عزوز المضارب
12-08-2010, 10:42 PM
من ينقذ الفيل؟
الاتحاد ـ د. محمد العسومي 12/08/2010
في خضم الأزمة المالية العالمية تبخرت مئات المليارات من الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة،
وبالأخص مع سقوط بنك "ليمان برذرز" العريق، إلا أن ما سمي في حينه بخطة
الإنقاذ أعاد بعض الثقة للبيئة الاستثمارية هناك، تلك الثقة التي سرعان ما تبخرت بدورها مع
صدور تقرير مكتب أبحاث الموازنة الأميركية في الكونجرس مؤخراً والذي حذر من إمكانية
تعرض الولايات المتحدة لأزمة ديون سيادية "مفاجئة"
مما سيلحق خسائر حجمها 3.7 تريليون دولار بالاستثمارات الأجنبية،
منها 400 مليار دولار من أرصدة الاحتياطات العربية.
أما صندوق النقد الدولي، فأشار إلى أن الديون السيادية الأميركية ستبلغ نهاية العام الجاري 13.3 تريليون دولار،
أي ما يعادل 90 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي الأميركي
وستصل إلى 100 في المئة مع نهاية العام القادم 2011، وهذه النسبة مشابهة لنسبة الدين العام اليوناني
(114 في المئة) والذي أحدث أزمة عالمية كبرى أضرت كثيراً بالعملة الأوروبية
الموحدة "اليورو".
وإذا ما عرفنا أن هذه الديون السيادية تشمل سندات الخزانة الأميركية،
فإن الوضع ربما يكون
كارثياً بالنسبة للاستثمارات الأجنبية، وبالأخص العربية، حيث اعتبر الاستثمار في هذه
السندات بمثابة ضمانة أكيدة لسنوات طويلة.
إن إحدى البدائل المطروحة، كما يبدو من تقرير أبحاث الموازنة في الكونجرس الأميركي،
هو التخلص من جزء كبير من أعباء الديون السيادية عبر إطفاء هذه الديون بإعلان الإفلاس أو
العجز عن الدفع باستغلال التشريعات الأميركية التي تبرر مثل هذا التوجه وتؤدي إلى تبخر
مئات وربما تريليونات الدولارات في ثوان معدودة.
هل يعتبر تقرير أبحاث الموازنة تحضيراً لمثل هذا الإجراء، أم أن لدى الإدارة الأميركية خططاً
أخرى للخروج من أزمة الديون السيادية؟ للأسف، يبدو أن البدائل محدودة للغاية، فمن بين
بلدان العالم يعتبر التنين الصيني الأكثر قدرة على رمي طوق النجاة للفيل الأميركي، ونستخدم
هنا تعبير الفيل على اعتبار أن الأزمة حدثت في عهد الجمهوريين الذين يمثل الفيل شعاراً لهم.
إلا أن التنين سوف لن يقدم على مثل هذه الخطوة دون مقابل ودون تضحيات كبيرة من الطرف الآخر،
فالنار التي تخرج من فم التنين يمكن أن تصل إلى مسافات بعيدة نسبياً.
من جانبها، فإن واشنطن تحاول حل قضية الديون السيادية التي تهدد مكانتها العالمية بشتى
الطرق، وضمنها التضحية بعلاقاتها التحالفية، حيث نلاحظ ذلك من تعاملها مع شركة "بي. بي"
البريطانية العملاقة، فحادثة تسرب النفط، وهي مجرد حادث، أطلقت عملية ابتزاز كبدت الشركة
البريطانية
ولا زالت عشرات المليارات وكادت تؤدي إلى إفلاسها، مما يشير إلى أن عملية
الاستحواذ على الأموال أصبحت قضية ساخنة ولا تحدها أية حدود.
إذن يمكن القول إن العالم يقف على أعتاب إمكانية هزة ارتدادية قوية ناجمة عن زلزال الأزمة المالية العالمية،
حيث يحتمل لاستثمارات مختلف بلدان العالم، بما فيها البلدان العربية، أن
تتعرض لعملية تبخر جديدة، وربما تكون قاسية، بسبب حجم الاستثمارات الأجنبية الهائل في
الديون السيادية، وبالأخص في سندات الخزانة الأميركية، مما قد يعرض الاستثمارات العامة
واستثمارات القطاع الخاص، بما فيها استثمارات بعض الهيئات المتخصصة، إلى محنة حقيقية.
نتمنى أن لا يحدث ذلك، وأن تتمكن حكومات العالم من احتواء هذه الهزة الارتدادية التي توقعها
مكتب أبحاث الموازنة بالكونجرس، إلا أن اتخاذ الاحتياطات أمر مهم لتفادي المفاجئات التي تحدّث عنها التقرير.
د. محمد العسومي
اختصاصي في الشؤون الإقتصادية - الإمارات العربية المتحدة
يعمل الدكتور العسومي في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية في دولة الامارات ودول
مجلس التعاون الخليجي منذ أكثر من 25 عاماً. وقد نشر الكثير من البحوث والدراسات في
مختلف قضايا التنمية. وهو عضو في العديد من اللجان التنموية في المنطقة. كما قام بتقديم
الاستشارات الاقتصادية للعديد من المؤسسات الرائدة في دولة الإمارات ودول مجلس التعاون
الخليجي. يحمل الدكتور العسومي دكتوراه فلسفة اقتصادية (Ph.D ) في التنمية الاقتصادية
والاجتماعية.
الاتحاد ـ د. محمد العسومي 12/08/2010
في خضم الأزمة المالية العالمية تبخرت مئات المليارات من الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة،
وبالأخص مع سقوط بنك "ليمان برذرز" العريق، إلا أن ما سمي في حينه بخطة
الإنقاذ أعاد بعض الثقة للبيئة الاستثمارية هناك، تلك الثقة التي سرعان ما تبخرت بدورها مع
صدور تقرير مكتب أبحاث الموازنة الأميركية في الكونجرس مؤخراً والذي حذر من إمكانية
تعرض الولايات المتحدة لأزمة ديون سيادية "مفاجئة"
مما سيلحق خسائر حجمها 3.7 تريليون دولار بالاستثمارات الأجنبية،
منها 400 مليار دولار من أرصدة الاحتياطات العربية.
أما صندوق النقد الدولي، فأشار إلى أن الديون السيادية الأميركية ستبلغ نهاية العام الجاري 13.3 تريليون دولار،
أي ما يعادل 90 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي الأميركي
وستصل إلى 100 في المئة مع نهاية العام القادم 2011، وهذه النسبة مشابهة لنسبة الدين العام اليوناني
(114 في المئة) والذي أحدث أزمة عالمية كبرى أضرت كثيراً بالعملة الأوروبية
الموحدة "اليورو".
وإذا ما عرفنا أن هذه الديون السيادية تشمل سندات الخزانة الأميركية،
فإن الوضع ربما يكون
كارثياً بالنسبة للاستثمارات الأجنبية، وبالأخص العربية، حيث اعتبر الاستثمار في هذه
السندات بمثابة ضمانة أكيدة لسنوات طويلة.
إن إحدى البدائل المطروحة، كما يبدو من تقرير أبحاث الموازنة في الكونجرس الأميركي،
هو التخلص من جزء كبير من أعباء الديون السيادية عبر إطفاء هذه الديون بإعلان الإفلاس أو
العجز عن الدفع باستغلال التشريعات الأميركية التي تبرر مثل هذا التوجه وتؤدي إلى تبخر
مئات وربما تريليونات الدولارات في ثوان معدودة.
هل يعتبر تقرير أبحاث الموازنة تحضيراً لمثل هذا الإجراء، أم أن لدى الإدارة الأميركية خططاً
أخرى للخروج من أزمة الديون السيادية؟ للأسف، يبدو أن البدائل محدودة للغاية، فمن بين
بلدان العالم يعتبر التنين الصيني الأكثر قدرة على رمي طوق النجاة للفيل الأميركي، ونستخدم
هنا تعبير الفيل على اعتبار أن الأزمة حدثت في عهد الجمهوريين الذين يمثل الفيل شعاراً لهم.
إلا أن التنين سوف لن يقدم على مثل هذه الخطوة دون مقابل ودون تضحيات كبيرة من الطرف الآخر،
فالنار التي تخرج من فم التنين يمكن أن تصل إلى مسافات بعيدة نسبياً.
من جانبها، فإن واشنطن تحاول حل قضية الديون السيادية التي تهدد مكانتها العالمية بشتى
الطرق، وضمنها التضحية بعلاقاتها التحالفية، حيث نلاحظ ذلك من تعاملها مع شركة "بي. بي"
البريطانية العملاقة، فحادثة تسرب النفط، وهي مجرد حادث، أطلقت عملية ابتزاز كبدت الشركة
البريطانية
ولا زالت عشرات المليارات وكادت تؤدي إلى إفلاسها، مما يشير إلى أن عملية
الاستحواذ على الأموال أصبحت قضية ساخنة ولا تحدها أية حدود.
إذن يمكن القول إن العالم يقف على أعتاب إمكانية هزة ارتدادية قوية ناجمة عن زلزال الأزمة المالية العالمية،
حيث يحتمل لاستثمارات مختلف بلدان العالم، بما فيها البلدان العربية، أن
تتعرض لعملية تبخر جديدة، وربما تكون قاسية، بسبب حجم الاستثمارات الأجنبية الهائل في
الديون السيادية، وبالأخص في سندات الخزانة الأميركية، مما قد يعرض الاستثمارات العامة
واستثمارات القطاع الخاص، بما فيها استثمارات بعض الهيئات المتخصصة، إلى محنة حقيقية.
نتمنى أن لا يحدث ذلك، وأن تتمكن حكومات العالم من احتواء هذه الهزة الارتدادية التي توقعها
مكتب أبحاث الموازنة بالكونجرس، إلا أن اتخاذ الاحتياطات أمر مهم لتفادي المفاجئات التي تحدّث عنها التقرير.
د. محمد العسومي
اختصاصي في الشؤون الإقتصادية - الإمارات العربية المتحدة
يعمل الدكتور العسومي في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية في دولة الامارات ودول
مجلس التعاون الخليجي منذ أكثر من 25 عاماً. وقد نشر الكثير من البحوث والدراسات في
مختلف قضايا التنمية. وهو عضو في العديد من اللجان التنموية في المنطقة. كما قام بتقديم
الاستشارات الاقتصادية للعديد من المؤسسات الرائدة في دولة الإمارات ودول مجلس التعاون
الخليجي. يحمل الدكتور العسومي دكتوراه فلسفة اقتصادية (Ph.D ) في التنمية الاقتصادية
والاجتماعية.