الشعال
03-02-2010, 08:21 AM
د.القرة داغي: مطلوب اعتماد البصمة الوراثية قبل نظر دعاوى اللعان
د. الفقيه: تحليل الـ dna يجوز لإقناع الزوج .. والإلزام به محل خلاف
عبد الحق: أحذر الزوجين من خطورة الكذب في اللعان
د.البسيوني: البصمة الوراثية علم يقيني في إثبات ونفي النسب
د. واصل : نتائج التحليل مقدمة على "اللعان" في قضايا النسب
كتب – عمرو توفيق:
أثارت قضية رفض أب نسب ابنته بسبب الشك في زوجته ، والتي نشرتها الراية يوم الأحد الماضي ردود أفعال واسعة داخل المجتمع، خاصة ان الطفلة - التي سقط نسبها بحكم قضائي عبر دعوى "اللعان" التي أقامها الأب - هى التي تدفع الثمن في النهاية ، فقدت مستقبلها قبل أن ترى نور الحياة ، وطاردتها وصمة العار قبل أن يكتب لها شهادة ميلاد.
وتعود أحداث القصة إلى عام 2007 عندما حملت الزوجة للمرة العاشرة، لتفاجأ بالزوج يتهمها بالزنا ويطالبها بإسقاط الجنين، وهو ما رفضته، وعندما أنجبت طفلة رفض الزوج الاعتراف بها وأقام ضدها دعوى زنا، ولكن المحكمة رفضت الدعوى لعدم وجود شهود، ولجأ الزوج إلى رفع قضية "لعان" وعندها حكمت المحكمة بالتفريق بينهما، ويرفض الزوج الاعتراف بالطفلة التي تعاني من مرض غريب يصفه الأطباء بـ "الشلل الدماغي".
وفي محاولة لاستجلاء الحقيقة وحكم الشريعة الإسلامية في القضية؛ استطلعت الراية آراء عدد من العلماء حول أحكام اللعان، وإشكالية نسب الطفلة، والحلول المتاحة أمام الزوجة.
في البداية حذر العلماء من خطورة الشكوك والظنون التي تؤدي إلى انهيار بيوت المسلمين، مؤكدين التفريق بين الأزواج من أهم أهداف الشيطان لما يترتب عليه من ضياع الأبناء وانحلال الأسر والمجتمعات.
وطالبوا الأزواج بضرورة التحلي بالصبر في مثل هذه القضايا وعدم الانفراد بالرأي، وضرورة مراجعة العلماء والعقلاء من أهل الخبرة والرأي السديد، وعدم الانجرار وراء الظنون والأوهام، خاصة في هذا الزمان الذي تدهورت فيه الأخلاق، مؤكدين أن الأصل في المسلم والمسلمة براءة الذمة والطهارة والشرف، وأن ذلك يقين لا يزول بمجرد الشك لكن باليقين المماثل.
وأوضحوا أن الإسلام يعتني بشدة ولأقصى درجة بقضية الأنساب والمحافظة عليها، بالإضافة إلى المحافظة على طهارة المجتمع وعدم إشاعة الفاحشة، لذلك غلظ عقوبة القذف، وشدد على وجود أربعة شهداء لإثبات الزنى، وذلك حتى لايفتح الباب أمام النفوس الضعيفة لإشاعة الفاحشة في المجتمع، والتلاعب في الأعراض والأنساب بالاتهامات الباطلة.
وحول القضية المطروحة، دعا العلماء الزوجة إلى رفع قضية والمطالبة بإجراء تحليل طبي يثبت نسب الطفلة، وهو ما يعرف بالبصمة الوراثية للحمض النووي (dna).
كما اقترح العلماء أن يعتمد القضاء هذه التقنية قبل إجراء قضية اللعان لمحاولة إقناع الزوج بالعدول عن ذلك أو مجرد طلب التفريق دون رفض النسب.
تحليل البصمة الوراثية
قال الدكتور علي محيي الدين القرة داغي: إن الإسلام اعتنى بشدة بقضية الأنساب والمحافظة عليها، وكما يقول الفقهاء فإن الشرع الحنيف يدعو إلى إثبات النسب وعدم إضاعته لما يمثله من مخاطر كبيرة على المجتمع، وقد أحاطت الشريعة النسب برعاية منقطعة النظير، وأولته عناية فائقة حفظا ووقاية وحماية وعلاجا ، وجعلته ضمن الضروريات الخمس (أو الست) حسب تعبير الفقهاء والأصوليين، ونظمته تنظيمًا دقيقًا من حيث الحقوق والالتزامات الناشئة، فالحفاظ على الأنساب (وعدم الخلط والكذب فيها) مقصد شرعي من أهم مقاصد الشريعة، وإن تنظيمها قد أخذ مكانة كبيرة في الأحكام الشرعية، ولذلك نجد القرآن الكريم ـ الذي يكتفي حتى في باب الشعائر الدينية بالإجمال دون التفصيل - قد فصل القول في أحكام الأسرة بكل تفاصيلها وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أهمية النسب وخطورته.
وأوضح القرة داغي أن هذه القضية لها عدة جوانب، وكان أمام القاضي طريقان قبل قضية اللعان، فإما أن يقبل دعوى اللعان بخصوص التفريق بين الزوجين دون نفي النسب وكما في رأي الإمام أحمد أن النسب لا ينتفي إلا بحكم الحاكم، كما كان يمكنه الإحالة إلى تقنية البصمة الوراثية (dna) بحيث إذا أثبتت نسب الطفلة إلى الأب، يرفض الدعوى، وإذا أصر الأب على اللعان يكون للتفريق دون نفي النسب، خاصة وأن الآية القرآنية التي تحدثت عن اللعان كانت تدور حول التفريق بين الزوجين وليس إثبات النسب من عدمه.
وأضاف: ولكن الآن بعد صدور الحكم يمكن للزوج أن يتراجع ويتوب إلى الله عز وجل وعندها تنسب الطفلة إليه، كما للقاضي أن يطلب خبيرًا في "القافة" أي المشابهة لتحديد مدى مشابهة الطفلة للرجل، وإذا استقر لديه وجود هذا الشبه يطلب إجراء اختبار (dna) لإثبات النسب، وهذا استنادًا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن جاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الاليتين فهو للذي رميت به".
وأوضح أن القافة في الشرع هي التعرف على النسب بالفراسة والنظر إلى أعضاء المولود، مشيرًا إلى أن لها استعمالات متعددة مثل الاشتباه في نسب المولود والتنازع عليه، حيث يعرض على القافة، ومن ألحقته به القافة من المتنازعين نسبه، ألحق به، وذلك في رأي جمهور العلماء.
وتابع: كما يمكن أن تقوم الزوجة بإجراء هذا الاختبار من البداية والتقدم به إلى المحكمة كقرينة على صحة النسب.
ودعا القرة داغي إلى اعتماد تقنية (dna) قبل الوصول إلى مرحلة اللعان، مضيفًا: كل الاحترام والتقدير لأحكام القضاء، لكننا نطرح هنا مساهمة ووجهة نظر ورؤية مستقبلية للتغلب على الكثير من هذه المشاكل المعقدة، بهدف التيسير على الناس في حياتهم الدنيا.
ضوابط شرعية
قال الدكتور عبد الله الفقيه: لا بد من النظر في هذه الحالة إلى الأيمان التي حلفها الزوج أمام القاضي، فلابد أن يكون قد قال أن الولد ليس من نسبه خلال القسم، فلا يكفي مجرد الاتهام بالزنى لنفي النسب، فيمكن أن يتم اللعان والتفريق بين الزوجين لكن مع ثبوت النسب.
وحول الرأي الشرعي في قضية استخدام البصمة الوراثية (dna) لإثبات نسب الطفلة، قال الفقيه: هنا يجب التفريق بين أمرين، بين استخدام هذه التقنية كوسيلة مساعدة لإقناع الزوج للتراجع عن رأيه، فهنا نوافق على ذلك بكل تأكيد.
وأضاف: أما استخدامها لإلزام الزوج بنسب الطفلة فهنا أتوقف ولا أفتي في المسألة وأحيلها للمجامع الفقهية الكبرى، وإن كنت ممن يستشار في هذه المجامع فسأميل إلى الجواز لأن العلم الحديث أثبت دقة هذه التقنية، وندرة خطئها بشدة ، فيما لا تزال مسألة جعله الزاميا في قضايا النسب محل خلاف بين الفقهاء الشرعيين والقانونيين ، حتى ان المحاكم لا تلزم به وان كانت تتخذه في بعض الاحيان قرينة بجانب قرائن أخرى لاثبات أو نفي النسب.
وأضاف: إن هذا الموضوع من القضايا الشائكة التي يجب أن يرجع الجميع فيها إلى المجامع الفقهية الكبرى وليس آراء الأفراد.
خطورة قسم اللعان
قال الشيخ عبد العظيم عبد الحق: إن الله عز وجل فتح باب العلم لنستفيد منه ويساعدنا على فهم الكثير من القضايا الشائكة مثل هذه القضية، لذلك على الزوجة أن تطالب باستخدام الوسائل الطبية الحديثة لإثبات النسب طالما كانت واثقة من نفسها.
وحذر الشيخ عبد الحق الزوجين من الخطورة الشديدة لقسم اللعان، موضحًا أن الكاذب يستحق غضب الله عز وجل ولعنته، فهو أمر خطير لا يجوز التهاون فيه والاستهتار به.
وأكد أن الأصل في المسلم براءة الذمة، وأن القاعدة الشرعية تقول أن اليقين لا يزول بالشك، مضيفًا واليقين لدينا هو براءة الزوجة، فلا يمكن اتهامها بمجرد الشك لكن لا بد من الدليل اليقيني وليس الظني، كما أن الأصل هو أن الولد للفراش، ولا يزول هذا اليقين إلا بدليل يقيني، فأين هذه الأدلة لدى الزوج؟
ونصح الأزواج بسد مداخل الشيطان الذي يسعى إلى تدمير البيوت وانهيار الأسر المسلمة، وقال: إذا تركنا أنفسنا لظنون الشيطان فالجميع سيشك في أبنائه، خاصة مع انتشار الفتن في هذا الزمن.
علم يقيني
قال الدكتور حمدي البسيوني: إن على الزوجة رفع دعوى إثبات نسب وتطالب باستخدام تقنية (dna) وذلك بناء على اجتهاد العلماء في المجامع الفقهية، خاصة أن ذلك أصبح من العلم اليقيني وليس الظني.
ووجه البسيوني نصيحة إلى الزوجين بالعودة إلى الله عز وجل، خاصة أن بينهما سنوات طويلة من الحياة الأسرية المستقرة، داعيًا الزوج إلى تقوى الله وألا يجعل مجرد الشك والظن سببًا في انهيار أسرة كاملة وإلحاق الأذى والعار بالأبناء طوال حياتهم.
وشدد على أن عدم إنفاق الزوج على أبنائه وتركهم عالة يعتبر جريمة، مضيفًا: أين كنت طوال هذه السنوات لتستيقظ فجأة وتطيح بأسرة كاملة وتظلم الأبناء.
وقال: في هذه الأمور الخطيرة لا يجب أن ينفرد الانسان برأيه وعليه أن يستشير أهل العلم الكبار، وعقلاء القوم وحكمائهم، ولا يترك نفسه فريسة لمكائد الشيطان ووساوسه وجبال الظنون والأوهام.
وأضاف: وفي العديد من الحالات تكون هناك أسباب نفسية وراء هذه الظنون، فبعض الأمراض النفسية تكون خفية وتفجرها بعض المواقف والضغوط، لذلك لا بد من مراجعة أهل التخصص، سواء في الأمور الشرعية أو النفسية.
توصيات
يذكر أن ندوة الوراثة والهندسـة الوراثية المنـبثقة عن المنظمة الإسـلامية للعلوم الطبية، قد أوصت بأن البصمة الوراثية من الناحية العملية وسيلة لا تكاد تخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية والتحقق من الشخصية، ولا سيما في مجال الطب الشرعي، وهي ترقى إلى مستوى القرائن القوية التي يأخذ بها أكثر الفقهاء في غير قضايا الحدود الشرعية وتمثل تطوراً عصرياً عظيما في مجال
القيافة التي يذهب إليها جمهور الفقهاء في إثبات النسب المتنازع فيه، ولذلك ترى أن يؤخذ بها في كل ما يؤخذ فيه بالقيافة من باب أولى .
كما أوصت ندوة "رؤية إسلامية الهندسة الوراثية والجينوم البشري، والعلاج الجيني" التي عقدت بالكويت بأنها لا ترى حرجاً شرعياً في الإستفادة من هذه الوسيلة بوجه عام في إثبات نسب المجهول نسبه بناءً على طلب الأطراف المعنية مباشرة بالأمر، فهي ترقى إلى مستوى القرائن القطعية التي يأخذ بها جمهور الفقهاء في غير قضايا الحدود الشرعية .
أما مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في دورته السادسة عشرة ، فقد قرر بشأن البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها، أنه يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في عدد من الحالات الآتية مثل التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء.
وفي تقرير للجنة البصمة الوراثية التي اجتمعت في الرياض؛ اشارت التوصيات إلى جواز استخدام هذه التقنية لمنع الوصول إلى مرحلة اللعان، حيث يشك الزوج في نسب ولده شكاً كبيراً لأي سبب كان، فتقول زوجته او الحكم في ذلك: لماذا لا تلجأ إلى البصمة الوراثية حتى تكشف لك السر، أو يجأ الزوج إلى المحكمة، وحينئذٍ تعرض المحكمة على الرجل أن يلجأ إلى البصمة الوراثية، أو تأمره بذلك وحينما تكون النتيجة إيجابية ينتهي أمر الشك، أما إذا كانت سلبية فلا ينتفى النسب إلاّ باللعان.
كما أشارت إلى جواز استخدامها في حالة اختلاف الزوج مع زوجته المطلقة التي ولدت ولدا، فادعى الزوج ان الحمل قد جاء في غير المدة المعتبرة شرعاً، ونفت الزوجة ذلك، وحينئذٍ يمكن للبصمة الوراثية توضيح ذلك وتحديد ان الولد من الزوج وحينئذٍ ينتهي النزاع ، وإذا دلت على غير ذلك فتطبق عليه القواعد العامة في الشريعة، وايضًا عند اختلاف الزوج مع زوجته وادعائه ان الحمل قد حدث قبل الزواج وبالتالي فليس منه.
اللعان لا ينفي النسب
ويرى الدكتور نصر فريد واصل مفتي الديار المصرية السابق أن الطفل لا ينفى نسبه باللعان إذا جاءت البصمة الوراثية تؤكد صحة نسبه للزوج ولو لاعن زوجته، مؤكدًا أنه ينفى النسب باللعان فقط إذا جاءت البصمة تؤكد قوله وتعتبر دليلاً تكميليا.
وفي حالة واقعية على اعتماد البصمة الوراثية لإثبات النسب، شهدت المحاكم المصرية القضية الشهيرة المعروفة بقضية "الحناوي والفيشاوي" عندما ادعت الزوجة نسب طفلتها من المدعى عليه وطلبت تحليل البصمة، وأجابتها المحكمة لطلبها وطلبت مثول المدعى عليه أمامها فرفض، فما كان من المحكمة إلا أن أخذت من رفضه قرينة قانونية أضافت لها الشبه الشكلي بينه وبين الطفلة وهو ما يعرف بالقيافة شرعاً وحكمت بثبوت نسبها إليه وهذا ما أقر به، حيث اعترف لاحقًا.
وفي بحث للدكتور محمد السبيل الاستاذ السابق بجامعة ام القرى، حول حكم استخدام البصمة الوراثية في اثبات النسب، قال السبيل: نظرا لتشوف الشارع الى ثبوت النسب، وإلحاقه بأدنى سبب؛ فان الاخذ بالبصمة الوراثية في مجال ثبات النسب في الحالات التي يجوز فيها الحكم بثبوت النسب بناء على قول القافة ، امر ظاهر الصحة والجواز.
وأوضح أن البصمة الوراثية، والاستدلال بها على ثبوت النسب يمكن ان يقال بأنها نوع من علم القيافة، وقد تميزت بالبحث عن خفايا وأسرار النمط الوراثي للحامض النووي بدقة كبيرة، وعمق ومهارة علمية بالغة، مما يجعلها تأخذ حكم القيافة مع وجوب توفر الشروط والضوابط التي وضعها الفقهاء في القافة عند ارادة الحكم باثبات النسب عن طريق البصمة الوراثية .
واشار إلى أنه يمكن الاخذ بالبصمة الوراثية في مجال اثبات النسب في الحالات التالية: حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء، حالات الاشتباه في المواليد في المسشفيات ومراكز رعاية المواليد والاطفال ونحوها ، وكذا الاشتباه في اطفال الانابيب، حالات ضياع الاطفال واختلاطهم ، بسبب الحوادث والكوارث، وتعذر معرفة أهلهم، وكذا عند وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها بسبب الحروب أو غيرها .
المصدر جريدة الراية
د. الفقيه: تحليل الـ dna يجوز لإقناع الزوج .. والإلزام به محل خلاف
عبد الحق: أحذر الزوجين من خطورة الكذب في اللعان
د.البسيوني: البصمة الوراثية علم يقيني في إثبات ونفي النسب
د. واصل : نتائج التحليل مقدمة على "اللعان" في قضايا النسب
كتب – عمرو توفيق:
أثارت قضية رفض أب نسب ابنته بسبب الشك في زوجته ، والتي نشرتها الراية يوم الأحد الماضي ردود أفعال واسعة داخل المجتمع، خاصة ان الطفلة - التي سقط نسبها بحكم قضائي عبر دعوى "اللعان" التي أقامها الأب - هى التي تدفع الثمن في النهاية ، فقدت مستقبلها قبل أن ترى نور الحياة ، وطاردتها وصمة العار قبل أن يكتب لها شهادة ميلاد.
وتعود أحداث القصة إلى عام 2007 عندما حملت الزوجة للمرة العاشرة، لتفاجأ بالزوج يتهمها بالزنا ويطالبها بإسقاط الجنين، وهو ما رفضته، وعندما أنجبت طفلة رفض الزوج الاعتراف بها وأقام ضدها دعوى زنا، ولكن المحكمة رفضت الدعوى لعدم وجود شهود، ولجأ الزوج إلى رفع قضية "لعان" وعندها حكمت المحكمة بالتفريق بينهما، ويرفض الزوج الاعتراف بالطفلة التي تعاني من مرض غريب يصفه الأطباء بـ "الشلل الدماغي".
وفي محاولة لاستجلاء الحقيقة وحكم الشريعة الإسلامية في القضية؛ استطلعت الراية آراء عدد من العلماء حول أحكام اللعان، وإشكالية نسب الطفلة، والحلول المتاحة أمام الزوجة.
في البداية حذر العلماء من خطورة الشكوك والظنون التي تؤدي إلى انهيار بيوت المسلمين، مؤكدين التفريق بين الأزواج من أهم أهداف الشيطان لما يترتب عليه من ضياع الأبناء وانحلال الأسر والمجتمعات.
وطالبوا الأزواج بضرورة التحلي بالصبر في مثل هذه القضايا وعدم الانفراد بالرأي، وضرورة مراجعة العلماء والعقلاء من أهل الخبرة والرأي السديد، وعدم الانجرار وراء الظنون والأوهام، خاصة في هذا الزمان الذي تدهورت فيه الأخلاق، مؤكدين أن الأصل في المسلم والمسلمة براءة الذمة والطهارة والشرف، وأن ذلك يقين لا يزول بمجرد الشك لكن باليقين المماثل.
وأوضحوا أن الإسلام يعتني بشدة ولأقصى درجة بقضية الأنساب والمحافظة عليها، بالإضافة إلى المحافظة على طهارة المجتمع وعدم إشاعة الفاحشة، لذلك غلظ عقوبة القذف، وشدد على وجود أربعة شهداء لإثبات الزنى، وذلك حتى لايفتح الباب أمام النفوس الضعيفة لإشاعة الفاحشة في المجتمع، والتلاعب في الأعراض والأنساب بالاتهامات الباطلة.
وحول القضية المطروحة، دعا العلماء الزوجة إلى رفع قضية والمطالبة بإجراء تحليل طبي يثبت نسب الطفلة، وهو ما يعرف بالبصمة الوراثية للحمض النووي (dna).
كما اقترح العلماء أن يعتمد القضاء هذه التقنية قبل إجراء قضية اللعان لمحاولة إقناع الزوج بالعدول عن ذلك أو مجرد طلب التفريق دون رفض النسب.
تحليل البصمة الوراثية
قال الدكتور علي محيي الدين القرة داغي: إن الإسلام اعتنى بشدة بقضية الأنساب والمحافظة عليها، وكما يقول الفقهاء فإن الشرع الحنيف يدعو إلى إثبات النسب وعدم إضاعته لما يمثله من مخاطر كبيرة على المجتمع، وقد أحاطت الشريعة النسب برعاية منقطعة النظير، وأولته عناية فائقة حفظا ووقاية وحماية وعلاجا ، وجعلته ضمن الضروريات الخمس (أو الست) حسب تعبير الفقهاء والأصوليين، ونظمته تنظيمًا دقيقًا من حيث الحقوق والالتزامات الناشئة، فالحفاظ على الأنساب (وعدم الخلط والكذب فيها) مقصد شرعي من أهم مقاصد الشريعة، وإن تنظيمها قد أخذ مكانة كبيرة في الأحكام الشرعية، ولذلك نجد القرآن الكريم ـ الذي يكتفي حتى في باب الشعائر الدينية بالإجمال دون التفصيل - قد فصل القول في أحكام الأسرة بكل تفاصيلها وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أهمية النسب وخطورته.
وأوضح القرة داغي أن هذه القضية لها عدة جوانب، وكان أمام القاضي طريقان قبل قضية اللعان، فإما أن يقبل دعوى اللعان بخصوص التفريق بين الزوجين دون نفي النسب وكما في رأي الإمام أحمد أن النسب لا ينتفي إلا بحكم الحاكم، كما كان يمكنه الإحالة إلى تقنية البصمة الوراثية (dna) بحيث إذا أثبتت نسب الطفلة إلى الأب، يرفض الدعوى، وإذا أصر الأب على اللعان يكون للتفريق دون نفي النسب، خاصة وأن الآية القرآنية التي تحدثت عن اللعان كانت تدور حول التفريق بين الزوجين وليس إثبات النسب من عدمه.
وأضاف: ولكن الآن بعد صدور الحكم يمكن للزوج أن يتراجع ويتوب إلى الله عز وجل وعندها تنسب الطفلة إليه، كما للقاضي أن يطلب خبيرًا في "القافة" أي المشابهة لتحديد مدى مشابهة الطفلة للرجل، وإذا استقر لديه وجود هذا الشبه يطلب إجراء اختبار (dna) لإثبات النسب، وهذا استنادًا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن جاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الاليتين فهو للذي رميت به".
وأوضح أن القافة في الشرع هي التعرف على النسب بالفراسة والنظر إلى أعضاء المولود، مشيرًا إلى أن لها استعمالات متعددة مثل الاشتباه في نسب المولود والتنازع عليه، حيث يعرض على القافة، ومن ألحقته به القافة من المتنازعين نسبه، ألحق به، وذلك في رأي جمهور العلماء.
وتابع: كما يمكن أن تقوم الزوجة بإجراء هذا الاختبار من البداية والتقدم به إلى المحكمة كقرينة على صحة النسب.
ودعا القرة داغي إلى اعتماد تقنية (dna) قبل الوصول إلى مرحلة اللعان، مضيفًا: كل الاحترام والتقدير لأحكام القضاء، لكننا نطرح هنا مساهمة ووجهة نظر ورؤية مستقبلية للتغلب على الكثير من هذه المشاكل المعقدة، بهدف التيسير على الناس في حياتهم الدنيا.
ضوابط شرعية
قال الدكتور عبد الله الفقيه: لا بد من النظر في هذه الحالة إلى الأيمان التي حلفها الزوج أمام القاضي، فلابد أن يكون قد قال أن الولد ليس من نسبه خلال القسم، فلا يكفي مجرد الاتهام بالزنى لنفي النسب، فيمكن أن يتم اللعان والتفريق بين الزوجين لكن مع ثبوت النسب.
وحول الرأي الشرعي في قضية استخدام البصمة الوراثية (dna) لإثبات نسب الطفلة، قال الفقيه: هنا يجب التفريق بين أمرين، بين استخدام هذه التقنية كوسيلة مساعدة لإقناع الزوج للتراجع عن رأيه، فهنا نوافق على ذلك بكل تأكيد.
وأضاف: أما استخدامها لإلزام الزوج بنسب الطفلة فهنا أتوقف ولا أفتي في المسألة وأحيلها للمجامع الفقهية الكبرى، وإن كنت ممن يستشار في هذه المجامع فسأميل إلى الجواز لأن العلم الحديث أثبت دقة هذه التقنية، وندرة خطئها بشدة ، فيما لا تزال مسألة جعله الزاميا في قضايا النسب محل خلاف بين الفقهاء الشرعيين والقانونيين ، حتى ان المحاكم لا تلزم به وان كانت تتخذه في بعض الاحيان قرينة بجانب قرائن أخرى لاثبات أو نفي النسب.
وأضاف: إن هذا الموضوع من القضايا الشائكة التي يجب أن يرجع الجميع فيها إلى المجامع الفقهية الكبرى وليس آراء الأفراد.
خطورة قسم اللعان
قال الشيخ عبد العظيم عبد الحق: إن الله عز وجل فتح باب العلم لنستفيد منه ويساعدنا على فهم الكثير من القضايا الشائكة مثل هذه القضية، لذلك على الزوجة أن تطالب باستخدام الوسائل الطبية الحديثة لإثبات النسب طالما كانت واثقة من نفسها.
وحذر الشيخ عبد الحق الزوجين من الخطورة الشديدة لقسم اللعان، موضحًا أن الكاذب يستحق غضب الله عز وجل ولعنته، فهو أمر خطير لا يجوز التهاون فيه والاستهتار به.
وأكد أن الأصل في المسلم براءة الذمة، وأن القاعدة الشرعية تقول أن اليقين لا يزول بالشك، مضيفًا واليقين لدينا هو براءة الزوجة، فلا يمكن اتهامها بمجرد الشك لكن لا بد من الدليل اليقيني وليس الظني، كما أن الأصل هو أن الولد للفراش، ولا يزول هذا اليقين إلا بدليل يقيني، فأين هذه الأدلة لدى الزوج؟
ونصح الأزواج بسد مداخل الشيطان الذي يسعى إلى تدمير البيوت وانهيار الأسر المسلمة، وقال: إذا تركنا أنفسنا لظنون الشيطان فالجميع سيشك في أبنائه، خاصة مع انتشار الفتن في هذا الزمن.
علم يقيني
قال الدكتور حمدي البسيوني: إن على الزوجة رفع دعوى إثبات نسب وتطالب باستخدام تقنية (dna) وذلك بناء على اجتهاد العلماء في المجامع الفقهية، خاصة أن ذلك أصبح من العلم اليقيني وليس الظني.
ووجه البسيوني نصيحة إلى الزوجين بالعودة إلى الله عز وجل، خاصة أن بينهما سنوات طويلة من الحياة الأسرية المستقرة، داعيًا الزوج إلى تقوى الله وألا يجعل مجرد الشك والظن سببًا في انهيار أسرة كاملة وإلحاق الأذى والعار بالأبناء طوال حياتهم.
وشدد على أن عدم إنفاق الزوج على أبنائه وتركهم عالة يعتبر جريمة، مضيفًا: أين كنت طوال هذه السنوات لتستيقظ فجأة وتطيح بأسرة كاملة وتظلم الأبناء.
وقال: في هذه الأمور الخطيرة لا يجب أن ينفرد الانسان برأيه وعليه أن يستشير أهل العلم الكبار، وعقلاء القوم وحكمائهم، ولا يترك نفسه فريسة لمكائد الشيطان ووساوسه وجبال الظنون والأوهام.
وأضاف: وفي العديد من الحالات تكون هناك أسباب نفسية وراء هذه الظنون، فبعض الأمراض النفسية تكون خفية وتفجرها بعض المواقف والضغوط، لذلك لا بد من مراجعة أهل التخصص، سواء في الأمور الشرعية أو النفسية.
توصيات
يذكر أن ندوة الوراثة والهندسـة الوراثية المنـبثقة عن المنظمة الإسـلامية للعلوم الطبية، قد أوصت بأن البصمة الوراثية من الناحية العملية وسيلة لا تكاد تخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية والتحقق من الشخصية، ولا سيما في مجال الطب الشرعي، وهي ترقى إلى مستوى القرائن القوية التي يأخذ بها أكثر الفقهاء في غير قضايا الحدود الشرعية وتمثل تطوراً عصرياً عظيما في مجال
القيافة التي يذهب إليها جمهور الفقهاء في إثبات النسب المتنازع فيه، ولذلك ترى أن يؤخذ بها في كل ما يؤخذ فيه بالقيافة من باب أولى .
كما أوصت ندوة "رؤية إسلامية الهندسة الوراثية والجينوم البشري، والعلاج الجيني" التي عقدت بالكويت بأنها لا ترى حرجاً شرعياً في الإستفادة من هذه الوسيلة بوجه عام في إثبات نسب المجهول نسبه بناءً على طلب الأطراف المعنية مباشرة بالأمر، فهي ترقى إلى مستوى القرائن القطعية التي يأخذ بها جمهور الفقهاء في غير قضايا الحدود الشرعية .
أما مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في دورته السادسة عشرة ، فقد قرر بشأن البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها، أنه يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في عدد من الحالات الآتية مثل التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء.
وفي تقرير للجنة البصمة الوراثية التي اجتمعت في الرياض؛ اشارت التوصيات إلى جواز استخدام هذه التقنية لمنع الوصول إلى مرحلة اللعان، حيث يشك الزوج في نسب ولده شكاً كبيراً لأي سبب كان، فتقول زوجته او الحكم في ذلك: لماذا لا تلجأ إلى البصمة الوراثية حتى تكشف لك السر، أو يجأ الزوج إلى المحكمة، وحينئذٍ تعرض المحكمة على الرجل أن يلجأ إلى البصمة الوراثية، أو تأمره بذلك وحينما تكون النتيجة إيجابية ينتهي أمر الشك، أما إذا كانت سلبية فلا ينتفى النسب إلاّ باللعان.
كما أشارت إلى جواز استخدامها في حالة اختلاف الزوج مع زوجته المطلقة التي ولدت ولدا، فادعى الزوج ان الحمل قد جاء في غير المدة المعتبرة شرعاً، ونفت الزوجة ذلك، وحينئذٍ يمكن للبصمة الوراثية توضيح ذلك وتحديد ان الولد من الزوج وحينئذٍ ينتهي النزاع ، وإذا دلت على غير ذلك فتطبق عليه القواعد العامة في الشريعة، وايضًا عند اختلاف الزوج مع زوجته وادعائه ان الحمل قد حدث قبل الزواج وبالتالي فليس منه.
اللعان لا ينفي النسب
ويرى الدكتور نصر فريد واصل مفتي الديار المصرية السابق أن الطفل لا ينفى نسبه باللعان إذا جاءت البصمة الوراثية تؤكد صحة نسبه للزوج ولو لاعن زوجته، مؤكدًا أنه ينفى النسب باللعان فقط إذا جاءت البصمة تؤكد قوله وتعتبر دليلاً تكميليا.
وفي حالة واقعية على اعتماد البصمة الوراثية لإثبات النسب، شهدت المحاكم المصرية القضية الشهيرة المعروفة بقضية "الحناوي والفيشاوي" عندما ادعت الزوجة نسب طفلتها من المدعى عليه وطلبت تحليل البصمة، وأجابتها المحكمة لطلبها وطلبت مثول المدعى عليه أمامها فرفض، فما كان من المحكمة إلا أن أخذت من رفضه قرينة قانونية أضافت لها الشبه الشكلي بينه وبين الطفلة وهو ما يعرف بالقيافة شرعاً وحكمت بثبوت نسبها إليه وهذا ما أقر به، حيث اعترف لاحقًا.
وفي بحث للدكتور محمد السبيل الاستاذ السابق بجامعة ام القرى، حول حكم استخدام البصمة الوراثية في اثبات النسب، قال السبيل: نظرا لتشوف الشارع الى ثبوت النسب، وإلحاقه بأدنى سبب؛ فان الاخذ بالبصمة الوراثية في مجال ثبات النسب في الحالات التي يجوز فيها الحكم بثبوت النسب بناء على قول القافة ، امر ظاهر الصحة والجواز.
وأوضح أن البصمة الوراثية، والاستدلال بها على ثبوت النسب يمكن ان يقال بأنها نوع من علم القيافة، وقد تميزت بالبحث عن خفايا وأسرار النمط الوراثي للحامض النووي بدقة كبيرة، وعمق ومهارة علمية بالغة، مما يجعلها تأخذ حكم القيافة مع وجوب توفر الشروط والضوابط التي وضعها الفقهاء في القافة عند ارادة الحكم باثبات النسب عن طريق البصمة الوراثية .
واشار إلى أنه يمكن الاخذ بالبصمة الوراثية في مجال اثبات النسب في الحالات التالية: حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء، حالات الاشتباه في المواليد في المسشفيات ومراكز رعاية المواليد والاطفال ونحوها ، وكذا الاشتباه في اطفال الانابيب، حالات ضياع الاطفال واختلاطهم ، بسبب الحوادث والكوارث، وتعذر معرفة أهلهم، وكذا عند وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها بسبب الحروب أو غيرها .
المصدر جريدة الراية