المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التربيه والدعوه في السنه النبويه



واثق بالله
19-02-2010, 12:26 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

السلم عليكم ورحمة الله وبركاته

أخواني أخواتي في هذا المنتدى عجبني هذا الموضوع وسوف انقله هنا لمن أراد الاستفاده منه




الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رحمة العالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

فمن رحمة الله بخلقه ولطفه بعباده أرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجه بعد الرسل، وتوج سبحانه وتعالى موكب الرسالات الإلهية والإغاثات الربانية بصفوة الأنبياء وخاتم الرسل سيدنا محمد الذي بعثه بالهدى ودين الحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى صراط الله المستقيم، فبلغ صلى الله علية وسلم الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وترك أمته على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.

وكانت وسائله صلى الله علية وسلم في البلاغ والأداء متعددة ومتنوعة، وأبرزها الدعوة والتربية، يؤكد ذلك قول الله تعالى: ((يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا)) [الأحزاب:45-46].

وقوله تعالى: ((لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) [آل عمران:164].
ففي هاتين الآيتين بيان لمهمة النبي صلى الله علية وسلم مع أمته، إنها الدعوة إلى الله، وركائزها: التلاوة، والتزكية (التربية)، التعليم، التبشير، الإنذار، الشهادة.

يقول أحد المفسرين معلقاً على آية الأحزاب: قد تضمنت هذه الآية كل شرائط الدعوة الصادقة، فلا بد أن يكون الداعي عالماً بدعوته، ولا بد من أن يعتمد فيها على الترغيب والتبشير والإنذار، ولابد أن تكون خالصة، ولا يشوبها شائبة، وللخير المحض، ولابد من أن يكون فيها قدوة يهتدي بهدية ويسير أتباعه على غراره، وقد جمع ذلك كله للرسول صلى الله علية وسلم على أكمل مثال.

وإذا كان الأمر كذلك فيجب على دعاة الأمة والقائمين على أمر التربية والتعليم فيها التعرف على منهاج النبي صلى الله علية وسلم في الدعوة والتربية، لأن هذا المنهج كما هو معلوم قد أخرج خير أمة أخرجت للناس، لذلك فلا بد من معرفة مميزاته من خلال دراسة نصوص الكتاب والسنة والسيرة النبوية المتضمنة لهذا الموضوع، وهذا ما سنعرض له في الصفحات التالية، تحت عنوانين:


الأول: التربية في السنة النبوية

الثاني: الدعوة في السنة النبوية

واثق بالله
19-02-2010, 12:29 AM
بسم الله الرحمن الرحيم


المقدمة

الحمد لله رب العالمين، نحمده تعالى على نعمة الإيمان به وشرف الإسلام له، ونصلي ونسلم ونبارك على خير خلقه، وصفوة رسله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

وبعد

فإن التربية هي الوسيلة الفذة لتغير المجتمع، وبناء الرجال، وتحقيق الآمال، برهان ذلك: أن أمتنا إبان القرن السابع الميلادي كانت كما هي اليوم تدور في فلك أكبر قوتين عالميتين، حتى لم تعد لها مكانة تذكر على خارطة الوجود، وقد انتقصت أطرافها من هذه القوة أو تلك، كانت أشبه ما تكون بها اليوم: جهل وفرقة، وتمزق وتشرذم، وتيه وضياع.

-في كل قرية إمارة، وفي كل مدينة دولة، لا جامع يجمعها، ولا رابط يربطها.
-تحلل في القيم، وتعفن في الأخلاق، وضلال في الفكر، وانحراف في السلوك، وهبوط في الغرائز.
-عبودية فكرية تئد العقل، وعبودية جسدية تقتل الإرادة، وعبودية نفسية تسحق الطموح.
-انحدار في الولاء من الأمة إلى القبيلة، وفي التبعية من المشرق إلى المغرب، واستشراء للبغي والظلم والقهر.

وكانت كما نحن:

-أهواء تتصارع................ وأطماع تتنازع
-جهالة تستعلي................ وعداوة تستشري
-أنانية تحكم................ وأثرة تتحكم
-فرقة تعم................. وتنابذ يغم
-خصومة تكيد................ وشعب يكابد

يؤكد ذلك قول الله تعالى مبينًا حال الأمة قبل مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كُنْتُمْ أَعْدَاءً))، و((وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ))[سورة آل عمران: 103]، و((وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) [آل عمران: 164]، و((وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ))[سورة الأنعام: 137]، و((قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ)) [سورة الأنعام: 140].

روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إذا سرّك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة في سورة الأنعام: ((قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)) إلى قوله: ((قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ))" (1).

وقال جعفر بن أبي طالب للنجاشي واصفًا حال العرب قبل مجيء الإسلام وبعثة خير الأنام: " أيها الملك: كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا........." (2).

وقال قتادة في نفس السياق: " كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلاً، وأشقاه عيشًا، وأجوعه بطونًا، وأعراه جلودًا، وأبينه ضلالاً، من عاش منهم عاش شقيًا، ومن مات منهم ردي في النار، يؤكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم قبيلاً من حاضر أهل الأرض يومئذ كانوا أشر منزلاً منهم حتى جاء الله بالإسلام...." (2).
هذا كان حالهم، ولم يكن أحد على ظهر الأرض يتوقع لهذه الأمة أن تحقق خيرًا، أو أن تؤول إلى خير، أما أن تثور كما يثور البركان، وتتسلم قيادة البشرية كلها، وتمحو وجود الدول العظمى لتصبح هي العظمى، فهذا ما لم يتوقعه إلا من ألغي عقله، فكيف تم لها ذلك؟

لقد أحكمت تربية هذه الأمة أيما إحكام على يد صفوة أبنائها الذي اختاره ربه رسولاً للعالمين، وكانت البداية.... كان عليه صلى الله عليه وسلم أن يجمع أشلاء ذلك الجسد الدامي، ويلملم شعث هاتيك النفوس المتنافرة، ويحشد تلك الجهود الممزقة، ويجمع بين تلك القلوب المتباغضة، ليعيد سبك ذلك النسيج الممزق, ويصوغه صياغة نوعية متميزة متفوقة، تضيء العقل، وتشحذ الفكر، وتحيى الضمائر، وتستنهض الإرادة، وتزكي النفوس.


الهوامش:
(1) صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب قصة زمزم وجهل العرب، رقم: (3524).
(2) سيرة ابن هشام، 1/ 256.
(3) تفسير ابن كثير، 2/ 300.

امـ حمد
19-02-2010, 01:12 AM
الله يعطيك العافيه أخوي

واثق بالله
19-02-2010, 02:14 PM
الله يعافيج اختي ام حمد

بارك الله فيج

واثق بالله
19-02-2010, 02:19 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

وكانت الأهداف واضحة محددة:

-تحقيق الإخاء بين أبنائها: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)) [سورة الحجرات: 49]. إذن لا تنابذ ولا تباغض ولا تحاسد ولا ضغائن ولا قهر ولا استبداد ولا تسلط ولا عداء ولا اقتتال... وإنما أخوة حب ومودة وتعاون وتفاهم وتآزر وتوافق وتلاحم وتكافل وتضامن... أخوة بكل ما يقتضيه الإخاء.

-تحقيق وحدة الأمة: ((إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً)) [سورة الأنبياء: 92]. لا فرقة ولا تمزق ولا تبعية ولا شرود، وإنما وحدة العقيدة والشريعة والقوى والنظام، وحدة الصف والرأي والكلمة والمصالح والمصير.
-تحقيق خيرتها: " ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ))[سورة آل عمران: 110]. خيرتها في المعتقدات والقيم والمفاهيم والأخلاق والسلوك والتعامل والفضائل والمكانة والكرامة والوجود.

-تحقيق علوها: ((وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ)) [سورة آل عمران: 139]. علو في السياسة والاقتصاد والاجتماع والعلم والمعرفة والثقافة والحضارة والتصرف والممارسة والتخطيط والتنفيذ والتطبيق.
ولم يكن تحقيق هذه الأهداف ميسورًا لأي من البشر، ولكنه تحقق على يد من اصطفاه ربه لهداية البشر، وهو الأعلم بمن يصطفي لرسالته... فاصطفى.... وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم أهلاً للاصطفاء، فأولى مهمته ذوب فكره، وعصارة جهده، وخلاصة حكمته، ليربي ذلك الجيل الذي قاد المسيرة، ويرتقي برعاة الغنم ليصبحوا قادة الأمم(1).

ألا يجدر بنا أن نستعيد استيعاب تجربتنا هذه؟ خاصةً وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ترك لنا ما إن تمسكنا به فلن نضل أبدًا: "الكتاب والسنة".
والسنة النبوية تعتبر من أهم مصادر التربية الإنسانية المتكاملة سواء في إعداد وتنشئة الفرد، أم في تكوين وتوجيه الجماعة، وذلك لكونها زاخرة بالأسس والمبادئ والدعائم التربوية الحية والمتجددة التي إن اتبعناها في مناهجنا ونظمنا التعليمية، وتوجيهاتنا الأخلاقية، وإرشاداتنا الاجتماعية، لكفلت لنا بحق تكوين "الإنسان الصالح" و"المجتمع الصالح" على نحو من الكمال الإنساني المنشود.
وإذا كان من الواجب علينا شرعًا الاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تشريعاتنا ومعاملاتنا وعلاقاتنا وفي كل شأن من شؤون حياتنا؛ لقوله تعالى: ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ))[سورة الأحزاب:21]، فإن اقتداءنا بالسنة في تربية ناشئتنا منذ الصغر أوكد وأوجب، لكونها غنيةً بالأسس والتضمينات التربوية الإيجابية، وزاخرةً بالتوجيهات والإرشادات البناءة، وثريةً بالحكمة والوعي والتبصر في فهم النفس البشرية بمركباتها وتفاعلاتها ودوافعها وعواطفها وانفعالاتها المختلفة، ولا شك أن الاستهداء بتعاليمها، والاسترشاد بمناهجها، واتباع أساليبها من طرف الآباء والمربين والمسؤولين عامة - في البيت والمدرسة والمجتمع، وفي مختلف المناهج والبرامج والأنشطة التعليمية والتربوية والتثقيفية والتوجيهية - يضمن لنا إلى حد ممكن خلق جيل سوي متكامل الشخصية روحيًا وعقليًا ووجدانيًا وأخلاقيًا واجتماعيًا وجسديًا، محصن ضد الانحرافات والمفاسد وأسباب التحلل العقائدي والخلقي والاجتماعي.


إن التربية النبوية يمكن وصفها - كما يقول أحد الباحثين - بأنها: "عملية متكاملة" و" عملية حياة"....
ونعني بقولنا إن التربية النبوية" عملية متكاملة": أنها تعنى بالجانب الروحي والعقلي والوجداني والأخلاقي والاجتماعي والجسدي في تكوين الشخصية الإنسانية وفق معيار الاعتدال والاتزان، فلا إفراط في جانب دون غيره، ولا تفريط في جانب لحساب آخر، وهي بذلك تركز على تنشئة "الإنسان الصالح" بدون قيود الزمان أو المكان، وهي بهذا الهدف الخلاق فاقت هدف التربية الحديثة التي تنشد تكوين " المواطن الصالح" حسب معايير البيئة التي يعيش فيها أو العنصر الذي يحيا فيه.

إن التربية النبوية تكون " الإنسان الكامل" الذي تجتمع في شخصيته قيم الروح والعقل والوجدان وفضائل النفس والخلق والبدن، مع الموازنة العادلة بين جانبيه الفردي والاجتماعي، فهو إنسان كامل كفرد في عقيدته وخلقه وسلوكه وتصرفاته ونهجه في الحياة، وهو إنسان كامل كعضو في الجماعة يعمل على خيرها وتحقيق أهدافها، ويساهم بإيجابية في صيانة كيانها وخلقها وتراثها.

ونعني بقولنا إن التربية النبوية: " عملية حياة" اهتمامها بالإنسان قبل مولده، ومن مهده إلى لحده، فهي تحث أساسًا على اختيار والديه من الصالحين دينًا وخلقًا وبدنًا، وهي تهتم بحسن غذائه وكسائه، وتعنى بتربيته الدينية والعقلية والخلقية والاجتماعية منذ فجر طفولته حتى ترسخ عقيدته، ويكتسب الخصال الحميدة والأخلاق الكريمة، وينمو تحصيله العلمي والمعرفي منذ الصغر، ويحسن التعامل مع الآخرين، ويكوِّن معهم علاقات إيجابية وصلات مثمرة(2).

تلك هي معالم التربية في السنة النبوية - سيأتي تفصيل ذلك - تهدف إلى تكوين المؤمن المتكامل الشخصية، ذي النظرة الإيجابية للحياة، الذي قويت همته، واشتدت عزيمته، فلا يلحقه غرور، ولا يحطمه فشل، إن وجد يسرًا شكر الله تعالى وواصل طريقه، وإن وجد عسرًا استعان بالله تعالى وصبر على المكاره، واستمرت محاولته في تخطي الصعاب والعراقيل التي تعترضه حتى يوفقه الله تعالى إلى بلوغ آماله.
هذا هو المسلم المنشود، الذي لا يستسلم للواقع، بل يعمل على تغييره كما أمر الله، ولا يعتذر بالقضاء والقدر، بل يؤمن بأنه هو قضاء الله الغالب، وقدره الذي لا يرد، إنه المسلم الذي يعمل لإقامة رسالة، وبناء أمة، وإحياء حضارة.

-رسالة امتدت طولاً حتى شملت آماد الزمن، وامتدت عرضًا حتى انتظمت آفاق الأمم، وامتدت عمقًا حتى استوعبت شؤون الدنيا والآخرة.
-وأمة خصها الله بخير كتاب أنزل، وأعظم نبي أرسل، جعلها خير أمة أخرجت للناس، وجعلها أمةً وسطًا في كل شيء، وأهلها للأستاذية والشهادة على الناس.
-وحضارة ربانية إنسانية عالمية أخلاقية، جمعت بين العلم والإيمان، ومزجت بين المادة والروح، ووازنت بين الدنيا والآخرة، وحفظت للإنسان خصائص الإنسان، وكرامة الإنسان.

كانت تربية هذا المسلم هي العمل الأساس لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أعلن الله عن مهمته فقال: ((لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ))[سورة آل عمران: 164].

والتزكية كلمة تضم معنى الطهارة، ومعنى النماء، فهو يطهرهم من الشرك والرذائل، وينميهم بالتوحيد والفضائل، فهي تتضمن التخلية والتحلية - كما يقولون - وبعبارة أخرى: يربيهم التربية العملية المتكاملة المتضمنة لحسن فهم الدين والإيمان به، إيمانًا يدفع إلى العمل به، والعمل له، وذلك بالأسوة الحسنة.
ومع هذه التزكية العملية يقوم بتعليمهم الكتاب الإلهي المنزل، بتفهيمهم معاني آياته، ومقاصد تشريعه، وأسرار توجيهه، وبيان ما غمض عليهم منه، وتفصيل ما أجمل من أوامره ونواهيه وأخباره، حتى لا يزيغوا في فهمه أو اتباعه.

كما يعلمهم مع الكتاب "الحكمة" النظرية، وتعني: العلم المقترن بأسرار الأحكام وغاياتها، الباعث على العمل.
والعملية: وتعني: اتباع أحسن الطرق وأفضل الأساليب في العمل والدعوة والجهاد: ((وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا))[سورة البقرة: 269].
ثم يعلمهم بعد ذلك ما لم يكونوا يعلمون، من أمور الدين، وشئون الحياة مما يرقى بهم أفرادًا وجماعاتٍ في مدارج الكمال.

وهذه الشعب الأربع من مهمته - عليه الصلاة والسلام - هي التي تتكون منها سنته، أو طريقته، أو منهجه، في فهم دين الله تعالى، وتطبيقه، والدعوة إليه كما أمره ربه: ((بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ))[سورة النحل: 125].
وهذه السنة - أو هذا المنهج - بهذا المفهوم، قد أصبحت - بجوار القرآن الكريم - مصدرًا لمعرفة الإسلام معرفة مقترنة بالعمل والتطبيق.

لكل ذلك كانت هذه الدراسة عن " التربية في السنة النبوية"، والتي نرجو الله عز وجل أن يرزقنا فيها السداد في القول، والإخلاص في القصد، والتوفيق لحسن العمل بما نعلم، والقبول لما نعمل، وأن يرزقنا علم مالم نعلم: ((سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)) [سورة البقرة: 32].


الهوامش:

(1) انظر: النبي المربي، ص: 11-13.
(2) انظر: أسس التربية في السنة النبوية، ص: 11.

واثق بالله
19-02-2010, 02:26 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

التربية وأهميتها

أولاً: مفهوم التربية:

كي يكون بحثنا بحثًا علميًا منهجيًا، لا بد من إيضاح معاني الألفاظ والمصطلحات الأساسية التي نستعملها، لأن التباس هذه المعاني يؤدي إلى الخطأ في فهم جميع ما يبنى عليها، والناس اليوم يختلفون في فهم أوسع الألفاظ شمولاً كالدين، والتربية، والإيمان، والرب، والإله.....
وسنعتمد في ذلك على اللغة العربية والقرآن الكريم والسنة المطهرة، لأن تلك المصادر - خاصة القرآن والسنة- هي التي يستقى منها أسس التربية الإسلامية.

التربية في اللغة:

للتربية في معاجم اللغة العربية عدة معان تدور كلها حول: الزيادة والنشأة والعناية والرعاية والتوجيه والإشراف والمحافظة، وذلك على النحو الآتي:

1.ربا يربو ربوًا بمعنى: زاد ونما وارتفع، ومن هذا المعنى قوله تعالى: ((وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ))[سورة الروم: 39].
أي: ما جئتم به من عطاء ربا - الظاهر أنه أريد به الزيادة المعروفة في المعاملة التي حرمها الشرع - " ليربو في أموال الناس" أي: ليزيد ذلك الربا ويزكو في أموال الناس الذين آتيتموهم إياه. " فلا يربوا عند الله" أي: فلا يبارك فيه في تقديره تعالى وحكمه عز وجل (1).
وقوله تعالى: ((فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً))[الحاقة:10]، أي: زائدة.
وأربيته بمعنى أنميته، قال تعالى: ((يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ)) [البقرة: 276]. أي: يضاعف أجرها وينميها له.
قال ابن كثير: " ويربي الصدقات" قرئ بضم الياء والتخفيف من " ربا الشيء يربو " و" أرباه يربيه" أي: كثَّره ونماه وينميه، وقرئ: " يُربِّي" بالضم والتشديد: من التربية(2).
وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، وإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فَلُوَّه حتى تكون مثل الجبل"(3).

وروى الإمام أحمد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ليربي لأحدكم التمرة واللقمة، كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى يكون مثل أحد"(4).
قال ابن حجر: " وضرب به - أي: الفلو- المثل لأنه يزيد زيادة بينة، ولأن الصدقة نتاج العمل، وأحوج ما يكون النتاج إلى التربية إذا كان فطيمًا، فإذا أحسن العناية به انتهى إلى حد الكمال، وكذلك عمل ابن آدم - لا سيما الصدقة - فإن العبد إذا تصدق من كسب طيب لا يزال نظر الله إليها يكسبها نعت الكمال حتى تنتهي بالتضعيف إلى نصاب تقع المناسبة بينه وبين ما قدم نسبة ما بين التمرة إلى الجبل"(5).
ومن نفس المعنى قولهم: "ربأت الأرض"، أي: زكت وارتفعت، قال تعالى: ((فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ)) [سورة الحج: 5]، أي: ارتفعت، وهو من النمو والزيادة.
ويقال: رب الولد: أي: وليه وتعهده بما يغذيه وينميه ويؤدبه(6).

2.ربَّ يربُّ بوزن: مدَّ يمدُّ، بمعنى: أصلحه، وتولى أمره، وساسه وقام عليه ورعاه، من ذلك:
الرب: بمعنى السيد والمالك والمصلح، ومنه قوله تعالى: ((اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ))[سورة يوسف: 42].
ومنه قول لبيد بن ربيعة:
وأهلكن يومًا رب كنده وابنه ورب معد بن خبت وعرعر
وبمعنى المتصرف والمدبر والمصلح، ومنه قوله تعالى: ((أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ))[سورة يوسف: 39].

ومنه قول علقمة بن عبدة:

فكنت امرءًا أفضت إليك ربابتي وقبلك ربتني فضعت ربوب

أي: أن أمر تربيتي أصبح إليك فتصلحه بعد أن ضيعتني الملوك الذين كان إليهم أمر تربيتي قبلك فضيعوه (7).
ومنه قول صفوان بن أمية: " لأن يربني رجل من قريش أحب إليّ من أن يربني رجل من هوازن"(8).
ويقال: فلان رب هذا الشيء، أي: مالكه، وكل من ملك شيئًا فهو ربه(9).
3.ربِي يربَى على وزن خفِي يخفى، ومعناها: نشأ وترعرع، قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: ((أو من ينشؤ في الحلية)) [سورة الزخرف: 18]، أي: يربى ويشب، والنشوء: التربية، يقال: نشأت في بني فلان إذا شببت فيهم(10).

وقال الراغب: " الرب في الأصل: التربية، وهي إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حد التمام"(11).
والرباني: من الرب بمعنى التربية، كانوا يربون المتعلمين بصغار العلوم قبل كبارها.
ويقال: رب الوالد ابنه، بمعنى غذاه وجعله ينمو، أي: حفظه ورعاه ونشأه(12).
والتنشئة والتغذية والرعاية ليست عملية مادية فقط مقتصرة على الطعام والشراب، وإنما هي عملية متكاملة تشمل جميع جوانب شخصية المُربَّى روحيًا وعقليًا وجسديًا، وهذا هو المنقول عن السلف.
قال مجاهد: "الربانيون هم الذين يربون الناس بصغار العلم قبل كباره، فهم أهل الأمر والنهي".
ونقل عن علي رضي الله عنه أنه قال: "هم الذين يغذون الناس بالحكمة ويربونهم عليها"(13).
4.ربأ يربأ ربأ: بمعنى راقب وتابع، ويقال: ربأت القوم، أي: راقبتهم، والربيئة: الطليعة، وهو العين الذي ينظر للقوم لئلا يدهمهم العدو، ولا يكون هذا الرقيب إلا على جبل أو شرف ينظر منه(14).
وفي الحديث: " مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يربأ أهله"(15).

وقد استنبط الأستاذ عبد الرحمن الباني من هذه الأصول اللغوية أن التربية تتكون من عناصر:

أولها: المحافظة على فطرة الناشئ ورعايتها.
ثانيها: تنمية مواهبه واستعداداته كلها، وهي كثيرة متنوعة.
ثالثها: توجيه هذه الفطرة وهذه المواهب كلها نحو صلاحها وكمالها اللائق بها.
رابعها: التدرج في هذه العملية، وهو ما يشير إليه الراغب بقوله: " حالاً فحالاً" والعيني بقوله: "تربية المتعلمين بصغار العلوم قبل كبارها، وبالجزئيات قبل الكليات، وبالفروع قبل الأصول، وبالمقدمات قبل المقاصد(16).

ثم يستخلص من هذا نتائج أساسية في فهم التربية.

أولاها: أن التربية عملية هادفة، لها أغراضها وأهدافها وغايتها.
النتيجة الثانية: أن المربي الحق على الإطلاق هو الله الخالق: خالق الفطرة وواهب المواهب، وهو الذي سنّ سننًا لنموها وتدرجها وتفاعلها... كما أنه شرع شرعًا لتحقيق كمالها وصلاحها وسعادتها.
النتيجة الثالثة: أن التربية تقتضي خططًا متدرجةً تسير فيها الأعمال التربوية والتعليمية وفق ترتيب منظم صاعد، ينتقل مع الناشئ من طور إلى طور، ومن مرحلة إلى مرحلة في كل شأن من الشؤون.
النتيجة الرابعة: أن عمل المربي تالٍ وتابعٌ لخلق الله وإيجاده، كما أنه تابع لشرع الله ودينه وأحكامه(17).
وهذا التحليل لمعنى التربية ونتائجها يستدعى منا التعريج على أقوال العلماء في تعريفها وبيان المراد منها.
التربية في الاصطلاح:

لعلماء الإسلام - قدامى ومعاصرين - أقوال في معنى التربية، ونحن في هذه الدراسة لا نرمي إلى استيعابها وإنما إلى عرض بعضها، خاصةً وأن بينها قاسمًا مشتركًا، سواء في الوسيلة أو الغاية والهدف.
1.قال الإمام البيضاوي في تفسيره: " الرب في الأصل بمعنى التربية، وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئًا فشيئًا ثم وصف به تعالى للمبالغة"(18).

2.وقال الإمام الراغب الأصفهاني: " الرب في الأصل: التربية، وهو: إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حد التمام"(19).

3.وقال الدكتور محمد عبد الله دراز في كتابه: " كلمات في مبادئ الأخلاق": " التربية تفعلة من ربا إذا زاد ونما، فهي تعهد الشيء ورعايته بالزيادة والتنمية والتقوية، والأخذ به في طريق النضج والكمال الذي تؤهله له طبيعته"(20).

4.وقال الأستاذ الإبراشي: " التربية: هي إعداد المرء ليحيا حياة متكاملة، ويعيش سعيدًا، محبًا لوطنه، قويًا في جسمه، متكاملاً في خلقه، منظمًا في تفكيره، رقيقًا في شعوره، ماهرًا في عمله، متعاونًا مع غيره، يحسن التعبير بقلمه ولسانه، ويجيد العمل بيده" (21).

5.وقال الدكتور عبد الحميد الزنتاني: " التربية: هي عملية تشكيل الشخصية السوية المتكاملة في جميع جوانبها روحيًا وعقليًا ووجدانيًا وخلقيًا واجتماعيًا وجسميًا والقادرة على التكيف مع البيئة الاجتماعية والطبيعية التي تعيش فيها" (22).

6.وقال الدكتور مقداد يالجن: " التربية هي تنشئة وتكوين إنسان مسلم متكامل من جميع نواحيه المختلفة من الناحية الصحية والعقلية والاعتقادية والروحية والأخلاقية والإرادية والإبداعية في جميع مراحل نموه في ضوء المبادئ والقيم التي أتى بها الإسلام، وفي ضوء أساليب وطرق التربية التي بينها"(23).
7.وقال الدكتور على مدكور: " التربية في التصور الإسلامي هي: عملية متشعبة ذات نظم نابعة من التصور الإسلامي للكون، والإنسان، والحياة، تهدف إلى تربية الإنسان وإيصاله شيئًا فشيئًا إلى درجة كماله، التي تمكنه من القيام بواجبات الخلافة في الأرض عن طريق إعمارها، وترقية الحياة على ظهرها وفق منهج الله (24).

8.وقال آخرون: - وهو من أجمع التعريفات-: " التربية: هي تنمية الإنسان في جوانبه الجسمية والروحية والعقلية والاجتماعية وغيرها، وتوجيه قدراته وإمكانياته في ضوء المبادئ والمفاهيم والقيم المستمدة من الأصول الإسلامية، بهدف إعداد الإنسان الصالح المصلح، والمجتمع العامل المنتج، والأمة الإسلامية الخيرة" (25).

وإذا ما نظرنا إلى التعريفات المذكورة آنفًا للتربية، والتي تحاول إيضاح معناها ووظيفتها وأهدافها، في ضوء السنة النبوية الشريفة نجد أن السنة النبوية لا تعارضها أو تلغيها، بل تستوعبها وتؤيد الكثير منها، هذا مع قصب السبق الذي حازته السنة النبوية على واضعيها.




الهوامش:

(1) انظر: روح المعاني للآلوسي، 21/ 45-46.
(2) عمدة التفسير، 1/ 334.
(3) صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب الصدقة من كسب طيب، رقم: (1410). والفلو: بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو: المهر الصغير.
(4) المسند (6/ 251) وعزاه الهيثمي في المجمع (3/ 111) للطبراني في الأوسط، وقال: رجاله رجال الصحيح.
(5) فتح الباري (3/ 328).
(6) انطر: لسان العرب، مادة: ربا، المعجم الوسيط، مادة: رب، النهاية، ص: 344.
(7) تفسير الطبري، 1/ 48.
(8) دلائل النبوة (5/ 128)، وقال في مجمع الزوائد (6/ 179): " رواه أحمد وأبو يعلى، ورجال أحمد رجال الصحيح".
(9) انظر: اللسان، مادة: ربب، والنهاية، ص: 338.
(10) الجامع لأحكام القرآن، 16/ 32.
(11) المفردات، ص: 184.
(12) اللسان، مادة: ربب، والنهاية، ص: 339.
(13) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 1/ 62، زاد المسير لابن الجوزي، 1/ 413.
(14) اللسان، مادة: ربأ، والنهاية،ص: 338.
(15) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى: { وأنذر عشيرتك الأقربين}، رقم: (353).
(16) عمدة القاري، 2/ 43.
(17) مدخل إلى التربية في ضوء الإسلام، ص: 12- 13.
(18) تفسير البيضاوي بحاشية الشهاب، ص: 88- 89.
(19) المفردات، ص: 184.
(20) نقلاً عن كتاب: مدخل إلى التربية، ص: 12.
(20) نقلاً عن أسس التربية في السنة، ص: 25.
(21) أسس التربية في السنة، ص: 25.
(22) جوانب التربية الإسلامية، ص: 26.
(23) نظريات المناهج العامة، ص: 166.
(24) أصول التربية الإسلامية، ص: 24.

واثق بالله
20-02-2010, 09:31 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الفرق بين التربية والتعليم

إن عدم وضوح العلاقة بين مفهوم التربية ومفهوم التعليم قد أدى إلى أخطاء في مجالات التربية والتعليم عبر القرون.

ولهذا جدير بنا أن نعرض لهذه العلاقة ونوضح هذه الفكرة، فنقول وبالله تعالى التوفيق.
هناك فرق واضح بين عملة التربية من جهة والتعليم من جهة أخرى، فالتعليم يمثل جزاءً من التربية، والتربية تشمل التعليم، والعكس غير صحيح.

فالتربية هي عمليه تنمية متكاملة لكافة قوى وملكات الفرد، بمختلف الأساليب والطرق، ليكون سعيداً وعضواً صالحاً في مجتمعه، وهي بذلك تشمل جميع جوانب شخصيته: الروحية والعقلية والخلقية والاجتماعية والوجدانية والجمالية والبدنية.

أما عمليه التعليم فهي - كجزء من العلمية التربوية الكاملة - ترمى أساساً إلى تنمية عقل الفرد وتمكينه من اكتساب المعرفة والمهارات اللازمة لحياته، ودرايته بعلم ما، أو فن ما، أو حرفة أو مهنة ما ونحو ذلك.
وهكذا يتضح أن عملية التربية أكثر وأوسع شمولية وتكاملية من عملية التعليم، إذ أن هدف التربية يتجه إلى تنمية وصقل جميع جوانب الشخصية الإنسانية بما يكوِّن في المجتمع أعضاء صالحين ذوي مواهب وقدرات وخبرات وكفاءات جيدة، متعاونين متآزرين، سعداء ذوي نظرة إيجابية للحياة، قادرين على مساعدة وإسعاد أسرهم وأقربائهم وإعانة بقية أفراد مجتمعهم، حريصين على القيام بواجباتهم الإنسانية تجاه غيرهم. (1)
ومن الخطأ أن نظن اليوم أن مجرد التعليم بحشو الأذهان المختلفة بالمعلومات المقررة وتوصليها إلى الأذهان يؤدي إلى تربية الرجال ويرتقي بهم إلى الكمال، كما يؤدي إلى نمو جميع جوانب الإنسان مثل النمو الروحي والأخلاقي وما إلى ذلك.

ومن الأدلة على ذلك أن ارتفاع معدل نسبة التعليم في المجتمعات لم يؤد إلى إقلال الشرور والجرائم، وإننا نرى اليوم أن نسبة الفساد لدى المتعلمين لا تقل عما لدى غير المتعلمين، وبخاصة إذا رأينا ما صدر من الفساد والجرائم من كبار المتعلمين ومن الموظفين والمسئولين حتى في أكثر الدول تقدماً في المجالات العلمية نقتنع عندئذ تماماً بأن مجرد حشو الأذهان بالمعلومات المقررة لا يؤدي إطلاقاً إلى إصلاح النفوس، وإلى الرقي الروحي والأخلاقي والاجتماعي، ويفسر ذلك أيضاً ظاهرة الغش وعدم التمسك بالقيم الإسلامية لدى المتعلمين بصفة عامة.(2)
إن عملية التعليم إذا زالت عنها السمة التربوية أصبحت مجرد حشو وتكديس لمعلومات لا تفيد في تشكيل الشخصية أو تعديل اتجاهاتها بالشكل الايجابي المرغوب منها، والحاجة الماسة تظهر دائماً " للمربي الكامل " الذي يمكنه القيام بعمليتي التربية والتعليم معاً - وذلك يتأتي باقتران أقواله بأفعاله، فإن حث على الصدق كان صادقاً، وإن رغب في الرحمة كان رحيماً، وإن وجه إلى الإتقان كان متقناً وهكذا - فيساعد على تكوين الشخصية السوية المتكاملة لا المعلم الذي يقتصر دوره على تلقين الدروس والمعارف.(3)
يقول الرسول الكريم صلى الله علية وسلم مادحا ارتباط التربية بالتعليم:" مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء، ولاتنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، فعَلِِمَ وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به "(4)

قال القرطبي وغيره: " ضرب النبي صلى الله علية وسلم لما جاء به من الدين مثلاً بالغيث العام الذي يأتي الناس في حال حاجتهم إليه، وكذا كان حال الناس قبل مبعثه صلى الله علية وسلم، فكما أن الغيث يحيى البلد الميت فكذا علوم الدين تحيى القلب الميت، ثم شبه السامعين له بالأرض المختلفة التي ينزل بها الغيث، فمنهم العالم العامل المعلم، فهو بمنزلة الأرض الطيبة، شربت فانتفعت في نفسها، وأنبتت فنفعت غيرها، ومنهم الجامع للعلم المستغرق لزمانه فيه غير أنه لم يعمل بنوافله أو لم يتفقه فيما جمع، لكنه أداه إلى غيره، فهو بمنزلة الأرض التي يستقر فيها الماء، فينتفع الناس به، وهو المشار إليه بقوله صلى الله علية وسلم: " نضر الله امرأً سمع مقالتي فأدها كما سمعها "(5). ومنهم من يسمع العلم فلا يحفظه ولا يعمل به، ولا ينقله لغيره، فهو بمنزلة الأرض السبخة أو الملساء التي لا تقبل الماء أو تفسده على غيرها.
وإنما جمع في المثل بين الطائفتين الأوليين المحمودتين لاشتراكهما في الانتفاع بهما، وأفرد الطائفة الثالثة المذمومة لعدم النفع بها(6)

وقال الطيبي: " وفي الحديث إشعار بأن الاستعدادات ليست بمكتسبة، بل هي مواهب ربانية يختص بها من يشاء، وكمالها أن يفيض الله عز وجل عليها من المشكاة النبوية، فإذا وجد من يشتغل بغير الكتاب و السنة وماولاهما علم أن الله لم يرد به خيراً، فلا يعبأ باستعداده الظاهر، وأن الفقيه هو الذي علم وعمل ثم علَّم، وفاقد أحدهما فاقد هذا الاسم، وأن العالم العامل ينبغي أن يفيد الناس بعمله، كما يفيد بعلمه، ولو أفاد بالعمل فحسب لم يحظ منه بطائل، كأرض معشبة لا ماء فيها، فلا يمرأ مرعاها، ولو اقتصر علي القول لأشبه السقي مجرداً عن الرعي، فيشبه أخذه المستسقى، ولو منعهما معاً كان كأرض ذات ماء وعشب حماها بعض الظلمة عن مستحقيها. قال:

ومن منع الجهال علماً أضاعه * ومن منع المستوجبين فقد ظلم(7)
إن رسول الله صلى الله علية وسلم قد جمع في هذا الحديث بين عملية التربية والتعليم، وجعل صلى الله علية وسلم أعلى الطوائف العالم العامل المعلم لغيره، ثم يليه في المرتبة العالم المعلم الذي يبلغ ما سمع من الخير بلا تحريف للكلم ولا إفساد للمعنى.
فامتدح صلى الله علية وسلم هاتين الطائفتين من الناس لاشتمالهما على عملية التربية والتعليم، وذم الطائفة الثالثة التي لم يتحقق فيها شيء من ذلك.
ولذا فإن من الواجب على المؤسسات التعليمية، وخاصة التي تعنى وتهتم بتعليم الكتاب والسنة وما يتعلق بهما من أحكام فقهيه إلى غير ذلك، أن تهتم بالجانب التربوي إلى الجانب التعليمي النظري، فتكون بذلك قد ربطت الجانب النظري البحت بالجانب التطبيقي والعملي لهذا العلم الذي عن طريقه يُعبد الله تعالى.
إن العلم والتفقه في الدين ليس غاية في ذاته، بل هو وسيلة إلى غاية عظيمة، وهي عبادة الله وحده لا شريك له على علم وبصيرة، قال الله تعالى: ((قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)) [الأنعام:162-163].

فالغاية من تعلم العلم بل من خلق الإنسان على هذه الأرض هو العبودية الخالصة لله تعالى والتي تشمل إقامة منهج الله تعالى في الأرض وتحكيم شريعته، كما دلت عليه الآية السابقة، وأن العبادة تشمل إلى جانب الشعائر التعبدية من صلاة وصدقة وصيام وذبح لله تعالى تشمل كذالك جوانب الحياة والممات بتحكيم المنهج الرباني المتمثل في كتاب وسنة رسوله صلى الله علية وسلم.

يقول ابن القيم: " إن العبد لو عرف كل شيء ولم يعرف ربه فكأنه لم يعرف شيئاً "(8)
وقد ذم رسول الله صلى الله علية وسلم الذي يطلب العلم لغير العمل به، كما ورد في الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله علية وسلم: " من تعلم علماً مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة "(9)

هكذا ربى رسول صلى الله علية وسلم أصحابه على اقتران العلم بالعمل، فلم يأخذوا العلم لكي يتزينوا ويتجملوا به، ولا لكي يترقوا به المناصب الزائلة في الدنيا، وإنما تعلموا وتفقهوا ليعملوا به ويعبدوا الله وحده بلا شريك، ويبينوه للناس.

" إن هذا القرآن هو الذي أنشأ خير أمة أخرجت للناس فهو منهج التربية الذي تربى عليه الرسول صلى الله علية وسلم وربى عليه أمته من بعد.... إن هذا الدين ليس شعارات وليس مُثلا معلقة في الفضاء، وليس قيماً فكرية تتملى بالذهن، ولكنه واقع يعاش وهذا هو التوجيه " التربوي " الأكبر في القرآن: ((وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ)) [العنكبوت:7].
((لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ)) [النساء:123].
((فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى)) [آل عمران:195]
ما من موضع في القرآن يخلوا من هذا التوجيه، إن الإسلام ليس مشاعر إيمانية فحسب، فضلاً عن أن يكون كلمة تقال باللسان، ولكنه عمل كذلك بمقتضى الإيمان، وإذا كان الإسلام كذلك، فقد تولي القرآن مهمة تربية الأمة الإسلامية لتكون مسلمة بالفعل، أي تمارس إسلامها في عالم الواقع(10)


الهوامش:

(1) انظر: أسس التربية في السنة النبوية ص 26،25.
(2) جوانب التربية الإسلامية الأساسية ص 27.
(3) انظر: أسس التربية في السنة ص 26
(4) أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب فضل من علم و علم، رقم(79)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب بيان مثل ما بعث النبي صلى الله علية وسلم من الهدى و العلم، رقم (2282).
(5) أحرجه ابو داود، كتاب العلم، باب فضل نشر العلم، رقم (3660) و الترمذي، كتاب العلم، باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع، رقم (2656) وقال: حديث زيد بن ثابت حديث حسن ورقم _ 2657) وقال: هذا حديث حسن صحيح و أخرجه غيرها.
(6) فتح الباري (1/177).
(7) شرح الطيبي على المشكاة 2/618.
(8) إغاثة اللهفان (1/68).
(9) أخرجه الحاكم (1/85) وقال: هذا حديث صحيح ورواته ثقات على شرط الشيخين ولم يخرجاه، و أقره الذهبي.
(10) دراسات قرانية ص 491-492، انظر: تربية النبي صلى الله علية وسلم لأصحابه ص 15-18.

واثق بالله
20-02-2010, 09:26 PM
أهداف التربية في السنة

معنى الأهداف والغايات وأهميتها :

إن تحديد الأهداف والغايات من أهم القضايا التربوية التي ينبغي الاهتمام بها، ذلك لأن توجيه العملية التربوية توجيها سليما يتوقف على مدى فهم المربين لغاياتها وأهدافها، وتحديد هذه الغايات وتلك الأهداف .
والمقصود بالأهداف:

مجموعة الأغراض أو المقاصد القريبة المراد الوصول إليها وتحقيقها، قال الشاعر :

كل له غرض يسعى ليدركه *** والحر يجعل إدراك العلا غرضا

أما الغايات فهي الأغراض أو المقاصد أو الأهداف البعيدة، وعلى ذلك فإن المقصود بالأهداف التربوية الأغراض أو الغايات التي تسعى العملية التربوية إلى تحقيقها والوصول إليها، قريبة كانت أو بعيدة .
وقيمة الهدف في أنه يجعل للعمل معنى، ويعين له اتجاها، ويحدد له الوسائل والطرق، ذلك أن الذي لا هدف له لا يعرف لذة العمل، ولا يتذوق طعم الحماس، وهو بعد ضائع لا يعرف أين المنتهى، ولا يستطيع الجزم بأفضلية طريقة على طريقة ووسيلة على أخرى (1).

فلو طلب من إنسان القراءة في مكتبة دون تحديد لموضوع معين، أو من أجل هدف محدد لما اهتم هذا الإنسان بالقراءة أو بدخول المكتبة، ولو دخلها لما حدد كتبا معينة يقرؤها، وسيكون حماسه ضعيفاً وفاتراً ، ولربما أهمل القراءة كلية .
ولكن لو قيل لهذا الإنسان مرة أخرى : اقرأ موضوعاً عن التسامح في الإسلام، وأعد بحثاً من ثلاثين صفحة ليقدم إلى مركز البحوث الإسلامية، وقد خصصت جائزة قيمتها عشرة آلاف ريال أو جنيه لمن يفوز بحثه في هذه المسابقة،لو قيل هذا لا ندفع هذا الإنسان إلى المكتبة يلتهم الكتب التي تضم هذا الموضوع التهاما، ولأسرع في إعداد البحث بطريقة جيدة ولصاغه في أسلوب جيد، وكتابة جيدة، وطباعة جيدة، أملا في الفوز في هذه المسابقة، فالهدف هنا واضح له، وقد وجه نشاطه وحفزه على الإنجاز في عمله، وساعده على النجاح فيه .
من هذا المثال يتضح لنا أن لتعيين الهدف أهمية تجعله ضرورياً لكل ضروب السلوك الواعي، فكيف بالنسبة لعملية تربوية يراد منها توجيه الجيل، وبناء صرح الأمة، وتعيين أسلوب السلوك في حياة الفرد والجماعة، حتى يجتاز البشر هذه الحياة بسعادة ونظام، وتعاون وانسجام، وتفاؤل ورغبة وإقدام، ووعي وتدبر وإحكام (2).

- أهداف التربية الإسلامية عموما:

إن أهداف التربية في السنة النبوية هي أهداف التربية في الإسلام، لأن الإسلام إنما جاءنا به رسول _الله صلى الله عليه وسلم_ ( مصدر السنة ) وقد حدد القرآن مهمة الرسول مع أمته ( يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) فالتزكية ( التربية) مهمة رئيسة في دعوته صلى الله عليه وسلم ، وركائزها التي تستقى منها : الكتاب والسنة، وإذا كان الكتاب الكريم يشتمل على الأصول العامة والقواعد الكلية في التشريع والتوجيه والتربية، فإن السنة مهمتها التفصيل والبيان، ومن ثم يجب علينا الوقوف على أهداف التربية الإسلامية عموماً، وعرض آراء التربويين والمفكرين في تلك الأهداف ، ثم تناول أهداف التربية في السنة بعد ذلك على وجه الخصوص، وعليه فأقول :

إن تحديد أهداف التربية عموماً ليس بالأمر السهل الذي يمكن أن يتفق عليه بين كافة المربين والمفكرين، ذلك لأن تحديد الأهداف عند كل منهم إنما يأتي تبعاً لتصوره الشخصي للحياة، ورؤيته الفكرية، وخلفيته العقدية، ومن الطبيعي أن يتأثر في ذلك بمختلف العوامل والظروف الحياتية التي يعيشها دينيا، وفكرياً، واقتصادياً، وسياسياً،واجتماعياً، ..... الخ .

وقد استمر الخلاف وعدم الاتفاق بين المربين والمفكرين في مسألة تحديد أهداف التربية عموماً حتى عند المربين والمفكرين المسلمين(3).

فقد ظهرت في السنوات الأخيرة بعض الدراسات، وحاول أصحابها أن يحددوا الأهداف العامة للتربية الإسلامية حسبما فهموه من النصوص الدينية ومن التراث الفكري والتربوي الإسلامي، ومن قوائم الأهداف التربوية العامة التي أسفرت عنها هذه الدراسات تمكن الإشارة إلى ما يلي :

1- لقد توصل الأستاذ محمد عطية الأبراشي في دراساته التي أجراها في مجال التربية الإسلامية إلى استخلاص خمسة أهداف عامة أساسية للتربية الإسلامية ، هي كالآتي:

أ) الوصول إلى الخلق الكامل، فقد أجمع المسلمون على أن التربية الخلقية هي روح التربية الإسلامية، وأن الوصول إلى الخلق الكامل هو الغرض الحقيقي من التربية، وليس الغرض من التربية والتعليم في ظل الفكر الإسلامي هو حشو أذهان المتعلمين بالمعلومات الجافة وتعليمهم من المواد الدراسية ما لم يعلموا .
ومن الممكن تلخيص الغرض الأساسي من التربية الإسلامية في كلمة واحدة هي ( الفضيلة ) . وحسب هذا الغرض ، فإن كل درس يجب أن يكون درس أخلاق، وكل معلم يجب أن يراعى الأخلاق، وكل مؤدب يجب أن يفكر في الأخلاق الدينية قبل أي شيء آخر .

ب) الإعداد للحياة الدنيا والحياة الآخرة . فلم تهتم التربية الإسلامية بالناحية الدينية وحدها ولا بالناحية الدنيوية وحدها، بل اهتمت بهما معاً واعتبرت الإعداد للحياتين هدفاً من أهدافها العامة الأساسية إن لم يكن هدفاً أعلى ونهائياً لها. ومن النصوص التي يعتمد عليها المربون المسلمون في تأكيد هذا الغرض قول الرسول الكريم : ( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً)(4). فلم يفكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا وحدها أو الدين وحده،ولكنه فكر في العمل لهما معاً، بدون إهمال للعالم الدنيوي أو العالم الأخروي.

ج ) الإعداد لكسب الرزق والعناية بالنواحي النفعية، فالتربية الإسلامية لم تكن كلها دينية وخلقية روحية،بل لها اهتمام نفعي في أهدافها ومناهجها ومناشطها . وكان المربون المسلمون يرون أن الكمال الإنساني لا يتحقق إلا بالتوفيق بين الدين والعلم، وإلا بالاهتمام بالنواحي الروحية والخلقية والنواحي النفعية. وكان من بين النصوص الدينية التي اعتمد عليها هؤلاء المربون في تأكيد هذا الهدف أو الغرض التربوي الكتاب الذي بعث به الخليقة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى ولاته والذي تضمن قوله : ( أما بعد فعلموا أولادكم السباحة والفروسية ، ورووهم ما سار من المثل ،وما حسن من الشعر ) .

فعمر رضي الله عنه يأمر في كتابه بتعليم الأولاد السباحة ،والفروسية، والرياضة البدنية ، والمهارة الحربية ، والعناية باللغة العربية ، ورواية الأمثال السائرة ، والشعر الحسن .

د ) تنمية الروح العلمية لدى المتعلم ، وإشباع ما لديه من ميل فطري إلى حب الإطلاع والمعرفة، وتمكينه من دراسة العلم لذات العلم. ففي الوقت الذي اهتم فيه المربون المسلمون بالتربية الدينية والخلقية وبالإعداد للحياة الدنيا والحياة الآخرة وبالإعداد لكسب الرزق، فإنهم اهتموا أيضاً بدراسة العلوم والآداب والفنون على اختلاف أنواعها، لذات العلم وذات الأدب وذات الفن .

هـ ) إعداد المتعلم مهنياً وفنياً وصناعياً، حتى يجيد مهنة من المهن أو فناً من الفنون أو صناعة من الصناعات، وحتى يتمكن من كسب رزقه في الحياة، ويحيا حياة شريفة مع المحافظة على الناحية الروحية والدينية .

فالتربية الإسلامية بالرغم من تركيزها على الجانب الروحي والخلقي، فإنها لم تهمل إعداد الفرد للحياة ، ولا كسب العيش والرزق ، ولم تنس تربية الجسم والعقل والقلب والوجدان والإرادة والذوق واليد واللسان والشخصية (5).



--------------------------------------------------------------------------------

[1] - انظر : التربية قديمها وحديثها للدكتور / فاخر عاقل ص 267.
[2] - انظر : أصول التربية الإسلامية ص 149، التربية الإسلامية لأحمد الحمد ص 36، 37.
[3] - انظر : التربية الإسلامية للدكتور / صالح أبو عراد ص 44.
[4] - أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده ( 2/983رقم 1093) بلفظ ( احوث لدنياك ) من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص، وإسناده فيه مجهول وهو الراوي عن الصحابي ، وأبو عمرو الصفار – أحد الرواة –متكلم منه ، وقد حكم عليه بالوضع الشيخ أحمد صديق الغماري في رسالته ( سبل الهدى في إبطال حديث اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ص 26-28) .
[5] - التربية الإسلامية وفلاسفتها . ص 22-25 .

امـ حمد
21-02-2010, 02:58 AM
اللهم أنصر سنة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام

الله يجزيك الجنه اخوي

بارك الله فيك

واثق بالله
21-02-2010, 06:55 PM
اللهم امين

جزاج الله خير اختي ام حمد

واثق بالله
21-02-2010, 06:57 PM
المصادر التي تستمد منها التربية الإسلامية أهدافها

أهداف التربية أياً كان نوعها لابد لها من مصادر تشتق منها ، وركائز تعتمد عليها في بنائها، ومرجع المسلم فيما نص عليه الدين من : عقائد إيمانية، وشعار دينية، وقواعد خلقية، وأحكام شرعية، وتوجيهات تربوية، ومن وصايا وتعاليم في كافة شئون الحياة ومجالاتها – هو كتاب الله وسنة نبيه، وما بني عليهما من مصادر فرعية أخرى كالإجماع، والقياس، والمصالح المرسلة ، والاستحسان ، وما إلى ذلك من مصادر التشريع والتوجيه في الشريعة الإسلامية، وهي في الحقيقة ترجع جميعها إلى المصدرين الرئيسين الأوليين، وهما كتاب الله وسنة نبيه، اللذان قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا : كتاب الله وسنتي )(1).

ومن القرآن الكريم يستقى المسلم عناصر الرسالة المحمدية من : عقيدة،وعبادة وتشريع، ومنه يستمد أيضاً أهداف هذه الرسالة ومقاصدها، وأهداف التربية الإسلامية .

ويأتي في مقدمة أهداف الرسالة المحمدية والشريعة الإسلامية ( إقامة مجتمع إنساني نظيف: نظيف العقيدة، نظيف العلاقات ، نظيف المشاعر والسلوك. تبدأ بالفرد فترده إلى فطرته السليمة، وتربي فيه الضمير المرهف الحساس، وتروضه على الخلق الفاضل الكريم، وتقيم الأسرة على المودة والفضل والرحمة، وتكون المجتمع على الحب والتكامل والعدل، وتنظم العلاقات بين المجتمعات على أساس الوفاء والحق )(2).

وقد أوضح القرآن الكريم أهداف الرسالة المحمدية في آيات كثيرة، فمن ذلك :

قوله تعالى : ( لقد من الله على المؤمنين، إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) . آل عمران : 164.
وقوله جل شأنه : ( هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) ( الجمعة : 2) .

وأهداف الرسالة كما تدل عليها هاتان الآيتان الكريمتان تتركز في الهدفين الأساسيين التاليين :

1- تزكية النفس وتطهيرها من الخبائث ومن الرجس والدنس بجميع أنواعه، وإن طهارة النفس تتضمن التحلي بجميع خلال الخير، والتخلي عن جميع الرذائل ونوازع الشر وعما يحيك في الصدر من آثام .
2- تعليم الكتاب والحكمة باعتبارهما الدعامتين القويتين للدين والحياة الراضية، وباعتبارهما أعظم مرشد إلى خير الإنسان وسعادته .

وإذا كان الكتاب هو القرآن الكريم فإن الحكمة هي السنة النبوية ، أو كل ما يتحقق فيه الصواب من القول والعمل(3).

وبالنسبة للتربية بالذات التي يهمنا الحديث عنها في هذا الكتاب فإن التربية التي تضمنها القرآن الكريم هي تربية شاملة ( لا تقتصر على المسجد أو المعهد، ولا تختص بالعبادة دون السلوك، أو تهتم بالفرد وتترك المجتمع، أو تعني بالعقيدة وتهمل العمل، إنما تشمل كل جوانب النفس،وتعمل في كل ميادين الحياة ) . فهي تربية تهتم ببناء الفرد من جميع نواحيه وتؤكد وحدة الإنسان التي لا ينفصل فيها الجسم ولا العقل ولا العاطفة، أحدها عن الآخر، كما تهتم بتربية المجتمع وبناء نظام اجتماعي مؤسس على مبادئ الوحدة والمساواة والإخاء والتعاون والشورى التي هي جوهر العدالة في الحكم(4).


--------------------------------------------------------------------------------

(1) الحديث أخرجه مالك في الموطأ بلاغاً، كتاب القدر ، رقم ( 3 ) ، قال الزرقاني في شرحه للموطأ( 4/246 ) : ( إن بلاغة صحيح كما قال ابن عيينه ) وقد أسنده ابن عبدالبر في التمهيد من حديث أبي هريرة وحديث عمرو بن عوف، وقال : ( هذا حديث مشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم شهرة يكاد يستغنى بها عن الإسناد ). انظر : ( فتح المالك 9/282-283 ) ، وأخرجه الحاكم في المستدرك ( رقم 931 ) وصححه، ووافقه الذهبي .
(2) منهج القرآن في التربية لمحمد شديد ص 7-8.
(3) ( التربية الخلقية والاجتماعية في السنة النبوية ) لعبد الحميد حسن ،في :التوجيه الإسلامي للشباب . (من بحوث مؤتمرات مجمع البحوث الإسلامية ) ، القاهرة : مجمع البحوث الإسلامية ، 1971، ص 135-166.
(4) انظر : فلسفة التربية الإسلامية للشيباني ص 308.

واثق بالله
22-02-2010, 02:24 PM
أما السنة النبوية التي هي المصدر الثاني للتشريع والتربية والتهذيب في الإسلام – بعد كتاب الله – فإنها قد اتجهت مثل ما اتجه القرآن الكريم: إلى تهذيب الفرد وتزكية نفسه وتقويم شخصيته وتوجيهه الوجهة المثالية، ورسمت له أوضح السبل، وكل ذلك على أساس من الفطرة السليمة والاتجاه العملي الذي يرشد إلى الوجهة الصالحة في سهولة ويسر ومجافاة عن التعمق الفلسفي أو التعسف العلمي.

وتسلك السنة النبوية في تربية الفرد طريقتين:

الأولى: إيجابية، ترتكز على الأسس الصالحة القوية للخلق الكريم وتتجه إلى غرس الفضائل كالتقوى، والطهارة، والإحسان، والرفق، والرحمة...الخ.

والثانية: وقائية تنتزع من الإنسان الرذائل بأنواعها الفردية والاجتماعية،وتطهره مما تتسم به القلوب المريضة والنفوس المنحرفة، وتفصل ذلك تفصيلاً وافياً شاملاً فتذكر النفاق والرياء والحسد والنميمة والغيبة والتحاسد والتباغض والظن والغدر والخيانة وخلف الوعد.وكلها رذائل تهوى بالفرد وتزعزع كيان الأمة...

هذا هو هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في تربية الإنسان وتطهير قلبه وتكميل شخصيته،وهو هدي يتعهد النبيل من السجايا بالتنمية الصالحة ويجتث العلل والآفات الخلقية، وبذلك يشب الفرد على أقوم الخلال، ويسير في حياته سوياً على صراط مستقيم، ويكون لبنة قوية في البناء الصالح للشعب الرشيد(1).

ثم تتدرج السنة النبوية في ميدان التربية فتتجه إلى من ينتمي إليهم الفرد ويتفاعل معهم، وهم أسرته وعشيرته الأقربون، وجيرانه، ومجتمعه المباشر وأمته، والإنسانية جمعاء، فتدعو إلى توثيق روابط الألفة والمودة والبر والتواصل والتعاون والتضامن بينهم، لتجعل منهم وحدة متماسكة متعاونة على البر والتقوى، وترسى قواعد التعايش السلمي بين الجماعات على اختلاف عقائدها ومذاهبها دون تعصب أو تمييز، وترسى الدعائم الأساسية لإصلاح الأمة وتقدمها وقوتها وزيادة إنتاجها. والأحاديث النبوية في هذا الباب كثيرة(2)، وسوف تأتي معنا في الفصول اللاحقة.

هذه بعض الملامح العامة والجوانب الرئيسة لأهداف التربية في كل من الكتاب والسنة، غير أنه يمكن القول بأن للتربية في الإسلام من خلال مصادره الرئيسة المتمثلة في (القرآن والسنة) أهدافاً قريبة وغايات بعيدة، أو إن شئت فقل: هدفاً عاماً وأهدافاً جزئية تمتد منه وتتفرع عنه وتعود في النهاية إليه، وتحقيق هذه الأهداف لابد من أن يتم على مراحل زمنية تبدأ مع بداية العملية التربوية وتستمر معها في مختلف مراحلها.


--------------------------------------------------------------------------------

(1) انظر: التربية الخلقية والاجتماعية في السنة النبوية ص 135-166.
(2) انظر: فلسفة التربية الإسلامية ص 310.

واثق بالله
22-02-2010, 02:38 PM
عذرا .. عوده لأتمام ماتبقى من ( أهداف التربيه في السنه ) ومن ثم مواصلة الموضوع

واثق بالله
22-02-2010, 02:50 PM
وفي الدراسة التي قام بها الأستاذ عبدالرحمن نحلاوي في: (أسس التربية الإسلامية وطرق تدريسها)، توصل المؤلف إلى استخلاص أربعة أهداف أو أغراض عامة أساسية للتربية الإسلامية، هي كما يلي:

أ) التثقيف العقلي والإعداد الفكري: (فالإسلام ينظر إلى الكون نظرة تعقل وتدبر وتأمل، ويأمرنا الله تعالى أن نتفكر في خلق السموات والأرض، وأن نعتمد على عقلنا للوصول إلى الإيمان بالله تعالى. وبهذا كان الإعداد الفكري والاستزادة من المعلومات من أهم ما حض عليه الإسلام).

ب) تنمية القوى والاستعدادات الطبيعية في الطفل: فالإسلام دين الفطرة،لأن تعاليمه ليست غريبة عن الطبيعة الإنسانية، بل هي (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)، لا تعقيد فيها ولا خرافة، كل شيء فيها منطقي موافق لحاجة البشر محقق لمصالحهم.

وقد اعتبر الإسلام أن مهمة المربي تقوية فطرة المولود (أي استعداداته الطبيعية)، وتجنيبها الزلل، وعدم الانحراف عن براءتها واستقامتها. فقال صلى الله عليه وسلم: " ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء(أي كاملة)، هل تحسون فيها من جدعاء(1) (أي مقصوص بعض أعضائها).

ج )الاهتمام بقوة النشء وحسن تربيته، أيا كان جنسه ذكراً أم أنثى.

د) العمل على توازن جميع القوى والاستعدادات الإنسانية، وهذا الهدف أو المبدأ الهام الذي تقوم عليه التربية الإسلامية (يعطينا في مجال التربية نتيجة هامة، هي عدم الاقتصار في عمل المربي على التثقيف الفكري،بل ضرورة الاهتمام بكل نواحي الطفل النفسية واستعداداته عند ظهورها)(2).

3- وفي الدراسة التي قام بها الدكتور محمد فاضل الجمالي للتعرف على معالم: (الفلسفة التربوية في القرآن الكريم) حاول المؤلف أن يلخص الأهداف التربوية التي اتجه إليها القرآن الكريم في الأهداف الأربعة الرئيسية الآتية:

أ ) تعريف الإنسان بمكانته بين الخليقة وبمسئولياته الفردية في هذه الحياة.
ب) تعريف الإنسان بعلاقاته الاجتماعية ومسئولياته ضمن نظام اجتماعي إنساني.
ج) تعريف الإنسان بالخليقة (الطبيعة)،وحمله على إدراك حكمة الخالق في إبداعها، وتمكين الإنسان من استثمارها.
د ) تعريف الإنسان بخالق الطبيعة.

ومع تسليم الدكتور الجمالي بأهمية الأهداف الأربعة وبالترابط الوثيق الذي يوجد بينها، فقد اعتبر الأهداف الثلاثة الأولى منها وسائل مؤدية إلى الهدف الرابع.

(فهي واسطة لبلوغ الهدف الرابع الذي هو معرفة الله وتقواه. فالهدف الأعلى للتربية الإسلامية إذن هو معرفة الله وتقواه، فما معرفة النفس وما معرفة المجتمع وما معرفة النظام الكوني إلا وسائل ترتقي بنا إلى معرفة الخالق. فالتربية الإسلامية إذن تعمل على تنشئة الإنسان على تقوى الله ونيل رضاه بإطاعة أوامره وتجنب نواهيه)(3).


--------------------------------------------------------------------------------

(1) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات، هل يصلي عليه.. رقم (1358).
(2) أسس التربية الإسلامية وطرق تدريسها ص 25-33.
(3) الفلسفة التربوية في القرآن ص 13-32.

واثق بالله
22-02-2010, 02:54 PM
وللتربية الإسلامية – في نظر الأستاذ محمد سعيد رمضان البوطي سبعة أهداف أو أغراض أساسية، هي كالآتي:

أ) بلوغ مرضاة الله والانعتاق من غضبه وعقابه وتحقيق العبودية المخلصة لله تعالى. ويعتبر هذا الهدف سيد نتائج التربية الإسلامية وأعظمها.

ب) رفع المستوى الخلقي في المجتمع، على أساس من الدين الذي جاء ليقود المجتمع في المخطط الخلقي الذي وضعه الله له، وليضع على بعض أنواع السلوك عنوان الخير وعلى بعضها الآخر عنوان الشر، وليغرس الوازع الخلقي في فؤاد الإنسان.

ج) تمكين الروح القومية في النفوس على أساس من الدين وما جاء به من تعاليم وما وجه إليه من قيم وأخلاق.

د) إيجاد السكينة في النفوس بالعقيدة الراسخة والعبودية المحضة والضراعة الخالصة إليه سبحانه وتعالى.(والنتيجة الحتمية لهذه الطمأنينة والارتياح والرضى أن يحتفظ الإنسان باستعداداته وميزه وملكاته الفكرية، لا تصيبها أي غاشية من تلك العواصف أو من وقع ذلك الحرمان).

هـ) تحصين اللغة العربية وآدابها باعتبارها لغة القرآن ووعاء التراث الإسلامي وأبرز مقومات الثقافة العربية والإسلامية وأداة الراغب في فهم القرآن وتلقي شريعته وأحكامه.

و) القضاء على الخرافات الدخيلة على حقائق الدين، وبث الوعي الإسلامي الصحيح وإظهار حقائق الدين على صفائها وإشراقها.

ز) دعم الوحدة الوطنية، وتوحيد الصفوف عن طريق نبذ الخلافات، والالتفاف والتضامن حول المبادئ والمعتقدات الإسلامية المتفق عليها مما يتضمنه كتاب الله وسنة رسوله،وبث روح التسامح حيال أهل الأديان السماوية، وغرس الوازع الديني الصحيح، حيث(إن الوحدة الوطنية لا يحزمها شيء كالوازع الديني الصحيح. ذلك أن الدين من أساسه إنما يهدف إلى إيجاد مقومات الوحدة والتضامن ضد أي عدو ودخيل،وهو في الوقت نفسه يهدف أيضاً إلى قطع دابر كل ما من شأنه أن يشق عصا الأمة ويهدد وحدتها وتضامنها)(1).

هذه بعض قوائم الأهداف العامة للتربية الإسلامية، حسبما استخلصها من التراث الإسلامي بعض الباحثين والكتاب المحدثين في مجال التربية الإسلامية، وقد حاول كل واحد منهم أن يدعم ما ذكره من أهداف بنصوص من الدين الإسلامي وبأحداث وممارسات تضمنها تاريخنا وتراثنا الإسلامي، وهناك كتابات أخرى اتفقت مع هؤلاء الكتاب في بعض ما ذكروه وانفردت عنهم بأهداف لم يذكروها(2).

لكن يلاحظ على وجهات نظر الجميع بصفة عامة الأمور الآتية:

1- إنهم لا يفرقون بين الأهداف والغايات غالباً، فمنهم من يذكر رأيه في هذا الباب تحت كلمة الأهداف، ومنهم من يذكره تحت كلمة الأغراض، ومنهم من يذكره تحت عنوان الغايات.

2- إنهم يختلفون أيضا من حيث عدد الأهداف فمنهم من يحدد هدفاً واحداً، ومنهم من يحدد عدة أهداف.

3- إن تحديد الأهداف عندهم يدور حول أربعة مستويات:

الأول: على مستوى العبودية لله، أو إخلاص العبودية لله، أو التقرب إلى الله، أو معرفة الله وتقوى الله.

الثاني: الأهداف التي تدور على مستوى الفرد، ويختلف هؤلاء أيضاً في تحديد الهدف من حيث صياغة الهدف، فمنهم من يقول إنه (إنشاء شخصية إسلامية ذات مثل أعلى يتصل بالله).

ومنهم من يقول: (إنه بناء الإنسان بناء متكاملاً متوازناً متطوراً من جميع الوجوه جسمياً وعاطفياً واجتماعياً وخلقياً وجمالياً وإنسانياً) ومنهم من يقول: (إنه بناء أو إيجاد الإنسان الصالح الذي يلتزم نهج القرآن ويتأدب بآداب الإسلام).

الثالث: الأهداف التي تدور حول بناء المجتمع الإسلامي أو بناء الأمة المؤمنة، ومن هؤلاء من يقول:إنه إقامة مجتمع على أساس الإيمان.

الرابع: الأهداف التي تدور حول تحقيق المنافع الدينية والدنيوية، فمن هؤلاء ابن خلدون، فهو يرى أن هدف التربية تحقيق النفع الديني والدنيوي، وقريب من هذا ما قال بعضهم بأن الهدف النهائي من التربية الإسلامية هو الإعداد للحياة الدنيا والآخرة(3).

من خلال تلك الاتجاهات في أهداف التربية وجدنا الاختلاف كبيراً، ولهذا يجدر بنا أن نبحث عن أهداف وغايات التربية الإسلامية – والتي هي في نفس الوقت أهداف التربية في السنة –في ضوء مصادرها، لأن في ذلك إزالة للغموض،ومنعا للتداخل أو التناقض.


--------------------------------------------------------------------------------

(1) تجربة التربية الإسلامية في ميزان البحث ص 25-108، فلسفة التربية الإسلامية للدكتور عمر الشيباني ص 296-302.
(2) انظر:خصائص مدرسة النبوة للدكتور كمال عيسى ص 56، في الفكر التربوي الإسلامي للدكتور لطفي بركات ص 125، لمحات في وسائل التربية الإسلامية للدكتور محمد أمين المصري ص 244، معجزة الإسلام التربوية للدكتور محمد أحمد السيد ص 30، منهج القرآن في تربية الرجال للدكتور عبدالرحمن عميرة ص 11.
(3) أهداف التربية الإسلامية وغاياتها للدكتور قعداد يالجن ص25-26.

واثق بالله
22-02-2010, 02:57 PM
عوده لتكملة الموضوع


الأهداف العامة للتربية في السنة


إن الهدف العام للتربية في السنة النبوية: هو إفراد الله وحده بالعبادة وعدم الإشراك به، إنه هدف الأهداف وغاية الغايات، ذلك أن العبادة:

1- هي الغاية العظمى من خلق الناس، وحق الله عليهم، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) [ الذاريات /56 ].
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك، وإن لا تفعل ملأت يديك شغلا ولم أسد فقرك)(1).
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا)(2).

2- وهي عهد الله إلى بني آدم، قال تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ).[ سورة يس /60-61 ].
وعن سلمان رضي الله عنه قال: (لما خلق الله عز وجل آدم عليه السلام قال: واحدة لي وواحدة لك وواحدة بيني وبينك، فأما التي لي: تعبدني ولا تشرك بي شيئا، وأما التي لك: فما عملت من شيء جزيتك به، وأنا أغفر وأنا غفور رحيم، وأما التي بيني وبينك: منك المسألة والدعاء وعلي الإجابة والعطاء) (3).

3- وهي مهمة الأنبياء جميعا، فإن المقصود الأعظم من بعثة النبيين، وإرسال المرسلين،وإنزال الكتب المقدسة، هو تذكير الناس بهذا العهد القديم، وإزالة ما تراكم على معدن الفطرة من غبار الغفلة أو الوثنية أو التقليد، ولا عجب أن يكون النداء الأول لكل رسول: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) [ الأعراف /59 ]. بهذا دعا قومه: نوح وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وكل رسول بعث إلى قوم مكذبين، قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [ النحل /36 ].
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ). [ الأنبياء /25 ].
ولما كانت رسالة الإسلام عامة لكل العالمين، كان نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [ البقرة /21-22 ].

4- وهي أولى مهمات الدعاة في الدعوة إلى الله تعالى، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً على اليمن قال: (إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله....)(4).

5- وهي الوسيلة الأولى لتحصيل الجنة والفوز بمرضاة الله عز وجل، والبعد عن نار جهنم.
فعن أبي أيوب قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (دلنى على عمل أعمله يدنيني من الجنة ويباعدني من النار. قال: (تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل ذا رحمك). فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن تمسك بما أمر به دخل الجنة)(5).
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده، وعبادته لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، مات والله عنه راض).
قال أنس: وهو دين الله الذي جاءت به الرسل، وبلغوه عن ربهم قبل هرج الأحاديث، واختلاف الأهواء(6).
ومن ثم كانت وصية النبي صلى الله عليه وسلم لصحابته رضي الله عنهم إحسان العبادة وإخلاص الطاعة.
فعن معاذ بن جبل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: (يا معاذ! والله إني لأحبك) فقال: (أوصيك يا معاذ، لا تدعَّن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)(7).
وإذا كانت العبادة هي الهدف العام للتربية في الإسلام عموما وفي السنة خصوصا، فإنها لا تنحصر في الصلاة والصيام والحج وما يلحق بها من التلاوة والذكر والدعاء والاستغفار، كما يتبادر إلى فهم كثير من المسلمين إذا دعوا إلى عبادة الله، وكما يحسب كثير من المتدينين أنهم إذا قاموا بهذه الشعائر فقد وفوا الإلهية حقها، وقاموا بواجب العبودية لله كاملاً.

إن هذه الشعار العظيمة والأركان الأساسية في بناء الإسلام – على منزلتها وأهميتها – إنما هي جزء من العبادة لله، وليست هي كل العبادة التي يريدها الله من عباده.
والحق أن دائرة العبادة التي خلق الله لها الإنسان، وجعلها غايته في الحياة ومهمته في الأرض، دائرة رحبة واسعة، إنها تشمل كيان الإنسان كله وتستوعب حياته جميعاً.


--------------------------------------------------------------------------------

(1) أخرجه الترمذي، أبواب صفة القيامة، باب أحاديث ابتلينا بالضراء، ومن كانت الآخرة همه، رقم (2466) وقال: حديث حسن غريب، وأخرجه أحمد (16/8681)، وابن حبان في صحيحه (2477 موارد)، والحاكم في مستدركه (2/443) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/1910) والسلسة الصحيحة (3/1359).
(2) أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى التوحيد، رقم (6938)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا، رقم (30).
(3) أخرجه أحمد في " الزهد ص 47 "، وإسناده صحيح، رجاله ثقات روى لهم السنة إلا أنه موقوف على سلمان ولكن مثل هذا لا يقال بمجرد الرأي فهو في حكم المرفوع، وذكره الهيثمي في المجمع (1/51) عن سلمان مرفوعا، وقال: رواه الطبراني في الكبير، وفي إسناده: حميد بن الربيع وثقة غير واحد، لكنه مدلس وفيه ضعف.
(4) أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة، رقم (1458)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم (123).
(5) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان الذي يدخل به الجنة... رقم (106).
(6) أخرجه ابن ماجه، المقدمة، باب في الإيمان، رقم (70) والحاكم في المستدرك (2/331) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، قلت: الإسناد ضعيف لأنه من رواية أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس، وأحاديثه فيها اضطراب كثير.
(7) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب في الاستغفار، رقم (1522)، والنسائي، كتاب السهو، باب نوع آخر من الدعاء، رقم (1302)، والحاكم في المستدرك (1/273) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وابن خزيمة في صحيحه (1/ 369) رقم (751)، وأحمد في المسند (5/244).

واثق بالله
23-02-2010, 11:06 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحلقة (14) الأهداف العامة للتربية في السنة 2-5



العبادة تسع الحياة كلها:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (العبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فالصلاة والزكاة والصيام والحج، وصدق الحديث وأداء الأمانة، وبر الوالدين وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل، والمملوك من الآدمين، والبهائم، والدعاء والذكر والقراءة، وأمثال ذلك من العبادة).
(وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه، وأمثال ذلك هي من العبادة لله)(1).
وهكذا نجدا أن للعبادة – كما شرحها ابن تيمية – أفقا رحباً ودائرة واسعة، فهي تشمل الفرائض والأركان الشعائرية من الصلاة والصيام والزكاة والحج.

وهي تشمل ما زاد على الفرائض من ألوان التعبد التطوعي من ذكر وتلاوة ودعاء واستغفار، وتسبيح وتهليل وتكبير وتحميد.

وهي تشمل حسن المعاملة والوفاء بحقوق العباد، كبر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان لليتيم والمسكين وابن السبيل، والرحمة بالضعفاء، والرفق بالحيوان.

وهي تشمل الأخلاق والفضائل الإنسانية كلها، من صدق الحديث، وأداء الأمانة،والوفاء بالعهد، وغير ذلك من مكارم الأخلاق.

كما تشمل ما نسميه بـ (الأخلاق الربانية) من حب الله ورسوله، وخشية الله، والإنابة إليه وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه.

وأخيراً تشمل العبادة الفريضتين الكبيرتين اللتين هما سياج ذلك كله وملاكه وهما:

1- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
2- وجهاد الكفار والمنافقين في سبيل الله.

بل تشمل العبادة أمراً له أهميته وخطره في الحياة المادية للناس، ذكره ابن تيمية في موضع آخر من رسالته، وهو الأخذ بالأسباب، ومراعاة السنن التي أقام الله عليها الكون قال: (فكل ما أمر الله به عباده من الأسباب فهو عبادة)(2).

وأكثر من ذلك ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله: أن الدين كله داخل في العبادة، إذ الدين يتضمن معنى الخضوع والذل يقال: دنته فدان، أي أذللته فذل، ويقال: يدين الله ويدين لله، أي يعبد الله ويطيعه ويخضع له.
فدين الله: عبادته وطاعته والخضوع له، والعبادة أصل معناها الذل أيضاً(3).

إن مقتضى عبادة الإنسان لله وحده: أن يخضع أموره كلها لما يحبه تعالى ويرضاه، من الاعتقادات والأقوال والأعمال، وأن يكيف حياته وسلوكه وفقا لهداية الله وشرعه، فإذا أمره الله تعالى أو نهاه، أو أحل له أو حرم عليه كان موقفه في ذلك كله، سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير.

ففرق ما بين المؤمن وغيره: أن المؤمن خرج من العبودية لنفسه وللمخلوقين إلى العبودية لربه، خرج من طاعة هواه إلى طاعة الله، ليس المؤمن (سائبا) يفعل ما تهوى نفسه أو يهوى له غيره من الخلق، إنما هو (ملتزم) بعهد يجب أن يفي به: وميثاق يجب أن يحترمه، ومنهج يجب أن يتبعه، وهذا التزام منطقي ناشيء من طبيعة عقد الإيمان ومقتضاه.

مقتضى عقد الإيمان: أن يسلم زمام حياته إلى الله، ليقودها رسوله الصادق، ويهديه الوحي المعصوم.
مقتضى عقد الإيمان: أن يقول الرب: أمرت ونهيت، ويقول العبد: سمعت وأطعت.
مقتضى عقد الإيمان: أن يخرج الإنسان من الخضوع لهواه إلى الخضوع لشرع مولاه.

وفي هذا يقول القرآن الكريم: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) [ سورة الأحزاب / 36]. ويقول: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [ سورة النور / 51 ].
ليس بعابد لله إذن من قال: أصلي وأصوم وأحج، ولكني حر في أكل لحم الخنزير، أو شرب الخمر، أو أكل الربا، أو رفض ما لا يروقني من أحكام الشريعة، فأحكم فيه بغير ما أنزل الله!.

ليس بعابد لله من أدى الشعائر، ولكنه لم يخضع لآداب الإسلام وتقاليده في نفسه أو أهله، كالرجل الذي يلبس الحرير الخالص ويتحلى بالذهب، ويتشبه بالنساء، والمرأة التي تلبس ما يبرز مفاتنها، ولا يغطي جسدها، ولا تضرب بخمارها على جيبها.

ليس بعابد لله من ظن أن عبوديته لله لا تعدو جدران المسجد، فإذا انطلق في ميادين الحياة المتشعبة، فهو عبد نفسه فقط، وبعبارة أخرى: هو حر في اتباع هواها، أو اتباع أهواء عبيد أنفسهم من المخلوقين(4).


--------------------------------------------------------------------------------

(1) العبودية ص 38 ط المكتب الإسلامي. ثانية.
(2) العبودية ص 73.
(3) انظر: العبودية ص 43- 44.
(4) العبادة في الإسلام ص 53-54.

واثق بالله
23-02-2010, 11:10 PM
الحلقة (15) الأهداف العامة للتربية في السنة 3-5



أنواع من العبادات منسية أكدت عليها السنة:

إن من العبادة التي يغفلها كثير من الناس: الخضوع لشرع الله، والانقياد لأحكامه التي أحل بها الحلال وحرم الحرام، وفرض الفرائض، وحد الحدود.

فمن أدى الشعائر وصلى وصام وحج واعتمر، ولكنه رضي أن يحتكم في شئون حياته الخاصة والعامة، أو في شئون المجتمع والدولة، إلى غير شرع الله وحكمه، فقد عبد غير الله، وأعطى غيره ما هو من خالص حقه سبحانه.

إن الله وحده هو المشرع الحاكم لخلقه، لأن الكون كله مملكته، والناس جميعا عباده، وهو وحده الذي له أن يأمر وأن ينهي، وأن يقول: هذا حلال، وهذا حرام، بمقتضى ربوبيته وملكه وألوهيته للناس، فهو رب الناس، ملك الناس، إله الناس.

فمن ادعى من الخلق أن له أن يشرع ما يشاء، أمراً ونهياً وتحليلاً وتحريماً، بدون إذن من الله، فقد تجاوز حده، وعدا طوره، وجعل نفسه ربا أو إلها من حيث يدري أو لا يدري!.

ومن أقر له بهذا الحق، وانقاد لتشريعه ونظامه، وخضع لمذهبه وقانونه، وأحل حلاله وحرم حرامه، فقد اتخذه ربا، وعبده مع الله، أو من دون الله، ودخل في زمرة المشركين من حيث يشعر أو لا يشعر!.

إن القرآن الكريم دمغ أهل الكتاب بالشرك، ورماهم بأنهم عبدوا أحبارهم ورهبانهم، واتخذوهم أرباباً من دون الله، وذلك حين أطاعوهم واتبعوهم فيما شرعوا لهم مما لم يأذن به الله.

قال تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [ سورة التوبة /31 ].

وقد فسر هذه الآية أعلم الناس بمراد ربه – عز وجل – من كلامه، وهو الرسول الذي لا ينطق عن الهوى، والذي أوحى الله إليه هذا القرآن ليبينه للناس ولعلهم يتفكرون، فلنصغ إلى التفسير النبوي الكريم لهذه الآية الكريمة.

روى الإمام أحمد والترمذي وابن جرير – من طرق – عن عدي بن حاتم رضي الله عنه: أنه لما بلغته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فر إلى الشام وكان قد تنصر في الجاهلية، فأسرت أخته وجماعة من قومه، ثم من رسول الله صلى الله عليه وسلم على أخته وأعطاها، فرجعت إلى أخيها، فرغبته في الإسلام، وفي القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم عدي إلى المدينة – وكان رئيسا في قومه وأبوه حاتم الطائي المشهور بالكرم – فتحدث الناس بقدومه، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنق عدي صليب من فضة، وهو يقرأ هذه الآية: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) قال: فقلت: إنهم له يعبدوهم! فقال:

(بلى، إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا له الحرام فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم)(1).

قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: وهكذا قال حذيفة بن اليمان، وعبد الله بن عباس، وغيرهما في تفسير (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ): إنهم اتبعوهم فيما حللوا وحرموا(2).

- حتى أعمال الغريزة وقضاء الشهوة:

على أن الأروع أن تشمل العبادة الحاجات الضرورية التي يؤديها المسلم استجابة لدافع الغريزة البشرية، فالأكل والشرب ومباشرة الزوج لزوجته، وما كان من هذا القبيل يدخله الإسلام في دائرة العبادة الفسيحة بشرط واحد هو (النية). فالنية هي المادة السحرية العجيبة التي تضاف إلى المباحات والعادات فتصنع منها طاعات وقربات.

وأوضح شاهد على ذلك ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه:

(وفي بضع(3) أحدكم صدقة قالوا: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم قال: كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر)(4). قال العلماء: وهذا من تمام رحمة الله على عباده، يثيبهم على ما فيه قضاء شهواتهم إذا نووا أداء حق الزوجة وإحصان الفرج ولله الحمد.


--------------------------------------------------------------------------------

(1) مسند أحمد (4/378) وسنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة التوبة، رقم (3095)، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبدالسلام بن حرب، وغطيف بن أعين ليس بمعروف في الحديث، وتفسير ابن جرير الطبري (10/114) وصححه الألباني.
(2) تفسير ابن كثير ج 2ص 349.
(3) البضع: قال في القاموس: الجماع أو الفرج نفسه.
(4) أخرجه مسلم والترمذي، كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدفة يقع على كل نوع من المعروف، رقم (2329).

واثق بالله
25-02-2010, 11:01 AM
الحلقة (16) الأهداف العامة للتربية في السنة 4-5



صحح وجهتك تكن كل حياتك عبادة :

بحسب المسلم أن ينظر إلى نفسه على أنه خليفة لله في الأرض، مهمته أن ينفذ أمره، ويقيم حدوده، ويعلى كلمته، ويقوم بواجب العبودية له تعالى.

بحسبه ذلك لتصطبغ أعماله كلها بصبغة ربانية، وليكون ما يصدر عنه من أقوال وأفعال وحركات وسكنات عبادة لله رب العالمين.

وهذا هو الموافق لما تعطيه الآية الكريمة من معنى كبير : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) [سورة الذاريات /57]. فأين هي العبادة التي جعلها الله غاية لخلقهم إذا حصرنا معنى العبادة في تلك الشعائر التي لا تستغرق إلا دقائق معدودات من يوم الإنسان وليلته، أما جل الوقت ففي معترك الحياة، ويعجبني ما قاله هنا الشيخ محمد الغزالي(1).

(إن الإسلام ليس أفعالا تعد على الأصابع دون زيادة أو نقص، كلا، إنه صلاحية الإنسان للمسير في الحياة وهو يؤدي رسالة محددة .

فالمهندس الذي يصنع آلة ما لا يعنيه كم تنتج من السلع والأدوات، وإنما يعنيه أن تكون أجهزتها مستعدة على الدوام لإنجاز ما تكلف به.

فصلاحية الطيارة للإنطلاق، وصلاحية المدفع للقذف، وصلاحية القلم للكتابة، هذه الصلاحيات هي مناط الحكم على قيمة الشيء، فإذا أطمأننا إلى وجودها قبلناها ورجونا ثمرتها.

كذلك الإنسان، إن الإسلام يريد أن تستقيم أجهزته النفسية أولاً، فإذا توفرت لها صلاحيتها المنشودة، بصدق اليقين، وسلامة الوجهة، فكل عمل تتعرض له في الحياة يتحول من تلقاء نفسه إلى طاعة لله، إن آلة سك النقود يدخلها المعدن الغفل (الخام) فيخرج منها عملة مالية غالية الثمن، تحمل من الألوان والأختام والشارات ما يجعلها شيئا آخر. كذلك المسلم يعالج ما يعالج من شئون الدنيا، فيضفي عليه من طبيعة إيمانه وسناء وجهته، ما يجعل أي عمل يقبل عليه يتحول في يده إلى عبادة غالية القدر.

وبهذه الصلاحية النفسية رفض الله دعوى أصحاب الدعاوي الذين اغتروا (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [سورة البقرة /111-112].

في شئون الحياة ليس للأعمال الصالحة حصر تنتهي عنده ولا رسم تخرج فيه، إنما هو إسلام الوجه لله وإصلاح العمل والبلوغ به حد الكمال المطلوب..)(2).

- شمول العبادة لكيان الإنسان كله :

هذا هو المظهر الثاني لشمول العبادة في الإسلام.
فكما شملت العبادة في الإسلام الحياة كلها، استوعبت كذلك كيان الإنسان كله.
فالمسلم يعبد الله بالفكر، ويعبد الله بالقلب، ويعبد الله باللسان، ويعبد الله بالسمع والبصر وسائر الحواس، ويعبد الله ببدنه كله، ويعبد الله ببذل المال، ويعبده ببذل النفس، ويعبده بمفارقة الأهل والوطن.
المسلم يتعبد لله بالفكر، عن طريق التأمل في النفس والآفاق، والتفكر في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء، والتدبر لآيات الله المنزلة وما فيها من هدي وحكمة، والنظر في مصابر الأمم وأحداث التاريخ وما فيها من عظة وعبرة، فهذا كله مما يتقرب به المسلم إلى الله الذي أنزل كتابه إلى الناس (لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) [سورة ص /29] . ودعاهم في محكم كتابه إلى إعمال العقل نظراً وتفكراً وتعلماً (وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [سورة الذاريات /20-21]، (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [سورة آل عمران /190-191].

وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تفكروا في الخلق، ولا تفكروا في الخالق، فإنكم لا تقدرون قدره)(3).

وعن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (تفكروا في خلق الله، ولا تفكروا في الله فتهلكوا)(4).
وقد ورد عن ابن عباس : تفكر ساعة خير من قيام ليلة(5).

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (من سلك طريقا يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقا إلى الجنة)(6).
وعن ابن عباس قال : (تدارس العلم ساعة من الليل خير من إحيائها)(7).

ويتعبد المسلم لله بالقلب عن طريق العواطف الربانية والمشاعر الروحية، مثل : حب الله وخشيته، والرجاء في رحمته والخوف من عقابه، والرضا بقضائه، والصبر على بلائه، والشكر لنعمائه، والحياء منه، والتوكل عليه، والإخلاص له، قال تعالى : (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)[سورة البينة /5] (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [سورة الأنعام / 162-163].


--------------------------------------------------------------------------------


(1) في كتاب(هذا ديننا) س 84.
(2) العبادة في الإسلام ص 53-65 بتصرف.
(3) عزاه السيوطي في الجامع الصغير (3346) لأبي الشيخ في كتاب العظمة، ورمز له بالضعف.
(4) عزاه السيوطي في الجامع الصغير (3347) لأبي الشيخ في كتاب العظمة، ورمز له بالضعف.
(5) رواه أبو الشيخ موقوفا، وروى مرفوعا بإسناد ضعيف من حديث أبي هريرة (تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة) رواه أبو الشيخ في كتاب العظمة.
(6) أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، رقم (6853).
(7) أخرجه الدارمي في سننه، المقدمة، باب العمل بالعلم وحسن النية فيه، رقم (268).

واثق بالله
04-03-2010, 04:30 PM
الحلقة (17) الأهداف العامة للتربية في السنة 5-5



- وللتربية الإسلامية – في نظر الأستاذ محمد سعيد رمضان البوطي سبعة أهداف أو أغراض أساسية، هي كالآتي:

أ) بلوغ مرضاة الله والانعتاق من غضبه وعقابه وتحقيق العبودية المخلصة لله تعالى. ويعتبر هذا الهدف سيد نتائج التربية الإسلامية وأعظمها.

ب) رفع المستوى الخلقي في المجتمع، على أساس من الدين الذي جاء ليقود المجتمع في المخطط الخلقي الذي وضعه الله له، وليضع على بعض أنواع السلوك عنوان الخير وعلى بعضها الآخر عنوان الشر، وليغرس الوازع الخلقي في فؤاد الإنسان.

ج) تمكين الروح القومية في النفوس على أساس من الدين وما جاء به من تعاليم وما وجه إليه من قيم وأخلاق.

د) إيجاد السكينة في النفوس بالعقيدة الراسخة والعبودية المحضة والضراعة الخالصة إليه سبحانه وتعالى، (والنتيجة الحتمية لهذه الطمأنينة والارتياح والرضى أن يحتفظ الإنسان باستعداداته وميزه وملكاته الفكرية، لا تصيبها أي غاشية من تلك العواصف أو من وقع ذلك الحرمان).

هـ) تحصين اللغة العربية وآدابها باعتبارها لغة القرآن ووعاء التراث الإسلامي وأبرز مقومات الثقافة العربية والإسلامية وأداة الراغب في فهم القرآن وتلقي شريعته وأحكامه.
و) القضاء على الخرافات الدخيلة على حقائق الدين، وبث الوعي الإسلامي الصحيح وإظهار حقائق الدين على صفائها وإشراقها.

ز) دعم الوحدة الوطنية، وتوحيد الصفوف عن طريق نبذ الخلافات، والالتفاف والتضامن حول المبادئ والمعتقدات الإسلامية المتفق عليها مما يتضمنه كتاب الله وسنة رسوله،وبث روح التسامح حيال أهل الأديان السماوية، وغرس الوازع الديني الصحيح، حيث (إن الوحدة الوطنية لا يحزمها شيء كالوازع الديني الصحيح. ذلك أن الدين من أساسه إنما يهدف إلى إيجاد مقومات الوحدة والتضامن ضد أي عدو ودخيل،وهو في الوقت نفسه يهدف أيضاً إلى قطع دابر كل ما من شأنه أن يشق عصا الأمة ويهدد وحدتها وتضامنها)(1).

هذه بعض قوائم الأهداف العامة للتربية الإسلامية، حسبما استخلصها من التراث الإسلامي بعض الباحثين والكتاب المحدثين في مجال التربية الإسلامية، وقد حاول كل واحد منهم أن يدعم ما ذكره من أهداف بنصوص من الدين الإسلامي وبأحداث وممارسات تضمنها تاريخنا وتراثنا الإسلامي، وهناك كتابات أخرى اتفقت مع هؤلاء الكتاب في بعض ما ذكروه وانفردت عنهم بأهداف لم يذكروها(2).

لكن يلاحظ على وجهات نظر الجميع بصفة عامة الأمور الآتية:

1- إنهم لا يفرقون بين الأهداف والغايات غالباً، فمنهم من يذكر رأيه في هذا الباب تحت كلمة الأهداف، ومنهم من يذكره تحت كلمة الأغراض، ومنهم من يذكره تحت عنوان الغايات.

2- إنهم يختلفون أيضا من حيث عدد الأهداف فمنهم من يحدد هدفاً واحداً، ومنهم من يحدد عدة أهداف.

3- إن تحديد الأهداف عندهم يدور حول أربعة مستويات:

الأول: على مستوى العبودية لله، أو إخلاص العبودية لله، أو التقرب إلى الله، أو معرفة الله وتقوى الله.

الثاني:الأهداف التي تدور على مستوى الفرد، ويختلف هؤلاء أيضاً في تحديد الهدف من حيث صياغة الهدف، فمنهم من يقول إنه: (إنشاء شخصية إسلامية ذات مثل أعلى يتصل بالله).
ومنهم من يقول: (إنه بناء الإنسان بناء متكاملاً متوازناً متطوراً من جميع الوجوه جسمياً وعاطفياً واجتماعياً وخلقياً وجمالياً وإنسانياً) ومنهم من يقول: (إنه بناء أو إيجاد الإنسان الصالح الذي يلتزم نهج القرآن ويتأدب بآداب الإسلام).

الثالث: الأهداف التي تدور حول بناء المجتمع الإسلامي أو بناء الأمة المؤمنة، ومن هؤلاء من يقول: إنه إقامة مجتمع على أساس الإيمان.

الرابع: الأهداف التي تدور حول تحقيق المنافع الدينية والدنيوية، فمن هؤلاء ابن خلدون، فهو يرى أن هدف التربية تحقيق النفع الديني والدنيوي، وقريب من هذا ما قال بعضهم بأن الهدف النهائي من التربية الإسلامية هو الإعداد للحياة الدنيا والآخرة(3).

من خلال تلك الاتجاهات في أهداف التربية وجدنا الاختلاف كبيراً، ولهذا يجدر بنا أن نبحث عن أهداف وغايات التربية الإسلامية – والتي هي في نفس الوقت أهداف التربية في السنة –في ضوء مصادرها، لأن في ذلك إزالة للغموض، ومنعا للتداخل أو التناقض.


--------------------------------------------------------------------------------

(1) تجربة التربية الإسلامية في ميزان البحث ص 25-108، فلسفة التربية الإسلامية للدكتور عمر الشيباني ص 296-302.

(2) انظر:خصائص مدرسة النبوة للدكتور كمال عيسى ص 56، في الفكر التربوي الإسلامي للدكتور لطفي بركات ص 125، لمحات في وسائل التربية الإسلامية للدكتور محمد أمين المصري ص 244، معجزة الإسلام التربوية للدكتور محمد أحمد السيد ص 30، منهج القرآن في تربية الرجال للدكتور عبدالرحمن عميرة ص 11.
(3) أهداف التربية الإسلامية وغاياتها للدكتور قعداد يالجن ص25-26.