المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مصيبة الأمة تتمثل في أصحاب القلوب المريضة...بقلم ط.م.س-الكويت-<<عقلية: سحابة مارة!!>>



عابر سبيل
30-06-2010, 02:13 PM
"

30-6-2010 د.طارق محمد السويدان:

مصيبة الأمة تتمثل في أصحاب القلوب المريضة


كلما جلست لأكتب مقالا تهجم الأفكار علي تباعا، وترميني الأحداث والمواقف المتلاحقة بسهامها لتثبت لها موضع قدم في المقال، وأنا بطبعي لاأحب التشتت في الأفكار ولا الاستطراد الذي قد يضيع القارئ أو المستمع، أحب أن أركز في موضوع واحد وأشمله بالكلام وأقدمه بشكل قد يوفيه أقل حقوقه، لكن يجد المرء نفسه أحيانا مضطرا لأن يخرج عن هذا الأسلوب، وأن يقدم أكثر من رأي لأكثر من موضع في مقال واحد لكنها تخرج جميعا من مشكاة واحدة.

ما أفره حمارنا !

زعموا أن أرنبا كانت تملك حمارا تركبه وتستخدمه، فسألتها أرنب أخرى أن تردفها خلفها، فلما اندفع بهما الحمار أحست بالراحة فقالت لصاحبته: ياأختي ماأفره حمارك! ثم سكتت مدة وأعجبها الحمار فقالت: ياأختي ماأفره حمارنا !

وكنا نحن العرب وأهل الشرق من الضعف والغفلة بحيث لم نرتق بتفكيرنا وبعد النظر فيه ومزجه بالحكمة والحذر كما فعلت الأرنب صاحبة الحمار، فإنها سرعان مادفعت صاحبتها وقالت: انزلي - ويلك - قبل أن تقولي: ما أفره حماري.

زاحمنا اليهود في فلسطين فانهزمنا ونمنا على الهزيمة، ثم أصبحنا نطالبهم بالخروج في لين من القول، وهل يفهم المحتل الا لغة القوة التي جاء محتميا بها؟

والحق أعزل لايروع فإن بدا

متسلحا لاقى العداة فروّعا

وبعدها أصبحنا نطالبهم بالأراضي المحتلة عام 1967 ثم بتنا نرضى بأي أمتار يمنون بها علينا، ثم أصبح غاية مطلبنا منهم أن يسمحوا لنا بالطعام والشراب وممارسة الحياة الضرورية، والآن هناك من يدعوا الأوروبيين لمراقبة البضائع التي تتوجه الى غزة وكأنها أرضهم يمنون علينا بالعيش فيها!

حينما تتنازل عن مطلبك شيئا فشيئا فانك لابد ستخسر كل شيء، لأن الطرف الآخر سيطمع بالمزيد،

هذه قاعدة ادارية وتاريخية وكونية ودينية، ننساها دائما وقت الغفلة والضعف ولانجد أنفسنا الا في أسف على عروض سابقة أو فرص ضائعة أو أحداث أصبحت شبيهة بالأحلام.

*
*
،،
سحابة مارة

عن عبد الله بن عباس أنه قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعا حدثنا عن ساعة العسرة (أي غزوة تبوك) فقال: خرجنا الى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلا، أصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى أن الرجل لينحر بعيره فيعتصر فرثه (أي ما في الكرش من الثفل) فيشربه، ثم يجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله ان الله عودك في الدعاء خيرا، فادع لنا، فقال أو تحب ذلك؟ قال نعم، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه الى السماء فلم يرجعها حتى قالت السماء (أي أمطرت) فأطلت ثم سكبت فملؤوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر، قال ابن اسحق : وكان بالجيش رجل منافق فقالوا: ويحك هل بعد هذا من شيء ؟ (أي ألا تكفيك هذه المعجزة ليدخل الايمان قلبك؟) فقال المنافق: سحابة مارة.

بعض أرباب الهوى الغربي وأصحاب القلوب المريضة والأقلام المتخاذلة مايزال يصر على أن قوافل الخير وأساطيل الحرية وشجاعة المبادرين كانت محاولة فاشلة ولعبة خاسرة، مع أننا رأينا نجاحها الاعلامي والنفسي، وبدأنا نلمس نتائجها في التخفيف على اخواننا من أهل غزة المحاصرين الصامدين وفتح بعض المعابر حتى وان كان بشكل ضيق أو محدود، لكن يكفي أنها حركت الأمور الى الأمام وفتحت آمالا كادت أن تموت، مع كل هذا يكابر أولئك ويقولون: سحابة مارة، ومصيبة هذه الأمة أنها ابتليت بأعداء من داخلها كما ابتليت بأعداء من خارجها على السواء.

من أعجب العجاب

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الرائع (الفوائد): من أعجب الأشياء أن تعرفه ثم لاتحبه، وأن تسمع داعيه ثم تتأخر عنه بالاجابة، وأن تعرف مقدار الربح في معاملته ثم تعامل غيره، وأن تعرف مقدار الخسارة في غضبه ثم تتعرض له، وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنس بطاعته، وأن تذوق عصرة القلب عند الحديث عن غيره ثم لاتطلب انشراح الصدر بذكره ومناجاته، وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره ثم لا تطلب النعيم بالاقبال عليه والانابة اليه.

وأعجب من هذا كله، علمك أنك لابد لك منه، وأنك أحوج شيء اليه، ثم أنت عنه معرض، وفيما يبعدك عنه راغب! انتهى كلامه رحمه الله.

كلام رائع يثير في النفس محطات عدة في الحياة، فانه حقا من العجيب أننا حينما نقبل على الله نشعر بلذة لاتدانيها لذة، وحينما نخشع بين يديه ننسى الدنيا بكل مافيها من متعة وجمال، وكذلك حينما نعصيه نحس بتشتت القلب وسواد الوجه والحياء من الناس ومن الله ومن النفس، لكننا ننسى مشاعر لذة القرب منه ونتناسى ألم البعد عنه ونرغب دائما بكل ماينهانا عنه ولا نكاد نناجيه الا حينما تصيبنا مصيبة أو يلم بنا ما لا نجد له دافعا في مقدرتنا.

لكن الله يدعوك كما في الحديث القدسي الصحيح (أنا عند ظن عبدي بي، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وان ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه، وان تقرب الي شبرا تقربت اليه ذراعا، وان تقرب الي ذراعا تقربت اليه باعا، وان أتاني يمشي أتيته هرولة).

اليوم - وفي كل يوم تصيبنا مصيبة أو نشعر أننا بحاجة الى قوة سماوية تلهمنا الايمان والصبر والأمل - ليس لنا الا أن نعود الى نعيم القرب منه سبحانه، ونستثمر خسارة تعلق القلب بغيره والأمل بسواه وعصرة القلب حينما نعصيه فنجعل هذه المشاعر السلبية ايجابية بتوجهنا له وذلنا بين يديه.

يقول يحيى بن معاذ: اذا جمع الله على العبد قلبه بالدعاء - أي ألهمه الصدق في الدعاء - لم يرده أبدا.

التخدير بالدين

منذ أيام كتب أحد الكتاب المعروفين في الكويت يدعي أن المشايخ والعلماء مهمتهم الأولى والكبيرة أن يخدروا الشعوب بالدين وينسوهم همَّ يومهم ويلهوهم أن يطالبوا بحقهم في حياة كريمة أو أن يتدخلوا بأمور السياسة،، ولا أدري ان كان الكاتب قد استنبط هذه الفكرة من الواقع أو أنه وجد هذه المهمة مسجلة ضمن ميثاق المعاهد الدينية التي تخرج هؤلاء العلماء!! وأنا بطبعي منفتح على أي رأي، وأقرأ ما أقرأ متنبها ومستفيدا قبل أن أقرأ ناقدا ومخالفا لكنني لاشك أقرأ قراءة الواعي المنتبه والمتلقي الذي يزين كل ما يقرأه بالعقل والمبادئ والدين.

المشكلة أن بعض العلمانيين تجاوزوا في انكارهم لمبادئ الدين وأخلاقه وروحانياته كل منطق وكل عقل، كل عاقل يعلم أن من يتجاوز حد الشجاعة يسمى متهورا، وأن كل من يتعدى حدود الكرم والانفاق يسمى سفيها، وكذلك كل من يغالي في مادية الأمور وانكار الروحانية في حياة الناس يكون قد جاوز العلم والعقل الى درجة أننا نشك أن الله قد ران على قلبه وجعل على بصره غشاوة، فهل يعقل أن من يحاول تقوية علاقة الناس بربهم وتقبلهم لكل ما يأتيهم منه ورضاهم بقضائه وقدره يحاول أن يخدرهم وأن يلهيهم عن مطالب الحياة الحقيقية؟

الكل يعلم أننا نطالب بنهضة حقيقية يكون قوامها العلم والمنطق، وندعو لهجر كل خرافة ووهم لايقره عقل أو منطق أو دين، وأننا نحث الناس على العلم قبل أن نحثهم على أي شيء آخر، لكننا في غمار هذا كله لايمكن أن نتجاهل دور الروح في بناء الأمل واستعادة العلاقة مع الله عز وجل وبث روح الايجابية بين الناس، فهل هذا تخدير أم تكامل لدور النهضة الحقيقية بناء على مبادئ الدين؟!

*
*
،،

اني خلقني ربي لا أشكو شيئا

تورد بعض كتب الأدب أن ذا الرقيبة مالك بن سلمة الخير أسر حاجب بن زرارة في بعض حروبه وكان حاجب مشهورا بالحلم والجاه بين قومه، فلما رجع ذو الرقيبة الى رحله وجد الأغلال قد أثرت في ذراع حاجب، فقال له: يا أبا عكرشة، لو كنت أخبرتنا بما بلغ منك الحديد كنا وسعنا عليك، قال حاجب: اني خلقني ربي لا أشكو شيئا!

لا أدري لماذا تذكرت أهل غزة حينما قرأت هذه الحادثة، ولعلهم أثبتوا ماذكره بنو اسرائيل من قبل لنبي الله موسى (إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها).

"
http://www.al-watan.com/data/20100630/innercontent.asp?val=writer/tareq1_1

مطيع الله
30-06-2010, 02:53 PM
قراءة هذا المقال، تشرح الصدر،

جزى الله الدكتور السويدان، وإياك خيراً كثيرا.

شكراً يا عابر.

عابر سبيل
30-06-2010, 03:04 PM
قراءة هذا المقال، تشرح الصدر،

جزى الله الدكتور السويدان، وإياك خيراً كثيرا.

شكراً يا عابر.


و اسأل الله لك بمثل ما دعوت..
و ان..يرزقنا معك..سعة و انشراح الصدر..

*
*
،،
لو ما تمعن (مثلك) يا خوي مطيع الله
من نحبهم و نتمنى منهم الخير..
لاستفادوا و ارتاحوا واراحوا!


و بعض من الناس..ايضا..قد يجد فيه
ان اسلوب الهدوء و المجابهة بالحجج..
بدون قذف او كلام لاذع..
هو ..باب محمود و يفيد في مجابهة
بعض من امعن في طغيانه و تشدد
في نفي كل حق يراه بام عينه!

اما..من يرى (المطر) يأتي
بعد الدعاء..
و القمر..ينشق في ليلة ظلماء..

ثم يقولا..
سحابة مارة..
او انهم يقولون بلسان حالهم

"
وَإِن يَرَوْا آيَةً

يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ
"

فما لنا عليهم سلطان...

و نحن..معك..
سندعوا ان يحفظنا الله
بإطاعته..
و يبعدنا عما ابتُلوا به!

الأصيلة
30-06-2010, 03:19 PM
مقال رائع
بروعة مضمونه والهدف من كتابته وبراعة كاتبه الفريد المميز...
استمتعت كثيرا بالتنقل بين بساتينه وقطفت لـ عقلي من زهوره ما شاء لي وقتي...

شكرا لك كثيرا يا عابر سبيل...

عابر سبيل
01-07-2010, 12:20 PM
مقال رائع
بروعة مضمونه والهدف من كتابته وبراعة كاتبه الفريد المميز...
استمتعت كثيرا بالتنقل بين بساتينه وقطفت لـ عقلي من زهوره ما شاء لي وقتي...

شكرا لك كثيرا يا عابر سبيل...


العفو يالاصيله..
و عسا الله ينفع به..
قرّائَه..و كاتبه..
و نحن ايضا معكم..
كناقلين له!

*
*
،،
عجبتني كلمة (بساتين)
لانه الدكتور..حتى و هو كما يبدوا
كان منزعجا او غاضبا..شيئا ما..
كتب كلاما ممتعا و مفيدا!

ضوى
01-07-2010, 12:26 PM
ماشاء الله عليه هالسويدان حكيم وحكمته قلما من يفهمها

استمتعت جدا بقراءة هذا المقال الجميل جدا للمبدع دكتور طارق ،

لك كل الشكر والتقدير اخوي عابر على هذا الموضوع المميز بحق

الامانه
01-07-2010, 12:37 PM
جزاك الله خير ما نقلت
في ميزان حسناتك ان شاء الله
نقل ولا اروع منه

مستوى الدعم
02-07-2010, 02:37 AM
السلام عليكم أخي عابر سبيل

لقد أغراني اسلوب الدكتور طارق السويدان لأحاكيه،

حيث أن مقالته أثارت تداعيات لدي شابهت لعبة الدومينو

فقد تذكرت أولاً عدداً من الآيات الكريمة عندما قرأت عنوان المقال:

يقول الله تعالى: ﴿.. إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقومٍ سوءً فلا مرد له ومالهم من دونه من والٍ ﴾ [ الرعد:11]

وقال تعالى : (وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً) [ الجن:16]

وقال تعالى‏:‏‏ (‏ذلك بأن الله لم يك مغيرًا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم‏) ‏[الأنفال‏:‏ ‏53‏]


وعند بحثي عن في الانترنت للتأكد من سلامة نقلي للآيات ..أعجبني تعليق لابن الجوزي في كتابه صيد الخاطر قال فيه:

من أحب تصفية الأحوال ، فليجتهد في تصفية الأعمال


كما تذكرت قصة من الأثر عن لقمان الحكيم ....

حيث يُحكى أن سيّده قال له يوما : اذبح لي شاة، فذبح له شاة،،
فقال: إئتني بأطيب مضغتين فيها ،، فأتاه باللسان والقلب،
فقال له: اما كان فيها شيء اطيب من هذين؟
قال: لا ، قال: فسكت عنه ما سكت، ثم قال له: اذبح لي شاة، فذبح له شاة ،
فقال له: وألق اخبثها مضغتين،، فرمى باللسان والقلب،
فقال: امرتك ان تاتيني بأطيبها مضغتين فأتيتني باللسان والقلب، وأمرتك ان تلقي أخبثها مضغتين فألقيت اللسان والقلب ،
فقال له: إنه ليس شيء اطيب من القلب واللسان اذا طابا ،
ولا أخبث منهما إذا خبثا...

الخلاصة:

الصلاح ..والفساد يبدآن من الداخل، ويظهر أثرهما على الخارج
ويُجازى صاحب أي منهما بمقدار ما يسكن قلبه احدهما