ذلك لا يحجبه باب ولا جدار ، ولا يمنعه جب أو قرار كما قال رب العزة والجلال :(أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ المَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ )[النساء:78] ، فملك الموت مخلوق ولا يخضع في مكانه وزمانه لمقاييسنا التي يريدون بها الحكم على استواء الله على عرشه ، ومن ثم لا يصلح أن نمنع دلالة الآيات والأحاديث ونحول معنى اسم الله العلي من علو الفوقية إلى علو الرتبة والمنزلة بحجة أننا لو أثبتناها لكان الله في مكان فعلو الشأن ثابت بدلالة اسمه الأعلى وعلو القهر ثابت بدلالة اسمه المتعال .
والرسول صلى الله عليه وسلم لما قال للجارية : أين الله ؟ علم صلى الله عليه وسلم أن أين للمكان ويعلم لوازم قوله ولو كان في ذلك خطأ وتشبيه وتجسيم كما يدعي البعض ما سأل الجارية بلفظ يحتمل معناه الخلاف ودواعي الاختلاف ، والجارية لما قالت : الله في السماء تعني العلو وشهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإيمان ، فلا إشكال عند الموحدين العقلاء في فهم حديث الجارية وقولها إن الله في السماء ، والأمر واضح جلي ظاهر ، فأي اعتراض على ذلك إنما هو اعتراض على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلو الفوقية أو علو الذات الذي دل عليه اسمه العلي ثابت على الحقيقة بالكتاب والسنة وإجماع الأنبياء والمرسلين وأتباعهم ، فهو سبحانه وتعالى مستو على عرشه بائن من خلقه ، لا شيء من ذاته في خلقه ، ولا خلقه في شيء من ذاته ، وهو من فوق عرشه يعلم أعمالهم ويسمع أقوالهم ويرى أفعالهم لا تخفى منهم خافية ، والأدلة في ذلك أكثر من أن تحصى وأجل من أن تستقصى ، والفطرة السليمة والنفوس المستقيمة مجبولة على الإقرار بذلك ، وسيأتي بإذن الله تعالى المزيد عند الحديث عن دلالة الأسماء على الصفات ، لكن جل الأدلة بقرائنها تجعل المعنى الذي دل عليه اسم الله العلي هو علو الذات والفوقية ، قال ابن خزيمة : ( والله قد وصف نفسه في غير موضع من تنزيله ووحيه ، وأعلمنا أنه العلي العظيم ، أفليس العلي يا ذوي الحجا ما يكون عليا لا كما تزعم المعطلة الجهمية أنه أعلى وأسفل ووسط ومع كل شيء وفي كل موضع من أرض وسماء ، وفي أجواف جميع الحيوان ، ولو تدبروا آية من كتاب الله ووفقهم الله لفهمها ؛ لعقلوا أنهم جهال لا يفهمون ما يقولون ، وبان لهم جهل أنفسهم وخطأ مقالتهم ).
العصامي
04-02-2010, 06:45 PM
(41) العظيم :
العَظِيمُ في اللغة صفة مشبهة لمن اتصف بالعظمة ، فعله عَظمَ يَعْظم عِظما يعني كبرَ واتسع وعلا شأنه وارتفع ، ولفلان عَظمة عندَ النَّاسِ أَي حُرْمة يُعظمُ لها ، وأَعْظمَ الأَمْرَ وعَظمَه فخَّمه ، والتعظِيم التَّبْجِيل ، والعَظِيمة النازلة الشديدة والملِمَّة إِذا أَعْضَلتْ والعَظمَة الكِبْرِياء ، وعَظمَة العبدِ كِبْرُه المذمومُ وتَجَبره ، وإِذا وُصِفَ العبد بالعَظمة فهو ذمٌّ لأَن العظمة في الحقيقةِ لله عز وجل ، وعند البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني من حديث ابْنَ عُمَرَ أن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ تَعَظمَ فِي نَفْسِهِ أَوِ اخْتَالَ فِي مِشْيَتِهِ لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ ).
والله عز وجل هو العظيم الذي جاوَزَ قدْرُه حدود العقل وجل عن تَصور الإِحاطةُ بكنْهِه وحَقِيقتِه ، فهو العظيم الواسع ، الكبير في ذاته وصفته ، فعظمة الذات دل عليها كثير من النصوص منها ما ورد عند ابن حبان وصححه الألباني من حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ) ، وقد صح عن ابن عباس موقوفا : ( الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى ).
أما عظمة الصفات فالله عز وجل له علو الشأن كما قال في كتابه :(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشورى:11] ، وقال أيضا :(رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَل تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً)[مريم:65] ، وإذا كان عرشه قد وصفه بالعظمة وخصه بالإضافة إليه والاستواء عليه ، فما بالك بعظمة من استوى عليه وعلا فوقه ، وينبغي أن نعلم أن عَظمة اللهِ في ذاته لا تُكَيَّفُ ولا تُحدُّ ، لطلاقة الوصف وعجزنا عن معرفته ، فنحن لم نره ولم نر له مثيل ، فالله عظيمٌ في ذاته ووصفه وجلال قدره كما أخبر عن نفسه.
(42) الشكور :
الشكور في اللغة فعول من صيغ المبالغة ، فعله شكر يشكر شكرا وشكورا وشكرانا فالشكور فعول من الشكر ، وأصل الشكر الزيادة والنماء والظهور ، وحقيقة الشكر الثناء على المحسن بذكر إحسانه.
وشكر العبد على الحقيقة إنما هو إقرار القلب بإنعام الرب ونطق اللسان عن اعتقاد الجنان وعمل الجوارح والأركان ، قال تعالى :(اعْمَلوا آلَ دَاوُدَ شُكرا وَقَلِيل مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)[سبأ:13] ، وفي صحيح البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَة أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال : (فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ ، وَسَمَّاكَ الله عَبْدًا شَكُورًا ، أَمَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ .. الحديث ).
والشكور سبحانه هو الذي يزكو عنده القليل من أعمال العباد ويضاعف لهم الجزاء ، فيثيب الشاكر على شكره ويرفع درجته ويضع من ذنبه ، فشكر العبد لله تعالى ثناؤه عليه بذكر إحسانه إليه ، وشكر الحق للعبد ثناؤه عليه بذكر طاعته له .
ويذكر ابن القيم أن الشكور سبحانه هو أولى بصفة الشكر من كل شكور ، بل هو الشكور على الحقيقة فإنه يعطي العبد ويوفقه لما يشكره عليه ، ويشكر القليل من العمل والعطاء فلا يستقله أن يشكره ، ويشكر الحسنة بعشر أمثالها إلى أضعاف مضاعفة ، ويشكر عبده بأن يثني عليه بين ملائكته وفي ملئه الأعلى ، ويلقي له الشكر بين عباده ، ويشكره بفعله فإذا ترك له شيئا أعطاه أفضل منه ، وإذا بذل له شيئا رده عليه أضعافا مضاعفة ، وهو الذي وفقه للترك والبذل وشكره على هذا وذاك ، ولما بذل الشهداء أبدانهم له حتى مزقها أعداؤه شكر لهم ذلك بأن أعاضهم منها طيرا خضرا أقر أرواحهم فيها ، ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها إلى يوم البعث ، فيردها عليهم أكمل ما تكون وأجمله وأبهاه ، ومن شكره سبحانه أنه يجازي عدوه بما يفعله من الخير والمعروف في الدنيا ويخفف به عنه يوم القيامة ، فلا يضيع عليه ما يعمله من الإحسان وهو من أبغض خلقه إليه ، ومن شكره أنه غفر للمرأة البغي بسقيها كلبا كان قد جهده العطش حتى أكل الثرى.
قال ابن القيم : ( الشكور يوصل الشاكر إلى مشكوره ، بل يعيد الشاكر مشكورا وهو غاية الرب من عبده ، وأهله هم القليل من عباده ، قال الله تعالى : (وَاشْكُرُوا لله إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة:172] .. وسمى نفسه شاكرا وشكورا ، وسمى الشاكرين بهذين الاسمين فأعطاهم من وصفه وسماهم باسمه ، وحسبك بهذا محبة للشاكرين وفضلا ، وإعادته للشاكر مشكورا كقوله : (إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) [الإنسان:22] ، ورضي الرب عن عبده به كقوله :(وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر:7] ، وقلة أهله في العالمين تدل على أنهم هم خواصه كقوله :(وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ:13] ).
(43) الحليم :
الحليم في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالحلم ، فعله حلم يحلم حلما ، وصفة الحلم تعني الأناة ومعالجة الأمور بصبر وعلم وحكمة ، وفي مقابلها العجلة المفسدة لأمور الدين والدنيا ، والحليم هو الذي يرغب في العفو ولا يسارع بالعقوبة ، قال تعالى في وصف إبراهيم :(إِن إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ )[التوبة:114] ، ويدخل في معنى الحِلم بلوغ الصبي الحلم أو مبلغ الرجال الحكماء العقلاء كما قال تعالى :(وَإِذَا بَلَغَ الأَطفَال مِنْكمُ الحلمَ)[النور:59] ، وقال :(فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ )[الصافات:101] ، يعني لديه أناة وبصيرة وحكمة من صغره.
والحليم سبحانه هو المتصف بالحلم ، والحلم صفة كريمة تقوم على الحكمة والعلم والصبر ، والله عز وجل صبور يتمهل ولا يتعجل ، بل يتجاوز عن الزلات ويعفو عن السيئات ، فهو سبحانه يمهل عباده الطائعين ليزدادوا من الطاعة والثواب ، ويمهل العاصين لعلهم يرجعون إلى الطاعة والصواب ، ولو أنه عجل لعباده الجزاء ما نجا أحد من العقاب ، ولكن الله سبحانه هو الحليم ذو الصَّفحِ والأناةِ ، استخلف الإنسان في أرضه واسترعاه في ملكه ، واستبقاه إلى يوم موعود وأجل محدود ، فأجل بحلمه عقاب الكافرين ، وعجل بفضله ثواب المؤمنين.
وخلاصة المعاني في تفسير الحليم أنه الذي لا يعجل بالعقوبة والانتقام ، ولا يحبس إنعامه عن عباده لأجل ذنوبهم بل يرزق العاصي كما يرزق المطيع ، وهو ذو الصفح مع القدرة على العقاب.
(44) الواسع :
والواسع في اللغة اسم فاعل للموصوف بالوسع ، فعله وَسِعَ الشَّيء يَسَعُه سِعَة فهو وَاسِع ، وأَوْسَعَ الله عليك أَي أَغناك ، ورجل مُوسِعٌ يعني مَلِيء بالمال والثراء ، يقال إناء واسع وبيت واسع ، ثم قد يستعمل في الغنى يقال : فلان يعطي من سعة وواسع الرحل يعني غنيا ، وقال تعالى :(لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) [الطلاق:7] ، وتَوَسَّعُوا في المجلس أَي تَفَسَّحُوا ، والسَّعة الغِنى والرفاهِية ، والسعة تكون في العلم والإحسان وبسط النعم.
والواسع سبحانه هو الذي وسع علمه جميع المعلومات ووسعت قدرته جميع المقدورات ووسع سمعه جميع المسموعات ووسع رزقه جميع المخلوقات ، فله مطلق الجمال والكمال في الذات والصفات والأفعال ، وعند البخاري من حديث عَائِشَة أنها قالتِ : ( الْحَمْدُ لهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:(قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّتِي تُجَادلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلى الله وَالله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكمَا إِن الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ)[المجادلة:1] ) ، فالله عز وجل واسِع ، وَسِعَ غِنَاه كل فقِير وهو الكثيرُ العطاءِ يده سحاء الليل والنهار ، وسعت رَحْمَته كل شَيء وهو المحيط بكل شيء.
وقد اقترن اسم الله الواسع باسمه العليم في غير موضع من كتابه كما ورد في قوله تعالى : ( مَثَلُ الذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُل سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَالله يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاء وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ )[البقرة:261] ، ذكر ابن القيم في بيان العلة في اقتران الاسمين ألا يستبعد العبد مضاعفة الأجر ، ولا يضيق عنها عطاؤه فإن المضاعف واسع العطاء ، واسع الغنى واسع الفضل ، ومع ذلك فلا يظن أن سعة عطائه تقتضي حصولها لكل منفق ، فإنه عليم بمن تصلح له هذه المضاعفة وهو أهل لها ومن لا يستحقها ولا هو أهل لها ، فإن كرمه وفضله تعالى لا يناقض حكمته بل يضع فضله مواضعه لسعته ورحمته ، ويمنعه من ليس من أهله بحكمته.
(45) العليم :
العليم في اللغة من أَبنية المبالغة ، عَلِيمٌ وزن فعِيل ، فعله عَلِم يعلم علما ، ورجل عالم وعَلِيمٌ ، والعِلمُ نقيضُ الجهل ، ويجوز أن يقال للإِنسان الذي عَلمه الله عِلما من العُلوم عَلِيم ، كما قال تعالى عن يوسف بقوله للملك : (اجْعَلنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظ عَلِيمٌ )[يوسف:55] ، وهو عليم على اعتبار محدودية علمه ومناسبته لقدره فهو ذو علم وموصوف بالعلم ، قال :( وَإِنَّهُ لَذو عِلمٍ لِمَا عَلمْنَاهُ)[يوسف:68] ، لكن شتان بين علم مقيد محدود وعلم مطلق بلا حدود ، سبحانه وتعالى في كمال علمه ، جل شأنه في إطلاق وصفه ، فعلمه فوق كل ذي علم كما قال عز وجل :(نَرْفَعُ دَرَجَات مَنْ نَشَاء وَفَوْقَ كُل ذِي عِلمٍ عَلِيم)[يوسف:76] ، فالله عز وجل عليمُ بما كان وما هو كائن وما سيكونُ ، لم يَزَل عالِما ولا يَزال عالما بما كان وما يكون ، ولا يخفى عليه خافية في الأَرض ولا في السماء ، سبحانه أَحاط عِلمُه بجميع الأَشياء باطِنِها وظاهرها ، دقِيقها وجليلها على أَتم الإِمكان ، فاسم الله العليم اشتمل على مراتب العلم الإلهي ، وهي أنواع :
أولها : علمه بالشيء قبل كونه وهو سر الله في خلقه ، ضن به على عباده ، لا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل ، وهذه المرتبة من العلم هي علم التقدير ومفتاح ما سيصير ، ومن هم أهل الجنة ومن هم أهل السعير ؟ فكل أمور الغيب قدرها الله في الأزل ومفتاحها عنده وحده ولم يزل ، كما قال تعالى :(إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَليمٌ خَبِيرٌ) [لقمان:34] ، وقال سبحانه :(قُل لا يَعْلمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلا اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) [النمل:65] .
ثانيها : علمه بالشيء وهو في اللوح المحفوظ بعد كتابته وقبل إنفاذ أمره ومشيئته فالله عز وجل كتب مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم بخمسين ألف سنة ، والمخلوقات في اللوح قبل إنشائها عبارة عن كلمات ، وتنفيذ ما في اللوح من أحكام تضمنتها الكلمات مرهون بمشيئة الله في تحديد الأوقات التي تناسب أنواع الابتلاء في خلقه ، وكل ذلك عن علمه بما في اللوح من حساب وتقدير ، وكيف ومتى يتم الإبداع والتصوير ؟ كما قال تعالى :(أَلمْ تَعْلمْ أَنَّ اللهَ يَعْلمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلك عَلى اللهِ يَسِيرٌ) [الحج:70] ، وقال أيضا : (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْل أَن نَبْرَأَهَا) [الحديد:23] .
ثالثها : علمه بالشيء حال كونه وتنفيذه ووقت خلقه وتصنيعه كما قال : ( اللهُ يَعْلمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَار ٍعَالمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ المُتَعَال )[الرعد:8] ، وقال تعالى : (يَعْلمُ مَا يَلجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الغَفُورُ) [سبأ:2] .
رابعها : علمه بالشيء بعد كونه وتخليقه وإحاطته بالفعل بعد كسبه وتحقيقه ، فالله عز وجل بعد أن ذكر مراتب العلم السابقة في قوله تعالى :(وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ )[الأنعام:59] ، ذكر بعدها المرتبة الأخيرة فقال : (وَهُوَ الذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِالليْل وَيَعْلمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ليُقْضَي أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمَّ إِليْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )[الأنعام:60] ، وقال أيضا : (قَدْ عَلمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ )[قّ:4] ، وقال :(أَلمْ يَعْلمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَن اللهَ عَلامُ الغُيُوبِ) [التوبة:78] ، فالله عز وجل عالم بما كان ، وما هو كائن ، وما سيكون ، وما لو كان كيف يكون على ما اقتضته حكمته البالغة.
(46) التواب :
التواب في اللغة من صيغ المبالغة ، فعله تاب يتوب توبا وتوبة ، والتوبة الرجوع عن الشيء إلى غيره ، وترك الذنب على أجمل الوجوه ، وهو أبلغ وجوه الاعتذار ، فإن الاعتذار على ثلاثة أوجه : إما أن يقول المعتذر لم أفعل ، أو يقول فعلت لأجل كذا أو يقول : فعلت وأسأت وقد أقلعت ولا رابع لذلك وهذا الأخير هو التوبة ، والتائب يقال لباذل التوبة ولقابل التوبة فالعبد تائب إلى الله والله تائب على عبده ، والتوبة لازمة لجميع المذنبين والعاصين صغر الذنب أو كبر ، وليس لأحد عذر في ترك التوبة بعد ارتكاب المعصية لأن المعاصي كلها توعد اللَّه عليها أهلها.
والتواب سبحانه هو الذي يقبل التوبة عن عباده حالا بعد حال ، فما من عبد عصاه وبلغ عصيانه مداه ثم رغب في التوبة إليه إلا فتح له أبواب رحمته ، وفرح بعودته وتوبة ، ما لم تغرغر النفس أو تطلع الشمس من مغربها ، فمنْ حديث أَبِي مُوسَى مرفوعا : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ) ، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أن رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ ) ، ولو أن إنسانا اتبع هواه أو استجاب لشيطانه وتمادى في جرمه وعصيانه فقتل مائة نفس وارتكب كل إثم وأراد التوبة والغفران تاب عليه التواب ، وبدل له عدد ما فات من السيئات بنفس أعدادها حسنات ، قال تعالى :(فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ الله غَفُورًا رَحِيمًا)[الفرقان:71] ، وروى الترمذي وحسنه الألباني من حديث أَنَس بْن مَالِكٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( قَالَ الله : يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ).
هذا فضلا عن فرح التواب بتوبة عبده وعودته إلى ربه ، فمن حديث أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعا : ( لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ أَحَدِكُمْ بِضَالَّتِهِ إِذَا وَجَدَهَا ) ، إن المذنب مخطئ في جنب الله وعظم الذنب يقاس بعظم من أخطأت في حقه ، فلو قبل الله توبة المذنب فإن مجرد القبول فقط كرم بالغ ومنة من الله على عبده ، فما بالنا وهو يقبل توبة المذنب بعفو جديد وفرح شديد ويجعل في مقابل الذنوب بالتوبة أجرا كبيرا .
ويذكر ابن القيم أن توبة العبد إلى ربه محفوفة بتوبة من الله عليه قبلها وتوبة منه بعدها ، فتوبته بين توبتين من الله سابقة ولاحقة ، فإنه تاب عليه أولا إذنا وتوفيقا وإلهاما ، فتاب العبد فتاب الله عليه ثانيا قبولا وإثابة ، قال تعالى :(وَعَلَى الثلاثَةِ الذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِن اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة:118] ، فأخبر سبحانه أن توبته عليهم سبقت توبتهم ، وأنها هي التي جعلتهم تائبين ، فكانت سببا ومقتضيا لتوبتهم ، فدل على أنهم ما تابوا حتى تاب الله عليهم ، والحكم ينتف لانتفاء علته ، فالعبد تواب والله تواب ، فتوبة العبد رجوعه إلى سيده بعد الإباق ، وتوبة الله نوعان : إذن وتوفيق ، وقبول وإمداد ، قال ابن القيم :
وكذلك التواب من أوصافه : والتوب في أوصافه نوعان
إذن بتوبة عبده وقبولها : بعد المتاب بمنة المنان
قال أبو حامد : ( التواب هو الذي يرجع إليه تيسير أسباب التوبة لعباده مرة بعد أخرى بما يظهر لهم من آياته ويسوق إليهم من تنبيهاته ويطلعهم عليه من تخويفاته وتحذيراته ، حتى إذا اطلعوا بتعريفه على غوائل الذنوب استشعروا الخوف بتخويفه فرجعوا إلى التوبة فرجع إليهم ).
العصامي
08-02-2010, 10:21 PM
(47) الحكيم:
الحكيم في اللغة صيغة مبالغة على وزن فعِيل بمعنى فاعِلٍ ، فعله حكم يحكم حكما وحكومة ، والحكيم يأتي على عدة معان منها الإحاطة والمنع ، فحكم الشيء يعني منعه وسيطر عليه وأحاط به ، ومنها حكمة اللجام وهي الحديدة المانعة للدابة عن الخروج ويشهد لذلك قول حسان بن ثابت :
فنحكم بالقوافي من هجانا : ونضربُ حين تختلط الدماء
أي نمنع بالقوافي من هجانا وقول الآخر :
أبني حنيفة حكموا سفهاءكم : إني أخاف عليكمو أن أغضبا
أي امنعوا سفهاءكم ، ويأتي الحكيم على معنى المدقق في الأمور المتقن لها ، فالحكيم هو الذي يُحْكِمُ الأَشياء ويُحْسِنُ دقائق الصِّناعات ويُتقنها ، ويقال للرجل إِذا كان حكيماً قد أَحْكَمَتْه التجاربُ.
والحكيم أيضا هو الذي يُحْكِم الأمر ويقضي فيه ويفصل دقائقه ويبين أسبابه ونتائجه ، فالحَكِيمُ يجوز أَن يكون بمعنى حاكِمِ مثل قَدِير بمعنى قادر وعَلِيمٍ بمعنى عالِمٍ واسْتَحْكَمَ الرجلُ إِذا تناهى عما يضره في دينه أَو دُنْياه.
والحكيم سبحانه هو المتصف بحكمة حقيقية عائدة إليه وقائمة به كسائر صفاته والتي من أجلها خلق فسوى ، وقدر فهدى ، وأسعد وأشقى ، وأضل وهدى ، ومنع وأعطى ، فهو المحكم لخلق الأشياء على مقتضى حكمته ، وهو الحكيم في كل ما فعله وخلقه ، حكمة تامة اقتضت صدور هذا الخلق ، ونتج عنها ارتباط المعلول بعلته والسبب بنتيجته ، وتيسير كل مخلوق لغايته ، وإذا كان الله عز وجل يفعل ما يشاء ولا يرد له قضاء ، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، إلا أنه الحكيم الذي يضع الأشياء في مواضعها ويعلم خواصها ومنافعها ويرتب أسبابها ونتائجها.
قال ابن القيم : (الحكيم من أسمائه الحسنى والحكمة من صفاته العلى ، والشريعة الصادرة عن أمره مبناها على الحكمة ، والرسول المبعوث بها مبعوث بالكتاب والحكمة ، والحكمة هي سنة الرسول وهي تتضمن العلم بالحق والعمل به والخبر عنه والأمر به فكل هذا يسمى حكمة ، وفي الأثر الحكمة ضالة المؤمن ، وفي الحديث إن من الشعر حكمة ، فكما لا يخرج مقدور عن علمه وقدرته ومشيئته فهكذا لا يخرج عن حكمته وحمده ، وهو محمود على جميع ما في الكون من خير وشر حمدا استحقه لذاته وصدر عنه خلقه وأمره ، فمصدر ذلك كله عن الحكمة.
(48) الغني :
الغني في اللغة صفة مشبهة لمن اتصف بالغنى فعله غنِي غِنىً واسْتَغْنَى واغتَنَى فهو غنِيّ ، والغنى في حقنا قلة الاحتياج وهو مقيد نسبي ، ويتحقق غالبا بالأسباب التي استُؤمِن عليها الإنسان واستخلفه الله فيها كالأموال والأقوات التي يدفع بها عن نفسه الحاجات ومختلف الضروريات ، قال تعالى : (إِنَّمَا السَّبِيل عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ )[التوبة:93] .
والغِنى إن تعلق بالمشيئة فهو وصف فعل كقوله تعالى :(وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَة فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِن اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )[التوبة:28] ، وقوله :(وَأَنَّهُ هُوَ أَغنَى وَأَقْنَى)[النجم:48] ، وإن لم يتعلق بالمشيئة فهو وصف ذات كقوله تعالى :(وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)[آل عمران:97] ، وكقوله :(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ )[فاطر:15] .
والغني سبحانه هو المستغني عن الخلق بذاته وصفاته وسلطانه ، والخلق جميعا فقراء إلى إنعامه وإحسانه ، فلا يفتقر إِلى أَحدٍ في شيءٍ ، وكلُّ مخلوق مفتقر إِليه ، وهذا هو الغنى المُطْلَق ، ولا يُشارِك الهَت تعالى فيه غيرُه ، والغني أيضا هو الذي يُغني من يشاءُ من عِباده على قدر حكمته وابتلائه ، وأي غني سوى الله فغناه نسبي مقيد ، أما غنى الحق سبحانه فهو كامل مطلق ، ومهما بلغ المخلوق في غناه فهو فقير إلى الله لأن الله هو المنفرد بالخلق والتقدير والملك والتدبير فهو المالك لكل شيء المتصرف بمشيئته في خلقه أجمعين ، يعطي من يشاء ما يشاء من فضله ، وقسم لكل مخلوق ما يخصه في حياته ورزقه ، عطاؤه لا يمتنع ، ومدده لا ينقطع ، وخزائنه ملأى لا تنفد ، روى البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (يَدُ اللهِ مَلأَى لاَ يَغِيضُهَا نَفَقَة سَحَّاء اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، أرَأيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذ خَلقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا في يَدهِ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ ، وَبِيَدِهِ الأخْرَى المِيزَان يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ ) ، وعند مسلم من حديث أَبِي ذرٍّ الغفاري أن النبِي صلى الله عليه وسلم قال فيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى : ( يَا عِبَادِي لوْ أَن أَوَّلكمْ وَآخِرَكمْ وَإِنْسَكمْ وَجِنَّكمْ قامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِد فسَألونِي فأعْطيْتُ كل إِنْسَانٍ مَسْألتَهُ مَا نَقصَ ذلِكَ مِمَّا عِنْدي إلا كمَا يَنْقصُ المِخْيَط إِذا أخِل البَحْرَ ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِي أَعْمَالكمْ أُحْصِيهَا لكمْ ، تم أوفيكمْ إِيَّاهَا ، فمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَليَحْمَدِ اللهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فلا يَلومَنَّ إِلا نَفسَهُ).
فالغني على سبيل الإطلاق والقيام بالنفس هو الله وليس ذلك لأحد سواه ، فهو الغني بذاته عن العالمين ، المستغني عن الخلائق أجمعين ، واتصاف غير الله بالغنى لا يمنع كون الحق متوحدا في غناه ، لأن الغنى في حق غيره مقيد وفي حق الله مطلق ، وهذا واضح معلوم وذلك مضطرد في جميع أوصافه باللزوم.
(49) الكريم :
الكريم صفة مشبهة للموصوف بالكرم ، والكرَم نقيض اللؤم يكون في الرجل بنفسه وإِن لم يكن له آباء ، ويستعمل في الخيل والإِبل والشجر وغيرها ، كرُمَ الرجل كرَما وكَرَامة فهو كَرِيم وكرِيمة وجمع الكَرِيم كرَماء ، والكريم هو الشيء الحسن النفيس الواسع السخي ، والفرق بين الكريم والسخي أن الكريم هو كثير الإحسان بدون طلب والسخي هو المعطى عند السؤال ، والكرم السعة والعظمة والشرف والعزة والسخاء عند العطاء ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث أبي هريرة أن رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الْمُؤْمِنُ غِرّ كَرِيمٌ وَالْفَاجِرُ خِبٌّ لَئِيمٌ).
والله سبحانه هو الكريم الواسع في ذاته وصفاته وأفعاله ، من سعته وسع كرسيه السماوات والأرض ، كما قال :(وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) [البقرة:255] ، ووصف عرشه بالكرم فقال :(فَتَعَالَى الله الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)[المؤمنون:116] ، وهو الكريم له المجد والعزة والرفعة والعظمة والعلو والكمال فلا سميَّ له كما قال :( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّا)[مريم:65] ، وهو الذي كرم الإنسان لما حمل الأمانة وشرفه واستخلفه في أرضه وأستأمنه في ملكه وفضله على كثير من خلقه كما قال :(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً )[الإسراء:70] ، وهو الذي بشر عباده المؤمنين بالأجر الكريم الواسع ، والمغفرة الواسعة ، والرزق الواسع قال تعالى :(أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ )[الأنفال:4] ، وهو الجواد المعطي الذي لا ينفد عطاؤه ولا ينقطع سحاؤه ، الذي يعطي ما يشاء لمن يشاء وكيف يشاء بسؤال وغير سؤال ، وهو الذي لا يمن إذا أعطى فيكدر العطية بالمن ، وهو سبحانه يعفو عن الذنوب ويستر العيوب ويجازي المؤمنين بفضله ويجازي المعرضين بعدله.
(50) الأحد :
الأحد في اللغة اسم فاعل أو صفة مشبهة للموصوف بالأحدية ، فعله أحَّد يأحد تأحيدا وتوحيدا ، أي حقق الوحدانية لمن وحده ، وهو اسم بني لنفى ما يذكر معه من العدد ، تقول ما جاء بي أحد ، والهمزة فيه بدل من الواو ، وأصله وحد لأنه من الوحدة ، والفرق اللغوي بين الواحد والأحد أن الأحد شيء بني لنفي ما يذكر معه من العدد ، والواحد اسم لمفتتح العدد ، وأحد يصلح في الكلام في موضع الجحود والنفي ، وواحد يصلح في موضع الإثبات ، يقال ما أتاني منهم أحد فمعناه لا واحد أتاني ولا اثنان ، وإذا قلت جاءني منهم واحد فمعناه أنه لم يأتني منهم اثنان ، فهذا حد الأحد ما لم يضف ، فإذا أضيف قرب من معنى الواحد ، وذلك أنك تقول : قال أحد الثلاثة كذا وكذا ، وأنت تريد واحدا من الثلاثة.
والأحد سبحانه وتعالى هو المنفرد بذاته ووصفه المباين لغيره ، كما قال تعالى في معنى الأحدية :(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد) [الإخلاص:4] ، فالأحدية هي الانفراد ونفي المثلية ، وتعني انفراده سبحانه بذاته وصفاته وأفعاله عن الأقيسة والقواعد والقوانين التي تحكم ذوات المخلوقين وصفاتهم وأفعالهم ، كما قال تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشورى:11] ، فبين سبحانه انفراده عن كل شيء من أوصاف المخلوقين بجميع ما ثبت له من أوصاف الكمال ، فالأحد هو المنفرد الذي لا مثيل له فنحكم على كيفية أوصافه من خلاله ، ولا يستوي مع سائر الخلق فيسري عليه قانون أو قياس أو قواعد تحكمه كما تحكمهم ، لأنه المتصف بالتوحيد المنفرد عن أحكام العبيد وقال تعالى :(هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً )[مريم:65] ، أي شبيها مناظرا يدانيه أو يساويه أو يرقى إلى سمو ذاته وصفاته وأفعاله.
وليس الأحد هو المجرد عن الصفات أو الذي لا ينقسم كما فسره بعض المتكلمين لأن ذلك تأويل لا يحتمله اللفظ في أصل وضعه أو كما جرت به عادة الخطاب بين العرب فهو أقرب إلى التحريف من كونه تأويلا ، لأنه لا مدح في نفي الصفات عن الله تفصيلا ، ولا مدح في النفي إن لم يتضمن كمالا ، ولذلك فإن طريقة الكتاب والسنة في إثبات الصفات هي النفي المجمل والإثبات المفصل بعكس طريقة المتأخرين من المتكلمين ، فالله عز وجل نفى عن نفسه كل صفات النقص إجمالا فقال :(ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء) [الشورى:11] ، وقال : (وَلمْ يَكُنْ لهُ كُفُوًا أَحَدٌ)[الإخلاص:4] ، وأثبت لنفسه صفات الكمال تفصيلا ، فقال :(هُوَ اللهُ الذِي لا إِلهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُون ) [الحشر:22/24] ، وغير ذلك من الآيات التي عدد الله فيها أسماءه وأوصافه مثبتا لها ولكمالها ومفصلا في ذلك ، أما المتكلمون فإنهم يجملون في الإثبات ويفصلون في النفي ، حيث أثبت بعضهم أسماء الله مفرغة من الأوصاف ، وبعضهم أثبت سبع صفات فقط ونازع في بقيتها ، وأما التفصيل في النفي الذي يبررون به معنى الأحدية فكقولهم ليس بجسم ولا شبح ولا صورة ، ولا لحم ولا دم ولا عظم ، ولا بذي لون ولا طعم ولا رائحة ، ولا بذي حرارة ولا رطوبة ولا يبوسة ، ولا طول ولا عرض ولا عمق ولا شخص ولا جوهر ولا عرض ، ولا يتحرك ولا يسكن ولا ينقص ولا يزداد .. إلى غير ذلك من أنواع النفي الذي يملأ صفحات متعددة .
وهذه طريقة سقيمة في إثبات التفرد والأحدية تنافى الفطرة وتبعث على الاشمئزاز فهي تماثل قول القائل في مدح ما تميز به الأمير : لست بزبال ولا كناس ولا حمار ولا نسناس ، ولست حقيرا ولا فقيرا ولا غبيا ولا ضريرا ، وكان يغنى عن ذلك أن يجمل في النفي ويقول : ليس لك نظير فيما رأت عيناي .
ومما ينبغي أن يعلم أن النفي الذي يثبت معنى الأحدية ليس فيه مدح ولا كمال إلا إذا تضمن وصفا وإثباتا ، فنفى السنة والنوم عن الله يتضمن الأحدية في كمال الحياة والقيومية ، ونفى الظلم يتضمن كمال العدل ، وهكذا في سائر ما نفى الله عن نفسه من أوصاف النقص ، وكل نفى لا يستلزم ثبوتا لم يصف الله به نفسه ، أما الذي يقول عن الله : ليس بجسم فهل يعنى أنه عرض ؟ ، فيقول : وليس عرضا ، فماذا يكون إذا ؟ هل يكون شبحا ؟ يقول : ولا شبحا ، فإن سئل هل هو داخل العالم ؟ فيقول : ولا داخل العالم ، فخارجه إذاً ؟ يقول : ولا خارجه ، ولا ولا ولا .. إلى غير ذلك من سفسطة القول ومهاترات النفي ، ينفي الصفات من غير إثبات ، ويظن أن ذلك معنى اسم الله الأحد ، وهذا ليس فيه صفة مدح ولا أحدية ، بل هو ذم بما يشبه المدح تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
العصامي
08-02-2010, 10:22 PM
(51) الصمد :
الصمد في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالصمدية ، فعله صَمَدَ يَصْمِدُ صَمْدا وهو يأتي على عدة معان : منها السَّيِّدُ المُطاع الذي لا يُقضى دونه أَمر ، ومنها الذي يطعم ولا يَطعَم ، ومنها الصَمد السيِّد الذي ينتهي إِليه السُّؤدَد في كل شيء فله الصمدية المطلقة ، وقيل : الصمد الدائم الباقي بعد فناء خَلقه ، وقيل : هو الذي يُصمَد إِليه الأَمر فلا يُقضَى دونه وليس فوقه أَحد ، وقيل : الصمد الذي صَمَدَ إِليه كل شيء أي الذي خَلق الأَشياء كلها لا يَسْتَغني عنه شيء ، وكلها تدل على وحدانية الله.
وقال البخاري : ( باب قولِهِ الله الصَّمَدُ ، والعَرَبُ تُسمِّي أشرافَها الصَّمَدَ ، قال أبو وائِل : هو السيّدُ الذي انتهى سُؤدَدُه ) ، وقال ابن تيمية : ( والاسم الصمد فيه للسلف أقوال متعددة قد يظن أنها مختلفة وليست كذلك بل كلها صواب ، والمشهور منها قولان : أحدهما أن الصمد هو الذي لا جوف له ، والثاني أنه السيد الذي يصمد إليه في الحوائج).
وقال ابن الجوزي : ( وفي الصمد أربعة أقوال : أحدها أنه السيد الذي يصمد إليه في الحوائج .. والثاني : أنه لا جوف له .. والثالث : أنه الدائم ، والرابع : الباقي بعد فناء الخلق ..وأصح الوجوه الأول لأن الاشتقاق يشهد له ، فإن أصل الصمد القصد يقال : اصمد فلان أي اقصد فلان ، فالصمد السيد الذي يصمد إليه في الأمور ويقصد في الحوائج).
وخلاصة المعاني في الصمدية أن الصمد هو السيد الذي له الكمال المطلق في كل شيء ، وهو المستغني عن كل شيء ، وكل من سواه مفتقر إليه يصمد إليه ويعتمد عليه ، وهو الكامل في جميع صفاته وأفعاله ، لا نقص فيه بوجه من الوجوه ، وليس فوقه أحد في كماله ، وهو الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وسائر أمورهم فالأمور أصمدت إليه وقيامها وبقاؤها عليه لا يقضي فيها غيره ، وهو المقصود إليه في الرغائب والمستغاث به عند المصائب الذي يطعم ولا يَطعَم ولم يلد ولم يولد.
(52) القريب :
القريب في اللغة فعيل بمعنى اسم الفاعل يدل على صفة القرب ، والقُرْبُ في اللغة نقيضُ البُعْد ، قرُبَ الشيء يَقرُبُ قرْبا وقرْبانا أَي دَنا فهو قريبٌ ، والقرب في اللغة على أنواع ، منه قرب المكان كقوله تعالى :(إِنَّمَا الْمُشْرِكونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا)[التوبة:28] ، وقرب الزمان نحو قوله : (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُون) [الأنبياء:109] وقد يكون القرب في النسب نحو قوله :(لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ )[النساء:7] ، وكذلك من معاني القرب قرب الحظوة والمنزلة نحو قوله :(فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِين فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ)[الواقعة:88/89].
والقريب سبحانه هو الذي يقرب من خلقه كما شاء وكيف شاء ، وهو القريب من فوق عرشه أقرب إلى عباده من حبل الوريد كما قال :(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيد)[ق:16] ، وقال سبحانه أيضا :(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ)[الواقعة:85] ، والقرب في الآيتين إما أن يكون على حقيقته باعتبار ما ورد عن ابن عباس حيث قال : (ما السموات السبع والأرضون السبع في يد الله إلا كخردلة في يد أحدكم ) ، وروى ابن حبان وصححه الألباني من حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ) ، فهذا قرب مطلق بالنسبة لله عز وجل لأنه قريب غير ملاصق ، والمخلوقات كلها بالنسبة إليه تتقارب من صغرها إلى عظمة ذاته وصفاته ، وهو بعيد غير منقطع بالنسبة لمقاييسنا ، فلا يقدر أحد على إحاطة بعد ما بين العرش والأرض من سعته وامتداده ، قال ابن منده في وصف قرب الله : ( لقربه كأنك تراه قريب غير ملاصق وبعيد غير منقطع ، وهو يسمع ويرى وهو بالمنظر الأعلى وعلى العرش استوى).
وقد يكون القرب قرب الملائكة لأنه ذكر في سياق الآية قرينة تدل على قرب الملائكة حيث قال : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ)[ق:16/17] ، فيجوز هنا أن يكون القرب قرب الملكين ، وأما القرب الوارد في آية الواقعة فهو مقيد بحال الاحتضار لأن الذي يحضر وقتها الملائكة ، كما قال سبحانه :(حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا)[الأنعام:61] ، كما أن قوله وأنتم لا تبصرون فيه دليل على أنهم الملائكة ، إذ يدل على أن هذا القريب في نفس المكان ولكن لا نبصره ، فالله عز وجل قريب من فوق عرشه ، عليم بالسرائر يعلم ما تكنه الضمائر ، وهو قريب بالعلم والقدرة في عامة الخلائق أجمعين ، وقريب باللطف والنصرة وهذا خاص بالمؤمنين ، من تقرب منه شبرا تقرب منه زراعا ، ومن تقرب منه زراعا تقرب منه باعا ، وهو أقرب إلى العبد من عنق راحلته ، وهو أيضا قريب من عبده بقرب بملائكته الذين يطلعون على سره ويصلون إلى مكنون قلبه .
العصامي
16-02-2010, 08:32 PM
(53) المجيب :
المجيب في اللغة اسم فاعل ، فعله أجاب يجيب جوابا وإجابة واستجابة ، والإجابة صدى الكلام أو ترديده ، أو المحاورة في الكلام ورد السؤال ، وعند البخاري من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قالت : ( وَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ دَاعٍ وَلاَ مُجِيبٌ ) ، والإجابة كذلك إجابة المحتاج بالعطية والنوال ، وإعطاء الفقير عند السؤال ، فللمجيب معنيان إجابة السائل بالعلم ، وإجابة النائل بالمال.
والمُجِيب سبحانه هو الذي يُقابِل السؤالَ والدُّعاء بالقَبُول والعَطاء ، وهو المجيب الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويغيث الملهوف إذا ناداه ، ويكشف السوء عن عباده ويرفع البلاء عن أحبائه ، وكل الخلائق مفتقرة إليه ، ولا قوام لحياتها إلا عليه ، لا ملجأ لها منه إلا إليه ، قال تعالى : ( يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن: 29] ، فجميع الخلائق تصمد إليه وتعتمد عليه ، وشرط إجابة الدعاء صدق الإيمان والولاء ، فالله حكيم في إجابته ، قد يعجل أو يؤجل على حسب السائل والسؤال ، أو يلطف بعبده باختياره الأفضل لواقع الحال ، أو يدخر له ما ينفعه عند المصير والمآل ، لكن الله تعالى يجيب عبده حتما ولا يخيب ظنه أبدا كما وعد وقال وهو أصدق القائلين :
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَليَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ )[البقرة:186] ، وقال :(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)[غافر:60] ، ومن حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أن رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال : ( مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو اللَّهَ بِدُعَاءٍ إِلاَّ اسْتُجِيبَ لَهُ ، فَإِمَّا أَنْ يُعَجَّلَ لَهُ في الدُّنْيَا وَإِمَّا أَنْ يُدَّخَرَ لَهُ في الآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يُكَفَّرَ عَنْهُ مِنْ ذُنُوبِهِ بِقَدْرِ مَا دَعَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ أَوْ يَسْتَعْجِلُ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ الهِت وَكَيْفَ يَسْتَعْجِلُ ؟ قَالَ : يَقُولُ دَعَوْتُ رَبِّي فَمَا اسْتَجَابَ لي).
(54) الغفور :
الغفور في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعول التي تدل على الكثرة في الفعل فعله غفر يغفر غفرا ومغفرة ، وأَصل الغَفرِ التغطية والستر ، وكل شيء سترته فقد غفرته والمغفر غطاء الرأس ، والمغفرة التغطية على الذنوب والعفو عنها ، غفرَ الله ذنوبه أَي سترها ، وعند البخاري من حديث ابن عمر أن رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال : ( إِن اللهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ ، فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ أَيْ رَبِّ ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ ، قَالَ : سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاَءِ الذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ).
والغفور سبحانه هو الذي يستر العيوب ويغفر الذنوب ، ومهما بلغ الذنب أو تكرر من العبد وأراد الرجوع إلى الرب فإن باب المغفرة مفتوح في كل وقت ، واسم الله الغفور يدل على دعوة العباد للاستغفار بنوعيه ، العام والخاص ، فالاستغفار من العبد على نوعين :
الأول : الاستغفار العام وهو الاستغفار من صغائر الذنوب ، وما يدور من خواطر السوء في القلوب ، فالقلب فيه منطقتان : منطقة حديث النفس ومنطقة الكسب ، فمن المنطقة الأولى تخرج الخواطر التي تتطلب الاستغفار العام ، وهي خواطر النفس الأمارة كما ورد في قوله سبحانه وتعالى :(وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ )[يوسف:53] ، وعند البخاري عن أَبي هُرَيْرَةَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( وَاللهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً ) ، وعند مسلم من حديث الأَغرِّ الْمُزَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ).
الثاني : الاستغفار الخاص وهو متعلق بمنطقة الكسب بعد تعمد الفعل واقتراف الإثم في اللسان والجوارح كقوله تعالى :(وَالذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ التِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الفرقان:70] .
والله عز وجل خلق البشر بإرادة حرة مخيرة بين الحق والباطل والخطأ والصواب وأعلمهم أنه الغفور التواب ، ليظهر لهم الكمال في أسمائه ويحقق فيهم مقتضى أوصافه لتعود المنفعة عليهم لأنه الغني عنهم أجمعين ، روى الترمذي وحسنه الألباني من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ) ، وعند مسلم من حديث أَبِي أَيُّوبَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لَوْ أَنَّكُمْ لَمْ تَكُنْ لَكُمْ ذُنُوبٌ يَغْفِرُهَا اللهُ لَكُمْ لَجَاءَ اللهُ بِقَوْمٍ لَهُمْ ذُنُوبٌ يَغْفِرُهَا لَهُمْ).
(55) الودود :
الودود في اللغة من صيغ المبالغة ، والودُّ مصدر المودَّة ، فعله وَدَّ الشيء وُدّا ووِدّا ووَدَّا ، والود بمعنى الأمنية ومنه قوله تعالى :(يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ)[البقرة:96] ، والودُّ أيضا بمعنى المحبة كما في قوله :(لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) [المجادلة:22] ، والودود في اللغة أيضا قد يأتي على معنى المعية والمرافقة والمصاحبة كلازم من لوازم المحبة ، كما ورد عند مسلم من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابنِ عُمَرَ : ( أَنَّ رَجُلا مِنَ الأَعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكةَ ، فَسَلمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ ، فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ لَهُ : أَصْلَحَكَ اللهُ إِنَّهُمُ الأَعْرَابُ وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ : إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ).
والودود سبحانه هو الذي يحب رسله وأولياءه ويتودد إليهم بالمغفرة والرحمة فيرضى عنهم ويتقبل أعمالهم ويوددهم إلى خلقه فيحبب عباده فيهم كما قال سبحانه وتعالى :(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ) [مريم:96] ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذَا أَحَبَّ الله الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ الهَض يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحْبِبْهُ ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ في أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ الهََ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ في الأَرْضِ) ، قال عبد الله بن عباس : ( الودود الحبيب المجيد الكريم ).
والله عز وجل ودود يؤيد رسله وعباده الصالحين بمعيته الخاصة ، فلا يخيب رجاءهم ولا يرد دعاءهم وهو عند حسن ظنهم به ، وهو الودود لعامة خلقه بواسع كرمه وسابغ نعمه ، يرزقهم ويؤخر العقاب عنهم لعلهم يرجعون إليه ، قال ابن القيم : ( وأما الودود ففيه قولان : أحدهما أنه بمعنى فاعل وهو الذي يحب أنبياءه ورسله وأولياءه وعباده المؤمنين ، والثاني أنه بمعنى مودود وهو المحبوب الذي يستحق أن يحب الحب كله وأن يكون أحب إلى العبد من سمعه وبصره وجميع محبوباته).
(55) الولي :
الولي في اللغة صيغة مبالغة من اسم الفاعل الوالي ، فعله وَلِيَ يَلِي وِلايةً ، والولي هو الذي يلي غيره بحيث يكون قريبا منه بلا فاصل ، ويكون ذلك في المكان أو النسب أو النسبة ، ويطلق الولي أيضا على الوالد والناصر والحاكم والسيد.
والولاية تولي الأمر كقوله تعالى :(فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ؟)[البقرة:282] ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذَا صَنَعَ لأَحَدِكُمْ خَادِمُهُ طَعَامَهُ ، ثُمَّ جَاءَهُ بِهِ وَقَدْ وَلِيَ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ ، فَلْيُقْعِدْهُ مَعَهُ فَلْيَأْكُلْ).
والولي سبحانه هو المُتَوَلي لأُمُور خلقه ، القَائِم على تدبير ملكه ، الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه كما قال سبحانه(وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءوفٌ رَحِيمٌ)[الحج:65] ، وقال :(أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ)[الرعد:33] ، وولاية الله لعباده على وجهين :
الوجه الأول : الولاية العامة وهي ولاية الله لشئون عباده ، وتكفله بأرزاقهم وتدبيره لأحوالهم ، وتمكينهم من الفعل والاستطاعة ، وذلك بتيسير الأسباب ونتائجها وترتيب المعلولات على عللها ، وتلك هي الولاية العامة التي تقتضي العناية والتدبير ، وتصريف الأمور وتدبير المقادير ، فالله من فوق عرشه قريب من عباده كما قال :(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيد)[قّ:16] .
الوجه الثاني : ولاية الله للمؤمنين وهي ولاية حفظ وتدبير سواء كان تدبيرا كونيا أو شرعيا فإن الإرادة الكونية والشرعية عند السلف تجتمعان في المؤمن وتفترقان في الكافر حيث تتوافق إرادة المؤمن مع الإرادة الشرعية والكونية معا ، والكافر يخالف الشرعية ويوافق الكونية حتما ، فالولاية الخاصة ولاية حفظ وعصمة ، ومحبة ونصرة سواء كان في تدبير الله الكوني أو الشرعي قال تعالى : (الله وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة:257] ، وشرط هذه الولاية الإيمان وتحقيق الإخلاص والمتابعة ، قال تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يونس:63] ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة مرفوعا : ( إن اللَّه قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب .. الحديث)، فولاية الله لعباده المؤمنين مقرونة بولايتهم لربهم ، فولايتهم ولاية حفظ لحدوده والتزام بتوحيده ، قال تعالى : (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ)[الأنعام:14].
العصامي
25-02-2010, 12:35 AM
(57) الحميد :
الحميد في اللغة صيغة مبالغه على وزن فعيل بمعنى اسم المفعول وهو المحمود ، فعله حمد يحمد حمدا ، والحمد نقيض الذم بمعنى الشكر والثناء ، وهو المكافأة على العمل والحمد والشكر مُتَقاربان لكن الحمد أعَمُّ من الشكر , لأنّك تحمَد الإنسان على صِفاته الذَّاتِّية وعلى عطائه ولا تَشْكُره على صِفاته.
قال الراغب : ( الحمد أخص من المدح وأعم من الشكر ، فإن المدح يقال فيما يكون من الإنسان باختياره ، وما يقال منه وفيه بالتسخير ، فقد يمدح الإنسان بطول قامته وصباحة وجهه ، كما يمدح ببذل ماله وسخائه وعلمه ، والحمد يكون في الثاني دون الأول ، والشكر لا يقال إلا في مقابلة نعمة ، فكل شكر حمد ، وليس كل حمد شكرا ، وكل حمد مدح وليس كل مدح حمدا ، ويقال فلان محمود إذا حمد ، ومحمد إذا كثرت خصاله المحمودة ).
والحميد سبحانه هو المستحق للحمد والثناء ، حمد نفسه فقال :(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )[الفاتحة:2] ، فهو سبحانه المحمود على ما خلق وشرع ، ووهب ونزع ، وضر ونفع ، وأعطى ومنع ، وعلا بذاته وشأنه فارتفع ، وأمسك السماء عن الأرض أن تقع وفرش الأرض فانبسط سهلها واتسع ، حمد نفسه وحمده الموحدون فله الحمد كله قال ابن القيم : (الحمد كله لله رب العالمين .. فإنه المحمود على ما خلقه وأمر به ونهى عنه ، فهو المحمود على طاعات العباد ومعاصيهم وإيمانهم وكفرهم ، وهو المحمود على خلق الأبرار والفجار والملائكة وعلى خلق الرسل وأعدائهم ، وهو المحمود على عدله في أعدائه كما هو المحمود على فضله وإنعامه على أوليائه ، فكل ذرة من ذرات الكون شاهدة بحمده ، ولهذا سبح بحمده السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده).
وروى البخاري من حديث عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ : ( اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ ، لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ ، وَالنَّارُ حَقٌّ وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ ، وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حَقٌّ ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ .. الحديث).
وكذلك فإن الله عز وجل هو الحميد الذي يحمده عباده الموحدون لأنهم يعلمون أن الله خلق الدنيا للابتلاء وخلق الآخرة للجزاء ، فهم يحمدونه على السراء والضراء ويوحدونه في العبادة والاستعانة والدعاء ، حتى يكرمهم بجنته عند اللقاء ، فإن ابتلاهم صبروا ، وإن أنعم عليهم شكروا ، ولذلك قال تعالى في وصفهم :(وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا الله)[الأعراف:43] ، وقال أيضا :(وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر:34].
قال ابن القيم في نونيته :
وهو الحميد فكل حمد واقع : أو كان مفروضا مدى الأزمان
ملأ الوجود جمعيه ونظيره : من غير ما عد ولا حسبان
هو أهله سبحانه وبحمده : كل المحامد وصف ذي الاحسان
(58) الحفيظ :
الحفيظ في اللغة مبالغة من اسم الفاعل الحافظ فعله حفِظ يحفَظُ حِفْظا ، وحِفظ الشيء صيانته من التلف والضياع ، ويستعمل الحفظ في العلم على معنى الضبط وعدم النسيان ، أو تعاهُد الشيء وقلة الغفلة عنه ، ورجل حافظ وقوم حُفاظ هم الذين رُزِقوا حِفظ ما سَمِعوا وقلما يَنْسَوْن شيئا ، والحافِظ والحفِيظ أيضا هو الموكل بالشيء يَحْفَظه ، ومنه الحفظة من الملائكة كما في قوله تعالى :(لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ)[الرعد:11] ، أي تحفظ الأنفس بأمر الله حتى يأتي أجلها وكذلك الحفظة الذين يُحْصُونَ الأعمال ويكتبونها على بني آدم ، كما قال تعالى في وصفهم :(وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ )[الانفطار:12] ، ويقال حفظ المال والسِّرَّ حفظا رَعاه وصانه ، واحتفظ الشيءَ لنفسه يعني خَصَّها به والتحفظ قلة الغَفلة في الأُمور والكلام.
والحفيظ سبحانه هو العليم المهيمن الرقيب على خلقه ، لا يَعْزُب عنه مِثقالُ ذرّة في ملكه ، وهو الحفيظ الذي يحفظ أعمال المكلفين ، والذي شرف بحفظها الكرام الكاتبين ، يدونون على العباد القول والخطرات ، والحركات والسكنات ، ويضعون الأجر كما حدد لهم بالحسنات والسيئات ، وهو الحفيظ الذي يحفظ عليهم أسماعهم وأبصارهم وجلودهم لتشهد عليهم يوم اللقاء ، وهو الحفيظ لمن يشاءُ من الشَّرِّ والأذى والبلاء ، ومنه الدعاء الذي رواه أبو داود وصححه الألباني من حديث ابن عمرأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَ ، وَمِنْ خَلْفِي ، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي ، وَمِنْ فَوْقِي ، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي ).
والحفيظ أيضا هو الذي يحفظ أهل التوحيد والإيمان ، ويعصمهم من الهوى وشبهات الشيطان ، ويحول بين المرء وقلبه من الوقوع في العصيان ، ويهيأ الأسباب لتوفيقه إلى الطاعة والإيمان ، ويشهد لمثل هذه المعاني ما ثبت من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلمكان يدعو : (اللهم احفظني بالإسلام قائما ، واحفظني بالإسلام قاعدا واحفظني بالإسلام راقدا ، ولا تشمت بي عدوا حاسدا ، اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك ، وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك).
والحفيظ أيضا هو الذي حفِظ السماواتِ والأرضَ بقدرته ، قال تعالى :(وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)[البقرة:255] ، فالله حفيظ لمخلوقاته يبقيها على حالها لغاياتها ، وينظم ترابط العلل بمعلولاتها ، وهو سبحانه يحفظ الأشياء بذواتها وصفاتها ، وقد ذكر أبو حامد الغزالي أن الحفظ في ذلك على وجهين :
الوجه الأول : إدامة وجود الموجودات وإبقاؤها ، ويضاده الإعدام ، والله تعالى هو الحافظ للسماوات والأرض والملائكة والموجودات التي يطول أمد بقائها والتي لا يطول أمد بقائها ، مثل الحيوانات والنبات وغيرهما .
الوجه الثاني : أن الحفظ صيانة المتقابلات المتضادات بعضها عن بعض ، كالتقابل بين الماء والنار ، فإنهما يتعاديان بطباعهما ، فإما أن يطفئ الماء النار ، وإما أن تحيل النار الماء إلى بخار ، وقد جمع الله عز وجل بين هذه المتضادات المتنازعة في سائر العناصر والمركبات ، وسائر الأحياء كالإنسان والنبات والحيوان ، ولولا حفظه تعالى لهذه الأسباب وتنظيم معادلاتها ، وارتباط العلل بمعلولاتها ، لتنافرت وتباعدت وبطل امتزاجها واضمحل تركيبها ، وهذه هي الأسباب التي تحفظ الإنسان من الهلاك وتؤمن له بحفظ الله الحياة.
(59) المجيد :
المجيد في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعيل ، فعله مجد يمجد تمجيدا ، والمجيد هو الكريم الفِعَال ، وقيل : إذا قارن شرف الذات حسن الفعال سُمِّيَ مَجدا ، وفعيل أبلغ من فاعل ، فكأنه يجمع معنى الجليل والوهّاب والكريم ، والمَجْدُ المُرُوءةُ والكرمُ والسخاءُ والشرف والفخر والحسب والعزة والرفعة ، والمَجْدُ أيضا الأَخذ من الشرف والسُّؤْدَد ما يكفي ، وأَمجَدَه ومَجَّده كلاهما عظمَه وأَثنى عليه ، وتماجَدَ القومُ فيما بينهم ذكَروا مَجْدَهم ، والله عز وجل وصف كتابه بالمجيد فقال :(ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ)[قّ:1] ، لأن القرآن كلام الله غير مخلوق ، وصفة الكلام من صفاته العليا فالقرآن كريم فيه الإعجاز والبيان ، وفيه روعة الكلمات والمعان ، وفيه كمال السعادة للإنسان ، فهو كتاب مجيد عظيم رفيع الشأن.
والمجيد سبحانه هو الذي علا وارتفع بذاته ، وله المجد في أسمائه وصفاته وأفعاله فمجد الذات الإلهية بيِّن في جمال الله وسعته وعلوه واستوائه على عرشه فعند مسلم من حديث عبد الله بْنِ مَسْعُودٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إِنّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ) ، وروى أيضا من حديث أَبِي مُوسَى أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ) ، وكيفية جمال الذات أو كيفية ما هو عليه أمر لا يدركه سواه ولا يعلمه إلا الله ، وليس عند المخلوقين منه إلا ما أخبر به عن نفسه من كمال وصفه وجلال ذاته وكمال فعله ، ومِن مجد ذاته استواؤه على عرشه ؛ فهو العلي بذاته على خلقه ، يعلم السر وأخفى في ملكه وهو القائم عليهم والمحيط بهم قال تعالى :(الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى)[طه:5] ، وقد ثبت أن العرش أعلى المخلوقات ، وأنه فوق الماء ، وأن الماء فوق السماء ، والله عز وجل فوق ذلك محيط بالخلائق ويعلم ما هم عليه ، روى البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ).
وقد ذكر الله في كمال مجده اختصاص الكرسي بالذكر دون العرش في أعظم آية في كتابه فقال سبحانه :(وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)[البقرة:255] ، والكرسي كما فسره السلف الصالح ما يكون تحت قدم الملك عند استوائه على عرشه ، وقد بين الله من كمال وصفه وسعة ملكه لمن أعرض عن طاعته وتوحيده في عبادته أن ملك من أشركوا به لو بلغ السماوات السبع والأرضون وما فيهن وما بينهن على عرضهن ومقدارهن وسعة حجمهن لا يمثلن شيئا في الكرسي الذي تحت قدم الملك ، فما بالك بعرشه ومجده ؟ وما بالك باتساع ملكه ؟ وعلى الرغم من ذلك لا يَئُودُهُ حِفظُهُمَا ، فهو الذي يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا ، لأنه لا يقوى غيره على حفظهن وإدارتهن حتى لو ادعى لنفسه ملكهن ، فالله من حلمه على خلقه أمسكهن بقدرته وأبقاهن لحكمته ، ولذلك قال تعالى :(إنَّ الله يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) [فاطر:41] ، وقد ورد عند ابن حبان وصححه الألباني من حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة) ، وصح عن ابن عباس موقوفا أنه قال : (الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى).
أما مجد أوصافه فله علو الشأن فيها ، لا سمي له ولا نظير ولا شبيه له ولا مثيل فالمجد وصف جامع لكل أنواع العلو التي يتصف بها المعبود فهو العلي العظيم ، لأن أي معبود سواه إذا علا مجده بعض الخلق وغلب على العرش واستقر له الملك فإنه مسلوب العظمة في علوه المحدود ، إما لمرضه أو نومه ، أو قدوم أجله ، أو غلبة غيره على ملكه أو غير ذلك من أنواع الضرورة والقيود ، فأي عظمة في علو المخلوق وهو يعلم أن قدرته محدودة وأيامه معدودة ؟ أيستحق المخلوق أن يكون معبودا من دون الله ؟ فما بالنا بمجد رب العزة والجلال الذي له العلو والكمال والعظمة والجمال في جميع الأسماء والصفات والأفعال ، له علو الشأن والقهر والفوقية ، وعظمته في علوه عظمة حقيقية فهو المجيد حقا وصدقا ، ومجد الظالمين زورا وإفكا ، وأي عاقل سيقر بمجد أفعاله وبالغ كرمه وإنعامه ، وجوده وإحسانه ، فهو الذي أوجد المخلوقات وحفظها وهداها ورزقها فسبحان المجيد في ذاته وصفاته وأفعاله قال تعالى :( فَتَعَالَى الله المَلِكُ الحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ)[المؤمنون:116] ، وقال أيضا :( سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُون)[الزخرف:82].
(60) الفتاح :
الفتاح في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعال من اسم الفاعل الفاتح ، فعله فَتَحَ يَفْتَح فَتْحاً ، والفَتْحُ نقيض الإِغلاق ، قال تعالى :(إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ )[الأعراف:40] ، والمعنى أن أَبواب السماء تغلق أمام أرواحهم ، فلا تَصْعَدُ أَرواحُهم ولا أَعمالهم بعكس المؤمنين ، والمفتاح كلُّ ما يُتَوَصَّل به إلى استخراج الْمْغلقاَت التي يَتَعذَّر الوُصُول إليها ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْكَلِمِ ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ ، وَبَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ الْبَارِحَةَ إِذْ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ حَتَّى وُضِعَتْ في يَدِي) ، فأخْبر صلى الله عليه وسلم أنه أوتيَ مَفاتِيحَ الكَلِم وهو ما يَسَّر الله له من البَلاغة والفصاحة والوُصول إلى غوامض المعاني وبدائع الحِكَم ومَحاسِن العِبارات والألفاظ التي أُغلِقت على غيره ، ومَن كان في يَده مفَاتيح شيء سَهُلَ عليه الوصول إليه ، والفتَّاحُ في اللغة أيضا هو الحاكِمُ يقال للقاضي الذي يحكم بين الناس فَتَّاحُ لأَنه يَفْتُحُ مواضع الحق.
والفتَّاح سبحانه هو الذي يفتح أبواب الرَّحْمة والرزق لعباده أجمعين أو يفتح أبواب البلاء لامتحان المؤمنين الصادقين ، فمن الأول ما ورد في قوله تعالى :(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[الأعراف :96] ، وقوله :(مَا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[فاطر :2] ، قيل معناه ما يأْتيهم به الله من مطر أَو رزق فلا يقدر أَحد أَن يمنعه ، وما يمسك من ذلك فلا يقدر أَحد أَن يرسله ، ومن الفتح بمعنى فتح البلاء والامتحان ما ورد في قوله تعالى :(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ)[الأنعام:44].
والفتاح هو الذي يحكم بين العباد فيما هم فيه يختلفون ، ومنه قوله تعالى :(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ)[الأعراف :89] ، وهو سبحانه الذي يفتح خزائن جوده وكرمه لعباده الطائعين ، ويفتح أبواب البلاء والهلاك على الكافرين المعاندين ، وهو الذي يَفتَحُ على خَلقِهِ ما انغلَقَ عليهم من أمورِهِم فيُيَسّرُها لهم فَضلا منه وكَرَمًا لأن خزائن السماوات والأرض بيده ، يفتح منها ما يشاء بحكمته ، وعلى ما قضاه في خلقه بمشيئته ، قال ابن القيم :
وكذلك الفتاح من أسمائه : والفتح في أوصافه أمران
فتح بحكم وهو شرع إلهنا : والفتح بالأقدار فتح ثان
والرب فتاح بذين كليهما : عدلا وإحسانا من الرحمن
العصامي
25-02-2010, 01:04 AM
(61) الشهيد :
الشهيد في اللغة صيغ مبالغة من اسم الفاعل الشاهد ، فعله شهد يشهد شهودا وشهادة ، والشهود هو الحضور مع الرؤية والمشاهدة ، وعند أبي داود وحسنه الألباني من حديث أُبَىِّ أنه قَالَ : ( صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا الصُّبْحَ ، فَقَالَ : أَشَاهِدٌ فُلاَنٌ قَالُوا : لاَ ، قَالَ أَشَاهِدٌ فُلاَنٌ ، قَالُوا لاَ ، قَالَ : إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلاَتَيْنِ أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَيْتُمُوهُمَا وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الرُّكَبِ).
والشهادة هي الإِخْبار بما شاهَدَه ، شَهِدَ فلان على فلان بحق فهو شاهد وشهيد فالشاهد يلزمه أن يُبَيِّنُ ما عَلِمَهُ على الحقيقة ، وعند البخاري من حديث أَبِي بَكْرَةَ أن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : (أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ، قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ : أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ ، فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ لاَ يَسْكُتُ).
والشهادة تأتي بمعنى الحكم كما ورد عند البخاري من حديث زيد بن ثابت أن أم العلاء رضي الله عنها قالت عند وفاة عثمان بن مظعون: ( رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ الهَ قَدْ أَكرَمَهُ ؟ فَقُلْتُ : بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ الله فَمَنْ يُكرِمُهُ الهُ .. الحديث).
والشهيد سبحانه هو الرقيب على خلقه أينما كانوا وحيثما كانوا ، حاضر شهيد أقرب إليهم من حبل الوريد ، يسمع ويرى وهو بالمنظر الأعلى وعلى العرش استوى فالقلوب تعرفه والعقول لا تكيفه ، وهو سبحانه فوق عرشه على الحقيقة ، وبالكيفية التي تناسبه ، وشهادته على خلقه شهادة إحاطة شاملة كاملة ، تشمل العلم والرؤية والتدبير والقدرة ، والشهيد أيضا هو الذي شهد لنفسه بالوحدانية والقيام بالقسط كما قال تعالى :(شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[آل عمران:19] ، وشهادة الله لنفسه بالوحدانية تضمنت عند السلف عدة مراتب ، قال ابن أبي العز : (وعبارات السلف في شهد تدور على الحكم والقضاء والإعلام والبيان والإخبار ، وهذه الأقوال كلها حق لا تنافي بينها ، فإن الشهادة تتضمن كلام الشاهد وخبره ، وتتضمن إعلامه وإخباره وبيانه ، فلها أربع مراتب ، فأول مراتبها علم ومعرفة واعتقاد لصحة المشهود به وثبوته ، وثانيها تكلمه بذلك وإن لم يعلم به غيره بل يتكلم بها مع نفسه ويتذكرها وينطق بها أو يكتبها ، وثالثها أن يعلم غيره بما يشهد به ويخبره به ويبينه له ، ورابعها أن يلزمه بمضمونها ويأمره به ، فشهادة الله سبحانه لنفسه بالوحدانية والقيام بالقسط تضمنت هذه المراتب الأربع ، علمه بذلك سبحانه وتكلمه به وإعلامه وإخباره لخلقه به وأمرهم وإلزامهم به) ، فالله شهيد يشهد بصدق المؤمنين إذا وحدوه ويشهد لرسله وملائكته وفوق كل شهادة شهادته لنفسه بالوحدانية ، وقد تقدم تفصيل ذلك في اسم الله المؤمن بما يغني عن الإعادة.
(62) المقدم :
المُقَدِّمُ في اللغة اسم فاعل ، فعله قدَّمَ يقَدَّم تقديما ، وعند البخاري من حديث ابن عباس مرفوعا : (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ) ، وعنده أيضا من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) ، والقَدَم كل ما قدّمْتَ من خير أو شر ، وتَقَدَّمَتْ لفُلان فيه قَدَمٌ ، أي تَقَدُّم في خير وشرٍّ ، والقَدَمُ والقُدْمةُ السَّبْقَةُ في الأمر ، قال تعالى :(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ)[يونس:2] ، ومعنى قدم صدق يعني عملاً صالحا قدّموه يقال : لفلان قَدَمُ صِدْقٍ أَي أَثرَة حَسَنة ، ويقول تعالى :(وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) [الحجر:24] ، قيل معناه لقد علمنا المستقدمين منكم في طاعة أو من يأْتي منكم أَولاً إِلى المسجد ومن يأْتي متأَخرا ، أو من يتقدم من الناس على صاحبه في الموت.
والمقدم سبحانه هو الذي يقدم ويؤخر وفق مشيئته وإرادته ، فالتقديم من أنواع التدبير الذي يتعلق بفعل الله في خلقه ، وهو على نوعين ، كوني وشرعي ، فالتقديم الكوني تقدير الله في خلقه وتكوينه وفعله كما ورد ذلك في قوله :(قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ)[يونس:49] ، وقوله تعالى :(قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ)[سبأ:30] ، وأيضا من التقديم المتعلق بالتدبير الكوني ، اصطفاء الحق لمن شاء من خلقه ، وتقديم بعض خلقه على بعضه ، بناء على حكمته في ابتلاء المخلوقات واصطفاء من شاء للرسالات كما قال تعالى :(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) [آل عمران:33] ، وقوله عن مريم :(وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ)[آل عمران:42] ، وقوله عن طالوت :(قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[البقرة:247] ، فهذا اصطفاء وتقديم يتعلق بالتدبير الكوني .
أما التقديم الشرعي فهو متعلق بمحبة الله لفعل دون فعل ، وتقديم بعض الأحكام على بعض لما تقتضيه المصلحة التي تعود على العباد ، كما في سنن النَسائي وصححه الألباني من حديث البَرَاءِ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : (إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَي الصَّفِّ الْمُقدَّمِ ، وَالمُؤَذّن يُغْفَرُ لَهُ بِمَدِّ صَوْتِهِ ، وَيُصَدِّقُهُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ رَطبٍ وَيَابِسٍ ، وَلَهُ مِثْل أَجْرِ مَنْ صَلَّى مَعَهُ) ، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لَوْ تَعْلَمُونَ أَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ لَكانَتْ قُرْعَةً) ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث أَنَسِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّر) ، ولا عبرة بمن ادعى أنه لا يرغب في التقدم إلى الصف الأول بحجة أن الناس يطلبون فيه الأجر وأن والعبادة الحق هي ما يكون بغير عوض أو مقابل ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أَسْرِعُوا بِالجِنَازَةِ ، فَإِن تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ ، وَإِن يَك سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكمْ).
فالمُقَدِّم سبحانه هو الذي يُقدِّم الأشياء ويَضَعها في مواضِعها على مقتضى الحكمة والاستحقاق ، فمن اسْتَحقّ التقديمَ قدّمه ومن استحق التأخير أخره ، والله تعالى أيضا هو المقدم الذي قدم الأحباء وعصمهم من معصيته ، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأنبياء تشريفا له على غيره ، وقدم أنبياءه وأولياءه على غيرهم ، فاصطفاهم ونصرهم وطهرهم وأكرمهم.
(63) المؤخر :
المؤخر في اللغة عكس المقدم ، فعله أخّر يؤخر تأخيرا ، والتأخر ضد التقدم ، ومنه ما ورد عند البخاري من حديث عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ : (فَتَبَسَّمَ رَسُول اللهِ وَقَالَ : أَخِّرْ عَنِّى يَا عُمَرُ) ، وعند البخاري من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو أَن النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما سئل عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلاَّ قَالَ افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ) ، وعند البخاري من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : ( كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا ، وَإِذَا زَاغَتْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ).
والمؤخْر سبحانه هو الذي يُؤخّر الأشياء فَيَضَعُها في مَواضعها ، إما تأخيرا كونيا كما ورد عند مسلم من حديث ابن مسعود أن أم حبيبة قالت : ( اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ الله وَبِأَبِي أَبِي سُفيَانَ وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم : قَدْ سَأَلتِ الله لآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ الله أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ).
وإما تأخيرا شرعيا كما ورد عند مسلم من حديث أَبِي عَطِيَّةَ أنه قَالَ : ( دَخَلْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْنَا : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَجُلاَنِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلاَةَ ، وَالآخَرُ يُؤَخِّرُ الإِفْطَارَ وَيُؤَخِّرُ الصَّلاَةَ ، قَالَتْ أَيُّهُمَا الَّذِي يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلاَةَ ؟ قَالَ : قُلْنَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُود ، قَالَتْ : كَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
والمؤخر أيضا هو الذي يؤخر العذاب بمقتضى حكمته ابتلاء لعباده لعلهم يتوبوا إليه قال تعالى : (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ)[النحل:61] وقال :(وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ)[إبراهيم:42] فالمؤخر هو المنزِلُ للأشياء منازلَها يقدِمُ ما يشاءُ بحكمته ويؤخرُ ما يشاء ، والفرق بين الآخر والمؤخر أن الآخر دل على صفة من صفات الذات والمؤخر دل على صفة من صفات الفعل.
(64) المليك :
المليك في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعيل فعله ملك يملك مِلكا ومُلكا ، وجمع المليك ملكاء ، والمليك هو المالك العظيم الملك ، ويكون بمعنى الملك ، وهو اسم يدل على العلو المطلق للمَلك في مُلكه ومِلكيته ، فله علو الشأن والقهر في وصف الملكية ، وله علو الشأن والفوقية في وصف الملك والاستواء على العرش ، قال أمية بن أبي الصلت :
لك الحمد والنعماء والفضل ربنا : ولا شيء أعلى منك جدا وأمجد
مليك على عرش السماء مهيمن : لعزته تعنو الوجوه وتسجد
والفرق بين المالك والملك والمليك ، أن المالك في اللغة صاحب المِلْك أو من له ملكية الشيء ولا يلزم أن يكون له المُلك ، فقد يؤثر الملك على المالك وملكيته فيحجر على ملكيته أو ينازعه فيها أو يسلبها منه ، أما الملك فهو أعم من المالك لأنه غالب قاهر فوق كل مالك ، فالملك من له الملكية والملك معا ، أو هو مالك الملك ، والمليك صيغة مبالغة في إثبات كمال الملكية والملك معا مع دوامها أزلا وأبدا ، فالمليك أكثر مبالغة من الملك ، والملك أكثر مبالغة من المالك ، قال ابن الجوزي : ( المليك هو المالك وبناء فعيل للمبالغة في الوصف ، ويكون المليك بمعنى الملك) ، فاسم الله المليك يشمل الأمرين معا الملكية والملك.
(65) المقتدر :
المقتدر اسم فاعل من اقتدر ، فعله اقتدر يقتدر اقتدارا ، والأصل قدَّر يقدر ، وقدَر يقدر قدرة ، والمقتدر مُفْتَعِل من اقْتَدَرَ ، وهو أكثر مبالغة من القادر والقدير ، قال ابن منظور : (المُقْتَدِر الوسط من كل شيء ، ورجل مُقْتَدِرُ الخَلْق أَي وَسَطُه ، ليس بالطويل والقصير) ، والمقتدر على الشيء هو المتمكن منه بإحاطة تامة وقوة والمهيمن عليه بإحكام كامل وقدرة ، قال البيهقي : ( المقتدر هو التام القدرة الذي لا يمتنع عليه شيء).
وقال المناوي : (المقتدر من الاقتدار وهو الاستيلاء على كل من أعطاه حظا من قدرته .. والمقتدر أبلغ من القادر لما في البناء من معنى التكلف والاكتساب ، فإن ذلك وإن امتنع في حقه تعالى حقيقة لكنه يفيد المعنى مبالغة).
والمقتدر سبحانه وتعالى هو الذي يقدِّر الأشياء بعلمه وينفذها بقدرته ، فالمقتدر يجمع دلالة اسم الله القادر واسمه القدير معا ، فاسم الله القادر هو الذي يقدر المقادير في علمه ، وعلمه المرتبة الأولى من قضائه وقدره ، والله عز وجل قدر كل شيء قبل تصنيعه وتكوينه ، ونظم أمور الخلق قبل إيجاده وإمداده ، فالقادر يدل على التقدير في المرتبة الأولى ، والقدير يدل على القدرة وتنفيذ المقدر في المرتبة الرابعة من مراتب القدر فالقدير هو الذي يخلق وفق سابق التقدير ، والقدر بدايته في التقدير ونهايته في القدرة وتحقيق المقدر ، أما المقتدر فيجمع وسطية الدلالة مع المبالغة ، وهذا ما دل عليه معناه في اللغة ، حيث جمع في دلالته بين اسم الله القادر والقدير معا فهو أبلغ منهما في الدلالة والوصف ، قال الله تعالى :(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً)[الكهف:45] ، أي مقتدرا على كل شيء من الأشياء يحييه ويفنيه بقدرته لا يعجز عن شيء ، وقال تعالى عن فرعون وقومه : (كَذَّبُوا بِآياتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ)[القمر:42] ، قال الزركشي : (واعلم أن اللفظ إذا كان على وزن من الأوزان ثم نقل إلى وزن آخر أعلى منه فلا بد أن يتضمن من المعنى أكثر مما تضمنه أولا ، لأن الألفاظ أدلة على المعاني فإذا زيدت في الألفاظ وجب زيادة المعاني ضرورة ومنه قوله تعالى :( فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ) فهو أبلغ من قادر لدلالته على أنه قادر متمكن القدرة لا يرد شيء عن اقتضاء قدرته ويسمى هذا قوة اللفظ لقوة المعنى).
امـ حمد
25-02-2010, 03:14 AM
جزاك الله خير اخوي
أبو روان
25-02-2010, 08:33 PM
جزاك الله خير
العصامي
03-03-2010, 03:14 PM
جزاك الله خير اخوي
وجزاك بمثله وبارك فيك ..
العصامي
03-03-2010, 03:15 PM
جزاك الله خير
وجزاك بمثله وبارك فيك ..
العصامي
04-03-2010, 07:01 AM
(66) المسعر :
المسعر في اللغة اسم فاعل من التسعير ، فعله سعر يسعر تسعيرا وتسعيرة ، يقال : أسْعَر أهل السوق وسَعَّرُوا إذا اتفقوا علي سِعْر ، وهو من سَعَّر النار إذا رفعها ، لأن السِّعْر يوصف بالارتفاع ، وسَعَرت النارَ إذا أوقدتَهما وسعَّرتها بالتشديد للمبالغة واسْتَعَرَتْ وتَسَعَّرَتْ اشتعلت واستوقدت ، ونار سَعِيرٌ يعني مستعرة ومرتفعة ، والسعير النار والسعار حر النار ومنه قوله : ( كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً ) [الإسراء:97] ، وكذلك قوله تعالي : ( وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ) [التكوير:12] ، وناقة مسعورة كأَن بها جنوناً من سرعتها وكلب مسعور من شدة نهشه وعضه في الناس ، أو مسعور بمعنى جوعان متلهف للطعام والالتهام .
والمسعر سبحانه هو الذي يزيد الشيء ويرفع من قيمته أو مكانته أو تأثيره في الخلائق ، فيقبض ويبسط وفق مشيئته وحكمته ، والتسعير وصف كمال في حقه وهو من صفات فعله وحكمه وأمره ولا اعتراض لأَحد من خلقه عليه ، فهو الذي يرخص الأشياء ويغليها وفق تديره الكوني أو ما أمر به العباد في تدبيره الشرعي ، قال عبد الرءوف المناوي : ( المسعر هو الذي يرفع سعر الأقوات ويضعها ، فليس ذلك إلا إليه وما تولاه الله بنفسه ولم يكله إلى عباده لا دخل لهم فيه).
والمسعر سبحانه هو الذي يسعر بعدله العذاب على أعدائه ، وهذا حقه من جهة تدبير الكوني حيث أوجد النار وزادها سعيرا على الكفار ، قال تعالى :(وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً) [الإسراء:97] ، وقال : ( وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرا ً) [الفتح:13] ، والمسعر أيضا هو الذي يتولى التعذيب بالنار في الدنيا ، وهذا من جهة تدبيره الشرعي فلا يعذب بالنار ، فعند أبي داود وصححه الألباني من حديث حمزة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره على سرية قال له : ( إِنْ وَجَدْتُمْ فُلاَنًا فَاحْرِقُوهُ بِالنَّارِ ، فَوَلَّيْتُ فَنَادَانِي فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ : إِنْ وَجَدْتُمْ فُلاَنًا فَاقْتُلُوهُ وَلاَ تُحْرِقُوهُ فَإِنَّهُ لاَ يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلاَّ رَبُّ النَّارِ).
(67) القابض :
القابض في اللغة اسم فاعل ، فعله قَبَضَه يَقْبِضُه قَبْضاً وقَبضة ، والقَبْضُ خِلافُ البَسْط وهو في حقنا جَمْعُ الكفّ على الشيء وهو من أوصاف اليد وفعلها ، والقبْضة ما أَخذت بِجُمْعِ كفِّك كله تقول : هذا قُبْضةُ كفِّي أَي قدر ما تَقْبضُ عليه ، قال السامري :(فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي )[طه:96] أَراد من تراب أَثر حافِر فرَس الرسول ، وعند مسلم من حديث إِيَاس بْن سَلَمَةَ عن أبيه أنه قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حُنَيْنًا .. إلى أن قال :
( فَلَمَّا غَشُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَزَلَ عَنِ الْبَغْلَةِ ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ مِنَ الأَرْضِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ بِهِ وُجُوهَهُمْ فَقَالَ : شَاهَتِ الْوُجُوهُ ، فَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْهُمْ إِنْسَانًا إِلاَّ مَلأَ عَيْنَيْهِ تُرَابًا بِتِلْكَ الْقَبْضَةِ فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ) ، والقبض قد يأتي بمعنى تأخير اليد وعدم مدها أو على المعنى المعاكس وهو تناولك للشيءِ بيدك مُلامَسةً كما ورد عند النسائي وحسنه الألباني من حديث عَائشَة رضي الله عنها أَنَّ امْرَأَةً مَدَّتْ يَدَهَا إِلَى النَّبِيِّ s بِكِتَابٍ فَقَبَضَ يَدَهُ فَقَالَتْ : ( يَا رَسُولَ اللَّهِ مَدَدْتُ يَدِي إِلَيْكَ بِكِتَابٍ فَلَمْ تَأْخُذْهُ فَقَالَ : إِنِّي لَمْ أَدْرِ أَيَدُ امْرَأَةٍ هِيَ أَوْ رَجُلٍ قَالَتْ : بَلْ يَدُ امْرَأَةٍ ، قَالَ : لَوْ كُنْتِ امْرَأَةً لَغَيَّرْتِ أَظْفَارَكِ بِالْحِنَّاءِ ) ، وقَبَضْتُ الشيءَ قبْضاً يعني أَخذته ، والقَبْضُ قَبُولُكَ المَتاعَ وإِن لم تُحَوِّلُه من مكانه والقبض أيضا تَحْوِيلُكَ المَتاعَ إِلى حَيِّزِك ، وصار الشيءُ في قَبْضِتي أَي في مِلْكِي ، وقبِضَ المريضُ إِذا تُوفِّيَ أو أَشرف على الموت وعند البخاري من حديث أُسَامَةُ قال : ( أَرْسَلَتِ ابْنَةُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِ إِنَّ ابْنًا لي قُبِضَ فَائْتِنَا ) ، أَرادت أَنه في حال القَبْضِ ومُعالجة النَّزْع ، وتَقَبَّضت الجلدةُ في النار أَي انْزَوَتْ ، وقال تعالى في وصف المنافقين : ( وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ) [التوبة:67] ، أَي عن النفقة والصدقة فلا يُؤْتون الزكاة.
والقابِضُ سبحانه هو الذي يمسك الرزق وغيره من الأشياء عن العِبادِ بلطفه وحِكمته ، ويَقبِضُ الأَرْواحَ عند المَمات بأمره وقدرته ، ويُضَيِّقُ الأسباب على قوم ويُوَسِّع على آخرين ابتلاء وامتحانا ، وقبضه تعالى وإمساكه وصف حقيقي لا نعلم كيفيته ، نؤمن به علي ظاهره وحقيقته ، لا نمثل ولا نكيف ، ولا نعطل ولا نحرف ، فالإيمان بصفات الله فرع عن الإيمان بذاته والقول في صفاته كالقول في ذاته لأننا ما رأينا الله تعالى وما رأينا لذاته مثيلا ، فهو أعلم بكيفية قبضه وبسطه أو إمساكه وأخذه ، ولا داعي للتأويل الذي انتهجه المتكلمون بكل سبيل ، فنؤمن بما أخبر الله بلا تمثيل ولا تعطيل ، وعلى هذا اعتقاد السلف في جميع الصفات والأفعال ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وقد تواتر في السنة مجيء اليد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، فالمفهوم من هذا الكلام أن لله تعالى يدين مختصتان به ذاتيتان له كما يليق بجلاله ، وأنه سبحانه خلق آدم بيده دون الملائكة وإبليس ، وأنه سبحانه يقبض الأرض ويطوى السموات بيده اليمنى وأن يداه مبسوطتان ).
قال تعالى :( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَي عَمَّا يُشْرِكُونَ ) [الزمر:67] ، وورد عند أبي داود وصححه الألباني من حديث أَبُي مُوسَى أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الأَرْضِ ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الأَرْضِ ، جَاءَ مِنْهُمُ الأَحْمَرُ وَالأَبْيَضُ وَالأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ ، وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ ) .
(68) الباسط :
الباسط اسم فاعل فعله بسَط يبسُط بَسطا ، والبَسْطُ نقيض القَبْضِ وأَرض مُنْبَسطة مستويَة وانبسَط الشيء على الأَرض امتد عليها واتسع ، وتبَسَّط في البلاد أَي سار فيها طولاً وعَرْضاً ، وبَسِيطُ الوجهِ يعني مُتَهَلِّلٌ ، والبَسِيطُ هو الرجل المُنبَسِط اللسان وبسَط إِليَّ يده بما أُحِبّ وأَكره ، بسطُها يعني مَدُّها وفي الآية :( لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ ) [المائدة:28] ، وبسط الكف يستعمل على أنواع فتارة للطلب نحو قول الله تعالى : ( لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ ) [الرعد:14] وتارة للأخذ نحو قوله : ( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ) [الأنعام:93] ، وتارة للصولة والضرب كما قال تعالى : ( وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ) [الممتحنة:2] ، وتارة للبذل والعطاء نحو قوله : ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ) [المائدة:64] ، وبسط اليد في حقنا معلوم المعنى والكيفية أما في حق الله فمعلوم المعنى مجهول الكيفية .
الباسِطُ سبحانه هو الذي يَبْسُط الرزق لعباده بجُوده ورحمته ، ويوسعه عليهم ببالغ كرمه وحكمته ، فيبتليهم بذلك على ما تقتضيه مشيئته ، فإن شاء وسع وإن شاء قتر فهو الباسط القابض ، فإن قبض كان ذلك لما تقتضيه حكمته الباهرة لا لشيء آخر فإن خزائن ملكه لا تفنى ومواد جوده لا تتناهى كما قال تعالى : ( لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )[الشورى:12] ، وقال :( وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ)[الشورى:27].
والباسط سبحانه أيضا هو الذي يبسط يده بالتوبة لمن أساء ، وهو الذي يملي لهم فجعلهم بين الخوف والرجاء ، روى مسلم من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ).
وبعض أهل العلم أوجب عدم إطلاق الباسط إلا مقارنا للقابض وألا يفصل بينهما لأن كمال القدرة لا يتحقق إلا بهما معا ، وهذا الكلام فيه نظر لأن أسماء الله كلها حسنى وكلها تدل على الكمال ، وكل واحد منها يفيد المدح والثناء على الله بنفسه كما أن الأسماء الحسنى لا تخلو من التقييد العقلي بالممكنات ، فالقبض مقيد بما يشاء الله قبضه والبسط كذلك ، ولذلك إذا صرح النص بالتقييد ذكر الوصف فيه مفردا كما في قوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً ) [الفرقان:46] ، فالقبض في الآية مقيد بالظل ، وإطلاق القابض أيضا مقيد بالممكنات ، وهكذا في سائر الأسماء ودلالتها على التقييد بالمفعولات ، وقال تعالى في البسط :( وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ ) [الشورى:27] ، فالبسط مقيد في الآية بالرزق ، فاسما الله القابض والباسط كل منهما يفيد المدح والثناء بنفسه ، وإن ذكرا مقترنين زادت دلالة الكمال في وصف رب العزة والجلال ، كما هو الحال عند اقتران الحي مع القيوم ، والرحمن مع الرحيم والغني مع الكريم ، والقريب مع المجيب وغير ذلك من أسماء الله ، فالقول بوجوب ذكر الاسمين معا فيه نظر وإن كان مستحسنا.
(69) الرازق :
الرازق في اللغة اسم فاعل ، فعله رَزَقَ يرزُق رَزْقاً ورِزْقاً ، والرِّزْقُ هو ما يُنْتَفعُ به وجمعه أَرْزاق ، والرزق هو العَطاء ، واسْتَرْزَقه يعني طلب منه الرِّزق ، وقد يسمى المطر رزقاً لأَن الرِّزْق يكون على أثره ، ومعنى قول الله تعالى : ( وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ) [الواقعة:82] أَي شُكرَ رزقكم مثل قولهم : مُطِرنا بنَوْءِ الثريا أو بنوء كذا وكذا ، والأَرزاقُ نوعان : ظاهرة كالأَقوات للأَبدان ، وباطنة كالمَعارف والإيمان للقلوب والنُّفوس .
والرازِقُ سبحانه هو الذي يرزق الخلائق أَجمعين ، وهو الذي قدر أرزاقهم قبل خلق العالمين ، وهو الذي تكفل باستكمالها ولو بعد حين ، فلن تموت نفس إلا باستكمال رزقها كما أخبرنا الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم ، روى ابن ماجة وصححه الألباني من حديث جَابِرِ أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال : ( أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِىَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا ، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ ) ، ومن حديث أبي أمامة أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله ، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته ) ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ َ) [فاطر:3] ، فالرازق اسم يدل على وصف الرزق المقارن للخلق في التقدير الأزلي والميثاقي ، فالله سبحانه قدر خلقهم ورزقهم معا قبل وجودهم ، وكتب أرزاقهم في الدنيا والآخرة قبل إنشائهم ، فالرزق وصف عام يتعلق بعموم الكون في عالم الملك والملكوت .
قال ابن تيمية : ( والرزق اسم لكل ما يغتذى به الإنسان وذلك يعم رزق الدنيا ورزق الآخرة .. فلابد لكل مخلوق من الرزق ، قال الله تعالى : ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا)[هود:6] ، حتى إن ما يتناوله العبد من الحرام هو داخل في هذا الرزق ، فالكفار قد يرزقون بأسباب محرمة ويرزقون رزقا حسنا ، وقد لا يرزقون إلا بتكلف ، وأهل التقوى يرزقهم الله من حيث لا يحتسبون ، ولا يكون رزقهم بأسباب محرمة ولا يكون خبيثا ، والتقى لا يحرم ما يحتاج إليه من الرزق ، وإنما يحمى من فضول الدنيا رحمة به وإحسانا إليه ، فإن توسيع الرزق قد يكون مضرة على صاحبه ، وتقديره يكون رحمة لصاحبه ).
(70) القاهر :
القاهر في اللغة اسم فاعل للموصوف بقهر غيره ، فعله قهر يقهر قهرا ، وقهرت الشيء غلبته وعلوت عليه مع إذلاله بالاضطرار ، تقول : أَخَذتُهُم قهْرا أَي من غير رضاهم ، وأقهِرُ الرجُل إذا وجَدْتَه مَقهورا ، أو صار أمرُه إلى الذل والصغار والقهر وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث أَبِى هُرَيْرَة مرفوعا في شأن يأجوج ومأجوج : ( فَيَقُولُونَ قَهَرْنَا مَنْ فِي الأَرْضِ وَعَلَوْنَا مَنْ فِي السَّمَاءِ قَسْوَةً وَعُلُوًّا ) ، وروى أحمد وصححه الألباني من حديث أَبِي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( وَلَمْ يَعْمَلْ يَوْمَئِذٍ عَمَلاً يَقْهَرُهُنَّ .. الحديث ).
والقاهر سبحانه هو الغالِب على جميع الخلائق على المعنى العام ، الذي يعلو في قهره وقوته فلا غالب ولا منازع له ، بل كل شيء تحت قهره وسلطانه ، قال تعالى : ( مَا اتَّخَذ الله مِنْ وَلد وَمَا كان مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذا لذهَبَ كل إِلهٍ بِمَا خَلقَ وَلعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفون َ) [المؤمنون:91] ، فيستحيل أن يكون لهذا العالم إلا إله واحد لأن الله قاهر فوق عباده له العلو والغلبة ، فلو فرضنا وجود إلهين اثنين مختلفين ومتضادين وأراد أحدهما شيئا خالفه الآخر ، فلا بد عند التنازع من غالب وخاسر ، فالذي لا تنفذ إرادته هو المغلوب العاجز ، والذي نفذت إرادته هو القاهر القادر ، والله عز وجل قال عن نفسه :( وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ )[الأنعام:61] ، أي هو الذي قهر كل شيء ، وخضع لجلاله كل شيء ، وذل لعظمته وكبريائه كل شيء ، وعلا علي عرشه فوق كل شيء ، قال ابن جرير : ( ويعني بقوله القاهر أي المذلل المستعبد خلقه العالي عليهم ، وإنما قال فوق عباده لأنه وصف نفسه تعالى بقهره إياهم ومن صفة كل قاهر شيئا أن يكون مستعليا عليه ، فمعنى الكلام إذا : والله الغالب عباده المذل لهم العالي عليهم بتذليله لهم وخلقه إياهم ، فهو فوقهم بقهره إياهم وهم دونه ).
كازانوفا
09-03-2010, 08:13 AM
اللهم ارزقنى جنة الفردوس الاعلي يار ب العالمين
اشكرك اخوي العصامي
وجزاك الله خير الجزاااء
العصامي
10-03-2010, 06:36 AM
اللهم ارزقنى جنة الفردوس الاعلي يار ب العالمين
اشكرك اخوي العصامي
وجزاك الله خير الجزاااء
اللهم آمين ..
وجزاك بمثله وبارك فيك ..
العصامي
10-03-2010, 07:04 AM
(71) الديان :
الديان صيغة مبالغة على وزن فعال فعله دَان يدين دينا ، يقال : دنتهم فدانوا
أي جازيتهم وحاسبتهم وقهرتهم فأطاعوا ، والديان يطلق على
الملك المطاع والحاكم والقاضي ، وهو الذي يدين الناس إما
بمعنى يقهرهم وإما بمعنى يحاسبهم ، فمن الأول دان الرجل
القوم إذا قهرهم فدانوا له إذا انقادوا ، ومن الثاني الديان بمعنى
المحاسب المجازي ، قال خويلد بن نوفل الكلابي للحارث الغساني وكان ملكا ظالما :
يا أيها الملك المخوف أما ترى : ليلا وصبحا كيف يختلفان
هل تستطيع الشمس أن تأتي بها : ليلا وهل لك بالمليك يدان
يا حار أيقن أن ملكك زائل : واعلم بأن كما تدين تدان
والدين الجزاء ومالك يوم الدين أي يوم الجزاء ، وقوله تعالى
عن الكافرين :( أئذا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ )[الصافات:53]
أي مجزيون محاسبون ، وقوله :( فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )[الواقعة:86/87]
أي مقهورين ومدبرين ومجزيين ، وقد يكون الديان بمعني
صاحب الديوان وهو الكتاب الحافظ للأعمال والحقوق ومنه ما رواه أحمد
والحاكم من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : ( الدَّوَاوِينُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَلاَثَةٌ : دِيوَانٌ لاَ يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ شَيْئاً
وَدِيوَانٌ لاَ يَتْرُكُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئاً ، وَدِيوَانٌ لاَ يَغْفِرُهُ اللهُ ).
والديان سبحانه هو الذي دانت له الخليفة ، وعنت له الوجوه ، وذلت
لعظمته الجبابرة وخضع لعزته كل عزيز ، ملك قاهر على عرش السماء
مهيمن ، لعزته تعنو الوجوه وتسجد ، يرضى على من يستحق الرضا
ويثيبه ويكرمه ويدنيه ، ويغضب على من يستحق الغضب ويعاقبه ويهينه
ويقصيه ، فيعذب من يشاء ، ويرحم من يشاء ويعطي من يشاء ، ويمنع
من يشاء ، ويقرب من يشاء ، ويقصي من يشاء ، له دار البقاء ، دار
عذاب أليمة وهي النار ، ودار سعادة عظيمة وهي الجنة ، فهو الديان
الذي يدين العباد أجمعين ويفصل بينهم يوم الدين ، كتب أعمالهم فهي
حاضرة ، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أظهرها لهم في
الآخرة ، قال تعالى :( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ
وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا
وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً )[الكهف:49] ، وقال : (يَوْمَئِذٍ
يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ )[النور:25] .
قال ابن القيم في معنى يوم الدين : ( يوم يدين الله العباد بأعمالهم ، إن خيرا
فخيرا وإن شرا فشرا ، وذلك يتضمن جزاءهم وحسابهم).
(72) الشاكر :
الشاكر اسم فاعل للموصوف بالشكر ، فعله شكر يشكر شكرا ، والشكر هو الثناء الجميل على الفعل
الجليل ، ومجازاة الإحسان بالإحسان ، روى أحمد وصححه
الألباني من حديث صحيح أبي سعيد الخدري : ( أن عمر بن الخطاب رضي
الله عنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله : رأيت
فلانا يشكر ، يذكر أَنَّك أَعْطَيْتَهُ دِينَارَيْنِ ، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : لكن فلانا قَدْ أَعْطَيْتُهُ مَا بَيْنَ الْعَشَرَةِ إِلَى الْمِائَةِ
فما شكر ، وَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَسْأَلُنِي الْمَسْأَلَةَ فَأُعْطِيهَا إِيَّاهُ فَيَخْرُجُ بِهَا
مُتَأَبِّطُهَا وَمَا هي لَهُمْ إِلاَّ نَارٌ ، قَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ الله فَلِمَ تُعْطِيهِمْ ؟
قَالَ : إِنَّهُم يَأْبَوْن إِلاَّ أَنْ يَسْأَلُونِي وَيَأْبَى اللهُ لِيَ الْبُخْلَ).
والشكور أبلغ من الشاكر وهو المبالغ في الشكر بالقلب واللسان
والجوارح ، قال عبد الرءوف المناوي : ( الشكور الباذل وسعه
في أداء الشكر بقلبه ولسانه وجوارحه اعتقادا واعترافا ، وقيل
الشاكر من يشكر على الرخاء والشكور على البلاء ، والشاكر
من يشكر على العطاء ، والشكور من يشكر على المنع).
والله سبحانه شاكر يجازي العباد على أعمالهم ، ويزيد من فضله
أجورهم ، فيقابل شكرهم بزيادة النعم في الدنيا وواسع الأجر في
الآخرة قال تعالى :( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكفُرُون ِ)[البقرة:152]
وقال : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ
عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم:7] ، وروى البخاري من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي
الله عنه أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( لاَ يَدْخُلُ أَحَدٌ الْجَنَّةَ إِلاَّ
أُرِىَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ لَوْ أَسَاءَ لِيَزْدَادَ شُكْرًا وَلاَ يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ إِلاَّ
أُرِىَ مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ لَوْأَحْسَنَ لِيَكُونَ عَلَيْهِ حَسْرَةً ).
والله سبحانه شاكر يرضى بأعمال العباد وإن قلت تكريما لهم ودعوة
للمزيد ، مع أنه سبحانه قد بين لهم ما لهم من وعد أو وعيد ، لكنه
شاكر يتفضل بمضاعفة الأجر ويقبل التوبة ويمحو ما يشاء من الوزر ، والله
غني عنا وعن شكرنا لا يفتقر إلى طاعتنا أو شيء من أعمالنا لكنه يمدح
من أطاعه ويثني عليه ويثيبه ، قال تعالى :( مَا يَفْعَل اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ
وَآمَنْتُمْ وَكَانَ الله شَاكِرا عَلِيما)[النساء:147] .
قال البيضاوي في تفسير الآية : ( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ، أيتشفى
به غيظا ، أو يدفع به ضررا ، أو يستجلب به نفعا وهو الغني المتعالي عن
النفع والضر وإنما يعاقب المصر بكفره .. وكان الله شاكرا مثيبا يقبل
اليسير ويعطي الجزيل عليما بحق شكركم وإيمانكم).
(73) المنان :
المنان في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعال ، فعله مَنَّ يَمُنُّ مَنّا ، يعني قطعه وذهب به ، والمَنِينُ
الحبل الضعيف ، وحَبل مَنينٌ إِذا أَخْلقَ وتقطع ، ورجل مَنِينٌ أَي
ضعيف ، يقال : كأَنَّ الدهر مَنَّه وذهب بمُنَّته أَي بقوته ، والمَنُون
الموت لأَنه يَمُنُّ كل شيء فيضعفه وينقصه ويقطعه ، وعليه
جاء قوله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ)[الطور:30]
ومَنَّ عليه أَحسن وأنعم عليه ، وقوله عز وجل :(وَإِن لَك لأَجْرا غَيْرَ مَمْنُونٍ)[القلم:3]
أي غير محسوب أو غير مقطوع أو غير منقوص.
قال الراغب الأصفهاني : ( المنة النعمة الثقيلة ، ويقال ذلك على وجهين : أحدهما
أن يكون ذلك بالفعل ، فيقال : منَّ فلان على فلان إذا أثقله بالنعمة ، وعلى
ذلك قوله : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)[آل عمران:164] ، .. وذلك على
الحقيقة لا يكون إلا لله تعالى ، والثاني : أن يكون ذلك بالقول ، وذلك مستقبح
فيما بين الناس إلا عند كفران النعمة ، ولقبح ذلك قيل : المنة تهدم
الصنيعة ، ولحسن ذكرها عند الكفران قيل : إذا كفرت النعمة حسنت
المنة ، وقوله :( يَمُنُّونَ عَلَيْك أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ
اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ للإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )[الحجرات:17] ، فالمنة
منهم بالقول ومنة الله عليهم بالفعل وهو هدايته إياهم كما ذكر ).
والمنان سبحانه هو العظيم الهبات الوافر العطايا ، الذي يُنْعِمُ غيرَ فاخِرٍ
بالإِنعام والذي يبدأ بالنوال قبل السؤال ، وهو المُعْطي ابتداء
وانتهاء ، قال تعالى :( وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا
إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)[النحل:18] ، فلله المِنَّة على عباده ولا مِنَّة لأَحد عليه
فهو المحسن إلي العبد والمنعم عليه ، ولا يطلب الجزاء في إحسانه
إليه بل أوجب بفضله لعباده حقا عليه ، منة منه وتكرما إن هم وحدوه
في العبادة ولم يشركوا به شيئا .
روى البخاري من حديث مُعَاذٍ بن جبل رضي الله عنه قال : كُنْتُ
رِدْفَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ ، فَقَالَ : ( يَا مُعَاذُ
هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ؟ قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَعْلَمُ ، قَالَ : فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَحَقَّ
الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَفَلاَ
أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ ؟ قَالَ : لاَ تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا).
(74) القادر :
القادر في اللغة اسم فاعل من قَدَر يَقْدِر فهو قادر ، يقال قَدَرْت الأمْر أقْدُرُه
وأقدِّرُه إذا نَظَرتَ فيه ودَبَّرتَه ، وقدْرُ كل شيء ومِقْدارُه
مِقْياسه ، وقَدَرَ الشيءُ بالشيء وقَدَّرَه قاسَه ، والتقدير
على وجوه من المعاني ، أَحدها : التروية والتفكير في تسوية
أَمر وتهيئته والثاني : تقديره بعلامات يقطعه عليها ، والثالث : أَن تَنْوِيَ
أَمرا بِعَقدِك تقول قدَّرْتُ أَمر كذا وكذا أَي نويتُه وعَقدْتُ عليه ، ويقال قدَرْتُ
لأَمْرِ كذا أَقدِرُ له إِذا نظرت فيه ودَبَّرْتَه وقايسته.
والقادر سبحانه وتعالى هو الذي يقدر المقادير في علمه ، وعلمه المرتبة الأولى من قضائه وقدره ، فالله عز وجل قدر كل شيء قبل تصنيعة وتكوينه ، ونظم أمور الخلق قبل إيجاده وإمداده ثم كتب في اللوح هذه المعلومات ودونها بالقلم في كلمات ، وكل مخلوق مهما عظم شأنه أو قل حجمه كتب الله ما يخصه في اللوح المحفوظ ، ثم يشاء بحكمته وقدرته أن يكون الأمر واقعا على ما سبق في تقديره ، ولذلك فإن القدر عند السلف مبني على التقدير والقدرة ، فبدايته في التقدير وهو علم حساب المقادير ، أو العلم الجامع التام لحساب النظام العام الذي يسير عليه الكون من بدايته إلى نهايته ، قال تعالى :(وَإِنْ منْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) [الحجر:21] ، وقال أيضا :(وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً)[الأحزاب:38] ، وقال سبحانه : (إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) [الطلاق:3] ، وعند مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال : ( كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الخَلائِقِ قَبْل أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلفَ سَنَةٍ ، وَعَرْشُهُ عَلى المَاءِ)، وفي رواية الترمذي : ( قَدَّرَ اللهُ المَقَادِيرَ قَبْل أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلفَ سَنَةٍ ) ، فالقادر هو الذي قدر المقادير قبل الخلق والتصوير ، والقادر دلالته تتوجه إلى المرتبة الأولى من مراتب القدر ، وهي العلم والتقدير وإمكانية تحقيق المقدر ، ولذلك قال تعالى :(أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ )[يس:81] ، وقال سبحانه أيضا :(فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ )[المعارج:40/41] ، فالآيات تتعلق بإمكانية تحقيق المقدر ، وقال أيضا :(وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ )[المؤمنون:95] .
العصامي
14-03-2010, 05:34 PM
جزاك الله كل خير
وجزاك بمثله وبارك فيك ..
العصامي
21-03-2010, 05:37 PM
(75) الخلاق :
الخلاق صيغة مبالغة على وزن فعال من اسم الفاعل الخالق ، فعله خلق يخلق خلقا والفرق بين الخالق والخلاق أن الخالق هو الذي ينشئ الشيء من العدم بتقدير وعلم ثم بتصنيع وخلق عن قدرة وغنى ، أما الخلاق فهو الذي يبدع في خلقه كما وكيفا فمن حيث الكم يخلق ما يشاء كما قال : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرا)[النساء:133] ، وقال : (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ)[الأنعام:133] وأما من حيث الكيف فقال تعالى :(وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُون َ)[النمل:88] ، وقال :(خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)[التغابن:3] ، وقال :(وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُون َ)[النحل:8] ، فالخلاق هو الذي يبدع في خلقه كما وكيفا بقدرته المطلقة ، فيعيد ما خلق ويكرره كما كان ، بل يخلق خلقا جديدا أحسن مما كان ، وفي هذا رد على الذين قالوا ليس في الإمكان أبدع مما كان ، لأن ذلك ينافي معنى اسمه الخلاق ، صحيح أن الله أحسن وأتقن كل شيء خلقه كما قال :(الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِنْ طِينٍ)[السجدة:7] لكن قدرة الله مطلقة فهو الخالق الخلاق كما أنه الرازق الرزاق .
قال ابن تيمية فيمن قال ليس في الإمكان أبدع من هذا العالم ، لأنه لو كان كذلك ولم يخلقه لكان بخلا يناقض الجود أو عجزا يناقض القدرة : (لا ريب أن الله سبحانه يقدر على غير هذا العالم وعلى إبداع غيره إلى ما لا يتناهى كثرة ويقدر على غير ما فعله كما بين ذلك في غير موضع من القرآن ، وقد يراد به – يعني قول القائل ليس في الإمكان - أنه ما يمكن أحسن منه ولا أكمل منه ، فهذا ليس قدحا في القدرة ، بل قد أثبت قدرته على غير ما فعله ، لكن قال ما فعله أحسن وأكمل مما لم يفعله ، وهذا وصف له سبحانه بالكرم والجود والإحسان ، وهو سبحانه الأكرم فلا يتصور أكرم منه سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا )، ويذكر ابن القيم أن براهين المعاد في القرآن مبينة على ثلاثة أصول :
أحدها : تقرير كمال علم الرب سبحانه كما قال في جواب من قال :(مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) ، وقال :(وَإِن السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيم)[الحجر:86] .
والثاني : تقرير كمال قدرته كقوله :(أوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ ).
الثالث : كمال حكمته كما في قوله تعالى :(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ )[الدخان:38] ، وقوله سبحانه :(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ)[المؤمنون:115].
قال ابن كثير : ( وقوله إن ربك هو الخلاق العليم تقرير للمعاد وأنه تعالى قادر على إقامة الساعة ، فإنه الخلاق الذي لا يعجزه خلق شيء ، العليم بما تمزق من الأجساد وتفرق في سائر أقطار الأرض ).
والقرطبي يجعل الخلاق دالا أيضا تقدير الله للأخلاق وتقسيمها بين العباد ، وهذا يسعه اللفظ ويحتمله ، يقول القرطبي : ( إن ربك هو الخلاق أي المقدر للخلق والأخلاق ، العليم بأهل الوفاق والنفاق).
(76) المالك :
المالك في اللغة اسم فاعل فعله ملك يملك فهو مالك ، والله عز وجل مالك الأشياء كلها ومصرفها على إرادته لا يمتنع عليه منها شيء ، لأن المالك للشيء في كلام العرب هو المتصرف فيه والقادر عليه ، فإن قال قائل : فقد يغصب الإنسان على الشيء فلا يزول ملكه عنه ، قيل له : لا يزول ملكه عنه حكما وديانة ، فأما في الظاهر والاستعمال فالغاصب له ما هو في يده يصرفه كيف شاء ؛ من استعمال أو هبة أو إهلاك أو إصلاح ، وإن كان في ذلك مخطئا آثما آتيا ما هو محظور عليه بإحالته بينه وبين مالكه ، فإن رجع ذلك الشيء على صاحبه قيل : رجع إلى ملكه أي إلى حاله التي كان فيها حقيقة ، والله عز وجل قادر على الأشياء التي خلقها ويخلقها لا يمتنع عليه منها شيء ، وقد قرأ ابن كثير ونافع وأَبو عمرو وابن عامر وحمزة مَلِك يوم الدين بغير أَلف ، وقرأَ عاصم والكسائي ويعقوب مالك بأَلف ، وقد رويت القراءتان عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والله عز وجل مالك الملك ، ملكه عن أصالة واستحقاك لأنه الخالق الحي القيوم الوارث ، فعلة استحقاق الملك أمران :
الأول : صناعة الشيء وإنشائه واختراعه ، فالعاقل يعلم عقلا أن المخترع له براءة الاختراع والمؤلف له حق الطبع والنشر ، روى البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : ( مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لهُ ) ، وَيُرْوَى ذلك أيضا عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وإذا كان ملوك الدنيا لا يمكن لأحدهم أن يؤسس ملكه بجهده منفردا فلا بد له من ظهير أو معين ، سواء من أهله وقرابته ، أو حزبه وجماعته ، أو قبيلته وعشيرته ، فإن الله عز وجل هو المتفرد بالملكية حقيقة ، فلا أحد ساعده في إنشاء الخلق أو عاونه على استقرار الملك ، أو يمسك السماء معه أن تقع على الأرض ، قال سبحانه وتعالى :(أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )[الأعراف:54] ، وقال أيضا : (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ المُضِلينَ عَضُدا)[الكهف :51] ، وعند البخاري من حديث عمران t أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كان اللهَ ولم يكن شيء قبلهُ ، وكان عرشه على الماء ، ثم خلقَ السماواتِ والأرضَ وكتب في الذكر كل شيء).
الثاني : دوام الحياة فهو علة أخرى لاستحقاق الملك لأنه يوجب انتقال الملكية وثبوت التملك ، ومعلوم أن كل من على الأرض ميت فان كما قال تعالى :(كُلُّ مَنْ عَليْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلال والإكرام )[الرحمن:27] ، وقال أيضا :(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ ثُمَّ إِليْنَا تُرْجَعُون)[العنكبوت :57] ، ولما كانت الحياة وصف ذات لله والإحياء وصف فعله ، فإن المُلْك بالضرورة سيئول إلى خالقه ومالكه كما قال :(لمَنِ المُلكُ اليَوْمَ للهِ الوَاحِدِ القَهَّار )[غافر :16] ، وقال تعالى :(وَللهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير )[آل عمران :180] ، فالمُلْك لله في المبتدأ عند إنشاء الخلق فلم يكن أحد سواه ، والملك لله في المنتهى عند زوال الأرض لأنه لن يبق من الملوك سواه ، وهو الملك من فوق عرشه لا خالق ولا مدبر للكون إلا الله ، فالمَلِك هو المتصرف بالأمر والنهي في مملكته وهو القائم بسياسة خلقه ، وملكه هو الحق الدائم له بدوام الحياة ، ولما كان الله تعالى هو المنفرد بالخلق والتدبير فإنه ينفرد بالملك والتقدير إلزاما وينفرد أيضا بأنه المالك المستحق للملك ، قال ابن القيم : ( الفرق بين الملك والمالك أن المالك هو المتصرف بفعله ، والملك هو المتصرف بفعله وأمره ، والرب تعالى مالك الملك فهو المتصرف بفعله وأمره ) ، ويقصد أن مالك الشيء لا يلزم أن يكون ملكا لوجود من يرأسه ويمنع تصرفه في ملكه ، أما الملك الذي له الملكية والملك فله مطلق التدبير والأمر.
(77) الرزاق :
الرزاق في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعال من اسم الفاعل الرازق ، فعله رزق يرزق رزقا ، والمصدر الرزق وهو ما ينتفع به والجمع أرزاق.
وحقيقة الرزق هو العطاء المتجدد الذي يأخذه صاحبه في كل تقدير يومي أو سنوي أو عمري فينال ما قسم له في التقدير الأزلي والميثاقي ، والرزاق سبحانه هو الذي يتولى تنفيذ المقدر في عطاء الرزق المقسوم ، والذي يخرجه في السماوات والأرض ، فإخراجه في السماوات يعني أنه مقضي مكتوب ، وإخراجه في الأرض يعني أنه سينفذ لا محالة ولذلك قال الله تعالى في شأن الهدهد الموحد ومخاطبته سليمان عليه السلام :(أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ )[النمل:26] ، فالرزق مكتوب في السماء وهو وعد الله وحكمه في القضاء قبل أن يكون واقعا مقدورا في الأرض ، قال سبحانه وتعالى :(وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)[ الذريات:22] ، وقال عن تنفيذ ما قسمه لكل مخلوق فيما سبق به القضاء :(وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[العنكبوت:60] ، وقال تعالى :(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا)[هود:6] ، فالله يتولاها لحظة بلحظة تنفيذا للمقسوم في سابق التقدير .
فالرزاق سبحانه هو الذي يتولى تنفيذ العطاء الذي قدره لأرزاق الخلائق لحظة بلحظ فهو كثير الإنفاق ، وهو المفيض بالأرزاق رزقا بعد رزق ، مبالغة في الإرزاق وما يتعلق بقسمة الأرزاق وترتيب أسبابها في المخلوقات ، ألا ترى أن الذئب قد جعل الله رزقه في أن يصيد الثعلب فيأكله ، والثعلب رزقه أن يصيد القنفذ فيأكله ، والقنفذ رزقه أن يصيد الأفعى فيأكلها ، والأفعى رزقها أن تصيد الطير فتأكله ، والطير رزقه في أن يصيد الجراد فيأكله ، وتتوالى السلسلة في أرزاق متسلسلة رتبها الرزاق في خلقه ، فتبارك الذي أتقن كل شيء في ملكه وجعل رزق الخلائق عليه ، ضمن رزقهم وسيؤديه لهم كما وعد ، وكل ذلك ليركنوا إليه ويعبدوه وحده لا شريك له قال تعالى :(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)[الذاريات:57].
فالأرزاق مقسومة ولَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ ، وعند مسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قَالَ : ( قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : ( قَدْ سَأَلْتِ اللَّهَ لآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ ، وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ ، أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ ، وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ ).
وقال تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ الهَأ بَالِغ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ الهه لِكل شَيْء قَدْرا )[الطلاق:3] ، وفي هذا بيان أن الذي قدره من الرزق على العموم والإجمال سيتولاه في الخلق على مدار الوقت والتفصيل فهو سبحانه الرزاق الخلاق القدير المقتدر ، قال ابن القيم :
وكذلك الرزاق من أسمائه والرزق من أفعاله نوعان
رزق على يد عبده ورسوله نوعان أيضا ذان معروفان
رزق القلوب العلم والإيمان والرزق المعد لهذه الأبدان
هذا هو الرزق الحلال وربنا رزاقه والفضل للمنان
والثاني سوق القوت للأعضاء في تلك المجاري سوقه بوزان
هذا يكون من الحلال كما يكون من الحرام كلاهما رزقان
والله رازقه بهذا الاعتبار وليس بالإطلاق دون بيان
(78) الوكيل :
الوَكِيل في اللغة هو القَيِّم الكَفِيل الذي تكفل بأرْزَاق العِبَاد ، وحَقِيقة الوكيل أنه يَسْتَقل بَأَمْر الموْكول إليه ، يقال : توكل بالأَمْر إذا ضَمِنَ القِيام به ، ووكلت أمْرِي إلى فلان أي ألْجَأته إليه واعْتَمدت فِيه عَليه ، ووكل فلان فلانا إذا اسْتَكفاه أَمْرَه ، إما ثقةً بِكفايَتِه أو عَجزا عن القيام بأمر نفسه ، ووكيلك في كذا إذا سلمته الأمر وتركته له وفوضته إليه واكتفيت به ، فالتوكل قد يأتي بمعنى تولي الإشراف على الشيء ومراقبته وتعهده ومنه ما ورد عند البخاري من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ تَوَكَّلَ لِى مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ وَمَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ ، تَوَكَّلْتُ لَهُ بِالْجَنَّةِ ) ، وقد يأتي التوكل بمعنى الاعتماد على الغير والركون إليه ومنه ما ورد في قوله تعالى :(وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطلاق/3] ، وربما يفسر الوكيل بالكفيل ، والوكيل أعم لأن كل كفيل وكيل وليس كل وكيل كفيلا ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : ( لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا تُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا).
والوكيل سبحانه هو الذي توكل بالعالمين خلقا وتدبيرا ، وهداية وتقديرا ، فهو المتوكل بخلقه إيجاد وإمدادا كما قال تبارك وتعالى :(ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)[الأنعام:102] ، وقال تعالى :(اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ )[الزمر:62] ، وقال هود عليه السلام : (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا)[هود:56] ، فالوكيل الكفيل بأرزاق عباده ومصالحهم.
وهو سبحانه وكيل المؤمنين الذين جعلوا اعتقادهم في حوله وقوته ، وخرجوا من حولهم وطولهم وآمنوا بكمال قدرته ، وأيقنوا أنه لا حول ولا قوة إلا بالله ، فركنوا إليه في جميع أمورهم ، وجعلوا اعتمادهم عليه في سائر حياتهم ، وفوضوا إليه الأمر قبل سعيهم ، واستعانوا به حال كسبهم ، وحمدوه بالشكر بعد توفيقهم ، والرضا بالمقسوم بعد ابتلائهم قال تعالى :(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)[الأنفال:2] ، وقال سبحانه في وصف المؤمنين :(الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)[آل عمران:173] ، وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : (وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً )[الأحزاب:48] ، وقال :(رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً)[المزمل:9].
ويذكر ابن القيم أن توكيل العبد ربه يكون بتفويضه نفسه إليه وعزلها عن التصرف إلا بإذنه يتولي شئون أهله ووليه ، وهذا هو عزل النفس عن الربوبية وقيامها بالعبودية وهو معنى كون الرب وكيل عبده أي كافيه والقائم بأموره ومصالحه لأنه ينوب عنه في التصرف ، فوكالة الرب عبده أمر وتعبد وإحسان له وخلعة منه عليه لا عن حاجة منه وافتقار إليه ، وأما توكيل العبد ربه فتسليم لربوبيته وقيام بعبوديته.
[/COLOR][/SIZE][/RIGHT][/B]
العصامي
21-03-2010, 05:39 PM
(79) الرقيب :
الرقيب في اللغة فعيل بمعنى فاعل وهو الموصوف بالمراقبة ، فعله رقب يرقب رقابة والرقابة تأتي بمعنى الحفظ والحراسة والانتظار مع الحذر والترقب ، وعند البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن أبا بكر رضي الله عنه قال : ( ارْقُبُوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فِي أَهْلِ بَيْتِهِ ) ، أي احفظوه فيهم ، وقال هارون عليه السلام :(إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي)[طه:94] ، فالرقيب الموكل بحفظ الشيء المترصد له المتحرز عن الغفلة فيه ورقيب القوم حارسهم ، وهو الذي يشرف على مرقبة ليحرسهم ، ورقيب الجيش طليعتهم ، والرقيب الأمين ، وارتقب المكان أشرف عليه وعلا فوققه.
والرقيب سبحانه هو المطلع على خلقه ، يعلم كل صغيرة وكبيرة في ملكه ، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء قال تعالى :(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )[المجادلة:7] ، وقال : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)[الزخرف:80] ، ومراقبة الله لخلقه مراقبة عن استعلاء وفوقية ، وقدرة وصمدية ، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه ، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه ، ملك له الملك كله ، وله الحمد كله ، أزمة الأمور كلها بيديه ، ومصدرها منه ومردها إليه ، مستو على عرشه لا تخفى عليه خافية ، عالم بما في نفوس عباده مطلع على السر والعلانية ، يسمع ويرى ، ويعطي ويمنع ، ويثيب ويعاقب ، ويكرم ويهين ويخلق ويرزق ، ويميت ويحيي ، ويقدر ويقضي ، ويدبر أمور مملكته ، فمراقبته لخلقه مراقبة حفظ دائمة ، وهيمنة كاملة ، وعلم وإحاطة .
والله عز وجل رقيب راصد لأعمال العباد وكسبهم ، عليم بالخواطر التي تدب في قلوبهم ، يرى كل حركة أو سكنة في أبدانهم ، ووكل ملائكته بكتابة أعمالهم وإحصاء حسناتهم وسيئاتهم ، قال تعالى :(وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)[الانفطار:10/12] ، فالملائكة تسجيل أفعال الجنان والأبدان ، وقال تعالى عن تسجيلهم لقول القلب وقول اللسان :(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )[ق:16/18] ، وهو سبحانه من فوقهم رقيب عليهم وعلى تدوينهم ورقيب أيضا على أفعال الإنسان قال تعالى :(وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ)[يونس:61].
العصامي
21-03-2010, 05:41 PM
(80) المحسن:
المحسن في اللغة اسم فاعل ، فعله أحسن يحسن إحسانا فهو محسن ، والحسْنُ ضدُّ القُبْح ، وحَسَّن الشيء تحسِينا زينه ، وأحْسَنَ إليه وبه صنع له وبه معروفا ، وهو يحسن الشيء أي يعلمه بخبره ، واستحسن الشيء رغب فيه وتعلق به واعتبره حَسَنا ، والحُسْنَى البالغة الحسن في كل شيء من جهة الكمال والجمال ، كما قال تعالى :(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَة )[يونس:26] ، فالحسْنى الجنة والزّيادة النظر إلى وجه الهس تعالى يوم القيامة ، فسرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده.
وقوله عز وجل :(وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)[لقمان:22] ، والمحسن في الشرع هو الذي بلغ درجة الإحسان ، والإحسان فسره النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء عن عمررضي الله عنه : ( الإِحْسَان أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ) ، وقال تعالى :(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ)[النحل:90] ، قيل : أَراد بالإِحسان الإِخْلاص وهو شرط في صحةِ الإِيمان والإِسلام معا ، وقيل : أَراد بالإِحسان الإِشارةَ إلى المراقبة وحُسْن الطاعة فإِن مَنْ راقَب اللهَ أَحسَن عمَله ، والمعنى يشمل الاثنين معا .
والمحسن سبحانه هو الذي له كمال الحسن في أسمائه وصفاته وأفعاله ، كما قال تعالى في كتابه :(اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى )[طه:8] ، فلا شيء أكمل ولا أجمل من الله ، فكل كمال وجمال في المخلوق من آثار صنعته ، وهو الذي لا يحد كماله ولا يوصف جلاله ، ولا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه ، ليس في أفعاله عبث ولا في أوامره سفه ، بل أفعاله كلها لا تخرج عن الحكمة والمصلحة والعدل والفضل والرحمة ، إن أعطى فبفضله ورحمته وإن منع أو عاقب فبعدله وحكمته ، وهو الذي أحسن كل شيء خلقه فأتقن صنعه وأبدع كونه وهداه لغايته ، وأحسن إلى خلقه بعموم نعمه وشمول كرمه وسعة رزقه على الرغم من مخالفة أكثرهم لأمره ونهيه ، وأحسن إلي المؤمنين فوعدهم الحسني وعاملهم بفضله ، وأحسن إلى من أساء فأمهله ثم حاسبه بعدل.
العصامي
31-03-2010, 06:26 PM
(81) الحسيب :
الحسيب في اللغة من صيغ المبالغة ، فعله حسِب يحسِب حسَابا وحسبانا ، واسم الفاعل الحاسب ، وهو الموصوف بمحاسبة غيره ، والحساب ضبط العدد وبيان مقادير الأشياء المعدودة ، سواء كان ذلك جزما أم ظنا ، والحسيب هو الكافي الكريم الرفيع الشأن ، والحسب في حقنا هو الشَّرَف الثابِتُ في الآباءِ ، والحسَبُ أيضا هو الفعل الصَّالِحُ ، ويقال : رُبَّ حَسِيبِ الأَصلِ غيرُ حَسِيب ، ِأَي له آباء يفعلون الخير ولا يفعله هو.
والحسيب سبحانه هو العليم الكافي الذي قدر أرزاق الخلائق قبل خلقهم ، ووعد باستكمال العباد لأرزاقهم على مقتضى حكمته في ترتيب أسبابهم ، فضمن ألا تنفد خزائنه من الإنفاق ، وأن كلا سينال نصيبه من الأرزاق ، فهو الحسيب الرزاق وهو القدير الخلاق ، قال أبو حامد : ( الحسيب هو الكافي ، وهو الذي من كان له كان حسبه ، والله سبحانه وتعالى حسيب كل أحد وكافيه ، وهذا وصف لا تتصور حقيقته لغيره ، فإن الكفاية إنما يحتاج إليها المكفي لوجوده ولدوام وجوده ولكمال وجوده ، وليس في الوجود شيء هو وحده كاف لشيء إلا الله عز وجل ، فإنه وحده كاف لكل شيء لا لبعض الأشياء ، أي هو وحده كاف ليحصل به وجود الأشياء ويدوم به وجودها ويكمل به وجودها ).
وهو سبحانه أيضا الحسيب الذي يكفي عباده إذا التجئوا إليه ، واستعانوا به واعتمدوا عليه ، قال تعالى (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)[آل عمران:173/174] ، وعند البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال : حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ ، قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام حِينَ أُلْقِىَ في النَّارِ ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ حِينَ قَالُوا :(إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) ، ومن كان الله حسيبه كفاه ، ومن عرف الحسيب حاسب نفسه قبل أن يلقاه.
والحسيب جل شأنه هو الذي يحصي أعداد المخلوقات وهيئاتها وما يميزها ، ويضبط مقاديرها وخصائصها ، ويحصي أعمال المكلفين في مختلف الدواوين ، يحصي أرزاقهم وأسبابهم وأفعالهم ومآلهم في حال وجودهم وبعد موتهم وعند حسابهم يوم يقوم الأشهاد ، فهو المجازي للخليقة عند قدومها بحسناتها وسيئاتها ، وحِسابُه واقعٌ لا محالة لا يَشْغَلُه حِسابُ واحد عَن آخَر ، كما لاَ يَشْغَلُه سَمْع عن سمع ، ولا شَأْنٌ عن شأْنٍ فهو سريع الحساب كما قال :(الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ )[غافر:17] ( ) .
والحسيب أيضا هو الكريم العظيم المجيد الذي له علو الشأن ومعاني الكمال ، وله في ذاته وصفاته مطلق الجمال والجلال ، قال تعالى :(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)[الشورى:11] ، وقال تعالى :(هَل تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً)[مريم:65].
(82) الشافي :
الشافي في اللغة اسم فاعل ، فعله شفى يشفي شفاءَ ، وشفى كل شيء حرفه قال تعالى :(وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ)[آل عمران:103] ، والشِّفاء موافاة شفا السلامة وصار اسما للبرء ، فالشفاء هو الدواء الذي يكون سببا فيما يبرئ من السَّقمِ ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث جَابِرٍ بن عبد اللهرضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ : (فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ ) ، واسْتَشْفَى طلب الشِّفاء وناله ، وعند مسلم من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَال عن هجاء حسان رضي الله عنه لقريش : ( هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى ) ، أَراد أَنه شَفى المؤمنين واشتفى بنَفسِهِ أَي اخْتصَّ بالشِّفاء ، وهو من الشِّفاء أو البُرْءِ من المرض لكن المعنى نقل من شِفاء الأَجسامِ إِلى شِفاءِ القلوبِ والنُّفُوسِ يقال : اشْتفيْتُ بكذا وتَشَفيْت من غيْظي.
والشافي سبحانه هو الذي يرفع البأس والعلل ، ويشفي العليل بالأسباب والأمل فقد يبرأ الداء مع انعدام الدواء ، وقد يشفي الداء بلزوم الدواء ، ويرتب عليه أسباب الشفاء ، وكلاهما باعتبار قدرة الله سواء ، فهو الشافي الذي خلق أسباب الشفاء ورتب النتائج على أسبابها والمعلولات على عللها فيشفي بها وبغيرها ، لأن حصول الشفاء عنده يحكمه قضاؤه وقدره ، فالأسباب سواء ترابط فيها المعلول بعلته أو انفصل عنها هي من خلق الله وتقديره ومشيئته وتدبيره ، والأخذ بها لازم علينا من قبل الحكيم سبحانه لإظهار الحكمة في الشرائع والأحكام وتمييز الحلال والحرام وظهور التوحيد والإسلام ، فاللّه عزّ وجلّ متصف بالقدرة والحكمة ، ومن أسمائه القدير الحكيم ، فبالقدرة خلق الأشياء وأوجدها وهداها وسيرها وانفرد بذلك دون شريك وهذا توحيد الربوبية وبالحكمة رتب الأسباب ونتائجها وابتلانا بها وعلق عليها الشرائع والأحكام تحقيقا لتوحيد العبودية ، وإنما مثل الأسباب كمثل الآلة بيد الصانع فكما لا يقال : السيف ضرب العنق ولا السوط ضرب العبد ، وإنما يقال : السياف ضرب العنق وفلان ضرب فلانا بالسوط ، فكذلك لا يقال شفاني الدواء أو الطبيب لأنها أسباب وعلل ، والعلل والأسقام كما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه : ( طبيبها الذي خلقها ) ، فهو سبحانه القادر الفاعل بلطائف القدرة وخفايا المشيئة ، ولذلك قال إبراهيم عليه السلام : (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)[الشعراء:80] ، وقد وحد الغلام ربه في اسمه الشافي لما قال له الوزير في قصة أصحاب الأخدود : ( مَا هَاهُنَا لك أَجْمَعُ إِن أَنْتَ شَفَيْتَنِي ، فقال : إِنِّي لا أَشْفِى أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِى الله ، فإِن أَنْتَ آمَنْتَ بِاللهِ دَعَوْتُ اللهَ فَشَفَاكَ ، فَآمَنَ بِاللهِ فَشَفَاهُ اللهُ ).
والله عز وجل هو الشافي الذي يشفي النفوس من أسقامها كما يشفي الأبدان من أمراضها ، قال تعالى :(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)[يونس:57] وقد ذكر ابن القيم أن القلب متى اتصل برب العالمين خالق الداء والدواء ومدبر الطب ومصرفه على ما يشاء كانت له أدوية أخرى غير الأدوية التي يعانيها القلب البعيد منه المعرض عنه ، فإذا قويت النفس بإيمانها وفرحت بقربها من بارئها وأنسها به وحبها له وتنعمها بذكره وانصراف قواها كلها إليه وجمع أمورها عليه واستعانتها به وتوكلها عليه فإن ذلك يكون لها من أكبر الأدوية في دفع الألم بالكلية.
(83) الرفيق :
الرفيق في اللغة من صيغ المبالغة ، فعيل بمعنى فاعل ، فعله رَفقَ يَرْفق رِفقا ، والرِّفْق هو اللطف وهو ضد العنْف ، ويعني لِين الجانب ولطافة الفعل ، رفق بالأَمر وله وعليه وهو به رَفِيق يعني لَطِيف ، وعند أحمد من حديث عائشة أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ عُزِلَ عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ ) ، فالرفق هو اللّطفُ ورَفِيقكَ هو الذي يُرافِقُك في السفر تَجْمَعُكَ وإِيّاه رفقة واحدة ، والرفيق أيضا هو الذي يتولي العمل برفق ، أو يتَرفق بالمريض ويتلطف به ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث أَبِى رمثة أن أباه قَالَ للرسول صلى الله عليه وسلم : ( أَرِنِي هَذَا الَّذِي بِظَهْرِكَ فَإِنِّي رَجُلٌ طَبِيبٌ قَالَ صلى الله عليه وسلم : الهُا الطَّبِيبُ ، بَلْ أَنْتَ رَجُلٌ رَفِيقٌ ، طَبِيبُهَا الذِي خَلَقَهَا ) ، والمِرْفَقُ من مَرَافِق الدار الأماكن المصاحبة للدار من خدمات مختلفة كمَصاب الماء ونحوُها والمَرفِق من الإِنسان والدابة أَعلى الذراع وأَسفل العَضُد .
والرفيق سبحانه هو اللطيف بعباده القريب منهم يغفر ذنوبهم ويتوب عليهم ، وهو الذي تكفل بهم من غير عوض أو حاجة ، فييسر أسبابهم وقدر أرزاقهم وهداهم لما يصلحهم ، فنعمته عليهم سابغة ، وحكمته فيهم بالغة ، يحب عباده الموحدين ويتقبل صالح أعمالهم ، ويقربهم وينصرهم على عدوهم ، ويعاملهم بعطف ورحمة وإحسان ويدعو من خالفه إلى التوبة والإيمان ، فهو الرفيق المحسن في خفاء وستر ، يحاسب المؤمنين بفضله ورحمته ، ويحاسب المخالفين بعدله وحكمته ، ترغيبا لهم في توحيده وعبادته ، وحلما منه ليدخلوا في طاعته.
والله عز وجل رفيق يتابع عباده في حركاتهم وسكناتهم ، ويتولاهم في حلهم وترحالهم بمعية عامة وخاصة ، فالمعية العامة كقوله تعالى :(مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا)[المجادلة:7] ، والمعية الخاصة كقوله :(وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ)[الأنفال:19] ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : ( يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ، احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ) ، وعند مسلم من حديث ابن عمررضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا خرج للسفر : ( اللهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السفرِ وَالخلِيفة فِي الأَهْلِ .. الحديث ) ، وهو الرفيق الذي يجمع عباده الموحدين عنده في الجنة كما قالت امرأت فرعون :(رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتا فِي الْجَنَّةِ)[التحريم:11] وعند البخاري من حديث عائشة قالت : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ وَهْوَ صَحِيحٌ : لَنْ يُقْبَضَ نَبِي قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ثُمَّ يُخَيَّرُ ، فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي ، غُشِي عَلَيْهِ سَاعَةً ، ثُمَّ أَفَاقَ فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى ، قُلْتُ : إِذًا لاَ يَخْتَارُنَا ، وَعَلِمْتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا ، وَهْوَ صَحِيحٌ ، قَالَتْ : فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا : اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى ).
(84) المعطي :
المعطي اسم فاعل فعله من أعطى يعطي فهو معط ، والعَطِيَّة اسمٌ لما يُعْطي وجمعها عَطايا وأَعْطِيَة ، والعطاء إعطاء المال ، والعَطاء أَصله اللفظي عَطاو بالواو لأَنه من عَطَوْت إِلا أَن العرب تَهْمِزُ الواو والياء إِذا جاءتا بعد الأَلف لأنها أفضل في النطق والحركة ، ويقال : اسْتَعْطى وتَعَطي يعني سأَل العَطاء ، وإِذا أَردْتَ من زَيدٍ أَن يُعْطِيكَ شيئاً تقول : هل أَنتَ مُعْطِيَّه ؟
والمعطي سبحانه هو الذي أعطى كل شيء خلقه وتولى أمره ورزقه في الدنيا والآخرة كما قال تعالى عن موسى عليه السلام وهو يصف عطاء الربوبية :(قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُل شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)[طه:50] ، وقال تعالى عن عطاء الآخرة :(وَأَمَّا الذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاء رَبك عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ )[هود:108] ، وعطاء الله قد يكون عاما أو خاصا ، فالعطاء العام يكون للخلائق أجمعين ، والعطاء الخاص يكون للأنبياء والمرسلين وصالح المؤمنين ، فمن العطاء العام ما ورد في قوله تعالى :(كُلاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً)[الإسراء:20] ، والعطاء هنا هو تمكين العبد من الفعل ومنحه القدرة والاستطاعة ، كل على حسب رزقه وقضاء الله وقدره ، ومن العطاء الخاص استجابة الدعاء وتحقيق مطلب الأنبياء والصالحين من الأولياء ، ومن ذلك الدعاء والعطاء في قصة سليمان عليه السلام :(قَالَ رَبِّ اغفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلكا لا يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَو أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[صّ:39] ، وكذلك في دعاء زكريا عليه السلام حيث قال :(وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً)[مريم:5] فحقق الله مطلبه وأعطاه ما يتمناه فقال :(يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً)[مريم:7] وقال عن عطائه للمؤمنين في الآخرة :(جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً)[النبأ:36].
الكنترول
12-04-2010, 09:54 PM
الله يعطيك العافية
العصامي
21-05-2010, 11:59 PM
الله يعطيك العافية
ويعافيك ربي ويبارك فيك ..
bnota
23-05-2010, 01:24 AM
بارك الله فيك
وفي ميزان حسناتك
سدااويه
23-05-2010, 08:49 PM
جزاك الله خير الجزاء
وجعلة في ميزان حسناتك
العصامي
24-05-2010, 05:05 AM
وجزاكم الله تعالى بمثله وبارك فيكم ،،
العصامي
24-05-2010, 05:34 AM
85 المقيت
المقيت اسم فاعل للموصوف بالإقاتة فعله أقات وأصله قَات يَقُوت قُوتا ، والقوت لغة هو ما يمسك الرمق من الرزق ، تقول : قات الرجلَ وأقاته أي أعطاه قوته والمصدر القوت ، وهو المدخر المحفوظ الذي يقتات منه حين الحاجة ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ).
والمقيت سبحانه هو المقتدر الذي خلق الأقوات وتكفل بإيصالها إلى الخلق ، وهو حفيظ عليها ، فيعطي كل مخلوق قوته ورزقه على ما حدده سبحانه من زمان أو مكان أو كم أو كيف وبمقتضى المشيئة والحكمة ، فربما يعطي المخلوق قوتا يكفيه لأمد طويل أو قصير كيوم أو شهر أو سنة ، وربما يبتليه فلا يحصل عليه إلا بمشقة وكلفة ، والله عز وجل خلق الأقوات على مختلف الأنواع والألوان ويسر أسباب نفعها للإنسان والحيوان قال تعالى :(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفا أكلهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّان مُتَشَابِها وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كلوا مِنْ ثمَرِهِ إِذَا أَثمَر وَآتُوا حَقهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المسْرِفِينَ)[الأنعام:141] ، وكما أنه سبحانه المقيت الذي يوفي كامل الرزق للإنسان والحيوان ، فإنه أيضا مقيت القلوب بالمعرفة والإيمان ، وهو الحافظ لأعمال العباد بلا نقصان ولا نسيان ، قال البيهقي في تفسير الاسم : ( المقيت هو المقتدر فيرجع معناه إلى صفة القدرة ، وقيل : المقيت الحفيظ ، وقيل : هو معطي القوت فيكون من صفات الفعل ).
(86) السيد
السيد في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالسيادة ، أصله من سادَ يَسُودُ فهو سَيْوِد فقلبت الواو ياء لأجْل الياء الساكنة قبلها ثم أدغمت ، وقد سادهم سُودا وسِيادة يعني استادهم ، والسَّيّد يُطلق على الربِّ والمالِك والشَّرِيف والفاضل والكريم والحليم ومُتَحمِّل أذى قومِه والزَّوج والرئيس والمقدَّم ، والسيد على الإطلاق هو الله لأنه مالك الخلق أَجمعين ولا مالك لهم سواه.
والسيد سبحانه وهو الذي حقت له السيادة المطلقة ، فالخلق كلهم عبيده وهو ربهم ، وهو الذي يملك نواصيهم ويتولاهم ، وهو المالك الكريم الحليم الذي يملك نواصيهم ويتولى أمرهم ويسوسهم إلى صلاحهم ، قال ابن القيم : ( وأما وصف الرب تعالى بأنه السيد فذلك وصف لربه على الإطلاق فإن سيد الخلق هو مالك أمرهم الذي إليه يرجعون وبأمره يعلمون وعن قوله يصدرون ، فإذا كانت الملائكة والإنس والجن خلقا له سبحانه وتعالى وملكا له ليس لهم غنى عنه طرفة عين وكل رغباتهم إليه وكل حوائجهم إليه كان هو سبحانه وتعالى السيد على الحقيقة ).
وقال الآلوسي في روح المعاني : ( وإطلاق الصمد بمعنى السيد عليه تعالى مما لا خوف فيه ، وإن كان في إطلاق السيد نفسه خلاف والصحيح إطلاقه عليه عز وجل كما في الحديث )، وقال ابن القيم : ( السيد إذا أطلق عليه تعالى فهو بمعنى المالك والمولى والرب لا بالمعنى الذي يطلق علي المخلوق ).
(87 ) الطيب
الطيب في اللغة على بناء فِعْل ، فعله طاب يطيب طيبا فما أطيبه ، يعني ما أجمله وما أزكاه وما أنفسه ، وما أحلاه وما أجوده ، والطيب يكون في المحسوسات وغيرها فالطيب من المحسوسات هو ما لذ وزكا من خيار المطعومات والملبوسات في الدنيا والآخرة كما في قوله تعالى :(كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً )[البقرة:168] ، وقال تعالى عن طيبات الآخرة :(وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ )[الصف:12] ، أما الطيب في غير المحسوسات فهو كالطيب من القول والكلمات أو الباقيات الصالحات كما في قوله تعالى :(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)[إبراهيم:24].
والله عز وجل طيب له الكمال في ذاته وأسمائه وصفاته ، قال تعالى :(اللّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)[طه:8] ، وقال تعالى :(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى:11] ، وهو أيضا طيب في أفعاله يفعل الأكمل والأحسن ، فهو الذي أتقن كل شيء ، وأحسن كل شيء ، فالحكيم اسمه والحكمة صفته ، وهي بادية في خلقه تشهد لكمال فعله ، وتشهد بأنه جميل جليل عليم خبير ، قال تعالى :(صُنْعَ اللهِ الذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)[النمل:88] ، وقال : صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ [البقرة:138] ، وقال :(الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِنْ طِينٍ )[السجدة:7] ، والطيب أيضا هو القدوس المنزه عن النقائص والعيوب ، قال القاضي عياض : ( الطيب في صفة الله تعالى بمعنى المنزه عن النقائص وهو بمعنى القدوس وأصل الطيب الزكاة والطهارة والسلامة من الخبث ).
وهو سبحانه الطيب الذي طيب الدنيا للموحدين فأدركوا الغاية منها وعلموا أنها وسيلة إلى الآخرة سينتقلون عنها ، وطيب الجنة لهم بالخلود فيها فشمروا إليها سواعدهم وضحوا من أجلها بأموالهم وأنفسهم رغبة في القرب من الله.
(88) الحكم
الحكم في اللغة من صيغ المبالغة لاسم الفاعل الحاكم ، وهو الذي يحَكم ويفصل ويقضي في سائر الأمور ، فعله حكم يحكم حُكْما ، والحكم العلم والفقه ، قال الله تعالى :(يَا يَحْيَى خُذِ الكِتَابَ بِقوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الحكمَ صَبِيّا)[مريم:12] ، والحكم القضاء بالعدل قال تعالى :(وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)[النساء:58] ، والحَكَم بفتحتين هو الحاكم ، وحَكَّمه في ماله تحكيماً إذا جعل إليه الحُكْمَ فيه ، واحتكموا إلى الحاكم وتَحَاكمُوا بمعنى واحد قال تعالى :(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ )[النساء:65] ، والمحاكمة هي المخاصمة إلى الحاكم.
والحكم سبحانه هو الذي يحكم في خلقه كما أراد ، إما إلزاما لا يرد وإما تكليفا على وجه الابتلاء للعباد ، فحكمه في خلقه نوعان :
أولا : حكم يتعلق بالتدبير الكوني وهو واقع لا محالة لأنه يتعلق بالمشيئة ، ومشيئة الله لا تكون إلا بالمعنى الكوني فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، ومن ثم لا معقب لحكمه ولا غالب لأمره ولا راد لقضائه وقدره ، ومن هذا الحكم ما ورد في قوله تعالى :(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)[الرعد:41] ، وكذلك قوله : (قَال رَبِّ احْكُمْ بِالحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ المُسْتَعَانُ عَلى مَا تَصِفُونَ )[الأنبياء:112] ، أي افعل ما تنصر به عبادك وتخذل به أعداءك .
ثانيا : حكم يتعلق بالتدبير الشرعي وهو حكم تكليفي ديني يترتب عليه ثواب وعقاب وموقف المكلفين يوم الحساب ، ومثاله ما جاء في قوله تعالى :(يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ أُحِلتْ لكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلا مَا يُتْلى عَليْكُمْ غَيْرَ مُحِلي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ)[المائدة:1] ، ومثال الحكم الشرعي أيضا قوله تعالى :(وَمَا اخْتَلفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلى اللهِ )[الشورى:10] ، وقوله : (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلكَ وَمَا أُولئِكَ بِالمُؤْمِنِينَ)[المائدة:43] .
قال القرطبي : ( فالحَكَم من له الحكم وهو تنفيذ القضايا وإمضاء الأوامر والنواهي وذلك بالحقيقة هو الله تعالى ، فهذا الاسم يرجع تارة إلى معنى الإرادة ، وتارة إلى معنى الكلام ، وتارة إلى الفعل ، فأما رجوعه إلى الإرادة فإن الله تعالى حكم في الأزل بما اقتضته إرادته ، ونفذ القضاء في اللوح المحفوظ ، يجري القلم فيه على وفاق حكم الله ، ثم جرت الأقدار في الوجود بالخير والشر ، والعرف والنكر على وفاق القضاء والحكم ، وإذا كان راجعا إلى معنى الكلام فيكون معناه المبين لعباده في كتابه ما يطالبهم به من أحكامه كما يقال لمن يبين للناس الأحكام وينهج لهم معاني الحلال والحرام : حكم ، وعلى هذا فلا يكون في الوجود حكم إلا كتابه ، فعنده يوقف إذ هو الحكم العدل ، وإذا كان راجعا إلى الفعل فيكون معناه الحكم الذي ينفذ أحكامه في عباده بإشقائه إياهم وإسعاده وتقريبه إياهم وإبعاده على وفق مراده ).
وقال ابن القيم في نونيته :
والحكم شرعي وكوني ولا يتلازمان وما هما سيان
بل ذاك يوجد دون هذا مفردا والعكس أيضا ثم يجتمعان
لن يخلو المربوب من إحداهما أو منهما بل ليس ينتفيان
لكنما الشرعي محبوب له أبدا ولن يخلو من الأكوان
هو أمره الديني جاءت رسله بقيامه في سائر الأزمان
لكنما الكوني فهو قضاؤه في خلقه بالعدل والإحسان
هو كله حق وعدل ذو رضا والشأن في المقضي كل الشان
مستثمره
24-05-2010, 03:59 PM
باااارك الله فيك
العصامي
05-07-2010, 07:31 PM
باااارك الله فيك
جزاك الله خير
العصامي
05-07-2010, 08:19 PM
(89) الأكرم :
الأكرم اسم دل على المفاضلة في الكرم ، فعله كرم يكرم كرما ، والأكرم هو الأحسن والأنفس والأوسع والأعظم والأشرف ، والأعلى من غيره في كل وصف كمال ، قال تعالى :( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) [الحجرات:13].
والأكرم سبحانه هو الذي لا يوازيه كرم ولا يعادله في كرمه نظير ، وقد يكون الأكرم بمعنى الكريم ، لكن الفرق بين الكريم والأكرم أن الكريم دل على الصفة الذاتية والفعلية معا كدلالته على معاني الحسب والعظمة والسعة والعزة والعلو والرفعة وغير ذلك من صفات الذات ، وأيضا دل على صفات الفعل فهو الذي يصفح عن الذنوب ولا يمن إذا أعطى فيكدر العطية بالمن ، وهو الذي تعددت نعمه على عباده بحيث لا تحصى وهذا كمال وجمال في الكرم ، أما الأكرم فهو المنفرد بكل ما سبق في أنواع الكرم الذاتي والفعلي فهو سبحانه أكرم الأكرمين له العلو المطلق على خلقه في عظمة الوصف وحسنه ومن ثم له جلال الشأن في كرمه وهو جمال الكمال وكمال الجمال ، فالله عز وجل لا كرم يسموا إلى كرمه ولا إنعام يرقى إلى إنعامه ولا عطاء يوازي عطاءه ، له علو الشأن في كرمه ، يعطى ما يشاء لمن يشاء كيف يشاء بسؤال وغير سؤال ، وهو يعفو عن الذنوب ويستر العيوب ويجازي المؤمنين بفضله ويمهل المعرضين ويحاسبهم بعدله فما أكرمه وما أرحمه وما أعظمه ، وحسبنا ما جاء في قوله :( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا )[النحل:18] ، وقال :( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ )[الضحى:11] ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ).
(90) البر :
الَبرُّ اسم فاعل للموصوف بالبر ، فعله بَرَّ يَبَرُّ فهو بارُّ وجمعه بَرَرَة , والبِرُّ هو الإحسان ، والبر في حق الوالدين والأقربِينَ من الأهل ضدّ العُقوق وهو الإساءة إليهم والتَّضْييع لحقهم ، والبَرُّ والبارّ بمعنى واحد , لكن الذي ثبت في أسماء الله تعالى البَرُّ دُون البارّ والأسماء كما علمنا توقيفية على النص .
والبر سبحانه وتعالى هو العَطوف على عبادة ببِرة ولطفه ، فهو أهل البر والعطاء يحسن إلى عباده في الأرض أو في السماء ، روى البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ، وَقَالَ : يَدُ اللهِ مَلأَى لاَ تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، وَقَالَ : أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ، وَبِيَدِهِ الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ ) ، كما أن البر عز وجل هو الصادق في وعده الذي يتجاوز عن عبده وينصره ويحميه ، ويقبل القليل منه وينميه ، وهو المحسن إلى عبادِهِ الذي عَمَّ بِرُّهُ وإحسانُه جميعَ خلقِهِ فما منهم من أحد إلا وتكفل الله برزقه ، قال أبو السعود : ( البر المحسن الرحيم الكثير الرحمة الذي إذا عبد أثاب وإذا سئل أجاب ).
(91) الغفار :
الغفار في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعال كثير المغفرة ، فعله غفر يغفر غفرا ومغفرة ، وأَصل الغَفرِ التغطية والستر ، وقد تقدم الحديث عن المعنى اللغوي في تفسير اسم الله الغفور.
والغفار سبحانه هو الذي يستر الذنوب بفضله ويتجاوز عن عبده بعفوه ، وطالما أن العبد موحد فذنوبه تحت مشيئة الله وحكمه ، فقد يدخله الجنة ابتداء وقد يطهره من ذنبه ، والغفور والغفار قريبان في المعنى فهما من صيغ المبالغة في الفعل ، وقيل الغفار أبلغ من الغفور ، فالغفور هو من يغفر الذنوب العظام ، والغفار هو من يغفر الذنوب الكثيرة ، غفور للكيف في الذنب وغفار للكم فيه ، وقد تكون هناك من الفروق ما لم يظهر حتى الآن مما يظهر إعجاز القرآن فيما يستقبل من الزمان ، كما هو الحال في الإعجاز العددي لحساب الحروف والجمل فإنها أمور تزيد العقل عجزا في تصور عظمة القرآن ، وقد ظهر الآن الإعجاز الصوتي للأسماء الحسنى وإن كان الأمر يتطلب مزيدا من الأدلة ، فقد تبين بالتجربة أن كل اسم له تأثير صوتي على الجهاز المناعي في الإنسان ، وأمور أخرى تبين أن اسم الله الغفار على وزن فعال له موضعه المحسوب بدقة في كتاب الله ، وأن اسم الله الغفور على وزن فعول له أيضا موضعه المحسوب بدقة في كتاب الله.
وأيا كان الفرق فإن الغفار يدل على المبالغة في الكثرة ، والله عز وجل وضع نظاما دقيقا لملائكته في تدوين الأجر الموضوع على العمل ، فهي تسجل ما يدور في منطقة حديث النفس دون وضع ثواب أو عقاب لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث : ( إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلمْ ) ، وهذا يتطلب استغفارا عاما لمحو خواطر الشر النابعة من هوى النفس ، ويتطلب استعاذة لمحو خواطر الشر النابعة من لمة الشيطان ، كما أنها تسجل ما يدور في منطقة الكسب مع وضع الثواب والعقاب ، وهي تسجل فعل الإنسان المحدد بالزمان والمكان ثم تضع الجزاء المناسب بالحسنات والسيئات في مقابل العمل ، فإذا تاب العبد من الذنب محيت سيئاته وزالت وغفرت بأثر رجعي وبدلت السيئات حسنات كما قال : ( إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِل عَمَلاً صَالحاً فَأُولئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيما ً) [الفرقان:70] ، وهذه هي المبالغة في المغفرة أن الوزر يقابله بالتوبة الصادقة حسنات ، فالله عز وجل غفار كثير المغفرة لم يزل ولا يزال بالعفو معروفا ، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفا وكل مضطر إلى عفوه ومغفرته كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه ، وقد وعد عباده بالمغفرة والعفو لمن أتى منهم بأسبابها فقال :(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى )[طه:82] .
(92) الرءوف :
الرءوف صيغة مبالغة من اسم الفاعل الرائف ، وهو الموصوف بالرأفة ، فعله رَأَفَ به يَرْأَف رَأْفة ، والرأفة في حقنا هي امتلاء القلب بالرقة ، وهي أشد ما يكون من الرحمة ، وقيل : بل شدة الرحمة ومنتهاها ، قال تعالى : (الزَّانِيَة وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ )[النور:2] ، يعني لا تنظروا بأي اعتبار يمكن أن يمنحهم شيئا من الرحمة والرقة ، فلا ترحموهما فَتُسْقِطُوا عنهما ما أَمَرَ الله به من الحد ، ويمكن القول أن الرحمة تسبق الرأفة ، فالرأفة هي المنزلة التي تعقبها يقال : فلان رحيم فإذا اشتدت رحمته فهو رءوف ، فالرأفة آخر ما يكون من الرحمة ولذلك قدمت الرأفة على الرحمة في وصف نبينا صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى : ( بِالْمُؤْمِنِينَ رءوف رَحِيمٌ )[التوبة:128] ، وذلك على اعتبار أن الرأفة مبالغة في الرحمة ، والمبالغة في الرحمة تتعلق بخاصة المؤمنين ، أما الرحمة في اسمه الرحمن فإنها تتعلق بالخلائق أجمعين ، فالأمر في الرأفة والرحمة على قدر الولاية والإيمان وعلى حسب علو الهمة في عمل الإنسان وقد كانت رأفة النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ما بعدها رأفة.
والرءوف سبحانه هو الذي يتعطف على عباده المؤمنين بحفظ سمعهم وأبصارهم وحركاتهم وسكناتهم في توحيده وطاعته وهذا من كمال الرأفة بالصادقين ، روى البخاري من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي : ( وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ التِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ التِي يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ).
وكذلك الرءوف يدل على معنى التعطف على عباده المذنبين ، فيفتح لهم باب التوبة ما لم تغرغر النفس أو تطلع الشمس من مغربها ، فقد روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ تَابَ قَبْل أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللهُ عَليْه ) ، وعنده أيضا من حديث أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه أنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال : ( إِن اللهَ عَزَّ وَجَل يَبْسُطُ يَدَهُ بِالليْل ليَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ ليَتُوبَ مُسِيء الليْل حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ) ، والرءوف أيضا هو الذي يخفف عن عباده فلا يكلفهم ما يشق عليهم أو يخرج عن وسعهم وطاقتهم ، قال تعالى : ( يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً)[النساء:28] ، وقال :( لا يُكَلفُ اللهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا )[البقرة:286 ].
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions Inc. All rights reserved.