المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عقيدة الولاء والبراء



عبد الرحيم11
27-06-2010, 08:12 PM
هذه خطبة في تقرير عقيدة الولاء والبراء، والرد على بعض الشبه


الحمد لله حمد الشاكرين وأثني عليه ثناء الذّاكرين، لا أحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، له الفضل وله النعمة وله الثناء الحسن، أحمدهُ تبارك وتعالى على كل نعمة أنعم بها علينا في قديم أو حديث، أو سر أو علانية، أو خاصة أو عامة، أحمده تبارك وتعالى حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا عباد الله اتقوا الله تعالى، فإن تقوى الله جلّ وعلا خيرُ زاد ليوم المعاد، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب﴾.

عبادالله! إن الولاء والبراء أصل عظيم من أصول الإسلام، وعقيدة راسخة في قلوب أهل الإيمان، فلا يصح إيمان مسلم حتى يكون ولاؤه ومحبته ونصرته لله ولرسوله وللمؤمنين، وبراؤه وبغضه وعداؤه لأعداء الله الكافرين، كما قال تعالى: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ).

فالمؤمن عبادالله يحب الله جل وعلا محبة عظيمة فوق كل محبة، فوق محبة النفس والمال والأهل والولد، كما قال سبحانه: ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ)، وكما قال صلى الله عليه وسلم: ( أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)وقال سبحانه : ( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).

ومن عظيم محبة المؤمن لربه جل وعلا: أنه يحب من يحبه الله، ويبغض من يبغضه الله، فمحبته لله، وبغضه لله، وعطاؤه لله، ومنعه لله، قال عليه الصلاة والسلام: (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله) وقال صلى الله عليه وسلم: ( من أعطى لله ومنع لله وأحب لله وأبغض لله وأنكح لله فقد استكمل إيمانه) وقال سبحانه: ( وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ).

عبادالله! ولما كان ولاء المسلمين ومحبتهم ونصرتهم وبراؤهم وبغضهم وعداوتهم كلها لله، أحبوا أولياء الله تعالى من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام وسائر عبادالله الصالحين، أحبوهم محبة كاملة، ونصروهم نصرة تامة، وعادوا أعداء الله تعالى من الكافرين والمشركين معاداة تامة، وأبغضوهم بغضا لامحبة فيه، وتبرؤوا منهم ومما يعبدون، وجمعوا بين الحب والبغض للمسلمين العصاة، الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، فأحبوهم في الله بقدر طاعتهم لله سبحانه، وأبغضوهم في الله بقدر معصيتهم لله تعالى.

عبادالله! وعلى هذا النهج سار الأنبياء والمرسلون عليهم الصلاة والسلام، وعلى رأسهم الخليلان إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، فأعلنوا براءتهم من أقوامهم ومما يعبدون من دون الله، وأعلنوا العداوة والبغضاء بينهم وبين أقوامهم حتى يؤمنوا بالله وحده، فإن آمنوا بالله ووحدوه كانوا من أوليائهم، وإن كفروا بالله ولم يوحدوه كانوا من أعدائهم، وقد أمرنا الله عز وجل بالائتساء بهم والسير على منهاجهم، وذلك بالبراءة من الكافرين وكفرهم، قال الله تعالى عن إبراهيم عليه الصلاة و السلام: ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) بل تبرأ إبراهيم عليه السلام من أبيه أقرب الناس إليه لأنه كفر بالله ولم يؤمن به قال الله تعالى: ( فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ).

فهذا إبراهيم عليه السلام، وأما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد أنزل الله تعالى عليه قوله: ( وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله) بل نهى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لعمه أبي طالب وقد نصره وآواه، نهاه لأنه كفر بالله ولم يؤمن به، قال جل وعلا: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)، وبين سبحانه أنه لايجتمع في قلب العبد الإيمان بالله ومحبة أعداء الله، فمن آمن بالله أبغض كل كافر عدولله، ومن أحب أعداء الله لم يحقق الإيمان بالله وحده، قال تعالى: ( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وكل كافر فهو محاد لله تعالى، وأي محادة أعظم من الشرك بالله تعالى، والكفر به، ونسبة الولد له سبحانه وتعالى، والكفر بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم؟!.

عبادالله! كيف يحب المؤمن من كفر بالله تعالى وأشرك معه غيره، ونسب إليه الصاحبة والولد، ولم يؤمن برسالة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، وحرف كتب الله؟!

أم كيف يليق بمؤمن أن يتخذهم أولياء والله تعالى يقول: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)؟!

أم كيف يليق بالمؤمن أن يتخذهم أصحابا وأخدانا والله تعالى يقول: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ . هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) ويقول تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)؟!

وحذرنا أعظم تحذير من موالاتهم، وبين خطورة ذلك وضرره على المؤمنين، وأنه سبب للفساد العظيم، فقال تعالى: ( وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) أي أن الكافرين متوالون متعاضدون متناصرون، فإن لم يتوال المؤمنون ويتناصروا ويتبرؤوا من الكافرين حصل شر عظيم من اختلاط الحق بالباطل، والمؤمن بالكافر، وإذلال المؤمنين وتعظييم الكافرين، وانتشار الفساد والرذيلة بين المسلمين، وضياع كثير من العبادات كالجهاد والهجرة، ولا أدل على ذلك من واقع المسلمين في هذه الأيام .

عبادالله! وليست البراءة من الكفر دون من كفر بالله، ولا من الشرك دون من أشرك بالله، بل البراءة تكون من الكفر وأهله، وتأملوا قول الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام حين قال لقومه: ( إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) فتبرأ منهم ومن معبوداتهم، وقدم البراءة منهم على البراءة من معبوداتهم.

وقال سبحانه: (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله) فتبرأ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من المشركين أنفسهم، وكان عليه الصلاة والسلام يبايع أصحابه على أن يتبرؤوا من المشركين وينصحوا للمسلمين، وهذا هو مقتضى العدل أن يؤاخذ الإنسان بعمله ويعاقب على جريرته، كما قال تعالى: (فمن يعلم مثقال ذرة حيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)، وهل يوجد عباد الله كفر بلا كافر أو شرك بلا مشرك، حتى يبغض الكفر دون الكافرين والشرك دون المشركين؟! وهل هذا إلا جحد للعقول وفصل للصفة عن الموصوف؟! فكما أن المؤمن يحَب في الله لإيمانه ولا يحب الإيمان دون المؤمن، فكذلك الكافر يبغض لكفرانه ولايبغض الكفر دون الكافر، قال عليه الصلاة والسلام:(وأن يحب الرجل لايحبه إلا لله).


أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور
الرحيم.




الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فاتقوا الله عبادالله حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.
عباد الله! إن من مقتضيات هذا الأصل العظيم قطع الأخوة بين المؤمنين والكافرين، قال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة)، فلا أخوة إلا الأخوةَ في الدين بين المؤمنين، و أخوةَ النسب بين الأقربين، قال تعالى: (وإلى عاد أخاهم هودا) فسماه أخا لهم لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يبعثون من أقوامهم.
فما ثم إلا أخوة دينية تقتضي المحبة والنصرة والموالاة، وأخوة نَسَبِيّةٌ تقتضي الصلة والإحسان لذي القربى، وأما ما يدعى زورا وبهتانا من الأخوة الإنسانية، فهي ماسونية خبيثة، أخوة بين المسلم والكافر، أخوة بين من آمن بالله وحده وبين من كفر بالله وأشرك به سواه، أخوة بين البر والفاجر، أخوة بين أصحاب الجنة وأصحاب الجحيم، أخوة بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، فهذه أخوة باطلة مبتدعة ليس عليها أثرة من كتاب ولاسنة ولا فِعْلِ لأحد من سلف الأمة .

عباد الله! إن المحبة التي يحرم صرفها للكافرين ويجب إخلاصها للمؤمنين، هي المحبة الدينية، محبة لأجل دينيهم وعقيدتهم، فهذه هي المحبة المحرمة، وأما المحبة الطبيعية لقرابة أو زواج أو معاملة، أو لما يقدمه الكافر من علم أو نفع للناس، مع بغض دينه، فهذه هي المحبة المباحة المعفو عنها، كمحبة الرجل أباه الكافر وزوجته الكتابية، فليست إباحة نكاح الكتابية إباحة لمحبتها المحبة الدينية، بل إباحة لمحبتها المحبة الطبيعية الجبلية مع بغضها لدينها.

عباد الله! وقد وردت آيات في القرآن الكريم فيها الثناء على أهل الكتاب، فحيثما ورد مدح لأهل الكتاب فهو إما مدح وثناء لمن آمن بنبيه قبل بعثة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وإما مدح وثناء لمن أدرك بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام وآمن به، ومن ذلك قوله تعالى: (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى) فقد قال قتادة رحمه الله: هي في قوم من النصارى كانوا متمسكين بشريعة عيسى، فلما جاء محمد عليه السلام أسلموا، كما يدل على ذلك سياق الآية: (وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ . وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ . فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ) وأما الكافرون منهم فقد قال تعالى فيهم: ( وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ )، ولوقيل أنها في النصارى عامة فهي بيان لمودة هؤلاء للمسلمين، وليس فيها إذن للمسلمين بمحبتهم وموالاتهم، بل تحريض على دعوتهم والحرص على هدايتهم.

عباد الله! وإن مما يؤسف له أن يرد بعض المسلمين النصوص الشرعية المحكمة، والآيات القرآنية المنزلة، لشبه عقلية وأوهام فكرية ليس لها في ميزان الشريعة أي اعتبار، ومن ذلك ما يردده البعض من أن الكفار غير الحربيين لا نعاديهم ولانبغضهم لأنهم لا ذنب لهم، وأي ذنب أعظم من الكفر بالله تعالى؟ وهل ولاء المسلم وبراؤه يكون لحق نفسه ولا يكون لحق ربه جل وعلا؟ أيبغض الرجل من مسه بسوء أو انتقص حقه أوظلمه أو تعدى عليه ولايبغض من سب ربه وتنقصه؟ وهل أعلن إبراهيم عليه السلام عداوته لقومه إلا لكفرهم بالله (وبدا بيننا وبينكم العدواة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده) (فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) وكل كافر عدو لله، قال سبحانه: ( فإن الله عدو للكافرين).

عباد الله! إن الإسلام يدعو إلى المحبة، محبة أولياء الله تعالى وبغض أعداء الله تعالى، يدعو إلى المحبة بالدعوة إلى سببها الأعظم وهو الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأما من كفر وأبى واستكبر فليس له إلا البغض في الله، لأنه الجاني على نفسه المخالف لفطرته، فلا يلام من أبغضه ودعا إلى بغضه، وهل يلام من يبغض المجرم لإجرامه والسارق لسرقته والقاتل لقتله والكافر لكفره؟.

عباد الله! إن هذا الأصل الأصيل غلا فيه أقوام وجفا عنه آخرون، غلا فيه قوم حتى حرموا التعامل مع الكفار في البيع والشراء وغيرها من المعاملات المباحة، وهذا مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقدكان عليه الصلاة والسلام يبيع ويشتري من الكفار ويحسن إليهم رجاء إسلامهم وهدايتهم، وأجرى معهم العقود والمواثيق، بل مع بغضه لهم عاملهم بالقسط والعدل، ممتثلا قول الله جل وعلا: (ولايجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)، وكما قال عبدالله بن رواحة رضي الله عنه ليهود خيبر حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ليخرص نخلهم، فخرصها ثم قال: ( يا معشر اليهود أنتم أبغض الخلق إليَّ، قتلتم أنبياء الله عز وجل وكذبتم على الله، وليس يحملني بغضي إياكم على أن أحيف عليكم، قد خرصت عشرين ألف وسْق من تمر، فإن شئتم فلكم وإن أبيتم فلي، فقالوا : بهذا قامت السماوات والأرض، قد أخذنا فاخرجوا عنا)، وقد بلغ الغلو بالبعض إلى التعدي عليهم وظلمهم وقتل المعاهدين والمستأمِنين منهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( ألا من ظلم معاهدا، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس؛ فأنا حجيجه يوم القيامة)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين خريفا).

وقوم آخرون ياعباد الله جفوا عن هذا الأصل العظيم، فظنوا أن أمرَ الله سبحانه بالعدل معهم والبر والإحسان إليهم رجاءَ إسلامهم دعوةٌ إلى محبتهم وأخوتهم، فتعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، كيف يدعو سبحانه إلى محبة من كفر به وأشرك معه غيره؟! أم كيف يدعو إلى محبتهم وقدكفرهم في كتابه ولعنهم وغضب عليهم وتوعدهم بالخلود في نار جهنم؟! (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة)، (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم)، (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ)، (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا. خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لاَّ يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا)، ودين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، وذلك ببغضهم والبراءة منهم ومعاداتهم، مع العدل معهم والإحسان إليهم والبر بهم، رجاء إسلامهم، فكل ما يكون سببا لتأليف قلوبهم وترغيبهم في دين الله الحق، دين الإسلام، فقد أمرت به الشريعة، وكل ما يدعو إلى محبتهم المحبة الدينية الشرعية وموالاتِهم وتعظيمهم وتعظيم دينهم، فقد منعت منه الشريعة، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين واحم حوزة الدين يا رب العالمين، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم اغفرللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر لله أكبر، والله أعلم ما تصنعون.

المصدر: موقع المحجة:
http://www.mahaja.com/showthread.php?10876

Radnes
30-06-2010, 10:23 AM
بارك الله فيك

arcon
30-06-2010, 01:36 PM
بارك الله فيك

وبارك الله فيك

b.a.a
01-07-2010, 12:00 PM
جزاك الله كل خير