المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سامر عمر علي !



محمد السالم
03-03-2010, 05:30 PM
للوهلة الأولى يبدو لك أنه شخصا لا يعرف للجد سبيل.
لكثرة ضحكه ومزاحه مع الآخرين .
لا يعرف أحد متى يكتئب أو متى يفرح أو متى يغضب أو متى يرضى .
البعض يغبطه ؛ والبعض الآخر منه على حياد . تجده في حفلة زواج ضاحك
وتجده في مأتم عزاء ضاحك كذلك. لا يمكنك معرفة كنهه . ينجز أي عملا
كلف به وكأنه لم يكلف أصلا . لا يمكنك معرفة ميوله لأي شيء كان .
لا تعلم متى يبدأ العمل أو متى يخرج .
حينما تبدأ العمل تجده قد سبقك. وكذلك تخرج في نهاية الدوام
وهو لا يزال خلفك.
لم يحدث ان قد طلبه أحد على الهاتف من خارج الدائرة
أو أن أحد قد طرق باب الدائرة يسأل عنه.
لا تجد إنك تحبه أو تكرهه.
لا يبدأ معك حديثا. ولا ينهي لكَ حديثا .
لا يحضّر لنفسه فنجان من القهوة إلا وصنع لمن معه في المكتب مثله.
حينما تتعالى الضحكات من أحد المكاتب المجاورة ؛ يملؤك اليقين إن سامرا
قد زاره . بالرغم من كثرة ضحكه وضجيجه في الدائرة . إلا إن لسانه لا يهفو بقول.
عيناه البراقتان؛ وابتسامته الحاضرة. لا تمنحك مجالا لقراءة ما خلفهما .
يتراءى لك طفلا في رجل . إلا أن ألمعيته تنسخ تلك النظرة نحوه .
فهو لماح أسرع مما تتصور . لا تمر كلمة عابرة إلا ويدرك مغزاها.
مع انه قد يبادلها بضحكة كعادته. أو يتشاغل بعمل جانبي .
كثيرا ما يسخر من نفسه أو من عمل قام به .
حينما يحتد النقاش بين زملاء العمل فأنه قادر على تحويله إلى استراحة من الضحك.
لا تعلم هل هو يجاملك أو أنه مقتنع بما تقول. مهما كان قولك.
لا تكتنز له رؤية؛ إلا ويظهر لك خطأ رؤيتك نحوه.
حدث وأن تأخرت في أحد الأيام على غير العادة بالخروج من المكتب.
فوجدته في حمّة الظهيرة وقفا على الرصيف ينتظر سيارة أجرة .
فحملته معي و ما أن تجاوزنا ثلاثة شوارع حتى طلب مني أن أتوقف.
ترجل من السيارة ملوح بيده ؛ شاكرا وكعادته ضاحكا.
تأخرتُ في أحد الأيام في الحضور بفعل زحمة الطريق
وقد كان بداية أسبوع عمل . ولم يلفت انتباهي أي شيء غير معتاد .
إلا أني بعد ما دخلت مكتبي وقمت بإضاءته وتمثلت مكاني خلف الطاولة.
كانت المكاتب المجاورة شبه ساكنة إلا من صوت آلات الطباعة. وبعض أزيز الأبواب.
لم أكترث للوهلة الأولى ؛ حتى تناما إلى سمعي أصوات الهواتف التي تدق أجراسها
فلا يرد احد. رفعت سماعة الهاتف . واتصلت بمديري المباشر .
لم يرد المدير على اتصالي . نهضت وتوجهت مباشرة إلى مكتب رئيس القسم .
وحينما ولجتُ الباب فإذا بالمدير جالس عنده. ما إن رأوني حتى قالوا بصوت واحد
" أحسن الله عزاكم يالقسم الفني "
فصحت فيهما – في من ؟
- في سامر .
- سامر توفي في حادثة دهس سيارة مسرعة في ليلة الخميس الفائت .
لم أتمالك نفسي إلا وأنا أفتح باب مكتب سامر.
تطوف ضحكته بمسامعي تتراءى لي ابتسامته
المح بريق عينيه .
أشتم رائحة أعواد الند التي يشعلها كل صباح في زوايا الإدارة
ولم يقطع كل هذا إلا صوت آلة الطباعة في المكتب المجاور.
يخرج احد الزملاء من مكتبه ويتقدم مني ويقدم التعزية في سامر
ويتقاطرون باقي الزملاء ويقوموا بنفس ما قام به الزميل السابق.
الكل في الدائرة يبث لي حزنه وعزاه. في سامر . كأني فرد من أسرته .
هو اليوم الأول الذي من قدمت إلى هذه الإدارة لا أجد به إلا السكون .
قد لا يكن السكون دوما محمودا. ففي بعض الأحيان يصبح السكون. مدعاة
التأمل في أمر محزن ولا يجنح خيالك أو حقيقتك إلا ناحية من فرض السكون.
أحسست بواجبي نحو أسرة سامر . وما يجب علي القيام به من واجب العزاء .
ذهبت إلى قسم شؤون الموظفين . في الدائرة وطلبت منهم معلومات سامر .
وبينت لهم السبب في ذلك . لم أجد في ملفه الوظيفي إلا اسمه الثلاثي
( سامر عمر علي ) وصورة من شهادة الثانوية العامة .
بحثتُ عن رقم هاتف أو عنوان سكن ولكن لم أجد عدا ما سلف
قال : لي زميل في الأرشيف - قد يفيدك في ذلك أبو خالد مدير الدائرة العامة.
توجهت من فوري إلى مكتب المدير العام . وبعد السلام ؛ أخبرته بحاجتي
لتقديم العزاء لأسرة سامر .
نظر إلي لبرهة ثم أخرج تنهيدة أظنها كادت أن تشق صدره .
وأنشأ يقول : - هل تعلم أن سامر لم يقوم في جنازته ولم يصلي عليه
إلا أربعة نفر ! . اثنان عاملا المقبرة واثنان عاملا البلدية.
دهشت لقول الرجل . وقلت وما ذاك يا أبا خالد ؟!
فأخرج ملفا قد كتب عليه التوظيف من قبل إدارة الشؤون الاجتماعية. ولم يفتحه .
وقال متأوها: لم يكن سامر إلا غلطة ارتكبها اثنان ولم يلتفتا لها.
أحسست ببرود يتسلق أكتافي . وقلت ما ذا تقصد بهذا القول ؟.
فصمت برهة ثم قال :
( سامر من مجهولي النسب )

law girl
03-03-2010, 05:42 PM
:(

لآحول ولآقوة إلآ بالله ..
قضية كبيــــرة لم يجدوآ لهــآ حلولاً للآن ..

:( أعجز عن التعــــبير

دلة الرسلان
03-03-2010, 09:28 PM
قصه جميله اتمنى لكاتبها التوفيق في حياته الأدبيه :)

(الفيصل)
03-03-2010, 09:32 PM
دلالات أدبية وبلاغة يُشكر عليها الكاتب ويثنى عليه
أستمتعت بالقراءة ، وتألمت للمغزى
ولاحول ولاقوة الا بالله

فراغ
03-03-2010, 11:16 PM
لم أستطع أن أعبر
لكن ما أنا متأكد منه أن سامر رحمه الله له أب وله أم
جنيا عليه أبواه وتركاه في الحياة
ولكن الحياة لم تكن عائقآ في طريق سامر
أستطاع أن يتغلب عليها وهذه قوة في شخصيته
لكنه لم يستطيع أن يتغلب على القدر لأنه لا أحد يستطيع أن يتغلب عليه
الله يحسن عزاك في هذه الشخصية المميزه وأتمنى من أمثاله أن يكونوا مثله أو أحسن منه ولا يتحطم من أول موجه في الحياة

شيط ويط
03-03-2010, 11:32 PM
يعطيك العافيه اخوي محمد .. على هذا السرد الجميل .. السؤال الذي يطرق بابي.. هل القصة حقيقية ؟؟ :)

محمد السالم
04-03-2010, 08:05 AM
:(

لآحول ولآقوة إلآ بالله ..
قضية كبيــــرة لم يجدوآ لهــآ حلولاً للآن ..

:( أعجز عن التعــــبير

مرحبا بك أختي الكريمة

وأنا لن اعجز عن شكرك

لك ألف تحية

متابع عن قرب
04-03-2010, 08:37 AM
رحمك الله ياسامر


فقد كنت مبتسما رغما عن الضغوط التي خلفتها نشأتك من دون ابوين



رحمك الله




محمد السالم



لك جل الشكر ايها الكاتب القدير

كازانوفا
04-03-2010, 08:55 AM
يا ويل قلبي
عاش غريب ومات غريب
والله قهرررر مسكين رحمة الله عليه وعلينا

الجزوع
04-03-2010, 09:54 AM
الله يرحمه اقشعر بدني من القصه :( فعلا عاش غريب ومات غريب

OTOsan
04-03-2010, 01:21 PM
اضم صوتي لصوت الاخ الفيصل .. فقد استمتعت جدا بالقراءة والاسلوب الذي كتبت به ، وتألمت من عمق المغزى ،،

يعطيك العافيه اخوي محمد ولك جزيل الشكر ،

محمد السالم
06-03-2010, 05:32 PM
:(

لآحول ولآقوة إلآ بالله ..
قضية كبيــــرة لم يجدوآ لهــآ حلولاً للآن ..

:( أعجز عن التعــــبير

أختي الكريمة

لك تحية التقدير

وشاكر لك

نورالهدى
06-03-2010, 09:56 PM
سرد أكثر من رائع
لا أستطيع وصف ألمي لمن يعيش هذه الظروف وماذنبهم
ان كانت او لم تكن حقيقة
فأنا متأكده انها واقعية
سلمت يداك