المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اليورو بين الفشل والدعم السياسي



الوعب
06-07-2010, 09:59 AM
اليورو قد فشل، ليس في هذا الكلام من تجنٍ، بل له اسبابه، فالتجربة التي بات عمرها عقدا من الزمن، تبحث عن مخرج لاضطرابها الاقتصادي، ما يطرح علامات استفهام حول جدواها في المقام الاول، والانجازات التي حققتها لدول منطقة اليورو بكل اختلافاتها وتبايناتها.
بداية، من المفيد الاشارة الى ان نمو اقتصاد منطقة اليورو عموما كان في تباطؤ مستمر منذ ستينات القرن الماضي، اي حتى قبل انشاء الوحدة النقدية، وذلك يعزى بشكل رئيسي الى الانظمة الاجتماعية الاشتراكية بطبيعتها والتي كانت - وما زالت الى حد ما - قائمة في اوروبا. فهذه الانظمة قادت الى مجتمعات اقل انتاجية وزيادة في الرفاهية مع مرور الوقت.
وقد تباطأ متوسط النمو السنوي لاقتصاد اوروبا من %3.4 في السبعينات، الى %2.4 في الثمانينات، الى %2.2 في التسعينات، ولم يفلح تبني الوحدة النقدية في تغيير هذا المنحى، اذ تواصل هذا التباطؤ بين عامي 2001 و2009 - اي في ظل اليورو - الى %1.1 فقط، وهو ما لم تشهده اي تكتلات اقتصادية اخرى في العالم، لا سيما تلك التي تطرح نفسها كقوة عظمى على الساحة الاقتصادية العالمية، كأوروبا، وانا أتوقع ان يكون النمو في 2010 و2011 من صفر الى %0.5.
لا يقف فشل اليورو عند معدلات النمو فقط، بل طال ايضاً مؤشرات رئيسية اخرى، فمعدلات التضخم لم تتقارب بين الدول الاعضاء، كما كان متوقعاً، اذ ضمن منطقة اليورو نفسها، برزت مجموعتان متناقضتان في هذا الاطار: الاولى، التي تضم معظم دول اوروبا الغربية التجارية.
اذ هناك دول تصدر اكثر مما تستورد، واخرى فاقت وارداتها حجم صادراتها. وليس من الصدفة ابدا ان تعاني هذه الاخيرة من معدلات تضخم مرتفعة.
وقد تكون اسعار الصرف قد عكست الى حد ما الواقع الاقتصادي للدول الاعضاء عند الانضمام الى اليورو. لكن اقتصادات هذه الدول كانت في تباعد متزايد منذ ذلك الحين. وبات من الواضح مع مرور الوقت ان السياسات الاقتصادية لا يمكن ان ترسم بمسطرة واحدة لكل الدول الاعضاء.
لذلك، من الممكن الجزم بان فشل اليورو ليس مرتبطا بالازمة العالمية الحالية. فالازمة لم تقم الا بتأجيج هذه المشكلات الجوهرية التي كانت اشبه بجبل جليدي متسترة تحت السطح، ولم تتسبب فيها.
وخلال عقد من الزمن، لم يحقق اليورو ما وجد لأجله، او ما نصت عليه النظرية وجرى الترويج له من مكاسب اقتصادية. فحين كانت الاحوال الاقتصادية في العالم «جيدة»، لم تبرز اي مشكلة. لكن حين عصفت الازمة، غرقت منطقة اليورو في وحل الاختلالات والتباينات بين اقتصادات دولها الاعضاء.
وهنا، استذكر ما قاله لي صديق يعمل رئيسا لبنك اوروبي وتأكيده مرارا وتكراراً حين قال ان القرار وراء انشاء منطقة اليورو كان سياسيا في المقام الاول، وليس اقتصاديا. ومن هذا المنطلق، ليس مستغربا ان تكون تكلفة الاستمرار باعتماد اليورو اعلى من المكاسب التي قد يحققها.
وهذا يُشرع الباب امام الوجه الآخر لليورو، الا وهو الوجه السياسي. وفي حال سلمنا بان اليورو قد فشل اقتصاديا فهل يفشل سياسيا؟ اي بمعنى آخر: هل يزول اليورو نهائيا؟ لا أعتقد، فالتقارب السياسي الذي حاولت كل دول اوروبا ابرازه على الساحة الدولية، والمواقف السياسية الموحدة التي تبناها الاتحاد الاوروبي، التي قد تكون جاءت على حساب بعض الدول لكنها سلمت بها حرصا على هذا التقارب السياسي، كلها عوامل تشير إلى أن الاتحاد الأوروبي لن يتخلى عن اليورو.
لكن لهذا الإصرار ثمنه، وهو ثمن مرتفع. ويكفي أن يقسم المرء قيمة المساعدات التي ستحصل عليها اليونان بعدد سكان منطقة اليورو لمعرفة المساهمة الباهظة لكل فرد في إنقاذ دولة واحدة. لكن التكلفة لا تقف عند هذا الحد، فثمن التباطؤ الاقتصادي سيكون حتى أعلى من ذلك، ليس فقط على الدول الأعضاء، بل على الدول غير الأعضاء أيضا. لكن هذا الثمن سيجري دفعه، مهما كان باهظا.
وهذا يضع أوروبا أمام خيار جديد: هل تمضي قدما نحو وحدة سياسية كاملة لإنقاذ الوحدة النقدية؟ لا أعتقد. فالأوروبيون لا يريدون ذلك ــ وهنا أقصد على المستوى الشعبي ــ لكونه يشكل تهديدا لحريتهم الشخصية ومكتسباتهم الفردية. لكن ذلك قد لا يمنع القادة من تبني هذا الخيار، من خلف الأبواب المغلقة. فحزمة المساعدات المقدمة إلى اليونان قد تشكل دليلا عليه، وفي النهاية، قد لا تكون هناك ديموقراطية كالتي يتغنى بها، أي باختصار: ألمانيا وفرنسا اتخذتا القرار، وما على الدول الأخرى إلا أن تلحق بهما.
من الواضح أن الإجراءات المتخذة حاليا لإنقاذ اليورو ــ كوحدة نقدية ــ لن تكون كافية لإنقاذ اقتصاد أوروبا. ففي الأجل الطويل، لن يكون ذلك ممكنا إلا في حال اتخاذ القادة الأوروبيين إجراءات جذرية لإعادة هيكلة الاقتصاد الأوروبي وإصلاح الأنظمة الاجتماعية فيه أو الوحدة السياسية الكاملة.


بقلم: إبراهيم شكري دبدوب*
* الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني وعضو مجلس إدارة معهد التمويل الدولي ـ واشنطن