تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : القوة الناعمة والقوة المتعسفة



ROSE
02-06-2010, 08:50 AM
القوة الناعمة والقوة المتعسفة
البروفيسور أناتولي غروميكو يخص الراية بمقال:


كتب- طارق الشيخ:

مصادفة محضة جمعتني يوم امس في أروقة مؤتمر " إثراء المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط " والذي ينعقد بفندق ريتزكارلتون الدوحة مع البروفيسور اناتولي غروميكو. وهو اكاديمي روسي مرموق وعرف بعملين مهمين أحدهما كتابه الشهير عن جون كنيدي رئيس الولايات المتحدة، واتبعه بمشاركته في كتاب "الأخوة كنيدي" والذي ضم كتابة للسيرة الذاتية لجون وشقيقه روبرت كنيدي . قلت له انه كتاب رائع قرأته قبل سنوات واحتفظت به بلغاته الثلاث العربية والانجليزية والبلغارية. كذلك عرف اناتولي بكتابه المميز عن صناعة التحف الافريقية، وهو محصلة لرصد عميق عرف به لفن النحت على الخشب في افريقيا السوداء. ويشغل الان منصبه كعضو باكاديمية العلوم الروسية . تحدثنا عن امكانية اجراء حوار معه وهذا بلا شك أمر مطلوب وبشدة مع رجل شغل منصب مدير معهد افريقيا في موسكو وملم جيد بقضايا العالم المعاصرة والتي تشغل بال العالم بعلمائه وسياسييه. اعتذر بلطف بسبب زحمة جدوله في الدوحة . فهي زيارته الأولى فخصني بورقة كان من المفترض أن يقدمها في احدى جلسات المؤتمر ولم يتسن ذلك لزحمة برنامج المؤتمر وتقليص عدد المشاركات. والورقة التي كتبت بالانجليزية قدمها قائلا .. إنها بتصرف الراية . شكرته واستمتعت بقراءتها قبيل ترجمتها وهي ورقة بعنوان "القوة الناعمة والقوة المتعسفة " . تحدث فيها أناتولي عن حاضر ومستقبل الديمقراطية، وتطور التجارة الحرة وما تحتله من أهمية بالنسبة للبشرية جمعاء . يقول أناتولي غروميكو انهم يصورون القوة الناعمة باعتبارها تجسيدا لحكم القانون ومن الناحية الثانية وعلى صعيد العلاقات الدولية نرى قوة أخرى والتي اطلق عليها " القوة المتعسفة " والتي تعتمد وبشكل اساسي على القوة العسكرية.
وتعتمد القوة الناعمة على عدة عوامل من بينها القانون الدولي، والدبلوماسية والتجارة ومنظمة الأمم المتحدة.
ولاشك ان جميعنا يحتفظ بنظرة مختلفة للعالم، وفهم خاص لمعنى الوطن . وفي نفس الوقت فنحن متحدون في الرغبة بحماية الحضارة الانسانية من الانهيار . فالأرض كوكب صغير وفريد، وصغير جدا مقارنة مع الكواكب الأخرى . والأرض عذراء، لكن تتراجع مظاهر الحياة فيها هذه الأيام وبشكل كبير وهي المنظومة التي تقوم على الهواء والماء والأرض . وباتت البشرية تدرك ان هذا الطريق يفضي الى نقطة اللاعودة وبشكل سريع. وفي نفس الوقت هناك دول قليلة تتعامل وكانما البشرية لم تتعلم أي درس من الماضي . فسباق التسلح لايزال قائم بيننا . ونحن نواجه خطر انتشار السلاح النووي.
شيء ما ينبغي ان نقوم به لأجل وقف هذا الانحدار نحو مواجهة جديدة وكبرى، وكذلك نحو صراعات محلية مسلحة . شيء ما ينبغي ان نقوم به للتخلص من النزاعات القديمة، وللتخلص من منهج التفكير القديم والقائم على طاقة القوة، وقوة الاسلحة الحديثة والفتاكة.. اسلحة الدمار الشامل. علينا ان نتوحد لأجل خلق نظام جديد يحكم العلاقات الدولية ويناسب الناس جميعا. فالسلام في العالم اليوم لاينفصم عن النجاح للجميع . وهو الطريق الوحيد لحماية العالم من الانفلات في الشئون الدولية.
وعلينا التخلص من الأوهام بأن الجهود التي يبذلها الدبلوماسيون والجنرالات كافية لتحقيق الاستقرار العالمي . فالناس من كل المهن بما في ذلك العلماء عليهم ان يوحدوا مصالحهم وقدراتهم وإرادتهم السياسية وفي أفضل حالاتها من اجل الحفاظ على الحضارة البشرية. ولن تحل قضايا الحرب والسلام دون بذل جهود مضاعفة . وحدها الجبهة الموحدة والواسعة لأجل السلام والتي تضم الناس بمختلف أجناسهم القادرة على ضمان مستقبل مشرق للجميع. فكيف يمكن لنا ان نحقق مثل هذه الأهداف ؟ ومتى سيحل العصر الذهبي المأمول؟
في اعتقادي أن الإجابة على ذلك واضحة. علينا ان نتحرك جميعا للأمام نحو عالم متكامل وموحد تسوده علاقات الشراكة بين الدول والحضارات ونجعل من ذلك اولى أولوياتنا. فنحن لانحتاج لأن نكون على عجلة من امرنا، بقدر مانحتاج الى إدراك ان التاريخ البشري هو عملية بطيئة وهادئة. ومن الوهم، والخيال الخطر الاعتقاد أنه ومن خلال استخدام القوة يستطيع البعض بناء نوع ما من الديمقراطية في بلد بعيد. أقول ذلك وفي جعبتي خبرة طويلة حيث عملت لفترة عاما كمدير لمعهد افريقيا في موسكو. فالديمقراطية في القارة الافريقية في الغالب لايكتب لها الاستقرار بسبب اهمالها للخصائص المجتمعية ونمط الحياة التقليدية فيها . فالتقاليد والأعراف هي التي تسير كل أنماط السلطة في المجتمعات الأفريقية أكثر من مواد القانون .
واعتقد أنه لاستقرار وتطور العالم فنحن بحاجة لانتاج منظومة امنية عالمية جديدة، تتشكل من اتفاقيات أمنية اقليمية، وهي التي ستمهد الطريق للتطور السلمي للبشرية. وهي كذلك ضرورة لازمة لأجل لانقاذ الجنس البشري.
ولأجل تحقيق المنظومة الأمنية العالمية نحتاج الى تغيير واصلاح نهج تفكيرنا والبدء في النظر الى الأرض على انها البيت المشترك لنا جميعا . وأذكر هنا مرة ثانية أنه اذا ما أراد البشر حماية انفسهم فيجب عليهم وقبل كل شيء حماية الأرض . فالأرض التي نستغلها للأغراض الزراعية وتوفير الغذاء تتآكل مساحتها وبسرعة .
نحتاج الى نضج حقيقي لتخطي الكوارث الطبيعية والكوارث التي يصنعها الانسان. لذا فالشراكة الاستراتيجية بين الدول هي واحدة من اهم الشروط اللازمة لأجل تحقيق هذه الغاية. وهناك أرضية متوفرة لجميع البشر من اجل تخطي العديد من المشكلات العالمية الحادة وهي منظمة الأمم المتحدة. وهي ليست بالمنظمة الكاملة بل تحتاج الى اصلاحات، ولكنها لاتحتاج الى اصلاحات متسرعة وعجولة قد تقضي عليها. منظمة الأمم المتحدة تكون قوية دوما بقدر فعالية الاعضاء فيها. وهي تحتاج الى قوة التزامهم بالقانون والى دعمهم للمبادئ التي قام عليها ميثاق الأمم الأمم المتحدة.
اسمحوا لي بالإعراب عن الأمل بأن يؤكد المنتدى على العزم على تعزيز مبادئ السلام والأمن في العالم وبذل المزيد من الجهد لخدمة الآلية الدولية من اجل حفز التقدم الاقتصادي لجميع الناس. ومثل هذه الكلمات تتردد كثيرا في المنتديات العالمية. لكن دعوني أؤكد على ان الظرف العالمي الراهن والذي يواجه العالم فيه أزمة اقتصادية حادة وازمات مالية لاتزال ماثلة وبين جميع دول العالم كبيرة ام صغيرة، وعليها جميعا ان تعمل معا وبصورة مسئولة قد تساعدها على اصلاح القوة الناعمة للقانون الدولي لتقف ضد القوة المتعسفة . وهذا في مصلحتنا جميعا.