GM-QATAR
08-06-2010, 03:58 PM
توقف عن جمع القطع الكبيرة لضيق المكان ولا يهدف الربح
مواطن يمتلك حفائر عمرها ملايين السنين يبحث عن دعم ومتحف لعرض مقتنياته
2010-06-08
جريده العرب - الدوحة - هلا بطرس
بعيداً عن الاهتمامات الترفيهية البحتة للشباب المعاصر، وأحياناً السطحية، التي تصيب العقل بشلل فكري والجسد بكسل حتمي، قرر محمد راشد الكعبي توظيف طاقته الذهنية والفكرية، وإمكاناته المادية المتواضعة كموظف في الـ23 من عمره، لخدمة هوايته الأساسية التي تحتل الهامش الأكبر في حياته اليوم: جمع الحفائر والتحف القديمة النادرة، فخلال فترة بين 4-5 سنوات لا أكثر، تمكن الكعبي من تكوين مجموعة كبرى من المقتنيات والقطع النادرة، تتنوع ما بين التحف القديمة مثل الكاميرات والنظارات والمفاتيح، وبعضها يبلغ عمرها مئات السنين.. والحفائر التي تمثل حيوانات متحجرة ونباتات وجذوع أشجار وأسماكا معظمها انقرض، ويصل عمر بعضها إلى مئات ملايين السنين.. وجميعها أصلية، أرسلها المقتني إلى مختبرات متخصصة في بريطانيا لدراستها، وأعيدت إليه مع شهادات تؤكد عمرها وقيمتها، حتى إن إحدى الحفائر التي تعود لحيوان منقرض لا يوجد منها في العالم سوى 6 أو 7 نماذج متشابهة، ونجح الكعبي في امتلاك واحدة منها.
وإذا كانت المجموعة التي يمتلكها هذا الشاب تشمل بضع عشرات القطع، ربما 60 أو 70 قطعة متفاوتة الأحجام والأشكال، ما يعتبر عددا متواضعا نسبياً بالمقارنة مع مقتنيات المتاحف وصالات العرض التجارية، فإنها تعتبر إنجازا بالنسبة لفرد في سن الشباب، وهو موظف يتقاضى راتبا وظيفيا، وبدأ رحلة البحث عن القطع منذ ما لا يزيد عن 5 سنوات، ولا يحظى بأي دعم مالي من أية جهة كانت.
وكما يؤكد الكعبي، فقد بدأ اهتمامه بالقطع الأثرية والتحف القديمة ينمو منذ سنوات قليلة، تقريباً 4 أو 5، وكان يجمع الأموال من مصروف الجيب الذي يحصل عليه، وإن اضطر أحياناً لبيع أغراض خاصة به كي يقتني قطعة ما، ثم راح يخصص راتبه الوظيفي لهذه الغاية، وهوايته بلا شك مكلفة، لكنه يحب الهوايات الغريبة، حسب قوله، مضيفاً: «هذه الهواية غير مستهلكة، غير منتشرة.. كما أنها تفيدني أولاً على الصعيد الشخصي، لأنني اكتسبت الكثير من المعرفة حول الحقب الزمنية السابقة والعصور الجيولوجية المختلفة، التي كنت أشعر بفضول كبير للدخول في تفاصيلها، ولمعرفة كيف كانت الحياة حينها.. وعلى صعيد عام، فإن هذا النوع من الدراسات يفيد في التنبؤ بالمستقبل».
نقل المعرفة
بالفعل إن دراسة الحفائر تحمل الكثير من الفوائد، خصوصاً في التعرف على أنماط وأشكال الحياة القديمة في الحقب الزمنية الفائتة، وهذا فضول يتشارك به الكثيرون، خصوصاً أن العلماء تعرفوا على فئات عديدة من الحيوانات المنقرضة غير الموجودة اليوم بين الكائنات الحية من خلال الحفائر، وبالتالي، فإن الكعبي يطمح لأن يحقق هدفه في نقل المعرفة التي اكتسبها لغيره، وهو لم يدرس علم الآثار أساساً، لكن عندما بدأت هذه الهواية تتملكه، راح يثقف نفسه بنفسه، وهنا يشرح مسيرته في الغوص بعالم الآثار والحفائر: «لن أقول إنني ورثت هذه الهواية عن فرد بعائلتي، بل علّمت نفسي بنفسي، كنت أطالع المحطات المتخصصة مثل ديسكفري، لأن لدي فضولا كبيرا في التعرف إلى أساليب الحياة في العصور القديمة، فنحن نتكلم هنا عن قطع عمرها مئات ملايين السنين، هكذا بدأت أبحث عن هذه الأشياء، وعن كل ما هو غير تقليدي».
وعلماً بأن الكعبي وجد الدعم والتشجيع من المحيطين به منذ بدأ يجمع هذه القطع القيّمة، إلا أنه حقق كل شيء بمجهود ذاتي، فبحسب قوله: «لم يكن بجانبي من يعلّمني.. قرأت الكتب وتابعت البرامج وسافرت كثيراً.. حتى إنني كنت أواجه صعوبات في وجود كتب باللغة العربية، ولغتي الإنجليزية ليست ممتازة، فكنت أحاول ترجمتها.. أي أنني سرت على درب طويل قبل أن أصل إلى هنا، وقمت بجهد مضاعف».
أحفورة عمرها 240 مليون سنة
رغم الصعوبات، فلم يتردد الكعبي في المضي بجمع القطع، من خلال اقتنائها أثناء سفراته أو عن طريق شخص متخصص، وقد أصبح لديه شبكة من المعارف الموثوق بهم والعالمين بهذه الأمور، يعلمونه بأية قطعة متوفرة يمكن أن تثري مجموعته، كما جمع الكعبي بعض القطع من قطر، لكنها «قليلة، وبسيطة نوعاً ما مثل الحلزون أو ما شابه ذلك» على حد تأكيده، لافتاً إلى أن عملية البحث عن الحفائر ليست بالسهلة سواء من ناحية الجو، أو العمل على الأرض كفرد دون مساعدة.
ومن القطع الموجودة لديه، كما يشرح بنفسه: أحفورة «كراشاصور»، وهي نادرة جداً عمرها 240 مليون سنة، وحفائر لكائنات من فئة القواقع جمعها من قطر وتعود بحسب تقديره لـ 25 إلى 50 مليون سنة، وأحفورة لنوع من القشريات من المغرب عمرها 440 مليون سنة، وجذع شجرة من مدغشقر عمره 200 مليون سنة، وهذه ليست سوى نماذج من مجموعة تضم أكثر من 70 قطعة من مختلف الأحجام والأنواع، فضلا عن القطع التي هي قيد التنظيف، أو التي لم تصله بعد.
وعلماً بأن الكعبي يجمع كل ما له قيمة من الحفائر، فهو يميل بشكل خاص لحفائر الكائنات الحيوانية المنقرضة، وعند شرائه لقطعة جديدة، فما من مقاييس محددة يعتمد عليها عادة من حيث النوع أو الحجم، بل الأهم برأيه هو القيمة وطريقة التحفّر ونظافة القطعة.
مفتاح يعود لعام 1750
ومن جهة التحف، يهوى الكعبي اقتناء القطع القديمة، فقد جمع أجهزة تصوير قديمة جداً، ونظارات تعود لسنوات طويلة، ومفاتيح قديمة منها مفتاح خزينة من بريطانيا يعود إلى عام 1750، وتأتي هذه القطع أيضاً من أماكن مختلفة حول العالم، مثل سوريا، ولبنان، وبريطانيا..
ويرفض الكعبي الكشف عن القيمة المالية لمجموعته، أو إعطاء أرقام محددة، لكنه يؤكد على أنها باهظة الثمن، وذات قيمة مرتفعة جداً،، مكرراً أن «المجموعة تعتبر غير كبيرة بالمقارنة مع المتاحف أو المؤسسات المتخصصة، لكنها مهمة جداً بالنسبة لفرد يجمعها وحده وبنفسه وبجهد شخصي وتمويل ذاتي، من شاب ليس بالمليونير».
ومع أن الأسواق العالمية مغمورة بالحفائر ذات القيمة المتواضعة أو المقلدة أو المغشوشة، فإن الكعبي يؤكد أن كل القطع التي اقتناها أصلية %100، فمن خلال خبرته وما تعلمه بنفسه، أصبح قادراً على تمييز القطعة الأصلية بنسبة %80، أي التمييز «من حيث الشكل إذا كان تم تصليحها، أو إذا كانت مشغولة يدوياً غير أصلية»، مع الإشارة إلى أن هذه العملية صعبة خصوصاً أن هناك «تقليدا محترفا» للحفائر متوفر بالسوق، وقد يغش أي شخص، وبحسب الكعبي فإنه «وفقاً للدراسات على الإنترنت، بعض أنواع الحفائر المتوفرة في السوق مقلدة بنسبة %95 إلى %99»، لذا فإن هذا الشاب يتعامل فقط مع أشخاص موثوق بهم، تفادياً لأية عملية غش، خصوصاً أن القطع التي يشتريها غالية الثمن، لذا فمن الضروري -برأي الكعبي- أن يمتلك صاحب هواية من هذا النوع معرفة وافرة تخوله عدم التعرض للغش، وقد نجح الكعبي من خلال معرفته المكتسبة أن يتجنب «حتى الآن» كل عمليات الغش.
البحث عن الدعم
وللتأكد من عمر القطع وقيمتها، يقوم الكعبي بإرسالها إلى الخارج، تحديداً إلى مختبرات في بريطانيا، وتعاد إليه مع شهادة تؤكد قيمتها، فهناك أجهزة خاصة لحساب عمر الحفائر والفترة التي عاش فيها الحيوان المتحجر.
ولأن هذه القطع نادرة وتعود لحقب قديمة جداً، فلا بد من حفظها بالطريقة المناسبة، فالكعبي يحفظ كل قطعة في كيس خاص يمنع عنها الهواء ويحميها من الرطوبة، كي لا تتعرض مع الوقت لأي ضرر محتمل.
وبنوع من الأسف، يعلن الكعبي أنه توقف حالياً عن اقتناء القطع الكبيرة، لأن المجموعة كلها موجودة في بيته، ولم يجد بعد الدعم اللازم لتوفير مكان لعرضها أمام الناس، وهنا يقول: «هدفي أن أتمكن من عرض مجموعتي أمام الناس والباحثين وطلاب المدارس ليطالعوها وليستفيدوا منها وليتعرفوا إلى الحياة في الحقب القديمة والكائنات التي كانت موجودة حينها، لكن ليس لدي دعم، وأنا موظف، وليس لدي مختبر ولا أدوات ولا حتى مكان لعرضها، وقد تحدثت مع مدير سوق شعبية أثرية في الدوحة لأعرض مجموعتي أمام الزوار، حتى إنني مستعد لدفع الإيجار، وتحمل تكاليف الديكور، فسألني المدير عما سأستفيده من المشروع، فأجبته أنني أولاً أحب هذه الهواية، وثانياً بدلاً من أن تبقى القطع في منزلي يمكن أن أعرضها للناس، فهي تجذب الزوار، وتفيد الناس والأجانب والمدارس.. الفكرة هي عرضها في مكان جيد، وللفائدة العامة، ليس لأسباب تجارية.
لكن هذا لم يتحقق بعد، وبانتظار أن أحصل على فرصة مناسبة للعرض، فقد توقفت حالياً عن شراء القطع الكبيرة، وأركز على القطع الصغيرة، لأنه يمكنني أن أجمعها في البيت إلى أن أتمكن من عرضها للعموم».
والهدف من عرض هذه القطع للعموم مزدوج، فأولاً، على صعيد شخصي، أنه يسمح للكعبي بالالتقاء بأشخاص في هذا المجال، قد يساعدونه في تطوير معرفته، وثانياً، والأهم، أن عرض هذه المجموعة يفيد الناس في اكتساب المعرفة حول الطبقات الصخرية والأرضية، والكائنات المنقرضة وفترات تواجدها».
ولجذب الناس بأفضل صورة ممكنة، ونقل المعلومة بشكل سهل وتفاعلي، لدى الكعبي الكثير من الأفكار التي ترافق عرض القطع، مثل عروض «ثري دي» أو «سلايد شو» يتضمن الشروح اللازمة.. لكن هذا المشروع يبقى معلقاً، ونوعا من «الحلم»، أو أمنية لا يمكن تحقيقها بجهد فردي وتمويل ذاتي، بانتظار الدعم أو المساعدة أو فتح الأبواب للتنفيذ، وتوفير الأجهزة ومستلزمات العرض، وهنا يشدد الكعبي على أنه ليس بباحث عن وظيفة أو عن ربح مادي، بل كل ما يريده مشاركة ما اكتسبه من معرفة مع الناس، وعرض مقتنياته لهم، وتطوير معرفته وخبرته في هذا المجال.
متحف يضم مقنتيات الكعبي
إن حلم الكعبي في المستقبل أن يتمكن يوماً من شراء أرض يحولها إلى متحف، ويعبر الكعبي عن ذلك بقوله: «يكون عاماً ومفتوحاً بشكل مجاناً أمام الناس ليستفيدوا منه، وليحصلوا خلال زيارتهم له على كتيّبات تشرح كل شيء عن الحفائر والحقب السابقة».
وبرأي الكعبي، فإن الناس يهتمون كثيراً بهذه الأمور، وقد لمس ذلك من خلال معارفه ومن المجالس، حيث كان يعرض بعض القطع على الموجودين، فيفاجأون بعمرها وقيمتها، ويبدون اهتماما كبيرا بالتعرف أكثر إليها وإلى الحيوانات المتحجرة والمنقرضة، كما أنهم يهتمون بهذه الأمور لأنها غير متوفرة بكثرة، وغير منتشرة أو مألوفة.
من هنا، طالب الكعبي «الهيئات المختصة بالدعم لإنشاء متحف صغير، وإن كان باسمها، لعرض قطع المجموعة، وتقديم ما هو مفيد وجميل وذو قيمة». وأضاف: «لا أريد أي مقابل، بل هدفي فقط المساعدة، فلو أن هيئة متاحف قطر تعطيني مثلاً درسا، هذا يكفيني، لا أريد وظيفة ولا أي شيء آخر، بل أريد أن أساعد غيري وأستفيد بنفسي من ناحية زيادة المعرفة وكسب المعلومات».
ولا يتوقف اهتمام الكعبي عند جمع القطع الأثرية، بل لديه مشاريع وأفكار ودراسات لتطوير المواقع السياحية والأثرية في قطر، وتعريف الناس عليها بشكل أكبر، خصوصاً أن قطر كما يقول «تتضمن الكثير من المواقع الأثرية ذات القيمة العالية جداً، فهناك دحول مهمة جداً، منها دحل بجوار محطة الأقمار الصناعية، كثيرون لم يتمكنوا من زيارته».
وهو يروي أنه عثر على «منطقة في الصحراء فيها قبور قديمة»، يتوقع «أن يكون فيها بقايا بيوت قديمة، إنما غير ظاهرة بوضوح، وفيها قطع فخار».. وبالتالي، فقد أراد الكعبي لفت النظر لكي تُمنَح هذه المناطق أقصى اهتمام، نظراً لقيمتها الأثرية وروعتها.
جريده العرب
http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=135226&issueNo=904&secId=26
مواطن يمتلك حفائر عمرها ملايين السنين يبحث عن دعم ومتحف لعرض مقتنياته
2010-06-08
جريده العرب - الدوحة - هلا بطرس
بعيداً عن الاهتمامات الترفيهية البحتة للشباب المعاصر، وأحياناً السطحية، التي تصيب العقل بشلل فكري والجسد بكسل حتمي، قرر محمد راشد الكعبي توظيف طاقته الذهنية والفكرية، وإمكاناته المادية المتواضعة كموظف في الـ23 من عمره، لخدمة هوايته الأساسية التي تحتل الهامش الأكبر في حياته اليوم: جمع الحفائر والتحف القديمة النادرة، فخلال فترة بين 4-5 سنوات لا أكثر، تمكن الكعبي من تكوين مجموعة كبرى من المقتنيات والقطع النادرة، تتنوع ما بين التحف القديمة مثل الكاميرات والنظارات والمفاتيح، وبعضها يبلغ عمرها مئات السنين.. والحفائر التي تمثل حيوانات متحجرة ونباتات وجذوع أشجار وأسماكا معظمها انقرض، ويصل عمر بعضها إلى مئات ملايين السنين.. وجميعها أصلية، أرسلها المقتني إلى مختبرات متخصصة في بريطانيا لدراستها، وأعيدت إليه مع شهادات تؤكد عمرها وقيمتها، حتى إن إحدى الحفائر التي تعود لحيوان منقرض لا يوجد منها في العالم سوى 6 أو 7 نماذج متشابهة، ونجح الكعبي في امتلاك واحدة منها.
وإذا كانت المجموعة التي يمتلكها هذا الشاب تشمل بضع عشرات القطع، ربما 60 أو 70 قطعة متفاوتة الأحجام والأشكال، ما يعتبر عددا متواضعا نسبياً بالمقارنة مع مقتنيات المتاحف وصالات العرض التجارية، فإنها تعتبر إنجازا بالنسبة لفرد في سن الشباب، وهو موظف يتقاضى راتبا وظيفيا، وبدأ رحلة البحث عن القطع منذ ما لا يزيد عن 5 سنوات، ولا يحظى بأي دعم مالي من أية جهة كانت.
وكما يؤكد الكعبي، فقد بدأ اهتمامه بالقطع الأثرية والتحف القديمة ينمو منذ سنوات قليلة، تقريباً 4 أو 5، وكان يجمع الأموال من مصروف الجيب الذي يحصل عليه، وإن اضطر أحياناً لبيع أغراض خاصة به كي يقتني قطعة ما، ثم راح يخصص راتبه الوظيفي لهذه الغاية، وهوايته بلا شك مكلفة، لكنه يحب الهوايات الغريبة، حسب قوله، مضيفاً: «هذه الهواية غير مستهلكة، غير منتشرة.. كما أنها تفيدني أولاً على الصعيد الشخصي، لأنني اكتسبت الكثير من المعرفة حول الحقب الزمنية السابقة والعصور الجيولوجية المختلفة، التي كنت أشعر بفضول كبير للدخول في تفاصيلها، ولمعرفة كيف كانت الحياة حينها.. وعلى صعيد عام، فإن هذا النوع من الدراسات يفيد في التنبؤ بالمستقبل».
نقل المعرفة
بالفعل إن دراسة الحفائر تحمل الكثير من الفوائد، خصوصاً في التعرف على أنماط وأشكال الحياة القديمة في الحقب الزمنية الفائتة، وهذا فضول يتشارك به الكثيرون، خصوصاً أن العلماء تعرفوا على فئات عديدة من الحيوانات المنقرضة غير الموجودة اليوم بين الكائنات الحية من خلال الحفائر، وبالتالي، فإن الكعبي يطمح لأن يحقق هدفه في نقل المعرفة التي اكتسبها لغيره، وهو لم يدرس علم الآثار أساساً، لكن عندما بدأت هذه الهواية تتملكه، راح يثقف نفسه بنفسه، وهنا يشرح مسيرته في الغوص بعالم الآثار والحفائر: «لن أقول إنني ورثت هذه الهواية عن فرد بعائلتي، بل علّمت نفسي بنفسي، كنت أطالع المحطات المتخصصة مثل ديسكفري، لأن لدي فضولا كبيرا في التعرف إلى أساليب الحياة في العصور القديمة، فنحن نتكلم هنا عن قطع عمرها مئات ملايين السنين، هكذا بدأت أبحث عن هذه الأشياء، وعن كل ما هو غير تقليدي».
وعلماً بأن الكعبي وجد الدعم والتشجيع من المحيطين به منذ بدأ يجمع هذه القطع القيّمة، إلا أنه حقق كل شيء بمجهود ذاتي، فبحسب قوله: «لم يكن بجانبي من يعلّمني.. قرأت الكتب وتابعت البرامج وسافرت كثيراً.. حتى إنني كنت أواجه صعوبات في وجود كتب باللغة العربية، ولغتي الإنجليزية ليست ممتازة، فكنت أحاول ترجمتها.. أي أنني سرت على درب طويل قبل أن أصل إلى هنا، وقمت بجهد مضاعف».
أحفورة عمرها 240 مليون سنة
رغم الصعوبات، فلم يتردد الكعبي في المضي بجمع القطع، من خلال اقتنائها أثناء سفراته أو عن طريق شخص متخصص، وقد أصبح لديه شبكة من المعارف الموثوق بهم والعالمين بهذه الأمور، يعلمونه بأية قطعة متوفرة يمكن أن تثري مجموعته، كما جمع الكعبي بعض القطع من قطر، لكنها «قليلة، وبسيطة نوعاً ما مثل الحلزون أو ما شابه ذلك» على حد تأكيده، لافتاً إلى أن عملية البحث عن الحفائر ليست بالسهلة سواء من ناحية الجو، أو العمل على الأرض كفرد دون مساعدة.
ومن القطع الموجودة لديه، كما يشرح بنفسه: أحفورة «كراشاصور»، وهي نادرة جداً عمرها 240 مليون سنة، وحفائر لكائنات من فئة القواقع جمعها من قطر وتعود بحسب تقديره لـ 25 إلى 50 مليون سنة، وأحفورة لنوع من القشريات من المغرب عمرها 440 مليون سنة، وجذع شجرة من مدغشقر عمره 200 مليون سنة، وهذه ليست سوى نماذج من مجموعة تضم أكثر من 70 قطعة من مختلف الأحجام والأنواع، فضلا عن القطع التي هي قيد التنظيف، أو التي لم تصله بعد.
وعلماً بأن الكعبي يجمع كل ما له قيمة من الحفائر، فهو يميل بشكل خاص لحفائر الكائنات الحيوانية المنقرضة، وعند شرائه لقطعة جديدة، فما من مقاييس محددة يعتمد عليها عادة من حيث النوع أو الحجم، بل الأهم برأيه هو القيمة وطريقة التحفّر ونظافة القطعة.
مفتاح يعود لعام 1750
ومن جهة التحف، يهوى الكعبي اقتناء القطع القديمة، فقد جمع أجهزة تصوير قديمة جداً، ونظارات تعود لسنوات طويلة، ومفاتيح قديمة منها مفتاح خزينة من بريطانيا يعود إلى عام 1750، وتأتي هذه القطع أيضاً من أماكن مختلفة حول العالم، مثل سوريا، ولبنان، وبريطانيا..
ويرفض الكعبي الكشف عن القيمة المالية لمجموعته، أو إعطاء أرقام محددة، لكنه يؤكد على أنها باهظة الثمن، وذات قيمة مرتفعة جداً،، مكرراً أن «المجموعة تعتبر غير كبيرة بالمقارنة مع المتاحف أو المؤسسات المتخصصة، لكنها مهمة جداً بالنسبة لفرد يجمعها وحده وبنفسه وبجهد شخصي وتمويل ذاتي، من شاب ليس بالمليونير».
ومع أن الأسواق العالمية مغمورة بالحفائر ذات القيمة المتواضعة أو المقلدة أو المغشوشة، فإن الكعبي يؤكد أن كل القطع التي اقتناها أصلية %100، فمن خلال خبرته وما تعلمه بنفسه، أصبح قادراً على تمييز القطعة الأصلية بنسبة %80، أي التمييز «من حيث الشكل إذا كان تم تصليحها، أو إذا كانت مشغولة يدوياً غير أصلية»، مع الإشارة إلى أن هذه العملية صعبة خصوصاً أن هناك «تقليدا محترفا» للحفائر متوفر بالسوق، وقد يغش أي شخص، وبحسب الكعبي فإنه «وفقاً للدراسات على الإنترنت، بعض أنواع الحفائر المتوفرة في السوق مقلدة بنسبة %95 إلى %99»، لذا فإن هذا الشاب يتعامل فقط مع أشخاص موثوق بهم، تفادياً لأية عملية غش، خصوصاً أن القطع التي يشتريها غالية الثمن، لذا فمن الضروري -برأي الكعبي- أن يمتلك صاحب هواية من هذا النوع معرفة وافرة تخوله عدم التعرض للغش، وقد نجح الكعبي من خلال معرفته المكتسبة أن يتجنب «حتى الآن» كل عمليات الغش.
البحث عن الدعم
وللتأكد من عمر القطع وقيمتها، يقوم الكعبي بإرسالها إلى الخارج، تحديداً إلى مختبرات في بريطانيا، وتعاد إليه مع شهادة تؤكد قيمتها، فهناك أجهزة خاصة لحساب عمر الحفائر والفترة التي عاش فيها الحيوان المتحجر.
ولأن هذه القطع نادرة وتعود لحقب قديمة جداً، فلا بد من حفظها بالطريقة المناسبة، فالكعبي يحفظ كل قطعة في كيس خاص يمنع عنها الهواء ويحميها من الرطوبة، كي لا تتعرض مع الوقت لأي ضرر محتمل.
وبنوع من الأسف، يعلن الكعبي أنه توقف حالياً عن اقتناء القطع الكبيرة، لأن المجموعة كلها موجودة في بيته، ولم يجد بعد الدعم اللازم لتوفير مكان لعرضها أمام الناس، وهنا يقول: «هدفي أن أتمكن من عرض مجموعتي أمام الناس والباحثين وطلاب المدارس ليطالعوها وليستفيدوا منها وليتعرفوا إلى الحياة في الحقب القديمة والكائنات التي كانت موجودة حينها، لكن ليس لدي دعم، وأنا موظف، وليس لدي مختبر ولا أدوات ولا حتى مكان لعرضها، وقد تحدثت مع مدير سوق شعبية أثرية في الدوحة لأعرض مجموعتي أمام الزوار، حتى إنني مستعد لدفع الإيجار، وتحمل تكاليف الديكور، فسألني المدير عما سأستفيده من المشروع، فأجبته أنني أولاً أحب هذه الهواية، وثانياً بدلاً من أن تبقى القطع في منزلي يمكن أن أعرضها للناس، فهي تجذب الزوار، وتفيد الناس والأجانب والمدارس.. الفكرة هي عرضها في مكان جيد، وللفائدة العامة، ليس لأسباب تجارية.
لكن هذا لم يتحقق بعد، وبانتظار أن أحصل على فرصة مناسبة للعرض، فقد توقفت حالياً عن شراء القطع الكبيرة، وأركز على القطع الصغيرة، لأنه يمكنني أن أجمعها في البيت إلى أن أتمكن من عرضها للعموم».
والهدف من عرض هذه القطع للعموم مزدوج، فأولاً، على صعيد شخصي، أنه يسمح للكعبي بالالتقاء بأشخاص في هذا المجال، قد يساعدونه في تطوير معرفته، وثانياً، والأهم، أن عرض هذه المجموعة يفيد الناس في اكتساب المعرفة حول الطبقات الصخرية والأرضية، والكائنات المنقرضة وفترات تواجدها».
ولجذب الناس بأفضل صورة ممكنة، ونقل المعلومة بشكل سهل وتفاعلي، لدى الكعبي الكثير من الأفكار التي ترافق عرض القطع، مثل عروض «ثري دي» أو «سلايد شو» يتضمن الشروح اللازمة.. لكن هذا المشروع يبقى معلقاً، ونوعا من «الحلم»، أو أمنية لا يمكن تحقيقها بجهد فردي وتمويل ذاتي، بانتظار الدعم أو المساعدة أو فتح الأبواب للتنفيذ، وتوفير الأجهزة ومستلزمات العرض، وهنا يشدد الكعبي على أنه ليس بباحث عن وظيفة أو عن ربح مادي، بل كل ما يريده مشاركة ما اكتسبه من معرفة مع الناس، وعرض مقتنياته لهم، وتطوير معرفته وخبرته في هذا المجال.
متحف يضم مقنتيات الكعبي
إن حلم الكعبي في المستقبل أن يتمكن يوماً من شراء أرض يحولها إلى متحف، ويعبر الكعبي عن ذلك بقوله: «يكون عاماً ومفتوحاً بشكل مجاناً أمام الناس ليستفيدوا منه، وليحصلوا خلال زيارتهم له على كتيّبات تشرح كل شيء عن الحفائر والحقب السابقة».
وبرأي الكعبي، فإن الناس يهتمون كثيراً بهذه الأمور، وقد لمس ذلك من خلال معارفه ومن المجالس، حيث كان يعرض بعض القطع على الموجودين، فيفاجأون بعمرها وقيمتها، ويبدون اهتماما كبيرا بالتعرف أكثر إليها وإلى الحيوانات المتحجرة والمنقرضة، كما أنهم يهتمون بهذه الأمور لأنها غير متوفرة بكثرة، وغير منتشرة أو مألوفة.
من هنا، طالب الكعبي «الهيئات المختصة بالدعم لإنشاء متحف صغير، وإن كان باسمها، لعرض قطع المجموعة، وتقديم ما هو مفيد وجميل وذو قيمة». وأضاف: «لا أريد أي مقابل، بل هدفي فقط المساعدة، فلو أن هيئة متاحف قطر تعطيني مثلاً درسا، هذا يكفيني، لا أريد وظيفة ولا أي شيء آخر، بل أريد أن أساعد غيري وأستفيد بنفسي من ناحية زيادة المعرفة وكسب المعلومات».
ولا يتوقف اهتمام الكعبي عند جمع القطع الأثرية، بل لديه مشاريع وأفكار ودراسات لتطوير المواقع السياحية والأثرية في قطر، وتعريف الناس عليها بشكل أكبر، خصوصاً أن قطر كما يقول «تتضمن الكثير من المواقع الأثرية ذات القيمة العالية جداً، فهناك دحول مهمة جداً، منها دحل بجوار محطة الأقمار الصناعية، كثيرون لم يتمكنوا من زيارته».
وهو يروي أنه عثر على «منطقة في الصحراء فيها قبور قديمة»، يتوقع «أن يكون فيها بقايا بيوت قديمة، إنما غير ظاهرة بوضوح، وفيها قطع فخار».. وبالتالي، فقد أراد الكعبي لفت النظر لكي تُمنَح هذه المناطق أقصى اهتمام، نظراً لقيمتها الأثرية وروعتها.
جريده العرب
http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=135226&issueNo=904&secId=26