رجل تعليم
14-03-2010, 03:45 AM
الى رحمة الله ....
ليلة الإثنين الماضي ....الثانية بعد منتصف الليل ....وادي " طنوس " غير بعيد عن مدينة " أولماس "...تنتهي رحلة هذا النهر الذي يشكل أهم روافد نهر أبو رقرار عند مصبه في الأطلسي بين مدينتي " سلا " والرباط ...
الأمطار عاصفة وتنذر بالأسوء ....كنت هنالك ....الجبال تنزف ماء، والأرض تحولت الى شيء آخر غير الأرض ....عند مشارف أولماس بنيت قنطرة فوق "وادي طنوس "...قنطرة بكل المواصفات البشعة والغادرة ....في الجهة الأخرى وقف أحدهم بشاحنته يتأمل النهر الجامح وهو يحمل معه كل غريب من حطام الغاب ....جذوع وأشجار بقاماتها تجرف في نفس الإتجاه ....إلى الأطلسي ....
وصلت سيارة واقتحم أصاحبها النهر وهو في ذروة فيضانه .....كانوا غرباء .....تعطلت سيارتهم وهم وسط الماء ....أطلقوا إشارات ضوئية لصاحب الشاحنة في الجهة الأخرى ....يطلبون النجدة ...شغل صاحب الشاحنة مصابيحه ...رآهم وسط النهر .....سمع بعدها صرخة واحدة من أحدهم .....أطبق عليهم النهر والظلمة والماء فجأة ودفعة واحدة ....ثم إلى رحمة الله .....
في الصباح ....كانت سيارتهم قد طمرت تحت الرمال ولا يلوح منها سوى شيء من بياض سقفها .....لقد جرفت حوالي الكلمتر الواحد واستقرت تحت الرمال ....تطوع أحدهم للغوص في اتجاهها ....تهشمت السيارة بالكامل ....لا أحد بداخلها .....اقتلع لوحتها ....السيارة مستأجرة من شركة ما ....اتصلوا بالشركة ....تم التعرف على هوية السائق ....وتبين اخيرا أنهم كانوا أربعة وقد تناولوا عشاءهم عن أحد أقربائهم في " تارميلات " غير بعيد عن أولماس ...
تطوع الأهالي للبحث عن الجثث ...عثروا لحد اللحظة على جثة واحدة ....عظام مهشمة بالكامل ....ملابس ممزقة ....أستغفر الله العلي العظيم ....
مرت ستة أيام وست ليال عن الحادث .....لا أثر للجثث الثلاثة الأخرى ....النهر يبعد عن مقر عملي ثلاثين كلمترا فقط في عمق الأطلس المتوسط ....منذ يوم أمس وأنا أحاول تعبئة متطوعين للقيام بأبسط ما يمليه الواجب الأخلاقي ....للأسف لا أحد منهم يستطيع أن يجازف بنفسه في سبيل البحث عن المفقودين خصوصا والأحوال الجوية مازالت تنذر بالسوء ...
....ان تحدث الفيضانات فلا مشكلة ....نحن لا نملك أي سلطة على الطبيعة وإرادة الله هي الأقوى ....أن يموت الناس وتتحطم الغابات وتجرف التربة والأراضي أمر طبيعي جدا ويحصل في كل بقاع العالم ....الذي يجب أن يحمل صفة " مشكل " في نظري هو " مالذي تقوم به الدولة بعدما تحدث الكوارث "
....تمنح الطبيعة فرصة تارخية للدول كي تتصالح مع مواطنيها ....تمنحها الكوارث فرصة للإشتغال على بناء الأسس الكبرى لمفاهيم كبيرة وعميقة مثل " الإنتماء " والهوية ....إن الدول التي لا تتدخل كي تقوم بالأعمال التي يعجز المواطن البسيط عن القيام بها تعتبر في نظري دولة فاشلة ....والمواطن الذي لا يقوم من جهته بالأمور الفردية التي لا تستطيع الدولة القيام بها كجهاز كبير الحجم يعتبر في نظري أيضا مواطنا فاشلا ولا يصلح سوى للنسيان ....أين طائراتنا ؟؟؟أين جيوشنا ؟؟؟أين هي بنود الميثاق الذي يربط المواطن بدولته ؟؟؟ أين احترام المواطنين ؟؟؟أين نحن من احترام أعراض موتى المسلمين ؟؟؟هل أدينا واجبنا كما ينبغي لننام بعدها مطمئنين ؟؟؟؟ هل يستطيع مجموعة من المتطوعين القيام بمسح شامل لنهر يمتد كيلومترات عدة حتى ولو توفرت لديهم الرغبة في ذلك ؟؟؟؟ ثم أين سينامون ليلا حتى وإن قرروا التطوع للبحث عن المفقودين خصوصا إذا علمنا أن جغرافية تلك المنطقة وعرة للغاية ، بل لا توجد بها مسالك للراجلين ؟؟؟؟
في مثل هذه المواقف يتمنى المرء لو كان شخصا مسؤولا يجلس خلف منصب كبير فقط كي يتسنى له ممارسة " آدميته " حين تناديه الطبيعة لفعل ذلك ....أريد الآن ألا تكون السلطة بيد أحد سواي حتى أرى مالذي سأخسره إذا أصدرت أوامري للقيام بالبحث عن الجثث ....نريد أن نضعهم في قبورهم فقط ...أهذا أيضا لا نملك حق فعله لنرضي أنفسنا وخالقنا ...أقول كلامي هذا وأشكر كل من زرع في ما يدفعني لقول ذلك ....لماذا لا تستغل الدول مثل هذه المناسبات لتثبت لمواطنيها أنها هنا...ولأجلهم حين يعجزون و بكل ما تملك ...لماذا نفوت هذه الفرص ونفوت معها حظوظ حصدنا للولاء التام ....الولاء العقلاني هو المقصود وهو النافع وهو الأقوى وهو الوشم الذي لن يزول ....لقد ولى زمن الكلمات الفضفاضة والشعارات الكاذبة التي يراد منها تغطية بياض الصفحات ....الناس بحاجة لكل شيء ملموس يجبرهم كرها على احترام بلدانهم ....الناس بحاجة لممارسات مرئية تدفعهم إلى " هجرة " حلم الهجرة نفسها ....الناس تتمنى أن ترى علمها الوطني يخفق في الأجواء فترقص معه احتراما للظلال التي تسقط منه على الأرض القريبة ....أريد ان أسمع نشيدنا الوطني فتخونني دموعي احتراما للأجيال التي ضحت لتنعم الأجيال القادمة ....أريد بلدا يحتضنني في الضراء كما أحتفل به مجانا في السراء .....
....في بطن ذاك الوادي ذئاب وثعالب وكثيرا من الوحشة والخوف والقنوط ....حتى ضوء القمر شح منذ شهور طويلة ....تحطمت الأشجار وانجرفت جبال من التربة وتغيرت الخرائط قبل أن يضعها المستكشفون ....سالت دموع الأمهات والإخوة والأخوات...مازلت تسيل لحدود اللحظة .....تريد أفئدتها ....تريد أبناءها لتواريهم الثرى ولينصرف الجميع مشكورا بعد ذلك ....
.....رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته والهم ذويهم الصبر كل الصبر ، وإنا لله وإنا إليه راجعون
إن أطال الله العمر فسأكون معكم من هنالك غدا أو بعد غد ..وسأوافيكم بالصور وبكل جديد
اللهم احفظ الجميع من كل مكروه
ليلة الإثنين الماضي ....الثانية بعد منتصف الليل ....وادي " طنوس " غير بعيد عن مدينة " أولماس "...تنتهي رحلة هذا النهر الذي يشكل أهم روافد نهر أبو رقرار عند مصبه في الأطلسي بين مدينتي " سلا " والرباط ...
الأمطار عاصفة وتنذر بالأسوء ....كنت هنالك ....الجبال تنزف ماء، والأرض تحولت الى شيء آخر غير الأرض ....عند مشارف أولماس بنيت قنطرة فوق "وادي طنوس "...قنطرة بكل المواصفات البشعة والغادرة ....في الجهة الأخرى وقف أحدهم بشاحنته يتأمل النهر الجامح وهو يحمل معه كل غريب من حطام الغاب ....جذوع وأشجار بقاماتها تجرف في نفس الإتجاه ....إلى الأطلسي ....
وصلت سيارة واقتحم أصاحبها النهر وهو في ذروة فيضانه .....كانوا غرباء .....تعطلت سيارتهم وهم وسط الماء ....أطلقوا إشارات ضوئية لصاحب الشاحنة في الجهة الأخرى ....يطلبون النجدة ...شغل صاحب الشاحنة مصابيحه ...رآهم وسط النهر .....سمع بعدها صرخة واحدة من أحدهم .....أطبق عليهم النهر والظلمة والماء فجأة ودفعة واحدة ....ثم إلى رحمة الله .....
في الصباح ....كانت سيارتهم قد طمرت تحت الرمال ولا يلوح منها سوى شيء من بياض سقفها .....لقد جرفت حوالي الكلمتر الواحد واستقرت تحت الرمال ....تطوع أحدهم للغوص في اتجاهها ....تهشمت السيارة بالكامل ....لا أحد بداخلها .....اقتلع لوحتها ....السيارة مستأجرة من شركة ما ....اتصلوا بالشركة ....تم التعرف على هوية السائق ....وتبين اخيرا أنهم كانوا أربعة وقد تناولوا عشاءهم عن أحد أقربائهم في " تارميلات " غير بعيد عن أولماس ...
تطوع الأهالي للبحث عن الجثث ...عثروا لحد اللحظة على جثة واحدة ....عظام مهشمة بالكامل ....ملابس ممزقة ....أستغفر الله العلي العظيم ....
مرت ستة أيام وست ليال عن الحادث .....لا أثر للجثث الثلاثة الأخرى ....النهر يبعد عن مقر عملي ثلاثين كلمترا فقط في عمق الأطلس المتوسط ....منذ يوم أمس وأنا أحاول تعبئة متطوعين للقيام بأبسط ما يمليه الواجب الأخلاقي ....للأسف لا أحد منهم يستطيع أن يجازف بنفسه في سبيل البحث عن المفقودين خصوصا والأحوال الجوية مازالت تنذر بالسوء ...
....ان تحدث الفيضانات فلا مشكلة ....نحن لا نملك أي سلطة على الطبيعة وإرادة الله هي الأقوى ....أن يموت الناس وتتحطم الغابات وتجرف التربة والأراضي أمر طبيعي جدا ويحصل في كل بقاع العالم ....الذي يجب أن يحمل صفة " مشكل " في نظري هو " مالذي تقوم به الدولة بعدما تحدث الكوارث "
....تمنح الطبيعة فرصة تارخية للدول كي تتصالح مع مواطنيها ....تمنحها الكوارث فرصة للإشتغال على بناء الأسس الكبرى لمفاهيم كبيرة وعميقة مثل " الإنتماء " والهوية ....إن الدول التي لا تتدخل كي تقوم بالأعمال التي يعجز المواطن البسيط عن القيام بها تعتبر في نظري دولة فاشلة ....والمواطن الذي لا يقوم من جهته بالأمور الفردية التي لا تستطيع الدولة القيام بها كجهاز كبير الحجم يعتبر في نظري أيضا مواطنا فاشلا ولا يصلح سوى للنسيان ....أين طائراتنا ؟؟؟أين جيوشنا ؟؟؟أين هي بنود الميثاق الذي يربط المواطن بدولته ؟؟؟ أين احترام المواطنين ؟؟؟أين نحن من احترام أعراض موتى المسلمين ؟؟؟هل أدينا واجبنا كما ينبغي لننام بعدها مطمئنين ؟؟؟؟ هل يستطيع مجموعة من المتطوعين القيام بمسح شامل لنهر يمتد كيلومترات عدة حتى ولو توفرت لديهم الرغبة في ذلك ؟؟؟؟ ثم أين سينامون ليلا حتى وإن قرروا التطوع للبحث عن المفقودين خصوصا إذا علمنا أن جغرافية تلك المنطقة وعرة للغاية ، بل لا توجد بها مسالك للراجلين ؟؟؟؟
في مثل هذه المواقف يتمنى المرء لو كان شخصا مسؤولا يجلس خلف منصب كبير فقط كي يتسنى له ممارسة " آدميته " حين تناديه الطبيعة لفعل ذلك ....أريد الآن ألا تكون السلطة بيد أحد سواي حتى أرى مالذي سأخسره إذا أصدرت أوامري للقيام بالبحث عن الجثث ....نريد أن نضعهم في قبورهم فقط ...أهذا أيضا لا نملك حق فعله لنرضي أنفسنا وخالقنا ...أقول كلامي هذا وأشكر كل من زرع في ما يدفعني لقول ذلك ....لماذا لا تستغل الدول مثل هذه المناسبات لتثبت لمواطنيها أنها هنا...ولأجلهم حين يعجزون و بكل ما تملك ...لماذا نفوت هذه الفرص ونفوت معها حظوظ حصدنا للولاء التام ....الولاء العقلاني هو المقصود وهو النافع وهو الأقوى وهو الوشم الذي لن يزول ....لقد ولى زمن الكلمات الفضفاضة والشعارات الكاذبة التي يراد منها تغطية بياض الصفحات ....الناس بحاجة لكل شيء ملموس يجبرهم كرها على احترام بلدانهم ....الناس بحاجة لممارسات مرئية تدفعهم إلى " هجرة " حلم الهجرة نفسها ....الناس تتمنى أن ترى علمها الوطني يخفق في الأجواء فترقص معه احتراما للظلال التي تسقط منه على الأرض القريبة ....أريد ان أسمع نشيدنا الوطني فتخونني دموعي احتراما للأجيال التي ضحت لتنعم الأجيال القادمة ....أريد بلدا يحتضنني في الضراء كما أحتفل به مجانا في السراء .....
....في بطن ذاك الوادي ذئاب وثعالب وكثيرا من الوحشة والخوف والقنوط ....حتى ضوء القمر شح منذ شهور طويلة ....تحطمت الأشجار وانجرفت جبال من التربة وتغيرت الخرائط قبل أن يضعها المستكشفون ....سالت دموع الأمهات والإخوة والأخوات...مازلت تسيل لحدود اللحظة .....تريد أفئدتها ....تريد أبناءها لتواريهم الثرى ولينصرف الجميع مشكورا بعد ذلك ....
.....رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته والهم ذويهم الصبر كل الصبر ، وإنا لله وإنا إليه راجعون
إن أطال الله العمر فسأكون معكم من هنالك غدا أو بعد غد ..وسأوافيكم بالصور وبكل جديد
اللهم احفظ الجميع من كل مكروه