عبدالله العذبة
18-05-2010, 08:42 AM
استهداف الأقلية
نشرت جريدة "العرب" في عددها الصادر يوم الأحد الماضي الموافق لتاريخ 16/5/2010 تقريرا عن عقود العمل التي بعثت بها الأمانة العامة لمجلس الوزراء إلى الوزارات والجهات الحكومية الأخرى الخاضعة لقانون إدارة الموارد البشرية، ومن بين هذه العقود عقد توظيف للكوادر القطرية، ومن بين بنود هذا العقد بند يتيح لأي من طرفي العقد إنهاء مدة العقد في ((أي وقت))، حتى وإن لم تنته مدة العقد، وبالإرادة المنفردة، انظر البند رقم (11)، ومع أن العقد يمنح طرفي العلاقة حق إنهاء ذلك العقد فإن الرابح الأكبر والمستفيد الأول في ذلك جهة الإدارة، التي تستطيع القيام بذلك بغض النظر عن وجود خطأ أو تقصير من جانب الموظف من عدمه.
إما الموظف فهو الطرف الضعيف في معادلة التوظيف هذه، ومن النادر والمستبعد أن يقوم بنفسه وبإرادته الحرة بقطع باب رزقه الحكومية وهو بكامل قواه العقلية.
والمصيبة في هذا العقد الذي فصل على مقاس الموظف القطري، مع أن غالبية تشريعات الوظيفة العامة في دول الخليج تجعل من عقد التوظيف أداة تعيين غير المواطنين فقط، أقول المصيبة في هذه المصيبة التي حلت على رؤوس الموظفين القطريين بعد زوبعة البند المركزي أن الموظف القطري بهذا التنظيم القانوني فقد ثقته بالأمن الوظيفي إن كان هناك أمن وظيفي من قبل، وتزعزعت طمأنينة نفسه على مستقبله الوظيفي.
والغريب في أمر هذا العقد أن البند الثاني عشر منه -الذي يعتبر أحكام العقد مقدمة في التطبيق على نصوص قانون إدارة الموارد البشرية- ينسف كل بنود إنهاء الخدمة العشر المذكورة في المادة (159) من قانون إدارة الموارد البشرية التي ذكرت بشكل حصري، ولم ترد كأمثلة حتى يجوز لجهة الإدارة إضافة بند جديد تنتهي خدمة الموظف القطري بناء عليه.
فهل يحق لجهة الإدارة إضافة سبب جديد من عندها تنهي به حياة القطري الوظيفية فوق الأسباب المذكورة بشكل جامع مانع في المادة (159) من قانون إدارة الموارد البشرية.
تنص المادة (19) من الدستور الدائم لدولة قطر على ما يلي ((تصون الدولة دعامات المجتمع، وتكفل الأمن والاستقرار، وتكافؤ الفرص للمواطنين.)) فأين كفالة الأمن الوظيفي للمواطنين في هذه العقود وقديماً قيل: المال عديل الروح.
الشعب القطري يمثل أقلية في عقر داره وعدد المواطنين المؤهلين لشغل الوظائف العامة ليس بالعدد الكبير ـ فإذا أصبحت هذه الأقلية عرضة لسهام تشريعات البرج العاجي فمن يبقى لتنفيذ المبدأ السامي المذكور في المادة (54) من الدستور الدائم لدولة قطر الذي ينص على أن ((الوظائف العامة خدمة وطنية، ويستهدف الموظف العام في أداء واجبات وظيفته المصلحة العامة وحدها ..)).
غالبية الدساتير العربية تعتبر الوظائف العامة حقاً من حقوق المواطنين انظر مثلاً المادة (16-أ) من الدستور البحريني الصادر في سنة 2002م والمادة (26) من الدستور الكويتي الصادر في سنة 1962 إما الدستور المصري الصادر سنة 1971 والمعدل سنة 1980 فينص صراحة في المادة (14) منه على ما يلي ((الوظائف العامة حق للمواطنين، وتكليف للقائمين بها لخدمة الشعب،.... ولا يجوز فصلهم بغير الطريق التأديبي إلا في الأحوال التي يحددها القانون)).
وفي هذا المعنى يقول الدكتور ماجد راغب الحلو في بحثه عن عقد التوظيف في الكويت ما يلي: ((تعتبر الوظائف العامة حقا للمواطنين بمقتضى الدساتير، والأصل في الموظفين العموميين في النظام السائد في أغلب دول العالم أن يكونوا دائمين أو ثابتين بمعنى أن يظلوا في الخدمة أغلب أعمارهم، فيستمروا في أعمالهم الوظيفية حتى يحالوا إلى التقاعد ببلوغ سن المعاش)).
ويؤكد على عدم توافر الأمن الوظيفي في عقود التوظيف بقوله: إن الموظف في هذه العقود ((قد يجد نفسه طريد العمل في أية لحظة دون توقع أو احتساب، ويصدق هذا على وجه الخصوص وبصورة أكثر وضوحا بالنسبة لذوي الخدمة الطويلة من الموظفين الذين اعتادوا على امتداد عقودهم تلقائيا وبصفة دورية كل عام أو بضعة أعوام)) يعني أن الرعب من فقدان أمان الوظيفة والخوف من سوء استخدام الإدارة للسلطة سوف يبقى ديدن نفسية الموظف المغلوب على أمره حتى الرمق الأخير من ارتدائه اللباس الميري!!
خصوصا وأن بنود العقد أعطت جهة الإدارة الأحقية في إنهاء عقد الموظف القطري من دون قيد أو شرط، وهذه هي الإشكالية الكبرى؛ لأن الجميع يعلم أن جمهورية أفلاطون ليس لها وجود بين جدران الإدارات الحكومية، وإنما الغالب الأعم تغلغل المحسوبية والواسطة وتقدمها عند الاختيار على الكفاءة والجدارة، وهذا واقع يمشي على الأرض في الكثير من تصرفات الجهات الحكومية..
ولن يغني القول باختصاص المحاكم القطرية بالفصل في أي نزاع قد ينشأ بين الطرفين بشأن تفسير أو تنفيذ بنود العقد، وذلك أولا: لأن ثقافة اللجوء إلى ساحات القضاء خصوصا الإداري منه من قبل الطرف الضعيف ما زالت في مراحلها الأولى، وثانيا: إن مسيرة الفصل في الدعوى القضائية ليست بالأمر الهين، وإنما قد تطول وتطول حتى يفقد الموظف مورد رزقه، خصوصا وهو يناطح سلطة تنفيذية بيدها كل خيوط اللعبة.
وفي الأخير هل نحن في عصر لا يتم فيه شغل الوظائف العامة من قبل القطريين إلا عن طريق عقود إذعان تخيرك بين شرين لا تملك أمامهم من أمرك إلا أن تريد مقولة ((حسبي الله ونعم الوكيل))
محمد فهد القحطاني
mohdwaves@hotmail.com
المصدر العرب الثلاثاء 18-5-10
http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=132171&issueNo=883&secId=16
نشرت جريدة "العرب" في عددها الصادر يوم الأحد الماضي الموافق لتاريخ 16/5/2010 تقريرا عن عقود العمل التي بعثت بها الأمانة العامة لمجلس الوزراء إلى الوزارات والجهات الحكومية الأخرى الخاضعة لقانون إدارة الموارد البشرية، ومن بين هذه العقود عقد توظيف للكوادر القطرية، ومن بين بنود هذا العقد بند يتيح لأي من طرفي العقد إنهاء مدة العقد في ((أي وقت))، حتى وإن لم تنته مدة العقد، وبالإرادة المنفردة، انظر البند رقم (11)، ومع أن العقد يمنح طرفي العلاقة حق إنهاء ذلك العقد فإن الرابح الأكبر والمستفيد الأول في ذلك جهة الإدارة، التي تستطيع القيام بذلك بغض النظر عن وجود خطأ أو تقصير من جانب الموظف من عدمه.
إما الموظف فهو الطرف الضعيف في معادلة التوظيف هذه، ومن النادر والمستبعد أن يقوم بنفسه وبإرادته الحرة بقطع باب رزقه الحكومية وهو بكامل قواه العقلية.
والمصيبة في هذا العقد الذي فصل على مقاس الموظف القطري، مع أن غالبية تشريعات الوظيفة العامة في دول الخليج تجعل من عقد التوظيف أداة تعيين غير المواطنين فقط، أقول المصيبة في هذه المصيبة التي حلت على رؤوس الموظفين القطريين بعد زوبعة البند المركزي أن الموظف القطري بهذا التنظيم القانوني فقد ثقته بالأمن الوظيفي إن كان هناك أمن وظيفي من قبل، وتزعزعت طمأنينة نفسه على مستقبله الوظيفي.
والغريب في أمر هذا العقد أن البند الثاني عشر منه -الذي يعتبر أحكام العقد مقدمة في التطبيق على نصوص قانون إدارة الموارد البشرية- ينسف كل بنود إنهاء الخدمة العشر المذكورة في المادة (159) من قانون إدارة الموارد البشرية التي ذكرت بشكل حصري، ولم ترد كأمثلة حتى يجوز لجهة الإدارة إضافة بند جديد تنتهي خدمة الموظف القطري بناء عليه.
فهل يحق لجهة الإدارة إضافة سبب جديد من عندها تنهي به حياة القطري الوظيفية فوق الأسباب المذكورة بشكل جامع مانع في المادة (159) من قانون إدارة الموارد البشرية.
تنص المادة (19) من الدستور الدائم لدولة قطر على ما يلي ((تصون الدولة دعامات المجتمع، وتكفل الأمن والاستقرار، وتكافؤ الفرص للمواطنين.)) فأين كفالة الأمن الوظيفي للمواطنين في هذه العقود وقديماً قيل: المال عديل الروح.
الشعب القطري يمثل أقلية في عقر داره وعدد المواطنين المؤهلين لشغل الوظائف العامة ليس بالعدد الكبير ـ فإذا أصبحت هذه الأقلية عرضة لسهام تشريعات البرج العاجي فمن يبقى لتنفيذ المبدأ السامي المذكور في المادة (54) من الدستور الدائم لدولة قطر الذي ينص على أن ((الوظائف العامة خدمة وطنية، ويستهدف الموظف العام في أداء واجبات وظيفته المصلحة العامة وحدها ..)).
غالبية الدساتير العربية تعتبر الوظائف العامة حقاً من حقوق المواطنين انظر مثلاً المادة (16-أ) من الدستور البحريني الصادر في سنة 2002م والمادة (26) من الدستور الكويتي الصادر في سنة 1962 إما الدستور المصري الصادر سنة 1971 والمعدل سنة 1980 فينص صراحة في المادة (14) منه على ما يلي ((الوظائف العامة حق للمواطنين، وتكليف للقائمين بها لخدمة الشعب،.... ولا يجوز فصلهم بغير الطريق التأديبي إلا في الأحوال التي يحددها القانون)).
وفي هذا المعنى يقول الدكتور ماجد راغب الحلو في بحثه عن عقد التوظيف في الكويت ما يلي: ((تعتبر الوظائف العامة حقا للمواطنين بمقتضى الدساتير، والأصل في الموظفين العموميين في النظام السائد في أغلب دول العالم أن يكونوا دائمين أو ثابتين بمعنى أن يظلوا في الخدمة أغلب أعمارهم، فيستمروا في أعمالهم الوظيفية حتى يحالوا إلى التقاعد ببلوغ سن المعاش)).
ويؤكد على عدم توافر الأمن الوظيفي في عقود التوظيف بقوله: إن الموظف في هذه العقود ((قد يجد نفسه طريد العمل في أية لحظة دون توقع أو احتساب، ويصدق هذا على وجه الخصوص وبصورة أكثر وضوحا بالنسبة لذوي الخدمة الطويلة من الموظفين الذين اعتادوا على امتداد عقودهم تلقائيا وبصفة دورية كل عام أو بضعة أعوام)) يعني أن الرعب من فقدان أمان الوظيفة والخوف من سوء استخدام الإدارة للسلطة سوف يبقى ديدن نفسية الموظف المغلوب على أمره حتى الرمق الأخير من ارتدائه اللباس الميري!!
خصوصا وأن بنود العقد أعطت جهة الإدارة الأحقية في إنهاء عقد الموظف القطري من دون قيد أو شرط، وهذه هي الإشكالية الكبرى؛ لأن الجميع يعلم أن جمهورية أفلاطون ليس لها وجود بين جدران الإدارات الحكومية، وإنما الغالب الأعم تغلغل المحسوبية والواسطة وتقدمها عند الاختيار على الكفاءة والجدارة، وهذا واقع يمشي على الأرض في الكثير من تصرفات الجهات الحكومية..
ولن يغني القول باختصاص المحاكم القطرية بالفصل في أي نزاع قد ينشأ بين الطرفين بشأن تفسير أو تنفيذ بنود العقد، وذلك أولا: لأن ثقافة اللجوء إلى ساحات القضاء خصوصا الإداري منه من قبل الطرف الضعيف ما زالت في مراحلها الأولى، وثانيا: إن مسيرة الفصل في الدعوى القضائية ليست بالأمر الهين، وإنما قد تطول وتطول حتى يفقد الموظف مورد رزقه، خصوصا وهو يناطح سلطة تنفيذية بيدها كل خيوط اللعبة.
وفي الأخير هل نحن في عصر لا يتم فيه شغل الوظائف العامة من قبل القطريين إلا عن طريق عقود إذعان تخيرك بين شرين لا تملك أمامهم من أمرك إلا أن تريد مقولة ((حسبي الله ونعم الوكيل))
محمد فهد القحطاني
mohdwaves@hotmail.com
المصدر العرب الثلاثاء 18-5-10
http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=132171&issueNo=883&secId=16