المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سوق التشبّع \ سيد احمد الخضر



الجديد
24-04-2010, 04:30 PM
(المصدر جريدة العرب)
سوق التشبّع
سيد أحمد الخضر
2010-04-21
أحد الأصدقاء حدثني عن مسيرته المهنية الحافلة بالإنجازات، وقال بالحرف الواحد إنه أمضى سبع عشرة سنة في البحث وتحليل النظريات والظواهر.. حتى هذه النقطة يبدو الأمر بسيطاً فكثيرون أعطاهم الله بسطة في العلم، وفي الجسم أيضاً، وسيّرهم مرصعة بالمجد والتحدث بالنعم شكر.. لكن صديقي ما زال في السابعة والعشرين من العمر، ما يعني أنه بدأ العمل الأكاديمي والبحث بعد تمام حوله العاشر! وذات مرة في مجلس علق إمام المسجد الذي نصلي فيه على موضوع قائلا: إن هذا لا يليق بأمثالي من العلماء. كأن صاحبنا تضرب إليه أكباد الإبل مع أنه لا يحفظ متناً واحداً وبينه مع العلم مسافات تطول ولا تقصر. وفي قصة من أنفلونزا التشبع نصحني أحدهم بالبحث عن أعماله على الشبكة والاستفادة منها مع أني من الذين أطلعهم الله على حاله لكن الكثيرين يكفرون نعمة الستر.
ولعل أظرف شيء في هذا المقام أن أحد المعارف أوقفته الشرطة وطلبت منه الإفصاح عن هويته، لكن صاحبنا غضب غضباً لم يغضب مثله قط قائلاً إن الأجدر بالشرطة أن تكون عرفته فلا عذر لأحد في جهل الأعيان والرموز الوطنية ينبغي أن تعامل معاملة خاصة. لكن رجال الأمن أصروا على الإطلاع على هويته فهم يعرفون أنه ليس مدير الأمن ولا وزير الداخلية وباقي رجال الدولة يهون أمرهم على القوم هناك. عندما أفصح الرجل عن مكانته كانت المفاجأة خارج حسابات الشرطة فما ذا تتوقعون؟ إنه مدير مدرسة ابتدائية في قرية نائية!!
إن حضور «الأنا» والتشبع الزائد أحد المظاهر المقيتة في عالمنا العربي وهو نتاج طبيعي لغياب المعايير الواضحة في شتى المجالات والطامة الكبرى أن حضوره بات مسيطرا على السوق فبقدر ما نستطيع الكذب نستطيع أن نكسب، كما أصبح غالباً على الجانب الاجتماعي من العلاقات الإنسانية فكثيراً ما يصاب أحدنا بالضجر والضيق عندما نتعرف على شخص في لحظة من المفروض فيها أن نقتصر على الاسم والوظيفة، لكن معاشر المتشبعين يحولون اللقاء إلى مناسبة دعائية فيرهقك الواحد منهم بالحديث عن ماضيه المجيد وحاضره الناجح ومستقبله الواعد حتى تتمنى أنك لم تلقه وتعقد العزم على أنه لو سلك فجاً لسلكت آخر.
إن مفهوم «الظاهرة الصوتية» جدير بالاهتمام فكثير من الجوانب العلمية والعملية نتعامل معها بالكلام ولا شيء غير الكلام فترى الفاشلين علمياً وعملياً يحسبون لأنفسهم الفضل على العالمين وما خلق الله منصباً رفيعاً إلا تبوأه أصحابنا، ولو أن أحداً يستطيع تخيل رئيس عربي سابق حي يرزق لأخبرك أحد أصحابنا أنه كان رئيس جمهورية.
لكن الوباء لم يصب القاعدة إلا بعد أن فتك بالقمة فالقادة والمسؤولون كلهم يملكون رؤية لا مثيل لها ولو لا بعد نظرهم ورجاحة عقولهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن، فحتى رؤساء الغرب رغم أن يخبرون السياسة بتدرجاتها ويمرون بأعرق الجامعات والمعاهد قبل أن يقودوا شعوبهم نراهم دائما يبحثون عن الحكمة العربية ويلجأون للنصح العربي في أحلك أوقاتهم.
ولعل هذا الحاضر من ذلك التاريخ فالداء له حضور واسـع في التاريخ العربي فقد كان شيخ القبيلة الذي لا تتعدى سلطاته نطاق رعي نوقه يتبجح بملك الدنيا، وحتى في عهد الدولة الإسلامية يحدث الناس أن هارون الرشيد كان عندما يرى غيمة يقول: أمطري حيث شئت فإن خراجك سيأتي إلي هنا!
ما أريد قوله هو أن الغريب ليس تعويض الفاشلين قصورهم بالكذب على الناس فتلك حيلة من لا حيلة له، إنما المعضلة تكمن في أن المراءاة والسير الزائفة أصبحت ضرورية لولوج سوق العمل ولا تظن كثير من المؤسسات العربية الخير إلا في من يلبس ثياب الزور تلك، كما برع أصحاب الدعاية الرخيصة في ترسيخ مبدئهم حيث يكونون ومن لا يحترف تلك المهنة يكون مسكيناً يستحق العطف فما أسكته إلا الهوان..
إن أهل الاختصاص معنيون بالعمل الجاد لتطهير المجتمع من هذه الآفة التي تزكم رائحتها الأنوف، وعلى أرباب العمل قطع الطريق أمام أدعياء التفوق الذين أغرقوا السوق بضحالة إنتاجهم فبدل الاهتمام بشهادات الزور والسير الذاتية التي تنوء بحملها المكاتب ينبغي الوقوف عند ما يستطيع الشخص إضافته للعمل وليحتفظ لنفسه بسيرته وسريرته.

المتأمل خيرا
24-04-2010, 04:57 PM
دائماً ليس من العدل والحكمة التعميم.. والأمثلة التي ذكر الكاتب بعضها - مثل الخليفة هارون الرشيد ورئيس القبيلة - لا تنسجم والرسالة التي يريد أن يوصلها.. إضافة إلى أن إسلوب الطرح لا يقدم شيئاً للقاريء.. إن لم يكن العكس.