المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 2010 عام الحقيقة



الوعب
06-02-2010, 04:37 PM
بواسطة د. ناصر أحمد بن غيث بتاريخ 6 فبراير 2010

مضى أكثر من عام على الأزمة الإقتصادية وما زال العالم يرزح تحت وطأتها الثقليلة ولازالت الاراء أبعد ما تكون عن الإتفاق حول أسبابها وكذلك مدى بقاءها والتأثيرات الإقتصادية والسياسية التي ستتمخص عنها, ولكن وبالرغم من التصريحات التي يروجها السياسيين عن بوادر الإنتعاش اتي بدأت تظهر على الإقتصادات في أوروبا والولايات المتحدة فإن الحديث عن إنتهاء الأزمة لا يعدو أن يكون أحد أمرين الأول أنه حديث سياسة لا يجد ما يدعمه في واقع البطالة وضعف الأستهلاك والأداء الضعيف للشركات في مختلف القطاعات , أو أنه حديث أمنيات وهو ما ستكشفه قادم الأيام وأن كان عام 2008 هو عام الأزمة وعالم 2009 هو عام المعاناة فإن عام 2010 سيكون حتماً عام الحقيقة.

لقد كانت هذه الأزمة على قدر الضخامة والعمق بحيث وصلت الدول في مواجهتها إلى خط الدفاع الأخير ألا وهو الإنفاق الحكومي وأموال دافعي الضرائب إذ لم تصل أي أزمة سابقة إلى هذه الدرجة من السوء بحيث تعجز الشركات والبنوك عن مواجهتها بمفردها دون الحاجة إلى تدخل الحكومات لإنقاذها من الإنهيار , ولم تجد الحكومات خاصة الغربية بداً من التخلي عن نهجها وقناعاتها الرأسمالية في عدم التدخل في اَلية السوق وترك أيادي (Adam Smith) الخفية لتصحيح الأوضاع والتدخل المباشر سواءاً بمساعدة الشركات والبنوك أو حتى بتأميمها والذي يعتبر نقوصاً على مبادئ النظام الرأسمالي الذي تعتنقه وطالما روجت له في العالم الثالث.

إذا ما نظرنا إلى المؤشرات الأساسية كمعدل البطالة ومعدل إفلاس الشركات ومعدل التضخم نجد أن الإقتصاديات الكبرى لا تزال في منحنيات هبوط وإن كان بمعدلات أبطأ مما كانت علية في بداية ومنتصف العام الحالي وذلك مرده في إعتقادي إلى خطط الإنقاذ والتحفيز التي أنفقت من خلالها الحكومات مبالغ ضخمة , كما أن مستويات الإقراض لا تزال منخفضة هذا بالأضافة إلى أن القطاع المصرفي الذي إنطلقت منه الأزمة وكان أكثر القطاعات المتأثرة لم يتخلص من إغلب أصوله السيئة حتى الاَن فلا تزال الكثير من الديون المعدومة والديون المشكوك في تحصيلها وكذلك الديون المضمونه بأصول عقارية فقدت قدر كبير من قيمها في دفاتر الكثير من البنوك وخاصة الكبيرة منها مما يشي بأن مسلسل إفلاس البنوك أبعد ما يكون عن نهايته.

أما إذا نظرنا إلى الوضع المالي الحكومي خاصة في الولايات المتحدة فإن ما تواجهه الحكومة الأمريكية من تحديات وما تملكه من خيارات لا يدع المراقب مجالا للتفاؤل حيال قدرة الولايات المتحدة وإدارتها الحالية على التعامل مع هذه الأزمة التي تعتبر أكبر تهديد ليس للإقتصاد الأمريكي بل لكيان الجمهورية الإتحادي حسب ما يراه غير واحد من المراقبين , لم تكن الأزمة التي بدأت كأزمة مالية عادية تضرب القطاع المالي بين حين واَخر هي المشكلة بل كانت الشرارة التي كشفت العورات في الكيانات الإقتصادية “المتقدمة” على وجه العموم والإقتصاد الأمريكي على وجه الخصوص , إذ كشفت هذه الأزمة أن الإقتصاد الأمريكي يعاني من مشكلات هيكلية حقيقية غير ظاهرة للكثير من الساسة والمراقبين بسبب غطاء الرخاء الإقتصادي المصطنع الذي وفرته للمستهلك الأمريكي الفوائض المالية الاَتية من الدول النفطية والصين واليابان في شكل قروض عقارية وإستهلاكية , ومن بين هذه المشكلات التي كان يعاني منها الإقتصاد الأمريكي ولايزال:

أولاً يعاني الإقتصاد الأمريكي من مشكلة تنافسية في الكثير من القطاعات الإنتاجية حتى تلك التى تعتمد على التقنية العالية , فمنذ ستينيات القرن الماضي أخذت “الفجوة التقنية” التي كانت تفصل الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية من ناحية وباقي دول العالم من ناحية أخرى في التاَكل بتطور إقتصادات الكثير من الدول وإعتماد قطاعات الإنتاج فيها على التقنية العالية إبتداءاً من اليابان مروراٌ بدول جنوب شرق اَسيا وإنتهاءاً بالصين وأخذت تنافسية الصناعات من حيث الجودة والتكلفة تميل أكثر فأكثر لصالح هذه الأخيرة مما أدى إلى إغلاق الكثير من الصناعات أو إنتقالها إلى خارج الولايات المتحدة خاصة تلك التي لا تتمع بأي شكل من أشكال الحماية الحكومية وذلك لتخفيض تكلفة الإنتاج ومن ثم المحافظة على تنافسيتها مما ترك الإقتصاد الأمريكي تعتمد أكثر فأكثر على القطاعات الخدمية.

ثانياً يعتمد الإقتصاد الأمريكي في مجمله على قطاعات الخدمات والتكنولوجيا ما أدي إلى تضخم هذين القطاعين على حساب القطاعات الإنتاجية وهو ما يعني أن قسم كبير من قوة العمل خاصة العمالة الماهرة تتركز في هذه القطاعات التي كان أحدها –القطاع المالي- نقطة إنطلاق الأزمة الإقتصادية وأكثر القطاعات التي تأثرت بها وهذا التأثير قد يؤدي في المحصلة إلى تقليص حجم هذه القطاعات إلى حد كبير مما يعني أن فقد الوظائف سيستمر وسيكون دائماٌ وهو ما يرفع معدلات البطالة ويزيد الضعط على الإنفاق الحكومي-الذي يعاني من إرتفاع النفقات أصلاً- بزيادة الإنفاق على برامج إعانات البطالة وبرامج التدريب (Job Displacement Programs).

ثالثاً الإعتماد المفرط على السيولة الأجنيبة والقروض سواءاً في الجانب الإنتاجي أو في الجانب الإستهلاكي مما يؤدي إلى تشكل الفقاعات مثل فقاعة التكنولوجيا (dot.com Bubble) وفقاعة العقار التي ما تلبث أن تنفجر مخلفة الكثير من الخسائر للشركات الأمريكية والأجنبية والكثير من الأضرار للإقتصاد الأمريكي والإقتصاد العالمي كما حدث مع أزمة الرهون العقارية.

رابعاً إرتفاع مستوى الإنفاق الحكومي خاصة الإنفاق العسكري لتكريس النفوذ وتمويل حربي العراق وأفغانستان , وجاءت الإزمة المالية لتصب مزيد من الزيت على النار وترفع مستويات الإنفاق بتريلنين إلى ثلاثة تريليونات دولار هذا بالإضافة إلى برنامج الرعاية الصحية الذي إقر مؤخراً من الكونجرس والذي سيكلف الخزانة العامة بضع تريليونات أخرى!!! , وقد إعتمد هذا الإنفاق في مجمله على أدوات الدين العام والإقتراض مما رفع العجز في الموازنة والدين العالم الأمريكي إلى مستويات قياسية إلى درجة أن دولة مثل الصين التي تملك ما يزيد على تريليونين من سندات الخزانة الإمريكية قد أحجمت عن شراء المزيد منها وأبدت قلقها من السياسة النقدية للولايات المتحدة بعد أن إضطرت لطبع المزيد من الدولارات لتمويل خطة الإنقاذ الثالثة التي عجزت عن تمويلها بسندات الخزانه وإقناع الصين ودول أخرى لشراء المزيد منها.

خامساً المشكلة الديمغرافية والتي تشكل أكبر التحديات التي تواجه الإقتصاد وصانع القرار الأمريكي , فقد شهدت الولايات المتحدة في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية طفرة إنجاب كبيرة عرفت ب(Baby Boom) وقد شكل مواليد هذه الطفرة عامل مهم في نمو الإقتصاد الأمريكي في الفترة الممتدة من أواسط الستينات إلى أواسط العقد الحالي حيث شكلوا قوة عمل كبيرة ومصدر كبير للضرائب , أما الاًن فيشكل هؤلاء عبء على الإقتصاد بتحولهم من دافعي ضرائب إلى مستفيدين من برامج التقاعد الرعاية الصحية وهو ما يعني بكل بساطة أن الإيرادات الضريبة ستدخل منحني هبوطي والنفقات في منحى تصاعدي مما سيعمق مشكلتي العجز والدين العام.

قد لا يكون لمعظم هذه المشكلات تأثير كبير على الإقتصاد الأمريكي على المدى القصير لكن هذا لا يعني الإدارة الأمريكية لا يواجه أي أستحقاقات اًنية ,و لعل أكبر هذه الإستحقاقات هي معضلة توقيت إنهاء إجراءات التحفيز وخطط الإنقاذ التي قامت بها هذه الإدارة والإدارة التي سبقتها وهي خفض سعر الفائد –إلى الصفر تقريباً- وضخ ما يزيد على تريليون ونص في الإقتصاد , إذ أن الإبقاء على هذه الإجراءات أطول من اللازم سيؤدي إلى خروج التضخم عن السيطرة وربما إنهيار الدولار (Hyperinflation) كما أن إنهاؤها قبل الأوان –أي سحب السيولة ورفع معدل الفائد- ستؤدي إلى إفلاس الكثير من البنوك والشركات وربما إنهيار الإقتصاد برمته وهو ما ستكشف عنه قادم الأيام لذلك أعتقد أن 2010 سيكون عام الحقيقة ليس للإقتصاد الأمريكي فحسب بل للإقتصاد العالمي ككل

MOHD SALHA
24-02-2010, 04:40 AM
شكراا