مقطع حق
31-05-2010, 07:21 AM
أضعه لكم لأهميته...بحث ممتاز ويلامس الواقع وينبه لواقع ومستقبل الهويه الثقافيه العربيه في الخليج العربي!!
في دراسة للدكتورة كلثم الغانم خصت بها لـ «العرب»
الهوية الثقافية العربية.. هل مهددة بالضياع في المنطقة؟
2010-05-31
الدوحة - العرب
أعدت الدكتورة كلثم علي الغانم الباحثة القطرية الأستاذ المشارك في قسم العلوم الاجتماعية بجامعة قطر دراسة قيمة بعنوان «الهوية الثقافية العربية.. هل مهددة بالضياع في المنطقة؟»، خصت بها «العرب» وتناولت خلالها العديد من النقاط التي يمكن أن تصبح مرجعاً في هذا المجال المهم، وتالياً تفاصيل الدراسة:
إن التغير في التركيبة السكانية سيُصبح سمة دائمة يتصف بها هذا العصر، وستتداخل الثقافات والعادات لتفرز نموذجاً وليد الزمان والمكان اللذين تعيشهما الجموع السكانية المتنوعة، فتتراكم عبر الأيام وتتداخل السلالات وتحدث تحولات اجتماعية في السلوك والأعراف، تبدأ ظاهرياً ثم تنتقل تأثيراتها على الثقافة (كاظم الشبيب 2005).
هذه رؤية لما ستؤول إليه المجتمعات حسب مقتضيات العولمة التي قد تسرع في مناطق وقد تبطؤ في مناطق أخرى، لكنها ستؤثر في المدى البعيد على الخصوصيات الثقافية، وتحولها إلى شكل أو نمط عام تختفي فيه الحدود والهويات الثقافية المتمايزة، لتحل محلها هوية ثقافية كونية، يقل فيها تأثير الأنساق الثقافية المحلية على الأفراد، ويتراجع دور الموروث الشعبي في تشكيل الأبعاد الفكرية والقيمية والسلوكية للأفراد.
ومن جهة أخرى هناك من يعارض تأثر الثقافات بوصفها نتاجا لحركة تطور المجتمعات الصناعية وما أفرزته من ظواهر مثل: التكنولوجيا – الاستهلاك الوفير- سرعة انتقال المعلومات – الشركات متعددة الجنسية – تدخل وهيمنة القوى الكبرى، والاقتباس والتشكل الثقافي عملية مستمرة بين المجتمعات. ومن وجهة نظر فريد هاليداي (2002) فإن هناك سلسلة من التشكيلات الثقافية تعدت الحدود الاجتماعية والحضارية للدول والشعوب، وهي ظاهرة ثقافية، ولا تقتصر على وقتنا المعاصر أو حسب التفسير الأشهر بوصفها نتاجا للعولمة بكافة مظاهرها، أمر قد حدث منذ القدم، مع ذلك فإن ما يحافظ على الهويات الثقافية هو كون عملية الاقتباس انتقائية لتحقيق أهداف معينة اقتصادية واجتماعية وسياسية وأحيانا أخلاقية.
وإذا ما تأملنا واقع مجتمعات الخليج العربية واتجاهات التغير السكاني، فإن هذه النبوءة يمكن أن تتحقق بأسرع مما هو متوقع؛ وذلك لأسباب عدة، منها:
- سرعة معدلات النمو السكاني الناتج عن الهجرة الوافدة
– نمط الهجرة الوافدة وخصائصها الثقافية
– سياسات الانفتاح الاقتصادي والثقافي
– نموذج التنمية المتبع
لقد فرضت حالة التطور الخاصة بالمنطقة بنية سكانية شاذة إلى حد كبير(نوزاد الهيتي 2007). كانت بمثابة مصاحبات لنمط التنمية الاقتصادية في المنطقة، حيث تدفقت موجات من الهجرة الوافدة منذ عدة عقود أدت في نهاية المطاف إلى أن أصبح المواطنون أقليات في أوطانهم.
وبسبب التفرد الذي يميز المنطقة في مجال التكوينات السكانية والتحولات الاجتماعية المرتبطة بها التي أنتجت ظواهر ثقافية غيرت من المظهر الثقافي العام للمنطقة تدريجيا وما يرتبط به من تكوينات ومظاهر اجتماعية وحتى سياسية أضحى التنوع الثقافي أمرا حتميا. وإلى جانب الهجرة هناك الآثار المترتبة على عوامل التغير الاقتصادي والاجتماعي مثل انتشار ثقافة الاستهلاك، ومظاهر التحول الثقافي التي ارتبطت بقضايا التحديث ومتطلبات الانفتاح على عوالم ثقافية جديدة، ومقتضيات تطوير التعليم وأهمية تعلم اللغة الإنجليزية بوصفها أداة للوصول للمعرفة الحديثة ودلالة على الحداثة وتقبل الجديد، هذا بالإضافة إلى مظاهر العولمة الثقافية المرتبطة بالتطورات في وسائل الاتصال الحديثة وما يرتبط بها من تدفقات قيمية وسلوكية سهلة الامتصاص خصوصا بالنسبة للأجيال الجديدة.
¶ التنوع الثقافي الذي فرضته الهجرة الوافدة
إن التنوع السكاني يفرض بالضرورة التنوع الثقافي. فكيف يمكن لمجتمعات الخليج ببنيتها السكانية الهشة الصمود كنمط ثقافي ميز شعوب هذه المنطقة لمئات السنين أمام تعدد البنى الثقافية الحالي الذي أفرزه تعدد الهويات الثقافية للوافدين إلى المنطقة. وما مدى قدرة هذه المجتمعات على الصمود كبنية سكانية أمام التحولات السكانية المصاحبة للطفرة السكانية سواء في الحجم أو في سرعة النمو أو بتعدد مصادر السكان وخصائصهم العمرية والاجتماعية، وكبنية اجتماعية ثقافية أمام التنوع الثقافي الذي فرضته خصوصية الهجرة الوافدة إلى المجتمعات الخليجية.
ومما يزيد من حجم المشكلة الضغوط التي نتجت عن نموذج التنمية في المنطقة ومقتضيات العولمة الاقتصادية التي أصبحت الهجرة الدولية من أهم ملامحها بعد فتح الحدود التجارية وتشجيع الاستثمارات البينية، هذا إلى جانب العولمة الثقافية التي تسعى إلى إزالة الحواجز ونشر ثقافة كونية تندمج فيها كل الثقافات من ناحية، وإلى نشر قيم معينة تعلي من حقوق الإنسان وقبول الآخر والمرونة الثقافية والتكيف مع العناصر الثقافية المتباينة من ناحية أخرى.
وهو الأمر الذي يفترض توفر اتجاهات مرنة وموجبة تجاه عمليات التغيير وقبول مصاحبات الهجرة الدولية. فالمطلوب من الثقافة الوطنية حاليا أن تستجيب لهذه المتغيرات ولمقتضيات العولمة وقبول الخصائص الثقافية الجديدة. فإذا قبلنا هذه المحددات التي تؤطر لعلاقة مرنة أو حتى متصارعة، فهل تفكك العنصر الثقافي المحلي هو النتيجة الحتمية؟
ومن ناحية أخرى؛ هل جلبت الهجرة الوافدة معها الحداثة بمفهومها القيمي والتنظيمي؟ في الحقيقة إن الهجرة الوافدة بخصائصها (غالبية من العمال غير المهرة كورية) قد تلعب دورا معاكسا بتكريس التعريف الحالي للذات الخليجية كذوات جمعيّة ضمن أطر فئوية – عشائرية.
وتطرح قضية كيف يقيم الإنسان الخليجي ذاته هل هو ابن العصر الحديث بتداعياته القيمية والسيكولوجية العقلانية والموضوعية أم بتداعياته التنظيمية والمؤسساتية فقط، فيقوم بعزل الذات عن الواقع، الأمر الذي يفرز مسارات متعارضة بين الوجدان والواقع ويتخذان اتجاهات متباينة في التطور، فمثلا لا يزال المجتمع يناقش مدى استقلالية المرأة في القرار، والمشكلة أن هذه النقاشات غير مرصودة في العلن، ولكنها تظهر من خلال الأحداث اليومية التي يعايشها الفرد، وهنا يلاحظ أن مرجعية العديد من القيم تحتاج إلى مراجعة وإلى تأكيد أهميتها بالنسبة للفرد والمجتمع.
¶ الهوية الثقافية بين مؤثرات التحديث
ومسألة التنوع الثقافي
في ظل التغيرات والتداخلات بين ما هو وطني وأجنبي في العمل والتملك والعناصر الثقافية، واختلاف مستويات الوعي الاجتماعي والإرادة بالتغيير بين النخب الوطنية خلال العقود الماضية، يثار تساؤل حول مدى قدرة مجتمعات الخليج على الاحتفاظ بهويتها الثقافية، وهل هي الآن تمر بمرحلة انتقالية تمهد لهوية أو مجموعة هويات ثقافية أكثر تجانسا رغم تنوعها، من خلال الاندماج الذي سينتج عن تلاحم الوطني والوافد؛ بسبب السياسات الاقتصادية للعقد الأول من الألفية الجديدة.
حقيقة يبدو أن الوطني يتراجع مقابل الوافد سواء على المستوى المؤسسي أو الثقافي.
وهذا الواقع يفرض طرح إشكالية الهوية وعلاقتها بالمواطنة والتعدد الثقافي الذي فرضته الهجرة الوافدة، ويستدعي تحليل العلاقة بين الهوية والمواطنة ومشكلات الهوية في المنطقة وعلاقتها بقضايا المواطنة والتعدد الثقافي.
ويعد البحث في تعريف الهوية مهمة معقدة لتداخل عناصر عديدة في تشكيلها، وإذا كان إجماع الباحثين حول فكرة أنه لا وجود لشعب دون هوية، فإنهم اختلفوا في الشكل الذي يحدد الهوية.
وفي هذا السياق انتقد أحد الباحثين، ما أسماه بالشكل الميتافيزيقي الذي يحدد هوية الأمم والشعوب، ويقدم شخصيتها في إطار تصورات أستاتية أو نماذج مثالية، دون النظر إليها كمجموعات حية تتميز باحتمالات تكشف عن ذاتها في عملية تحققها، ويطرح مقابل ذلك مقاربة سوسيولوجية ترى أن الهوية تتغذى بالتاريخ وتشكل استجابة مرنة تتحول مع تحول الأوضاع الاجتماعية والتاريخية، فتمتحّ منها، دون أن تشكل ردّا طبيعيا، وبذلك فهي هوية نسبية تتغير مع حركة التاريخ وانعطافاته (إبراهيم القادري 2008).
واتفق علماء الاجتماع على أن الهوية مستمدة من الثقافة، فالإنسان يكتسب هويته من المجتمع، ومن خلال القواعد التي تربط الشخص بغيره على أساس المصلحة الذاتية، وبذلك أصبح ينظر إلى الهوية على أنها أحد المفاهيم المهمة التي يمكن أن تفسر التغيرات الاجتماعية والثقافية حسبما تشير كاثرين وودورد في كتابها Identity and Difference والتي اعتبرت أن الهوية عبارة عن التداخل بين المواقف الذاتية والاجتماعية والثقافية، فالهوية هي التي تعطينا فكرة عن من نكون ومن نحن وكيف نتصل بالآخرين في العالم الذي نعيش فيه؟ فالهوية هي المرشد الذي يرشدنا لكيفية التفاعل مع الآخرين الذين يشبهوننا أو من هم ينتمون لنفس الثقافة، والآخرين المختلفين عنا أو الذين ينتمون لثقافة أخرى. كما أن الهوية في الوقت الذي تعبر فيه عن ذواتنا فهي مكتسبة وترتبط مع العالم ووسائل الإعلام والصور المحيطة بنا، وتساعد في تشكيل الهويات الفردية والجمعية، وتشكل النظام الفكري للجماعة الذي يزودنا بإجابات على أسئلة مهمة: من أنا؟ ماذا يمكن أن أكون؟ ماذا أريد أن أكون (1997Kathryn Woodward). ويحلل منصف المرزوقي الدور الذي تلعبه الهوية في حياة المجتمعات والأفراد فيقول: بما أن لكل آخر هوية، فإن كل من هم مثلي سيتعرفون عليّ كمشابه لهم وسيعترفون بي واحدا منهم. إن مثل هذا التعرف والاعتراف المتبادل بين الشخص ومجموعته، عبر الاشتراك في نفس الهوية، قضية بالغة الخطورة. فالرهان الأساسي ليس التميّز الذي فرضته ظروف العيش المشترك ولا حتى التمايز والتفاضل في العلاقة بالمجموعات البشرية الأخرى، وإنما تبادل الحماية داخل المجموعة لدرء الخطر الحقيقي أو الوهمي الذي يمثله الآخر.
¶ اللغة والهوية
مما يسهم في زيادة قدرة الفرد والجماعات الاجتماعية على تقبل الآخر والاندماج الاجتماعي مع مقتضيات الهويات الثقافية الأخرى، قابلية الثقافة للتغير.
فحسب وجهة نظر أنتوني جيدنز(1991) فإن الهوية تنتمي إلى المؤسسات الاجتماعية التي تقوم من خلال اللغة بنقل المعاني العامة التي تتضمن (التقاليد، والمؤسسات، والمعايير الأخلاقية وآداب السلوك، والتوقعات الأخرى التي توجه أنماط الفعل).
ورغم أن هذه الهياكل تبدو أنها مستقرة، لكنها مع ذلك قابلة للتغيير، كنتيجة لأنماط الفعل التلقائية أو الغير المتعمدة، خصوصا في الفترات التي يبدأ الأفراد فيها بتجاهل رموز الثقافة، أو يقومون بتعديلها أو استبدالها أو إعادة إنتاجها بطريقة مختلفة.
ويستخدم الأفراد عادة هذه القواعد أثناء التفاعل مع الآخرين، ورغم أن إرادة الفرد تكون محدودة في اختيار الفعل؛ بسبب تأثير عوامل التنشئة والظروف والتجارب التي دخل بها، إلا أن هذه الموجهات ليست كاملة الإلزام للفرد، فالفرد لديه القدرة على أن يتخذ مواقف قد تكون مغايرة لما نشأ عليه (Giddens 1991). وهنا يريد جيدنز أن يوضح أن مواقف الفرد قد تتغير؛ مما يتيح المجال لتغير الأفكار والقيم وأنماط السلوك.
وفي ضوء هذا التحليل فإن الهوية قضية نسبية قد تتغير؛ نتيجة عدة عوامل، لعل أهمها خيارات الفعل الفردي تجاه المواقف الجديدة، وبما أن المصلحة الفردية عنصر أساسي في الحفاظ على الهوية، فمتى عجزت المؤسسات الاجتماعية عن توفير الحماية نجد أن حالة التغير الثقافي تكون ملزمة وتصبح الهوية الثقافية محل جدل.
¶ نسبية الثقافة
إن الثقافة هي من تصنع أفكارنا وتحدد مواقفنا وتشكل هوياتنا. وإذا كان التاريخ يحمل في طياته علامات التغير والتحول والتبدل فإن الهوية من هذا المنظور موضوع نسبي يتعدل ويتغير، ويتطور بتغير الأوضاع الاجتماعية.
فالهوية -أية هوية- غير قابله للإدراك إلا بوصفها حصيلة تراكم متجدد. فما لا يكون في زمن جزءاً من مكونات الهوية، قد يصبح كذلك في زمن لاحق. وما كان من مكوناتها أو من محدداتها في زمن قد يندثر مفعوله فلا يعود في جملة ما تتحدد به هوية الشيء (عبد الإله بالقزيز 2009).
إن المرونة والنسبية -حسب وجهة نظر محمد عابد الجابري(2002)- مرتبطة بكون الثقافة التي هي مصدر الهوية، نتاج تاريخي يحمل عبر الزمن تصورات وآراء ومعتقدات وطرائق في التفكير وأساليب في الاستدلال لا تخلو من الخصوصية، وهي من يؤطر للإنسان طريقة التفكير من خلال منظومة مرجعية تتمثل في الموروث الثقافي والمحيط الاجتماعي والنظرة إلى المستقبل والعالم والكون والإنسان.
¶ التغير مقابل الخصوصية
يرى إبراهيم القادري أن تغير الهويات ينبغي أن يخضع لقانون التوازن بين الثوابت المميزة للهوية والعناصر القابلة للتحول، وإلا كانت الهوية عرضة للخطر والتدمير، فالهوية تتضمن مكونات ثابتة وأخرى قابلة للتغيير.
ويعتبر الدين واللغة من الثوابت الراسخة، بينما تكون المكونات الأخرى من عادات وقيم وطرق تفكير قابلة للتغيير في الشكل الإيجابي الذي تحدده حركية المجتمع وتفاعله بمحيطه الخارجي.
وإذا كان القول بثبات اللغة كمعطى أساسي يحيل على الهوية، فإن ذلك لا يعني تخشيبها وتقديسها، والحيلولة دون تطوير بنيتها لإنتاج أفكار جديدة وتوليد مصطلحات لغوية ذات قيمة. (إبراهيم القادري، 2008).
(( يتبع ))
في دراسة للدكتورة كلثم الغانم خصت بها لـ «العرب»
الهوية الثقافية العربية.. هل مهددة بالضياع في المنطقة؟
2010-05-31
الدوحة - العرب
أعدت الدكتورة كلثم علي الغانم الباحثة القطرية الأستاذ المشارك في قسم العلوم الاجتماعية بجامعة قطر دراسة قيمة بعنوان «الهوية الثقافية العربية.. هل مهددة بالضياع في المنطقة؟»، خصت بها «العرب» وتناولت خلالها العديد من النقاط التي يمكن أن تصبح مرجعاً في هذا المجال المهم، وتالياً تفاصيل الدراسة:
إن التغير في التركيبة السكانية سيُصبح سمة دائمة يتصف بها هذا العصر، وستتداخل الثقافات والعادات لتفرز نموذجاً وليد الزمان والمكان اللذين تعيشهما الجموع السكانية المتنوعة، فتتراكم عبر الأيام وتتداخل السلالات وتحدث تحولات اجتماعية في السلوك والأعراف، تبدأ ظاهرياً ثم تنتقل تأثيراتها على الثقافة (كاظم الشبيب 2005).
هذه رؤية لما ستؤول إليه المجتمعات حسب مقتضيات العولمة التي قد تسرع في مناطق وقد تبطؤ في مناطق أخرى، لكنها ستؤثر في المدى البعيد على الخصوصيات الثقافية، وتحولها إلى شكل أو نمط عام تختفي فيه الحدود والهويات الثقافية المتمايزة، لتحل محلها هوية ثقافية كونية، يقل فيها تأثير الأنساق الثقافية المحلية على الأفراد، ويتراجع دور الموروث الشعبي في تشكيل الأبعاد الفكرية والقيمية والسلوكية للأفراد.
ومن جهة أخرى هناك من يعارض تأثر الثقافات بوصفها نتاجا لحركة تطور المجتمعات الصناعية وما أفرزته من ظواهر مثل: التكنولوجيا – الاستهلاك الوفير- سرعة انتقال المعلومات – الشركات متعددة الجنسية – تدخل وهيمنة القوى الكبرى، والاقتباس والتشكل الثقافي عملية مستمرة بين المجتمعات. ومن وجهة نظر فريد هاليداي (2002) فإن هناك سلسلة من التشكيلات الثقافية تعدت الحدود الاجتماعية والحضارية للدول والشعوب، وهي ظاهرة ثقافية، ولا تقتصر على وقتنا المعاصر أو حسب التفسير الأشهر بوصفها نتاجا للعولمة بكافة مظاهرها، أمر قد حدث منذ القدم، مع ذلك فإن ما يحافظ على الهويات الثقافية هو كون عملية الاقتباس انتقائية لتحقيق أهداف معينة اقتصادية واجتماعية وسياسية وأحيانا أخلاقية.
وإذا ما تأملنا واقع مجتمعات الخليج العربية واتجاهات التغير السكاني، فإن هذه النبوءة يمكن أن تتحقق بأسرع مما هو متوقع؛ وذلك لأسباب عدة، منها:
- سرعة معدلات النمو السكاني الناتج عن الهجرة الوافدة
– نمط الهجرة الوافدة وخصائصها الثقافية
– سياسات الانفتاح الاقتصادي والثقافي
– نموذج التنمية المتبع
لقد فرضت حالة التطور الخاصة بالمنطقة بنية سكانية شاذة إلى حد كبير(نوزاد الهيتي 2007). كانت بمثابة مصاحبات لنمط التنمية الاقتصادية في المنطقة، حيث تدفقت موجات من الهجرة الوافدة منذ عدة عقود أدت في نهاية المطاف إلى أن أصبح المواطنون أقليات في أوطانهم.
وبسبب التفرد الذي يميز المنطقة في مجال التكوينات السكانية والتحولات الاجتماعية المرتبطة بها التي أنتجت ظواهر ثقافية غيرت من المظهر الثقافي العام للمنطقة تدريجيا وما يرتبط به من تكوينات ومظاهر اجتماعية وحتى سياسية أضحى التنوع الثقافي أمرا حتميا. وإلى جانب الهجرة هناك الآثار المترتبة على عوامل التغير الاقتصادي والاجتماعي مثل انتشار ثقافة الاستهلاك، ومظاهر التحول الثقافي التي ارتبطت بقضايا التحديث ومتطلبات الانفتاح على عوالم ثقافية جديدة، ومقتضيات تطوير التعليم وأهمية تعلم اللغة الإنجليزية بوصفها أداة للوصول للمعرفة الحديثة ودلالة على الحداثة وتقبل الجديد، هذا بالإضافة إلى مظاهر العولمة الثقافية المرتبطة بالتطورات في وسائل الاتصال الحديثة وما يرتبط بها من تدفقات قيمية وسلوكية سهلة الامتصاص خصوصا بالنسبة للأجيال الجديدة.
¶ التنوع الثقافي الذي فرضته الهجرة الوافدة
إن التنوع السكاني يفرض بالضرورة التنوع الثقافي. فكيف يمكن لمجتمعات الخليج ببنيتها السكانية الهشة الصمود كنمط ثقافي ميز شعوب هذه المنطقة لمئات السنين أمام تعدد البنى الثقافية الحالي الذي أفرزه تعدد الهويات الثقافية للوافدين إلى المنطقة. وما مدى قدرة هذه المجتمعات على الصمود كبنية سكانية أمام التحولات السكانية المصاحبة للطفرة السكانية سواء في الحجم أو في سرعة النمو أو بتعدد مصادر السكان وخصائصهم العمرية والاجتماعية، وكبنية اجتماعية ثقافية أمام التنوع الثقافي الذي فرضته خصوصية الهجرة الوافدة إلى المجتمعات الخليجية.
ومما يزيد من حجم المشكلة الضغوط التي نتجت عن نموذج التنمية في المنطقة ومقتضيات العولمة الاقتصادية التي أصبحت الهجرة الدولية من أهم ملامحها بعد فتح الحدود التجارية وتشجيع الاستثمارات البينية، هذا إلى جانب العولمة الثقافية التي تسعى إلى إزالة الحواجز ونشر ثقافة كونية تندمج فيها كل الثقافات من ناحية، وإلى نشر قيم معينة تعلي من حقوق الإنسان وقبول الآخر والمرونة الثقافية والتكيف مع العناصر الثقافية المتباينة من ناحية أخرى.
وهو الأمر الذي يفترض توفر اتجاهات مرنة وموجبة تجاه عمليات التغيير وقبول مصاحبات الهجرة الدولية. فالمطلوب من الثقافة الوطنية حاليا أن تستجيب لهذه المتغيرات ولمقتضيات العولمة وقبول الخصائص الثقافية الجديدة. فإذا قبلنا هذه المحددات التي تؤطر لعلاقة مرنة أو حتى متصارعة، فهل تفكك العنصر الثقافي المحلي هو النتيجة الحتمية؟
ومن ناحية أخرى؛ هل جلبت الهجرة الوافدة معها الحداثة بمفهومها القيمي والتنظيمي؟ في الحقيقة إن الهجرة الوافدة بخصائصها (غالبية من العمال غير المهرة كورية) قد تلعب دورا معاكسا بتكريس التعريف الحالي للذات الخليجية كذوات جمعيّة ضمن أطر فئوية – عشائرية.
وتطرح قضية كيف يقيم الإنسان الخليجي ذاته هل هو ابن العصر الحديث بتداعياته القيمية والسيكولوجية العقلانية والموضوعية أم بتداعياته التنظيمية والمؤسساتية فقط، فيقوم بعزل الذات عن الواقع، الأمر الذي يفرز مسارات متعارضة بين الوجدان والواقع ويتخذان اتجاهات متباينة في التطور، فمثلا لا يزال المجتمع يناقش مدى استقلالية المرأة في القرار، والمشكلة أن هذه النقاشات غير مرصودة في العلن، ولكنها تظهر من خلال الأحداث اليومية التي يعايشها الفرد، وهنا يلاحظ أن مرجعية العديد من القيم تحتاج إلى مراجعة وإلى تأكيد أهميتها بالنسبة للفرد والمجتمع.
¶ الهوية الثقافية بين مؤثرات التحديث
ومسألة التنوع الثقافي
في ظل التغيرات والتداخلات بين ما هو وطني وأجنبي في العمل والتملك والعناصر الثقافية، واختلاف مستويات الوعي الاجتماعي والإرادة بالتغيير بين النخب الوطنية خلال العقود الماضية، يثار تساؤل حول مدى قدرة مجتمعات الخليج على الاحتفاظ بهويتها الثقافية، وهل هي الآن تمر بمرحلة انتقالية تمهد لهوية أو مجموعة هويات ثقافية أكثر تجانسا رغم تنوعها، من خلال الاندماج الذي سينتج عن تلاحم الوطني والوافد؛ بسبب السياسات الاقتصادية للعقد الأول من الألفية الجديدة.
حقيقة يبدو أن الوطني يتراجع مقابل الوافد سواء على المستوى المؤسسي أو الثقافي.
وهذا الواقع يفرض طرح إشكالية الهوية وعلاقتها بالمواطنة والتعدد الثقافي الذي فرضته الهجرة الوافدة، ويستدعي تحليل العلاقة بين الهوية والمواطنة ومشكلات الهوية في المنطقة وعلاقتها بقضايا المواطنة والتعدد الثقافي.
ويعد البحث في تعريف الهوية مهمة معقدة لتداخل عناصر عديدة في تشكيلها، وإذا كان إجماع الباحثين حول فكرة أنه لا وجود لشعب دون هوية، فإنهم اختلفوا في الشكل الذي يحدد الهوية.
وفي هذا السياق انتقد أحد الباحثين، ما أسماه بالشكل الميتافيزيقي الذي يحدد هوية الأمم والشعوب، ويقدم شخصيتها في إطار تصورات أستاتية أو نماذج مثالية، دون النظر إليها كمجموعات حية تتميز باحتمالات تكشف عن ذاتها في عملية تحققها، ويطرح مقابل ذلك مقاربة سوسيولوجية ترى أن الهوية تتغذى بالتاريخ وتشكل استجابة مرنة تتحول مع تحول الأوضاع الاجتماعية والتاريخية، فتمتحّ منها، دون أن تشكل ردّا طبيعيا، وبذلك فهي هوية نسبية تتغير مع حركة التاريخ وانعطافاته (إبراهيم القادري 2008).
واتفق علماء الاجتماع على أن الهوية مستمدة من الثقافة، فالإنسان يكتسب هويته من المجتمع، ومن خلال القواعد التي تربط الشخص بغيره على أساس المصلحة الذاتية، وبذلك أصبح ينظر إلى الهوية على أنها أحد المفاهيم المهمة التي يمكن أن تفسر التغيرات الاجتماعية والثقافية حسبما تشير كاثرين وودورد في كتابها Identity and Difference والتي اعتبرت أن الهوية عبارة عن التداخل بين المواقف الذاتية والاجتماعية والثقافية، فالهوية هي التي تعطينا فكرة عن من نكون ومن نحن وكيف نتصل بالآخرين في العالم الذي نعيش فيه؟ فالهوية هي المرشد الذي يرشدنا لكيفية التفاعل مع الآخرين الذين يشبهوننا أو من هم ينتمون لنفس الثقافة، والآخرين المختلفين عنا أو الذين ينتمون لثقافة أخرى. كما أن الهوية في الوقت الذي تعبر فيه عن ذواتنا فهي مكتسبة وترتبط مع العالم ووسائل الإعلام والصور المحيطة بنا، وتساعد في تشكيل الهويات الفردية والجمعية، وتشكل النظام الفكري للجماعة الذي يزودنا بإجابات على أسئلة مهمة: من أنا؟ ماذا يمكن أن أكون؟ ماذا أريد أن أكون (1997Kathryn Woodward). ويحلل منصف المرزوقي الدور الذي تلعبه الهوية في حياة المجتمعات والأفراد فيقول: بما أن لكل آخر هوية، فإن كل من هم مثلي سيتعرفون عليّ كمشابه لهم وسيعترفون بي واحدا منهم. إن مثل هذا التعرف والاعتراف المتبادل بين الشخص ومجموعته، عبر الاشتراك في نفس الهوية، قضية بالغة الخطورة. فالرهان الأساسي ليس التميّز الذي فرضته ظروف العيش المشترك ولا حتى التمايز والتفاضل في العلاقة بالمجموعات البشرية الأخرى، وإنما تبادل الحماية داخل المجموعة لدرء الخطر الحقيقي أو الوهمي الذي يمثله الآخر.
¶ اللغة والهوية
مما يسهم في زيادة قدرة الفرد والجماعات الاجتماعية على تقبل الآخر والاندماج الاجتماعي مع مقتضيات الهويات الثقافية الأخرى، قابلية الثقافة للتغير.
فحسب وجهة نظر أنتوني جيدنز(1991) فإن الهوية تنتمي إلى المؤسسات الاجتماعية التي تقوم من خلال اللغة بنقل المعاني العامة التي تتضمن (التقاليد، والمؤسسات، والمعايير الأخلاقية وآداب السلوك، والتوقعات الأخرى التي توجه أنماط الفعل).
ورغم أن هذه الهياكل تبدو أنها مستقرة، لكنها مع ذلك قابلة للتغيير، كنتيجة لأنماط الفعل التلقائية أو الغير المتعمدة، خصوصا في الفترات التي يبدأ الأفراد فيها بتجاهل رموز الثقافة، أو يقومون بتعديلها أو استبدالها أو إعادة إنتاجها بطريقة مختلفة.
ويستخدم الأفراد عادة هذه القواعد أثناء التفاعل مع الآخرين، ورغم أن إرادة الفرد تكون محدودة في اختيار الفعل؛ بسبب تأثير عوامل التنشئة والظروف والتجارب التي دخل بها، إلا أن هذه الموجهات ليست كاملة الإلزام للفرد، فالفرد لديه القدرة على أن يتخذ مواقف قد تكون مغايرة لما نشأ عليه (Giddens 1991). وهنا يريد جيدنز أن يوضح أن مواقف الفرد قد تتغير؛ مما يتيح المجال لتغير الأفكار والقيم وأنماط السلوك.
وفي ضوء هذا التحليل فإن الهوية قضية نسبية قد تتغير؛ نتيجة عدة عوامل، لعل أهمها خيارات الفعل الفردي تجاه المواقف الجديدة، وبما أن المصلحة الفردية عنصر أساسي في الحفاظ على الهوية، فمتى عجزت المؤسسات الاجتماعية عن توفير الحماية نجد أن حالة التغير الثقافي تكون ملزمة وتصبح الهوية الثقافية محل جدل.
¶ نسبية الثقافة
إن الثقافة هي من تصنع أفكارنا وتحدد مواقفنا وتشكل هوياتنا. وإذا كان التاريخ يحمل في طياته علامات التغير والتحول والتبدل فإن الهوية من هذا المنظور موضوع نسبي يتعدل ويتغير، ويتطور بتغير الأوضاع الاجتماعية.
فالهوية -أية هوية- غير قابله للإدراك إلا بوصفها حصيلة تراكم متجدد. فما لا يكون في زمن جزءاً من مكونات الهوية، قد يصبح كذلك في زمن لاحق. وما كان من مكوناتها أو من محدداتها في زمن قد يندثر مفعوله فلا يعود في جملة ما تتحدد به هوية الشيء (عبد الإله بالقزيز 2009).
إن المرونة والنسبية -حسب وجهة نظر محمد عابد الجابري(2002)- مرتبطة بكون الثقافة التي هي مصدر الهوية، نتاج تاريخي يحمل عبر الزمن تصورات وآراء ومعتقدات وطرائق في التفكير وأساليب في الاستدلال لا تخلو من الخصوصية، وهي من يؤطر للإنسان طريقة التفكير من خلال منظومة مرجعية تتمثل في الموروث الثقافي والمحيط الاجتماعي والنظرة إلى المستقبل والعالم والكون والإنسان.
¶ التغير مقابل الخصوصية
يرى إبراهيم القادري أن تغير الهويات ينبغي أن يخضع لقانون التوازن بين الثوابت المميزة للهوية والعناصر القابلة للتحول، وإلا كانت الهوية عرضة للخطر والتدمير، فالهوية تتضمن مكونات ثابتة وأخرى قابلة للتغيير.
ويعتبر الدين واللغة من الثوابت الراسخة، بينما تكون المكونات الأخرى من عادات وقيم وطرق تفكير قابلة للتغيير في الشكل الإيجابي الذي تحدده حركية المجتمع وتفاعله بمحيطه الخارجي.
وإذا كان القول بثبات اللغة كمعطى أساسي يحيل على الهوية، فإن ذلك لا يعني تخشيبها وتقديسها، والحيلولة دون تطوير بنيتها لإنتاج أفكار جديدة وتوليد مصطلحات لغوية ذات قيمة. (إبراهيم القادري، 2008).
(( يتبع ))