المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : غَزَل المسؤولين\ سيد أحمد الخضر



الجديد
01-05-2010, 05:27 PM
غَزَل المسؤولين
(منقول من جريدة العرب)
سيد أحمد الخضر
2010-04-30
في القمم والمنتديات والمؤتمرات الصحفية التي يعقدها المسؤولون العرب يوجد أمر يتفق عليه الجميع، خروجاً على القاعدة التي تقول إن العرب اتفقوا على أن لا يتفقوا، إنه الثناء المتبادل بين المسؤولين. هذا يقول إن فلانا كان له الأثر الكبير في النجاح المحرز ولولا متابعته ورعايته لما كان الأمر على ما كان عليه. وعندما تصل الكلمة إلى ذاك يقول الشيء نفسه أو يزيد: إن اقتراحاتكم ورؤيتكم العميقة وصبركم كان وراء اجتماعنا هذا في يومنا هذا.. وفي ذات السياق يكون مضمون حديث الثالث والرابع إلى أن ينفضّ الجمع ويولون..، وإن كانت بين المسؤولين امرأة قالوا إنها تتميز بالعطاء ودفء الأحاسيس.. حتى تتأكد أنهم يريدون الحديث عن الجسد بعد أن أشبعوا المشاعر وصفا وتغزلا.
طبعاً لا تكمن المشكلة في هذا، فتبادل الاحترام ليس عملا مذموما حتى وإن كان من باب المجاملة وتجاوز حد المبالغة، إنما في كون المناسبة ستكون مقتصرة على تلك الأوصاف الكبيرة والمعلقات الغزلية، فالنجاح الذي حققه الأول لن يحدثوك عنه ورجاحة عقل الثاني وبعد نظره لن ترى له أثرا ملموسا حتى في إدارة الحوار، ليبقى الحاضرون في حيرة من أمرهم وتكون الإمكانيات التي خصصت للحدث مالاً مهدوراً فقط.
كثير من المتابعين للشأن العربي يردون هذه الظاهرة إلى أن المسؤول فينا أياً كان الموقع الذي يشغله لا يقيم وزنا للرعية لأنه ببساطة في غنى عنها فكل «النجاحات» التي أحرزها والمناصب التي شغلها لم يكن لرأي الجمهور دور فيها كما أن احتفاظه بالمركز والجاه لن يكون للناس دخل، فيه أحبوه أو كرهوه، إذن فهم، المسؤولون، لا يخافون ضرا ولا يرجون نفعا، لا رغبة ولا رهبة، وبالتالي ليسوا معنيين بإطلاع الناس على تفاصيل النجاحات التي يحققونها في مؤسساتهم، إنما يكفي العامة أن يطلّ عليهم مسؤول ويقول لهم إن كل شيء على ما يرام ثم إن الشيطان يكمن في التفاصيل.
شخصياً لا أقلل من هذا الرأي الذي تدعمه ممارسات المسؤولين، لكن أعتقد أن هناك عاملين يفسران هذا الغموض أكثر من أي اعتبارات أخرى، أولهما أن كثيرا من الذين يشغلون المناصب في عالمنا لا يعلمون شيئا عن القطاعات التي يسيرونها لاعتبارات عدة أهمها غياب الكفاءة وتخطي المعايير الواجب مراعاتها في تعيين الشخصيات الكبيرة، فقد ترى ضابط أمن يترأس جامعة يراد لها أن تلبي احتياجات السوق وتسهم في تطوير البحث العلمي ومن غير المستبعد أن ترى طبيبا بيطريا وزيراً للثقافة أو الإعلام! وليس هذا بأسوأ الأحوال ففي أحايين كثيرة يكون المسؤول بدون مؤهل أصلا ففي موريتانيا مثلاً طبيعي أن ترى مستشارا دبلوماسيا لم يعرف طريقاً إلى الدراسة أحرى أن يكون مختصا في النظم الدبلوماسية أو العلاقات الدولية، ليس لانعدام أصحاب الكفاءات ولكن لأنهم ليسوا من الذين سبقت لهم الحسنى.
عندما يكون المسؤول جاهلاً بمسؤولياته لن يكون بمقدوره الحديث عنها، لأنه في الحقيقة ليس سوى أداة لطاقم المؤسسة الذين يسيرونه يمينا وشمالا ويخرجونه في بعض المناسبات ليقول إن الأمور تسير من حسن إلى أحسن ثم يلزم الصمت.
أما العامل الثاني، وربما كان الأهم، فهو ازدراء أصحاب المناصب لرجال الإعلام الذين قدر لهم أن يكونوا حيث يوجد هؤلاء الصم البكم، إنهم يريدون للصحافة أن تكون شاهد زور فقط فعليها أن تكتب عن تلك الإنجازات والنجاحات التي لا يتكلم عنها أصحابها.. يريدون منك أن تقول عنهم وفيهم كل ما هو جميل لكن عليك أن لا تعوّل على تصريح ولا حتى تلميح من أحدهم فليست الاجتماعات والمؤتمرات إلا مناسبة لكسر الروتين وتبادل المشاعر وإلقاء عبارات الغزل أحياناً.