المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تأمـلات ---- هـل أذوك ؟ .. لاتؤذهم



مساهم شاطر
31-03-2010, 02:56 PM
من هم أولئك الأشخاص الذين يقومون بإيذاء أنفسهم والآخرين؟ إنهم ليسوا أي أشخاص هم أشخاص تعرضوا للإيذاء الجسدي أو النفسي سابقا فأصبحوا قادرين عليه.

متى يكون باستطاعة الإنسان أن يؤذي نفسه أو غيره؟ فقط عندما تكون لديه ترسبات عميقة من الغضب والألم والإحباط، فالذين يقومون بإيذاء أنفسهم ومن حولهم هم أناس تعرضوا لذلك أولا من قبل الآخرين، والذين يحسنون لأنفسهم ولمن حولهم هم أناس مشبعون وجدانيا واجتماعيا وماديا من قبل الآخرين.

حين يكون الإنسان غاضبا ومجروحا ومهانا ومستشعرا قلته في أعين من حوله، سيجد أنه باستطاعته أن يؤذي نفسه بسهولة وبلا ألم، فحتى لو جرح جزءا من جسده لن يشعر بألمه لأن ألم روحه هو الأقوى والأعلى صوتا من ألمه الجسدي، هو لا يسمع صوت جسده بل قد لا ينطق جسده لأنه مبهور بألم الروح الذي يراه أمامه فيخجل من أن يئن ويعلن عن وجعه الصغير في ظل وجود هذا الوجع المهيب الهائل.

حينما تكون النفس موجوعة والروح مجروحة والمشاعر مثقلة والآمال محبطة سيكون كي جزء من الجسد مثلا كشرب كأس من الماء.. لا يوجع ولا يعطي شعورا.
يستطيع الإنسان إخراج شوكة من كفه أو قدمه بلا مبالاة في قمة مشاعر حزنه وإحباطه وكأنه يخرج زبدة من وعائها، لاشعور.. لا ألم.. لا اهتمام.
بينما لو أرضاه من حوله، لو كان محبوبا، مرغوبا، ومرفها، ومنعما، مقبولا، ومقدرا لأصبحت شكة الدبوس تلك مؤلمة كقطع سكين جارحة، ولأصبحت الكية الصغيرة حروقا من الدرجة الأولى، ولشكا جسده من أي ملامسة غير رؤوفة به.

هنا يكمن الفرق بين من يموتون في حوادث طرق هم الطرف غير المتسبب فيها، وبين من يموتون في استعراضات "الطعوس" البرية وسباقات الطرق الطويلة التي يقومون هم بها، وهنا يكمن الفرق بين من يموتون في فلل وشقق فارهة ميتة طبيعية في منافيهم، وبين من يفجرون أنفسهم في حافلة ملأى بأعدائهم، وهنا يكمن الفرق بين من ينفقون المال لتعاطي أو بيع المسكرات والمخدرات والمحرمات، وبين من ينفقونه لمساعدة المحتاجين والفقراء وإسعاد الآخرين.

هذه الفروق تكمن في مشاعر اسمها "الغضب والألم والإحباط والحزن" تتولد عن إيذاء جسدي أو نفسي لشخص من قبل شخص أو أشخاص آخرين ويتولد عن هذا الأخير تعطيل مؤقت أو دائم لنقاء الروح أو لخيرها أو لتفاعلها الإيجابي مع أفراد ومعطيات المجتمع من حولها، ويصدق على مثل هذه الحالات قول الشاعر "ما لجرح بميت إيلام"، لأن ما قاله الشاعر الآخر أيضا صحيح:
جراحات اللسان لها التئام ** ولا يلتئم ما جرح اللسان

وكأمثلة على ذلك، إذا أتينا للداخل فإن ضحايا الاستعراضات والسباقات والمحرمات خير دليل.
أما إذا تناولنا الخارج فما أولئك الذين يعتنقون الجهاد الإرهابي - حيث أنه يوجد نوعان من الجهاد- والفكر الإرهابي والعمل الإرهابي - وهو ليس مقصورا على العرب أو المسلمين بل هم ليسوا رواده الأوائل- والتفجيرات التي يذهب ضحاياها الأبرياء وغير المعنيين من البشر، سوى نتاج هذه الفصول من التربية وهذه الخلفية النشأوية.

وإذا تساءلنا من منطلق نفسي تحليلي، من هو الشخص الذي يطلق عليه إرهابي؟ لوجدنا أنه إنسان غير مشبع نفسيا وعاطفيا واجتماعيا وأحيانا ماديا.
فالفرق بين من نطلق عليه "إرهابي" أو "إيجابي" النشأة الأولى والمتدرجة لكل منهما، فلو اختلفت ظروف نشأة الأول لأصبح إيجابيا لا إرهابيا والعكس صحيح، إذ لو اختلفت الظروف لاختلف الناتج.

وبالطبع نحن لانحصر الإرهاب بهوية معينة كما حصرها الغرب في المسلمين، مع إن إرهاب الغرب أشد وأعتى لو أردنا تصنيفه، فهو إرهاب متعدد الأشكال والأوجه منه المباشر ومنه غير المباشر، منه المادي الجسدي ومنه النفسي، أما الإرهاب الشرقي - إن جازت لنا تسميته بذلك فهي أصح من أسلمته فالإسلام منه براء- فهو إرهاب مباشر وساذج وفوضوي.
لذا يحق لنا أن نتساءل ما الخلفية السيكولوجية التي نشأت بها شخصيات مؤثرة أو معروفة عالميا من حيث كونها نشأة إيذائية أم نشأة تشريبية لروح قيم الهيمنة والقوة والسيطرة في نفوس أصحابها؟
لأنه بكل بساطة لا يوجد إنسان ذو نشأة طبيعية صحية متكاملة يقوم بما ذكرناه آنفا من أعمال ولا نتحدث هنا بالطبع عن القضية الفلسطينية وأصحابها فهم أصحاب حق، وإن كان ينطبق عليهم حال من يقدم على عمل الشيء لبلوغه مرحلة الغضب والتشبع والانفجار.

إذاً الغرب يضغط على الشرق إضافة إلى حروبه الدامية بضغوط نفسية، الغرب يحسن استخدام هذا السلاح، بل يعرف قيمته جيدا، بينما الشرق يفشل في استخدام الاستراتيجيات النفسية في مواجهة خصومه وغرمائه.

هناك أغنية على اليوتيوب لشباب فلسطينيين بعنوان "مين إرهابي" تعتبر تكتيكا نفسيا جيدا في مواجهة عدوهم، فمفعول أغنيتهم هذه يعادل مفعول قنبلة أو صاروخ أرض جو أو يفوق.

والآن بعد حديثنا عن الإيذاء وآثاره المدمرة على البشر والبشرية، ما الذي ينبغي فعله لتجاوز هذه الندوب والجروح الغائرة في حياة البشر وحتى تعود مشاعرهم لأحجامها الطبيعية وأحاسيسها الطبيعية، فتصبح شكة الدبوس مؤلمة، وقطع السكين موجعا ومخيفا، والكية لها مفعول الكية، والألم الجسدي له وقعه وأثره؟

بالطبع ليس باستطاعتنا أن نقول ببساطة لمن تعرضوا للأذى والامتهان اجتازوا هذه الحفرة العميقة بخفة وسرعة وواصلوا دروبكم ولا تلتفتوا للخلف، فمنهم من يستطيع ومنهم من لا يستطيع، حسب اتساع الحفرة وعمقها وحسب نوعية الشخص المطلوب منه اجتيازها والقفز فوقها، فقد يكون قد بلغ من العمر ما لا يمكنه من القفز، قد تكون أكلت قدراته السنون، وقد.. وقد..

الحل يكمن في عدم إيذاء الآخرين صغارا أو كبارا، وفي منحهم المحبة والاحترام والأمن بكافة أشكاله، ليصبحوا مسالمين حين يصبحوا آمنين، وليصبحوا كرماء حين يصبحوا مشبعين، وليصبحوا مقدّرين حين يصبحوا محترمين.

لذا لا تؤذوا أحباءكم فتحولوهم وحوشا أو نيرانا من حيث لا تعلمون، وحوشا تفترس غيرها أو نيرانا تلتهم نفسها والآخرين.
[/SIZE]



سهلة آل سعد
2010-03-31
sehla.alsaad@yahoo.com

المصدر / جريدة العرب
http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=125309&issueNo=835&secId=16