مطيع الله
22-01-2010, 02:57 PM
واقعتان استأثرتا باهتمامي الشديد على مدى الأسبوعين الأخيرين: واحدة في الصين والثانية في ألمانيا.. على سعة المسافة الجغرافية بينهما إلا أنهما ينتميان إلى مصدر واحد.. والمصدر هو الهوان الذي استشرى في قلب الأمة.. وجعلها فريسة سهلة لكل من هب ودبّ.. من هنا جاء العنوان..
(1)
كنت اعرف أن سينكيانج هي الاسم الصيني البديل لتركستان الشرقية.. وأنها الجزء الممتد من تركستان التاريخية في داخل الصين.. والتي تمتد غرباً في قلب آسيا الوسطى كلها حتى روسيا.. هي موطن المسلمين الأتراك القدامى بلغته التركية التي تكتب بالحروف العربية.. وينتمي إليهم الشعب التركي الحالي سليل الأتراك العثمانيين الذين انتهت إليهم الخلافة الإسلامية.. فرعوْها حق رعايتها وأقاموا حضارة إسلامية رائعة استمرت عدة قرون كانت فيه الدولة الإسلامية هي العالم الأول، وكانت أوربا هي العالم الثاني المتخلف..
كذلك عرفتُ أن تركستان في سالف الزمان كانت كياناً سياسياً إسلامياً واحداً ثم تمزقت على يد إمبراطورية الروس القياصرة ثم الإتحاد السوفييتي والصين الشيوعية.. تقطعت أشلاء، وتوزّع كيانها في أقليات عرقية صنعها ستالين عن قصدٍ.. وأن المسلمين في الجزء الصيني من تركستان ينتمون إلى قبائل الإيجور.. وليس تعدادهم ثمانية ملايين كما يظن بعض الكتاب العرب ولا واحد وعشرين مليوناً كما تكذب الصين.. ولكن يبلغ تعداد المسلمين في الصين مائة مليون حسب بعض التقديرات المستقلّة.. ولن تعرف حقيقة تعداد المسلمين الصحيح أبداً من تقارير الصين الشيوعية..
أعرف أيضاً أن الإيجور المسلمين تحت النظام الشيوعي خضعوا لاضطهاد متواصل منذ عهد ماوتسي تونج حتى الآن.. رغم منح إقليمهم حكماً ذاتياً [ وهو أمر لم يتحقق أبداً في الواقع وإنما الذي تحقق عكسه تماماً] فالحكومة المركزية منذ بضعة عقود وهي تخطط لتوطين مائة وخمسين مليون صيني من عرق الهان.. لإغراق المنطقة المسلمة بحيث يصبح المسلمون فيها أقلية ضعيفة تحت سيطرة أغلبية استيطانية مدعومة من السلطة الحاكمة.. وأعرف أنه إمعاناً في إذلال المسلمين تم ترحيل ما يقرب من ربع مليون فتاة مسلمة من الإيجور يتراوح أعمارهن بين 16و25سنة إلى شرق الصين للعمل سخرة في المصانع ثم إجبارهن على الزواج من غير المسلمين.. كنوع من الدعارة المقنّنة [ كما ورد بالنص في شهادة ربيعة قادر الناشطة الحقوقية الإيجورية..] وفي مهرجان ملبورن السينمائي بأستراليا يُعرض الآن عنها فيلم وثائقي يصوّر معاملات الصين الإجرامية ضد المسلمين الإيجور.. وتحاول الصين وقف عرض فيلم ربيعة هناك..!
إن الصين لا تدخر وسعاً في التعتيم على مأساة المسلمين في سينكيانج.. وتلجأ إلى كل وسيلة لطمس الهوية الإسلامية فيها.. وقد أنشأت مع روسيا منظمة شانغهاي التي تضم أيضاً أنظمة شيوعية دكتاتورية تشمل أوزبكستان وكازاخستان وقرغيزيا وطاجيكستان وانضمّت إليها الهند فيما بعد.. والهدف هو التعاون معاً على محاربة الإرهاب [يقصدون الإسلام طبعاً]...!
كنت أعرف كل هذا.. حتى الأسبوعين الأخيرين فإذا بوسائل إعلامنا تنقل إلينا أخباراً عجيبة عن اضطرابات عرقية في الصين بين فريقين: واحد اسمه خان والثاني اسمه إيغور في إقليم يسمى شنْغيانغ ( أسماء لم آلفها من قبل).. وأن هذه الاضطرابات قد أسفرت عن مقتل مائتي شخص وإصابة ألف.. في معارك استخدمت فيها السكاكين والأسياخ المعدنية.. والحقيقة أنني لم أفهم الحكاية في بادئ الأمر، فقد ردّدت وسائل الإعلام العربية والأعجمية نفس المحتوى الإخباري دون إشارة لحكاية أن هؤلاء الإيغور مسلمون إطلاقاً وأنهم كانوا المستهدفين بالقتل.. وكدت أن أصرف النظر عن الموضوع إلى ما هو أيسر على الفهم.. لولا أنني تنبّهت إلى حقيقة غابت عن ذاكرتي من فنون التغطية الإعلامية الحديثة.. اصطنعتها ثلّة من خبراء التمويه وتشتيت الأفكار ( تناولتُها مفصلاً في مقالة سابقة) وذلك لصرف الشعوب.. و[المسلمين] بالذات عن فهم ما يدور حولهم وما يُخطّط لهم من مصائر.. سأضرب لك مثلاً بسيطاً يقرّب المسألة إلى الذهن:
لنفترض أنك دُعيت لتسلية مسرحية.. فإذا أنت أمام مشهد مصارعة بين رجلين قد أُلْبس كل منهما قناعاً بحيث لا تستطيع معرفة شخصيته.. احتدمت المعركة بالأيدي..
ولكن أحدهما كان رشيقاً يتحرك بسرعة حول خصمه ويكيل له الضربات من كل جانب.. أما الآخر فكان متخشباً لا يتحرك من مكانه ولا يفعل أكثر من تحريك يديه يميناً وشمالاً كالأبله فلا تصل إلى خصمه.. وانتهت الجولة بسقوط المتخشّب وانتصار الديناميكي.. وصفق جميع الحاضرين للمنتصر.. وكذلك فعلتَ أنت منجرفاً مع حماس الجماهير.. تابعتَهم متعاطفاً مع ذلك المصارع الذي أحسن دوره وتصرف بمهارة وحيوية.. ولكن حدث بالصدفة المحضة وقبل أن يُسدل الستار أن صدرت صرخة استغاثة هائلة من المهزوم فهب المتفرجون يرتقون خشبة المسرح وليروْا هذا المشهد الذي لم يكن يخطر على بال أحد.. المصارع المهزوم كانت قدماه مسلسلتان في الأرض ولم يلحظ أحد ذلك من بداية الجولة إلى نهايتها لأن إضاءة المسرح عتّمت على الأرض حيث موضع الأقدام.. ثم تأتى المفاجأة الثانية إليك: فعندما رفع المشاهدون القناع عن وجه المهزوم إذا به وجه أخيك الذي غُدر به أمامك.. وأنت تصفق لخصمه الغادر وتتعاطف معه وتعجب بمهارة وقوته..
هذا هو على وجه التحديد الهدف الأساسي من الإعلام الموجّه إلى عقول المسلمين: أنصاف حقائق، وتشويش وقائع، وتمويه أسماء، وأقنعة.. أمور يحتار في فهما اللبيب، فما بالك بخالي الذهن من المسلمين وهم الغالبية العظمى...
(2)
أكاد أسمعك تقول: أهذا شيء معقول..,,؟! هل يمكن أن يحدث مثل هذا وأنا غافل إلى هذا الحد من الغفلة..؟! وأقول لك وأكثر منه يحدث كل يوم.. بل في كل لحظة تفتح فيها جهاز التلفزة أو تفتح صحيفتك اليومية لتطّلع على أخبار العالم.. فالأخبار التي لا يتم التركيز عليها من قبل الصحافة الحرة.. والتي لا تقع في مرمى كاميرات التلفزة الحرة مثل مشاهد الاجتياح الإسرائيلي لغزة وإغلاق معبر رفح.. ومثل وقائع الغزو الأمريكي على أفغانستان والعراق.. لولا جرأة وتضحيات صحفيين أحرار مثل تيسير علّوني وصاحبه سامي الحاج لما تيسر لنا ولا للعالم كله أن يرى صور الجرائم البشعة التي ارتكبتها القوات الأمريكية أو الإسرائيلية.. ولو كُنّا قد اعتمدنا على ما يبثه الإعلام الأمريكي المضلل.. وعلى إعلامنا الرسمي المزيّف لما عرفنا حقيقة ما وقع في غزة وفي أفغانستان والعراق أبدا، تسأل لماذا..؟! وأقول:
لقد أصبح تقديم الأخبار فنًّاً درامياً وصناعة مسرحية تُستخدم فيها كل حيل المسرح وأساليبه حتى الموسيقى التصويرية..! وإذا أردت المزيد من الفهم في هذا الجانب العجيب فإنني أحيلك إلى مقال قديم لي بعنوان: "الحيل الدرامية في الأخبار الأمريكية".. نحن كعرب لم نبتدع شيئاً في هذا المجال وإنما نأخذ الأخبار جاهزة الصنع والفبركة.. لا عن جهل وسذاجة من قبل أنظمتنا المتسلّطة.. ولكن لاشتراك الجميع في نفس الأهداف.. تضليل الوعي وتشويش الفكر والتلاعب بالضحية..
(3)
إذا ذهبت تحلل ما نشر من أخبار شهيدة الحجاب المسلمة مروة الشربيني في شريط متطوّر لحظة بلحظة منذ بداية إعلان الخبر حتى اللحظة الحاضرة فسوف تتبيّن لك أموراً عجيبة: فأول ما نشر عن الواقعة كان مصدره الجهات الرسمية على الجبهتين الألمانية والمصرية.. وكان الهدف المشترك واضحاً: وهو تصوير الأمر على أنه مجرد حادثة قتل عادية.. سرعان ما تنتهي آثارها ولن يعرف أحد بعد ذلك شيئاً سوى أنها قضية معروضة في المحكمة.. وتتخيل أنت أن المحكمة ستحقق.. وتصدر قرارها العادل، فهذه دولة متقدمة حريصة على العدل والقانون.. فليذهب الجميع إلى مخادعهم ليغطّوا في نوم عميق..؟!
ولكن لاحظ أن الضحية المسكينة قتلها المجرم في المحكمة أمام القضاة والحراس بطعنات سكين كانت في حوزته.. ولما هبّ زوجها للدفاع عنها طعنه ثلاث طعنات نافذة في المعدة والكبد وأطلق عليه الحارس رصاصة في رجله فسقط في إغماءة طويلة.. لا تسأل كيف سُمح للمتهم القاتل بحمل سكين معه إلى داخل المحكمة..؟! وكيف تُرك طول الوقت يسدّد ثمانية عشرة طعنة بدون تدخل من الحراس.. ولم يصدر من القضاة صيحة غضب على الحرس لنجدة الضحية من الاغتيال الذي يجري أمام أعينهم..؟!! وكيف عَمِيَ الحارس الألماني فلم يفرّق بين المجرم المعتدي وبين الزوج المدافع..؟؟ أسئلة لن يجيب عليها أحد..
فلندع الموقف الألماني جانباً ولننظر إلى الموقف المصري: في أول الأمر كانت محاولة ساذجة للتغطية على الحقيقة.. وربما أيضاً على الجهل والتقصير المعهود في حقوق المواطنين المصريين المقيمين بالخارج.. وفي واقعة اغتيال الشهيدة "مروة الشربيني".. لم يكشف تصريح السفارة البيانات الحقيقية التي كانت معروفة للآخرين ممن شاهدوا واقعة الاغتيال في المحكمة.. وعندما تطرّق إلى أسباب الواقعة [ألمح إلى وجود علاقة خصومة سابقة مع القاتل وجدل اعتادا عليه في حديقة عامة تتردد عليها القتيلة]..
أنت كقارئ: ماذا يمكن أن تفهم من هذا الكلام الغامض بل البذيء..؟ ربما أراد به صاحبه أن يلقي بظلال من الشك على سلوك الضحية التي أصرت على أن تتردد على نفس المكان الذي تعرضت فيه للإهانة من أول الأمر.. والتي سمحت لنفسها بأن تدخل في جدال مع رجل أجنبيّ.. هذه النقطة التي أثارها مسئول السفارة بالذات هي التي أثارت انتباهي بشدّة إلى أن هناك فبركة مقصودة في الموضوع.. إذ سألت نفسي: كيف تسنّى لهذا المتحدث أن يعرف هذه الخلفية في ذلك الوقت المبكر قبل أن تتكشف حقائق الأمور..؟!
(4)
وفيما يلي نحاول إعادة تصوير السيناريو الحقيقي وفقاً لترتيب الأحداث كما وقعت: المواطنة المصرية صيدلانية في رفقة زوجها المبعوث إلى ألمانيا للحصول على درجة الدكتوراه في الهندسة الوراثية.. وقد اعتادت أن تأخذ طفلها البالغ من العمر ثلاثة أعوام إلى حديقة عامة بها ألعاب خاصة بالأطفال.. فهذه فسحته اليومية مع أمه الحامل في شهرها الثالث.. والتي تجد بعض الترويح عن النفس واستنشاق الهواء الطلق في صيف ألمانيا الحار.. لكن يهبط على المكان عاطل لا ثقافة له سوى ما يقرأ في الصحف الرخيصة الصفراء التي تقدّم لقرائها الجهلاء مع أخبار الجنس والفضائح وجبة يومية من الصور الحقيرة والمعلومات المزيفة عن الإسلام والمسلمين.. وتبث في قرّائها روح العنصرية والكراهية لهؤلاء الإرهابيين المسلمين الذين اقتحموا البلاد ليزاحموا الشباب الألماني على الوظائف الشحيحة خصوصاً في أجواء الأزمة الاقتصادية السائدة.. ثم يسمع من قادته السياسيين أن مصدر كل مشاكله هو الهجرة غير الشرعية والحجاب الذي هو رمز الإرهاب والتخلّف.. وأن حكومات أوربا كلها منخرطة في إصدار تشريعات لتضييق الخناق على المسلمين.. وتحريم الحجاب في المدارس والأعمال..
لولا هذه الخلفية الثقافية العنصرية السائدة لما تجرأ هذا المجرم على التعرض لسيدة متحجبة تحاول الترويح عن نفسها وعن طفلها الصغير في بلاد الغربة.. لقد تعرض لها ببذاءات لفظية وحاول نزع حجابها بالقوة.. فجابهته بشجاعة وهى وحيدة..! إنها سيدة قوية الشخصية صلبة الإرادة لا تسكت عن حقها والدفاع عن كرامتها ودينها فذهبت أول الأمر إلى قنصليتها المصرية في درسدن على أمل أن تساعدها في اتخاذ إجراء مع السلطات المحلّية لمنع هذا البلطجي من التعرض لها مرة أخرى.. ولكن كالعادة لم تفعل لها القنصلية شيئاً.. [خصوصاً وأنها محجّبة] .. فالحملة على الحجاب والمحجبات قائمة في البلاد المصرية.. وموقف الوزراء من الحجاب معروف.. وطبعاً كل هذه الحقائق كانت ماثلة في عقل السادة الدبلوماسيين الذين تعاملوا مع مأساة الشهيدة المحجبة باستخفاف وبلادة.. بل إن المتحدث عن السفارة في أول تصريح له أنكر صلة الحجاب بواقعة الاعتداء والاغتيال.. وكأنه (للعجب !) يبرئ المجرم حتى قبل المحاكمة من تهمة العنصرية.. مع ثبوت واقعة محاولته نزع الحجاب عن رأس مروة التي استماتت في الدفاع عن حجابها وعن نفسها...!
(5)
آخر مشهد ثقافي مخزٍ في مصر ينطق بحقيقة لا يمكن إنكارها وهى أن التمسّك بالحجاب والتوجه الإسلامي بصفة عامة ليس مرغوبا فيه.. والمجال ينفسح الآن.. وتتسارع خطى الحاقدين والمنافقين نحو العلمنة الشاملة وتمكين القوى الكارهة للإسلام وقيم الإسلام من الإجهاز على البقية الباقية من قلاع المقاومة الإسلامية.. وإلا فما معنى أن تمنح الدولة جائزتها التقديرية متحدّية مشاعر الناس لشخص لا قدم له في العلم ولا في المعرفة والثقافة مثل سيد القمني المعروف بافتراءاته على الإسلام ونبي الإسلام وتاريخ الإسلام..؟!
وما معنى أن تنظم مجموعة من وزارة الثقافة (موقفهم من الإسلام معروف، ويقودهم جابر عصفور) بتنظيم مؤتمر في مكتبة الإسكندرية يدعى إليه عدد كبير من الكتاب العرب منهم مروّجين عتاة للإلحاد في كتاباتهم.. وعلى رأسهم حيدر حيدر صاحب الرواية الحقيرة " وليمة لأعشاب البحر" .. فهل تذكرون العاصفة التي سببتها وزارة الثقافة بنشر هذه الرواية.. وتوزيعها بسعر أقل من تكلفتها الحقيقية..؟؟ وكأن مهمتها هي ترويج أدب الفسق والإلحاد بين الشباب.. [هذا على كل حال هو محتوى الرواية ولبّها].. وإن أردت مزيداً من التفاصيل فاقرأ مقالات الدكتور محمد عباس، وعلى الأخص كتابه "الوعي ينزف من ثقوب الذاكرة" على موقعه في شبكة الإنترنت.. فهو الذي تصدّى للرواية القبيحة بقوة وجسارة نادرة في صحيفة الشعب التي أصبحت من ذلك اليوم محظورة..! واقرأ أيضا كتاب الدكتور جابر قميحة في دراسته النقدية التحليلية المتميّزة للرواية.. فسترى ما يراد لهذه الأمة أن تتردّى فيه.. وستعرف حقيقة دور النخبة المهيمنة على الثقافة في مصر.. يصفهم بعض الكتاب بالشيوعيين القدامى..
ولكن للأسف الشديد ولسوء حظ هذه الأمة أنهم بعكس كل الماركسيين الذين أعرفهم في العالم أهملوا أفضل ما في الماركسية من عدالة اجتماعية (على غلوائها).. ولم يبقَ عندهم من الشيوعية المندثرة سوى العداء للإسلام والمسلمين.. وكراهية مقيتة لحركة النهضة الإسلامية الوسطية.. الماركسيون الغربيون على العكس من ذلك تماما فقد تخلّوا عن الشيوعية.. ولكنهم انخرطوا في حركات حماية البيئة والأحزاب السياسية المناهضة للعدوان الإمبريالي على العراق وأفغانستان وفلسطين.. وهم يحشدون في أوروبا ملايين البشر للتظاهر ضد التدخلات العسكرية الجامحة.. وضد العولمة وضد الاستغلال الاقتصادي للشعوب الفقيرة.. وإغراقها في عبودية الديون البنكية.. نموذج هذا النوع من المثقفين "جورج جالاوي".. ونحن نعرف ماذا فعل هذا الرجل الشجاع ويفعل لكسر الحصار عن غزة ..
أما شلّة الشيوعيين القدامى عندنا فقد شمروا سواعدهم لمهمة واحدة يشاركون فيها السلطة في نهب أموال الشعب عن طريق احتكار مراكز التوجيه والجوائز والعطايا السائبة.. في مقابل هدم هوية الأمة المسلمة وما تبقّى فيها من روح المقاومة.. إنهم يتنافسون الآن على ميراث وزير الثقافة في حالة خروجه..! كل واحد منهم يجتهد في إرسال إشارة قويّة الدلالة إلى ولاة الأمر في قمة السلطة أنه لا يقل حرصاً وألمعية عن الوزير في أداء المهمة: تشويش عقل الأمة.. وتحقير دينها.. وصرف الشباب عن جادة الطريق.. وإشغالهم بسفاسف الأمور.. وترّهات الأعمال...!
هكذا تتداعى الأكلة على قصعة المسلمين التي أصبحت نهباً مباحاً لكل من هبّ ودب على الأرض من الصين في أقصى الشرق إلى ألمانيا في أقصى الغرب.. مروراً بالمحروسة في قلب العالم العربي والإسلامي.. كلّهم طامعون وكلهم مشتركون في جريمة واحدة.. وهي محاولة استئصال الإسلام والقرآن من عقول المسلمين وقلوبهم.. ولكن اغتيال مروة الشربيني شهيدة الحجاب بهذه الطريقة البشعة.. ومحاولة التعتيم على الحقائق المحيطة بها.. ثم انكشافها الذي أحدث ردة فعل عارمة في العالم.. كل هذا دليل على أن الطريق إلى تحقيق مخططات هذه الطغمة المترفة الفاسدة دونه أهوال لا تقع في الحسبان.. والله غالب على أمره...!
بقلم محمد يوسف عدس
(1)
كنت اعرف أن سينكيانج هي الاسم الصيني البديل لتركستان الشرقية.. وأنها الجزء الممتد من تركستان التاريخية في داخل الصين.. والتي تمتد غرباً في قلب آسيا الوسطى كلها حتى روسيا.. هي موطن المسلمين الأتراك القدامى بلغته التركية التي تكتب بالحروف العربية.. وينتمي إليهم الشعب التركي الحالي سليل الأتراك العثمانيين الذين انتهت إليهم الخلافة الإسلامية.. فرعوْها حق رعايتها وأقاموا حضارة إسلامية رائعة استمرت عدة قرون كانت فيه الدولة الإسلامية هي العالم الأول، وكانت أوربا هي العالم الثاني المتخلف..
كذلك عرفتُ أن تركستان في سالف الزمان كانت كياناً سياسياً إسلامياً واحداً ثم تمزقت على يد إمبراطورية الروس القياصرة ثم الإتحاد السوفييتي والصين الشيوعية.. تقطعت أشلاء، وتوزّع كيانها في أقليات عرقية صنعها ستالين عن قصدٍ.. وأن المسلمين في الجزء الصيني من تركستان ينتمون إلى قبائل الإيجور.. وليس تعدادهم ثمانية ملايين كما يظن بعض الكتاب العرب ولا واحد وعشرين مليوناً كما تكذب الصين.. ولكن يبلغ تعداد المسلمين في الصين مائة مليون حسب بعض التقديرات المستقلّة.. ولن تعرف حقيقة تعداد المسلمين الصحيح أبداً من تقارير الصين الشيوعية..
أعرف أيضاً أن الإيجور المسلمين تحت النظام الشيوعي خضعوا لاضطهاد متواصل منذ عهد ماوتسي تونج حتى الآن.. رغم منح إقليمهم حكماً ذاتياً [ وهو أمر لم يتحقق أبداً في الواقع وإنما الذي تحقق عكسه تماماً] فالحكومة المركزية منذ بضعة عقود وهي تخطط لتوطين مائة وخمسين مليون صيني من عرق الهان.. لإغراق المنطقة المسلمة بحيث يصبح المسلمون فيها أقلية ضعيفة تحت سيطرة أغلبية استيطانية مدعومة من السلطة الحاكمة.. وأعرف أنه إمعاناً في إذلال المسلمين تم ترحيل ما يقرب من ربع مليون فتاة مسلمة من الإيجور يتراوح أعمارهن بين 16و25سنة إلى شرق الصين للعمل سخرة في المصانع ثم إجبارهن على الزواج من غير المسلمين.. كنوع من الدعارة المقنّنة [ كما ورد بالنص في شهادة ربيعة قادر الناشطة الحقوقية الإيجورية..] وفي مهرجان ملبورن السينمائي بأستراليا يُعرض الآن عنها فيلم وثائقي يصوّر معاملات الصين الإجرامية ضد المسلمين الإيجور.. وتحاول الصين وقف عرض فيلم ربيعة هناك..!
إن الصين لا تدخر وسعاً في التعتيم على مأساة المسلمين في سينكيانج.. وتلجأ إلى كل وسيلة لطمس الهوية الإسلامية فيها.. وقد أنشأت مع روسيا منظمة شانغهاي التي تضم أيضاً أنظمة شيوعية دكتاتورية تشمل أوزبكستان وكازاخستان وقرغيزيا وطاجيكستان وانضمّت إليها الهند فيما بعد.. والهدف هو التعاون معاً على محاربة الإرهاب [يقصدون الإسلام طبعاً]...!
كنت أعرف كل هذا.. حتى الأسبوعين الأخيرين فإذا بوسائل إعلامنا تنقل إلينا أخباراً عجيبة عن اضطرابات عرقية في الصين بين فريقين: واحد اسمه خان والثاني اسمه إيغور في إقليم يسمى شنْغيانغ ( أسماء لم آلفها من قبل).. وأن هذه الاضطرابات قد أسفرت عن مقتل مائتي شخص وإصابة ألف.. في معارك استخدمت فيها السكاكين والأسياخ المعدنية.. والحقيقة أنني لم أفهم الحكاية في بادئ الأمر، فقد ردّدت وسائل الإعلام العربية والأعجمية نفس المحتوى الإخباري دون إشارة لحكاية أن هؤلاء الإيغور مسلمون إطلاقاً وأنهم كانوا المستهدفين بالقتل.. وكدت أن أصرف النظر عن الموضوع إلى ما هو أيسر على الفهم.. لولا أنني تنبّهت إلى حقيقة غابت عن ذاكرتي من فنون التغطية الإعلامية الحديثة.. اصطنعتها ثلّة من خبراء التمويه وتشتيت الأفكار ( تناولتُها مفصلاً في مقالة سابقة) وذلك لصرف الشعوب.. و[المسلمين] بالذات عن فهم ما يدور حولهم وما يُخطّط لهم من مصائر.. سأضرب لك مثلاً بسيطاً يقرّب المسألة إلى الذهن:
لنفترض أنك دُعيت لتسلية مسرحية.. فإذا أنت أمام مشهد مصارعة بين رجلين قد أُلْبس كل منهما قناعاً بحيث لا تستطيع معرفة شخصيته.. احتدمت المعركة بالأيدي..
ولكن أحدهما كان رشيقاً يتحرك بسرعة حول خصمه ويكيل له الضربات من كل جانب.. أما الآخر فكان متخشباً لا يتحرك من مكانه ولا يفعل أكثر من تحريك يديه يميناً وشمالاً كالأبله فلا تصل إلى خصمه.. وانتهت الجولة بسقوط المتخشّب وانتصار الديناميكي.. وصفق جميع الحاضرين للمنتصر.. وكذلك فعلتَ أنت منجرفاً مع حماس الجماهير.. تابعتَهم متعاطفاً مع ذلك المصارع الذي أحسن دوره وتصرف بمهارة وحيوية.. ولكن حدث بالصدفة المحضة وقبل أن يُسدل الستار أن صدرت صرخة استغاثة هائلة من المهزوم فهب المتفرجون يرتقون خشبة المسرح وليروْا هذا المشهد الذي لم يكن يخطر على بال أحد.. المصارع المهزوم كانت قدماه مسلسلتان في الأرض ولم يلحظ أحد ذلك من بداية الجولة إلى نهايتها لأن إضاءة المسرح عتّمت على الأرض حيث موضع الأقدام.. ثم تأتى المفاجأة الثانية إليك: فعندما رفع المشاهدون القناع عن وجه المهزوم إذا به وجه أخيك الذي غُدر به أمامك.. وأنت تصفق لخصمه الغادر وتتعاطف معه وتعجب بمهارة وقوته..
هذا هو على وجه التحديد الهدف الأساسي من الإعلام الموجّه إلى عقول المسلمين: أنصاف حقائق، وتشويش وقائع، وتمويه أسماء، وأقنعة.. أمور يحتار في فهما اللبيب، فما بالك بخالي الذهن من المسلمين وهم الغالبية العظمى...
(2)
أكاد أسمعك تقول: أهذا شيء معقول..,,؟! هل يمكن أن يحدث مثل هذا وأنا غافل إلى هذا الحد من الغفلة..؟! وأقول لك وأكثر منه يحدث كل يوم.. بل في كل لحظة تفتح فيها جهاز التلفزة أو تفتح صحيفتك اليومية لتطّلع على أخبار العالم.. فالأخبار التي لا يتم التركيز عليها من قبل الصحافة الحرة.. والتي لا تقع في مرمى كاميرات التلفزة الحرة مثل مشاهد الاجتياح الإسرائيلي لغزة وإغلاق معبر رفح.. ومثل وقائع الغزو الأمريكي على أفغانستان والعراق.. لولا جرأة وتضحيات صحفيين أحرار مثل تيسير علّوني وصاحبه سامي الحاج لما تيسر لنا ولا للعالم كله أن يرى صور الجرائم البشعة التي ارتكبتها القوات الأمريكية أو الإسرائيلية.. ولو كُنّا قد اعتمدنا على ما يبثه الإعلام الأمريكي المضلل.. وعلى إعلامنا الرسمي المزيّف لما عرفنا حقيقة ما وقع في غزة وفي أفغانستان والعراق أبدا، تسأل لماذا..؟! وأقول:
لقد أصبح تقديم الأخبار فنًّاً درامياً وصناعة مسرحية تُستخدم فيها كل حيل المسرح وأساليبه حتى الموسيقى التصويرية..! وإذا أردت المزيد من الفهم في هذا الجانب العجيب فإنني أحيلك إلى مقال قديم لي بعنوان: "الحيل الدرامية في الأخبار الأمريكية".. نحن كعرب لم نبتدع شيئاً في هذا المجال وإنما نأخذ الأخبار جاهزة الصنع والفبركة.. لا عن جهل وسذاجة من قبل أنظمتنا المتسلّطة.. ولكن لاشتراك الجميع في نفس الأهداف.. تضليل الوعي وتشويش الفكر والتلاعب بالضحية..
(3)
إذا ذهبت تحلل ما نشر من أخبار شهيدة الحجاب المسلمة مروة الشربيني في شريط متطوّر لحظة بلحظة منذ بداية إعلان الخبر حتى اللحظة الحاضرة فسوف تتبيّن لك أموراً عجيبة: فأول ما نشر عن الواقعة كان مصدره الجهات الرسمية على الجبهتين الألمانية والمصرية.. وكان الهدف المشترك واضحاً: وهو تصوير الأمر على أنه مجرد حادثة قتل عادية.. سرعان ما تنتهي آثارها ولن يعرف أحد بعد ذلك شيئاً سوى أنها قضية معروضة في المحكمة.. وتتخيل أنت أن المحكمة ستحقق.. وتصدر قرارها العادل، فهذه دولة متقدمة حريصة على العدل والقانون.. فليذهب الجميع إلى مخادعهم ليغطّوا في نوم عميق..؟!
ولكن لاحظ أن الضحية المسكينة قتلها المجرم في المحكمة أمام القضاة والحراس بطعنات سكين كانت في حوزته.. ولما هبّ زوجها للدفاع عنها طعنه ثلاث طعنات نافذة في المعدة والكبد وأطلق عليه الحارس رصاصة في رجله فسقط في إغماءة طويلة.. لا تسأل كيف سُمح للمتهم القاتل بحمل سكين معه إلى داخل المحكمة..؟! وكيف تُرك طول الوقت يسدّد ثمانية عشرة طعنة بدون تدخل من الحراس.. ولم يصدر من القضاة صيحة غضب على الحرس لنجدة الضحية من الاغتيال الذي يجري أمام أعينهم..؟!! وكيف عَمِيَ الحارس الألماني فلم يفرّق بين المجرم المعتدي وبين الزوج المدافع..؟؟ أسئلة لن يجيب عليها أحد..
فلندع الموقف الألماني جانباً ولننظر إلى الموقف المصري: في أول الأمر كانت محاولة ساذجة للتغطية على الحقيقة.. وربما أيضاً على الجهل والتقصير المعهود في حقوق المواطنين المصريين المقيمين بالخارج.. وفي واقعة اغتيال الشهيدة "مروة الشربيني".. لم يكشف تصريح السفارة البيانات الحقيقية التي كانت معروفة للآخرين ممن شاهدوا واقعة الاغتيال في المحكمة.. وعندما تطرّق إلى أسباب الواقعة [ألمح إلى وجود علاقة خصومة سابقة مع القاتل وجدل اعتادا عليه في حديقة عامة تتردد عليها القتيلة]..
أنت كقارئ: ماذا يمكن أن تفهم من هذا الكلام الغامض بل البذيء..؟ ربما أراد به صاحبه أن يلقي بظلال من الشك على سلوك الضحية التي أصرت على أن تتردد على نفس المكان الذي تعرضت فيه للإهانة من أول الأمر.. والتي سمحت لنفسها بأن تدخل في جدال مع رجل أجنبيّ.. هذه النقطة التي أثارها مسئول السفارة بالذات هي التي أثارت انتباهي بشدّة إلى أن هناك فبركة مقصودة في الموضوع.. إذ سألت نفسي: كيف تسنّى لهذا المتحدث أن يعرف هذه الخلفية في ذلك الوقت المبكر قبل أن تتكشف حقائق الأمور..؟!
(4)
وفيما يلي نحاول إعادة تصوير السيناريو الحقيقي وفقاً لترتيب الأحداث كما وقعت: المواطنة المصرية صيدلانية في رفقة زوجها المبعوث إلى ألمانيا للحصول على درجة الدكتوراه في الهندسة الوراثية.. وقد اعتادت أن تأخذ طفلها البالغ من العمر ثلاثة أعوام إلى حديقة عامة بها ألعاب خاصة بالأطفال.. فهذه فسحته اليومية مع أمه الحامل في شهرها الثالث.. والتي تجد بعض الترويح عن النفس واستنشاق الهواء الطلق في صيف ألمانيا الحار.. لكن يهبط على المكان عاطل لا ثقافة له سوى ما يقرأ في الصحف الرخيصة الصفراء التي تقدّم لقرائها الجهلاء مع أخبار الجنس والفضائح وجبة يومية من الصور الحقيرة والمعلومات المزيفة عن الإسلام والمسلمين.. وتبث في قرّائها روح العنصرية والكراهية لهؤلاء الإرهابيين المسلمين الذين اقتحموا البلاد ليزاحموا الشباب الألماني على الوظائف الشحيحة خصوصاً في أجواء الأزمة الاقتصادية السائدة.. ثم يسمع من قادته السياسيين أن مصدر كل مشاكله هو الهجرة غير الشرعية والحجاب الذي هو رمز الإرهاب والتخلّف.. وأن حكومات أوربا كلها منخرطة في إصدار تشريعات لتضييق الخناق على المسلمين.. وتحريم الحجاب في المدارس والأعمال..
لولا هذه الخلفية الثقافية العنصرية السائدة لما تجرأ هذا المجرم على التعرض لسيدة متحجبة تحاول الترويح عن نفسها وعن طفلها الصغير في بلاد الغربة.. لقد تعرض لها ببذاءات لفظية وحاول نزع حجابها بالقوة.. فجابهته بشجاعة وهى وحيدة..! إنها سيدة قوية الشخصية صلبة الإرادة لا تسكت عن حقها والدفاع عن كرامتها ودينها فذهبت أول الأمر إلى قنصليتها المصرية في درسدن على أمل أن تساعدها في اتخاذ إجراء مع السلطات المحلّية لمنع هذا البلطجي من التعرض لها مرة أخرى.. ولكن كالعادة لم تفعل لها القنصلية شيئاً.. [خصوصاً وأنها محجّبة] .. فالحملة على الحجاب والمحجبات قائمة في البلاد المصرية.. وموقف الوزراء من الحجاب معروف.. وطبعاً كل هذه الحقائق كانت ماثلة في عقل السادة الدبلوماسيين الذين تعاملوا مع مأساة الشهيدة المحجبة باستخفاف وبلادة.. بل إن المتحدث عن السفارة في أول تصريح له أنكر صلة الحجاب بواقعة الاعتداء والاغتيال.. وكأنه (للعجب !) يبرئ المجرم حتى قبل المحاكمة من تهمة العنصرية.. مع ثبوت واقعة محاولته نزع الحجاب عن رأس مروة التي استماتت في الدفاع عن حجابها وعن نفسها...!
(5)
آخر مشهد ثقافي مخزٍ في مصر ينطق بحقيقة لا يمكن إنكارها وهى أن التمسّك بالحجاب والتوجه الإسلامي بصفة عامة ليس مرغوبا فيه.. والمجال ينفسح الآن.. وتتسارع خطى الحاقدين والمنافقين نحو العلمنة الشاملة وتمكين القوى الكارهة للإسلام وقيم الإسلام من الإجهاز على البقية الباقية من قلاع المقاومة الإسلامية.. وإلا فما معنى أن تمنح الدولة جائزتها التقديرية متحدّية مشاعر الناس لشخص لا قدم له في العلم ولا في المعرفة والثقافة مثل سيد القمني المعروف بافتراءاته على الإسلام ونبي الإسلام وتاريخ الإسلام..؟!
وما معنى أن تنظم مجموعة من وزارة الثقافة (موقفهم من الإسلام معروف، ويقودهم جابر عصفور) بتنظيم مؤتمر في مكتبة الإسكندرية يدعى إليه عدد كبير من الكتاب العرب منهم مروّجين عتاة للإلحاد في كتاباتهم.. وعلى رأسهم حيدر حيدر صاحب الرواية الحقيرة " وليمة لأعشاب البحر" .. فهل تذكرون العاصفة التي سببتها وزارة الثقافة بنشر هذه الرواية.. وتوزيعها بسعر أقل من تكلفتها الحقيقية..؟؟ وكأن مهمتها هي ترويج أدب الفسق والإلحاد بين الشباب.. [هذا على كل حال هو محتوى الرواية ولبّها].. وإن أردت مزيداً من التفاصيل فاقرأ مقالات الدكتور محمد عباس، وعلى الأخص كتابه "الوعي ينزف من ثقوب الذاكرة" على موقعه في شبكة الإنترنت.. فهو الذي تصدّى للرواية القبيحة بقوة وجسارة نادرة في صحيفة الشعب التي أصبحت من ذلك اليوم محظورة..! واقرأ أيضا كتاب الدكتور جابر قميحة في دراسته النقدية التحليلية المتميّزة للرواية.. فسترى ما يراد لهذه الأمة أن تتردّى فيه.. وستعرف حقيقة دور النخبة المهيمنة على الثقافة في مصر.. يصفهم بعض الكتاب بالشيوعيين القدامى..
ولكن للأسف الشديد ولسوء حظ هذه الأمة أنهم بعكس كل الماركسيين الذين أعرفهم في العالم أهملوا أفضل ما في الماركسية من عدالة اجتماعية (على غلوائها).. ولم يبقَ عندهم من الشيوعية المندثرة سوى العداء للإسلام والمسلمين.. وكراهية مقيتة لحركة النهضة الإسلامية الوسطية.. الماركسيون الغربيون على العكس من ذلك تماما فقد تخلّوا عن الشيوعية.. ولكنهم انخرطوا في حركات حماية البيئة والأحزاب السياسية المناهضة للعدوان الإمبريالي على العراق وأفغانستان وفلسطين.. وهم يحشدون في أوروبا ملايين البشر للتظاهر ضد التدخلات العسكرية الجامحة.. وضد العولمة وضد الاستغلال الاقتصادي للشعوب الفقيرة.. وإغراقها في عبودية الديون البنكية.. نموذج هذا النوع من المثقفين "جورج جالاوي".. ونحن نعرف ماذا فعل هذا الرجل الشجاع ويفعل لكسر الحصار عن غزة ..
أما شلّة الشيوعيين القدامى عندنا فقد شمروا سواعدهم لمهمة واحدة يشاركون فيها السلطة في نهب أموال الشعب عن طريق احتكار مراكز التوجيه والجوائز والعطايا السائبة.. في مقابل هدم هوية الأمة المسلمة وما تبقّى فيها من روح المقاومة.. إنهم يتنافسون الآن على ميراث وزير الثقافة في حالة خروجه..! كل واحد منهم يجتهد في إرسال إشارة قويّة الدلالة إلى ولاة الأمر في قمة السلطة أنه لا يقل حرصاً وألمعية عن الوزير في أداء المهمة: تشويش عقل الأمة.. وتحقير دينها.. وصرف الشباب عن جادة الطريق.. وإشغالهم بسفاسف الأمور.. وترّهات الأعمال...!
هكذا تتداعى الأكلة على قصعة المسلمين التي أصبحت نهباً مباحاً لكل من هبّ ودب على الأرض من الصين في أقصى الشرق إلى ألمانيا في أقصى الغرب.. مروراً بالمحروسة في قلب العالم العربي والإسلامي.. كلّهم طامعون وكلهم مشتركون في جريمة واحدة.. وهي محاولة استئصال الإسلام والقرآن من عقول المسلمين وقلوبهم.. ولكن اغتيال مروة الشربيني شهيدة الحجاب بهذه الطريقة البشعة.. ومحاولة التعتيم على الحقائق المحيطة بها.. ثم انكشافها الذي أحدث ردة فعل عارمة في العالم.. كل هذا دليل على أن الطريق إلى تحقيق مخططات هذه الطغمة المترفة الفاسدة دونه أهوال لا تقع في الحسبان.. والله غالب على أمره...!
بقلم محمد يوسف عدس