المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل الأزمة مالية أم اقتصادية…؟!!



الوعب
15-06-2010, 07:44 AM
بواسطة د. جمال شحات بتاريخ 14 يونيو 2010

البعض يتسائل متى تنتهى الازمة المالية العالمية؟!! فيجيبه اخرون: لقد انتهت..!! فيعيد السائل سؤاله متعجبا كيف انتهت..؟!! ونحن كل يوم نسمع عما يحدث فى اليونان والبرتغال واسبانيا والمجر عن ازمات متتالية ومشاكل متعددة…!! كيف انتهت؟ أو حتى اوشكت على الانتهاء وكل يوم نسأل كما يسأل غيرنا الم تنتهى الازمة ونبدأ مرحلة التعافى..؟!!

والناس حائرون ويطلبون من رجال الاقتصاد وعلماء المالية والاستثمار ان يدلوهم على الصحيح بدلا من الحيرة والتوهان..!!! ثم نجد البعض يقول ان هناك أزمة اقتصادية خانقة تؤثر على دول منطقة اليورو بل اوربا بأسرها… بل الادهى والامر اننا نتأثر تأثرا بالغا من جراء هذه الازمة الاقتصادية الخانقة…!!

وهاهى اسواقنا المالية فى دبى والسعودية ومصر تتعرض لذبذبات حادة ولانخفاضات غريبة دون ان نعرف ما السبب…!! فيخرج علينا المحللون بأن السبب هو الازمة الاقتصادية الخانقة التى تتعرض لها بلدان اوربا وامريكا واسواقها…!! فيصيح العامة الم تقولوا لنا بأنتهائها وان بوادر الانتعاش بدأت وعلامات التعافى قد ظهرت…!!

لقد رأينا أكبر وأعرق المؤسسات المالية الدولية في أمريكا وأوروبا تتعرض للهبوط والانهيار… فكيف حدث ذلك؟ ولماذا هي “أزمة مالية” أكثر منها “أزمة اقتصادية”؟ فهي أزمة في القطاع المالي ولكنها تهدد بإغراق الاقتصاد بأكمله. فكيف ولماذا؟ والجواب لقد بدأت الازمة مالية… واصبحت اقتصادية … ولا اقول انتهت اقتصادية..!! لانها لم تنتهى الى الان…!!

ونظراً لأنني أعتقد أن أهم أسباب عدم الفهم او اللبس ترجع عادة إلي غموض “البديهيات” والمبادئ الأولية لعلم الاقتصاد، فلذلك فلا أجد غضاضة في أن القى الضوء على بعض هذه المبادئ الأولية.

تتطلب البداية أن نفهم أن هناك تفرقة أساسية بين ما يمكن أن نطلق عليه “الاقتصاد العيني أو الحقيقي” وبين “الاقتصاد المالي”. فأما الاقتصاد العيني “وهو ما يتعلق بالأصول العينية Real Assets فهو يتناول كل الموارد الحقيقية التي تشبع الحاجات بطريق مباشر (السلع الاستهلاكية) أو بطريق غير مباشر (السلع الاستثمارية).

“فالأصول العينية” هي الأراضي وهي المصانع، وهي الطرق، ومحطات الكهرباء، وهي أيضاً القوي البشرية. وبعبارة أخري هي مجموع السلع الاستهلاكية التي تشبع حاجات الإنسان مباشرة من مأكل وملبس وترفيه ومواصلات وتعليم وخدمات صحية. ولكنها أيضاً تتضمن الأصول التي تنتج هذه السلع (الاستثمارية) من مصانع وأراض زراعية ومراكز للبحوث والتطوير.. إلخ. وهكذا فالاقتصاد العيني أو الأصول العينية هو الثروة الحقيقية التي يتوقف عليها بقاء البشرية وتقدمها.

وإذا كان الاقتصاد العيني هو الأساس في حياة البشر وسبيل تقدمهم، فقد اكتشفت البشرية منذ وقت مبكر أن هذا الاقتصاد العيني وحده لا يكفي بل لابد أن يزود بأدوات مالية تسهل عمليات التبادل من ناحية، والعمل المشترك من أجل المستقبل من ناحية أخري.

وهكذا بدأ ظهور مفهوم جديد اسمه “الأصول المالية” Financial assets، باعتبارها حقاً علي الثروة العينية. وأصبح التعامل يتم علي “الأصول المالية” باعتبارها ممثلاً للأصول العينية.

فالبائع ينقل إلي المشتري حق الملكية، والمشتري تنقل إليه الملكية العينية من المالك القديم بمجرد التعامل في سند الملكية. وأصبح التعامل الذي يتم علي هذه الأصول المالية (سندات الملكية) كافيا لكي تنتقل ملكية الأصول العينية (الأرض) من مالك قديم إلي مالك جديد.

ولم يتوقف الأمر علي ظهور أصول مالية بالملكية، بل اكتشفت البشرية أن التبادل عن طريق “المقايضة” ومبادلة سلعة عينية بسلعة عينية أخري أمر معقد ومكلف، ومن ثم ظهرت فكرة “النقود” التي هي أصل مالي، بمعني أنها بمثابة “حق” ليس علي أصل بعينه (أرض معينة أو سلعة معينة) وإنما هي حق علي الاقتصاد العيني كله. فمن يملك نقوداً يستطع أن يبادلها بأي سلعة معروضة في الاقتصاد.

أي أن “النقود” أصبحت أصلا ماليا يعطي صاحبه الحق في الحصول علي ما يشاء من الاقتصاد، أي من السلع والخدمات المعروضة في الاقتصاد. والنقود في ذاتها ليست سلعة، فهي لا تشبع الحاجات، فهي لا تؤكل، ولا تشبع حاجة الملبس أو المسكن أو غير ذلك من متاع الحياة، فقط الاقتصاد العيني من سلع وخدمات يسمح بذلك.

ولكن النقود باعتبارها حقاً علي الاقتصاد العيني تسمح بإشباع الحاجات الحقيقية بمبادلتها مع الأصول العينية (السلع)، أي أن “النقود” هي أصل مالي أو حق علي الأصول العينية، فهي ممثل عن الاقتصاد العيني، ولكن وجودها والتعامل بها يساعد علي سهولة التبادل والمعاملات في السلع العينية.

فمن ناحية ظهرت البورصات التي تتداول فيها هذه الأصول المالية مما أعطي المتعاملين درجة من “الثقة” في سلامة هذه الأصول المالية، ومن ناحية أخري فإن المؤسسات المالية الوسيطة (البنوك بوجه خاص) حين تمول الأفراد فإنها تحل، في الواقع، مديونية هذه البنوك التي تتمتع بثقة كبيرة لدي الجمهور محل مديونية عملائها.

فالعميل يتقدم للبنك للحصول علي تسهيل أو قرض، ومديونية هذا العميل للبنك تستند إلي ملاءة هذا العميل والثقة فيه، ولكن ما إن يحصل العميل علي تسهيل البنك فإنه يتصرف في هذا التسهيل كما لو كان نقوداً لأن البنوك تتمتع بثقة عامة في الاقتصاد. وهكذا فإن البنوك تحول المديونيات الخاصة للعملاء إلي مديونيات عامة تتمتع بثقة كبيرة لدي الجمهور فيقبل عليها المتعاملون لأنهم يثقون في هذه البنوك.

وهكذا اصبح التعامل فى الاصول المالية دوراً هائلاً في زيادة حجم الأصول المالية المتداولة وزيادة الثقة فيها. ومن هنا بدأت بوادر أو بذور الأزمات المالية وهي بدء انقطاع الصلة بين الاقتصاد المالي والاقتصاد العيني.

فالتوسع المالي بإصدار أنواع متعددة من الأصول المالية المتنوعة بشكل مستقل عن الاقتصاد العيني وأصبحت للأسواق المالية حياتها الخاصة بعيداً عما يحدث في الاقتصاد العيني.

ومن هنا ظهرت الازمة المالية وتداعياتها وقد نجمت بالدرجة الاولى عن التوسع الكبير والرهيب عما حدث فى الاقتصاد العينى…!! هكذا كانت الازمة مالية وتداعياتها على القطاع المالى بالدرجة الاولى ثم تحولت الى ازمة اقتصادية نظرا لمشاكل الديون السيادية لعددمن دول منطقة اليورو وبعض دول اوربا… ومن ثم للضغوط على بعض القطاعات الاقتصادية وضغوط على العملة الموحدة ( اليورو )…!! وتتوالى الاحداث وتتابع الازمات والبعض يفسرها على انها مرحلة ثانية من مراحل الازمة..!! والبعض يقول انها الازمة الاقتصادية التى تلت الازمة المالية..!!

ولكن معظمنا حائرون هل هى مرحلة ثانية من الازمة..؟!!
ام هى تداعيات ازمة وتوابعها مثل توابع الزلزال…؟!!