Falconeye
16-02-2010, 01:54 PM
وزراء الكراسي ووزراء الضمير
بقلم الكاتبة : مريم آل سعد
قيض الله لي أن أستمع لثلاث ندوات متفرقة تكلم فيها ثلاثة ممن تولوا مسؤولية اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان عن دور هذه اللجنة وتطلعاتها ومسؤولياتها والأهداف المتوقعة منها، وقد توصلت بعد مقارنة تأثير كل ندوة في حكمي وتقديري لاعتقاد يقيني لا ينطبق أثره على هذه اللجنة فحسب بل انه يشكل نظرية عامة تسري على كل مؤسسات الدولة قوامها أنه ليس بواقع أي جهة والمعطيات المتاحة أمامها يتشكل دورها وتتحدد قدراتها، بقدر ما تحمله روح مسؤولها من تطلعات وحماس وتفان وفهم واندماج مع وظيفته. أي نفس المهام قد يؤديها أحد الأشخاص فتحسها قاصرة محدودة مقيدة لا تخرج عن الإطار المرسوم لها بينما يتولاها آخر فتشعر بها حيوية متدفقة تزخر بالتطورات والتغييرات وإحداث الفروق في حياة المحيطين والمستفيدين والمتعاملين معها.
كانت الندوة الأولى مع السيد يوسف عبيدان نائب رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان الذي تحدث ولكنه كان في واد واللجنة بواد آخر، ويكاد لا يعلم من أمرها سوى بالأهداف العامة لواجبات ما يسمى بلجنة حقوق الإنسان أوما يسعفه الحفظ والتذكر والفهم لهذا المفهوم.
أما الندوة الثانية فقد كان المتحدث بها الدكتور علي بن صميخ المري رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان الذي كان متحفظا ودقيقا ومنفذا ومطبقا للوائح الموجودة والبنود المقررة، كان ملما بعمله ولكنه يتلوه برتابة لا حماس أو انفعالاً ولا تبني لرؤى اللجنة، ولم نلمس الضيق من تأخر وتعثر أحد أهدافها أو الإلحاح بتعجيل مسار الأخرى، كأنه يؤدي دورا وواجبا مفروضا ولكنه منفصل في نفس الوقت عن ذاته وهمه الخاص، يفتقد الشعور بمعاناة من يتكلم عنهم أو يتناول قضاياهم أو مآسيهم وآلامهم.
أما الندوة الثالثة والأخيرة فقد كان المتحدث فيها الدكتور خالد العطية الرئيس السابق للجنة المذكورة وذلك قبل أن يستلم منصبه الجديد كوزير للتعاون الدولي ويتولى مسؤوليات وزير الأعمال والتجارة، وعندما تحدث العطية مس قلوب الحاضرين لأنه لم يفصل اللجنة وهمومها عن ذاته بل تكلم بروح مليئة بالمشاعر والأحاسيس، وعبر كأنه يحمل على ظهره آلام الناس ومتاعبهم ويشعر بعبء المسؤولية ونداء ضميرها ما يحمل السامع ليرى ويشعر بمعاناة الآخرين، ويكاد يصله أنينهم وشكواهم وقد طرح الكثير من الحلول والطرق التي يراها بمعاونة النيابة العامة وباقي الجهات الأمنية لفك أزمة المحتاجين والمحتجزين بسجن الإبعاد والمضطهدين من كفلائهم، وطرح حلولا ومساعي وأفكارا جريئة ومختصرة لا تنتظر اللوائح ولا تقف عند الواقع المتاح ولا تتعثر عند البنود المطبقة، وأكاد أجزم بأن ترقيته للوزارة قد أراحت النيابة العامة وجعلت رجالها يتنفسون الصعداء لأنه كان جاثما على صدورهم بمتابعاته وملاحظاته واقتراحاته، التي سكنته وتلبست روحه وأصبحت هاجسا له أكثر من مجرد وظيفة أو عمل روتيني كغيره.
ربما يكون هذا مديحا للدكتور العطية ولكنه يستحقه، ويعد توزيره في مجال آخر وإبعاده عن اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان خسارة للجنة، وقد فقدت الجانب الإنساني الذي كانت بحاجة له ويشكل روحها وهدفها ونبل مقصدها، والوهج الذي يغير جمودها الحالي الذي تحول إلى مجرد تحفظ أو نشرة دورية أو روتين مقرر.
إننا نريد وزراء يخلقون المنصب ولا يصنعهم التوزير، يتولون الوزارات ويعيدون تشكيلها بما يفيضون من حماسة ووهج، ويمنحونها من روحهم وتفانيهم وطاقتهم خدمة لبلادهم وشعبها، ويحدثون الفروقات ويطورون ويحركون ويعجلون بمسار تنميتها.
ليس كل من تولى الوزارة كان بحجمها، وليس كل من قيدته اللوائح وحاصرته الشكليات سكت واستكان لها، وليس كل عقل يوازن بالآخر، وليست كل حمية وغيرة على الوطن واعتداد بالنفس تتساوى بالشخصية الأخرى تلك التي تعتقد بأن اختيارها تشريف وربما فرصة لا تفرط وولاء لا يختبر.
يعتقد الوزراء بان الوزارة تشريف وبشت وتصوير ولا يعيشون هم الوظيفة، ولا يكابدون حماسها بل مغامرتها حينما يتخذون قرارات أو يصدرون أوامر أو يشرعون بنودا لا يدركون وقتها إذا كانت تصرفاتهم هذه ستجلب لهم الرضا أم ستكون وبالا عليهم، إنهم فقط يتخذونها ويقولونها لأنهم شعروا بأهميتها وضرورتها وبمدى مسؤوليتهم أمام ربهم لتنفيذها.
والمعضلة إن لم تكن إساءة تلك التي يلحقها الوزير أو المسؤول بمؤسسته، إذا وقف شاهدا عليها فقط حارسا على وجودها، دون تفاعل منه وذوبان في شجونها وهمومها، انه يحكم حينها بموت كل إبداع وتطور وتطوير، ويتسبب بتوقف مستقبل وتغيير حياة أجيال كاملة من البشر تتعلق مصائرهم بموافقته واقتناعه وتبنيه لأفكارهم وأطروحاتهم ومحاولاتهم لصنع غد أفضل لبلادهم، بل إنه يصادر حق العاملين معه في النمو والتعلم والاكتساب والإضافة ويحجر على تطورهم وأفكارهم ويقضي بتحنيط واقعهم .
بقلم الكاتبة : مريم آل سعد
قيض الله لي أن أستمع لثلاث ندوات متفرقة تكلم فيها ثلاثة ممن تولوا مسؤولية اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان عن دور هذه اللجنة وتطلعاتها ومسؤولياتها والأهداف المتوقعة منها، وقد توصلت بعد مقارنة تأثير كل ندوة في حكمي وتقديري لاعتقاد يقيني لا ينطبق أثره على هذه اللجنة فحسب بل انه يشكل نظرية عامة تسري على كل مؤسسات الدولة قوامها أنه ليس بواقع أي جهة والمعطيات المتاحة أمامها يتشكل دورها وتتحدد قدراتها، بقدر ما تحمله روح مسؤولها من تطلعات وحماس وتفان وفهم واندماج مع وظيفته. أي نفس المهام قد يؤديها أحد الأشخاص فتحسها قاصرة محدودة مقيدة لا تخرج عن الإطار المرسوم لها بينما يتولاها آخر فتشعر بها حيوية متدفقة تزخر بالتطورات والتغييرات وإحداث الفروق في حياة المحيطين والمستفيدين والمتعاملين معها.
كانت الندوة الأولى مع السيد يوسف عبيدان نائب رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان الذي تحدث ولكنه كان في واد واللجنة بواد آخر، ويكاد لا يعلم من أمرها سوى بالأهداف العامة لواجبات ما يسمى بلجنة حقوق الإنسان أوما يسعفه الحفظ والتذكر والفهم لهذا المفهوم.
أما الندوة الثانية فقد كان المتحدث بها الدكتور علي بن صميخ المري رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان الذي كان متحفظا ودقيقا ومنفذا ومطبقا للوائح الموجودة والبنود المقررة، كان ملما بعمله ولكنه يتلوه برتابة لا حماس أو انفعالاً ولا تبني لرؤى اللجنة، ولم نلمس الضيق من تأخر وتعثر أحد أهدافها أو الإلحاح بتعجيل مسار الأخرى، كأنه يؤدي دورا وواجبا مفروضا ولكنه منفصل في نفس الوقت عن ذاته وهمه الخاص، يفتقد الشعور بمعاناة من يتكلم عنهم أو يتناول قضاياهم أو مآسيهم وآلامهم.
أما الندوة الثالثة والأخيرة فقد كان المتحدث فيها الدكتور خالد العطية الرئيس السابق للجنة المذكورة وذلك قبل أن يستلم منصبه الجديد كوزير للتعاون الدولي ويتولى مسؤوليات وزير الأعمال والتجارة، وعندما تحدث العطية مس قلوب الحاضرين لأنه لم يفصل اللجنة وهمومها عن ذاته بل تكلم بروح مليئة بالمشاعر والأحاسيس، وعبر كأنه يحمل على ظهره آلام الناس ومتاعبهم ويشعر بعبء المسؤولية ونداء ضميرها ما يحمل السامع ليرى ويشعر بمعاناة الآخرين، ويكاد يصله أنينهم وشكواهم وقد طرح الكثير من الحلول والطرق التي يراها بمعاونة النيابة العامة وباقي الجهات الأمنية لفك أزمة المحتاجين والمحتجزين بسجن الإبعاد والمضطهدين من كفلائهم، وطرح حلولا ومساعي وأفكارا جريئة ومختصرة لا تنتظر اللوائح ولا تقف عند الواقع المتاح ولا تتعثر عند البنود المطبقة، وأكاد أجزم بأن ترقيته للوزارة قد أراحت النيابة العامة وجعلت رجالها يتنفسون الصعداء لأنه كان جاثما على صدورهم بمتابعاته وملاحظاته واقتراحاته، التي سكنته وتلبست روحه وأصبحت هاجسا له أكثر من مجرد وظيفة أو عمل روتيني كغيره.
ربما يكون هذا مديحا للدكتور العطية ولكنه يستحقه، ويعد توزيره في مجال آخر وإبعاده عن اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان خسارة للجنة، وقد فقدت الجانب الإنساني الذي كانت بحاجة له ويشكل روحها وهدفها ونبل مقصدها، والوهج الذي يغير جمودها الحالي الذي تحول إلى مجرد تحفظ أو نشرة دورية أو روتين مقرر.
إننا نريد وزراء يخلقون المنصب ولا يصنعهم التوزير، يتولون الوزارات ويعيدون تشكيلها بما يفيضون من حماسة ووهج، ويمنحونها من روحهم وتفانيهم وطاقتهم خدمة لبلادهم وشعبها، ويحدثون الفروقات ويطورون ويحركون ويعجلون بمسار تنميتها.
ليس كل من تولى الوزارة كان بحجمها، وليس كل من قيدته اللوائح وحاصرته الشكليات سكت واستكان لها، وليس كل عقل يوازن بالآخر، وليست كل حمية وغيرة على الوطن واعتداد بالنفس تتساوى بالشخصية الأخرى تلك التي تعتقد بأن اختيارها تشريف وربما فرصة لا تفرط وولاء لا يختبر.
يعتقد الوزراء بان الوزارة تشريف وبشت وتصوير ولا يعيشون هم الوظيفة، ولا يكابدون حماسها بل مغامرتها حينما يتخذون قرارات أو يصدرون أوامر أو يشرعون بنودا لا يدركون وقتها إذا كانت تصرفاتهم هذه ستجلب لهم الرضا أم ستكون وبالا عليهم، إنهم فقط يتخذونها ويقولونها لأنهم شعروا بأهميتها وضرورتها وبمدى مسؤوليتهم أمام ربهم لتنفيذها.
والمعضلة إن لم تكن إساءة تلك التي يلحقها الوزير أو المسؤول بمؤسسته، إذا وقف شاهدا عليها فقط حارسا على وجودها، دون تفاعل منه وذوبان في شجونها وهمومها، انه يحكم حينها بموت كل إبداع وتطور وتطوير، ويتسبب بتوقف مستقبل وتغيير حياة أجيال كاملة من البشر تتعلق مصائرهم بموافقته واقتناعه وتبنيه لأفكارهم وأطروحاتهم ومحاولاتهم لصنع غد أفضل لبلادهم، بل إنه يصادر حق العاملين معه في النمو والتعلم والاكتساب والإضافة ويحجر على تطورهم وأفكارهم ويقضي بتحنيط واقعهم .