المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل ودعنا الثقافة؟



العصامي
07-01-2010, 09:33 PM
582 محطة ناطقة بالعربية.... سؤال المليون: هل ودعنا الثقافة؟
بقلم: مصطفى محمد العمري، صحيفة القدس العربي:

شهد العالم في الفترة الأخيرة نموا مطردا في عدد القنوات الفضائية وخصوصا بعد انطلاقها بشكل كبير بعد غزو العراق عام 2003 فلم تعد هناك قيود على منح التصاريح لتشغيل تلك المحطات كما في السابق، حيث أشار التقرير السنوي الأخير الصادر عن مؤسسة الفكر العربي أن 582 محطة ناطقة باللغة العربية تبث برامجها وسط تزايد العدد بشكل كبير عاماً بعد عام، إلا أن المصيبة الحقيقة أن أقل من 5 ' من تلك المحطات الفضائية هي قنوات ثقافية يمكن أن يعتمد عليها كوسيلة لثقافة، أما عن أغلب باقي المحطات التلفزيونية فانها تتوزع بين الأفلام والأغاني والفيديو كليب، والمشكلة الحقيقية ليست هنا فحسب بل ما إضافة التقرير عن معدل القراءة للفرد العربي الذي لا يتجاوز حين تقسمه لمعدل القراءة - لسكان الوطن العربي - بعدد الصفحات سنويا بشيء بالنسبة للمواطن الأمريكي أو البريطاني حيث تلاحظ عند المقارنة الكم المتواضع للفرد العربي، ففي حين تجد أن المواطن الأمريكي ينهي قراءة 11 كتابا سنويا وزميلة البريطاني ينهي 8 كتب سنويا نجد أن المواطن العربي يفتخر بأنه قد أنهى صفحة من كتاب سنويا! وهذا مؤشر جديد أن هناك فجوة كبيرة في الثقافة العربية عند مقارنتها بغيرها.
قبل الخوض في باقي الإحصائيات الأليمة التي بالفعل تنبئ بخطر ثقافي كبير نجد هناك عدة مفاهيم خاطئة بموضوع الخلط بين مفاهيم الثقافة، فهناك ما زال من يعتقد أن الثقافة تشمل أخبار الفنانين وآخر أنواع صرعات الموضة وأخبار الفيديو كليب وآخر الأفلام بعيدا عن العلوم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من الكتب والمؤلفات وغيرها من المجالات التي ترتقي بالفرد وخاصة من الثقافات التي يبدع و يتنوع فيها الغرب، حيث أن هناك من يعتقد أن قراءة كتب الطبخ أو استعراض حياة نجم من نجوم الفن ضمن صفحة في كتاب أو مجلة هو نوع من الثقافة والتي بالتالي ليست بعيدة للأسف عن العالم العربي التي يعتبرها جزءا من الثقافة المقصودة.
هذا في ما يتعلق بالقراءة الورقية سواء من الكتب أو غيرها من وسائل إيصال الثقافة الحديثة ولكن هناك إحصائية أليمة بعض الشيء والتي تنبئ أيضا بمشكلة في النخب الثقافية أيضا سواء بكونها متواضعة من حيث النشر أم بمستواها من حيث عدد القراء الذي يبين قلة المهتمين بموضوع الكتاب، حيث نجد أن هناك كتابا يصدر لكل 12000 عربي بينما يصل في بريطانيا إلى 500 لكل بريطاني وهذا ما يبين أن معدل القراءة للمواطن البريطاني يوازي العربي بنحو 24 مرة! وإذا القينا الضوء على بريطانيا كنموذج نجد أن لها خاصية في الاهتمام بالثقافة ربما لم تستطع أي دولة مجاراتها بكونها أول دولة تنفرد بإنشاء وزارة خاصة للعلوم والتكنولوجيا بجانب وزارة الثقافة لعظم المبلغ على البحوث العالمية والثقافية هناك.
لم تعد مشكلة وصول الثقافة التي كانت طالما تقف حائلا بين الكتاب والمثقف مشكلة كبيرة والتي كنا نقف مكتوفي الأيدي عندها بكونها مشكلة عميقة، حيث لم يعد الكتاب العربي يبتعد عن الوصول إلى يدي ومتناول الموطن العربي كما في السابق فهناك كتب الكترونية وهناك صفحات الانترنت التي جعلت من أي كتاب أو حتى موضوع إلا وقد ناقشته، وبالنظر إلى الثقافة بالنسبة إلى العالم العربي نجد أنها تعاني من مشكلتين أساسيتين من حيث إهمالها، الأولى 'ثقافة النظر إلى الثقافة' حيث تجد أنك إذا ما سافرت إلى بريطانيا أو الولايات المتحدة تجد أن الكتاب لا يفارق الشخص هناك خاصة إذا كان ينتظر حافلة أو شخصا، والسياح هنا أيضا تجد أن الكتاب برفقتهم ليس كدليل فقط بل لكونه شيئا قد تعودوا عليه فأصبح جزءا من حياتهم، أما في التقليد العربي فان هذا الأمر غائب تماما حيث لا تجد شخصا يمسك كتابا لقراءته أثناء الانتظار إلا لمراقبة شخص معين كما المسلسلات! حيث ينظر إلى الكتاب بكونه شيئا من الكماليات أو من أحد الأشياء التي تساعد على النعاس إذا ما أمسكته قبل النوم، أما الأمر الغائب والمؤسف الآخر هو الانتصار لتكنولوجيا الحديثة، حيث أنك تجد عدد المدونات العربية حوالي 490 ألف مدونة وهو رقم كبير ويدعو للتفاؤل بالفعل ولكنك صديقي القارئ ربما تغير رأيك عندما تعرف أن هذا الرقم لا يشكل سوى 0.7' من عدد المدونات العالمية والذي ينذر بخطر أكبر إن لم نستطع مجاراة الثقافة الالكترونية أيضا، حيث أن نشر ثقافتنا المجانية عبر تلك المدونات هو أمر غائب تماما، حيث أن المدونات تعتبر اكبر دليل أن المال ليس هو العائق في دفع الثقافة العربية قدما كما يعتقد البعض لأن المدونات مجانية ولا تحتاج سوى لثقافة فقط، أضف إلى ذلك أن تلك المدونات ربما تكون أفضل من حيث الإبداع لأنها ليست ككتاب من حيث الحرية بل هي عالم بلا رقابة ولا تكلفة ولا صعوبة في النشر.
هذا في ما يخص كيفية الوصول إلى الثقافة أما في طريقة اختيارها فأمر أشد صعوبة، حيث كان في السابق التلفاز أو الإذاعة هي من تحدد للمشاهد العربي ماذا يشاهد وماذا يستمع ولكن هذه الثورة الاتصالية التي فاقت ما كان الشخص يتوقعه جعلت من الفرد نفسه يختار ماذا سيشاهد سواء من التلفاز أو من الإذاعة، حيث إذا ما شاهدنا دوافع استخدام الإنترنت لدى هذا الفرد العربي سنصاب بالدهشة، حيث تحتل نسبة الترفيه في هذه الدراسة المرتبة الأولى وبنسبة 46' بينما يبلغ دافع التماس المعلومات 26 ' وهذا يفسر الاستغلال الضائع كمورد هام للثقافة بكونه مصدر حرية في الاختيار. أما عن عدد المواقع العربية المسجلة فانه يصل إلى 41745 موقعا ولا يشكل هذا العدد سوى ما نسبته 0.026 ' من إجمالي عدد المواقع العالمية، حيث تحتل الإمارات أعلى معدل في نسبة استخدام الإنترنت بين الدول العربية وهي 33 ' تليها قطر بمعدل 26 'أما المعدلات في الدول الأخرى فمتباينة ففي مصر كانت 7 ' وفي السعودية 11' وفي سورية 7'..
وإذا أردنا أن ندرك شيئا هو غاية في الأهمية فننا يجب علينا أن نعرف عدد الملتحقين في القطاع التعليمي لنجد أنها تشابه نسبة براءات الاختراع المسجلة حول العالم ذلك الأمر الذي يفتح بوابة تقصير في مجال مجاراة التعليم والثقافة، حيث ان معدل الالتحاق بالتعليم في الدول العربية لا يتجاوز 21.8 في المائة، بينما يصل في كوريا الجنوبية إلى نسبة 91 '، أما عن استراليا فانه يزيد عن 70 '، وبذلك لا عجب أن نجد كوريا الجنوبية تصدرت قائمة أعلى نسبة في زيادة براءات الاختراع حيث كانت النسبة أعلى نسبة عالميا من حيث الزيادة في براءات الاختراع المسجلة من نصيبها بزيادة تقدر 12' أما عن استراليا فقد سجلت 2082 براءة اختراع، وهذا ما يبين مقياسا جديدا في الفوهة بين الوطن العربي والعالم بالنسبة للثقافة.
بقي القول إذا كانت هذه الإحصائيات بهذا الشكل المروع فماذا يجب أن نفعل وسط هذا الزخم الثقافي الذي يشهده العالم؟ والذي يدل أنه يجب أن تكون هناك وقفة ودعوة لتأمل هذا الواقع المرير، ولكن مع هذا كله يتبادر في ذهني سؤال طالما حيرني هل هناك تقصير متكاتف أم هناك عملية استهداف وتعتيم مقصودة على عدم مواكبة الثقافة التي تعاني منها الأمة؟ حيث تتعرض الثقافة العربية والإسلامية إلى عملية تشويه وإساءة عبر مواقع الإنترنت دون أن يكون هناك رد للدفاع عنها بسبب عدم مجاراة المعلوماتية في مواقعنا، فمواقع الإنترنت العربية سواء التي تنشر بالعربية أو الأجنبية هي في أغلب الأحيان ساذجة ومحدودة من حيث الركب الكبير للمواقع الأجنبية ولا تكاد تساوي شيئا بالنسبة لها لان العالم العربي مازال حتى الآن يعيش في عالمِ آخر بعيدا كليا عن مشاريع بناء الذخائر الرقمية والمعرفية التي أضحت من أهم مقومات الثقافة التي تزداد بتطور التكنولوجيا في عالم اليوم.