مغروور قطر
12-03-2006, 05:00 AM
ماذا يجري في أسواق المال؟
عامر ذياب التميمي
باحث اقتصادي كويتي
“لا تزال الأسواق غير مكتملة النضوج حيث يعتقد المتعاملون فيها بأنها يجب ان تستمر في الصعود مهما كانت العوامل الاقتصادية والنقدية مؤثرة”
أصيب عدد من المتعاملين بالصدمة جراء انخفاض المؤشرات في الأسواق المالية في بلدان الخليج.. ولم يعد الانخفاض في أي من هذه الأسواق شأناً محلياً حيث تتجاوز اهتمامات المستثمرين والمضاربين السوق المحلي لتشمل عدداً آخر من الأسواق المالية في دول المنطقة.. وأثبتت الاكتتابات التي جرت خلال العام الماضي درجة التهافت العالية من أصحاب رؤوس الأموال وصغار المدخرين على الاكتتابات بما يعني الاهتمام الواسع من قبل قطاعات مجتمعية واسعة في بلدان الخليج لتوظيف أموالهم في أصول يعتقد المقدمون عليها بأنها ستؤدي الى تحقيق أرباح جيدة، أو تحسن في قيمتها بعد حين.
لكن ما يجري في الأسواق المالية منذ بداية العام من تراجع في المؤشرات السعرية وتراجع قيم التداول يشير الى ان هناك اختلالات مهمة في تلك الأسواق تتطلب معالجات من القيمين على إدارة الأسواق وكذلك من الإدارات الاقتصادية في بلدان الخليج.. واتضح من الارتفاعات والانخفاضات القياسية في عدد من الأسواق ان هناك غياباً تاماً للتنظيم المؤسسي الذي يمكن ان يحمي المستثمرين أو المتعاملين من المخاطر التي تؤدي الى تآكل رؤوس الأموال وتراجع ثقة المتعاملين في هذه الأسواق. وعلى الرغم من ان عدداً من الأسواق مثل سوق الكويت للأوراق المالية وسوق المال في السعودية أخذت إجراءات مناسبة للتحكم في الأداء إلا ان ضرورة اعتماد هياكل مؤسسية وتنظيمات موثوق بها، كما هو جار في الأسواق المالية التقليدية، تظل مسألة محورية من أجل تطوير الأسواق.
إن تراجع أداء الأسواق بات جلياً كما أن انخفاض المؤشر السعري في مختلف الأسواق الرئيسية مثل السعودية وقطر والكويت ودبي تجاوز أحياناً، وعلى مدى زمن لا يتعدى الأسابيع القليلة، نسبة العشرة في المائة. يضاف الى ذلك ان قيم التداول انخفضت عن معدلاتها المتعارف عليها في العام الماضي وبنسب تصل في الأسواق الى ما يزيد على الخمسين في المائة. هل هناك نقص في السيولة أو في الأنظمة النقدية في بلدان الخليج؟
تشير بيانات البنوك المركزية الى ان السيولة المتاحة لدى المصارف والمؤسسات المالية كبيرة وهي تبحث عن توظيفات واعدة، وعلى الرغم من تحسن أسعار الفوائد المصرفية خلال الشهور الماضية إلا ان عوائد الاستثمارات المالية في الأصول القابلة للتسييل مثل الأسهم لا تزال أفضل.. إذاً أين توجهت الأموال؟ يرى محللون ان جزءاً من السيولة تم استنفاده في عمليات الاكتتاب التي جرت خلال الشهور المنصرمة وأن الشركات المدرجة ذاتها أسهمت في سحب الأموال المتاحة للتداول بعدما اتخذت قرارات بزيادة رؤوس أموالها.. لكن هذه الظاهرة ليست سلبية فهي تعني ان هناك الكثير من رجال الأعمال أخذوا يطورون التشكيلات المؤسسية لأعمالهم من خلال الشركات المساهمة القابلة للإدراج في الأسواق المالية، كما ان زيادات رؤوس الأموال لا بد ان تكون مؤسسة على توسع في الأعمال، وهذه المسألة يجب ان يتم تدقيقها من قبل الجمعيات العمومية والسلطات الرقابية المختصة.
بيد أن أحوال التذمر بين المتعاملين لا بد ان تدفع نحو التراجع في الأداء حيث ان الملاحظات السلبية وعوامل عدم الرضى تنتشر مثل النار في الهشيم في أروقة الأسواق وتدفع نحو البيع الذي يؤثر في مستويات الأسعار.. ونظراً لغياب مؤسسات مالية نشطة تعمل على مواجهة متغيرات الأداء مثل الارتفاع والانخفاض، وهي مؤسسات يطلق عليها صنّاع السوق، فإن الأسواق تستمر في زخم باتجاه واحد حتى تصل الى مستويات مقاومة طبيعية أو تتدخل الحكومات بشكل أو بآخر. لا تزال الأسواق غير مكتملة النضوج حيث يعتقد المتعاملون فيها بأنها يجب أن تستمر في الصعود مهما كانت العوامل الاقتصادية والنقدية المؤثرة. ولذلك ترتفع درجة الذعر بينهم من أول تراجع مهما كانت درجته.
من جهة أخرى، هناك مشكلات في الشفافية والإفصاح تتطلب مراجعات من السلطات المختصة حيث يشار في البيانات المالية والنتائج الى ان الأرباح غير المتحققة تبلغ رقماً ثم يعاد التدقيق ويكتشف ان تلك غير المتحققة تبلغ رقماً أكبر.. ويعني هذا أن التدقيق الخارجي على البيانات يتطلب اهتماماً أكبر من إدارة الأسواق ولا بد من اختيار أفضل مكاتب تدقيق الحسابات لمراجعة البيانات والتأكد من أن هذه المكاتب تقوم بعملها بموجب الأنظمة المحاسبية الدولية والتحديثات التي أجريت عليها.. هناك أيضاً مشكلات في الإفصاح ونشر الأخبار عن أعمال الشركات وتلعب الصحافة دوراً قد لا يكون موضوعياً في تقديم تلك الأخبار والمعلومات من دون التأكد من صحتها، أو على الأقل دقتها.
لكن ما يجب التأكيد عليه ان العوامل الاقتصادية الأساسية في بلدان الخليج ما زالت جيدة وهي لا بد ان تسعف الأسواق وتزيد من قوتها وتحسّن من عمقها واستيعابها للمزيد من الشركات العاملة في مختلف الأنشطة.. وستظل هذه الأسواق المالية أفضل وعاء استثماري لزمن طويل على الرغم من الحاجة الى تحسين وسائل الرقابة والشفافية وأساليب التداول ومعايير زيادات رؤوس الأموال.
عامر ذياب التميمي
باحث اقتصادي كويتي
“لا تزال الأسواق غير مكتملة النضوج حيث يعتقد المتعاملون فيها بأنها يجب ان تستمر في الصعود مهما كانت العوامل الاقتصادية والنقدية مؤثرة”
أصيب عدد من المتعاملين بالصدمة جراء انخفاض المؤشرات في الأسواق المالية في بلدان الخليج.. ولم يعد الانخفاض في أي من هذه الأسواق شأناً محلياً حيث تتجاوز اهتمامات المستثمرين والمضاربين السوق المحلي لتشمل عدداً آخر من الأسواق المالية في دول المنطقة.. وأثبتت الاكتتابات التي جرت خلال العام الماضي درجة التهافت العالية من أصحاب رؤوس الأموال وصغار المدخرين على الاكتتابات بما يعني الاهتمام الواسع من قبل قطاعات مجتمعية واسعة في بلدان الخليج لتوظيف أموالهم في أصول يعتقد المقدمون عليها بأنها ستؤدي الى تحقيق أرباح جيدة، أو تحسن في قيمتها بعد حين.
لكن ما يجري في الأسواق المالية منذ بداية العام من تراجع في المؤشرات السعرية وتراجع قيم التداول يشير الى ان هناك اختلالات مهمة في تلك الأسواق تتطلب معالجات من القيمين على إدارة الأسواق وكذلك من الإدارات الاقتصادية في بلدان الخليج.. واتضح من الارتفاعات والانخفاضات القياسية في عدد من الأسواق ان هناك غياباً تاماً للتنظيم المؤسسي الذي يمكن ان يحمي المستثمرين أو المتعاملين من المخاطر التي تؤدي الى تآكل رؤوس الأموال وتراجع ثقة المتعاملين في هذه الأسواق. وعلى الرغم من ان عدداً من الأسواق مثل سوق الكويت للأوراق المالية وسوق المال في السعودية أخذت إجراءات مناسبة للتحكم في الأداء إلا ان ضرورة اعتماد هياكل مؤسسية وتنظيمات موثوق بها، كما هو جار في الأسواق المالية التقليدية، تظل مسألة محورية من أجل تطوير الأسواق.
إن تراجع أداء الأسواق بات جلياً كما أن انخفاض المؤشر السعري في مختلف الأسواق الرئيسية مثل السعودية وقطر والكويت ودبي تجاوز أحياناً، وعلى مدى زمن لا يتعدى الأسابيع القليلة، نسبة العشرة في المائة. يضاف الى ذلك ان قيم التداول انخفضت عن معدلاتها المتعارف عليها في العام الماضي وبنسب تصل في الأسواق الى ما يزيد على الخمسين في المائة. هل هناك نقص في السيولة أو في الأنظمة النقدية في بلدان الخليج؟
تشير بيانات البنوك المركزية الى ان السيولة المتاحة لدى المصارف والمؤسسات المالية كبيرة وهي تبحث عن توظيفات واعدة، وعلى الرغم من تحسن أسعار الفوائد المصرفية خلال الشهور الماضية إلا ان عوائد الاستثمارات المالية في الأصول القابلة للتسييل مثل الأسهم لا تزال أفضل.. إذاً أين توجهت الأموال؟ يرى محللون ان جزءاً من السيولة تم استنفاده في عمليات الاكتتاب التي جرت خلال الشهور المنصرمة وأن الشركات المدرجة ذاتها أسهمت في سحب الأموال المتاحة للتداول بعدما اتخذت قرارات بزيادة رؤوس أموالها.. لكن هذه الظاهرة ليست سلبية فهي تعني ان هناك الكثير من رجال الأعمال أخذوا يطورون التشكيلات المؤسسية لأعمالهم من خلال الشركات المساهمة القابلة للإدراج في الأسواق المالية، كما ان زيادات رؤوس الأموال لا بد ان تكون مؤسسة على توسع في الأعمال، وهذه المسألة يجب ان يتم تدقيقها من قبل الجمعيات العمومية والسلطات الرقابية المختصة.
بيد أن أحوال التذمر بين المتعاملين لا بد ان تدفع نحو التراجع في الأداء حيث ان الملاحظات السلبية وعوامل عدم الرضى تنتشر مثل النار في الهشيم في أروقة الأسواق وتدفع نحو البيع الذي يؤثر في مستويات الأسعار.. ونظراً لغياب مؤسسات مالية نشطة تعمل على مواجهة متغيرات الأداء مثل الارتفاع والانخفاض، وهي مؤسسات يطلق عليها صنّاع السوق، فإن الأسواق تستمر في زخم باتجاه واحد حتى تصل الى مستويات مقاومة طبيعية أو تتدخل الحكومات بشكل أو بآخر. لا تزال الأسواق غير مكتملة النضوج حيث يعتقد المتعاملون فيها بأنها يجب أن تستمر في الصعود مهما كانت العوامل الاقتصادية والنقدية المؤثرة. ولذلك ترتفع درجة الذعر بينهم من أول تراجع مهما كانت درجته.
من جهة أخرى، هناك مشكلات في الشفافية والإفصاح تتطلب مراجعات من السلطات المختصة حيث يشار في البيانات المالية والنتائج الى ان الأرباح غير المتحققة تبلغ رقماً ثم يعاد التدقيق ويكتشف ان تلك غير المتحققة تبلغ رقماً أكبر.. ويعني هذا أن التدقيق الخارجي على البيانات يتطلب اهتماماً أكبر من إدارة الأسواق ولا بد من اختيار أفضل مكاتب تدقيق الحسابات لمراجعة البيانات والتأكد من أن هذه المكاتب تقوم بعملها بموجب الأنظمة المحاسبية الدولية والتحديثات التي أجريت عليها.. هناك أيضاً مشكلات في الإفصاح ونشر الأخبار عن أعمال الشركات وتلعب الصحافة دوراً قد لا يكون موضوعياً في تقديم تلك الأخبار والمعلومات من دون التأكد من صحتها، أو على الأقل دقتها.
لكن ما يجب التأكيد عليه ان العوامل الاقتصادية الأساسية في بلدان الخليج ما زالت جيدة وهي لا بد ان تسعف الأسواق وتزيد من قوتها وتحسّن من عمقها واستيعابها للمزيد من الشركات العاملة في مختلف الأنشطة.. وستظل هذه الأسواق المالية أفضل وعاء استثماري لزمن طويل على الرغم من الحاجة الى تحسين وسائل الرقابة والشفافية وأساليب التداول ومعايير زيادات رؤوس الأموال.